تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآية ٢٨

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ)

استفهام فيه إنكار وتعجب ، وتوبيخ لهم على كفرهم ، والخطاب لهم على سبيل الالتفات تسجيلا لكفرهم بما قدّمت لهم أنفسهم.

(وكيف) اسم وضع للسؤال عن الحال الّتي يكون عليها الشّيء ، واشتقّوا منه الكيفيّة كما اشتقّوا الكميّة من الكم على وجه الانتساب ، وإنكار الحال يدلّ على إنكار ذي الحال على وجه أبلغ ، وحيث إنّه حقيقة أو ظاهر ولو بمعونة المقام في السّؤال عن جميع الأحوال فالمعنى أنّه لا يصحّ ولا ينبغي أن يوجد حال ما لكفركم وقد علمتم ذلك بضرورة عقولكم فأخبروني على أيّ حالّ تكفرون والحال أنّكم كنتم أمواتا؟

(وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) أعداما محضة لا حظّ لها من التقرير والثبوت بحسب الماهيّة والوجود في شيء من العوالم الكونيّة والإمكانيّة ، كما قال : (أَوَلا يَذْكُرُ

٥

الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (١) أو فاقدين للوجودات الكونيّة وإن كنتم متميّزين باعتبار التقريرات الإمكانية بناء على أنّها أمور اعتبارية كما قيل ، أو باعتبار كونها مجعولة بالمشيّة الإمكانية على وجه ليس لها حدّ ونهاية كما هو الحقّ أو أجساما لا حياة لها قطرات مزنية أو سجينيّة ، ورشحات سحابيّة ، وبسائط عنصريّة ، واغذية حيوانيّة ، واخلاطا بدنيّة ونطفا أمشاجيّة ، ومضغا مخلّقة وغير مخلّقة ، وعظاما باللّحم مكسوّة ، أو فاقدين للعلم والشعور والإدراك الذي به الحياة الانسانية كما قال : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) (٢) أو للايمان والتصديق الذي به الحياة الحقيقيّة الابديّة كما قال : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٣) ، (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٤) ، (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (٥) ، أو خاملي الذكر ، بناء على ما قيل : من أنّ العرب تسمّي كلّ أمر خامل ميّتا وكلّ أمر مشهور حيّا قال :

فأحييت عن ذكري وما كان خاملا

ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

(فَأَحْياكُمْ) خلقكم بالمشيّة الإمكانية ثمّ بالمشيّة الكونيّة ثمّ فطر عقولكم وأبدع نفوسكم وركب أرواحكم وأنشأ أبدانكم خلقا من بعد خلق إلى أن أنشأكم خلقا آخر على ما جرى به القدر ، وجعل لكم السمع والأبصار والقدرة والاختيار ، وعلّمكم بعد الجهالة الجهلاء ونجّاكم من الضلالة الظّلماء ، وهداكم إلى المحجّة البيضاء ، وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها ونشر ذكركم ورفع قدركم بعد

__________________

(١) مريم : ٦٧.

(٢) النّحل : ٧٨.

(٣) يس : ٧٠.

(٤) النمل : ٨٠.

(٥) الانعام : ١٢٢.

٦

أن كنتم مستضعفين في الأرض تخافون أن يتخطّفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره.

(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم الطّبيعيّة والاختراميّة (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للسؤال في القبور وللبعث والنشور يوم ينفخ في الصور (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، بالنشور للحساب أو بالمصير إلى الجزاء من الثواب أو العقاب.

وإنّما عطف الأوّل بالفاء الدّالة على الاتّصال والباقي بثمّ الدّالة على التّراخي ، لأنّ الإحياء الأوّل قد تعقّب الموت الّذي طرى عليه الحياة بشيء من الوجوه المتقدّمة بغير تراخ لاعتبار المقابلة في معنييهما على ما سمعت ، فانّ الإحياء قد ترتّب على كونهم أمواتا الصّادق على ما قبل الإحياء وإن كان له أزمنة غير متناهية متحققة أو موهومة من جهة المبدء ، وأمّا الموت فقد تراخى عن الإحياء كما أنّ الإحياء الثّاني في القبر أو الحشر متراخ عن الموت ، وكذا الرّجوع على الوجهين.

والموت عدم الحياة مطلقا او عدم الحياة عمّا من شأنه الحياة ، ويتقابلان بالمعاني المتقدّمة ، والحقّ أنّهما مخلوقان لقوله : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) (١) ولما ورد من ذبح الموت بين الجنّة والنّار (٢) ، نعم الموت بالمعنى الأوّل وهو العدم الأزلي المطلق المستمرّ غير مخلوق ولا مجعول.

والكفر في الآية يشمل كفر الجحود والعناد والاعتقاد والعصيان ، فيكون الخطاب للمؤمنين والمنافقين والكفّار ، ويحتمل الإختصاص بالأخيرين على ما مرّ ، وبعضهم وإن أنكر حياة القبر والبعث في الحشر وانّه إليه يرجع الأمر ، إلّا أن تمكّنهم عن تحصيل العلم بها بعد نصب الدّلائل وإخبار الرسل وتظافر الحجج وشهادة العقول نزّلها عندهم منزلة الأمور المعلومة الّتي لا يحوم حولها شبهة وريبة ، مع أنّ

__________________

(١) الملك : ٢.

(٢) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٦١.

٧

في الآية دلالة لطيفة على ما يرشدهم إلى صحّتها والتصديق بها ، وهو أنّه تعالى لمّا قدر أن أحياهم أوّلا وهم حيارى في فيافي العدم قدر أن يحييهم ثانيا ، فإنّ بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته بل الإعادة أهون عليه.

ويحتمل الحمل على ما يشمل كفر النعمة حيث عدّد عليهم أصول النّعم ، وهي الوجود والبقاء والحياة الحقيقيّة الابديّة والرّجوع إليه سبحانه وإن فصّلنا عن الحياة الدّنيوية بالموت ،؟ ولذا؟ أعدّه أيضا من جملة النّعم مع أنّه استراحة لقوم إذ به يحصل الفراغ عن الكدورات الحسّية والعوائق البدنيّة ، وقد سمعت أنّ الآية تشمل المؤمنين أيضا بل قد يحتمل اختصاص الخطاب بهم لتقرير المنّة عليهم وتبعيد الكفر عنهم على معنى كيف يتصوّر منكم وأنتم عالمون باستناد جميع الشؤون إليه متوقعون لنيل جميع الخيرات من لديه.

والواو في (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) ، للحال والمعنى قد كنتم بإضمار «قد» فيه كما في قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (١) فانّ الماضي لما كان بعيدا عن الحال توصلوا إلى تقريبه بدخول «قد» وإضماره ليصلّح لها ، أو أنّ المعنى كيف تكفرون بالله ، وقصّتكم هذه وحالكم أنّكم كنتم أمواتا فأحياكم فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم وزوال الغدر عنكم.

وقرء يعقوب (٢) ترجعون بفتح التّاء في جميع القرآن.

والآية تدلّ على فساد القول بالجبر ونفي الاختيار وانّ الكفر بأقسامه من قبل العباد لأنّه لو كان هو الخالق للكفر فيهم لما جاز توبيخهم عليه مع إسناد الفعل

__________________

(١) النساء : ٩٠.

(٢) هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله أبو محمد الحضرمي البصري أحد القراء العشرة مات سنة (٢٠٥) ه وله (٨٨) سنة.

غاية النهاية ج ٢ ص ٣٨٦.

٨

إليهم في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) كما أنّه لا يجوز إسناد الفعل إليهم ولا ذمّهم في الأفعال الخلقية كالطول والقصر والملاحة والقباحة فلا يقال كيف تكونون طوالا وقصارا ، ضرورة أنّه يقبح من الحكيم أن يخلق فيهم الكفر ويقول لهم : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) ، ويمنعهم عن الايمان ويقول لهم : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (١) ، (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) ، ويخلق فيهم الإعراض والإفك فيقول (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٣) ، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٤) إلى غير ذلك من التقريعات الغريبة والتوبيخات الشديدة على أنّ النّعمة التي منّ بها عليهم في الآية لا تكون نعمة لهم حقيقة بل نقمة عليهم حيث أنّه أوجب عليهم بما خلق فيهم وأجبرهم عليه العذاب الدّائم والخسار اللازم مثل من قدم إلى غيره طعاما مسموما له حلاوة ظاهرة وأجبره على أكله فانّه لا يعدّ نعمة منه ، وهذا ظاهر جدّا.

وأمّا ما يقال : من أنّ الاستدلال بهذه الوجوه ونظائرها يرجع إلى التمسك بطريقة المدح والذّم والأمر والنهي والثّواب والعقاب ، ونحن أيضا نقابلها بشبهة العلم الأزلي المتعلّق بكفرهم فلو لم يقع لا نقلب علمه جهلا وهو محال ومستلزم المحال محال ، وبأنّ القدرة على الكفر كانت صالحة للإيمان وامتنع كونها مصدرا لشيء منهما إلّا لمرجّح راجع إلى العبد وهو محال على ما قرّروه أو إلى الله تعالى وهو المطلوب.

ففيه أنّه وإن افتخر بعض المشككين من أحزاب الشياطين حتّى قال إمامهم الرّازي : «إنّ المعتزلي إذا طوّل كلامه وفرّع وجوهه في المدح والذّم فعليك بمقابلتها

__________________

(١) الإسراء : ٩٤.

(٢) الانشقاق : ٢٠.

(٣) المدثر : ٤٩.

(٤) الانعام : ٩٥.

٩

بهذين الوجهين فانّهما يهدمان جميع كلماته ويشوّشان كلّ شبهاته» (١).

إلّا أنّ الجواب عنهما واضح مشهور وفي أصول الاماميّة مسطور وقد أشرنا إليه فيما تقدّم عند تفسير آية الختم وغيرها ، وأمّا الاستدلال بها على التجسّم بظهور الرّجوع إليه في التّحيز ، وعلى بطلان عذاب القبر بحمل قوله (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) على الحياة الاخروية ، كما هو أحد الوجهين فضعيف جدّا للمنع عن الظهور إذ المراد الرجوع إلى أمره وحكمه ولذا يسمّى الحشر رجوعا إليه تعالى كما قال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (٢) وذلك لأنّه رجوع إلى حيث لا يتوّلى الأمر والحكم غيره تعالى ولذا قال : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٣) ، (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) (٤) ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥) ، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٦).

وأمّا نفي عذاب القبر فليس فيها إشعار عليه بشيء من الدّلالات إلّا من جهة عدم التعرض الذي هو أعمّ منه.

مع أنّ فيه دلالة على الحياة البرزخيّة كما هو الوجه الأظهر فيها ، مضافا إلى أنّه هو المصرّح به في تفسير الامام عليه‌السلام للآية حيث قال عليه‌السلام : أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لكفّار قريش ، واليهود كيف تكفرون بالله الّذي دلّكم على طرق الهدى وجنّبكم إن أطعتموه سبل الردى (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) في أصلاب آبائكم وأرحام أمّهاتكم

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ١٥١.

(٢) الانعام : ٦٢.

(٣) الغاشية : ٢٥.

(٤) ق : ٤٣.

(٥) الشورى : ٥٣.

(٦) الانفطار : ١٩.

١٠

(فَأَحْياكُمْ) أخرجكم أحياء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في هذه الدّنيا ويقبركم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القبور ، وينعم فيها المؤمنون (١) بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية عليّ عليه‌السلام ، ويعذّب فيها الكافرون (٢) بهما ، ثمّ إليه ترجعون في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ثمّ تجيئوا (٣) للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما وعدكم من الثّواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها (٤).

فقيل له : يا رسول الله ففي القبر (٥) نعيم وعذاب؟ قال : أي والّذي بعث محمّدا بالحق نبيّا وجعله زكيّا هاديا مهديّا وجعل أخاه عليّا بالعهد وفيّا ، وبالحق مليّا ولدى الله مرضيّا ، وإلى الجهاد سابقا ولله في أحواله موافقا ، وللمكارم حائزا ، وبنصر الله على أعدائه فائزا ، وللعلوم حاويا ولأوليائه مواليا ولأعدائه معاديا (٦) وبالخيرات ناهضا (٧) ، وللقبائح رافضا وللشيطان مخزيا ، وللفسقة المردة مقصيا (٨) ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسا ، وبين يديه لدى المكاره جنّة وترسا ، آمنت به أنا وأخي علي بن أبي طالب عبد ربّ الأرباب ، المفضّل على أولي الألباب ، الحاوي لعلوم الكتاب ، زين من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمّد صفي الكريم العزيز الوهاب ، إنّ في القبر نعيما يوفّر الله به حظوظ أوليائه ، وإنّ في القبر عذابا يشدّد الله به على أشقياء أعدائه ، إن المؤمن الموالي لمحمّد وآله الطيبين المتّخذ لعلي بعد محمّد إمامه

__________________

(١) في تفسير البرهان : المؤمنين.

(٢) في تفسير البرهان : الكافرين.

(٣) في تفسير البرهان : تحيوا.

(٤) البرهان ج ١ ص ٧٢.

(٥) في البحار : ففي القبور.

(٦) في البحار : مناويا.

(٧) في البحار : ناويا.

(٨) في تفسير العسكري المطبوع : مغضبا.

١١

الّذي يحتذي مثاله ، وسيّده الذي يصدّق أقواله ، ويصوّب أفعاله ، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لأمور الدين وسياسته إذا حضره من أمر الله ما لا يردّ ، ونزل به من قضاء الله ما لا يصدّ ، وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عند رأسه محمّدا رسول الله من جانب ، ومن جانب آخر عليّا سيّد الوصيّين ، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيّد النّبيّين ، ومن جانب آخر الحسين سيّد الشّهداء أجمعين ، وحواليه بعدهم خيار خواصّهم ومحبّيهم الذين هم سادة هذه الأمّة بعد ساداتهم ، من آل محمّد ، ينظر إليهم العليل المؤمن فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصّنا عن عيونهم ، ليكون ايمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدّة المحنة عليهم فيه فيقول المؤمن : بأبي أنت وأمّي يا رسول ربّ العزّة ، بابي أنت وأمّي يا وصيّ رسول الرحمة ، بأبي أنتما وأمّي يا شبلي محمّد وضرغاميه ، ويا ولديه وسبطيه ، ويا سيّديّ شباب أهل الجنّة المقربين من الرحمة والرّضوان ، مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمّد وعليّ وولديهما ، ما كان أعظم شوقي إليكم ، وما أشدّ سروري الأن بلقائكم ، يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني ولا أشكّ في جلالتي في صدري لمكانك ومكان أخيك منّي ، فيقول : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ملك الموت استوص بوصيّة الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومؤثرنا ، فيقول ملك الموت : يا رسول الله مره أن ينظر إلى ما قد أعدّ له في الجنان ، فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنظر فينظر إلى العلو وينظر إلى ما لا يحيط به الألباب ولا يأتي عليه العدد والحساب ، فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه هذا محمّد وعترته زوّاره يا رسول الله لو لا أنّ الله تعالى جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلّا من قطعها لما تناولت روحه ، ولكن لخادمك هذا ومحبّك أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالى.

ثمّ يقول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ملك الموت هاك أخاه قد سلّمناه إليك فاستوص به

١٢

خيرا ثمّ يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل ، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه فيقول يا ملك الموت الوحا (١) تناول روحي ولا تلبثني هاهنا فلا صبر لي عن محمّد وعترته والحقني بهم فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلّها كما يسلّ الشعرة من الدقيق ، وان كنتم ترون أنّه في شدّة فليس في شدّة بل هو في رخاء ولذّة ، فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك ، وإذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للآخر : هذا محمّد وعليّ والحسن والحسين وخيار أصحابهم بحضرة صاحبنا فلنتّضع (٢) لهم (٣) فيأتيان ويسلّمان على محمّد سلاما تامّا منفردا ثمّ يسلّمان على عليّ عليه‌السلام سلاما تامّا منفردا (٤) ثمّ يسلّمان على ساير من معنا من أصحابنا ثمّ يقولان قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصّتك لخادمك ومولاك ولو لا أنّ الله يريد اظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما ساءلناه ولكن أمر الله لا بدّ من امتثاله ، ثمّ يسألانه فيقولان : من ربّك وما دينك ومن نبيّك ومن إمامك وما قبلتك (٥) ومن إخوانك؟ فيقول : الله ربّي ، ومحمّد نبيّي وعليّ وصيّي محمد إمامي ، والكعبة قبلتي ، والمؤمنون الموالون لمحمّد وعليّ واوليائهما والمعادون لأعدائهما إخواني ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله وانّ أخاه عليّا وليّ الله ، وأنّ من نصبهم للامامة من أطائب عترته وخيار ذرّيته وخلفاء الامّة وولاة الحقّ والقوّامون بالعدل (٦) فيقولان : على هذا حييت وعلى هذا

__________________

(١) كلمة تقال في الاستعجال ومعناه : البدار البدار.

(٢) أي فلنتذلل ولنخشع.

(٣) في البحار : لهما.

(٤) في البحار : ثم يسلّمان على الحسين سلاما يجمعانهما.

(٥) في البحار : ومن شيعتك ومن إخوانك؟

(٦) في البحار : بالصدق.

١٣

متّ وعلى هذا تبعث ان شاء الله وتكون مع من تتولّاه في دار كرامة الله ومستقرّ رحمته.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان لأوليائنا معاديا ولأعدائنا مواليا ولأضدادنا بألقابنا ملقّبا فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثّل الله لذلك الفاجر سادته الّذين اتّخذهم أربابا من دون الله عليهم من أنواع العقاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه ، لا يزال يصل إليه من حرّ عذابهم ما لا طاقة له به ، فيقول له ملك الموت : أيّها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه فاليوم لا يغنون عنك شيئا ، ولا تجد إلى مناص سبيلا ، فيرد عليه من العذاب ما لو قسّم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم ، ثمّ إذا أدنى في قبره رأى بابا من الجنّة مفتوحا إلى قبره ، فيرى منه خيراتها فيقول منكر ونكير ، انظر إلى ما حرمته من الخيرات ، ثمّ يفتح له في قبره باب من النّار ويدخل عليه منه عذابها ، فيقول : يا رب لا تقم السّاعة يا ربّ لا تقم الساعة (١).

وفي كتاب الكافئة للمفيد رحمه‌الله أنّه لما قدم عليّ الكوفة وجلس إليه الناس فسأل عن رجل من الصحابة كان ينزله الكوفة فقال قائل استأثر الله به ، فقال عليه‌السلام : أنّ الله لا يستأثر بأحد من خلقه إنّما أراد الله جلّ ذكره بالموت إعزاز نفسه وإذلال خلقه ثمّ قرء عليه‌السلام (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٦ ص ٢٣٦ وص ١٧٦ عن تفسير الامام العسكري عليه‌السلام ص ٢١٠ ـ ٢١٥.

(٢) بحار الأنوار ج ٣٢ ص ٣٥٥.

١٤

تفسير الآية ٢٩

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لمّا ذكر في الآية السابقة إنعامه علينا بخلق ذواتنا والإفاضة علينا بنور الوجود ونفخ الأرواح والتّنقل إلى الأطوار البرزخيّة والاخرويّة عقّبها ببيان نعمة أخرى لعامّة الخلق مترتبة عليها ، وهي خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم وبه يتمّ معاشهم من البسيطة الغبراء والمحيطة الخضراء ، وما بينهما من الأجسام البسيطة والمركبة ، وما يتعلّق بها من القوى والأرواح والكيفيات وغيرها من الاعراض التي خلقت لأجل انتفاع الناس بها في دنياهم بان يتمتّعوا منها بفنون المطاعم والمشارب والمناكح والملابس والمراكب والمساكن والمناظر وغيرها ممّا ينتفعون بها في مصالح أبدانهم ودفع المضارّ عنها وتقويها على الطاعة وحفظ المقاصد المطلوبة وفي دينهم بالنظر فيها والاستدلال بها وبما تتضمّنه من عجائب الصّنع وغرائب البدع على الصانع الحكيم والقادر العليم.

ولذا روى الامام عليه‌السلام في هذه الآية عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه خلق لكم لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه (١).

والاقتصار عليه في كلامه لكونه الأهم الاعمّ من الانتفاعين ، وإلّا فالآية بعمومها وإطلاقها تدلّ على جواز انتفاعهم بكلّ ما فيها من المنافع الخالية عن المضرّة ، ولذا استدلّوا بها على أصالة الاباحة الشرعيّة حسبما قرّر في الأصول من تطابق العقل والشرع على ذلك وفساد القول بأصالة الحظر فيها قبل ورود الشرع أو بعد بيانه عقلا أو شرعا وفساد القول بالتوقف أيضا ، وبالجملة فالأشياء كلّها من الأفعال والمطاعم وغيرها على الإباحة الاصليّة بل الشرعيّة إلّا ما ورد النص فيه بالحرمة بالخصوص أو بالعموم ولو لكونه من الخبائث كما في الآية أو ممّا يضرّ في

__________________

(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٧٢ عن تفسير الامام عليه‌السلام ص ٢١٥.

١٥

البدن.

كما في خبر المفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرّم عليهم ، ولا زهد فيما أحلّ لهم ، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحل لهم وأباحه تفضّلا منه عليهم به لمصلحتهم وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ثمّ اباحه للمضطر وأحلّه في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّا به فأمره أن يتناول منه بقدر البلغة لا غير ذلك (١) الخبر على ما يأتي في تحريم الخمر وأخواتها.

وممّا يدل على الأصل المتقدم مضافا إلى الآية وآيات كثيرة تأتي الإشارة إليها قوله عليه‌السلام : كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (٢) إلى غير ذلك ممّا حررناه في الأصول فلا يقدح في الأصل المزبور إمكان تطرق المناقشة في الآية بأنّ الحمل على العموم في المطلقات مشروط بعدم كون المقام مقام الإجمال والإهمال ، بل مقام البيان وليس المقام منه إذ المقصود بيان أنّ في خلق الأشياء منفعة لكم لا بيان أنّها أي شيء وفي أي شيء وبان «ما» وإن كان من ألفاظ العموم إلّا أنّ وجوه الانتفاع المستفادة من اللام إمّا مجمل أو مطلق فلا وجه للحمل على العموم بالنسبة إليها أيضا سيّما بعد ما مرّ في كلام الإمام عليه‌السلام من تفسيره بالانتفاع في الأمور الدينية وبأنّ غاية ما تدل عليه أنّه خلق الكل للكل لا أنّه خلق كلّ شيء ممّا في الأرض لكل فرد من أفراد الإنسان ، فإذا احتمل اختصاص شيء من المنافع بغيره ولو لأسباب طارئة لم يجز استعماله لعدم الدّليل سيّما مع ما ذكروه في مقابلة الجمع

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٦٥ ص ١٣٤ عن المحاسن.

(٢) بحار الأنوار ج ٢ ص ٢٧٤.

١٦

بالجمع إلى غير ذلك من المناقشات التي لا ينبغي الإصغاء إليها بعد اعتضاد الأصل المتقدم بالعقل والنقل بل الإجماع نقلا وتحصيلا فيما يتعلق بالأعيان وغيرها مع عدم المخصص بأحد الوجهين.

هذا مضافا إلى أنّه يمكن الجواب عن الوجوه المتقدّمة بظهور ورود الآية في مقام الامتنان الذي هو أعلى مراتب البيان ولذا قالوا بافادة المفرد المنكر في مثله للعموم كما في قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (١) و «اللام» وان كان مطلقا من حيث جهات الانتفاع إلّا أنّ الإطلاق كاف سيّما في مقام الامتنان ، ومجرّد الاقتصار في تفسير الآية على ذكر البعض غير صالح لشيء من التقييد والتخصيص ، وأمّا مقابلة الكل بالكل فلا دلالة فيها على اختصاص البعض بالبعض وإن علم ذلك من أدلّة أخرى ، ولذا لزم أن يرجع في الإختصاص إلى سائر الأسباب ، وبه يضعف استدلال أهل الإباحة بالآية على نفي الإختصاص ورفض اسباب الملكيّة وجواز انتفاع كلّ أحد بما يجده من المطاعم والملابس والمناكح وغيرها.

نعم يستفاد منها أنّ لكلّ شيء ممّا في الأرض فائدة ونفعا وان لم نعلمها بالخصوص.

وما يقال من أنّ ما لا نفع فيه كأنواع السموم والحيوانات الموذية من الحيّات والأفاعي والعقارب ونحوها خارج عن ذلك ففيه أنّه ناش عن التصور والجهالة ، بما أودع الله فيها من الخواص الجليلة والمنافع العظيمة التي لم يزل الناس من أهل الملل والمذاهب يطّلعون عليها شيئا فشيئا على مر الدهور والأعصار ، وناهيك في ذلك الاطلاع على جملة ممّا استنبطه أطباء الافرنج والأندلس وحكماؤهم من الخواص الغريبة والآثار العجيبة من تلك العقاقير والنباتات التي ربما يتوهم الجاهل

__________________

(١) الفرقان : ٤٨.

١٧

خلوها عن المنافع حتى من مثل السموم القاتلة ونحوها ومنافع لحوم الأفاعي مفردة ومركبة مع الترياق وغيره غير خفية.

ثمّ إنّها وإن دلت على جواز الانتفاع بجميع ما في الأرض نظرا إلى وضع الموصول سيّما مع كون (جَمِيعاً) حالا عنه في المقام ، بل ومع كونه توكيدا أيضا وان كان احتماله في غاية البعد لقلّة التوكيد به ولخلوه عن الضّمير إذ لو كان كذا لقيل جميعه.

وبالجملة ففيها دلالة على إباحة الانتفاع بما في الأرض إلّا أنّه تختلف كيفيّة الانتفاع به باختلاف الأشياء ، فقد يكون في بعضها بالأكل وفي بعضها بالشرب ، وفي بعضها باللبس ، وفي بعضها بالسكون ، والزراعة والحراثة ونحوها ، فإذا كان للشيء منفعة واحده أو كانت واحدة منها ظاهرة فلا ريب في جواز الانتفاع بها ، وأمّا المنافع الغير الظاهرة والتي لم يتداول الانتفاع بها عند الناس أو ما لم يطّلعوا عليها قبل ذلك فهل يجوز الانتفاع بشيء منها بعد الإطلاع وحصول الانتفاع وجهان بل قولان : يظهر من البعض العدم لإجمال الآية بالنسبة إلى هذه الصورة نظرا إلى بعض الوجوه المتقدّمة ، وقد عرفت ضعفها ، ومنه يظهر أنّ الأظهر الأوّل ولذا لا ينبغي التأمّل في جواز استعمال العقاقير المختلفة في وجوه الانتفاعات التي تطّلع عليها الحكماء وغيرهم يوما فيوما على مرّ الدهور والأعصار ممّا لم تكن متداولة في القرون السابقة والأزمنة المتقدّمة.

ومنه يظهر أيضا ضعف ما ربما يستدل بالآية على حرمة أكل الطين نظرا إلى أنّ أكله من المنافع الغير المتداولة مع أنّها أنما دلّت على إباحة ما في الأرض لا هي نفسها إذ فيه أنّ أكل الطين وان كان حراما في الشرع لكن الحرمة غير مستفادة من الآية لا منطوقا كما لا يخفى ولا مفهوما لعدم شيء من المفاهيم المعتبرة وإن كان مراد القائل عدم الدّلالة على الإباحة لا اثبات الدّلالة على الحرمة.

١٨

وأمّا ما يقال : من أنّ المراد بالأرض جهة السفل كما أنّ المراد بالسماء جهة العلو فالمعنى خلق لكم ما في هذه الجهة المقابلة للعلو فيشمل الأرض ، وانّ من جملة الأرض ما يطلق عليه أنّه في الأرض فيكون جامعا للوصفين.

ففيه مع الغض عمّا فيهما من التكلف انّه لا منفعة في أكل الطين بل المضرّة فيه واضحة جدّا كما صرّح به الأطباء وغيرهم.

بل في الخبر المحكي عن «العلل» و «المحاسن» و «الكافي» عن ابي جعفر عليه‌السلام إنّ أكثر مصائد الشيطان أكل الطين إنّ أكل الطين يوجب السقم في الجسد ويهيج الداء ومن أكل الطين فضعفت قوته التي كانت قبل أن يأكله وضعف عن عمله الذي كان يعمله حوسب على ما بين ضعفه وقوته وعذب عليه (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : من أنهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه (٢).

وعنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه (٣) ، إلى غير ذلك ممّا يدل على أنّه يوقع الحكة في الجسد ويورث البواسير ويهيج السوداء ويذهب بالقوة من الساقين والقدمين وغيرها ، بل الظاهر من كثير منها والمصرح به في كلام جملة من الأصحاب عدم الفرق في الحرمة بين التراب الخالص والممزوج بالماء.

ومن الغرائب ما في «الجواهر» من اختصاص الحكم بالطين الذي هو الممزوج بالماء ، وأمّا التراب الخالص فلا دليل على حرمته ، بل مقتضى الأصول عدمها ضرورة خروجه عن مسمّى الطين إلى آخر (٤) ما ذكره هناك حيث تفرد القول

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ١٥٣ ح ١ عن العلل وفيه : إنّ أكل الطيب يورث السقم.

(٢) العلل ص ٥٣٣ وعنه البحار ج ٦٠ ص ١٥٢ ح ٨.

(٣) المحاسن للبرقي ح ٩٧٥ وعنه البحار ج ٦٠ ص ١٥٤.

(٤) الجواهر ج ٣٦ ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

١٩

بحلّية أكله مستدلا له بما لا دلالة فيه أصلا فلاحظ وتأمّل إذ من البيّن أنّه وإن كان الحكم في الاخبار معلّقا على الطين الذي هو ظاهر في المخلوط بالماء لكن المستفاد من الاخبار في المقام إرادة مطلق التراب عنه كما انّه المراد أيضا في استثناء طين قبر الحسين عليه‌السلام بل وكذا في طين الأرمني الذي وقع التصريح بجواز أكله في الأخبار وفي كلمات الأصحاب بل الأطباء ذكروا في باب الأدوية المفردة الطين المطلق والطين الأرمني والمختوم وغيرها ولم يذكروا التراب أصلا بل ربّما يحصل القطع بارادة العموم من التأمل في فحاوي الأخبار الناهية عن أكله سيّما بعد ملاحظة العلل المنصوصة المشتركة بينه وبين التراب والرّمل بل ومطلق وجه الأرض وان من يأكل ذلك فالغالب أنّه يأكل اليابس دون المبلول بالماء.

مضافا إلى ما في «الخصال» عن أبي الحسن الأوّل قال أربعة من الوسواس : أكل الطين ، وفت الطين (١) إلخ الظاهر في إرادة اليابس منهما ولو بقرينة الفت الذي هو الكسر.

وما في مرفوع البرقي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أكل المدر (٢) ، بل هو الظاهر أيضا من الاستثناء الوارد في المعتبرة المشتملة على حرمة أكل الطين كلّه إلّا طين القبر وطين الحائر الظاهر فيما يؤخذ من الموضع الشريف ، كما هو بل لعله الظاهر أيضا ممّا دل على النهي عن بيعه ، والاستخفاف به ، والتعبير في بعض الاخبار والادعية بأنّ الشفاء في تربته (٣) ، وفي بعضها التعبير بطين قبره ، بحيث يمكن تحصيل القطع باتحاد المراد منهما الى غير ذلك من الشواهد التي يطول بذكرها

__________________

(١) الخصال ص ٢٢١ ح ٤٦ وعنه البحار ج ٦ ص ١٥١ ح ٣.

(٢) البحار ج ٦٠ ص ١٥٨ ح ٢٨ عن معاني الاخبار ص ٢٦٢.

(٣) الوسائل الباب ٦٧ من أبواب المزار ح ٩.

٢٠