موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

الوجهة الثالثة عشر

وتحتوى على عشر صور

١٦١
١٦٢

فى ذكر حجرات مسجد السعادة وبالوعاته

إخطار ـ يطلق فى البلاد العربية على الحجارة المصقولة الموضوعة فوق الحفر ضيقة الفوهة واسعة الجوف وخاصة لإجراء مياه الأمطار حتى لا تتراكم فى الميادين «بلاعة» وهى البالوعات التى نحن بصدد تعريفها ، سواء أكانت هذه الأحواض تملأ ماء أو كانت تملأ بتراب مخلوط بالملح والحفر التى ملئت بهذا الشكل ستبلع المياه المضبوطة مهما كانت كثيرة لأجل ذلك أطلق عليها «بالوعة» أو «بلاعة».

كان فى الأوائل لمسجد السعادة ٦٤ بالوعة وكان فوق كل واحدة منها حجر مستدير مستقر لرمى الطيور ، وقد قضت تقلبات الزمن على كل هذه البالوعات وأبقت واحدة فقط.

ثم دبر تسعة عشر سقاية بدل البالوعات الخربة ، وبما أنه قد فهم مؤخرا عدم جدوى تلك السقايات قد أزيلت بالاتفاق مع الأهالى من قبل القاضى شرف الدين الأسيوطى والأعيان مثل الشيخ ظهير الدين.

وبعد مدة أنشأ أحد أمراء الشام يسمى «شامة» فى وسط مسجد السعادة حوضا ذا فوارة وملأه بمياه عين الزرقاء وأحيا الجماعات الإسلامية إذ دبر له مياها للوضوء.

وقد أسئ استخدام الحوض الذى صنع من قبل «شامة» الشامى وأضاع حرمة حرم السعادة الخاصة ، وامتلأ فى فترة ما بالتراب والطين ولم يبق به مكان للوضوء.

١٦٣

وبنت أم الخليفة الناصر لدين الله خلف جدار مسجد السعادة الشامى سقاية كبيرة ودور خلاء متعددة وفتحت بابا من داخل السقاية وبابا للدخول فى المسجد الشريف منه.

ومع مرور الوقت كل هذه المبانى خربت ولم يبق ما يدل عليها ، لأجل ذلك بنى والد السلطان كثير المحامد الخليفة السلطان عبد المجيد خان فوق نطاق باب التوسل مدارس فوقية وخلف هذه المدارس كثيرا من الميضات ودور خلاء وهكذا سهل للناس حاجاتهم.

حجرات مسجد السعادة :

توجد فى داخل مسجد المدينة الشريفة غير الحجرة المعطرة اللطيفة ثمانى حجرات تطلق عليها خزانة وكل اثنتين منهما توجد ملاصقة كل مئذنة.

فالسادة المؤذنون يصعدون المآذن مارين من هذه الحجرات ويضعون فى بعضها حاجياتهم. إحدى هذه الحجرات فى الجهة الشمالية من المئذنة الغربية ، وكان يطلق على هذه المئذنة المئذنة الخشبية وكان خدمة المسجد الحرام يجمعون فى الحجرة التى تتصل بها بعض أشيائهم. وكان بعض الذوات يعتكفون فى داخلها ، وإحدى الحجرات المذكورة فى اتصال الحجرة التى بجانب المئذنة المذكورة ، وكانت إحداهما بين باب جبريل وباب النساء.

وحجرة أخرى بجانب تلك الحجرة التى بين البابين المذكورين ، والحجرة اللطيفة التى بجانب الحجرة التى بين باب النساء وباب جبريل فى الطرف الشمالى إلى المقصورة «صفة أصحاب الصفة» والتى خصت لإقامة الأغوات الذين يقومون بخدمة الحجرة المعطرة ، وتحفظ فى هذه الحجرة زيوت القناديل التى أخرجت من الحجرة المعطرة وبقايا الشموع ، وهناك حجيرة أخرى فى محاذاة باب بيت الصديق الصغير وفى اتصال الجدار الغربى.

وهذا الباب الصغير يعد الباب الثالث إذا ما عد من ناحية باب السلام من الأبواب التى فتحت على مسجد السعادة من أبواب البيت الذى ينسب لأبى بكر

١٦٤

الصديق والباب الذى بين باب النساء وباب جبريل خاص بوضع أشياء الخدم وكان فى اتصالها حجرة وكان الشخصان اللذان يحرسان مسجد السعادة يبيتان فى هذه الحجرة ، وكان بجانب هذه الحجرة صندوق يحفظ فيه كل ما يلزم من زيت زيتون لإيقاد القناديل كل ليلة.

وفى سنة ١٢٧٢ جدد الفريق أدهم باشا من موظفى أبنية مسجد السعادة حجرة النوبة وبنى فوق هذه الحجرة حجرة صغيرة ليوضع فيها الصندوق ولوازم المسجد الأخرى لتحفظ فيها.

وأغلق من أطرافها بقفص خشبى يصعد إلى هذه الحجرة من السلم الذى فى داخل حجرة الحراسة.

وتحفظ فى هذه الحجرة العلوية نهارا العصى الخاصة بتعليق شمعدانات حجرة السعادة وقناديلها والفوانيس التى يوقدها الخدمة بعد صلاة العشاء ليتفقدوا داخل المسجد الشريف ويعاينوه.

رواية

كان الخدم فى الأوائل يوقدون عدة مشاعل بعد أداء صلاة العشاء ويتجولون فى داخل مسجد السعادة ، ويخرجون الجماعات المتبقية ويغلقوا الأبواب ، وهذه سنة متبقية من عهد سيدنا عمر الفاروق ، ولكن فيما بعد تحقق مضرة إيقاد الشموع فبدلوها ووضعوا عادة إيقاد الفوانيس يقول أحمد بن يحيى البلاذرى «كان عمر الفاروق بعد أن يصلى صلاة العشاء كل ليلة ، يتجول فى أنحاء المسجد وكان يسوق الجماعات المتبقية أمامه ويخرجهم خارج المسجد ، ولكنه كان يترك من كان يؤدى الصلاة ، وفى ليلة من الليالى اتفق أن تلاقى مع جماعة كان بينهم أبى بن كعب.

وأجيب على سؤال الفاروق «من هؤلاء؟ «بالرد» بعض الأشخاص من الصحابة».

١٦٥

«وأجيب على سؤاله» : «ما أنتم فاعلون بعد ذلك؟ «؛» سنجلس ونذكر الله الذى لا ينام «فجلس عمر الفاروق وشغل معهم فى ذكر الله».

وفى ختام الذكر دعا باكيا حتى جعل أهل السماء يمرقون أيضا ، وفى ختام الدعاء أمر بأن يعود جميع الناس وأن تغلق أبواب المسجد ومن تلك الأوقات والتاريخ أصبح تفقد مسجد السعادة بإيقاد الشموع عادة وإغلاق الأبواب كذلك ولكن شبل الدولة كافور المظفرى الحريرى حينما أصبح شيخ الخدم ، رفع عادة التجول فى داخل المسجد بالمشاعل وأعد ستة فوانيس وأوقدها وأخرج من بقى من الموجودين وأغلق الأبواب وأوقد فى الليالى المباركة أربعة مشاعل فى الساحة الرملية للمسجد وأضاءه وأصبح هذا التصرف عادة بعد ذلك ، وكانت فى ذلك الموقف فى المسجد الشريف سلاسل معلقة وكانت القناديل تعلق عليها فى الليالى المباركة ـ ليالى الإحياء ـ وتوقد ، يقول ابن فرحون : «عندما أصبح شبل الدولة شيخ الخدم كان من عادة الخدم أن يتجولوا فى أنحاء المسجد وعندما يصلون إلى باب النساء يطفئون المشاعل التى فى أيديهم ويتركونها خارج الباب ، ولكن داخل جدران المسجد وخارجها يسود من الدخان الصادر من المشاعل فوضع الشيخ شبل الدولة عادة إيقاد الفوانيس وأبطل عادة إشعال المشاعل وكانت الجماعات تخرج إلى خارج المسجد كل ليلة بإيقاد الفوانيس وما زالت هذه العادة باقية وتجرى على غاية من النظام».

موقف الأئمة :

كانت صلواتهم الأوقات الخمسة إلى سنة ٨٦٥ ه‍ فى محراب النبى اقتداء بالإمام من المذهب الشافعى ، وكان أئمة مواسم الحج ينقلون إلى المحراب العثمانى ، وزاد أفراد جماعة المذهب الحنفى قليلا واقترب من عدد جماعات المذاهب الأخرى فرجا جماعات للمذهب الحنفى وجود إمام للمذهب الحنفى وأسعف رجاء الحنفية بالقبول وعين عليهم إمام يؤمهم فى صلواتهم فى سنة ٨٦٠ ه‍.

وكان أفراد المذاهب الثلاثة الأخرى من المدينة المنورة ومن أصحاب النفوذ

١٦٦

والمكانة فيها ، لذا لما كان يؤم إمام الحنفية جماعته فى محراب النبى يصلى بهم خلف أحد الأعمدة صلوات الأوقات الخمسة المفروضة.

وقد سر الحنفيون من تعيين إمام لهم لأداء صلواتهم فى جماعة وكذلك فى تعيين محراب له ، وعد الحنفيون هذه الحالة نجاحا عظيما وكتب كل واحد منهم لمجموعتهم كما كتب بعضهم على لوحات علقوها على جدران منازلهم عبارة «وقد وضع هذا العام محراب للحنفيين» وذكروا مؤسس المحراب رئيس الخدم الشيخ طوغان ـ عليه رحمة المنان ـ بكل خير.

كان المرحوم الشيخ طوغان بذل جهودا كبيرة فى عهد الملك الأشرف إينال راجيا أن يقام محراب للحنفية ، ولكنه لم يوفق ويرجع عدم نجاحه فى مهمته إلى وقوف أحد الحقراء من الأمراء المصريين يسمى جمال الدين يوسف فى صف المتغلبة من أهل المدينة.

وقد مات هذا الحقير فى سنة ٨٦٠ فنال الشيخ طوغان مطلبه وأراد للحنفيين محرابا فى مسجد السعادة ولكن لشدة الأسف تغير المحراب لم يكون محرابا عاديا فى داخل المسجد بل كان مكانا خلف أحد الأعمدة كما سبق ذكره ، لأن الحكومة المصرية كانت قد استصدرت تعيين إمام واحد للحنفية وأن يؤم جماعته خلف أحد الأعمدة.

ومع هذا قد نجح الشيخ طوغان فى أن يؤم الإمام الحنفى جماعته بعد أن يؤدى الإمام الشافعى صلاته خلف محراب النبى صلى الله عليه وسلم ، خلف العمود المعين له وأن يصلى الإمامان معا فى وقت واحد أيام شهر رمضان.

وكان سبب عمل الشيخ طوغان على تعيين إمام خاص للحنفية غلبة طائفة الزنادقة الذين استولوا على أراضى المدينة المنورة وعلى أهل السنة.

ولما كان أئمة الطائفة المذكورة اعتادت أداء الصلوات فى محراب النبى كان أفراد المذهب الحنفى يصلون هنا وهناك منفردين ويحرمون من فضيلة أداء الصلاة فى جماعة ويأسفون لذلك أشد الأسف.

١٦٧

وازدادت جماعات المذهب الحنفى فى عهد السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان يوما بعد يوم. وصدر الفرمان السلطانى بإقامة محراب خاص لهم.

فأرسل من باب صاحب القرار النجارون والمهذبون وما يقتضى بناء المحراب من الأدوات والأحجار فأقيم محراب فخم على يمين منبر السعادة من قطع رخام ملونة خاص بالجماعة الحنفية.

فى جمادى الأولى فى سنة ٨٥١ ه‍ قرر أن يؤدى أئمة المذهب الحنفى صلواتهم فى هذا المحراب ، وظل الإمام الحنفى يؤدى الصلوات فى هذا المحراب قرابة سنتين.

إلا أن الأمر السلطانى قد صدر بأن يصلى فى محراب النبى الإمام الشافعى وفى اليوم الآخر الإمام الحنفى ، وأخذ أئمة المذهب الحنفى والشافعى يؤدون الصلاة مناوبة فى المحراب النبوى ما يقرب من ٢٦٩ سنة ، ولما ذهب والى مصر محمد على باشا إلى المدينة المنورة فى سنة ١٢٢٩ بقصد زيارة الحجرة المعطرة ووضع نظام أن يؤدى كل من أئمة المذهبين كل يوم الصلاة فى المحراب النبوى ، وما زال هذا النظام جاريا ، فيصلى الإمام الشافعى صلوات الصباح قبل الإمام الحنفى ويصلى الإمام الحنفى صلوات الأوقات الأخرى قبل الإمام الشافعى ، ولكن فى أيام مواسم الحج يصلى الإمام الحنفى فى المحراب العثمانى ويصلى الإمام الشافعى فى المحراب النبوى بعدما يتم الإمام الحنفى صلاته.

وهذا النظام بمواسم الحج ، ويصلى الإمامان صلوات التراويح فى وقت واحد.

صورة ظهور المذهب الحنفى وزمان ظهوره :

بعد أن نقل ابن فرحون فى هذا الخصوص أقوالا كثيرة ، قال : «كان سكان المدينة المنورة إلى عصر شمس الدين العجمى يعتنقون مذهبى مالك والشافعى.

١٦٨

وعندما هاجر شمس الدين أفندى إلى المدينة شجع بعض علماء المذهب الشافعى على الاشتغال بمسائل المذهب الحنفى ، وكان هؤلاء العلماء قد دققوا النتائج الأساسية لذلك المذهب ، وأخذ علماء المذهب المذكور يتكاثرون إذ أخذوا يتفقهون وأصبحوا أئمة زمانهم من هنا أخذ الأهالى يستفيدون من علومهم ويستفتونهم ومن ذلك الوقت أخذ المذهب الحنفى ينتشر فى المدينة المنورة سنة ٧٢٣ ه‍.

إن المحراب السليمانى يقع ـ بناء على تعريف مؤلف «الجواهر الثمينة» من مؤرخى المدينة المنورة ـ فى الجهة اليمنى من محراب النبى وعلى يسار منبر السعادة وبجانب العمود الثالث ابتداء من المنبر الشريف ، وفى نهاية الطرف الغربى لما أضافه عمر بن الخطاب ، قد بنى ذلك المحراب كما ذكر آنفا السلطان سليمان بن السلطان سليم فى سنة ٩٥٨ ه‍ وخصه بأئمة المذهب الحنفى والمالكى ، وعرف بالمحراب السليمانى».

وكان أئمة الحنفية لا يؤمون الناس إلى سنة ٨٥٨ ه‍ فى مسجد السعادة وكانت مهمة القضاء والإفتاء منحصرتين فى علماء المذهب المالكى.

وفى عام ٨٦٥ بناء على طلبات ملوك مصر المؤثرة وضع نظام أن يصلى أئمة الشافعية صلاة الصبح قبل المالكية وأن يصلى أئمة المالكية مع جماعتهم الكبرى الصلوات الأخرى قبل الشافعية.

وبعد إقامة المحراب السليمانى أصبحت الجماعة الكبرى ، الصلوات التى تؤدى خلف أئمة المذهب الحنفى كما سبق تفصيله ، وأخذ أئمة المذهب الشافعى يؤدون الصلاة بعد الحنفية ، وبعدهم أئمة المذهب المالكى ، إلا صلوات الصبح كان يؤديها أولا أئمة المذهب الشافعى وبعدهم المالكية وبعدهم الحنفية ، وهذا النظام هو السارى الآن. وقد كتب فوق طاق ذلك المحراب بخط عريض آية

١٦٩

(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) (آل عمران : ٣٧).

الجليلة وقد رتبت هذه الآية الكريمة محصورة مستديرة مذهبة ، وكتب ابتداء وسط الجهة اليمنى لهذا المحراب ثم خارجا منه إلى الطاق ملتفا من حوله إلى وسط الجهة اليسرى «بسم الله الرحمن الرحيم».

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة : ١٤٤).

صدق الله العظيم. والآية :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦).

وكذلك كتب من الجهة الداخلية اليمنى للمحراب إلى النقطة التى تنتهى فيها الجهة الداخلية اليسرى.

(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة : ١١٢).

وكتبت هذه الآيات بخط جلى قديم.

ولهذا المحراب المعلى باب شبكى ينفتح إلى اليمين واليسار ، وقد كتبت على المصراع الذى فى الجهة اليمنى الجملة المباركة «محمد رسول الله ، صادق الوعد الأمين» وفوقه اسم محمد «الطاهر بالخط الجلى المذهب ، ولكن الخطوط المذكورة فى الجهة الشامية من مصراعى الباب المذكور أى فى مؤخر حرم السعادة.

وإذا جئنا إلى الجهة الجنوبية من هذا الباب أى إلى الجهة القبلية منه قد كتبت

١٧٠

على الباب الأيمن من المحراب الأحاديث الشريفة «قال النبى عليه الصلاة والسلام ، شفاعتى يوم القيامة : حق ، فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها «وكذلك كتب فوق مصراع الباب الذى فى الجهة اليسرى الحديث الشريف» قال النبى صلى الله عليه وسلم : «شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى» بخط جلى نفيس وكتبت عبارة : «أنشأ هذا المحراب المبارك ، الملك المظفر السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد خان أعز الله نصره بمحمد وآله وسلم ، تاريخه شهر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وتسعمائة من هجرة النبى صلى الله عليه وسلم.

على ظهر الجدار الذى يواجه الجهة القبلية من المحراب السليمانى.

١٧١

فى ذكر الوقت الذى فرش فيه مسجد السعادة برمل

وكيفية فرشه ومنذ متى حدث تعليق القناديل فيه

حدث فى ليلة من الليالى التى أمطرت فيها السماء مطرا غزيرا أن سالت المياه المتراكمة ودخلت فى مسجد السعادة ، وجاء صحابى يريد أن يؤدى صلاة الصبح فلم يجد فى داخل المسجد مكانا جافا لأداء الصلاة فأتى من خارج المسجد بمقدار من الرمل وفرشه وجلس عليه منتظرا قدوم الناس ، وصلى بالناس بعد الإقامة مقتديا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبعد أن أنهى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة بالسلام التفت إلى الصحابى الذى صلى فوق الرمل وقال «ما أحسن الصلاة على الرمل» والذين رأوا استحسان النبى صلى الله عليه وسلم هذا بالفعل احضروا مقدارا من الرمل ونشروه وفرشوه فى داخل المسجد ، واتخذ بعض المؤرخين الحكاية التى وردت فى سنن أبى داود حجة وقالوا «إن فرش المسجد الشريف بالرمال عادة أثرت من عصر السعادة».

وقال بعضهم مدعين أن مسجد السعادة قد حصب فى عهد ابن الخطاب ، عندما شرع عمر بن الخطاب فى توسيع المسجد فكر فى شىء يفرشه فى سطح وسط المسجد الداخلى حتى تعم فائدته ، وعرض بعض الصحابة فرشه بالحصير ورأوه مناسبا ، إلا أن حضرة الفاروق رد قائلا : «لا لا كنت سمعت عن النبى صلى الله عليه وسلم أن وادى العقيق واد مبارك ، والمستحسن إذا فرشناه برمل ذلك الوادى» فأحضر قدرا كافيا من الرمل من ذلك الوادى وحصب ساحة الحرم الشريف.

وأصبح تحصيب مسجد السعادة عادة ، وكلما اقتضت الحاجة كانوا يفرشون ساحة مسجد السعادة بالرمل ، ولكن بما أن وادى العقيق خال من الرمل الأحمر كانوا يحضرون من مسيل الوادى.

١٧٢

وبعد أن يغربلوه يفرشونه.

فى الطرف الغربى من ساحة المسجد الرملية صفان من القباب وفى طرفه الشرقى ثلاثة صفوف من القباب ، وقد خصص تحت القباب الواقعة فى الجهة الغربية لصلاة النساء ، والجهة الملاصقة للساحة الرملية شبكة بقفص أخضر اللون وبهذه العلامة بينوا أن هذا المكان خاص لأداء الصلاة للنساء ، كما سبق تعريفه فى محله.

ابتداء تعليق قناديل مسجد السعادة :

قال بعض المؤرخين لم تعلق فى عصر السعادة قناديل أو ثريات فى مسجد السعادة ، وتصور عمر بن الخطاب فى زمن خلافته أداء صلاة التراويح خلف إمام واحد ولما كان هذا يتوقف على إنارة المسجد دبر عدة قناديل وعلقها إلا أن الإمام القرطبى يضعف هذه الرواية فى تفسيره المشهور قائلا : «كانت فى عصر السعادة قناديل معلقة فى المسجد الشريف ، كان تميم الدارى قد أحضر هذه القناديل من بلاد الشام وعلقها» هذا ما كتبه محققا هذا الأمر.

رواية الإمام القرطبى هذه لا تقبل الكذب ، لأن حضرة تميم حينما ذهب إلى الشام اشترى كثيرا من القناديل ولا بأس أن يكون قد اشترى معها قدرا من زيت الزيتون ، كما كان اشترى بعض الحبال لتعليق هذه القناديل وعاد.

وعندما وصل إلى المدينة المنورة بعث مع خادمه «أبو البراء» القناديل التى اشتراها ، ثم ذهب بنفسه وعلق تلك القناديل فى أماكن مناسبة وأوقدها قبل صلاة العشاء ونال ثناء النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال له قد أنرت الجمعية الإسلامية» ، وبناء على قول ضعيف أن أول من أضاء داخل المسجد بتعليق القناديل هو حضرة معاوية.

وهذا القول مهما كان ضعيفا فإنه ليس كذبا ولكنه خطأ ، لأن أول من أنار المسجد الشريف تميم الدارى ولا شك فى ذلك ، والاختلاف بين المؤرخين ليس فيمن جاء بالقناديل إلى الحرم الشريف ولكن الاختلاف فيمن علقها ، وأقوى

١٧٣

الأقوال أن تميم الدارى هو الذى أتى بالقناديل وعلقها فى جهة من جهات المسجد كما أن حضرة معاوية قد أتى ببعض القناديل وعلقها فى أماكن مناسبة.

كما وضع معاوية نظام إعطاء بعض زيت الزيتون لإيقاده فى قناديل مسجد السعادة على أن يسوى حسابه فيما بعد من بيت المال وتطيب الكعبة المعظمة بالمجامر والخلوق وإنزال الستائر التى بقيت من العهد الجاهلى على الكعبة المعظمة معاوية هو الذى أمر بذلك.

وذهب بعض المؤرخين إلى أن من أنزل الكسوة الجاهلية من فوق الكعبة هو على بن منبه عامل عثمان بن عفان فى اليمن وعلى هذا التقدير يكون عثمان بن عفان هو الذى أنزل الكسوة الجاهلية من على الكعبة ، كما أن حضرة عثمان بن عفان أول من كسا منبر النبى المنير.

١٧٤

فى ذكر الذين عطروا المسجد الشريف

بأشياء ذات رائحة طيبة

كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوما ، فأمر بتنظيف بعض الأماكن التى أمام جدار القبلة سريعا ، بعد أن نظف الناس ذلك المكان مسحوه جيدا ووضعوا عليه بعض الزعفران.

ولما جلس عثمان بن عفان على كرسى الخلافة عطر جميع أنحاء مسجد السعادة وحتى يدوم هذا النظام عين بعض المؤذنين للقيام بهذا العمل.

وعطر عمر بن عبد العزيز فى تاريخ جلوسه الجدار القبلى فقط كما أن هارون الرشيد أمر بتعطير الحجرة الشريفة وجهات مسجد السعادة الأربعة فى سنة ١٧٥ الهجرية.

إيقاد البخور فى مسجد السعادة :

لم يكن إيقاد البخور من الأصول المرعية فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحين خلافة الصديق الأكبر ـ رضى الله عنه ـ ثم أصبح ذلك عادة فى عهد عمر الفاروق ـ رضى الله عنه ـ وسبب ذلك إيقاد بعض العود الذى أهدى له فى داخل المسجد ، والعود الذى أهدى لم يكن قابلا للانقسام.

عندما وردت هذه الهدية خاطب الخليفة من بجانبه من الصحابة : «لو قسمنا شجرة العود هذه فيما بيننا فبسبب قلتها سيأخذ بعض منكم ويسعد ويحرم الآخرون فيحزن ؛ وحتى لا يحدث هذا فمن الأفضل أن يوقد فى داخل المسجد فيسعد من فى المسجد الشريف ومن بخارجه» ؛ فأعطى العود إلى رئيس المؤذنين ليوقده فى داخل المسجد.

١٧٥

فأخذ رئيس المؤذنين العود بناء على الأمر الصادر إلى مسجد السعادة فوضعه فى مجمرة وأوقده مع وجود جماعة المسلمين فى المسجد ، ومنذ ذلك الوقت أصبح إيقاد خشب العود فى داخل المسجد عادة بين الصحابة ، حتى إن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ عندما عاد من الشام أحضر معه مجمرة فضية وأعطاها لسعد ـ رضى الله عنه ـ الذى كان فى ذلك الوقت رئيس مؤذنى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ، وأصدر أمره بأن يبخر المسجد فى ليالى الجمع والليالى المباركة ولا سيما فى أيام الجمع.

وجناب سعد ـ فخر المؤذنين ـ كان يوقد المجمرة طول حياة الخليفة عمرو ، يتركها أمامه.

وقد راعى عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنه ـ هذه العادة الطيبة وأصبح يوقد فى أيام الجمع والليالى المباركة العود والبخور ولم يترك هذه العادة إلى وفاته.

إيقاد خشب العود والبخور من الأصول المرعية لدى الجماعات الإسلامية ، وتجرى هذه العادة سواء أكانت فى الحرمين الشريفين ومساجد الممالك الأخرى ، ولم يترك إيقاد العود والبخور عند قراءة المولد الشريف وعندما يختم القرآن مع جماعات فى المساجد.

ولما كان إرسال البخور والعنبر والعطور الأخرى من العادات الطيبة التى يعتز بها المسلمون أوردنا فى الصورة الرابعة من الوجهة الثالثة لمرآة الحرمين كميات العود والعنبر والبخور التى ترسل لتوقد فى ليالى الإحياء وأيام الجمع فى منبر النبى المنير ومحرابه العالى ، وبجانب باب كعبة الله ومقام إبراهيم والآثار المسعودة الأخرى.

يطلق أهل المدينة على تعطير الحجرة السعيدة وتبخيرها أصول التعطير ، ولما كان أصول التعطير وصورته إجراء خاص بأيام الجمع ؛ فإن الموظفين يأخذون الحصص المقررة لكل يوم جمعة من دهن الورد ومائه بعد أداء صلاة المغرب

١٧٦

ويدخلون ومعهم بخور العود والعنبر فى حجرة السعادة فيبخرونها وستارة قبر السعادة ثم يخرجون.

وإن كانت أصول التعطير عبارة عن هذا ، فإن أصول التبخير أيضا لكل ليلة ويوم جمعة فالموظفون يضعون كل ليلة قبل صلاة العشاء على طرفى محراب النبى مجمرة من العود كما يضعون كل يوم جمعة قبل الصلاة على طرفى المحراب مجمرة من «الند» وتظل المجمرتان موقدتين إلى أن يتم أداء الصلاة.

الند :

يخرج الند عند إشعاله رائحة قريبة من رائحة العنبر وهو طيب يستحسنه أهل الحجاز ويقدرونه ، وبما أنه نادر ولا يمكن إعداده نقيا يصنع فى زماننا بمادة عادية ، يطلقون على أعواد البخور الطويلة «ند» يستعملونها بدلا منه.

جدول مساحة حرم السعادة

الأصبع

الذراع

١٢

١٤٧

من باب المئذنة الرئيسية إلى الجدار الشرقى لمئذنة باب السلام

١٢

١٥٩

من الجدار الشرقى لباب جبريل إلى عتبة السلام «عرض»

٠٠

٢٣٠

من الجدار القبلى حيث المحراب العثمانى إلى الجدار الشامى منتهى ، مسجد السعادة «طولى»

٠٠

١٦

من جدار المحراب العثمانى إلى شبكة حجرة السعادة.

٠٠

١٤

من الجدار الشرقى إلى شبكة سبيكة النور لقدم السعادة.

١٢

٦٦

من المئذنة الرئيسية إلى عتبة الخزانة (١) المتصلة بدكة الأغوات.

__________________

(١) يقال للخزانة المتصلة بدكة الأغوات (خلوة) لفتح باب هذه الخلوة ناحية القبلة وهى خاصة بالأغوات ليضعوا فيها بعض لوازمهم. وتوضع فى هذه الخلوة زوارق الماء وأشياء خفيفة أخرى ويجتمع أمام باب هذه الخلوة قبل المغرب بنصف ساعة شيخ الحرم النبوى ومدير الأغوات والفراشون ويدعون أمام شيخ الفراشين ، وبعد ذلك يأخذ شيخ الحرم الشمعدان الذى يوضع على رأس السعادة كما يأخذ نائبه الشمعدان الذى يوضع على قدم السعادة كما يأخذ الفراشون الشمعدانات التى توضع فى الجهات الأخرى للحجرة اللطيفة ويوقدونها فى أدب كامل وتعظيم ويضعونها فى أماكنها ثم يعودون.

١٧٧

الأصبع

الذراع

٦

٨

من باب الجنائز إلى مرقد فاطمة رضى الله عنها

(هذا المكان أوسع قليلا).

٠

٢

طول المصطبة

١٨

٢

عرض المصطبة وكذلك طول الطريق الممتد من داخل باب الهجر والمنتهى إلى باب الجنائز.

يطلق اسم المصطبة على مكان الجلوس والمصطبة هنا غرفة اللوازم المتصلة بالخلوة سابقة الذكر وهى خاصة لإقامة شيخ الحرم فى المساء إلى أن توقد القناديل فى هذه الحجرة.

١٨

١٥

عرض الطريق المذكور

هذا المكان جهة الجدار الشامى للمرقد المنير الذى ينسب إلى فاطمة الزهراء.

١٢

٦

عرض الطريق الذى يمر من دكة الأغوات إلى باب الجنائز.

٠٠

٤

أعلى من الأرض مقدار ذراع ومفروش بأحجار رخامية مزين ومنقودش.

٠٠

١٥

طول دكة الأغوات

هذه الدكة هى صفة أصحاب الصفة وقد أحيط أطرافها بسور خشبى وتعلو عن الأرض ما يقرب من ذراعين.

٠٠

١١

عرض الدكة المذكورة

١٢

٢

عرض دكة البطالين

هذه الدكة فى مقابل صفة أصحاب الصفة وخاصة بإقامة الأغوات. الذين يطلق عليهم بطال.

٦

١٢

٩

مؤخرة حرم السعادة من الجدار الشرقى إلى الجدار الغربى.

١٢

١٢

من المنبر النبوى إلى المحراب الشريف.

عرض حرم السعادة

٠٠

٣٨

من منبر السعادة إلى الحجرة المعطرة يعنى داخل الروضة المطهرة.

جزء من روضة السعادة داخل فى شبكة حجرة السعادة.

١٧٨

٠٠

١١

٧

عرض حرم السعادة من باب الوفود إلى الجدار الغربى.

١٢

١٤

٣

عرضه من باب الرحمة إلى باب النساء.

٠٠

٢١

من السقف الشريف الواقع فى جهة باب النساء إلى آخر عرض الحرم (١) الشريف.

٠٠

٣٤

عرضه إلى آخر حرم السعادة.

٠٠

٣٥

عرض سقف مؤخر حرم السعادة.

١

١٠

طول ساحة حرم السعادة الرملية.

٠٠

٤٩

عرض ساحة حرم السعادة الرملية.

١٢

٧٩

عرض ما تحت القباب من باب الجنائز إلى الساحة الرملية.

١٢

٤٥

طول شبكة السعادة إلى نهاية شبكة فاطمة الزهراء.

٠٠

٢٦

عرض الشبكة الشامية.

٠٠

٤٠

الجهة الغربية للشبكة.

٠٠

٣٠

جهة المواجهة الشريفة للشبكة.

٠٠

٣

ارتفاع جدار حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

٠٠

٢٣

طول حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

٠٠

١٦

عرض حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

كانت الساحة الرملية التى فى حرم السعادة أوسع قليلا سواء كانت طولا أو عرضا ، وعندما زين السلطان محمود خان العدلى الموقع الذى يسمى الآن المنطقة الرخامية زاد مقدار الأحجار الرخامية عن الحاجة ففرش موظفو الحكومة جهات الساحة الأربعة بتلك الحجارة الزائد فضاقت الساحة الرملية. أى فرشوا بالرخام فى الجهة القبلية من الساحة الرملية مقدار ١٦ ذراعا وخمسة أذرع من الجهة الغربية منها وستة أصابع ، ومن الجهة الشامية منها أربعة أذرع وستة أصابع ، إذ

__________________

(١) فى الجهة الرملية عمود وهذا العمود إشارة إلى المحل الذى وصل إليه توسيع مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المرة الثانية ومن هذه الإشارة إلى المحراب السليمانى ٨٦ ذراعا وإلى المحراب العثمانى ١٥٤ ذراع و ٦ أصابع.

١٧٩

فرشوا من الجهة القبلية طولا من باب الرحمة إلى باب النساء وفرشوا غربا من الجهة القبلية إلى آخر العمود وبين الأعمدة الشرقية والغربية لجهة الشام كما فرشوا فى الجهة الشرقية إلى آخر حرم السعادة بالأحجار الرخامية المجلاة.

كانت فى حديقة الرسول سبع عشرة من أشجار النخيل كبيرة وصغيرة وأشجار التمر الهندى ولكن كان ماء هذا البئر فى غاية المرارة قديما ، إلا أنه اكتسب عذوبة من قبيل المعجزة وكانت كافية لإدارة أمر أهل المدينة ، ولما كانت هذه العذوبة والحلاوة ما زالت مستمرة يعد أهل المدينة هذه المياه فى قيمة ماء زمزم.

١٨٠