موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

تبين الأشهر والأيام التى تقام فيها الأسواق العربية

ومواسمها فى اثنى عشر شهرا من أشهر السنة

وتعرف بعض محاسن أهل المدينة

إخطار ـ الموسم هو سوق العرب وسوق الحجاج ويطلق على مثل هذه الأيام فى بلادنا «يناير» معرض وسوق.

محرم الحرام :

المحرم الحرام هو الشهر الأول فى السنة القمرية وعند عودة حجاج أهل المدينة من عرفات يدخلون فى المدينة المنورة فى اليوم الأول أو الثانى من ذلك الشهر. ويوم عودة هذه القافلة يوم بهجة وسرور ويستقبل أهل المدينة المنورة كغيرهم من أهل المدن الأخرى حجّاجهم ويلاقونهم ويحصلون على دعواتهم. ثم يوصلونهم إلى منازلهم ثم يزورونهم عقب ذلك منفردين.

ورود المحمل المصرى :

يصل بعد قافلة حجاج المدينة المحمل المصرى وينصب خيامه فى الأماكن المخصوصة له ويقيم ثلاثة أو أربعة أيام للراحة ، ويصل المحمل المصرى بالهدايا السلطانية والعطايا الخاقانية والرواتب فتسلم هذه الأشياء إلى موظفى الدولة وتوزع على أهالى المدينة وتقسم لهم أمام أكابر المدينة ؛ لذا يفرح الأهالى بورود المحمل المصرى ويعدون يوم وصوله من المواسم المخصوصة.

يقول قطب الدين الحنفى ـ رحمه الله ـ من مؤرخى مكة المكرمة فى تاريخه المشهور : «لم ير أهالى الحرمين حتى زمن الدولة العثمانية هذا النوع من الكرم ولا هذا القدر ؛ لأجل ذلك يسارعون فى إظهار فرحهم وسرورهم ويدعون بطول بقاء الدولة العثمانية» وما يقوله القطب المكى عين الصواب وحقيقة الأمر أن أهل

٣٢١

الحرمين فى عهد أمراء بنى أمية والمنصور والمهدى وهارون الرشيد وسائر الخلفاء ومن جاءوا من بعدهم من ملوك السلف قد نالوا كثيرا من عطاياهم ونفحاتهم حتى أكرمهم الملوك بالثلج والبرد وألبسوهم خلعا كثيرة وصرفوا لهم آلاف الدنانير وبهذا أظهروا مآثر سماحتهم وجودهم ، إلا أن هذه الهدايا والعطايا كانت تظهر كثيرة بالنسبة لعدد السكان. والآن قد تضاعف عدد سكان الحرمين خمس أو ست مرات بالنسبة للسكان الذين كانوا فى ذلك الوقت ، وخصبت الصرر والرواتب لكل السنين ومن هنا فكل ما قدم سواء أكان أمراء بنى أمية أو خلفاء العباسيين أو ملوك آخرون لا يصل ما أعطوه إلى عشر معشار ما يقدمه الملوك العثمانيون.

منقبة مولد النبى صلى الله عليه وسلم :

فى الليلة الثانية من ورود المحمل المصرى وبناء على الأمر السلطانى تتلى فى صحن مسجد السعادة منقبة مولد النبى صلى الله عليه وسلم ؛ ويحضر فى هذا الاجتماع الميمون أمير حج المحمل المصرى والموظفون وأعيان المدينة وأهاليها. وهذا من مقتضيات النظام الموضوع. وتوقد كثير من الشموع. كما توقد أنواع البخور ويوزع على الحاضرين الحلوى والشراب. وبعد يومين أى بعد وصول المحمل إلى المدينة بثلاثة أيام أو أربعة يخرج الموكب المصرى من المدينة المنورة ويتجه إلى مصر ذات الأهرام فى حفاوة واحتفال.

ورود المحمل الشامى :

وبعد أن يتحرك المحمل المصرى يأتى المحمل الشامى وينزل فى ميدان المناخة وفى الجهة الشمالية من جبل سلع حيث يستريح أفراده ما يقرب من عشرة أيام ويزورون الآثار المباركة.

يوم الزينة :

يطلق على اليوم الثانى عشر من المحرم يوم الزينة وميقات الديون لدى أهل المدينة وسبب تسميته بذلك هو استطاعة أصحاب المرتبات والهدايا تسوية ديونهم فى خلال تلك الأيام.

٣٢٢

ورود المحمل العراقى :

تصل قافلة العراق فى شهر المحرم أيضا إلى المدينة وتبيت فى الجهة الشرقية منها فى موقع مراحة ويقيمون هناك سوقا كبيرة ويشرعون فى تبادل السلع الأخذ والعطاء. وورود القافلة العراقية من الأيام المعدودة والمواسم المشهورة المشهودة لدى أهل المدينة.

صفر الخير :

يبسط خدم الحجرة المعطرة أبسطة مسجد السعادة ويخرجون الكتب وأجزاء القرآن المحفوظة فى صواوين الحجرة المعطرة ويبادر العلماء ذوو الاحترام فى تدريس العلوم ، ومن جملة محاسن سكان المدينة المنورة أن طلبة العلم يهتمون بتحصيل العلوم الدينية ولا يهتمون بالفلسفة وعلم الكلام والرياضيات ، ويقولون إن العلوم ثلاثة أنواع رئيسية ، نفيسة ، وخسيسة ، فالرئيسية مثل الفقه والحديث من العلوم الدينية ، والنفيسة القواعد العربية ، والخسيسة الفلسفة والحكمة وتحصيل النوع الأول يكفى لنا.

قدوم موكب المرزوقى :

تأتى قافلة المرزوقى فى العاشر من صفر ، وهذه القافلة تتكون من تجار اليمن ويستفيد الأهالى بتبادل التجارة معهم ، ومن هنا كان ورود قافلة المرزوقى من أسباب الفرح والسرور لأهل المدينة.

شهر ربيع الأول :

ففى ليلة أول جمعة من ربيع الأول مولد القطب الصمدى سيد أحمد البدوى وفى الليلة الثانية عشرة تعقد اجتماعات المولد النبوى.

رمضان العظيم :

تعمر جوانب مسجد السعادة فى رمضان كل يوم. حيث يتلو الأهالى والزوار ليلا ونهارا القرآن الكريم جهرا وخفية كما أنهم يدرسون كتبا مثل الشمائل

٣٢٣

والمصابيح والمشارق وصحيح البخارى ويطالعون ويوقدون ليلا مئات القناديل والشموع ويؤدون صلاة التراويح.

عادات أهل الزوايا :

وبعد أداء صلاة التراويح تشعل القناديل والشموع فى الزوايا وتقرأ القصائد المتقابلة وفى البداية ينشد ناشدى الجهة اليسرى على قاعدة خاصة بأهل اليمن منظومة التروية. وهذه القصيدة مرتبة على الحروف الهجائية وهى قصيدة نقية مخمسة ويقرأ الزوار الكرام عقب كل بيت الصلوات الشريفة بلحن مؤثر.

وبعد ذلك يقرأ ناشدى الجهة اليسرى بيتا من قصيدة طرائفية وقد نظمت قصيدة الطرائفية كنظيرة لقصيدة التروية وهى أبيات بديعة تبدأ بالغزل. هكذا يصلّى أهل الزوايا إلى الصباح وتستمر الأذكار اليمانية إلى طلوع الفجر الأول ويتم مجلس الذكر بختم القرآن ثم يذهبون إلى مسجد السعادة لأداء صلاة الفجر والسامعون المنفردون يدهشون من أحوال أهل الزوايا ويئنون من شدة تأثرهم. والأشخاص الذين نطلق عليهم المنفردين هم الغرباء الذين يقيمون فى الزاوية.

زيارة مسجد قباء :

يزور مجاورو المدينة المنورة فى السابع عشر من رمضان مسجد قباء وبما أنهم يعدون هذه الزيارة من السنن النبوية يتجنبون ترك الزيارة. كما يشترك كثير من الأهالى فى هذه الزيارة.

شهر شوال المبارك :

وبما أن أول أيام شوال عيد الفطر فالأهالى يؤدون صلاة العيد فى مسجد السعادة ثم يزورون مقبرة بقيع الغرقد ويعودون إلى منازلهم ويقومون بمراسم العيد بزيارة بعضهم البعض إلى مساء اليوم الثالث من العيد.

قطع الخدم المكنسة :

يزور خدم مسجد السعادة فى الثانى عشر من شوال مسجد قباء ويقطعون من

٣٢٤

البساتين قلوب النخيل ويعودون. وبما أن ذهابهم إيابهم يستحقان الرؤية والفرجة لأنهم يسيرون فى موكب فيخرج الناس إلى وادى البطحان للتنزه كما أنهم يتفرجون على موكب الخدم.

شهر ذى القعدة الحرام :

اليوم السابع عشر من شهر ذى القعدة هو يوم كنس مسجد السعادة ولما كان هذا اليوم من الأيام السارة بين الأهالى كانوا يجتمعون فى صحن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ثم يصعد شيخ الحرم وقاضى المدينة وعامة الخدمة فوق سطح المسجد ويكنسونه ويلقون التمر على من فى صحن المسجد من الأطفال والغرباء. ويتصايح هؤلاء قائلين : «العادة يا سادة» ، وبعد إتمام تنظيف السطح الشريف ينزلون وينقلون ما فى الروضة المطهرة من الكتب إلى الحجرة المعطرة والبسط إلى المخازن ثم يخرجون إلى البساتين للنزهة.

مقدم المحمل الشامى :

يدخل المحمل الشامى إلى المدينة المنورة فى اليوم السابع والعشرون من شهر ذى القعدة ، ويوم وصول المحمل من الأيام المعدودة وموسم مشهور عند أهل المدينة ، فلا يبقى فى هذا اليوم من أهل المدينة من لا يبتهج ابتهاجا عظيما ، ويأتى أمين الصرة بالأمانات العثمانية إلى المسجد النبوى ويسلمها إلى خزانة المديرية لتوزيعها على الأهالى.

مسألة :

يجرى على ألسنة العوام قوله أن الحج الذى يصادف فيه يوم عرفة ليوم الجمعة أنه يساوى سبعين حجة إلا أن ابن الجوزية قال : «أقول أنه لا أصل لهذا القول ، ولم أصادف مثل هذا القول ولكن لا شك أن حج يوم الجمعة خير من أيام حج سائر الأيام ؛ لأن يوم الجمعة أفضل من سائر الأيام». وأيد ابن زيد المالكى فى

٣٢٥

(مناسكه) هذا القول ولكن عليّا القارى حكم أن مزية وقفة يوم الجمعة أزيد من مزية وقفة سائر الأيام بسبعين مرة.

مسألة :

إذا ما سئل : هل الحج كان واجبا على الأمم التى خلت من قبل الإسلام؟ وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة وبناء على أنه لم يكن واجبا. إلا أن مشروعيته مستمرة منذ عهد آدم إلا أن حجاجه كانوا من الأنبياء والملائكة. هذا ما جاء فى المناسك.

يجتمع أهالى المدينة فى اليوم التاسع من ذى الحجة فى مسجد السعادة حيث ينتظرون النفحات الإلهية لأن النبى صلى الله عليه وسلم يشرف فى ذلك عرفات حيث يقف.

عيد الأضحى :

ولما كان اليوم العاشر من ذى الحجة العيد الأكبر يقوم أهل المدينة بمراسم الزيارة والمعايدة كما كانوا يفعلون فى عيد الفطر.

تنمية :

ولا شك أن أهل المدينة الكرام بفضل مجاورتهم النبى صلى الله عليه وسلم انتمائهم بالصدق لصفات النبى صلى الله عليه وسلم فهم أسعد أمة ويوجد بينهم فئة من الناس بناء على حكم المثل أوصاف «الأشراف أشرف الأوصاف» ، فقدرهم ومزيتهم مثل اللآلىء الغالية ، والأبيات الآتية تصور خلاصة أوصافهم :

نظم

قوم هم فى الدجى للناس أقمار

وهم لمن هجروا الأوطان أوطان

وأين حلوا يحل الخصب حومتهم

كأنهم مثل ما قد قيل أمطار

٣٢٦

هم العيون فإن تبصر هدى فبه

وفى الهدى ليس بعد العين آثار

سلهم وسل عنهم إن كنت ذا وطر

فعندى لذوى الحاجات أخبار

وحل ساحتهم تسعد فهم عرب

تحمى النزيل ولا يؤذى لهم جار

وانعم إذا كنت تهواهم بعيشها

واصحبهم إن نأت يوما بك الدار

وفيهم أخرى : يحترزون من آفة الشهرة حتى وإن كانوا غارقين فى أشد أنواع الفقر والحاجة يظهرون علامات اليسار والغنى. وإن ظلوا جائعين أياما يظهرون أنفسهم شبعانين ، ويرجحون الوحدة على الكثرة والضرورة والضيق على السعة والثروة ويتخذون من الصفات ما جاء فى المنظومة الآتية :

نظم

إذا قنعت بقوت ولبس ثوب مرقع

ولم يكن لى عيال نفسى لهم تتفجع

ولا بنون صغار قلبى لهم يتقطع

ولا صديق صدوق فراقه أتوقع

وكان بالله أنسى

فما بى الدهر يصنع

وصنف منهم وإن كانوا فى شدة الضيق وبين مخالب الحاجة كانوا ينفقون ما يحصلون عليه من النقود لمن هم أكثر حاجة منهم بناء لحكم البيت الآتى :

٣٢٧

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

قوم مضوا كانت الدنيا بهم

والدهر كالعيد والأوقات أوقات

ماتوا فعاشوا وعشنا بعد موتهم

ونحن فى صور الأحياء أموات

ويرى فيهم فئة من الناس يكدون ويكدحون حتى الليل مع ذلك لا يكسبون ما يكفى عيالهم وأولادهم ويتمرغون داخل الفقر والحاجة لا يوصفون فيتحملون الفقر ، ويضطربون ؛ ومع ذلك لا يشتكون من حالتهم هذه ولا يسعون لتحسين أحوالهم وتأمين مستقبلهم وينتظرون من الله ـ سبحانه وتعالى الرفيع الدرجات والذى يسر الوصول إلى الآمال ـ الفرج ويدعون له. وكانوا مثالا للتوكل والاصطبار كما جاء فى المثل الآتى :

«سعف النخيل خير من إسعاف الخليل»

لا تظهرن لعاذل أو غادر

حالك فى السراء والضراء

فلرحمة المتوجعين حرارة

فى القلب مثل شماتة الأعداء

وفى الواقع أهم ما يجب أن يعنى به الإنسان أن يسلك طريق حرفة ما حتى ينجو من الذل والحاجة ودواهى الدنيا وأن يعيش أولاده وعياله. ويروى أن حضرة آدم صفى الله اشتغل بالزراعة وأن سبعين نبيا ارتحلوا عن دنيانا وهم جوعى وأن حضرة على ـ كرم الله وجهه ـ دعا ربه قائلا : «إللهم صن وجهى باليسار ولا تشن وجهى بالإقتار ، فأسترزق طالبى رزقك وأستعطف شرار

٣٢٨

خلقك ، فأمتحن بحمد من أعطانى ، وأفتن بذم من منعنى ، وأنت من وراء ذلك كله والىّ الإعطاء والمنع إنك على كل شىء قدير ، يا نعم المولى ويا نعم النصير».

يا رب لا تحينى إلى زمن أكون فيه كلا على أحد

خذ بيدى قبل أن أقول لمن أراه عند القيام خذ بيدى

وهناك صنف آخر بين أهالى المدينة كل فرد منهم يملك ثروة وغنى وهو صاحب نفوذ وقدرة وهم يمضون أوقاتهم فى غاية الرفاهية والجاه والعظمة كما أنهم يراعون الأهالى الفقراء وضعفاء المجاورين وهم الفئة التى يقال له الجامع بين الحسنتين.

وأهل المدينة عامة يحبون التنزه والفرجة ، وينشطون قلوبهم بالتجوال فى الحقول والمتنزهات دون كلفة وأما بالنسبة للأكل والشرب يكتفون بالمودة سالكين مسلك الاكتفاء بما وجد. واختار بعضهم السياحة فى البلدان والممالك حتى يزيدوا من ثروتهم وغناهم. كما أن بعضهم يتركون دورهم وديارهم باحثين عن أرزاقهم ، كما أن بعضهم يتبعون أفكارا أخرى. ولا يتفقون كلهم فى أفكارهم وآرائهم ، فيهم من يسلك مسالك الهوى والهوس. يقول ابن فرحون من المؤرخين القدماء : «كان مجاورو المدينة فى الأوائل من الصلحاء وأهل اليسار ؛ لذلك كان رؤساء الأهالى يكرمونهم ويخدمونهم ، ويقضون لهم حاجاتهم الضرورية ويقدمون لهم التحف والهدايا ويحاولون بهذا أن ينالوا حبهم. ويعتقدون فيهم خيرا ويلتمسون دعاءهم وهمتهم. والآن انعكس الأمر إذ انعدمت الثقة والاستقامة فى المجاورين ، كما أن أهالى الحرمين لا يحترمون كذلك من لا يراعى جانب الآثار المسعودة ، وقد تغيرت الملابس والأفكار من أجل اجتذاب القلوب كما يقول المثل : «تغيير الشكل من أجل الأكل» فى كل مكان يمزقون أستار الحرمة والرعاية وفى كل طور وفعل يظهرون شعائر الإساءة والدناءة يتفوهون فى داخل الحرم الشريف بكل ما يرد على ألسنتهم ولا يتذكرون

٣٢٩

ما نص عليه من الصمت والهدوء فى داخل الحرم بل يقومون بما لا يليق ، مع أصحاب الفقه والاستقامة والصلاح والتقوى».

ويمد أهالى الحرمين يد العون والخدمة للغرباء الواردين ولكنهم يفرطون أحيانا فى عونهم وإظهارهم هذا القدر من التظاهر لا يستحب أحيانا ، حتى قال العلامة ، الشيخ إبراهيم ابن أبى الحرم المدنى : «لا ينبغى لأهالى هذه البلاد أن يفرطوا فى إجلال وتعظيم من يترددون على هذه الديار من الزوار ؛ لأن الإفراط فى ذلك يفضى إلى سوء العاقبة ، ويجرئهم ، فيقصرون فى آداب الزيارة للآثار المباركة مظهرين ذلهم وخشوعهم ومسكنتهم. إننى قد نظمت الأبيات الآتية حتى أعرف الناس هذا الأمر ورتبت إجابة على لسان الحال :

قطعة

يا أهل طيبة لا زالت شمائلكم

بلطفها فى الورى مأمونة العتب

لكن رعايتكم للغرب تحملهم

على تجاوزهم للحد فى الأدب

مولاى إن صروف الدهر قد حكمت

وأعوزت أن يذل الرأس للذنب

كم من مقبل كف لو تمكن من

تقطيعها فكن ممن فاز بالأدب

قيل فى حق سكان دار السكينة «جار الدار أحق بدار الجار وجار الدار أحق من غيره» ، وكما أن أهالى المدينة أليق عن أهالى البلاد الأخرى بالتجاوز والسماح والفوز والنجاة والنجاح ، لأجل ذلك يجب على الذين يختارون المجاورة والإقامة فى المدينة المنورة أن يكونوا لينى الأعطاف ، هينى الانعطاف

٣٣٠

فيحترمون كل موقع فى تلك البلدة المباركة ويراعون جانب كل فرد من سكنتها ويتخلقون بما جاء فى الكلمات الآتية :

يشاركهم فى أنديتهم لا فى أغذيتهم ، ويزاحمهم فى أوقاتهم لا فى أقواتهم ، ويكتسب من أخلاقهم لا من أرزاقهم ، ويقتبس من برهم لا من برّهم ، فيتصل بهم كثيرا ويشاركهم فى محاسن أخلاقهم وعاداتهم ، ولكن لا يعمل على مشاركة أرزاقهم وأقواتهم ويخطفها من أيديهم. ويرغب فى حبهم وموالاتهم ولا يطمع فى حبوبهم وأطعمتهم. وألا يزعجهم بالاستيلاء على دور فقرائهم وإطالة يد الطمع لصدقاتهم وألا يسعى فى منع معروفهم وإبطاله. إذ قيل :

لا تقطعن يد المعروف عن أحد

ما دام يمكن فالإمكان تارات

واشكر فضيلة لطف الله إذ جعلت

إليك لا لك عند الناس حاجات

فليقل أصحاب الاعتراض ما يقولون فى حق أهل المدينة. وليسندوا إليهم ما يسندون ، فمحبتهم وإكرامهم وتعظيمهم واحترامهم واجب على كل مؤمن موحد. فأهل المدينة جيران النبى صلى الله عليه وسلم وبناء على الحكم الجليل : «مازال جبريل يوصينى بالجار ..» فحق جوارهم ثابت ومهما ارتكبوا من الإساءات فإنهم لن يحرموا من حق الجوار وهذا حق محقق. ومهما ترك المدنى من الاتباع واخترع عادات غير مقبولة وابتدع ، فيجب ألا يترك دون إكرام ويقطع احترامه. لأن هذه الأمور لا تسقط شرف جواره وحسن العاقبة مأمول له. يجب أن ينظر إلى كل فرد منهم بعين تعظيم وإكرام وتفخيم. وألا يبحث عن أحوالهم الظاهرة ولا يفتش عن أفعالهم الباطنية وأسرارهم لما كانت جميع الذنوب تحت حكم مشئية الله ما عدا الشرك فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يعذب فاعله إن شاء ويعفو عنه ويطلقه إن شاء.

٣٣١

فى تعريف الآبار التى تنسب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم بالتفصيل

ورتبت أسماء تلك الآبار حسب الحروف الهجائية

١ ـ بئر أريس :

أريس على وزن جليس ومعناه الفلاح وهو اسم واحد ينتسب إلى الطوائف اليهودية.

أحد الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم البئر التى يطلق عليها أريس وهى على الجهة الغربية من قباء بجانبها حجر فى ارتفاع ثلاثة أذرع.

حكاية

يروى أبو موسى الأشعرى قائلا : خرجت فى يوم من الأيام من بيتى بعد أن توضأت ، وذهبت إلى مسجد السعادة ، وأرونى الطريق الذى سلكه النبى صلى الله عليه وسلم قائلين ذهب لتلك الجهة ، وبما أننى خرجت من ذلك اليوم بنية خالصة لأقوم بخدمة النبى صلى الله عليه وسلم تتبعت أثره. وعرفت المكان الذى اتجه إليه سائلا كل من رأيته ، حتى وصلت إليها ودخلت من باب مبانيها وجلست بجانب بابه المصنوع من خشب النخيل. فابتعد النبى صلى الله عليه وسلم رغبة فى قضاء حاجته ، وبعد الرجوع توضأ وجلس على حافة البئر المصنوعة من الخشب مدليا رجليه فى البئر. فألقيت عليه السلام ثم عدت إلى مجلسى. وكانت نيتى أن أقوم فى ذلك اليوم بحراسة النبى صلى الله عليه وسلم. فدق الباب بعد فترة أبو بكر الصديق. فسألت عن الطارق. وفهمت أنه أبو بكر الصديق قلت يا رسول الله إن أبا بكر قد دق الباب حتى يتشرف بالمثول بين يديك ، ولما قال النبى صلى الله عليه وسلم أدخله بعد أن تخبره بأنه بشر بالجنة. ففتحت باب البئر

٣٣٢

وقلت تفضلوا! فقد بشرك النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة فأغلقت الباب بعد دخوله وجلست فى مكانى القديم وبعد أن دخل بناء على إذن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على يمين النبى صلى الله عليه وسلم وأدلى رجليه فى البئر ، ودق الباب مرة أخرى بعد قليل. قلت : من أنت؟ قال : أنا عمر بن الخطاب إذا ما أذن لى أريد أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى الرسول وأخبرته أن عمر بن الخطاب يريد المثول بين يديك واستأذنت منه بهذا الشكل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم فليأت أبشره أيضا بالجنة ففتحت الباب وقلت له تفضل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل وجلس بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم على يساره وأدلى رجليه فى البئر. أما أنا فذهبت إلى مكانى القديم وجلست. وبعد مدة جاء عثمان بن عفان. فقمت وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عثمان بن عفان يستأذن أيضا للتشرف بالمثول بين يديك. وعرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ينتظر الأمر بالدخول. وقال النبى صلى الله عليه وسلم الواقف على سرائر الدنيا والآخرة «فليأت لأبشره بالجنة وبلوى المصيبة» ففتحت باب مبنى البئر وأدخلته وقلت له : يا عثمان إن النبى صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة وآفة المصيبة فمثل عثمان أمام النبى صلى الله عليه وسلم ولما لم يجد محلا يجلس عليه فى يمين النبى ويساره جلس أمامه ؛ وكانت هذه الإشارة المليئة بالحكمة سببا فى عدم دفن عثمان بن عفان فى الحجرة المطهرة يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يجد مكانا على يمينه وشماله فأشار له بأن يجلس أمامه وهكذا جلس فى مكان بعيد عنه ، الأمر حين قتل يدفن فى الحجرة المعطرة!!! ودفن فى بستان حش كوكب ليس مخالفة الفرق المخالفة لدفنه فى الحجرة المطهرة.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما شرف مسجد قباء كان يذهب إلى بئر أريس وكان يقول : إن كل من يذهب يوم السبت إلى مسجد قباء ويصلى فيه ركعتين ثم يشرب من ماء بئر أريس ينال ثواب عمرة. وفى يوم قائظ اغترف صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الأربعة من ماء بئر أريس لتلطيف الحرارة ووضع يده فى الدلو.

معجزة :

لما وضع النبى صلى الله عليه وسلم يديه فى الدلو سقط خاتمه فى قاع البئر فارتفع ماء البئر.

٣٣٣

وعرض عليه خاتمه وقدمه له. وانتقل الخاتم من بعد إلى أبى بكر ثم إلى عمر بن الخطاب ثم إلى عثمان بن عفان إلا أن هذا الخاتم وقع فى البئر مرة أخرى فى العام الخامس من خلافة عثمان ولكنه لم يستخرج.

وعمق بئر أريس (١٩) ذراعا وارتفاعه (١٠٤) ويقال أنها كانت قديما تحت بناء مرتفع. إلا أن تقلبات الدهر هدمت مبانى جهتها القبلية وخربتها. فعمرها شاهين الشجاعى ورفع الحجارة التى حولها ثلاثة أذرع وجعل لها مرقاة. وإن كانت الآن غير مكشوفة إلا أن أبنيتها ليست مرتفعة ورصينة كما أخبر المؤرخون. ولها بناء الآن يحميها من حر الشمس ولها مصلى فى جهة مسجد قباء وعلى طاق محراب هذا المصلى هذا البيت :

أمن عجب أن يزورها ليل نهار الإنس والجان

بئر خاتم الأنبياء هو هذا المكان

النخيل المتكلم :

فى حديقة النخيل التى فى الطرف الغربى لبئر أريس النخلة أو النخلتان المعروفتان باسم النخيل المتكلم وكما سيرى فى شكل هذه الأشجار فهى تنحنى كحلقات وترتفع فقط غصونها التى ستنتج الفاكهة. وكانت هذه الأشجار فى عصر النبوة فى غاية العلو وكان اقتطاف ثمرتها غير ممكنة. ولما كانت النخلة المذكورة مدمرّ بها النبى صلى الله عليه وسلم فانفرشت على الأرض وقالت : يا رسول الله! إن تمرى جدير بالأكل ، فكل منى عدة تمرات وأرفع رأسى بين أمثالى من النخيل وظلت على هيئتها تلك.

ومازال جيش النخلة التى تمددت على الأرض لتعرض بلحها على النبى صلى الله عليه وسلم قائمة! وفروعها التى تنبت حولها وتنمو وتستدير حلقات سنة بعد سنة وتظل كذلك إلى أن تزول. ومع هذا إذا ما أخذ فروع منها وغرست فى مكان آخر وإذا لقح إلى نخلة أخرى فلا ينفع حتى إذا نفع فلا تستدير فروعها حلقات بل ترتفع مثل أشجار النخيل الأخرى.

٣٣٤

٢ ـ بئر الأعواف :

والثانية من الآبار المباركة بئر الأعواف وهى من الصدقات النبوية.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد توضأ على حافة هذه البئر. وحيث مس ماء وضوء النبى اكتسب خضرة ونضارة ومازال كذلك حتى يومنا هذا.

كان فى عصر السعادة بجانب هذه البئر حجر ولما كان هذا الحجر قد قبض على لص هرب من النبى صلى الله عليه وسلم فاقتلعه ووضعه فى مكان بين «الأعواف» و «الشطبية» لما كان النبى صلى الله عليه وسلم قد لمسه بيده الكريمة أخذ أهل المدينة يزورون هذا الحجر. وللأسف لم يبق فى عصرنا من يعرف مكان هذا الحجر. وفى الواقع فى عصرنا من يعرف مكان هذا الحجر. وفى الواقع فى عصرنا فى المكان الذى يسمى «الأعواف» مكان طرفه القبلى «مربوعة» وطرفه الشامى «خنافة» وبين هذين المكانين كثير من الآبار ولكن ليس هناك من يعرف مكان «الشطبية». ومن المحتمل أن يكون المحل المشهور باسم «عتبى» فى الطرف الشرقى من خنافة الشطبية المذكورة.

٣ ـ بئر أناء :

البئر الثالثة من الآبار المقدسة بئر أناء واسم هذه البئر على رواية أناء بضم الهمزة وفتح النون ، وفى رواية أخرى أنّاء بفتح الهمزة وتشديد النون. فى ناحية بنى قريظة.

وعندما حوصر حصن بنى قريظة أقيمت خيمة النبى صلى الله عليه وسلم على حافة هذه البئر ، وشرب النبى صلى الله عليه وسلم من ماء هذا البئر وهو جالس فى خيمته. وربط دابته على شجرة النبق التى ببيت مريم بنت عثمان وصلى على ساحة مسجد بنى قريظة ، ولكن الآن لا يعرف ساحة ذلك المسجد.

٤ ـ بئر أنس بن مالك بن النضر :

والبئر الرابعة من الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم بئر أنس بن مالك بن النضر

٣٣٥

وكانت فى داخل دار أنس بن مالك بن النضر فى محلة تسمى جديلة والبئر التى وقفت ل «رباط اليمن» فى وقتنا هذا يلزم أن تكون تلك البئر. لأنها تقع بالقرب من دار فحل (١) وفى الطرف الشامى من الحديقة المسماة برومية يعنى بالقرب من ضريح والد النبى عبد الله بن عبد المطلب. وأساسا كان من ممتلكات والد أنس بن مالك بن النضر تعرف فى الجاهلية باسم برور كما سبق ذكرها فى بحث بئر سقيا. وقد ألقى النبى صلى الله عليه وسلم فيها بصاقه فاحلو ماؤها إلى حد أنها صارت ذات ماء ألذ وأخف من جميع مياه آبار المدينة المنورة.

٥ ـ بئر إهاب :

الخامسة من الآبار المحترمة البئر التى اشتهرت باسم إهاب وكانت فى داخل القصر الذى يسكنه أساسا إسماعيل بن وليد والذى يقع فى داخل حدائق النخيل الكائنة فى الجهة القبلية للحرة الغربية.

لما أخرجت فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب من بيت جدتها فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ كانوا قد أعطوها ذلك القصر وانتقل هذا القصر أخيرا لابن هشام.

وكانت بئر إهاب أساسا بئر والد عبادة سعد بن عثمان. ولما تفضل النبى صلى الله عليه وسلم قائلا يظهر أن عمران المدينة المنورة سيصل إلى بئر إهاب ولأجل ذلك أطلق أهل المدينة المنورة على تلك البئر اسم بئر زمزم وأرسلوا ماءها إلى البلاد الأخرى للتبرك. ولما كانت فاطمة بنت حسين بن على هى التى حفرت تلك البئر فمن العجب أن يطلق عليها بئر زمزم دون أن يطلق عليها بئر فاطمة.

٦ ـ بئر البصّة :

السادسة من الآبار العزيزة البئر التى يطلق عليها بصة على وزن حبّة.

__________________

(١) دار فحل : من الأبنية القديمة ، وهى الآن من أملاك أولاد برادة ويقيم فيها بنو عم عبد الجليل أفندى رئيس كتبة «إدارة الروزنامه» ولما كانت بحديقة هذه الدار نخلة عقيم لا تؤتى أكلها ، فقد نسبت الدار إلى هذه النخلة وسميت باسمها.

٣٣٦

وتقع بجانب نخلة قريبة من مقبرة بقيع الغرقد وفى طريق قرية قباء.

ويميل ماء هذه البئر إلى الخضرة وقد هدمت السيول التى تمر بجانبها جميع جهاتها وخربتها. ولكنها عمرت تعميرا جيدا مؤخرا. عرض فوهتها فى قطر سبعة أذرع. وبجانب هذه البئر بئر أخرى فى عرض ستة أذرع ، وكان مؤرخو الأسلاف قد اختلفوا فى تعيين أية واحدة منهما بئر «البصة» ؛ والبئر الصغيرة ولما كانت أمام برج والد أبى سعيد الخدرى مالك بن سنان فليس من المستبعد أن تكون تلك البئر بئر «البصة» ولأجل ذلك استولى زكوى ابن صالح على ساحة برج مالك بن سنان وبنى عليها منزلا عاليا وصنع سلما للبئر الصغيرة ، كما أن شيخ الخدم عزيز الدولة وريحان البدرى الشهابى اشترى بستان النخيل الذى بجانب المنزل الذى بناه ابن صالح ووقفه على الفقراء الذين يمرون من جانبه.

زار النبى صلى الله عليه وسلم دار أبى سعيد الخدرى فى يوم جمعة وطلب منه مقدارا من سدر وغسل بالسدر رأسه وصب الماء المستخدم فى البئر.

٧ ـ بئر بضاعة :

السابعة من الآبار المقدسة هى بئر بضاعة التى بين الحديقتين اللتين تميلان إلى الجهة الشمالية من غرب بئر حاء واشترى شاهين الجمالى هاتين الحديقتين ووحدهما وصنع حوضا بجانب بئر بضاعة وبنى مسجدا ووقف الحديقتين لتعمير المسجد المذكور والحوض والبئر سالفة الذكر.

وفى عهد الجاهلية كان ماء بئر بضاعة عديم القيمة ؛ لذا كانت تلقى فيها النساء الحوائض خرق الحيض كما أن الساكنين حوله يلقون فيها الكناسة وجثث الحيوانات.

ولما توضأ الرسول وشرب من مائه وتفل أخبر أن ماءه شفاء للمرضى. ومنذ ذلك الوقت أخذ الناس يشربون من مائه راغبين فيه ويرجحونه على مياه الآبار الأخرى.

٣٣٧

ولما كان الناس يمرضون فى عصر السعادة كان النبى صلى الله عليه وسلم يوصيهم بالاغتسال بماء بئر بضاعة ، وكان الذين يغتسلون بماء هذه البئر الطاهر يشفون من مرضهم فى الحال.

٨ ـ بئر جاسوم :

الثامنة من الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم البئر التى تقع فى مكان يقال له راتج لأبى الهيثم بن التيهان ويطلق عليها. بئر جاسوم وشرب النبى صلى الله عليه وسلم من مائها وصلى فى الحديقة التى بجانبها وللأسف ليس فى زماننا من يعرف بئر الجاسوم ولا حتى مكانا يسمى بجاسوم.

٩ ـ بئر جمل :

هو التاسعة من الآبار المقدسة بئر الجمل التى تقع فى ناحية الجرف وفى نهاية وادى العقيق ، وعلى رواية أخرى تقع تلك البئر فى الطرف الشامى من بقيع الغرقد وسبب تسميتها إما لأن حافرها اسمه جمل أو لأنه وجد بجانبها جثة جمل. وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ من هذه البئر فإنه لا ينكر فضلها.

١٠ ـ بئر حاء :

العاشرة من الآبار المكرمة هى بئر حاء التى تقع أمام الباب المجيدى لسور المدينة. وكان النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يشرف حديقة النخيل التى فيها هذه البئر يشرب من مائها ويستريح جالسا فى ظلال النخيل.

ولما كانت هذه البئر أساسا فى داخل حديقة النخيل التى يملكها أبو طلحة تصدق بهذه الحديقة لأبى بن كعب وحسان بن ثابت من جهة قرابتهما. وباع حسان مؤخرا نصيبه من الحديقة لابن أبى سفيان ، فبنى فيها حضرة معاوية قصره الصيفى الذى اشتهر بقصر بنى جديلة ، وبناء على ذلك ظلت بئر حاء على طرف من قصر جديلة ، وكان لذلك القصر بابان يفتح أحدهما إلى الشارع والثانى إلى بيت محمد بن طلحة التميمى ، وقد اندرس قصر جديلة فى زماننا وظلت بئر حاء

٣٣٨

داخل حديقة النخيل صغيرة. ولما كان ماؤها فى غاية العذوبة واللذة ، اشترتها من تدعى نويرية ووقفتها مع حديقتها لأبناء السبيل ، لأجل ذلك يطلق على تلك الحديقة حديقة نويرية.

وفى الطرف القبلى لتلك البئر جامع صغير وهذا المسجد الشريف فى مكان قريب من حصن المدينة.

١١ ـ بئر حلوة :

الحادية عشرة من الآبار المقدسة بئر حلوة التى تقع بالقرب من دار آمنة بنت سعد فى الرصيف الأيسر لباب السلام ، ولكن ليس هناك من يعرف مكان هذه البئر فى زماننا.

وفى عهد السعادة كان بجوار البئر شجرة من نوع شجرة الآراك ، ويقال إن النبى صلى الله عليه وسلم كان ينام وقت الضحى تحت هذه الشجرة المذكورة.

١٢ ـ بئر ذرع :

البئر الثانية عشرة التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم هى بئر ذرع التى تقع فى قرية «بنى خطمة» التى تقع على الجهة الشرقية من مسجد العوالى. شرف النبى صلى الله عليه وسلم قرية بنى خطمة وصلى فى دار امرأة عجوز وبعد ذلك توضأ وألقى ببصاقه فى داخل البئر. كانت بئر ذرع فى ذلك الوقت خلف مسجد بنى خطمة وموقع تلك القرية الآن بجانب الخرابة التى تسمى ما جشونية التى ما تزال بيوتها الخربة ظاهرة للعيان.

١٣ ـ بئر رومة :

البئر الثالثة عشرة من الآبار المحترمة التى تقع فى نهاية وادى العقيق حيث تتحد سيول الأودية والتى تعرف فى زماننا ب «بئر عثمان» بئر عثمان. والبئر المذكورة بالقرب من مسجد القبلتين وأقدم آبار المدينة المنورة.

ولا يعرف صاحبها ولا حافرها إلا أنه يروى أنها بئر قديمة حتى إن تبّع

٣٣٩

الحميرى الذى مر بالمدينة قبل الهجرة بسبعمائة سنة شرب من مائها اللطيف وأعجب به.

وفى أوائل الهجرة النبوية لم يكن الصحابة الكرام يجدون ماء غير ماءها بثمن غال للشرب. فقال النبى صلى الله عليه وسلم «بئر مزنى ـ يعنى روما ـ ما أحسنها من بئر» وبناء على رواية قال «ما أحسنه من حفيرة حفيرة مزنى».

وأحضر صاحبه وقال له : يلزم أن تبيع هذه البئر بدل بئر من الجنة وبهذه الطريقة أراد أن يتصدق بها صاحبها ، ولكنه قال «يا رسول الله ليس عندى شىء آخر لأتعيش منه» ولما أحس عثمان بن عفان بأن اليهودى لا يريد أن يعطى للنبى صلى الله عليه وسلم متعللا بالأعذار فأرضى اليهودى بأن اشترى البئر بعشرين ألف درهم أو على قول آخر بخمسة وثلاثين ألف درهم. ووقفها. وكان قد اشترى نصف البئر أولا لأن صاحبها لم يرد أن يبيعها كلها قائلا إننى لا أستطيع أن أبيع البئر كلها مرة واحدة إذا أردت أبيع نصفها لك فلتكن لك يوما واليوم الآخر لى ، وفى اليوم الذى لك لا آخذ منها ماء كما أنك لا تأخذ فى اليوم الذى لى ماء!!! وكان حضرة عثمان أخذ نصف البئر بإعطائه اثنى عشر ألف درهم. ووقفها. ولما رأى اليهودى أن المسلمين يأخذون من الماء ما يكفيهم لأربع وعشرين ساعة فى اليوم الخاص بحضرة عثمان وأصبحوا لا يشترون ماء فباع لحضرة عثمان نصفها الثانى بثمانية أو على قول آخر ثلاثة وعشرين ألف درهم وترك البئر نهائيا.

وظلت البئر زمنا طويلا عذبة الماء وكان ماؤها مرغوبا بين الأهالى وكانت تروى سكان المدينة إلا أن أبنيتها تخربت وغاض ماؤها فترة من الزمن. فجدد قاضى مكة المكرمة أحمد شهاب بن محمد المحب الطبرى أبنيتها وطهرها وذلك خلال عام ٧٥٠ ه‍ وبعد مائتين وتسعين سنة أى فى عام ١٠٤٠ ه‍ فعمرها بشكل جيد الشخص الذى تولى مشيخة الحرم النبوى وأحياها بأن غرس حولها الأشجار وبنى بجانبها مسجدا ووقفها. والآن يمر بها الفقراء ويزورونها وأحيانا

٣٤٠