تفسير الصراط المستقيم - ج ٤

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-43-4
الصفحات: ٦٠٠

الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ، ثمّ إلى فضاء أوسع كما في المزمار ، إذ لا بدّ للصوت من ضيق ليحبس الدويّ ويقدّره ، ولا بدّ أيضا من الانضمام والانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت.

وصورتها هي الحدود والأطراف الّتي ينقطع عندها الصوت ، مع تكيّفه بالكيفيّة الخاصّة بكلّ حدّ من تلك الحدود الّتي هي المخارج المشهورة المتعدّدة بتعدّد الحروف فإنّ القوّة النطقيّة الإنسانيّة تنبعث بالإرادة من باطن القلب بواسطة النفس الانساني والصوت. فيمرّ على المخارج المشهورة وتستعين باللسان في التقطيع بكلّ منها فيصحب ذلك خصوص حكم الإرادة المتعلّقة بإظهار بعض الحروف مفردة ومركّبة ليوصل بعض ما في نفسه الى المخاطب ، فحيث انتهى قوة دفع وامتداد من امتدادات نفسه ، وذلك لا يكون إلا عند مخرج من المخارج ظهر للنفس حين الانتهاء تعيّن خاصّ بالصدر الفاصل فينقطع الصوت به منتهيا إليه ، متكيّفا بكيفيته ، ولذا يسمّى حرفا ، اي طرفا مع كونه اسما لا حرفا بمعنى قسيمه ، مع أنّ الأخير اصطلاح مستحدث ، والأوّل مبني على أصل اللّغة.

ثم من مننه سبحانه وله الحمد أنّ هذه الحروف المعدودة الميسّرة يعبّر بها عن المعاني الكثيرة الّتي لا تكاد تتناهى ، بل عن اللغات الكثيرة المنتشرة بين الأمم من لدن آدم عليه‌السلام ، وذلك لاختلاف وجود تأليف الكلمات في أنفسها ومع غيرها ، وإن كانت الأعداد الحاصلة بالاعتبار الأوّل ليست بهذه الكثرة.

قال شيخنا البهائي رحمه‌الله : إذا قيل : كم يحصل من تركيب الحروف المعجم كلمة ثنائيّة سواء كانت مهملة أو مستعملة؟

فاضرب ثمانية وعشرين في سبعة وعشرين فالحاصل جواب.

فإن قيل : كم يتركّب منها كلمة ثلاثية بشرط ان لا يجتمع حرفان من جنس واحد؟ فاضرب ثمانية وعشرين في سبعة وعشرين ، ثم المبلغ في ستّة وعشرين

٢١

يكن تسعة عشر ألفا وستّمائة وستة وخمسين ، وإن سئل عن الرباعيّة فاضرب هذا المبلغ في خمسة وعشرين ، والقياس فيه مطرد في الخماسي فما فوقه.

الحروف الكتبيّة

سابعها : الحروف الكتبيّة ، وتسمّى بالرقمية ، والنقشيّة ، والرسميّة والخطّية ، وهي الحاصلة من انبساط الألف اللينة بأطوار الحدود والقيود من الاستقامة وأنحاء الاعوجاج.

فمادّتها هي المداد الكائن في الدواة أو على القلم الصالح لكتابة كلّ حرف من الحروف به من مستقيم ومعوج وطويل وقصير ، وغيرها.

وصورتها هي الأطراف والحدود الّتي ينتهي بها ظهور المداد على اللوح من جميع الوجوه في كلّ الجهات.

ثم اعلم أنّ المداد ونفس الإنسان في الحروف المثاليّة الظلّية بمنزلة مثال لنفس الرّحمن المشار اليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أشمّ نفس الرّحمن من قبل يمن» (١) في الحروف الحقيقيّة المعنويّة وهذا النفس هو المعبّر عنه بالمشيّة الكليّة والمحبّة الحقيقية ، والفيض الأوّل ، والوجود المطلق ، واللاتعيّن الأوّل ، والقدم المخلوق ، وحضرة الفعل ، وسرادق الإرادة ، الى غير ذلك من الألقاب الشريفة المستفادة من الكتاب والسنّة تصريحا او تلويحا يفهمه من يفهمه ، فإذا تقيّد هذا الوجود بلواحق الماهيّات ومقتضاياتها وحدودها حصل الوجودات المقيّدة المسمّاة

__________________

(١) لم أجده بهذا اللفظ ولكن ورد في عوالي اللئالي : ج ١ ص ٥١ ح ٧٤ ، بهذا اللفظ : إني لأجد نفس الرّحمن يأتيني من قبل اليمن.

٢٢

بالحروف العاليات ، وهذا مقام المفعول كما أنّ الأوّل رتبة الفعل ، وهذه الحروف الحقيقية بحار زخّارة عميقة ، بل حقائق كلّية غير متناهية يظهر رشحاتها وآثارها فيما دونها بطريق الإشراق والانعكاس فيتحصّل باعتبار الحدود والتقيدات والتكثرات عوالم كلّية غير متناهية لا يحيط بها الّا خالقها ومن أشهدهم خلقها ، وهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين.

كما قال مولانا الحجّة عجّل الله فرجه : «أعضاد ، وأشهاد ، ومناة ، وأزواد ، وحفظة ، ورواد» (١) بل هو المقتبس تلويحا من قوله تعالى في حقّ أعدائهم : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٢).

وقد صرّح به مولانا الباقر عليه‌السلام على ما رواه في «الكافي» عن ابن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فأجريت إختلاف الشيعة فقال : يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته ، ثمّ خلق محمّدا ، وعليّا ، وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثمّ خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها ، وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم ، فهم يحلّون ما يشاؤن ويحرّمون ما يشاؤن ، ولن يشاءوا إلّا أن يشاء الله تبارك وتعالى.

ثم قال : يا محمد هذه الديانة الّتي من تقدّمها مرق ، ومن تخلّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، خذها إليك يا محمد (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٨ ص ٣٩٣.

(٢) الكهف : ٥١.

(٣) اصول الكافي ج ١ ص ٤٤٠ و ٤٤١ وعنه بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٣٤٠ ح ٢٤.

٢٣

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي لا يخفى تواترها على من اطّلع عليها.

عدد الحروف العربية

قد طال التشاجر بين أهل اللغة في عدد الحروف المستعملة في اللغة العربيّة ، فالمشهور بينهم انّها ثمانية وعشرون حرفا بعدّ الهمزة والألف حرفا واحدا ، ولذا قسّموه إلى ليّنة ومتحرّكة وربما يظهر ذلك أيضا من المحكيّ عن الخليل والجوهري ، وغيرهما من أهل اللغة ، بل هو المشهور بين الفقهاء أيضا ، بل قد استفيض عليه دعوى الإجماع منهم ، وقالوا في القول الآخر الآتي بالطرح والشذوذ ، وهو المصرّح به في كثير من الأخبار ، كخبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي برجل ضرب فذهب بعض كلامه ، وبقي بعض كلامه ، فجعل ديته على حروف المعجم كلها ... إلى أن قال : والمعجم ثمانية وعشرون حرفا (١).

وفي «الفقه» المنسوب الى مولانا الرضا عليه آلاف التحيّة والثناء : «يقرء حروف المعجم ، .... الى أن قيل له : كيف ذلك؟ قال : بحساب الجمّل ، وهو حروف أبي جاد ، من واحد إلى الألف ، وعدد حروفه ثمانية وعشرون حرفا (٢).

وفي خبر عمران الصابي عن الرضا عليه‌السلام : أنّها ثمانية وعشرون حرفا تدلّ على لغات العربية (٣).

وهو المستفاد من جدول مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وجدول إدريس النبي

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٥١٩ والاستبصار ج ٤ ص ٢٩٣ ح ٥.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٤ ، ص ٤١٥ ، ح ٣١٨.

(٣) بحار الأنوار ج ١٠ ص ٣١٤.

٢٤

على نبينا وآله وعليه‌السلام المرويّين عنهما في طبائع الحروف.

بل قيل : إنّ هذا العدد هو المشهور المعروف بين أهل الشرع والعرف والفنّ ، وأنّ كلّ أعمالهم ينطبق عليها ، ويظهر ذلك أيضا من بعض الأخبار المفسّرة لحرف أبجد.

وفي صحيح ابن سنان من طريق الصدوق التصريح بهذا العدد أيضا. لكن فيه من طريق الكليني أنّها تسعة وعشرون حرفا.

وروي عن أبي ذرّ الغفاري أنّه قال : قلت : يا رسول الله أيّ كتاب أنزل الله على آدم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب المعجم ، قلت : أيّ كتاب المعجم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ا ب ت ث الى آخرها قلت : يا رسول الله كم حرف؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تسعة وعشرون ، قلت : يا رسول الله عددت ثمانية وعشرين حرفا ، فغضب رسول الله حتى احمرّت عيناه ، فقال : يا أبا ذر والّذي بعثني بالحق نبيّا ما أنزل الله على آدم إلّا تسعة وعشرين حرفا ، فقلت : يا رسول الله أليس فيها لام وألف؟ فقال : ألف حرف واحد قد أنزل الله على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك ، من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل الله عليّ (١).

وستسمع في الرضوي الآتي ، والخبر الآخر المتضمّن لسؤال اليهودي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن فائدة حروف الهجاء وتفسيرها عدّ لام ألف أيضا في طيّها وتفسيرها بلا إله إلّا الله.

وهذا هو المشهور بين اهل العربيّة على ما يحكى عنهم ، واختاره بعض الفقهاء أيضا كيحيى بن سعيد ، وغيره.

بل عن الأردبيلي أنه مقتضى الوجدان. وكأنّه يشير الى مخالفتها للهمزة في

__________________

(١) ينابيع المودة لذوي القربى ج ٣ ص ٢٠٢.

٢٥

المخرج ، على ما صرح به غير واحد من أصحاب هذا الشأن.

بل عن سيبويه التصريح بأنّ أصل الحروف العربيّة تسعة وعشرون حرفا. وهي الهمزة ، والألف ، والهاء ... إلخ

وعنه وعن الأخفش ، وناظم الشاطبية وشرّاحة أنّ حروف الحلق سبعة بزيادة الألف ، وجعلوا مخرجها بعد الهمزة قبل الهاء ، أو بعدها. وفي «طيبة النشر» للجزري : أنّ للحروف الثلاثة الليّنة وهي الجوفيّة هواء الفم ، ولذا تسمّى هوائيّة أيضا.

الى غير ذلك مما يدلّ على مغايرتها للهمزة ، ولذا اضطرب كلمات الفريقين في الجمع بين الدليلين ، وتحقيق ما هو الحقّ في البين.

فعن بعضهم القطع بالتغاير مع اختلاف المخرجين ، واحتمال الأمرين مع الاتّحاد ، وعن صاحب «الكشّاف» ، وغيره أنّها تسعة وعشرون حرفا واسمها ثمانية وعشرون.

واختار بعض مشايخنا عطّر الله مرقده كونها تسعة وعشرين نطقا وثمانية وعشرين دية ، وجمع بذلك بين كلام أهل العربية والفقهاء.

أقول : أمّا اختلاف المخرجين فلا بدّ من التزامه على فرض القول به في الواو والياء الليّنتين أيضا كما عن الجزري ، إلّا أنّ هذا القول شديد الشذوذ جدّا ، فإنّ مخرج كلّ من الواو والياء على فرض كونها ليّنة وغيرها متّحد عند الجمهور ، ومثلها الهمزة والألف ، ولا يخفى أنّ مجرّد الإختلاف في المخرج لا يقضي بالتعدد فإنّ الحروف اللّينة مخارجها مغايرة لأصولها عند الجزري ، ولا أراه ولا غيره يلتزم بزيادة عددها على أعداد الحروف ، ومن هنا يظهر ترجيح القول بكونها ثمانية وعشرين على ما هو المشهور المستفاد من المعتبرة المتقدّمة كما ظهر منه أيضا ضعف الوجوه المتقدّمة المحكيّة عنهم حتى الخبرين المتعارضين بأرجح منهما

٢٦

سندا وعددا ودلالة ، واعتضادا ، على أنّه يمكن الجمع بينهما بما يأتي.

وأمّا الجمع بالفصل على أحد الوجهين المقدّم فضعيف جدّا بعد التأمّل في الأخبار المتقدّمة سيّما قوله : «فجعل ديته على حروف المعجم كلّها» ، وغيره ممّا مرّ.

منازل القمر

نعم ، ربما يستدلّ لترجيح ما رجّحناه من العدد بمطابقته لمنازل القمر (١).

__________________

(١) اصطلاح هيوي ونجومي وهو مسافة يقطعها القمر في مدة «٢٨» يوما تقريبا واسماء المنازل على ما اصطلحوا هكذا :

١ ـ شرطان (بفتح الشين والراء) أو بضمّ الشين ، هو المنزل الأوّل وعلامته نجمان زاهران على قرني الحمل بعد أحدهما عن الآخر ذراع واحد.

٢ ـ بطين (بضمّ الباء وفتح الطاء) : المنزل الثاني وعلامته نجوم ثلاثة.

٣ ـ الثريا (بضمّ الثاء وفتح الراء) : المنزل الثالث وعلامته ستّة نجوم متقاربة على شكل المسدّس.

٤ ـ الدبران (بفتح الدال والباء) : المنزل الرابع مشتمل على خمسة كواكب في برج الثور.

٥ ـ الهقعة (بفتح الهاء وسكون القاف) المنزل الخامس وعلامته ثلاثة كواكب نيّرة فوق منكبي الجوزاء قريب بعضها من بعض كالأثافي

٦ ـ الهنعة (بفتح الهاء وسكون النون) المنزل السادس وعلامته خمسة أنجم مصطفّة على مؤخّر الجوزاء

٧ ـ الذراع (بكسر الذال) : المنزل السابع وعلامته كوكبان بمنزلة الرأس من التوأمين وكل تلك المنازل السبعة تكون في فصل الربيع.

٨ ـ النثر (بفتح النون وسكون الثاء) : المنزل الثامن وهو في السرطان وعلامته كوكبان بينهما قدر شبر ، وفيهما لطخ بياض كأنّه قطعة سحاب.

٩ ـ الطرف (بفتح الطاء) : لا منزل التاسع للقمر في الصيف.

١٠ ـ الجبهة : المنزل العاشر علامته أربعة كواكب على جنوب الأسد ، وعلى زعم العرب هذه الكواكب الأربعة على جبهة الأسد.

١١ ـ الزبرة (بفتح الزاي) : المنزل الحادي عشر في الأسد ، علامته كوكبان على مؤخّر صورة الأسد بينهما ذراعان.

٢٧

__________________

١٢ ـ الصرفة (بفتح الصاد وسكون الراء) : المنزل الثاني عشر ، وعلامته كوكب نيّر بمنزلة ذنب الأسد ، أو قضيبه.

١٣ ـ العراء (بفتح العين) : المنزل الثالث عشر كواكبه اثنا وعشرون كوكبا على صورة رجل مدّ يديه.

١٤ ـ السماك (بكسر السين المهملة) : المنزل الرابع عشر في برج السنبلة علامته كوكبان نيّران يقال لأحدهما : السماك الرامح ، وللآخر : السماك الأعزل ، وهذه المنازل السبعة تكون في فصل الصيف.

١٥ ـ الغفر (بفتح الغين وسكون الفاء) : المنزل الخامس عشر وعلامته ثلاثة أنجم صغار في برج الميزان على خطّ مقوّس.

١٦ ـ الزبانا (بضمّ الزاي) : المنزل السادس عشر وعلامته كوكبان على كفّتي الميزان والعرب تقول :

الكوكبان واقعان في زباني العقرب.

١٧ ـ الإكليل (بكسر الهمزة) : المنزل السابع عشر وعلامته ثلاثة كواكب على جبهة العقرب.

١٨ ـ القلب : المنزل الثامن عشر وعلامته كوكب أحمر واقع بين كوكبين على خط مقوّس تحت الإكليل وكأنّه واقع في محلّ قلب العقرب.

١٩ ـ الشولة (بفتح الشين) : المنزل التاسع عشر وعلامته كوكبان بينهما شبر.

٢٠ ـ النعائم : المنزل العشرون ، وعلامته ثمانية كواكب في المجرّة وخارجها على صورة النعامة أربعة منها داخلة في مجرّة ، واربعة منها خارجة.

٢١ ـ بلدة الثعلب : المنزل الواحد والعشرون وهي فضاء واسعة بين النعائم وبين ذابح ، وليس فيها كوكب وهذه المنازل السبعة في فصل الخريف.

٢٢ ـ سعد الذابح : المنزل الثاني والعشرون وعلامته كوكبان من كواكب صورة الجدي : الأول والثالث كأنّهما على قرني الجدي.

٢٣ ـ سعد البلع ، أو سعد البالع : المنزل الثالث والعشرون وعلامته كوكبان واقعان على يسار صورة ساكب الماء.

٢٤ ـ سعد السعود : المنزل الرابع والعشرون وعلامته كوكبان أحدهما في الشمال على المنكب الشمالي لساكب الماء ، والآخر واقع تحت إبطه.

٢٥ ـ سعد الأخبية : المنزل الخامس والعشرون ، وعلامته أربعة كواكب وقعت على الكفّ اليمنى من

٢٨

وبأنّ أجزاء السبعة الّتي هي العدد الكامل ثمانية وعشرون ، فإنّه الحاصل من جمع الواحد الى السبعة على النظم الطبيعي ، وهو مرتبة الكمال للعدد.

وبأنّ مراتب الأعداد الّتي يعبّر عنها بالحروف تسعة للآحاد ، وتسعة للعشرات ، وتسعة للمئات ، وواحد للألف.

وبأنّ الأصل في الموجودات كلّها الطبائع الأربع الّتي ظهرت في الأكوار السبعة ، وهي الأيّام الستّة الّتي خلق الله فيها السماوات والأرض ، واليوم السابع الّذي أكملها فيه ، فلمّا ظهرت تلك الطبائع في هذه المراتب على حسبها في الشدّة والضعف صارت لكلّ طبيعة سبع طبقات في قوّتها وضعفها ، فكان تمام الأمر في ثمانية وعشرين ، والحروف اللفظية على طبقها ، ولذا قسمت على أربعة أقسام :

نارية ، وهوائيّة ، ومائية ، وترابيّة ، وقسم كلّ منها سبعة أقسام الى آخر ما ذكروه (١).

__________________

ساكب الماء.

٢٦ ـ الفرغ الأول ، أو الفرغ المقدّم : المنزل السادس والشعرون وعلامته كوكبان نيّران من كواكب الفرس الأعظم.

٢٧ ـ الفرغ الثاني او الفرغ المؤخّر : المنزل السابع والعشرون وعلامته أيضا كوكبان نيّران من كواكب الفرس الأعظم.

٢٨ ـ بطن الحوت : الثامن والعشرون وعلامته كوكب نيّر على رأس المرأة المسلسلة.

وهذه المنازل السبعة منازل القمر في فصل الشتاء.

ومن أراد التفصيل فليطلبه في المفصّلات في النجوم والهيئة.

(١) الحروف النارية : ا ه ط م ف ش ذ.

والحروف الهوائية : ب وي ن ص ت ض.

والحروف المائية : ج ز ك س ق ث ظ.

والحروف الترابية : د ح ل ع ر خ غ.

٢٩

وبأنّ الأصل والعلة في إحداث الموجودات وإبرازها ظهور الإسم الأعظم الظاهر في الأركان الأربعة الّتي حدود (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، كما قال مولانا موسى بن جعفر عليهما‌السلام : إنّ الإسم الأعظم أربعة أحرف : الحرف الأوّل لا إله إلّا الله ، والحرف الثاني محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحرف الثالث نحن والرابع شيعتنا.

ولمّا كانت الأشياء بنيت على الكمال ، وحدّ الكمال في الأعداد سبعة فكانت مراتب الأشياء سبعة ، ولكلّ من هذه الأربعة يجب أن يكون ظهور في كلّ من هذه السبعة فكان تمام الوجود وكماله بثمانية وعشرين مرتبة ، وكل مرتبة حرف من حروف الكلمة التامّة الكونيّة الوجودية الّتي تعلّق بها الكلمة التامّة الفعلية ، والحروف اللّفظية صفة للحروف الكونية المعنويّة ، فوجب أن تطابقها ولا تخالفها.

ولا يخفى عليك أنّ هذه الوجوه كلّها استحسانات اعتبارية ، واعتبارات جعليّة لا ينبغي الإصغاء إليها ، فضلا عن الاعتماد عليها (١).

نعم قد يقال : إنّ الألف الليّنة هي مادّة الموادّ لجميع الحروف ، من حيث إنّه الصوت الممتدّ في الفضاء من غير تقطيع ، فبأنواع التقطيع وانحائها يتنوّع منه الحروف ، فهو الأصل فيها ، وكلّ منها إنّما يتحصّل بظهوره في الصور الكثيرة.

ولعلّه هو المراد بقول مولانا الصادق عليه‌السلام فيما رواه الثعلبي عنه على ما يأتي

__________________

(١) وإلّا فيمكن الاستدلال لمن يقول بأنّها تسع وعشرون بأنّ الألف الليّنة غير المتحركة بدليل اختلاف مخرجهما ، وثانيا يحتمل أنّ كون (الم) في أول سورة البقرة دليلا على أنّ الحروف الّتي تركّب عنها القرآن تكون تسع وعشرين لأنّ : عدد آلاف واللام والميم بحساب الأبجد الوضعي يكون تسع وعشرين لأنّ عدد الالف : (١٢) وعدد اللام : (٨) وعدد الميم : (٩).

٣٠

في البحث السابع من عدّ الصفات الستّة للألف الى أن قال عليه‌السلام : ومعناه من الألفة ، فكما أنّ الله تعالى سبب الفة الخلق فكذلك الألف عليه تألّفت الحروف وهو سبب ألفتها (١).

كما انّه هو المراد أيضا بقول بعضهم : إنّ الحروف الثمانية والعشرين أولاد تولّدت من أب واحد وامّهات شتّى ، فإذا لوحظت الأولاد فهي ثمانية وعشرون ، وإذا لوحظ الأب معها كانت تسعة وعشرين ، ولذا ورد الخبر بهما معا ، وذلك كما ربّما يعدّ الأئمة الإثنى عشر عليهم‌السلام ، وقد يعدّ معهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابنته الصديقة الطاهرة سلام الله عليها فيقال : إنّهم أربعة عشر.

وأمّا اختيار خصوص اللام للتوصّل إلى التلفّظ بالألف الّتي لا تقبل الحركة فيمتنع الابتداء بها ، فقد يعلّل بأنها الأصل في حروف العلّة ، بل العلّة المادية لسائر الحروف فيناسب تركّبها مع الحرف الحاصل لقوى تمام القابليّة وهي ثلاثون ، مع أنّها في هذه الرتبة بعد عدّ تسعة وعشرين.

وبأنّ كلّا منهما قلب الآخر.

وبأنّهم عوّضوه من التوصّل باللام الساكنة الّتي للتعريف.

والأولى من الجميع الاستناد فيها الى ما مرّ من خبر أبي ذر ، وما يأتي من الأخبار المتضمّنة لمعاني الحروف.

وروي في بعض كتب علم الحروف عن مولانا سيد الشهداء عليه‌السلام أنّه قال : علم الحروف في لام ألف ، وعلم لام ألف في الألف ، وعلم الألف في النقطة ، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية ، وعلم المعرفة الأصلية في علم الأزل ، وعلم الأزل في المشيّة

__________________

(١) مستدرك سفينة البحار ج ١ ص ١٦٩.

٣١

أي المعلوم ، وعلم المشيّة في غيب الهويّة ، وهو الّذي دعى الله إليه نبيّه قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ) (١) ... والهاء راجع الى غيب الهويّة (٢).

ثمّ إنّ هذه الحروف هي المستعملة في اللغة العربية الّتي هي الأصل في اللغات والألسنة والكتب الإلهية على ما تأتي الإشارة اليه في موضعه ، وامّا غيرها من اللغات فربما يستعملون بعضها ، وربما يزيدون عليها كما قال مولانا الرضا عليه آلاف التحيّة والثناء : والعبارات كلّها من الله عزوجل علّمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا ، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدلّ على اللغات العربية ، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدلّ على اللغات السريانية والعبرانيّة ، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها ، وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحروف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا ، فأمّا الخمسة المختلفة فبحجج لا يجوز ذكرها اكثر مما ذكرناه (٣).

أقول : وهذه الخمسة المتحرّفة هي الپاء (٤) ، والچيم (٥) ، والژاي (٦) ، والتاء الهندية. والگاف (٧). وهي الّتي تحرّفت من الثمانية والعشرين في اللغة العجميّة الّتي يراد بها ما سوى العربية مطلقا.

لكنّه قد يقال : إنّ الّذي وجدناه بالتتبّع في الحروف المتحرفة في اللغات

__________________

(١) سورة محمد (ص) : ١٩.

(٢) ينابيع المودة لذوي القربى ج ٣ ص ١٩٨.

(٣) التوحيد ص ٣١٨ والعيون ج ١ ص ١٦٩ وعنهما البحار ج ٥٧ ص ٥٠.

(٤) مثل «پياده» بمعنى الراجل.

(٥) نحو «چه ميگويى» أي ماذا تقول.

(٦) مثل «ژاله» أي الندى ، الطلّ ، المطر الضعيف.

(٧) مثل «بگو» أي قل.

٣٢

وجدنا اكثر من ذلك.

وأمّا قوله عليه‌السلام : (فبحجج) فقد يقال : إنّ الموجود في النسخ فبحجج : جمع الحجّة أي بعلل وأسباب من انحراف لهجات الخلق ، واختلاف منطقهم.

أو أنّ الأظهر أنّه عليه‌السلام ذكر تلك الحروف فاشتبه على الرواة وصحّفوها.

وقد يقال : انّه مضارع ثلاثي من الخجّ (بالخاء المعجمة والجيم) بمعنى الالتواء والدفع والنسف في التراب ، ويكون حاصل معناه أنّ هذه الخمسة ينبغي أن تدفع وتنسف في التراب لاستهجان التلفظ بها في لغة العرب.

أو انّها من باب التفعيل بالخاء المعجمة أيضا بمعنى الإخفاء في النفس أي هذه الخمسة ينبغي أن تخفى في النفس.

البحث الثالث : انقسام الحروف

ربما تنقسم الحروف باعتبارات شتّى الى اقسام مختلفة :

كانقسامها الى الحروف العليّة والدنيّة ، فالعليّة ما كان قوامها بالألف مع اختتامها مطلقا أو وصلا بالهمزة ، وهي أحد عشر حرفا يجمعها : (خطير ثبت حفظه) والدنيّة ما لم يختتم بالهمزة وهي سبعة عشر حرفا ، ومنها الزاي لاختتامها بالياء.

والى القمرية والشمسية ، فالقمرية ما يظهر لام التعريف عندها من دون إدغام ، وهي اربعة عشر حرفا يجمعها قولك : (ابغ حجك وخف عقيمه) ، والشمسيّة بخلافها كما في اللفظتين فهو من تسمية الكل باسم الجزء.

والى ناطقة معجمة ، وصامتة عارية عن النقطة ، والصوامت ثلاثة عشر ، وإن قلنا بمغايرة الالف للهمزة فأربعة عشر ، وعلى الوجهين فالنواطق أزيد ، ولذا سمّي الكلّ بالمعجم تغليبا ، أو الإعجام هو الإبهام والهمزة للسلب ، فبالنقطة تزول عجمته.

وتنقسم أيضا الى النورانية والظلمانية ، والروحيّة والجسميّة ، والحارة

٣٣

والباردة ، والرطبة واليابسة ، وغير ذلك من الأقسام الّتي ينبغي الرجوع فيها الى أرباب تلك الصناعة.

إنّما الكلام في المقام في انقسامها الى النورانيّة والظلمانية فالنورانية هي المقطّعات في فواتح السور وهي أربعة عشر حرفا بعد حذف المكرّرات يجمعها قولك : «صراط عليّ حقّ نمسكه» ، أو «عليّ صراط حقّ نمسكه».

وتنقسم النورانية أيضا الى عليّ وأعلى ، فالعليّ سبعة يجمعها قولك : طريق سمح» والأعلى أيضا سبعة يجمعها «صانعك له» فالمجموع «صانعك له طريق سمح».

وتسمية تلك الحروف بالنورانيّة في مصطلح القوم إنّما هو لشرف الإختصاص بالافتتاح ، وان كان ذلك لخواصّ واقعيّة ، ومنح ربانيّة تختصّ بها دون غيرها.

نعم قد ذكر بعضهم أنّها مختصّة بمزايا لا تكاد بجملتها في غيرها ، مثل أنّ مجموع الحروف النورانيّة الواقعة في الفواتح على تكرار الحروف ثمانية وسبعون حرفا ، وهي مع كونها نصف الحروف كأنّها قائمة مقام جميعها ، لأنّ عدد هجاء حروف المعجم التسعة والعشرين مجموعه ثمانية وسبعون.

وأنّه ليس اسم من اسماء الله تعالى الا وفيه من هذه الحروف النورانية ، وليس شيء من الأسماء خلوا منها إلّا اسمه «الودود» ، وله سرّ غريب عند أهله.

وأنّ الحروف الظلمانية لا ينتظم منها كلام عربي تامّ وهي : (غ ض ش ج ب ث خ ذ وز د ف ت ظ) بخلاف الحروف النورانية الّتي يتألّف منها أنواع من الكلم التامة حسبما سمعت.

وأنّك إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت هذه الحروف اكثر وقوعا وأشيع دورانا في تراكيب الكلم من الحروف الّتي لم يجر لها ذكر في الفواتح.

٣٤

بل قد يؤيّد ذلك بأنّ الألف واللام لمّا تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكرّرتين كما في التسع من البقرة الى الحجر ، وفي الروم ، والعنكبوت ، ولقمان ، والسجدة.

وأنّ هذه الحروف الأربعة عشر إذا تأمّل فيها المتأمّل وجدها مشتملة على أنصاف أصناف الحروف.

إمّا تحقيقا كما في الحروف المهموسة الّتي يضعف الاعتماد على مخرجها تجمعها (فحثّه شخص سكت) (١) نصفها : (ح ه ص س ك).

وفيها من المجهورة الّتي هي البواقي نصفها : (ل ن ي ق ط ع ا م ر).

وفيها من الشديدة الّتي ينحصر فيها جري الصوت عند مخرجه وهي الثمانية المجموعة في (أجدت قطبك) نصفها : (ا ق ط ك).

وفيها من ضدّ الشديدة أي الرخوة الّتي هي بواقي الحروف نصفها : (ح م س ع ن ص ل ي ر ه).

وفيها من المطبقة وهي الّتي ينطبق فيها اللسان على الحنك الأعلى فينحصر الصوت حينئذ بين اللسان وما حاذاه من الحنك الأعلى ، وهي : (الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء) نصفها : (ص ط).

وفيها من البواقي الّتي هي ضدّها المسماة بالمنفتحة نصفها : (ا ل ح ق ن ي م ع س ك ر ه).

وإما تقريبا كما في المستعلية الّتي يتصعّد الصوت بها في الحنك الأعلى وهي سبعة : (ق ص ض ط ظ خ ع) ولا نصف لها تحقيقا ، وفيها أربعة منها وهي :

__________________

(١) وتجمعها أيضا : (ستحثك خصفه) الخصفة اسم امراة ومعنى الجملة : ستصرّ خصفه في سؤالها عنك.

٣٥

(ق ص ط ع).

وكما في حروف القلقلة وهي خمسة مجتمعة في (قد طبج) وفيها اثنان منها وهما : (ق ط).

الى غير ذلك من أصناف الحروف على ما حرّره القاضي (١) تبعا للزمخشري (٢) وغيره.

ويظهر بالتأمل فيما مرّ وغيره أنّ تخصيص تلك الحروف مع ما هي عليها من الخواصّ والمزايا سيّما إذا وقع من الأمّي الّذي لم يعهد له دراسة ولا كتابة ولا خلطة مع أرباب تلك الصناعة مشتمل على ضرب من الإعجاز.

البحث الرابع : اشتمال الحروف على علوم جمّة

في اشتمال الحروف على العلوم الجمّة ، والمقاصد المهمّة.

اعلم أنّ هذه الحروف المثاليّة الكلية هيولا قابلة لصور جميع المعاني الكليّة والجزئية ، وهي مفاتيح الإلهيّة للخزائن الغيبيّة يؤلّفها من ائتمنه الله على سرّه ، واطّلعه على غيبه فيفتح بها الأبواب الّتي ينفتح من كلّ منها ألف باب ، كما يستفاد ممّا يمرّ عليك من الأخبار.

بل ورد في تفسير قوله : (الم) و (عسق). وغيرهما أنّها من حروف اسم الله

__________________

(١) هو ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر القاضي البيضاوي الشافعي المفسّر المتوفّى (٦٨٥) ه.

(٢) هو ابو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المولود (٤٦٧) والمتوفّى (٥٣٨) وما أشار المصنّف اليه مذكور في الكشاف للزمخشري ج ١ ص ١٠١ ـ ١٠٣.

٣٦

الأعظم المقطع في القرآن الّذي يؤلّفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الامام عليه‌السلام فإذا دعا به أجيب (١).

ولذا نسبوا علم الحروف والجفر الى مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام والى ذريّته الطيّبين صلوات الله عليهم أجمعين ، كما نطقت به الأخبار الكثيرة الّتي يضيق عن التعرض لها نطاق الكلام في المقام ، بل هو المسلّم عند الخاصّ والعامّ ، كما وقع التصريح به كثيرا في كلمات العامّة (٢).

وقد مرّت عبارة السيّد الشريف في المقدّمة الاولى من هذا التفسير (٣).

وعن الغزالي في «سرّ المصون والجوهر المكنون» أنّ كتابه هذا مشتمل على لوح المثلّث ومستخرج مما جمعه مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه المسمّى بجفر جامع الدنيا والآخرة ، ولم يطّلع على كشف خفايا ما فيه من الأسرار النورانيّة والأنوار الربانيّة الّا سبطه جعفر الصادق عليه‌السلام.

وكتب مولانا الرضا عليه‌السلام في آخر ما كتبه بعد ما أخذ المأمون له ولاية العهد : «والجفر والجامعة يدلّان على ضدّ ذلك ، (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) يقضي بالحقّ (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) ، لكنّي امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت

__________________

(١) معاني الأخبار باب معنى الحروف المقطعة في القرآن ص ٢٣.

(٢) قال القندوزي الحنفي في «الينابيع» ص ٤١٤ ط اسلامبول : عليّ أوّل من وضع مربّعا في مائة في الإسلام وقد صنّف الجفر الجامع في أسرار الحروف ... إلخ ونقل عن ابن طلحة الشافعي في الدر المنظم أنه قال : جفر الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه وهو ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم المعروف بالجفر الجامع وقال العلّامة الأمر تسرى في أرجح المطالب ص ١٦٣ ط لاهور : علم الجفر والحساب كان لعليّ عليه‌السلام.

(٣) ج ١ من الصراط المستقيم ص ٣٥ ط طهران انتشارات الصدر : قال المحقق الشريف في شرح المواقف : الجفر والجامعة كتابان لعلي عليه‌السلام قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث ... الى انقراض العالم.

٣٧

رضاه ، والله يعصمني وايّاه (١) ....

قال الإربلي (٢) في «كشف الغمّة» : رأيت خطّه عليه‌السلام في واسط سنة سبع وسبعين وستّمائة (٦٧٧) (٣).

قيل : ومنه استنباط فتح بيت المقدس في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة (٥٨٣) من قوله تعالى : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ ...) إلى قوله تعالى : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٤) ، كما ذكره في الباب الثاني من الفتوحات (٥).

__________________

(١) كشف الغمّة ج ٣ ص ١٧٩ وعنه البحار ج ٤٩ ص ١٥٣.

(٢) الإربلي : علي بن عيسى بن ابي الفتح أبو الحسن بهاء الدين الأديب المؤرّخ كان حيّا في سنة (٦٨٧) وله مصنّفات منها كشف الغمّة في معرفة الأئمة.

(٣) كشف الغمّة ج ٣ ص ١٨٠ وعنه البحار ج ٤٩ ص ١٥٤.

(٤) سورة الروم : ١ ـ ٤.

(٥) قال ابن عربي في الفتوحات ج ١ ص ٦٠ : إنّ البضع الّذي في سورة الروم ثمانية وخذ عدد (الم) بالجمل الصغير فتكون ثمانية. فتجمعها الى ثمانية البضع فتكون ستّة عشر ، فتزيل الواحد الّذي للألف للاسّ فيبقى خمسة عشر ، فتمسكها عندك ثم ترجع الى العمل في ذلك بالجمل الكبير فتضرب ثمانية البضع في أحد وسبعين وأجعل ذلك كلّه سنين يخرج لك في الضرب خمسمائة وثمانية وستّون فتضيف إليها الخمسة عشر الّتي أمرتك أن ترفعها فتصير ثلاثة وثمانين وخمسمائة سنة وهو زمان فتح بيت المقدس على قراءة من قرأ غلبت بفتح الغين واللام وسيغلبون بضمّ الياء وفتح اللام.

ولا يخفى على المتأمّل ما في كلام صاحب «الفتوحات» حيث أتعب نفسه وتفوّه بكلمات واهية ليثبت أن ما اخبر الله سبحانه إشارة الى فتح بيت المقدس في سنة (٥٨٣) واستدلّ لما رامه بالحروف وأعدادها الصغيرة والكبيرة ، وجمعها وضربها وحذف واحد منها بلا دليل ، ثم التشبّث بقرائة شاذّة حتى ينطبق مع التاريخ المذكور الّذي فيه فتح الله سبحانه بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيّوبي يوسف بن أيّوب بن شادي.

ومن نظر في كتب التفاسير للفريقين يعلم أنّ ما استخرجه الرّجل مخالف لمقالات كلّ

٣٨

وعن ابن العبّاس : أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يستخرج الفتن والحوادث من (حم عسق).

وعن تفسير الثعلبي ، ورسائل القشيري : أنّه لمّا نزلت هذه الآية ظهر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحزن والكآبة فقيل له في ذلك؟ فقال : نبّئت عن فتن تكون في آخر الزمان من خسف ، وقذف ، ونار تجمعهم ، وريح تسوقهم ، وعلامات بعد علامات.

وسئل مولانا أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام عن (كهيعص) فقال عليه‌السلام : (لو أخبرتكم به لمشيتم على الماء).

وروي عن الباقر عليه‌السلام أنّ كل شيء في (عسق).

وروى الصفّار بالإسناد عن أبان بن تغلب ، والمفيد في الاختصاص عن

__________________

المفسّرين الخاصّة والعامّة.

نعم أنّه تبع في مقالته أبا الحكم عبد السّلام بن عبد الرّحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي المعروف بابن برّجان المتصوّف المتوفّى (٥٣٦) ه وله كتاب في تفسير القرآن ، أكثر كلامه فيه على طريق الصوفيّة.

قال صاحب الفتوحات في ج ١ ص ٥٩ : جملتها : فواتح السور) على تكرارها ثمانية وسبعون حرفا فالثمانية حقيقة البضع ، قال عليه‌السلام : «الإيمان بضع وسبعون» وهذه الحروف (٧٨) حرفا ، فلا يكمل عبد أسرار الإيمان حتى يعلم حقايق هذه الحروف في سورها.

فإن قلت إنّ البضع مجهول في اللسان فإنّه من واحد الى تسعة ، فمن أين قطعت بالثمانية عليه ، فإن شئت قلت لك من طريق الكشف وصلت اليه فهو الطريق الّذي عليه أسلك والركن الّذي اليه أستند في علومى كلّها ، وإن شئت أبديت لك طرفا من باب العدد.

وإن كان أبو الحكم عبد السّلام بن برّجان لم يذكره في كتابه من هذا الباب الّذي نذكره ، وإنّما ذكره من جهة علم الفلك ، وجعله سترا على كشفه حين قطع بفتح بيت المقدّس سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، فكذلك إن شئنا نحن كشفنا ، وإن شئنا جعلنا العدد على ذلك حجابا ، فنقول : إنّ البضع في سورة الروم ثمانية ، وخذ عدد (الم) ... إلى آخر ما نقلناه عنه.

٣٩

الحلبي ، والكليني عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهم‌السلام ، واللفظ للأوّل ، قال : كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيفة صغيرة ، وانّ عليّا عليه‌السلام دعا ابنه الحسن عليه‌السلام فدفعها إليه ، ودفع إليه سكّينا وقال له : افتحها فلم يستطع فتحها ، ففتحها له ، ثمّ قال له : اقرأ ، فقرأ الحسن عليه‌السلام : الألف ، والباء ، والسين ، واللام ، وحرفا بعد حرف ، ثمّ طواها ، فدفعها الى ابنه الحسين عليه‌السلام فلم يقدر أن يفتحها ، ففتحها له فقال له : اقرأ يا بنيّ فقرأها كما قرأ الحسن عليه‌السلام ثمّ طواها فدفعها الى ابنه ابن الحنفيّة فلم يقدر على ان يفتحها ففتحها له ، فقال له : اقرأ فلم يستخرج منها شيئا ، فأخذها علي عليه‌السلام وطواها ، ثمّ علّقها من ذؤابة السيف.

قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّ شيء كان في تلك الصحيفة؟ قال : هي الأحرف الّتي يفتح كل حرف ألف حرف.

قال أبو بصير : قال ابو عبد الله عليه‌السلام : فما خرج منها إلّا حرفان الى الساعة (١).

أقول : ولعلّ عدم قدرة الحسنين عليهما‌السلام على فتحها لعدم انتقال الوصاية الفعليّة إليهما في حياة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن كانا ممنوحين حينئذ بالعلم والعصمة ، ولذا قدرا على قراءتها.

وأما محمّد بن الحنفيّة فحيث لم يكن له علم الامامة لم يقدر على قراءة شيء منها ، وكأنّه للتنبيه على جهله وعدم استحقاقه للامامة كيلا ينازعهما فيها ولا المعصومين من ذرية الحسين عليهم‌السلام.

وأمّا قصّته مع علي بن الحسين عليهما‌السلام حتى استشهدا من الحجر الأسود فكأنه إنّما وقع لردع الناس كما ورد في بعض الأخبار (٢).

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٣٠٧ باب فيه الحروف الّتي علّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام.

(٢) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج ٣ ص ٦ ـ ٧.

٤٠