موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ١

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ١

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٥

١
٢

٣
٤

إهداء

إلى الصديق البحرينى

الدكتور على المدنى ، أبو حمزة

تقديرا لوفائه المتميز

ولدوره العلمى والثقافى والإنسانى

ولخدماته للعروبة والإسلام

٥

قصة هذا العمل

فى أوائل الثمانينات من القرن الماضى ، حصلت من احدى المكتبات التجارية فى انقرة وهى مكتبة صالح الخان على نسخة كاملة من خمسة أجزاء من الأصل التركى العثمانى لكتاب أيوب صبرى باشا الذى عنوانه مرآة مكة المكرمة ومرآة المدينة المنورة ومرآة جزيرة العرب وكانت نسخة نادرة ، واشتريتها أملا فى ترجمتها إلى اللغة العربية. ثم كانت المشاغل العلمية وكثرة السفر فتأخر التفكير فى الترجمة. ولما أراد الله ، تكون فريق عمل متخصص فى اللغة التركية وفى التاريخ لترجمة هذا الكتاب وفريق آخر لمراجعة الترجمة. والجدير بالتسجيل هنا أن جميع من أسهم فى هذا العمل. من مترجمين ومراجعين ومشرفين ، قنعوا بالرمز والقليل فى أداء دورهم وأنتهت علاقتنا المادية بترجمة هذا الكتاب ولكن كان من الضرورى نشر الكتاب ، فاستشرنا الأستاذة الدكتورة / ماجدة مخلوف فدلتنا على دار الآفاق العربية وصاحبها الأستاذ / سليم عبد الحى سليم الذى وجدنا منه كل ترحيب بالنشر ، وشكرناه كثيرا وقدرنا له هذا. وقدر هو لنا أن لم تكن لنا شروطا مادية فى نشر الطبعة الورقية من هذا الكتاب. واهتم بالطباعة وكرس لها الشيخ محمود جيرة الله لهذا أهنى المكتبة العربية والمستفدين من ظهور هذا السفر العظيم

محمد حرب

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الكتاب من درر التراث العثمانى وهو تراث إسلامى مكتوب باللغة التركية العثمانية وهى لغة أسهمت إسهاما واضحا فى مسيرة التراث الإسلامى ، ومعلوم أن التراث الإسلامى لا يقتصر على التراث المكتوب باللغة العربية فحسب ، إنما تتنازعه الفارسية والتركية : الشرقية والغربية وغير ذلك من لغات المسلمين مثل هذه اللغات فى ذلك مثل اللغة العربية ، بالإضافة إلى التراث الشفاهى لهذه الشعوب.

ومصنف هذا الكتاب هو أيوب صبرى باشا ، وهو مؤرخ عثمانى توفى فى استانبول عام ١٨٩٠ م ولما كان ـ يرحمه الله ـ قد تنقّل فى السلك العسكرى حتى وصل إلى رتبة أميرلاى فى البحرية العثمانية وأقام فترة طويلة بالحرمين الشريفين مكة والمدينة أتاح له ذلك أن يثرى علمه ومشاهداته ورؤيته الشخصية ومعرفته الواسعة بالتاريخ الإسلامى ، وبدا هذا واضحا فى تصنيفه لكتابه هذا المشهور جدا والذى يتفوق كثيرا على ما كتب فى فنه فى كل اللغات.

وأهم مصنفات أيوب صبرى باشا هذا العالم المؤرخ الأديب :

١ ـ محمود السير ١٨٧٠ م

٢ ـ تكملة المناسك ١٨٧٥ م

٣ ـ أسباب العناية فى ترجمة بداية النهاية ١٨٨٩ م

٤ ـ شرح قصيدة بانت سعاد ١٨٨٤ م

٧

٥ ـ مرآة مكة ١٨٨٤ م

٦ ـ مرآة المدينة ١٨٨٧ م

٧ ـ مرآة جزيرة العرب ١٨٨٩ م

وتمثل هذه المرايا الثلاثة هذه الموسوعة التى بين يديك عزيزى القارئ ولما كان أيوب صبرى باشا ـ بهذا العمل الموسوعى الضخم ـ يمثل عهد السلطان عبد الحميد صاحب سياسة الجامعة الإسلامية والتقارب الإسلامى ، لذلك وجد هذا الكتاب على ضخامته طريقه إلى المطبعة ، وقد جاء هذا الكتاب موسوعة جامعة شاملة عن هذه البقعة الطيبة قلما توجد فى كتاب واحد وبهذه الصورة الرائعة التى صنف الباشا بها كتابه.

قسم أيوب صبرى باشا كتابه إلى ثلاثة مجلدات فى خمسة أجزاء :

الأول : مرآة مكة فى جزأين

الثانى : مرآة المدينة فى جزأين أيضا

الثالث : جزيرة العرب فى جزء واحد

ويقع الكتاب فى ٣٠٠٠ صفحة تقريبا ، من القطع الكبير.

إن هذا المصنّف الذى يعد ـ بحق ـ موسوعة علمية وثقافية بما حواه من المعارف والفنون والتاريخ والقصص والشعر والإحصاءات قد استغرق تأليفه سبعة عشر عاما فقد قام المؤلف بتنقيح مادة كتابه ، وانتقاها جيدا إذ إنه بجانب اعتماده على المصادر والمراجع كان يسأل الأحياء من الناس من كبار السن يستوثق لمادة كتابه.

يقول المصنف : «تم تأليف المجلد الأول (مكة المكرمة) من أثر مرآة الحرمين الذى شغلت بتأليفه منذ سنة ١٢٨٩. وتم تأليف كل الكتاب وطبعه فى أوائل جمادى الآخرة سنة ست وثلاثمائة وألف من هجرة النبى الأعظم».

٨

هل كانت كلمة المرآة مقصودة من المؤلف؟

وماذا أراد المؤلف باستخدام كلمة المرآة ودلالتها؟

كذلك يقول أيوب صبرى باشا : «ومن البديهى أن الذين يسمعون لفظ المرآة سيلقون نظرة على سطور صفحاتها ثم يظنون أنهم سيرون فيها صور أنفسهم ، يدل لفظ المرآة على الآلة التى تعكس الصورة ولكنهم إذا ما تذكروا أن من وظائف المرآة ومهماتها تقريب البعيد سيقنعون بأن مرآة الحرمين تاريخ كثير المنافع جامع لأحوال البلاد الحجازية العامة».

والغريب أن الترتيب الداخلى لفهرست كل جزء من الأجزاء الثلاثة : (مرآة مكة ـ مرآة المدينة ـ مرآة جزيرة العرب) مكون من ثلاثة أقسام كل قسم منها مقسم تقسيما داخليا إلى ما يسميه المصنف : الوجهة والصورة بحيث تحتوى كل وجهة على عدد معين من الصور.

ودلالة كلمة المرآة ليست ببعيدة عن دلالة كلمة الوجهة وكلمة الصورة.

أسباب تصنيف الموسوعة :

أولا : ـ

رأى أيوب صبرى باشا أن علماء كثيرين ألفوا فى تاريخ هذه البلاد لكن لم يتوفر لهذه المؤلفات أو لبعضها صفة الجمع أو الشمول لتتحدث عن هذه البلاد الثلاثة مجتمعة معا ، فمن ألف قبله فى تاريخ مكة أو تاريخ المدينة أو تاريخ كليهما أو تاريخ جزيرة العرب على حده ، لم يتوفر لأعمالهم صفة الإحاطة بكافة جوانب الموضوع الذي تكتب عنه وكذلك ينقصها الدقة العلمية.

ثانيا : ـ

ما لهذه البلاد من مكانة وقدسية فى قلوب كل المسلمين على السواء سواء أكانوا عربا أم غير عرب خدمة لأبناء هذا الدين يقول المصنف : «وأردت أن أخدم الذين ينتمون إلى ديننا».

٩

إذن فالهدف الأساسى من تأليف الكتاب هو نفع الإسلام وبمعنى أصح نفع المسلمين فى شتى بقاع الأرض عن طريق تعريفهم بأقدس بقعة على وجه الأرض فهى كانت قبلتهم ووجهة حجهم وموطن أشرف خلق الله.

الكتاب المصنّف :

ينقسم هذا السفر الضخم فى أصله العثمانى إلى ثلاثة أجزاء كبار هى مرآة مكة ويشغل الصفحات من ١ ـ ١١٤٥ ، ومرآة المدينة وهى من صفحة ١١٤٦ ـ ٢٥٠٢ ، ومرآة جزيرة العرب من صفحة ٢٥٠٣ ـ ٢٩٠٦.

فى الجزء الأول من هذه الموسوعة ـ وهو مرآة مكة ـ تحدث أيوب صبرى باشا عن كل شىء يمت بصلة إلى مكة سواء من بعيد أو قريب ، فهو يحدثنا عن تاريخها منذ بدء الخليفة إلى زمن تأليف الكتاب (عهد السلطان عبد الحميد الثانى) ، وعن ساكنيها وعاداتهم ، وموقعها الجغرافى وحدودها ، ووصف منازلها ودورها وطرقها ، وما سيأتى فى الحديث عن مرآة مكة وهو حديث مستقل.

وفى الجزء الثانى من هذه الموسوعة ـ وهو مرآة المدينة ويماثل فى الحجم الجزء الأول ـ يتحدث فيه عن مراجعه ومعلوماته الشخصية وما حصل عليه من الأخبار من تحقيقاته الذاتية. ومع هذا فهو أول كتاب يتضمن الأحوال العامة والخاصة للمدينة المنورة باللغة العثمانية ومن هنا حاز شرف السبق والأولية ويصح أن نصف هذا الجزء بأنه دائرة معارف كبيرة عن المدينة المنورة.

أما الجزء الثالث من هذا الكتاب فهو يعد أصغر جزء فى الموسوعة إذا ما قورن بالجزأين السابقين مرآة مكة ومرآة المدينة فهو يبلغ حوالى ٤٠٠ صفحة بينما يربو كل جزء من السابقين على ١٢٥٠ صفحة.

وفى مرآة جزيرة العرب الحديث المستفيض عنها من حيث الموقع الجغرافى والحدود الطبيعية وتاريخ الجزيرة منذ أقدم العصور وذكر الملوك والحكام الذين

١٠

تولوا زمامها وكذلك قبائلها ورسومهم وعاداتهم وأحوال ساكنيها وكيف تقلبت بهم الأحداث.

ويبين المصنف فى بداية هذا الجزء أنه جعله ذيلا لكل من مرآة مكة ومرآة المدينة ومن ثم وجب إلحاقه بهما واعتباره جزءا ثالثا للكتاب ، إذ إن معرفة أحوال جزيرة العرب وتاريخها من الأهمية بمكان لمن يريد أن يتعرف على صورة الحرمين حتى تكتمل الصورة فى ذهننا فيقول : «ولكنه من المحال أن نحيط الإنسان علما بأحوال الخريطة الحجازية الواسعة وحقائقها التاريخية بمطالعة بعض التوضيحات التى قدمت عن الأماكن المقدسة والمآثر الفخمة للحرمين الشريفين مطالعة سطحية قبل أن يعرف الأحوال التاريخية والتقسيمات الجغرافية لجزيرة العرب ، ولذلك كتبت هذا التاريخ المختصر وضمنته أحوال قطعة جزيرة العرب وألحقته بالمرآة.

وهذا الجزء يعتبر الخلاصة لمن أراد أن يتعرف على أحوال جزيرة العرب ورغم قلة حجمه عن الجزأين السابقين إلا أنه كتب على ستة أجزاء. ولا تخلو هذه الموسوعة من نزعة أدب الرحلات وخاصة فى الأجزاء التى يذكر فيها الأماكن المقدسة ومواقعه الحربية ووصف الحرمين الشريفين وينبغى العلم أن المصنف زار هذه الأماكن المباركة وهو يصف ذلك لنا من خلال زياراته ولهذا اتضحت لنا صورة البلاد وخريطتها وأحوالها.

يتمتع أيوب صبرى باشا بقوة وكثرة مراجعه ، ودقة رؤيته ، وصواب تحليلاته ، كما يتسم بالتواضع الجم فهو يصر على وضع نفسه موضع تساؤل من جهة القارئ وموضع التقصير أيضا فهو كثيرا ما يصف نفسه بالتقصير والعجز.

كما تتصف هذه الموسوعة بالروح العلمية التى تعتمد التوثيق أساسا لها. ويظهر هذا حرصه كل الحرص على الأمانة العلمية التى تمثلت فى أمور منها :

١ ـ حرصه أن يذكر لنا مصادره ينص على ذلك فى مقدمة مصنفه وفى ثناياه.

٢ ـ حرصه على زيارة الأماكن التى يتحدث عنها غير مكتف بما جمعه من مادة علمية عنها.

١١

ويجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المصنّف كتب بلغة واضحة فى أسلوب سهل وبعيد عن التعقيد اللغوى ، وبذلك فقد ناسب هذا الأسلوب مستويات الكثير من القراء.

كذلك يعد من مميزات هذا المصنف احتوائه على قدر من الطرافة والجدة فى آن واحد. فهو مع ضخامة مادته العلمية يدفع عن القارئ الملل بكل الطرق بذكر موضوع آخر أو حكاية غريبة أو حادثة نادرة وأحيانا تطالع القارئ أبيات من الشعر.

١ ـ مرآة مكة : هو المجلد الأول من هذه الموسوعة وقد تحدث المؤلف فيه عن كل شىء عرفه يمت بصلة لمكة سواء من بعيد أو من قريب ، فهو يحدثنا عن تاريخها منذ بدء الخليقة إلى زمن تأليف مؤلفه هذا ، وعن ساكنيها وعاداتهم ، وموقعها الجغرافى وحدودها ، ثم يصف لنا مكة ومنازلها ودورها وطرقها.

بعد ذلك يحدثنا المؤلف عن أسماء مكة الكثيرة وألقابها وسبب كل لقب من هذه الألقاب ، ثم يعرج على أحوال بناء الكعبة المشرفة فى مرآتها ويعرض لنا ـ بشىء من التفصيل ـ ترجمة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ ثم يقص قصة تجديد بيت الله الحرام ـ فى مرآتها ـ التى وصلت إلى إحدى عشرة مرة.

ويواصل المؤلف حديثه بعرضه الجهود التى بذلت فى توسعة بيت الله الحرام منذ القدم حتى زمنه ، وكذا الجهود التى بذلت فى تعميره وإنارته وتزيينه ليظهر فى أكمل صورة تليق ببيت الله الحرام.

ويتحدث بعد ذلك عن كسوة الكعبة المشرفة ، وعمن أهدوا الكسوة إليها ، ونوع القماش الذى كانت تصنع منه ، وكيف تعلق الستائر على الكعبة ، ووصف البيت الحرام وأجزائه الشريفة ، والأبواب ، وأسماء كل منها والأعمدة وعددها والقباب وعددها ووضعها ، والمآذن وأسماء كل منها ، ثم يتحدث بعد ذلك عن فضائل مكة ومساجدها ، وجبالها ودروبها.

١٢

وينقسم هذا المجلد من الكتاب إلى سبعة أبواب وواحد وأربعين فصلا :

تحدث المؤلف فى الفصل الأول عن موقع مكة الجغرافى والإستراتيجى ، فى داخل إقليم الحجاز وهى مركز إدارته وحكمه ، ويحدها من الشمال المدينة المنورة وصحارى الشام ، ومن الجنوب جبال نجد واليمن ومن الشرق البحرين ، ومن الغرب البحر الأحمر.

وتنقسم نواحى مكة إلى منطقتين كبيرتين هما : نجد وتهامة.

ففى نجد تقع الطائف ، وتمتاز ، وقرن ، ونجران ، والظهران ، وعكاظ ، ومنحره ، ونعم ، وجرعش ، وسراة.

أما النواحى التابعة لتهامة فهى : نعم ، وزعك ، وخنكان ، ويشى ، ووادى نخلة ، وذات عرق ، ويليل.

أما من الناحية البشرية فإن أهل مكة يتمتعون بروح تجارية عالية نظرا لموقها الخاص ، وكذلك يبين لنا القرآن فى حديثه عن قريش أنها تقع فى ملتقى مناطق ودول كثيرة أضف إلى ذلك الموقع الإستراتيجى بحكم قدسيتها وحج جميع العرب إليها.

ومن الفقرات الهامة فى هذا الفصل التى تحدث عنها المؤلف أديان العرب فى الجاهلية ، ففيها يتحدث عن أديان العرب وعباداتهم قبل الإسلام والتى كانت تتمثل فى اليهودية والمسيحية ، والمجوسية ، وكذلك الأصنام التى كانت تعبدها بعض القبائل فذكر أن بنى حنيفة من قريش اتخذت إلها من طعام اسمه «حيس» وظلوا يعبدونه مذة طويلة ، وعند ما حدثت المجاعة والقحط قاموا بتقسيمه ثم أكله ، وفى ذلك يقول شاعرهم :

أكلت ربها حنيفة من جوع قديم بها ومن إعواز

ومن النقاط الطريفة فى هذا الفصل والتى تعد من أهم ما ذكر المؤلف فيه حديثه عن مكة ، وأسمائها ، وألقابها ، وسبب تلقيبها وتسميتها بهذه الأسماء

١٣

معددا ما يقرب من ١٢٩ اسما وخمسة ألقاب معللا فى كل ذلك سبب التسمية ، واللقب ، وكذلك يرجع بالتسمية إلى أصلها اللغوى يستعين به فى التفسير والتعليل.

عن أسماء مكة يقول المؤلف : «عدد الأسماء ذات الدلالة الباهرة التى أطلقت على مدينة مكة المعظمة فى الكتب المقدسة كثيرة وهى : «مكة ، بكة ، بلد ، قرية ، أم القرى ، بلدة ، البلد الأمين ، صلاح ، باس ، البساسة ، ناسة ، الساسة ، حاطمة ، رأس ، كوثى ، عرش ، عريش ، عرش ، قادس ، القادسية ، سبوحة ، حرام ، البلد الحرام ، المسجد الحرام ، معطشة ، برة ، رتاج ، رحم ، أم رحم ، أم الرحمة ، كوثى ، أمينة ، أم الصفا ، مروية ، أم المشاعر ، متخفية ، البلدة المرزوقة ، تهامة الحجاز ، طيبة ، مدينة الرب ، عاقر ، فاران» ، وعددها خمسة وأربعون اسما جليلا. ولها ثمانية ألقاب جليلة مثل «المشرفة ، المكرمة ، المفخمة ، المهابة ، الوالدة ، النادرة ، الجامعة ، المباركة».

سبب إطلاق هذه الأسماء على مكة :

ورد فى أقوال علماء اللغة أن اسم مكة المكرمة يطلق على هذه المدينة المقدسة فقط أو مجموع الحرم الشريف ، أى المناطق الواقعة داخل المواقيت المحدودة ، وسبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى أسباب متعددة : على قول أنه مأخوذ من معنى «النفض» وكأنها تنفض جميع الآثام ، وعلى رأى آخر أنها تنفض الظلم وتهلك أهل الجور ، وعلى رأى ثالث أن الأرض المقدسة قليلة المياه ، وسكانها كأنهم يمتصون المياه من أراضيها بأفواههم ..

أو أنه مأخوذ من لفظة «مكاكة» التى تعنى النخاع والمخ فى وسط العظام ، وكأن مكة كعبة الله فى وسط الدنيا وخلاصتها ، وعلى قول ، أن الأرض المباركة بيت الله تمتص ذنوب العصاة وأوزارهم وتخرجها ثم تمحوها ، وكأنها تمتص النخاع من العظام ، وكانت هذه البقعة مشهورة بقداستها حتى قبل الإسلام وإبان مجئ الإمبراطورية الرومانية وكانت تذكر باسم «مقربة» وتعرف به.

١٤

بكة : وهناك اختلاف حول هذا الاسم وعند البعض أن مكة وبكة اسمان لمسمى واحد ومترادفان ، وبما أن حرفى الباء والميم متقاربان من ناحية النطق والمخرج الصوتى كان كل واحد منهما يحل مكان الآخر ، ويدعون أن مكة وبكة اسمان لمسمى واحد ؛ مع أن «بكة» في نظر البعض هو اسم المدينة المقدسة «مكة المكرمة» ، وعند البعض الآخر أنه اسم البقعة الجليلة الكعبة المشرفة فقط.

والقول الصحيح أن مكة هو اسم الأماكن المباركة داخل حدود الحرم خارج المسجد الحرام ، وبكة هو اسم البقعة التى عليها بيت الله وحرم المسجد الحرام المبارك.

وحسب قول ابن عباس أن سبب إطلاق اسم مكة أنها كانت تذل الملاعين والجبابرة الذين يعادونها.

أم القرى : وسميت بهذا الاسم لكونها أقدم بقعة على وجه البسيطة وقول الشاعر يؤكد أن أقدم الأراضى هى هذه البقعة المباركة. وإن كان هذا دليلا لا يتسرب إليه الشك وسندا كافيا لتصديق تسميتها «بأم القرى» ، إلا أن كون مكة المكرمة قبلة الجميع وامتيازها على بلاد الأرض كلها بالفخامة والعظمة ولاحتوائها على الكعبة الشريفة وخلو الأرض من تراب بقعة الله المباركة يجعلها جديرة بإطلاق هذا الاسم عليها وتبعا لهذا التوضيح لابد وأن يكون (أم القرى) هو اسم الأرض المقدسة التى تقع ضمن مواقيتها.

قال عبد الله بن عباس ، وهو أعلم الناس (أطلق اسم أم القرى على مكة لأنها أعظم بلاد الأرض شأنا وكرامة ولأن الأرض قد بسطت من التراب الذى تحتها).

أما ابن عادل فقد وضح الموضوع فى تفسيره قائلا : إن موضع الكعبة المعظمة كان غثاء قبل أن يخلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الأرض والسماوات وعند ما بدأ خلق مكوناتها خلق الأرض وبسطها من تحت الكعبة قبل أن يخلق السماء ، وهذا هو سبب تسميتها «بأم القرى» لأنها هى الأصل.

١٥

والفصل الثانى يصف لنا منازل مكة وبيوتها وطرز أبنيتها ، وكذلك فرش البيوت ومتاعها فيصف لنا المبانى بعضها مبنىّ من الحجارة والطوب ، وبعضها أكواخ مصنوعة من الأعشاب والحصر يطلق على الواحد منها عشة.

ثم يتحدث عن طبيعة الجو والمناخ في مكة وحرارته المرتفعة التى من جرائها يذهب السكان إلى حديقة «المعلا» ويذكر لنا كذلك الخضر والفواكه التى تخرجها أرض مكة المعظمة ويبين أى هذه الفواكه ضار بسكان البلاد الباردة الذين يزورون البلاد الحارة وينبه إلى ما لا يجب تناوله فى الأراضى الحجازية ومنها :

الخوخ : وهو صعب الهضم.

المشمش : فهو يصيب من يتناوله بإفراط بالإسهال.

التين : ينبت فى الطائف وهو لذيذ الطعم لكن الإفراط فى تناوله يسبب الفتور.

السفرجل : وهو لذيذ الطعم ، طيب الرائحة ، إلا أن أكله قبل نضجه ضار.

الكمثرى : والإفراط فى أكلها يصيب المعدة بالضعف.

التفاح : مذاقه مزز من ـ ذو مزازة ـ وإذا طهى بالسكر وأكل منه الإنسان قدرا معتدلا فإنه يساعد على الهضم.

البرقوق : وهو يوجد بالطائف واسمه «برقوق مردم» ، وأكله غير مرغوب لأنه يسبب الإسهال.

العنب : يرى الأطباء أن الطازج منه يبرد الدم ورغم أن ضرره أقل من الفواكه الأخرى فإن الإفراط فى أكله يسبب إسهالا مؤلما.

اللوز : وهو بطئ الهضم ، لكن له منقوع يمنع الحرارة ويسكن الألم.

التوت : لا يوجد بها إلا التوت الأسود وهو سريع التلف.

العناب : يجلب من الشام ، وهو مفيد لمرض الصدر.

١٦

البطيخ : وأكل البطيخ فى الأيام الحارة يرطب الجسم ويسكن فورة الدم.

الشمام : أكله يسبب أحيانا تعبا فى القلب ، لذا ينصح بعدم أكله طالما كان غير ناضج.

البرتقال : ثمر طيب يجلب من مصر ، وشرب عصيره لا مثيل له فى خفض الحرارة ، وإزالة جفاف الحلق ، وتنقية الدم.

الرمان : فائدته كبيرة إذا ما شرب معصورا ، فشرب الحامض منه يرطب الدم ويسكن السخونة ، ومع هذا فإن أكل الحلو منه ببذور يفسد المعدة.

الموز : ويشبه فى الطول والعرض الخيار الروسى الطازج والذى يسمى الخيار البرى أفضله ما يزرع فى الأراضى اليمنية. والموز الذى يزرع فى منطقة الحجاز ويستساع أكله بعد نزع قشرة الناضج منه مع السكر ، والإفراط فى أكله مضر لصعوبة هضمه.

ويتعرض المؤلف فى الفصل الثالث لسبب تسمية البيت المعظم باسم الكعبة حيث بين أنه فى الزمن الماضى كان يمنع أن ترتفع الأبنية أعلى من البيت المعظم فيما يبنى حوله من أبنية ، واستمر هذا الاعتقاد حتى دخول الإسلام الجزيرة العربية ، ولذا فلم تظهر فى مكة لعدة قرون أبنية تعلو البيت المعظم لذا أطلق اسم الكعبة على البيت المعظم.

وفضائل الكعبة المكرمة أكثر من أن تحصى فهى بيت الله ، وقبلة كل المسلمين فى شتى بقاع الأرض وكذا هى مربط حبهم ، وهى أفضل كل بلاد الدنيا ويقارن المؤلف بين منزلة مكة ومنزلة المدينة المنورة فيقرر بناءا على الحديث الشريف أن مكة أجل منزلة حيث قال صلى الله عليه وسلم إن الصلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وكذا هى أعلى مكانة لأن ماء الحياة الطاهر تفجر من هذا النبع ، وأن نور الإسلام الذى أشرق على هذا الكون من ذلك البرج الرفيع.

١٧

كما أن الكعبة المباركة هى مهبط الوحى الجليل ومجمع الأنبياء ، وفيها قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (سورة آل عمران : الآية ٩٦) ومن الطريف جدا فى هذا الفصل حديث المؤلف عن البيئة القاسية الصحراوية لمكة المكرمة ووقوعها فى مكان غير ذى زرع ، فالمؤلف يذكر كذلك خمس حكم هى :

الحكمة الأولى : أن مجاورى البيت الحرام يقطعون الأمل من التعلق بغير الله وذلك بإظهار التوكل التام عليه سبحانه وتعالى تقدست ذاته.

الحكمة الثانية : عدم طمع أحد من الأكاسرة ملوك الدنيا والحكام الجبابرة ، فى الإقامة حول بيت الله ، والواقع أن أحدا من جبابرة الزمان والأكاسرة ملوك الدنيا لم يتمكنوا من السكنى بجوار كعبة الله.

ولا يمكن لهؤلاء الجبابرة أن يجدوا المتعة واللذة الدنيوية التى يسعون إليها فى واد غير ذى زرع. وهكذا طهر الله ـ سبحانه وتعالى ـ الكعبة الشريفة ونزهها من لوث بنى البشر الذين يعبدون الدنيا.

الحكمة الثالثة : حتى لا تتحول الكعبة إلى متجر لأنها خلقت للحج والزيارة فقط.

الحكمة الرابعة : لتقديس مكانة الفقر وشرفه.

الحكمة الخامسة : من أجل إبراز أن كعبة المعرفة لا تحل إلا فى قلب خال من حب الدنيا وزخرفها.

ويتحدث المؤلف فى الفصل الخامس عن الإقامة فى مكة المكرمة وحكم ذلك لأن كثرة الإقامة في مكة يفقدها الحرمة الموكلة إليها ويورد في ذلك آراء وأقوال فقهاء الإسلام فيقول : «ولما كان أخذ إيجار المنازل من الحجاج الذين يفدون إلى مكة ليس حلالا لذا كان الأوائل يأخذون ثمن الإيجار في السر والخفاء حتى أن

١٨

عمر بن الخطاب أمر أن تترك أبواب بيوت مكة مفتوحة فى موسم الحج حتى يسكن الحجاج فى المنازل الخالية ، كما كانت لعمر بن عبد العزيز أوامر مشددة إلى أمراء الإمارة الجليلة مكة المكرمة بألا تؤجر بيوت مكة إلى الحجاج.

وقد أجاز الإمام محمد والإمام أبو يوسف أن تباع بيوت مكة مع الكراهة ، إلا أن الإمام الأعظم قال إنه مكروه في كل الأحوال».

ويتحدث الباب الثانى ـ والذى تضمن ثلاثة عشر فصلا ـ عن بناء الكعبة وتجديدها فيتحدث الفصل الأول عن أوليات بناء الكعبة الشريفة منذ الأزل فيذكر أن بعض الأقوال ترجح أن بداية بناء الكعبة كان من الملائكة المشرفين. وفى الفصل الثانى يتحدث عن بناء الكعبة لأول مرة حتى خاطب الله الملائكة بأنه سوف يجعل فى الأرض خليفة فبينوا المعارضة ثم ما لبثوا أن تابوا وتضرعوا إلى الله أن يغفر لهم ولاذوا بالعرش العظيم فأمرهم الله أن يطوفوا بالبيت المعمور وأن يقام بيت مقدس على وجه الأرض لذا أرسل سبحانه وتعالى عددا من الملائكة لإنجاز هذا الأمر وخاطب الملائكة بقوله «شيدوا على وجه الأرض بيتا معظما ، وعند ما يطاف بالبيت المعمور في السماء ، يطوف أيضا أهل الأرض بهذا المقام الرفيع الذى ستقيمونه على وجه الأرض».

وفى الفصل الثالث يتعرض المؤلف لذكر وقائع بناء الكعبة للمرة الثانية والذى قام بهذا العمل هو أبو البشر سيدنا آدم (عليه السلام) ؛ ذلك أن سيدنا آدم لم يستطع سماع صوت تسبيح الملائكة وتهليلهم بعد هبوطه بمدة ، فاغتم لذلك بذلك فعرف ما فى ضميره حضرة علام السر والخفايا وجأر بالشكوى قائلا : «يا إلهى لا أسمع صوت تسبيح وتهليل الملائكة الكرام».

وبناء على هذه الشكوى صدر الخطاب الشريف من الله عز وجل : «يا آدم إن الزلة الصادرة منك هى المانع أن تجد أساسه وتقيم عليه بيتا مباركا ، وقام سيدنا آدم بتعلية الأساس للبيت الشريف إلى أن ظهر فوق الأرض ، واستخدم في هذا الأحجار التى جلبتها الملائكة الكرام من جبال لبنان وطور سيناء ، وطور زيتا ، والجودى ، وحراء ، ثم وضع فوقه البيت المعمور الذى جئ به من الجنة.

١٩

أما تجديد البيت للمرة الثالثة فكان من نصيب أبناء سيدنا «شيث» بن سيدنا آدم ـ عليهما السلام ـ وأولاده وأحفاده ، ذلك أنه بعد غرق الأرض فى الطوفان العظيم زالت آثار البيت الحرام ولكن بعد انحسار الماء ظهر الأساس القديم للبيت الشريف وقام أحفاد شيث ـ عليه السلام ـ بتعميره وتجديده من حين لآخر.

وفى الفصل الخامس يستعرض المؤلف بالتفصيل ترجمة سيدنا إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ من بداية مولده ونشأته ثم مرورا بنبوته ، ثم ما حدث له فى الحريق العظيم وكيف أنجاه العظيم ـ جل شأنه ـ من هذا الخطر العظيم ، وكذلك يحدثنا عن قصة سيدنا إسماعيل وواقعة فدائه بكبش عظيم من قبل الحق سبحانه ، بين لنا فيها كيف كان خلق الأنبياء تجاه ربهم وهى الطاعة الأصيلة ، الطاعة الواثقة فى قدرة الله ورحمته وكيف أطاع إسماعيل أمر ربه وأمر أبيه بتكليفه بذبحه وكيف صبر الإثنان على هذا الأمر واحتملاه.

ومن الطريف بمكان فى هذا الفصل حديث المؤلف عن بئر زمزم وأسمائها وسبب إطلاق هذه الأسماء على زمزم الشريف ، فقد أحصى العلماء لبئر زمزم ثلاثين اسما وبينوا سبب إطلاق كل اسم منها وهنا أمثلة على ذلك :

١ ـ زمزم : سبب التسمية قوة ماء البئر وتدفقها فزمزم اسم للبئر ، وليس للماء الشريف.

٢ ـ همزة : ومعناها الضرب إيماء إلى أن جبريل الأمين قد ضرب الأرض بكعبه أو بجناحه على قول آخر فانفجر ذلك الماء.

٣ ـ شباعة عيال : لأن أهل الجاهلية اعتادوا أن يشبعوا أولادهم حتى يرتووا.

٤ ـ مضنونة : وسبب التسمية لأن المنافقين لا يشربون منها حتى يرتووا.

٥ ـ بشرى : لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ بشر المؤمنين الذين يشربون ويرتوون من هذا الماء تكتسب بطونهم نورا وينجون من نار جهنم.

٢٠