موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

وصفت مقدما شمائله المباركة ونبى آخر الزمان الذى عرفته ليس الشخص الذى أتى إلى بلدنا وادعى النبوة. وإن كان له بعض علاماته الظاهرة وتردد أبو عامر مع المنافقين الذين يشاركونه فى أفكاره فى قبول الإسلام كما أشير إلى ذلك فى الآية :

(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (البقرة : ٨٩)

ودب دبيب الحسد فى نفسه للنصر الذى أحرزه المسلمون فى غزوة بدر الكبرى ، ومضى إلى مكة وحرض القرشيين على الحرب والثأر وتجرأ فى وقعة أحد المكدرة أن يرمى أول سهم على المسلمين من أجل ذلك لقبه النبى صادق القول ب «أبو عامر الفاسق».

قال بعض أئمة السير حينما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مثل أبو عامر الفاسق أمام النبى صلى الله عليه وسلم وقال له : يا محمد! ما نوع الأشياء التى تقول أنك أحضرتها من قبل الله فأجابه النبى صلى الله عليه وسلم إنه دين إبراهيم الحنيف فتفوه قائلا : أنا أيضا أتبع شريعة الدين الحنيف وأعلم بأحكامها وأراد بهذا أن يعرض أنه كان يعتنق قبل البعثة دين خليل الرب الجليل.

فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ألا إننى جئت بدين إبراهيم على المحجة البيضاء ، لا على ما ظننت وخمنته فغضب أبو عامر على أنه كذب بهذا الشكل وقال : «فليجاز الله الكذاب بالطرد والانعزال» ، وهكذا أظهر غيظه وحقده ونجى من القتل فى غزوة أحد وهاجر إلى بلاد الشام ، وانتسب بالمرة إلى حاكم القسطنطينية هرقل وحثّه على السعى لتجهيز الجيوش ضد المسلمين ولكنه لم يوفق فى ترويج أمله وتحقيقه.

وعندما عاد إلى المدينة قبل وقعة تبوك بمدة واشتغل بنشر العلوم حتى يستطيع

٢٤١

فعل ما فى ضميره من الفساد وأرسل إلى قومه واجب اللوم من منافقى بنى غنم رسالة ذات أسلوب لعين تتضمن نفاقه الذى اعتاده يقول فيها : «إننى سأعود إلى المدينة مستصحبا معى عساكر من قيصر الروم ، فاستعدوا أنتم أيضا بتجهيز الأسلحة اللازمة وانتظروا قدومى ، وابذلوا جهدكم لبناء مسجد رصين الجدار أمام مسجد قباء وفى حى أصحاب النفاق».

وحينما أخذ منافقو بنى غنم الذين سبقت أسماؤهم أعلاه رسالة أبى عامر فأسرعوا ببناء مبنى فى قرية قباء قبيل غزوة تبوك وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يشرف هذا المكان ويباركه بأداء ركعتين صلاة فيه ، فقالوا : «يا رسول الله! بنينا فى قريتنا مسجدا ليصلى فيه العجزة وأصحاب العلل والأعذار فى ليالى الشتاء الممطرة وكل رجائنا أن تشرفوه بأداء ركعتين صلاة فيه فأجابهم النبى صلى الله عليه وسلم : «الآن قد خرجنا من المدينة بنية الغزو فإذا ما يسرت لنا العودة نفعل إن شاء الله» فعاد المنافقون وقد تلقوا الرد الصائب.

وعندما عاد النبى صلى الله عليه وسلم من تبوك وقرر أن يستريح قليلا فى مكان يسمى ذى أوان على بعد ساعة فى ناحية تبوك من المدينة المنورة. فجاء منافقو بنى غنم مرة أخرى متذللين متمسكنين وطلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرف مسجدهم مسجد ضرار إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد حسم الموضوع إذ أنزل الآية الكريمة :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : ١٠٧ ـ ١٠٨).

وهكذا فضحت الآية الكريمة أفكار بنى غنم وكشفتهم ، وبعث النبى صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وسعد بن عدى وأخاه عامر أو عاصم بن عدى لهدم وتخريب مسجد ضرار فى قرية قباء فذهب هؤلاء إلى قباء حيث هدموا وخربوا مسجد

٢٤٢

ضرار أولا ثم جلبوا سعف النخيل وأحرقوه وجعلوا المكان مقلبا للقمامة لأهل القرية.

يقول خزيمة بن ثابت : «كان أبو عامر الراهب قبل البعثة يعرف بأقوال النبى وأفعاله ويمدحه ويثنى عليه وكان يتجنب الشرك والكفر ويرغب فى اتباع دين إبراهيم الحنيف ويحرص على التوحيد ، واجتمع بكثير من علماء اليهود والنصارى وتشاور معهم وسافر كثيرا ليدقق دين إبراهيم وعرف أن الدين الحنيف المذكور سيظهر مع مبعث الرسول الأكرم ، واطلع على كثير من شمائل ذلك النبى المقدسة.

ووجد أبو عامر يوما فى مجلس أعيان الأوس والخزرج وأخذ يذكر اسم النبى وصفاته وبين أنه ظهر فى مكة المكرمة وأنه سيهاجر إلى المدينة الطاهرة ، وعندئذ قال له أبو الهيثم بن التيهان القضاعى الذى كان فى ذلك المجلس ، وكان من الذين دخلوا فى الدين الحنيف ، يا أبا عامر! كيف أتصرف إذا ما أدركت بعثة هذا النبى وقال له أبو عامر أقسم بأن الجن والإنس قد وصفوه لى وبينوه فقال له أبو الهيثم يا ترى ، فالذين وصفوه لك من بين البشر رأوا صفاته فى كتاب الله؟ أو سمعوها من الجن؟ فنحن لا ندرى شيئا من هذا الموضوع؟ قال أبو عامر ، أخبرنى بذلك كاهن فى اليمن ، وكان الكاهن المذكور مشهورا جدا فى الأخبار العربية العجيبة ، وكنت خرجت فى شهر رجب فى ليلة مقمرة منفردا لأتلاقى مع ذلك الكاهن. وفى أثناء سيرى كان قلبى قد نام ومر وقت غير قليل ، ولما استيقظت من نومى رأيت أن دابتى قد انحرفت عن الطريق ودخلت فى مكان لا يعرف أين سينتهى. وبدأت أرتعش حزينا وأخذت أجيل النظر حولى من شدة الخوف ورأيت أمامى نارا فاتجهت نحوها. ولم يكن لى دليل. وعندما وصلت إلى جانب النار كنت قد شعرت بالدفء من كثرة تجوالى حولها ، إلا أن هذه النار لما كانت لاهى مثل الإنسان ولا الحيوان ولم تكن حولها منازل ولا خيام ولم تكن لائقة بأن يطلق عليها اسم النار ومن هنا أصابنى الخوف والفزع وانتصب شعرى حتى أصبحت كل شعرة كأنها شوكة. وارتعشت قوائم ناقتى فبدأت تسرع فى سيرها.

٢٤٣

وما تصورته نارا تمثلته أربعة أنفار مردة ذات أشكال مخيفة وهجموا على هجوما عنيفا ، فصحت بأعلى صوتى واستغثت برئيسهم ، وكان من هؤلاء الأنفار كلب يمنعهم من الهجوم على ؛ فأتوا إلى جانبه وجلسوا بعد التحية ، كانت وجوهم مخيفة ومناظرهم قبيحة كريهة ، فخاطبنى واحد منهم قائلا : «من أنت؟» فقلت لهم : «إننى شخص من بنى غسان الذى ينتهى إلى بنى قيلة (١) فقيل لى أين تذهب وعم تبحث» فقلت لهم : «إننى خرجت إلى الطريق باحثا عن كاهن يخبرنى عن أحكام الدين الحنيف ؛ ولكننى ضللت الطريق وأتيت هنا وهكذا وضحت لهم ما فى ضميرى ، ثم ختمت مقالى قائلا : «نحن من معاشر البشر ، ونعتمد على الكهنة الذين يستقون منكم الأخبار وينشرونها بيننا ، إننى فرد غريب يرغب فى ملاقاة الذين يتبعونكم لأجل ذلك أسير فى البلاد. فإذا ما طلبتم منى الذهاب نفذت أمركم فأشار الثلاثة إلى شخص رابع معهم والذى افتتح كلامه قائلا ما اسمك؟ «فقلت له اسمى أبو عامر فقال لى : «يا أبا عامر افتح عيونك ، وإننى أؤمنك بأننى لن أكذب عليك ، لتعلق قلبى بك. يا أبا عامر أقسم لك إنه قد ظهر نبى من سلالة بنى هاشم بن عبد مناف وبسبب هذا الغيث مثل العنبر قد أحضر إلى العالم الذى أوشك على الخراب ، وجهه منير مثل شمس الدنيا المضيئة واسع الصدر ، قامته ليست طويلة ولا قصيرة بل هى موزونة ، ولا ينظر إلى شىء أكثر من اللازم وعندما ينظر لا تطرف عيناه وعيونه ذات حكمة ومكحولتان بالفطرة واسعتان جميلتان ، وفى عينيه مقدار من الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوة ، وهو أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، مبعوث بالدين الحنيف ، يظهر أن الخلق جميعا سيتبعونه ويسيرون فى آثاره وأنه سيتحدث للملائكة ذوات الأجنحة وبعد قوله هذا انسحب من جانبى وتقدم إلى الأمام فتبعه رفقاؤه ، وأنا رأيت أن الصباح قد حان فوجدت طريقى وعدت».

يفهم من حكاية خزيمة هذه أن أبا عامر الفاسق أخبث الخلائق كأنه تدين بدين الخليل الجليل قبل البعثة النبوية وقد استقى المعلومات عن البعثة المحمدية

__________________

(١) قيلة أم الأوس والخزرج.

٢٤٤

وترهب حتى يكتسب شرفا ومكانة بين الأهالى وتوغل فى الصحارى يعنى اكتسى بالملابس الخلقة وتستر بستائر النفاق راغبا فى خداع الناس ؛ ولكنه باء بالخذلان والخسارة إذ أنكر الرسالة المحمدية ، لأنه التقى بعد الهجرة بالنبى صلى الله عليه وسلم وقال له : «يا محمد ما الدين الذى بعثت به؟» وتلقى الرد الصائب من النبى صلى الله عليه وسلم إذ قال له : «بعثت بالدين الحنيف الذى بحثت عنه فترة من الزمن» فتجرأ أن يرد على النبى وهو يهذى» إنك قد مزجت بهذا الدين البدعة» فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : «بل أتيت به على المحجة البيضاء» فغضب من تلقيه هذا الرد وغادر مجلس النبى صلى الله عليه وسلم مجلس الملائكة. حتى إن النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال له «يا أبا عامر! ألست تنتظر قدومى؟ ألم تكن تنقل أوصافى التى تلقيتها من علماء اليهود والنصارى لأبناء الأوس والخزرج؟ «فرد على الاستفهام النبوى قائلا : «لست الشخص الذى وصفه علماء اليهود والنصارى ، لم يحن بعد وقت بعثته» وأمن على دعاء النبى الذى قال : فليجعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الكذاب مستحقا لجزاء الموت طريدا وحيدا فاستجاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم إذ هرب مؤخرا إلى بلاد الشام ثم إلى القسطنطينية وهلك وحيدا طريدا.

حنظلة بن أبى عامر الفاسق الذى هرب إلى القسطنطينية رافضا الإسلام ، قد استشهد فى غزوة أحد من قبل شداد بن أسود وعلى قول من أبى سفيان قد بشر بالحديث الشريف هو حنظلة غسيل الملائكة.

ومكان خرابة مسجد ضرار مجهول فى عصرنا ، وكان المحل المبارك الذى بنى عليه مسجد قباء حظيرة لحيوانات امرأة مخلصة تسمى لينة ؛ لذلك قال منافقو بنى غنم : «إننا نرى أن إقامة صلاة فوق مكان حظيرة حيوانات لينة غير مناسب ؛ لأجل ذلك فنحن سنبنى فى المكان الذى عينه أبو عامر مسجدا عظيما حيث سنتعبد» ، وفعلا بنوا مسجدا عاليا رصينا جميل الشكل فى جوار مسجد قباء وهذا محقق.

ولما كانت جميع الروايات التى تتحدث عن جهته وشكله وهيئة بنائه من

٢٤٥

الأقوال الضعيفة وبناء على ذلك لا يمكن تعيين مكان خرابته. ومعلوم لدى الجميع أنه كان فى داخل قرية قباء وفى مكان قريب من مسجد قباء وبما أنه قد بنى لتفريق الجماعة الإسلامية فقد كان مبنيا متينا محكما لدرجة ما ومن الروايات الموثوقة أنه قد انبعث من الساحة القذرة لهذا المسجد دخان عجيب فى عصر السعادة كما أن هذا الدخان قد انبعث مرة أخرى فى عهد أبى جعفر المنصور.

٢٤٦

فى ذكر مواقع المساجد النبوية التى تزار اليوم

استحب العلماء الكرام الصلاة تبركا فى الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم.

وبينوا أنه يجب الاهتمام بالصلاة فى الأماكن سواء أكانت أسماء هذه المساجد التى أسست فى هذه المواقع معلومة أو مجهولة وأن هذه المساجد قد أقيمت عامة فى أيام ولاية عمر بن عبد العزيز ، ثم جددت كلما احتاج أىّ موقع من مواقعها إلى التعمير والتجديد من قبل ملوك ذلك الزمان.

١ ـ مسجد الجمعة :

يقع هذا المسجد بالمدينة المنورة وقرية قباء فى واد يعرف بذى صلب وفى رواية يعرف ب «ذى رانونا» وهو بالقرب من التقاء مياه مجرى هذين الواديين.

إن هذا المسجد اللطيف أول معبد أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة المنورة وكان فى ميدان وادى ذى صلب وكان مكشوف الجوانب.

أحاطه أحد الخيرين اسمه عبد الصمد بجدار فى ارتفاع ذراع واحد وجعله على شكل مسجد.

ولما كان الجدار الذى أقامه عبد الصمد من الحجر الأسود خاليا من كل شئ انهار بعد مدة واندرست خرائبه قليلا قليلا وهدمت فجدده أحد الفرس على شكل مسجد ولما مال هذا أيضا إلى الانهيار والسقوط أصلحه وسقفه الشيخ شهاب الدين قلاوون وأحكم تشييده ، ولهذا المسجد فى زماننا طاقان فوق عمود واحد وسقف مستقيم وطوله عشرون ذراعا وعرضه ستة عشر ذراعا وله ساحة رملية مكشوفة.

٢٤٧

والحصن الذى اتخذه عتبان بن مالك مسجدا فى الجهة الشمالية من ذلك المسجد وما زالت آثار أطلاله قائمة حتى اليوم. وأخذا مما يرى كان عتبان يجمع رجال قبيلته فيه ويؤدون الصلاة فى الأيام المطيرة وذلك بإذن من النبى صلى الله عليه وسلم.

عندما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة قام فى قرية قباء وواصل سيره وعندما وصل إلى ملتقى مجارى مياه ، ذى صلب وذى رانونا حل وقت صلاة الجمعة فنزل من على ظهر ناقته التى كان يركبها وأدى صلاة الجمعة واتجه بعد ذلك إلى المدينة المنورة ، وكانت منازل سالم بن عوف فى ناحية ذلك المسجد ، ويطلق على هذا المسجد اسم مسجد عاتكة أيضا.

٢ ـ الثانى هو مسجد الفضيح :

هذا المسجد معبد صغير مربع الشكل على شاطئ نهير فى الجهة الشرقية من مسجد قرية قباء ، والجهات الأربع لمسجد فضيح خمسة عشر ذراعا قد أحيط أطرافه الأربعة بجدار من حجر أسود دون مؤنة وكان أبو أيوب الأنصارى ـ رضى الله عنه ـ يسهر فى المكان الذى كان فيه مسجد فضيح قبل حرب بنى النضير. فسمعوا خبر تحريم الخمر فجأة وأراقوا ما فى أيديهم من الفضيح وسموا بعد ذلك المكان بالفضيح. وكانت إراقة الشراب فى ذلك المكان قبل أن يتخذ مسجدا وقبل أن يعرف أن الخمر بخسة مطلقا. وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه الكرام أن ينصبوا خيامهم فى مكان قريب من مسجد فضيح فى غزوة بنى النضير. واتخذ المكان الذى سمر فيه أبو أيوب الأنصارى مصلى وصلى فيه ما يقرب من ست ليال.

هذا وهناك من يطلق على مسجد الفضيح «مسجد الشمس» ، ولكن إذا ما نظر إلى وقوع قصة رد الشمس الصحيحة المشهورة فى صحراء خيبر فخطأ هذ الرأى واضح.

كان مسجد الفضيح قد نسى تماما فى العصر الأخير وبناء عليه خربت مبانيه وإنهدمت آثار أساسه وانمحت فمسحت من الذاكرة حتى ساحة بنائه ، إلا أن

٢٤٨

مصطفى أفندى عشقى من المجاورين فى المدينة جدده فى سنة ١٢٦٦ ه‍ ووفق فى إحيائه ، وجدده مؤخرا السلطان عبد المجيد فى صورة لائقة فطول أبنيته وعرضها أحد عشر ذراعا.

وخلف الجدار القبلى للمسجد بستانان مشهوران ومعموران وهما الأشرية وسايور وبجانبهما قرية وحصن وأطلال بيدر عظيم.

٣ ـ الثالث مسجد بنى قريظة :

مسجد بنى قريظة أمام باب حديقة النخيل والمعروفة بالحاجزة فى تلال قرية بنى قريظة من جهة الشرق ، وجهاته الأربعة أربعة وأربعون ذراعا وعلى جوانبه آثار أطلال منازل بنى قريظة.

بنى ذلك المسجد الشريف الوليد بن عبد الملك وضم إليه ساحة منزل إحدى نساء بنى خضر ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد صلى فى ذلك المنزل. وساحة هذا المنزل الآن بجانب مئذنة ذلك المسجد الحالية.

كان الأصحاب الكرام قد استقبلوا سعد بن معاذ فى غزوة بنى قريظة فى ساحة ذلك المنزل. يعنى أن الأصحاب الكرام من قبيلة الأوس استقبلوا سعد بن معاذ الذى ترك لرأيه اختيار الجزاء اللائق ليهود بنى قريظة وقالوا له : «يا سعد! إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أحال لك تحديد الجزاء الذى يستحقه يهود بنى قريظة وبما أن لنا مع هذه القبيلة حقوق ومعرفة قديمة نرجو منك ألا تضيع هذه الحقوق والمعرفة». كان قديما لمسجد بنى قريظة ١٦ عمودا ومئذنة واحدة مثل مسجد قباء. وفيما بعد انهارت مئذنته وأعمدته وجدران أطرافه واندرست ، وظلت قاعدة مئذنته فى الركن الغربى الشمالى من خرابته ، فأحاطوه فى سنة ٧٢٠ ه‍ بجدار. وقد جدد ذلك الجدار شاهين الشجاعى سنة ٨٩٣ ه‍ وأسس على قاعدة مئذنته صفة جيدة وهكذا عاد المسجد إلى حالته القديمة ، وطول مسجد بنى قريظة وعرضه أربعة وأربعون ذراعا ، ولما كان خاليا من السقف فالذين يصلون فى داخله يكونون غير مصونين من حرارة الشمس.

٢٤٩

٤ ـ المسجد الرابع هو مسجد مشربة أم إبراهيم : (١)

مشربة أم إبراهيم معبد جميل فى فى الطرف الشرقى لمسجد بنى قريظة وهو بجوار التل وبين حديقة أشراف القواسم (٢).

ومشربة أم إبراهيم من الصدقات التى انتقلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم من مخاديق اليهود وكانت فى الماضى حوش جميل واقع بين بيوته وهو خاص بإقامة مارية القبطية وهو مسقط رأس إبراهيم. وحينما كانت أم إبراهيم تضع مولودها اتكأت إلى شجرة ويقال إن هذه الشجرة ما زالت قائمة إلى الآن.

وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فى مشربة أم إبراهيم ، لذا اتخذت ساحة الحوش سالف الذكر مصلى وطول هذا المسجد أربعة عشر ذراعا وعرضه تسعة أذرع وقد هدمت أبنيته واندرس أساسه وجداره ، وأحيط مؤخرا بجدار منخفض وأرى أنه ساحة المسجد النبوى الشريف.

وعلى الجهة الشمالية من مسجد مشربة أم إبراهيم ساحة منزل خرب يزورها الناس على أنها منزل دار بنى مازن بن النجار فالناس مخطئون فى ظنهم. وهذا المنزل الذى يزار بناء على ظن دون سند طوله أحد عشر ذراعا وعرضه أربعة عشر ذراعا وفى الجهة الشرقية منه سقف لطيف وبالقرب منه حديقة نخيل يعرف بالنخل الزبيرى وهذه الحديقة حديقة النخيل التى وقفها الزبير بن العوام.

٥ ـ المسجد الخامس بنى ظفر :

بنو ظفر أحفاد جماعة من قبيلة الأوس ويطلق على معبدهم الذى فى جانب الحرة القريبة التى تقع فى الجهة الشرقية من بقيع الغرقد مسجد بغلة أيضا.

بعد أن صلى إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان المقدس جلس على صخرة بجانبه ، وبعد ذلك كلما جلست فوق هذه الصخرة امرأة عقيمة كانت تحمل

__________________

(١) المشربة بمعنى العريشة.

(٢) المراد بأشراف القواسم أبناء قاسم بن إدريس بن جعفر وهو أخو جعفر بن حسن العسكرى.

٢٥٠

دائما ، وأراد زياد بن عبيد انتزاع تلك الصخرة من مكانها لينقلها إلى مكان آخر ، إلا أنه لم يتجرّأ على ذلك بسبب معارضة علماء عصره ، وليس هناك فى زماننا حجر مثل ذلك ، ولكن الحجر الموجود على يسار باب مسجد بغلة ليس بعيد أن تكون تلك الصخرة التى سبق ذكرها.

وجلس النبى صلى الله عليه وسلم فوق تلك الصخرة المذكورة وطلب أن يتلو عشر من القرآن الكريم وكان معه خادمه محمود العاقبة عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهما من الفضلاء.

وشرع أحد الصحابة ـ بعد البسملة ـ فى تلاوة العشر إلى أن جاء إلى الآية :

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (النساء : ٤١ ـ ٤٢)

عندئذ تأثر النبى صلى الله عليه وسلم تأثرا شديدا وبكى بكاء حتى اخضلّت لحيته الشريفة بالدموع.

وليس لمسجد بنى ظفر أعمدة ولكن له محراب وطول جهاته الأربعة واحد وعشرون ذراعا وقد تخربت أبنيته وقد رممه أبو جعفر المنصور المستنصر بالله خلال عام ٦٣٠ ه‍ وكتبت على كمر بابه عبارة : «خلد الله الملك الإمام أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين عمره سنة ثلاثين وستمائة»

إلا أنه آل إلى السقوط والانهيار فيما بعد فجدده شيخ الحرم مصطفى مظلوم أغا وأقام إلى جانبه مسجدين فى عام ١٠٣٢ ه‍ ، ويسمى أحد المسجدين مسجد بغلة ويسمى الآخر مسجد المائدة ولما كانت فى مسجد بغلة بعض آثار الحوافر يروى موثوقا بأن هذا الموقع هو مبرك ناقة النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى خارج مسجد بغلة حجر ، وفى هذا الحجر خدوش ويعتقد أهل المدينة أن هذه الخدوش أثر حوافر بغلة النبى صلى الله عليه وسلم وفى الجهة الغربية لهذا الحجر حجر آخر

٢٥١

عليه حفرة هى أثر مرفق النبى صلى الله عليه وسلم ، وإلى جانبه حجر آخر فيه حفر هى آثار أصابعه عليه السلام وجاءت فى ذلك رواية موثوقة.

٦ ـ السادس مسجد الإجابة :

يقع هذا المسجد فى الطرف الشمالى لمقبرة بقيع الغرقد ، وعلى يسرة الذاهب إلى محلة العريضى وطوله خمسة وعشرون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وقد أرسى أساس هذا المسجد وسط قرية بنى معاوية بن مالك بن عوف الأوسى ، ويقال إن ثمة أنقاضا فى أطرافه هى أنقاض بيوت القرية المذكورة.

وقد ذهب النبى صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته إلى مسجد الإجابة وصلى فيه ركعتين وبعد السلام دعا دعاء طويلا وبعد ما انتهى منه قال : «قد طلبت فى هذا الدعاء من معطى العطايا ثلاثة أشياء قبل هذان منهما ورد واحدا ، أما الدعاءان اللذان قبلا فهما ألا تهلك أمتى بالقحط والغرق أما الدعاء الذى لم يستجب له رفع الخلاف والمباينة والاختلاف بين أهل الإيمان».

يروون نقلا عن عبد الله بن جابر بن عتبة أن عبد الله تحدث على هذه الوتيرة : «حينما كنت فى قرية بنى معاوية جاء عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقال : يا عبد الله! هل تعرف المكان الذى أدى فيه النبى الصلاة فى مسجد الإجابة والأشياء الثلاثة التى طلب من الله عقب صلاته؟ فقلت له ـ نعم أعرف. وبعد ما أريته المكان الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قلت أما دعاؤه فكان ألا تهلك أمته بالقحط والغرق. وألا يقع بين المسلمين اختلاف وقتال فقبل عدم هلاك أمته بالقحط والغرق وردّ طلبه بعدم وقوع خلاف بين أمته. وهكذا فصلت له الواقع ، فقال ابن الخليفة يظهر أن الأمة المحمدية ستتقاتل فيما بينها إلى يوم القيامة» (١) ، وأيد روايتى بهذا القول وصرح بأنه واقف لذلك الحديث.

كان النبى صلى الله عليه وسلم سيد العالمين قد صلى ركعتين على مسافة ذراعين من يمين محراب مسجد الإجابة والذين يعرفون ذلك من الزوار عندما يزورون مسجد الإجابة. يحرصون على أداء الصلاة فيه على بعد ذراعين من يمين المحراب.

__________________

(١) الحديث من رواية ابن عباس ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ١ / ١١٧.

٢٥٢

رواية

يروى أهل المدينة المنورة أن مسجد الإجابة مجمع الأقطاب ويحكون أن أثر الفضلاء الذين لم يروا فى المدينة المنورة يمكن رؤيتهم فى داخل هذا المسجد وهم يتعبدون فى حلقات.

يطلق فى المدينة المنورة على الأشخاص الذى يزورون المدينة المنورة فى موسم الحج أشخاص مجهولون ، فلا يفهم من هذا أن زيارة هذا المسجد حصر على مواسم الحج ؛ لأنه قد رئى فى داخل هذا المسجد فى ليالى الجمعة والاثنين بعض الذوات يذكرون الله موحدين فى حلقات وإن هؤلاء ليسوا من سكان دار السكينة والنواحى القريبة منها.

ولا حاجة هناك لإثبات أن مسجد الإجابة من الآثار المقدسة بروايات الأهالى. وكما هو معروف لزوار هذا المسجد اللطيف كلما يراه الإنسان يرتعش جسمه من المهابة التى أحدثها الروحانيون فيه.

كما أن باب هذا المسجد يترك ليلا ونهارا مفتوحا وليس له حراس ولا خدم ولا مراقبون ومع ذلك لا يدخل فيه حيوان ، أليس هذا دليلا كافيا لإثبات المدعى.

ويروى موثوقا أن خضر عليه السلام يصلى كل يوم صلاة الإشراق فى مسجد الإجابة. ومع هذا كان لهذا المسجد فى أوائل سلطنة السلطان محمود خان الثانى عدة أسطوانات ومحراب جميلة ؛ وفيما بعد تهدمت أبنيته ومحرابه المذكور وأعمدته حتى الأرض وظل فى حالة خراب إلى عهد السلطان محمود خان الثانى. الذى عمره وأحياه بتجديده ، كما أن السلطان عبد المجيد خان اهتم بترميمه وتعميره ، والآن هو عامر كالمساجد الأخرى ومعروف بين الأهالى ومشهور.

٢٥٣

دعاء مسجد الفتح :

لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم ، اللهم لك الحمد هديتنى من الضلالة ، فلا مكرم لمن أهنت ولا مهين لمن أكرمت ، ولا معز لمن أذللت ولا مذل لمن أعززت ، ولا ناصر لمن خذلت ، ولا خاذل لمن نصرت ، ولا معطى لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ولا رازق لما حرمت ، ولا حارم لما رزقت ، ولا رافع لمن خفضت ، ولا خافض لمن رفعت ، ولا خارق لمن سترت ، ولا ساتر لمن خرقت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مبعد لمن قربت ، اللهم أنت عضدى ونصيرى بك أحول وبك أصول وبك أقاتل ، اللهم يا نصير المستصرخين والمكروبين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، صلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم واكشف عنى كربى وهمى وحزنى وغمى كما كشفت عن حبيبك ورسولك صلى الله عليه وسلم كربه وحزنه وهمه فى هذا المقام وأنا أستشفع إليك به صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقد ترى حالى وتعلم عجزى وضعفى يا حنان يا منان يا ذا الجود والإحسان أسألك من خير ما سألك منه عبدك وحبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأستعيذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبدك وحبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.

إخطار

بعد ما ينتهى الزوار من هذا الدعاء يقتضى الأمر أن يعرضوا ما فى ضمائرهم بأية لغة كانت ، وفى الطرف الغربى منه مسجد أبى بكر وبالقرب منه صهريج وفوق الصهريج غرفة ، وهذه الغرفة من أوقاف إبراهيم أغا بانى هذا الصهريج. وفى الجهة الغربية من ذلك الصهريج بستان كبير. وبما أن موقع هذه الحديقة طيب الهواء وجميل المنظر وبنى فى مكان مناسب منها فى تاريخ ١٠٤٨ سبيل حسن فيجلس المارون والعابرون بجانبه ويدعون لصاحب الوقف بالخير. انتهى.

وبما أن المساجد الثلاثة التى سبق تعريفها فى جهة جبل سلع حيث اتخذ حجاج القوافل الشامية النزول حول هذا الجبل عادة مرعية استنبتت فى الجهة الغريبة من هذا الجبل كثير من البساتين والمزارع. وتنزل القوافل الشامية فى الجهة

٢٥٤

الشرقية من هذه البساتين والمزارع وتقيم هناك حسب المدة اللازمة ، والبساتين المشهورة مثل المكارية ، السنانية ، الحمامية ، الفيروز التى تنسب إلى الوزير مصطفى باشا فهى فى المحل الذى تنزل فيه قوافل الشام وتقيم هناك.

٧ ـ كهف سلع

تطلق على هذه المغارة الشريفة كهف بنى خرام فهو فى مطلع بنى خرام الذى أمامه حديقة النقيبة وعلى يمين الذين يتجهون من المدينة المنورة إلى مساجد الفتح الثلاثة. وعلى هذا التقدير تظل حديقة النقيبة على يسار الذاهبين إلى الكهف المقدس المذكور.

مطلع بنى خرام ـ هو المكان الذى كان يسكنه قديما أفراد قبيلة بنى خرام ، وما زالت أطلال ديارهم ماثلة للأعين إلى اليوم.

تقع حديقة النقيبة فى مجرى السيل الذى يجرى من جبل سلع إلى وادى البطحان وكهف بنى خرام فى الجهة اليمنى من مقدم الجهة الشرقية لهذا المجرى. وإن كانت من جبل سلع وعلى ربوه صغيرة ويصعد إليه من جهته الشرقية والشمالية بسلالم.

وفى الناحية القبلية لهذا المسجد مسجدان كذلك ويسميان بمسجد الفتح أيضا ولكن وجه تسميته بالفتح أن النبى صلى الله عليه وسلم قد دعا الله على ساحة هذا المسجد فى غزوة الأحزاب ابتداء من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء وقد استجيب لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم الأربعاء بين الصلاتين فانهزمت أحزاب المشركين حالا وخابت آمالها.

إذا كان الدعاء فى مسجد الفتح قرين الإخلاص فلا بد أن ينال القبول والاستجابة لدى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ويروون أن حضرة جابر قال : ما من حاجة رجوت من الله تحقيقها فى مسجد الفتح إلا ونلت أملى.

كان النبى صلى الله عليه وسلم فى ابتداء غزوة الأحزاب فى مكان يطلق عليه جرف ثم انتقل إلى محل مسجد الفتح وشارك معظم الصحابة الكرام فى دعائه وواظبوا عليه.

٢٥٥

ولقد أكثروا من الابتهال والتضرع إلى الله حتى دام ذلك فى الصباح حتى المساء ، حتى إنهم لم يستطيعوا أداء صلوات الظهر والعصر والمغرب وقاموا بعد المغرب وصلوا صلوات الأوقات الثلاثة فى وقت واحد على ساحة الفتح. والمكان المبارك الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم يقع فى الساحة الرملية لذلك المسجد وفى مواجهة المحراب ، وإذا ما نظرنا إلى وضعه الحالى فإنه فى المكان الذى ركز فيه العمود الثانى ؛ لأن لمسجد الفتح ثلاثة أعمدة متحاذية.

التأسف

وبناء على تعريف المؤرخين أن المكان المبارك الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم صلاته هو المكان الذى ركز فيه العمود الثانى ولشدة الأسف عندما جدد ذلك المسجد من قبل السلطان عبد المجيد فى سنة (١٢٧٠ ه‍) انتزع المختصون بأمور البناء العمود الثانى عن مكانه وغرسوه فى مكان آخر بسبب جهلهم ، فمكان ذلك الأثر مجهول الآن.

وفى الجهة القبلية من مسجد الفتح مسجد سليمان وخلفه مسجد على وخلف مسجد على مسجد أبو بكر.

وهدم الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء من وزراء الملوك العبيديين المصرية سنة ٥٧٥ ه‍ مسجد الفتح وفى سنة ٥٧٩ ه‍ مسجد سلمان وجددت فيما بعد على أشكال جميلة كما أن أحد أهل السنة جدد مسجد أبى بكر فى سنة ٦٠٢ ه‍ فأصبح مثل المساجد الأخرى.

وطول مسجد الفتح عشرون ذراعا وعرضه (١٧) ذراعا وطول مسجد سلمان (١٧) ذراعا وعرضه (١٤) ذراعا وطول مسجد على (١٦) ذراعا وعرضه (١٣) ذراعا وكان صلحاء الإسلام عندما يزورون مسجد الفتح يدعون بالدعاء الذى مر ذكره :

هنا مغارة أخرى إلا أن المغارة التى نحن بصدد تعريفها على يمين مطلع بنى خرام وكان النبى صلى الله عليه وسلم يبيت فيها قائما يصلى لخالق العباد.

٢٥٦

٨ ـ المسجد الثامن مسجد القبلتين :

يقع مسجد القبلتين فى ناحية بئر عثمان بجبل سلع ، وله محرابان ينظر أحدهما إلى البيت المقدس والآخر إلى الكعبة المعظمة ، وإن كان بعض المؤرخين قالوا إن تحويل القبلة حدث فى مسجد بنى خرام الذى يقع فى صحراء خالية ، إلا أنهم مخطئون فى ادعائهم. لأن مسجد القبلتين كان فى قرية بنى سلمة وكان معروفا فى ذلك الوقت بمسجد بنى سلمة بينما كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤدى صلاة الظهر فى مسجد بنى سلمة مستقبلا بيت المقدس توجه إلى ميزاب الكعبة : وهذا هو سبب اشتهار هذا المسجد بمسجد القبلتين.

استطراد

بينما كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، يزور مقلمة أم بشر بن البراء بن معرور ـ رضى الله عنها ـ يوم الاثنين فى أواخر شهر رجب الفرد فى السنة الثانية للهجرة وكانت من ساكنات محلة بنى سلمة إذ حان وقت صلاة الظهر بعد أن تناول الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام مضى إلى مسجد المحلة المذكورة ليؤدى صلاة الظهر.

وقام مصليا ، وبينما كان فى الركعة الثانية من الفرض نزلت الآية الكريمة :

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة : ١٤٠).

فاستقبل النبى صلى الله عليه وسلم البيت الحرام وهو يصلى فتبعته الجماعة الحاضرة واستقبلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة المعظمة وأتموا صلاتهم وسموا المسجد بمسجد القبلتين.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم إمام المتقين حزينا ، لأنه يستدبر البيت الحرام متجها إلى القدس لأنه كان يسمع بأذنه ما تقوله اليهود : «إن محمد يستقبل قبلتنا ويحتقر ديننا» ولما تحولت القبلة قد سر سرورا لا حد له.

٢٥٧

وقد تخرب مسجد القبلتين بمرور الزمان وتقلبات الأيام وفى عام (٨٩٣ ه‍) جدد شاهين الشجاعى سقفه فقط وأقام حوله جدارا صغيرا فحافظ على ساحته الرملية. إن سطح ذلك المسجد المقدس يرتفع عن سطح الأرض مقدار ذراعين وقد سمع رواية أن بابه خال من المصاريع وجدران أطرافه أشرفت على الخراب بعد تشققها. وقد رئى ذلك ذاتيا فى سنة ٨٩٢ ه‍ ، وبما أن جميع آثار الحرمين تعمر وترمم تحت عناية السلطان وظله فلا شك أن هذا المسجد أيضا سيعمر على الوجه اللائق.

٩ ـ التاسع مسجد السقيا :

إن معبد السقيا اللطيف يقع فى جهة مكة وفى الجهة الغربية عن طريق المدرج قليلا حيث فرق صلى الله عليه وسلم مجاهدى ملحمة بدر الكبرى ودعا لأوزان طيبة وأكيالها بالخير والبركة.

كان هذا المسجد قد خرب تماما واندرس أساسه ولم يعرف مكانه ، فليرض الله عن الإمام السمهودى الذى بذل جهودا مدة طويلة حتى وجد أطلاله ومكان محرابه وأظهر ساحته وكشفها ، وإن كان أساس جدرانه قد ظل تحت التراب مقدار نصف ذراع إلا أن الإمام المذكور قد رفع عنه التراب وبنى جدران أطرافه الأربعة وأعاد بناءه بقدر كاف وأعاده إلى هيئته الأولى. والآن طول كل ضلع من أضلاعه الأربعة سبعة أذرع ، ولكن الأبنية التى جددها الإمام السمهودى لم تصمد طويلا فتخربت ، وفى العصر العثمانى جدده قاسم أغا من قواد جيش العثمانيين وهو أحد أصحاب الخير ، كما ظهر وعمق بئر السقيا الذى بجواره ، ويعرف الآن بئر السقيا بسبيل قاسم أغا.

١٠ ـ العاشر مسجد الذبابة :

ويسمى أهل المدينة مسجد الإجابة بمسجد راية أيضا. ويقع هذا المسجد على يسار القادمين من الشام إلى المدينة المنورة وهو على جبل صغير وفى مكان قريب

٢٥٨

من ثنية الوداع وفى رواية موثوقة أن النبى صلى الله عليه وسلم نصب خياما فى ساحة هذا المسجد وصلى فيها.

كان مروان بن الحكم قد قتل أحد الأشخاص يسمى ذباب وأتى به فى ساحة يطلق عليها ذباب وهى نفس ساحة ذلك المسجد المقدس ، وصلبه وشهر به هناك ، فعاتبته الصديقة زوجة الرسول السيدة عائشة قائلة له : كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدى الصلاة فى ذلك المكان المبارك ، وأنت تجرأت أن تتخذ مصلى النبى مصلبا ؛ لذلك استحققت أن تكون مظهرا للخذلان.

وكان القتيل المذكور رجلا من اليمن ، وكان عامل مروان على اليمن قد اغتصب وأخذ ثور المذكور ، وعندما فصل العامل من عمله تتبعه ذباب إلى المدينة وقتل الرجل فاعتقل من قبل مروان وقبض عليه وصلب. وبعد قتل ذباب فى هذا المكان أصبح هذا المكان مصلبا للأمراء إلا أن هشام بن عروة قال لزياد بن عبد الله أحد ولاة المدينة وا أسفاه!! لقد اتخذ موضع خيمة النبى صلى الله عليه وسلم مكانا للصلب ، وأصبح شغل الحكومة الشاغل الآن العمل على خلاف الآداب المرعية وبناء على هذا القول أبطلت عادة صلب الناس فى هذا الموضع. عندما اصطف فى غزوة الخندق كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نصب خيمة على جبل ذبابة وهناك من يدعى أن النبى صلى الله عليه وسلم نصب خيمته فى غزوة الخندق على ساحة مسجد الفتح وإن كانت صحة هذه الرواية ظاهرة إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبق فى مسجد الفتح فقط بل وجد فى مسجد ذبابة أيضا. ولما استجيب لدعائه فى ساحة مسجد الفتح أطلق على المسجد الذى أقيم على هذه الساحة مسجد الفتح. كانت أبنية مسجد ذبابة قد خربت تماما وانمحى أثر أساسه إلا أن أحد أهل الخير يسمى فيروزى أمين مرجان عمر وجدد هذا المسجد فى سنة ٨٤٥ أو ٨٤٦ ؛ رحمة الله عليه ...

١١ ـ المسجد الحادى عشر مسجد أحد :

ولما كان مسجد أحد فى مكان ملاصق لجبل أحد فيظل على يمين الذاهبين إلى مهراس بطريق بين الجبل ، ولما كانت مبانى جبل أحد صغيرة جدا وقديمة قد

٢٥٩

خربت وكان معروفا إلى سنة ١٢٦٩ ه‍ بمسجد الفتح ، فعمره فى السنة المرقومة مصطفى عشقى أفندى من مجاورى المدينة وأحياه وبهذا أنقذ ساحته من أن تكون مقرا للدواب ، وطول المسجد ثمانية عشر ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا.

كان النبى إمام الأصفياء صلى الله عليه وسلم ، قد أدى صلاة الظهر والعصر على ساحة هذا المسجد فى ختام غزوة أحد ، ونزلت عليه الآية الكريمة :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة : ١١).

١٢ ـ المسجد الثانى عشر مسجد ركن جبل عينين :

يقع هذا المسجد فوق قمة الجبل الذى أمام مشهد حمزة بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ والجهة الشرقية منه وكانت مبانيها خربة إلى سنة ١٢٦٧ ه‍ وكان أساس خرائبه مجهولا. وعثر عليه فى السنة المذكورة المرحوم عشقى أفندى من مجاورى المدينة وجدده ، إن ما يطلق عليه مسجد «صرعه» هو نفس هذا المسجد ومساحته السطحية طولا وعرضا ثمانية عشر ذراعا.

وقد كلف أربعون من الرّماة تحت قيادة عبد الله بن جبير للدفاع عن ظهر الجيش الإسلامى ووضعوا فى ساحة هذا المسجد ، قد أصيب حضرة حمزة فى هذا المكان ونال رتبة الشهادة العالية ، ويروى أن جسرا كان قائما بالقرب من هذا المكان ، فى عصر السعادة وأن النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى بجانب ذلك الجسر وهو مسلح فى وقفة أحد ، ولكن فى زماننا لم يبق لذلك الجسر أى أثر.

١٣ ـ المسجد الثالث عشر مسجد الوادى :

يقع هذا المسجد فى الطرف الشمالى لجبل العينين وفى مكان قريب من مسجد ركن جبل العينين. كانت أبنيته القديمة بنيت بأحجار منقوشة فى غاية من الزينة والمتانة وقد أشرفت على الخراب والانهدام ، وجدّده فى خلال سنة ٥٠٨ ه

٢٦٠