تفسير الصراط المستقيم - ج ١

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠

١

٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، والصلوة والسلام على النبي الامّي الذي أرسله بالدّين المشهور ، والعلم المأثور ، والكتاب المسطور ، والنّور الساطع ، والضّياء اللّامع ، والأمر الصادع ، إزاحة للشبهات ، واحتجاجا بالبيّنات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات ، وإخراجا إلى النور من الظلمات ، وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين ، مصابيح الظلم ، وعصم الأمم ، ما أنار فجر ساطع ، وخوى نجم طالع.

أمّا بعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغنيّ «غلام رضا بن علي أكبر بن فضل الله ابن غفور ، مولانا البروجرديّ» انّ من اهمّ العلوم الاسلامية بل أشرفها وأفضلها العلم بالقرآن الكريم وحقائقه واسراره. فإنّه الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والدواء الناقع ، والشافع المشفّع ، والماحل المصدّق. وهو الدّليل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، الّذي لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، وختم الله به الكتب ، وأنزله على نبيّ ختم به الأنبياء ، وهو

٥

قانون السماء لهداية الأرض ، وملاذ الّذين الأعلى يستند الإسلام إليه في عقائده وعباداته وحكمه واحكامه وآدابه وأخلاقه وقصصه ومواعظه وعلومه ومعارفه. وهو عماد لغة العرب الأسمى ، تدين له الّلغة في بقائها وسلامتها ، وتفوق سائر الّلغات العالميّة به في اساليبها ومادّتها لذلك كان القرآن موضع العناية الكبرى من النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصحابته ومن سلف الأمّة وخلفها جميعا إلى عصرنا هذا.

وقد اتخذت هذه العناية أشكالا مختلفة ، فتارة ترجع إلى لفظه وأدائه ، واخرى إلى أسلوبه وإعجازه ، وثالثة إلى كتابته ورسمه ، ورابعة إلى تفسيره وشرحه إلى غير ذلك وقد أفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحي بالبحث والتأليف ، ووضعوا من أجلها العلوم ، ودوّنوا الكتب ، وصنّفوا في كلّ علم يخدم القرآن أو يستند إليه مثل علم التفسير ، وعلم القراءات ، وعلم قصص القرآن ، وعلم إعجاز القرآن ، وعلم غريب القرآن ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، وعلم متشابهات القرآن ، وعلوم اخرى كثيرة حتى نقل عن أبي بكر بن العربي (١) في قانونه التأويل كما حكى السيوطي (٢) وصاحب مناهل العرفان أنّه قال :

علوم القرآن ٧٧٤٥٠ علم ، على عدد كلم القرآن.

ومن أجلّ هذه العلوم علم التفسير ، وذلك لأنّ رقاء الأفراد والأشخاص

__________________

(١) محمد بن على بن المعروف بابن العربي الطائي الاندلسي الفيلسوف المتكلم ولد سنة (٥٦٠) وتوفى بدمشق سنة (٦٣٨) ه ـ الاعلام ج ٧ / ١٧٠ ـ

(٢) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين السيوطي الحافظ المؤرخ الأديب ولد سنة (٨٤٩) ه وتوفي سنة (٩١١) ه ـ الاعلام ج ٤ / ٧١ ـ

٦

ونهضة الأمم والجماعات لا تكون صحيحة إلّا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن الّتي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للبشر ، وواضح أنّ العمل بهذه التعاليم لا يمكن إلّا بعد فهم القرآن وتدبّره ، ولذلك منزل القرآن حثّنا بتدبّره فقال سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (١).

والتدبّر في القرآن لا يختصّ بآية دون آية ، ولا بقوم دون قوم آخر ، حيث إنّ القرآن أنزل على قواعد لسان فصحاء العرب ومكالماتهم في أنديتهم وسائر محاوراتهم ، وأجري فيه علم طريقتهم من الاستعمالات الحقيقيّة والمجازيّة والكنائيّة وغيرها ممّا يعرف مداليلها الظاهرة أهل اللسان ، ويعرفها غيرهم بالتعلّم لقواعد لغتهم ، وأمّا حجيّة جميع تلك الظواهر ، والحكم بكون كلّها مرادا واقعيّا لله تعالى فقد منعنا القرآن عنه ، حيث صرّح فيه بالتفرقة بين آياته فقال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ..) (٢).

جعل قسم المحكمات خاصّة أمّ الكتاب والحجّة الّتي يرجع إليها ويؤخذ بظواهرها ، وحكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل وإيكال علمه إليه تعالى وإلى من خصّه الله تعالى بإفاضة العلوم اللدنيّة المعبّر عنهم بالراسخين في العلم.

والآراء في تعيين مصداق المحكم والمتشابه مختلفة

لكنّ الحقّ المختار لمحقّقي المفسرين أنّ الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ

__________________

(١) سورة محمّد (ص) : ٢٤.

(٢) آل عمران : ٧.

٧

بظواهرها ، ويجوز الحكم بكونها مرادا واقعيّا ، حيث إنّه لا يترتّب على كون ظواهرها مرادا واقعيّا أمر باطل أو محال.

والمتشابهات ما لا يمكن فيها ذلك ، إمّا لعدم ظاهر لها مثل المقطّعات في فواتح السور ، أو للقطع بعدم كون ظواهرها مرادا واقعيّا للزوم الباطل وترتّب المحال ، وبالجملة التعرّض للتأويلات وبيان المراد الواقعي في المتشابهات لا يجوز لغير الراسخين في العلم الذين هم عدل القرآن وحملته والمنزل في بيتهم الكتاب وقد خوطبوا به ، فلا بدّ أن نأخذها عنهم ، لأنّه لا يعرفها غيرهم بصريح القرآن.

وأمّا تفسير المحكمات فهو وظيفة الرّجال العارفين بقواعد اللغة العربيّة ، نعم لا بّد أن يكون استنباطهم للظواهر في الآيات المحكمات مستندا إلى ما يفهم من نفس تلك القواعد ، لا أن يكون على حسب اقتضاء الآراء والأقيسة والاستحسانات أو الظنّ والتخمين والتخرّصات ، فإنّه قد ورد النهي الشديد عن التفسير بالرأي المراد به أمثال ما ذكر من الاستنباطات وبيان المراد الواقعي في الآيات المتشابهات من عند أنفسهم لا أخذا عن أهله ، وإلّا فتفسير محكمات القرآن ، وبيان المراد والمفهوم منها حسب قواعد اللّغة من أفضل الأعمال وأشرفها لأشرفيّة موضوعها وغايتها ، كما صدرت الأوامر الأكيدة عن المعصومين عليهم‌السلام بذلك.

روي عنهم : «تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث ، وتفقهوا فيه إنّه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور ، وأحسنوا تلاوته فإنّه أنفع القصص» (١).

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه صرّح بأنّ العمل بهذا القرآن موقوف

__________________

(١) البحار ج ٢ / ٣٦ ح ٤٥.

٨

على تفسيره وكشف المراد منه في قضيّة التحكيم بقوله عليه‌السلام : «هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدفّتين لا ينطق بلسان ، ولا بدّ له من ترجمان ، وإنّما ينطق عنه الرجال» (١).

فالقرآن مرشد صامت ، وإنّما ينطق عنه لسان الناطقين ، فهو حاكم محتاج يحتاج إلى ترجمان ، فلا بّد أن يقوم الرجال العارفون بالمراد من هذه الخطوط ببيانه والكشف عنه ويسمّى هذا الكشف والبيان تفسيرا.

قال الطريحي (٢) : التفسير في اللّغة كشف معنى اللفظ وإظهاره ، مأخوذ من الفسر وهو مقلوب السفر ، يقال : أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته.

قال صاحب المناهل في بيان الحاجة إلى التفسير ما ملّخصه :

القرآن إنّما نزل بلسان عربيّ مبين في زمن أفصح العرب ، فكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه ، وأمّا دقائقه فلا تظهر لهم إلّا بعد البحث والنظر وسؤالهم مثل قولهم : «وأيّنا لم يظلم نفسه»؟ حينما نزل قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٣) ففسّره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشرك ، واستدلّ بقوله سبحانه : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٤) فأول من فسّر القرآن هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ صحابته الذين تعلّموا القرآن ودقائقه منه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضلهم وأعلمهم هو مولانا وسيّدنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأنّه كان

__________________

(١) البحار ج ٣٣ / ٣٧٠ ح ٦٠٢.

(٢) الطريحي : فخر الدين بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن طريح الرماح النجفي المتوفّى سنة (١٠٨٥) ه له مصنّفات منها «مجمع البحرين» في تفسير غريب القرآن والحديث.

(٣) سورة الأنعام : ٨٢.

(٤) سورة لقمان : ١٣.

٩

باب مدينة العلم ، كما روى الفريقان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ـ فمن أراد العلم فليأت الباب».

أخرج الحديث الطبراني (١) في «الكبير» عن ابن عبّاس كما في «الجامع الصغير» ص ١٠٧ للسيوطي وأخرجه الحاكم (٢) في «المستدرك» ج ٣ ص ٢٢٦ بسندين صحيحين : أحدهما عن ابن عبّاس من طريقين صحيحين ، والآخر عن جابر بن عبد الله الأنصاري (٣) وقد أفرد الإمام المغربي أحمد بن محمّد بن الصديق المعاصر لتصحيح هذا الحديث كتابا حافلا سمّاه «فتح الملك العليّ بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ» وقد طبع في مصر سنة (١٣٥٤) ه.

وهو عليه‌السلام باب دار الحكمة ، كما اثر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» أخرجه الترمذي (٤) في صحيحة وابن جرير (٥) ونقله عنهما غير واحد من الأعلام كالمتّقي الهندي (٦) في «كنز العمّال ج ٦

__________________

(١) هو سليمان بن أحمد بن أيّوب أبو القاسم الطبراني الشامي المحدّث الكبير ، ولد سنة (٢٦٠) بعكا ، وتوفي بأصبهان سنة (٣٦٠) ه ـ وفيات الأعيان ج ١ / ٢١٥ ـ

(٢) الحاكم : محمّد بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيّع من أكابر المحدّثين الحفّاظ ، ولد بنيسابور سنة (٣٢١) ه وتوفّى بها سنة (٤٠٥) ه.

(٣) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري صحابي جليل القدر كثير الرواية ، ولد سنة (١٦) قبل الهجرة وتوفي سنة (٧٨) ه ، وله في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما (١٥٤٠) حديثا. ـ الاعلام ج ٧ / ٩٢ ـ

(٤) الترمذي : محمّد بن عيسى بن سورة أبو عيسى المحدث الحافظ ولد سنة (٢٠٩) وتوفي بترمذ (على نهر جيحون) سنة (٢٧٩) من تصانيفه «الجامع الكبير».

(٥) هو محمّد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري المؤرخ المفسر ، ولد في آمل طبرستان سنة (٢٢٤) ه ، وتوفّي ببغداد سنة (٣١٠) ه.

(٦) المتّقي الهندي : هو عليّ بن عبد الملك حسام الدين بن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي المكّي المدني ، ولد في رهانفور (من بلاد الدكن) نحو سنة (٨٩٥) وسكن المدينة وتوفّي بها سنة (٩٧٥) ه ، له مصنفات منها «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال».

١٠

ص ٤٠١ وقال : قال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده.

المفسّرون المشاهير من الصحابة

قال السيوطي في «الإتقان» : اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة :

الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأبىّ بن كعب (١) ، وزيد بن ثابت (٢) ، وأبو موسى الأشعري (٣) ، وعبد الله بن الزبير (٤).

ثم قال : أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب كرم الله

__________________

(١) أبيّ بن كعب بن قيس الخزرجي الانصاري ، صحابيّ كان قبل الإسلام من أخبار اليهود ، ولّما أسلم صار من كتّاب الوحي ، وشهد بدرا والمشاهد كلّها. قال الزركلى : له في الصحيحين وغيرهما (١٦٤) حديثا ، توفي بالمدينة (٢١) ه.

(٢) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي ، أبو خارجة ، صحابي ، كان من كتّاب الوحي ، ولد سنة (١١) قبل الهجرة ، بالمدينة ، وتوفي سنة (٤٥) ه.

(٣) أبو موسى الأشعري : عبد الله بن قيس ، صحابي ، أحد الحكمين بعد حرب صفين ، ولد في زبيد باليمن سنة (٢١) قبل الهجرة ، وتوفّي بالكوفة سنة (٤٤) ه ـ غاية النهاية ج ١ / ٤٤٢ ـ

(٤) عبد الله بن الزبير بن العوّام القرشي ، ولد بالمدينة سنة (١) ه ، بويع له بالخلافة سنة (٦٤) فحكم مصر والحجاز واليمن ، وخراسان ، والعراق وأكثر الشام ، مدة خلافته تسع سنين فقتل بمكة سنة (٧٣) ه ـ الاعلام ج ٤ / ٢١٨ ـ

١١

وجهه ، والرّواية عن الثلاثة قليلة جدّا.

قال محمّد بن عبد العظيم الزرقاني في «المناهل» : معنى هذا السبب في إقلال الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) من التفسير أنّهم كانوا في وسط أغلب أهله علماء بكتاب الله ، عارفون بمعانيه وأحكامه.

أمّا الأمام عليّ رضي الله عنه فقد عاش بعدهم حتّى كثرت حاجة الناس في زمانه إلى من يفسّر لهم القرآن ، فلا جرم كان ما نقل عن عليّ أكثر ممّا نقل عن غيره.

أضف إلى ذلك ما امتاز به الإمام من خصوبة الفكر ، وغزارة العلم وإشراق القلب.

روى معمر (١) ، عن وهب بن عبد الله (٢) ، عن أبي الطفيل (٣) قال : شهدت عليا رضي الله عنه يخطب ويقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية الّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أفي سهل أم في جبل.

وفي رواية عنه قال : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم أنزلت ، وأين

__________________

(١) هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الازدي أبو عروة الفقيه المحدث الحافظ البصري ولد بالبصرة سنة (٩٥) وتوفي سنة (١٥٣) ه ـ الاعلام ج ٨ / ١٩٠ ـ

(٢) هو وهب بن عبد الله بن أبي دبي ، ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ج ٩ / ٢٢ رقم ١٠١ وقال : روى عن أبي الطفيل ، وروي عنه معمر بن راشد. وثّقه ابن معين.

(٣) أبو الطفيل : عامر بن وائلة بن عبد الله عمرو ، ولد يوم وقعة أحد سنة (٣) ه وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة أحاديث ، وحمل راية أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض وقائعه ، وتوفّي بمكة المكرّمة سنة (١٠٠) ه وهو آخر من مات من الصحابة. ـ الاعلام ج ٤ / ٢٦ ـ

١٢

أنزلت إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا سئولا (١).

وأول شيء دوّنه أمير المؤمنين عليه‌السلام كتاب الله عزوجل فإنّه بعد فراغه من تجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على نفسه أن لا يرتدي إلّا للصلوة ، أو يجمع القرآن ، فجمعه مرتّبا على حسب النزول ، وأشار إلى عامّه وخاصّه ، ومطلقة ومقيّده ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وعزائمه ورخصه ، وسننه وآدابه. ونبّه على أسباب النزول في آياته البيّنات ، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات ، وكان ابن سيرين على ما نقل ابن حجر (٢) في «الصواعق» يقول : لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم (٣).

ورجوع الصحابة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام في معرفة تنزيل الآيات وتأويلها مشهور بن الفريقين.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي (٤) في شرح «نهج البلاغة» ج ١ / ٦ : من العلوم

__________________

(١) مناهل العرفان ج ١ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣.

(٢) ابن حجر : هو أبو العبّاس شهاب الدين أحمد بن محمّد بن عليّ بن حجر الهيثمي المكّي الأنصاري الشافعي ، ولد سنة (٨٩٩) أو (٩٠٩) ه في محلّة أبي الهيثم (من إقليم الغربيّة) بمصر وإليها نسبته ، وتوفّي بمكّة المكرمة سنة (٩٧٤) ه ـ النور السافر : ٢٨٧ ـ

(٣) الصواعق المحرقة ص ١٢٨ عن ابن أبي داود عن محمّد بن سيرين.

(٤) هو عبد الحميد بن هبة الله بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد ، أبو حامد الأديب المؤرّخ المعتزلي ، ولد في المدائن سنة (٥٨٦) ه ، وانتقل إلى بغداد وخدم في الدواوين السلطانية وبرع في الإنشاء ، وكان حظيّا عند الوزير ابن العلقمي ، توفي بغداد سنة (٦٥٥) ه ـ الاعلام ج ٤ / ٦٠ ـ

١٣

علم التفسير ، عن علي عليه‌السلام أخذ ، ومنه فرع لأنّ أكثره عنه وعن ابن عبّاس ، وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له وانقطاعه اليه وأنّه تلميذه وخرّيجه.

وقال ابن عبّاس الملقّب بحبر الأمّة وترجمان القرآن : علمي بالقرآن في علم عليّ عليه‌السلام كالقرارة (١) في المثعنجر (٢).

روي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في ليلة تكلّم في تفسير الباء من البسملة إلى مطلع الفجر ، ثمّ قال : يا بن عبّاس لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من باء بسم الله الرحمن الرحيم (٣).

في «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» : أنّ الخلفاء الأربعة أكثر من روي عنه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والرواية عن الثلاثة في ندرة ، ثم حكي عن ابن عبّاس أنّ عليّا عليه‌السلام عنده علم ظاهر القرآن وباطنه (٤).

وفي كتب الرّجال أنّ ميثم التّمار (٥) كان يقول لابن عبّاس : سلني ما شئت من

__________________

(١) القرارة : الغدير الصغير.

(٢) المثعنجر (بضم الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة) : أكثر موضع في البحر ماء.

(٣) رواه جماعة من العامّة منهم الشعراني في «الطائف المنن» ج ١ / ١٧١.

(٤) كشف الظنون ج ١ / ٤٢٩.

(٥) هو ميثم بن يحيى التّمار الأسدي بالولاء ، كان عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه على بن أبي طالب عليه‌السلام منها وأعتقه ، سكن الكوفة وحبسه أميرها ابن زياد ، ثمّ أمر به فصلب على خشبة فجعل يحدّث بفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه ، فكان أوّل من ألجم في الإسلام ، ثم طعن بحربة ، وكان ذلك قبل مقدم الامام الحسين عليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام. ـ روضات الجنات : ٧٥٢ ـ ٧٥٤ ـ

١٤

القرآن فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه‌السلام وعلّمني تأويله (١) وقال الشعبي (٢) : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبيّ الله من علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣) ثم بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام الذين فسّروا القرآن وكشفوا النقاب عن وجهه هم الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام الرّاسخون في العلم.

ثم بعدهم أصحابهم الذين اقتبسوا من مشكاة أنوارهم ، والتمسوا من جواهر أسرارهم ممّا يتعلّق بالشرائع والأحكام والحلال والحرام ومسائل الأصول والقصص والتفسير وغيرها ، فصنّفوا في أنواع علوم القرآن مصنّفات كثيرة.

قال مؤلّف الصّراط المستقيم : المضبوط في كتب الرّجال من كتب أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام أزيد من ستّة آلاف كتاب.

نموذج من أسماء المفسّرين

الى عصر المؤلّف

إليك أسماء بعض المفسّرين من القرن الأوّل إلى عصر مؤلّف «صراط المستقيم» على حسب تواريخ وفياتهم :

__________________

(١) تنقيح المقال في علم الرجال ج ٣ / ٢٦٢.

(٢) الشعبي : عامر بن شراحيل الحميري أبو عمرو التابعي ولد سنة (١٩) بالكوفة وكان نديم عبد الملك بن مروان وسميره ورسوله إلى ملك الروم ، مات بالكوفة فجأة سنة (١٠٣) ه ـ الاعلام ج ٤ / ١٨ ـ

(٣) بحار الأنوار ج ٩٢ / ٩٣.

١٥

١ ـ أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي أبو المنذر ، صحابيّ ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، مطّلعا على الكتب القديمة ، ولمّا أسلم كان من كتّاب الوحي ، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من الإثني عشر الّذين نصروا الحقّ ورفضوا الباطل وكان نحيفا قصيرا أبيض الرأس والحلية ، توفّي بالمدينة سنة (٢١) ه أو سنة (٢٢) ه ـ أنظر ترجمته في غاية النهاية ج ١ / ٣١ ، وحلية الأولياء ج ١ / ٢٥٠ ، وصفة الصفوة ج ١ / ١٨٨ ـ والاعلام ج ١ / ٧٨ وسفينة البحار ج ١ في الالف بعده الياء.

٢ ـ عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، من أكابر الصحابة فضلا وعقلا ، ومن السابقين إلى الإسلام ، وأوّل من جهر بقراءة القرآن بمكة المكرّمة ، وكان خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورفيقه في حلّه وترحاله وغزواته ، وروي عنه روايات كثيرة أحصوها في كتبهم (٨٤٨) حديثا ، أخذ سبعين سورة من القرآن من فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبقيّته من أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من أحبّ أن يسمع القرآن غضّا فليسمعه من ابن أمّ عبد.

توفّي بالمدينة سنة (٣٢) ه ودفن بالبقيع ، في «المستدرك» نقلا من تلخيص الشافي : أنّه لا خلاف بين الأمّة في طهارة ابن مسعود وفضله وايمانه ومدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وثنائه عليه وأنّه مات على الحالة المحمودة منه.

أنظر ترجمته المبسوطة من غاية النهاية ج ١ / ٤٥٨ وصفة الصفوة ج ١ / ١٥٤ وحلية الأولياء ج ١ / ١٢٤ وتأسيس الشيعة لفنون الإسلام : ٣٢٧ ، وسفينة البحار ج ٦ / ٧٩ ـ والاعلام ج ٤ / ٢٨٠ وغيرها.

١٦

٣ ـ عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب ، الصحابي الجليل ، ولد بمكة المكرّمة سنة (٣) قبل الهجرة ، ونشأ في بدء عصر النبوّة فلازم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه أحاديث كثيرة تبلغ في كتب القوم (١٦٦٠) حديثا ، روي عن ابن مسعود أنّه قال : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ، توفّي سنة (٦٨) ه بالطائف.

كان ابن عبّاس من تلامذة أمير المؤمنين عليه‌السلام وشهد معه الجمل وصفّين وأخذ التفسير عنه عليه‌السلام ، ودعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «أللهّم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل».

وروي أنّ رجلا أتى ابن عمر يسأله عن (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (١) فقال : اذهب إلى ابن عبّاس ، ثمّ تعال أخبرني ، فذهب فسأله ، فقال : كانت السماوات رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر ، وهذه بالنبات ، فرجع إلى ابن عمر فأخبره فقال : قد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن ، فالآن قد علمت أنّه أوتي علما.

كثرت الرواية في التفسير من ابن عباس حتى كان ما يقارب النصف من الأحاديث الواردة في التفسير مسندا إليه.

قال شيخنا المجيز في الرواية قدس‌سره في «الذريعة» ج ٤ / ٢٤٤ :

نسب إلى ابن عباس تفسيران : أحدهما ما ألّفه أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى ابن أحمد بن عيسى الجلّودي المتوفي سنة (٣٣٢) ه.

والثاني «تنوير المقياس» حاو لتفسير بعض الآيات وطبع بمصر سنة (٢٩٠) ه.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٠.

١٧

٤ ـ أبو الأسود الدؤلي : ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الكناني كان معدودا من الأدباء والفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب ، وكان من سادات التابعين.

ولد سنة (١) ه وسكن البصرة في خلافة عمر ، وولّى إمارتها في أيّام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، استخلفه عليها عبد الله بن عبّاس لمّا شخص إلى الحجاز ، ولم يزل في الإمارة إلى شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان قد شهد معه صفّين.

وهو في أكثر الأقوال أوّل من نقط المصحف ، وأوّل من وضع النحو وقد أمره أمير المؤمنين عليه‌السلام بوضعه.

وقيل : إنّ عليّا عليه‌السلام وضع له إنّ الكلمة ثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف ، فشرح أبو الأسود ذلك وبسطه.

ترجم المامقاني في تنقيح المقال أبا الأسود ، وقال : عدّه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واخرى من أصحاب الحسن عليه‌السلام ، وثالثة من أصحاب الحسين عليه‌السلام ، ورابعة من أصحاب السجّاد عليه‌السلام.

وقال المامقاني في آخر ترجمته : بقي هنا شيء وهو أنّ أبا موسى وابن شاهين عدّا الرجل من الصحابة ، وأنكر ذلك عليهما ابن الأثير وغيره وقالوا : إنّه ليس له صحبة وإنما هو تابعيّ من خواصّ أصحاب عليّ عليه‌السلام.

توفّي أبو الأسود سنة (٦٩) أو (٩٩) في طاعون الجارف.

 ـ تنقيح المقال ج ٢ / ١١١ ـ الأعلام ج ٣ / ٣٤٠ ـ

٥ ـ جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري ، صحابي جليل القدر ، وجلالته أشهر من أن يذكر ، وانقطاعه إلى أهل البيت عليهم‌السلام

١٨

من الحقائق المسلّمة ، والرّوايات الدالّة على فضله كثيرة جدّا ، شهد بدرا وثماني عشر غزوة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده صار من أصحاب أمير المؤمنين ، ثمّ من أصحاب الحسن والحسين ، ثمّ من أصحاب علي بن الحسين ثمّ من أصحاب أبي جعفر الباقر عليهم صلوات الله.

قال المؤلّف في منظومته الرجالية «نخبة المقال» :

«وجابر من خاصّة الأطهار» «جخ ل إلى قر وهو الأنصاري» (١).

قال المحدّث القمي في سفينة البحار ج ١ / ٥٣٦ : قال شيخنا في «المستدرك» في ترجمة جابر الأنصاري : هو من السابقين الأوّلين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحامل سلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى باقر علوم الأوّلين والآخرين ، وأوّل من زار أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام في يوم الأربعين ، المنتهى اليه سند أخبار الّلوح السماوي الذي فيه نصوص من الله رب العالمين ، وله بعد ذلك مناقب اخرى وفضائل لا تحصى.

عدّه السيوطي في «الإتقان» من المفسرين.

ولد سنة (١٦) قبل الهجرة ، وتوفّي بالمدينة سنة (٧٤) ه أو (٧٧) ه أو (٧٨) ه

 ـ الإصابة ج ١ / ٢١٣ ـ والاعلام ج ٢ / ٩٢ –

٦ ـ سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي التابعيّ ، مشهور بالفقه والزهد والعبادة وعلم تفسير القرآن ، أخذ العلم عن ابن عبّاس ، وكان يسمّى جهبذ

__________________

(١) (جخ رمز لرجال الشيخ و (ل) رمز للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله و (قر) رمز للباقر عليه‌السلام يعني عدّ الشيخ في رجاله جابرا من أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام الباقر عليه‌السلام.

١٩

العلماء ، ويقرأ القرآن في ركعتين.

قيل : ما على وجه الأرض أحد إلّا وهو محتاج إلى علمه.

ولد سنة (٤٥) ه وقتله الحجّاج (١) في واسط سنة (٩٥) ه.

روي أنّ ابن عبّاس كان إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه قال : أتسألوني وفيكم ابن أمّ دهماء؟ يعني سعيدا.

روي أنّ سعيد بن جبير كان يأتمّ بعليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، فكان زين العابدين عليه‌السلام يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجّاج له إلّا على هذا الأمر ، وكان مستقيما.

وروي أنّه لمّا دخل على الحجّاج قال هل : أنت شقيّ بن كسير ، قال : كانت أمّي أعرف بي سمّتني سعيد بن جبير ، قال : ما تقول في أبي بكر وعمر ، هما في الجنّة أو في النار؟ قال : لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها ، ولو دخلت الجنّة ورأيت أهلها لعلمت من فيها ، قال : فما قولك في الخلفاء؟ قال : لست عليهم بوكيل ، قال أيّهم أحبّ إليك؟ قال : أرضاهم لخالقي ، قال : فأيّهم أرضى للخالق؟ قال : علم ذلك عند الّذي يعلم سرّهم ونجويهم ، قال ، أبيت أن تصدقني ، قال : بل لم أحبّ أن أكذبك (٢).

__________________

(١) الحجّاج بن يوسف بن الحكم الثقفي ، الحاكم السفّاك ، ولد بالطائف سنة (٤٠) وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباغ وصار من شرطته ، فقلّده عبد الملك أمر عسكره وأمره بقتال ابن الزبير فقتله ، فولّاه عبد الملك مكّة والمدينة والطائف ، ثمّ أضاف إليها العراق وثبتت له الإمارة عشرين سنة ، وبنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة وهلك بها سنة (٩٥) ه ـ الاعلام ج ٢ / ١٧٥ ـ

(٢) سفينة البحار ٤ / ١٥٥. ـ بحار الأنوار ج ٤٦ / ١٣٤ ـ

٢٠