موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

سوق الفلتية ـ مثل الأسواق الأخرى تتكون من عدة دكاكين معروشة يباع فى دكاكين هذه السوق :

سوق «الأعشاب ، والجلود ، الحبال ، الفحم ، الحطب» وما يشبهها من اللوازم الأخرى.

الخضرية ـ سوق الخضراوات هذه تقع فى الجهة الشرقية للسوق سالفة الذكر ، ودكاكين بائعى الخضر أكشاك معروشة.

سوق الجزارة ـ هى سوق بيع اللحم التى تقام فى الجهة القبلية لسوق الخضراوات ، والقصابون يعرضون الأغنام المذبوحة معلقة على العلاقات ويبيعونها.

سوق العطارة ـ تقع مقابل سوق القصابين ، وتمتد هذه السوق إلى شارع النخاولة ، وتنتهى بالباب المصرى ويتجر فيها بمواد العطارة والأقمشة ، والتبغ والطباق ، وفى جهة من جهاتها مقهيان.

سوق البياطرة ـ تقع فى الطرف الشمالى إلى سوق الجباية وهى سوق الخيل ، ويباع فيها النحاس أيضا.

سوق البرسيم ـ سوق يباع فيها البرسيم.

سوق الفطارين ـ سوق تباع فيها هذه الفطائر والطعام ويتم البيع فيها إما فى الأكشاك المفروشة أو فى أماكن مكشوفة.

سوق الدلال الخردجية ـ سوق تباع فيها الأشياء القديمة مثل «سوق المقمل» فى إستانبول حيث تباع الأشياء القديمة ويقع سبيل فاطمة فى الجهة الغربية من داخل هذه السوق وبالقرب من باب مصر.

وفى هذه السوق أو فى الأسواق الأخرى عدة مقاهى للاستراحة.

٢٢١
٢٢٢

الوجهة الخامسة عشرة

تحتوى على أربع صور فيها ذكر مصلى العيد النبوى

والمساجد والمنازل القائمة فى ممرات بهذه المساجد

ومسجد قباء وبيت النفاق الضرار

والمعابد النبوية المعلومة وغير المعلومة

٢٢٣
٢٢٤

فى ذكر المساجد التى صلى فيها سيد الزاهدين

محمد صلى الله عليه وسلم

صلاة العيد ومنازل الصحابة الموجودة فى طريقها

أول صلاة عيد أداها إمام الأنبياء ـ عليه أعظم التحايا ـ فى المدينة هما صلاتا عيد الفطر وعيد الأضحى اللتان أداهما النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثانية للهجرة.

وبناء على قول الإمام الواقدى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى هاتين الصلاتين للعيدين فى المكان الذى خلف بيت حكيم بن عدى بن بكر بن هوازن والمستقر بجانب أصحاب المحامل.

وحمل معه الحربة التى أعطاها النجاشى ملك الحبشة للزبير بن العوام.

ويحمل أئمة المدينة اليوم وهم يذهبون لأداء صلاة العيد تلك الحربة معهم. وكان ذلك الميدان فى الجهة الغربية فى المصلى المشهور الذى سبق تعريفه ، وفى اتصال حديقة «العريضية لا من جهتها الشمالية». وأحيط أخيرا بسور من جهاته الأربعة واتخذ مسجدا.

وعند ما حاصر المصريون حضرة عثمان بن عفان وضيقوا عليه الخناق وأمّ على بن أبى طالب الناس فى هذا المسجد بقى اسمه «مسجد على» وإن كان هذا ما يروونه إلا أن عليا بن أبى طالب لم يكن يؤدى الصلاة فى مكان لم يصل فيه نبينا إمام قبلة الدين ـ عليه السلام ـ وبناء عليه يلزم ألا يكون لهذه الرواية أساس.

ويروى بعض المؤرخين أن أبنية ذلك المسجد قد اندرست مع مرور الزمن ولم يبق لها أثر ، وقد اعتادت قوافل الحجاج أن يدفن فى خرائبه جنازات من يموتون

٢٢٥

منهم ، ولقد عثر فى سنة ٨٨١ ه‍ والى المدينة المنورة خرائب هذا المسجد وطهرها وبنى الأبنية التى عليها اليوم ، إلا أن هذه الرواية تخالف الرواية التى نقلها كتابة.

يقول إبراهيم بن أمية ناقلا عن شيخ جليل ذو ضمير حى لا مع فى الرواية التى نقلها كتابة :

صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول صلاة عيد فى المدينة المنورة بجانب منزل ابن أبى الجنوب فى محلة «الدوسى» وصلى صلاة العيد الثانى خلف منزل حكيم بن عدى بجانب دار حفرة ، وصلى صلاة العيد الثالثة بجانب منزل عبد الله بن درة المزنى الكائن بين دار معاوية ودار كثير بن الصلت. وصلى صلاة العيد الرابعة بين الحجارة السوداء القريبة من المصلى المشهور وصلاة العيد الخامسة داخل منزل محمد بن عبد الله بن كثير بن الصلت ، وصلاة العيد السادسة فى محل المصلى المشهور.

كان منزل ابن أبى الجنوب فى الجانب الغربى من وادى «البطحاء» وداخل منزل حكم حفرة سالف الذكر وكان منزل ابن درة (١) المزنى على الجانب الغربى من المصلى ودار كثير بن الصلت فى الجهة القبلية من المصلى المذكور والمكان الذى أشير إليه بالحجارة السوداء فى داخل حديقة «العريضية».

القريبة من مصلى العيد. ويوجد الآن فى الحديقة التى كانت تعرف بالريشهية فى ذلك الوقت المسجد الذى ينسب إلى الصديق الأعظم. لما كان الصديق الأكبر يصلى صلوات الله على أرض هذا المسجد عندما كان خليفة سمى هذا المسجد «مسجد أبى بكر».

صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد الأولى بالقرب من دار الشفاء وصلاة العيد الثانية فى محلة «الدوسى» وصلاة العيد الثالثة فى المكان الأنور الذى يسمى مصلى العيد ، بعد ذلك لم يترك هذا المكان حيث أدى جميع صلوات

__________________

(١) درة اسم قبيلة تتشعب عن جماعة مزينة.

٢٢٦

العيد بعد ذلك فى هذا المكان فى حياته ، هذا هو المروى وهذه الرواية جديرة بالترجيح على تدقيقات الإمام الواقدى وإبراهيم بن موسى لقول ابن شيبه ناقلا عن شيخه ومصاحب الإمام مالك : من باب مروان ـ أى من الباب الذى عرف بباب السلام ـ إلى مسجد السعادة ومصلى العيد ألف ذراع وليس فى المدينة المنورة فى طريق مصلى العيد مكان أقدس من مصلى العيد بعد المسجد النبوى الشريف.

ينقل عن جناح النجار أنه قال : كنت قد ذهبت إلى مكة مع أخت سعد بن أبى وقاص «عائشة» فقالت لى فى أثناء الطريق : «أين تقيم فى المدينة؟» فقلت لها : أسكن فى بيت قائم على رصيف من أرصفة باب السلام. عندئذ قالت لى : «إذا كان كذلك فلا تترك هذا البيت ، لأن والدى سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن ما بين مسجدى والمكان الذى صلى فيه العيد جنة من رياض الجنة» ، وبهذا بين قداسة الطريق الذى بين المسجد الشريف ومصلى العيد وعرف أشرفيته.

وكلما كان النبى صلى الله عليه وسلم عائدا من أحد أسفاره ويصل إلى مصلى العيد ، يستقبل القبلة ويدعو. وكان يذهب من طريق لأداء صلاة العيد ويعود عن طريق آخر ، كان يذهب إلى المصلى من شارع باب السلام ويعود من الطريق الذى يمر من أمام دار عمار بن ياسر وكان الصحابى أبو هريرة يتباهى ويتفاخر قائلا : «إن زاوية دارى أحب إلى وأجمل من كل شىء وكيف لا تكون كذلك؟! والنبى صلى الله عليه وسلم كان يذهب من إحدى زواياها إلى مصلى العيد ويعود من زاويتها الأخرى».

وقد خرب مصلى العيد النبوى وفيما بعد جدد فى سنة ٧٤٨ ه‍ من قبل السلطان ناصر الدين حسن بن قلاوون ، وإلى الآن فوق طاقة حجر كتبت عليه العبارة الآتية : «قد جدده شيخ الحرم النبوى عز الدين بإدارة ناصر حسن بن محمد بن قلاوون سلطان مصر سنة ٧٤٨».

ويقع المسجد المذكور فى الجهة اليسرى من حديقة «عريضية» وكان قد جدد

٢٢٧

أيضا فى سنة ٧٦٢ ه‍ ولما كان مسجد مصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مدخل حديقة عريضية كان الدخول فى هذه الحديقة يتم من داخل المسجد الشريف وكانت ساحة المسجد الشريف تلوث بسبب الحيوانات التى تدخل وتخرج من وإلى الحديقة ووصلت القذارة أحيانا إلى كل مكان لدرجة أن المصلين لا يجدون فيه قبة لأداء الصلاة. فاستدعى الأمير إينال صاحب الحديقة واستأذنه وصنع للحديقة بابا آخر. وصنع للمسجد سقفا مخصوصا وفتح للشبكة التى فى الجهة الغربية بابا فى جدارها وجعل دهليزا خاصا لدخول الحيوانات. وبما أن الحيوانات منعت من الدخول لحرم مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المصلى ظل دائما نظيفا ؛ وفى سنة ٨٦١ ه‍ وبما أن باب مصلى العيد كان خاليا من المصراع فتحوا بابا فى مواجهة المحراب لجداره الشامى. وركبوا لبابه القديم مصراعا ؛ وكان للباب الذين فتح حديثا من خارجه مكان يصعد إليه بسلم ؛ وعمرت صفة ذلك المكان اللطيف فى عهد الأشرف إينال تحت نظارة الأمير برد بك فى سنة (٨٦١) وكان الأئمة الذين يؤمون الناس فى صلوات الجمع والأعياد والخطباء يجلسون فى هذه الصفة. بينما كان الأمير يرد بك يعمر هذه الصفة جعل للخارجية فاعتاد الأعيان من أهل السنة أن يجلسوا فى هذا المكان من الأئمة والخطباء وعندما يحين وقت الصلاة كانوا يدخلون فى المسجد.

أول من قام بالإمامة والخطابة تحت هذه السقيفة من قضاة أهل السنة هو العلامة «سراج الدين أحمد ـ رحمه الله ـ الذى عينه منصور قلاوون الصالحى وأرسل إلى المدينة المنورة سنة ٦٨٢ ه‍ وبما أن جميع القضاة والخطباء قبل سراج الدين أفندى كانوا من طوائف الزنادقة قد تعرض سراج الدين أفندى من أفراد الزنادقة لكثير من التحقير والإهانة كما عرف ذلك فى الصورة العاشرة من الوجهة الأولى والصورة العاشرة من الوجهة الثالثة.

ابن فرحون من المؤرخين الذين أدركوا الدور الذى ظهر فيه أفراد الزنادقة على أهل دار السكينة وتغلبوا عليهم. وقال فى تاريخه : «إننى رأيت بنفسى ما ألحقته طائفة الملاحدة لائمة أهل السنة من الإهانات رأى العين ، كانوا يرجمون

٢٢٨

أئمة أهل السنة الذين يصلون فى المحراب والخطباء الذين يخطبون على المنبر وبلغ من جرأتهم وغلوائهم أن الأئمة الذين يؤمون المصلين فى صلاة العيد كانوا لا يستطيعون أن يخرجوا من الباب الرئيسى بل يخرجون من الأبواب الصغيرة التى فتحت فيما بعد. ولا يستطيعون أن يخطبوا مواجهين الجمهور وكانوا يصعدون من سلم الصفة التى عمرت فى عهد الأشرف إينال ويخطبون وهم يستدبرون القبلة ؛ ولكن السقيفة التى صنعت فيما بعد من قبل أمير المعمار برد بك تحول دون رؤية وجه الخطيب ، وإلقاء الخطبة بهذا الشكل كان مخالفا للسنة النبوية الشريفة إلا أن إلقاء الخطباء خطبهم بهذا الشكل كان مبنيا على رأى الأهالى الذين يرددون أن النبى صلى الله عليه وسلم قد ألقى الخطبة فى ذلك المكان الميمون. وبعد أن غلبت طائفة الملاحدة الرذيلة على أمرها ، تركت الحالة السابقة كليا وأخذت الخطب تلقى على الوجه المسنون».

إن المعبد اللطيف الذى ذكرناه طويلا سابقا مازال موجودا إلى يومنا هذا ويعرف باسم «مسجد النبى» ويشتهر بذلك.

٢٢٩

تذكر وتعرف مسجد قباء

بناء على ما ورد فى الكلام عن سنة الهجرة شرف النبى صلى الله عليه وسلم قرية قباء بالنزول فيها. وسكن محلة بنى عمرو بن عوف أكثر من عشرة أيام وتفضل بإقامة مسجد قباء ، هذه الرواية منقولة عن أئمة السير ، إلا أن فرقة من المؤرخين يرغبون فى رد هذه الرواية ، وبناء على أدعاء هؤلاء المؤرخين تبين لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم أقام ثلاث ليال (١) فى محلة بنى عمرو بن عوف فى مكان وأخذوا يصلون فى مربد كلثوم بن هدم حيث أسسوا مسجد قباء ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى مدة وجوده فى محلة بنى عمرو بن عوف على ساحة هذا المسجد وذهبت فى فرقة من المؤرخين إلى أن أسعد بن زرارة قد أسس مسجد قباء قبل الهجرة وقالوا موضحين ذلك كانت ساحة مسجد قباء مربد كلثوم بن هدم ، وكان أسعد بن زرارة قد أحاط هذا المكان من جهاته الأربعة بجدار حتى يصلى فيه الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ الذين هاجروا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وليجتمع مع سائر المسلمين الذين سيأتون يوم الجمعة من سائر القرى ، وصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى داخل هذا المكان وأمرهم بأن يتخذ أهل قباء هذا المكان مسجدا لهم.

وإننا نحكم بأن ما قالته هذه الطائفة من المؤرخين خطأ من أساسه ونرى أن ما ذكرته الطائفة الأولى من المؤرخين أقرب إلى الصحة ، لأن النبى أثناء مقامه فى محلة بنى عمرو بن عوف صلى فى ساحة مسجد قباء ، وهذا قطعى الثبوت

__________________

(١) اختلف الرواة فى المدة التى أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قباء ، فقيل أربعة ، وقيل أربعة عشر وقيل اثنان وعشرون. انظر : السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٨٠ ـ ٨٣. ط دار الفكر بتحقيق محمد فهمى الرجانى. والدرر لابن عبد البر من ٨٥ ، وغيرها.

٢٣٠

وروايته تستند إلى أقوال موثوق بها. بينا ادعى جابر بن سمرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسس وبنى مسجد قباء بعد تشريفه مدينة العز المدينة المنورة وقال : قام النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة وشرف قرية قباء ، وقال لمستقبليه من أهل قباء : «يا سكان قباء» ، وبعد ما هيأ أهل قباء مقدارا كافيا من الحجارة خط رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربته حدود المسجد الميمون وأمر بحفر أساسه ، وحمل بنفسه قطعة من الاجرّ ووضعها فى المكان الذى سيتخذ محرابا ، ثم خاطب أبا بكر الصديق وقال له : «يا أبا بكر خذ أنت أيضا حجرا وضعه فوق حجرى ، ويا عمر احمل أنت أيضا حجرا وضعه فوق حجر أبى بكر ، ويا عثمان ضع أنت أيضا الحجر الذى حملته بجانب حجر عمر ويأ ايتها الجماعة ، ابنوا الجدران بوضع الحجارة حيثما تريدون». وهكذا أمرهم بطرح وبناء مسجد قباء المقدس ؛ انتهى.

ويفهم مما أورده جابر بن سمرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قد حضر وصنع أساس المسجد المذكور الذى سيتخذ المحراب المذكور وأن أهل قباء قد أكملوا بناء جدران وسقف المسجد بعد أن شرف النبى صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة ، وبناء على هذا أقول يقتضى الحكم بصحة ما ادعاه سواء أكان أهل السير أو المؤرخون.

قد حضرت شموس بنت نعمان وضع أساس مسجد قباء وعندما أخذ النبى صلى الله عليه وسلم حجرا ووضعه فى المكان الذى سيتخذ محرابا وكانت تقول كلما تعرف وضع أساس المسجد المذكور : إننى أجلت النظر فى الصحابة الكرام الواحد تلو الآخر فى أثناء إرساء أساس مسجد قباء ، وقد حمل النبى حجرا كبيرا وكان فى غاية الثقل كان ثقل الحجر يؤثر فى سرته المباركة ؛ ولما رآه واحد من الصحابة الكرام على هذه الحالة قال للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله فداؤك أبى وأمى ، اترك هذا الحجر حتى أحمله عنك فقال له الرسول! لا فليحمل كل واحد منكم حجرا كبيرا حتى تكملوا إرساء أساس المسجد ؛ لأن جبريل ـ عليه السلام ـ يرينى الكعبة المعظمة.

وأضافت شموس : من هنا أعرف أن مسجد قباء أقوم المساجد من حيث اتخاذ القبلة.

٢٣١

ورواية شموس بنت نعمان (١) هذه «مسجد قباء أقوم المساجد من حيث اتخاذ القبلة رواية صحيحة ، ولكن بناء مسجد قباء كان قبل تحويل القبلة ، وبما أن القبلة تحولت بعد ذلك بسنة فمحراب أبنية مسجد قباء الذى كان فى ذلك الوقت غير موجود الآن.

اختلفت الأئمة فى سبب نزول الآية الكريمة

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة : ١٠٨) أنزلت فى مسجد قرية قباء أم أنها نزلت فى مسجد النبى فى المدينة؟

فقالت طائفة منهم : إنها نزلت فى مسجد قباء ، وقال بعضهم : إنها نزلت فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما حجة الطائفة الأولى وسندها فهى قوله تعالى (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) (التوبة : ١٠٨) ومن هنا فهذا مرجح على القول الثانى ولما وجد من العلماء من يرجحون القول الثانى وفق العلماء المدققون بين الأقوال المختلفة بأن وجهوا الآية الكريمة قائلين أنها نزلت فى حق كلا المسجدين. دقائق هذا البحث وتفصيلاته مدونة فى الصورة الثالثة من الوجهة الثانية.

وطيلة المدة التى أقام فيها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة كان يزور مسجد قباء كل يوم سبت راجلا أو على صهوة فرس ، حيث يؤدى ركعتين تحية للمسجد ، كما يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يمضى إلى هذا المسجد فى أيام الاثنين وفى اليوم السابع عشر من شهر رمضان.

كان عمر بن الخطاب يزور مسجد قباء يومى الاثنين والخميس فى أيام خلافته وكان يتوقى عدم ترك هذه السنة ويحافظ عليها ؛ حتى إنه ذهب فى يوم من الأيام إلى المسجد ولما لم يجد فيه الناس غضب غضبا شديدا وقال : «والذى نفسى بيده ، لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كانا يحملان حجارة كبيرة حينما وضع أساس هذا المسجد ، وكان جبريل الأمين يرى للرسول البيت المعظم ؛ أقسم بالله لو كان هذا المسجد فى بلد من البلاد المجاورة لكانوا ذهبوا لزيارته أفواجا أفواجا.

__________________

(١) ترجمتها فى الإصابة ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وذكر لها الحافظ ابن مجر طرق الحديث الوارد هنا.

٢٣٢

فأتونى بمكنسة وعندما أتى له بمكنسة خلع ثيابه وأخذ يكنسه بعد أن نظفه من خيوط العنكبوت ، وقال للذين طلبوا منه أن يترك لهم كنس المسجد إنكم لن تستطيعوا أن توفوه حقه من التنظيف مثلى.

ونقل عن زيد بن أسلم أنه قال : «نشكر الله على أن مسجد قباء فى مدينتنا لو كان فى مكان بعيد للزوم أن نزوره راكبين الجمال».

كما نقل عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص أنها قالت كان أبى يقول : إن أداء ركعتين من الصلاة فى مسجد قباء خير من زيارتين للمسجد الأقصى ، ولو عرف الناس ما فى مسجد قباء من فيوضات إلهية ، لقدموا لزيارته من كل صوب وحدب».

وهذا مروى بأسانيد قوية. والحقيقة أن الصلاة فى مسجد قباء أفضل من الصلاة فى المسجد الأقصى ، كما أن ركعتين وفى رواية أربع ركعات فى هذا المسجد تعدل ثواب عمرة ، وهذا ما ثبت بالأحاديث الصحيحة.

قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو فى طريقه إلى زيارة مسجد قباء لسائليه الذين استفسروا عن الجهة التى يقصد إليها أنا ذاهب للصلاة فى مسجد قباء الكائن فى منازل عمرو بن عوف ؛ لأنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : «كل من صلى فى مسجد قباء كان ثواب صلاته ثواب العمرة».

ويقول سعيد جبير الأسدى : «ذهب أنس بن مالك إلى مسجد قباء وصلى ركعتين وبعد الصلاة جلس فى ركن من أركان المسجد وأنا أيضا جلست قليلا ثم ذهبت إليه وجلست بجانبه عندئذ خاطبنى قائلا : يا سعيد! ما أعظم قدر هذا المسجد ، لو كان على بعد شهرين من الزمن لوجبت زيارته! وكل من خرج من بيته ناويا زيارة مسجد قباء وأداء أربع ركعات من الصلاة فيه ، فالله يثيبه أجر عمرة» (١).

__________________

(١) رواه ابن ماجه وغيره من حديث سهل بن حنيف ، ورواه الطبرانى فى الكبير من حديث كعب بن عجرة ، كلاهما بمعناه وحديث سهل بن حنيف فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف ، وحديث كعب بن عجرة فى رواته يزيد بن عبد الملك النوفلى ، وهو ضعيف. انظر : مجمع الزوائد : ٤ / ١١.

٢٣٣

وعلى كل من يريد أن يعرف المحل المقدس الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة أن يزور العمود الثالث بعد دخوله المسجد وأن يؤدى بجانبه أربع ركعات تحية ، وهذا العمود هو أقرب مكان إلى ساحة المسجد أى إلى الميدان المكشوف.

وقد بنى مؤخرا إلى الجانب الشرقى من هذا العمود محراب وكان هذا إشارة مصلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن المحراب الذى بنى فيما بعد كان قبل تحويل القبلة وأنه يومئ إلى المكان الذى كان يؤدى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته ، إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤدى صلاته فى ذلك المسجد بعد تحويل القبلة فى الجهة الشرقية من العمود الثالث اعتبارا من الساحة الرملية للمسجد المذكورة.

ولا شك فى صحة هذه الرواية إلا أن المسجد وسع فيما بعد وتغير مكان الأسطوانة المعلقة وإذا عدت الآن الأساطين القائمة بناء على تعريف المؤرخين فمن الصعب العثور على العمود الذى يشير إلى المصلى النبوى بل من المستحيل ؛ وخاصة أن باب المسجد فى ذلك الوقت كان خلف منزل سعد بن خيثمة ، وفى زماننا هذا الباب مسدود ومجهول الموقع ؛ لأجل ذلك ركزوا عمودا خاصا علامة على مصلى النبى صلى الله عليه وسلم ؛ وبناء على هذا لا يقتضى عد الأعمدة بل البحث عن العمود الذى ركز إشارة وعلامة للمصلى النبوى. وإن كان قد وضع على أحد الأعمدة المتصلة بالساحة الرملية محراب وكتب على طاقه الآية الكريمة.

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة : ١٠٨)

وأشير إلى أن هذا المكان هو المصلى النبوى.

إلا أن هذا المكان ليس المصلى النبوى بل مكان نزول الآية الكريمة المذكورة. وفى مواجهة هذا المحراب الذى كتبت على طاقه الآية الجليلة حظيرة من خشب عليه قبة مكسوة بالرصاص ، وأخبرنا ابن جبير أن هذه الحظيرة مبرك ناقة النبى صلى الله عليه وسلم ، إلا أن المؤرخين الآخرين ترددوا فى تصديق رواية ابن جبير.

٢٣٤

جدد مسجد قباء فى عصر السعادة فوسع طولا وعرضا بمقدار ستة وستين ذراعا وكانت ساحة المسجد طولا خمسين ذراعا وعرضا ستة وعشرين ذراعا ، وأضاف عثمان بن عفان مؤخرا الجدار (١) القبلى وعند البعض إن هذه الإضافات كانت فى عهد وليد بن عبد الملك.

وعندما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة وسع مسجد قباء وزين جدرانه وسقوفه بالفسيفساء والنقوش. وأضاف إليه مئذنة وعدة عقود. وصنع سقفه من خشب الساج وترك ساحته التى فى الوسط مكشوفة.

وبما أن ما جدده عمر بن عبد العزيز أشرف على الانهيار والخراب مع مرور الزمن فجدد فى سنة ٥٥٥ ه‍ كما جدد عمود المحراب سالف الذكر سنة ٦٧١ ه‍ ، كما جدد بعض جهات من سقفه سنة ٧٣٣ وفى سنة ٨٤٠ ه‍ الجهات الأخرى من السقف المذكور. وقد أصلح وعمّر فى سنة ٥٥٥ من قبل جمال الدين الأصفهانى ومن الناصر قلاوون المصرى سنة ٧٣٣ وفى سنة ٨٤٠ من قبل الأشرف برسباى المصرى ، على قدر الإمكان.

ومال سقف المسجد ومئذنته للوقوع بفعل مرور الزمن ، فبعث الأهالى فى سنة ٩٥٠ ه‍ إلى السلطان سليمان ـ طيب الله ثراه ـ يسترحمونه ويرجونه فأرسل المختصين فهدموا مئذنته وما خرب من سقفه وبناهما من جديد ، وزين ونور داخل المسجد وخارجه بالقناديل والثريات التى أرسلت من باب السعادة كما عين للمسجد الخطباء والأئمة والمؤذنين. ودام هذا التعمير ما يقرب من ١٦٠ سنة ، وبما أنه لم يعمر ولم يرمم فى هذه الفترة من قبل أحد ، فأوشكت جدرانه ومئذنته على الانهيار فحرم عشاق النبى صلى الله عليه وسلم من زيارة ذلك المسجد ، وبناء على هذا عرض الأمر من قبل أهالى دار السكينة ، وموظفى المدينة على الأعتاب السلطانية فصدر الأمر السلطانى للقيام بما يقتضى ، وأعلم بالأمر المعمار سليمان بك الذى أرسله السلطان مصطفى خان بن السلطان محمد خان لتعمير مسجد

__________________

(١) تسمى هذه الأسطوانة الأسطوانة المعلقة وليس فى جهته القبلية أسطوانة غيرها.

٢٣٥

السعادة ونبه بإجراء اللازم ، وبعد ما أتم سليمان بك تعمير مسجد السعادة وجدده قام بتجديد جدران مسجد قباء ومئذنته بعد ما هدمهما. وبنى قبة على أربعة أعمدة فوق مبرك الناقة ثم بنى خارج المسجد سبيلا وعدة دور للخلاء وحفر فى ساحة المسجد الرملية بئرا عميقة تمد السبيل ودور الخلاء بالمياه وهكذا أوفى مهمته على أحسن وجه فى سنة ١١١١ ه‍.

ودام هذا التعمير ١٣٣ سنة وأهمل المسجد نتيجة لتقلب الزمن وساءت حالة المسجد أكثر لغض المدينة النظر عن حالة المسجد حتى أوشك على الانهيار بغتة ، فعرض الأمر على عتبة السلطان محمود خان بمحضر عام فى سنة ١٢٤٤ ه‍.

فما كان من السلطان محمود إلا أن ببناء المسجد بعد هدم جميع مشتملاته. وبناء على ذلك سافر إلى المدينة المنورة المهندس عزت خليفة وأمين البناء وحيد أفندى بعد ما تم اختيارهما تعيينهما من قبل الباب العالى. وبمجرد وصولهما ثابرا فى إيفاء مهمتهما فهدما مسجد قباء مع قبابه وجدرانه بالكامل وجددوه. فى صورة محكمة قوية. وكانت أعمدة المسجد المذكور أصبحت فى حالة غير لائقة للاستعمال فهدمها وحيد أفندى وجددها.

وهدم كذلك المحراب القديم محراب النبى ، ومحراب منزل الآية ، وقبة مبرك الناقة ، وسبيل محمد باشا وجددها على طراز جديد. وأمر بكتابة الأبيات التى أرسلت من باب السعادة فوق طاقات هذه الآثار الشريفة. والأبيات التى كتبت فوق عقود الآثار الشريفة هى : البيت الذى لا نظير له والذى كتب على طاق محراب الكشف :

«أصبح طاق الكشف لمحراب النبى علما ومن هنا انكشفت أرض الحرم لحضرته»

البيت المؤثر الذى كتب على محراب مبرك الناقة :

إن اسم هذا الموضع الطهور مبرك الناقة فأصبح قصوى جوا لآيات السلطان مولاك»

٢٣٦

البيت اللطيف المحرر على محراب منزل الآية المختار :

«يقولون إن آية (أُسِّسَ) (التوبة : ١٠٨) نزلت ها هنا تعال وقم هنا يا أيها المقتدى بأثر الرسول»

الحديث الشريف الذى كتب على المحراب الجديد :

قال النبى صلى الله عليه وسلم ، «من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة» (١).

التاريخ الذى كتب على طاق باب مسجد قباء الشريف.

إمام المسلمين ملك الدنيا السلطان محمود خان

الخلافة مختصة بذاته والكرامة مهيأة لطبعه

حينما سمع ما حل بالمسجد من خراب

بادر فى التو إلى تطييب خاطر أهل طيبة بترميمه

نزلت آية التأسيس فى حق هذا المسجد

فليشهد بمكانة هذا السلطان الذى جدد

كلما كان هذا المكان مسجدا لأهل

الحاجة فليكتب للدين والدولة البقاء

كتبت التاريخ أنا «برتو» وسجدت شاكرا

كان هذا المسجد خرابا فعمره محمود خان

فأرسل من باب صاحب القرار النجارون والمهذبون وما يقتضيه بناء المحراب من الأدوات والأحجار فأقيم محراب فخم على يمين منبر السعادة من قطع رخام ملونة خاص بالجماعة الحنفية فى جمادى الأولى من سنة ١٢٥٨ ه‍ وقرر أن يؤدى أئمة المذهب الحنفى صلواتهم فى هذا المحراب ، وظل الإمام الحنفى يؤدى الصلوات فى هذا المحراب قرابة سنتين.

__________________

(١) سبق تخريج الحديث.

٢٣٧

إلا أن الأمر السلطانى قد صدر بأن يصلى فى محراب النبى الإمام الشافعى وفى اليوم الآخر الإمام الحنفى أخذ أئمة المذهب الحنفى والشافعى يؤدون الصلاة مناوبة فى المحراب النبوى ما يقرب من ٢٦٩ سنة ، ولما ذهب والى مصر محمد على باشا إلى المدينة المنورة بعد واقعة الوهابية فى سنة ١٢٢٩ ه‍ بقصد زيارة الحجرة المعطرة وضع نظام أن يؤدى كل من أئمة المذهبين كل يوم الصلاة فى المحراب النبوى ، وما زال هذا النظام جاريا ، فيصلى الإمام الشافعى صلوات الصباح قبل الإمام الحنفى ويصلى الإمام الحنفى صلوات الأوقات الأخرى قبل الإمام الشافعى ، ولكن فى أيام مواسم الحج يصلى الإمام الحنفى فى المحراب العثمانى ويصلى الإمام الشافعى فى المحراب النبوى بعدما يتم الإمام الحنفى صلاته.

وهذا النظام خاص بمواسم الحج ، ويصلى الإمامان صلوات التراويح فى وقت واحد.

صورة ظهور المذهب الحنفى وزمان ظهوره :

بعد أن نقل ابن فرحون فى هذا الخصوص أقوالا كثيرة ، قال : «كان سكان المدينة المنورة إلى عصر شمس الدين العجمى يعتنقون مذهبين المالكى والشافعى».

وعندما هاجر شمس الدين أفندى إلى المدينة شجع بعض علماء المذهب الشافعى على الاشتغال بمسائل المذهب الحنفى ، وكان هؤلاء العلماء قد دققوا النتائج الأساسية لذلك المذاهب ، وأخذ علماء المذهب المذكور يتكاثرون أخذوا يتفقهون وأصبحوا أئمة زمانهم من هنا أخذ الأهالى يستفيدون من علومهم ويستفتونهم ومن ذلك الوقت أخذ المذهب الحنفى ينتشر فى المدينة المنورة سنة ٧٢٣ ه‍.

إن المحراب السليمانى يقع ـ بناء على تعريف مؤلف «الجواهر الثمينة» من مؤرخى المدينة المنورة ـ فى الجهة اليمنى من محراب النبى صلى الله عليه وسلم وعلى يسار منبر السعادة وبجانب العمود الثالث ابتداء من المنبر الشريف ، وفى نهاية الطرف

٢٣٨

الغربى لما أضافه عمر بن الخطاب ، وقد بنى ذلك المحراب كما ذكر آنفا السلطان سليمان بن السلطان سليم فى سنة ٩٥٨ ه‍ وخصه بأئمة المذهب الحنفى والمالكى ، وعرف بالمحراب السليمانى ا. ه. (١)

وكان أئمة الحنفية لا يؤمون الناس إلى سنة ٨٥٨ ه‍ فى مسجد السعادة وكانت مهمة القضاء والإفتاء منحصرتين فى علماء المذهب والمالكى.

وفى عام ٨٦٥ ه‍ بناء على طلبات ملوك مصر وضع نظام أن يصلى أئمة الشافعية صلاة الصبح قبل المالكية وأن يصلى أئمة المالكية مع جماعتهم الكبرى الصلوات الأخرى قبل الشافعية.

وكان من عادة النبى صلى الله عليه وسلم كلما شرف مسجد قباء بزيارته أن يمر بدار أم حرام (٢) زوجة عبادة بن الصامت وكان لا يجيد عن هذه العادة ذات الحكمة النبوية.

ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشرف دار سعد بن خيثمة فى قرية قباء وكانت دار حضرة سعد فى ذلك الوقت فى الركن الغربى لجدار المسجد القبلى. وفى وقتنا هذا فموقع مسجد على فوق ساحة هذا المنزل الذى لا نظير له. وكان سعد بن خيثمة يؤدى صلاته طول عمره فى ذلك المكان المبارك. وبناء على قول ابن شيبة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يستريح مضجعا فى دار سعد ويجدد وضوءه ومن هنا كان سعد بن خيثمة يؤدى صلاته فى المكان الذى كان يضطجع فيه النبى إلى أن توفى.

وكان قصر كلثوم بن هدم الساحر خلف الجدار القبلى لمسجد قباء. وقد شرف

__________________

(١) يلزم أن يكون هذا الطريق فى زماننا فى مواجهة محل يسمى سويقة فى الطريق القبلى لسور حصن المدينة.

(٢) لما كان هذا المنزل فى داخل منازل بنى سالم الكائنة فى الجهة الغربية من مسجد الجمعة ومن هنا يتضح ويثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كلما كان يشرف مسجد قباء يمر من جهة مسجد الجمعة. والخبر صحيح كما جاء فى صحيح البخارى وغيره. انظر : الإصابة ٨ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

٢٣٩

الرسول صلى الله عليه وسلم فى أول هجرته دار كلثوم بن هدم وصحب معه أبا بكر الصديق واستضافه فى ذلك المنزل اللطيف ومن هنا يعد من الآثار المباركة والمنازل المقدسة.

وقد اتخذت هذه الدار المباركة مؤخرا مسجدا والمسجد اللطيف الذى يعرف فى أيامنا باسم مسجد فاطمة قد أقيم فوق ساحة منزل ابن هدم.

مسجد ضرار

كان الذين بنوه اثنى عشر رجلا : خذام بن خالد من بنى عبد بن زيد أحد بنى عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بنى عبيد وموالى بنى أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير من بنى ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر من بنى ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بنى عمرو بن عوف ، وحارثة بن عامر ، وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ، ونبتل بن الحارث ، وهم من بنى ضبيعة ، وبجاد بن عمران وهو من بنى ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وموالى بنى أمية رهط أبى لبابة بن عبد المنذر.

كان أبو عامر من أفراد قبيلة الخزرج ، وكان ملما بعلوم التوراة والإنجيل وكان يمارس تعليماتهما وكان سالكا بطريقة الزهد والعبادة وكان منهمكا باستحصال الرياسة العلمية وقد اختار قبل البعثة طقوس النصرانية وكان يكتسى الملابس القديمة ومن هنا اكتسب لقب الراهب. وكان قد اطلع على أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم بالاستماع إلى علماء الإنس والجن وكان يصفه لأهالى أرض يثرب قبل الهجرة ويعدد المنافع الدنيوية والأخروية فى اتباعه ويرغب أهل المدينة فى تصديق النبوة المحمدية ويشوقهم إلى ذلك.

وعندما أبهج النبى صلى الله عليه وسلم بقدومه الميمون المدينة وأصبح مغتبطا من أهل الأرض والسماء وأخذ أهل المدينة وأطرافها يبدون للنبى صلى الله عليه وسلم علامات الميل والركون ملأ هذا قلب أبى عامر القاسى بالحزن والحقد ، وأخذ يسعى لمنع أهل الإيمان عن متابعة باعث المغفرة ويبعدهم عنه بنشر ترهاته التى تقول : إن الشخص الذى

٢٤٠