تفسير الشريف المرتضى - ج ١

تفسير الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٣

والكثرة على كلّ عطاء للمخلوقين ، فيكون نفى الحساب فيه نفيا للتضييق ، ومبالغة في وصفه بالسعة ، والعرب تسمّى العطاء القليل محسوبا ، قال قيس بن الخطيم :

أنّي سربت وكنت غير سروب

وتقرّب الأحلام غير قريب

ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه

في النوم غير مصرّد محسوب

وثالثها : أن يكون المعنى أنّه يرزق من يشاء من غير حساب أي من غير طلب للمكافأة أو إراغة فائدة تعود إليه أو منفعة ترجع عليه ، لانّ من شأن أهل الدنيا أن يعطوا ليكافئوا ولينتفعوا ، ولهذا يقال فيمن يقصد بالعطية إلى هذه الأمور : فلان يحاسب الناس فيما يعطيهم ويناقشهم فيما يوصّله إليهم ، وما أشبه ذلك ، فلمّا انتفت هذه الأمور من عطاياه سبحانه جاز أن يقول : إنّه يرزق من يشاء بغير حساب.

ورابعها : ما أجاب به قطرب ، قال : معنى الآية يعطى العدد الكثير لا ممّا يضبطه الحساب ، أو يأتي عليه العدد ، لأنّ مقدوره تعالى لا يتناهي ، وما في خزائنه لا ينحصر ، ولا يصحّ عليه النفاد ؛ وليس كالمعطي منّا الألف من الألفين ، والعشرة من المائة ؛ لأنّ مقدار ما يتّبع له ويتمكّن منه محدود متناه ، ولا تناهي ولا انقطاع لمّا يقدّر سبحانه عليه.

وخامسها : أنّه يعطى عباده في الجنّة من النعيم واللذّات أكثر ممّا استحقّوا وأزيد ممّا وجب لهم بمحاسبته إياهم على طاعتهم كما قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (١) ، وكما قال عزوجل : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٢) ، وكما قال تعالى : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٣).

وسادسها : أن يكون المعطي منّا غيره شيئا والرازق سواه رزقا قد يكون له ذلك ، فيكون فعله حسنا لا يسأل عنه ، ولا يؤاخذ به ، ولا يحاسب عليه ؛ وربّما

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥.

(٢) سورة التغابن ، الآية : ١٧.

(٣) سورة فاطر ، الآية : ٣٠.

٥٢١

لم يكن له ذلك فيكون فعله قبيحا يؤاخذ به ، ويحاسب عليه ، فنفى الله تعالى عن نفسه أن يفعل من الرزق القبيح ، وما ليس له أن يفعله بنفي الحساب عنه ، وأنبأ أنّه لا يرزق ولا يعطى إلّا على أفضل الوجوه وأحسنها وأبعدها من الذمّ ؛ وتجرى الآية مجرى قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) ، وإنّما أراد أنّه تعالى من حيث وقعت أفعاله كلّها حسنة غير قبيحة لم يجز أن يسأل عنها وإن سئل العباد عن أفعالهم ، لأنّهم يفعلون الحسن والقبيح معا.

وسابعها : أنّ الله تعالى إذا رزق العبد وأعطاه من فضله كان الحساب عن العبد ساقطا من جهة الناس ، فليس لأحد أن يقول له : لم رزقت؟ ولا يقول لربّه : لم رزقته؟ ولا يسأله ربّه عن الرزق ، وإنّما يسأله عن إنفاقه في الوجوه التي ينفقه فيها ، فيسقط الحساب من هذه الوجوه عمّا يرزقه الله تعالى ، ولذلك قال تعالى : (بِغَيْرِ حِسابٍ).

وثامنها : أن يكون المراد ب (مَنْ يَشاءُ) أن يرزقه من أهل الجنّة ، لأنّه يرزقهم رزقا لا يصحّ أن يتناول جميعه الحساب ، ولا العدد والإحصاء من حيث لا نهاية له ولا انقطاع للمستحقّ منه ؛ ويطابق هذه الآية قوله تعالى في موضع آخر : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢) (٣).

ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ٢١٧].

أنظر البقرة : ٢٠٢ من الأمالي ، ١ : ٣٧٤.

ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة : ٢١٩].

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٢٣.

(٢) سورة غافر ، الآية : ٤٠.

(٣) الأمالي ، ١ : ٣٧٦.

٥٢٢

[فيها أمور :

الأوّل :] وممّا إنفردت به الإمامية القول : بأنّ الخمر محرّمة على لسان كلّ نبيّ وفي كلّ كتاب نزل ، وأنّ تحريمها لم يكن متجدّدا ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنّها متجدّدة التحريم.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ؛ فانهم لا يختلفون فيما ذكرناه ...

فإن عورضنا بما يروونه من الأخبار الواردة بتجديد تحريم الخمر وذكر أسباب تحريمها ، فجوابنا أنّ جميع ما روي في تجديد تحريمها أخبار آحاد ضعيفة ، لا توجب علما ولا عملا ، ولا يترك ما ذكرناه من الأدلّة القاطعة بمثل هذه الأخبار.

فأمّا ما يدعيه اليهود والنصارى من تحليل أنبيائهم لها فكذب منهم عليهم ، كما كذبوا على أنبيائهم في كلّ شيء كذّبهم المسلمون فيه ، ولا حجّة فيما يدّعيه هؤلاء المبطلون المعروفون بالكذب (١).

[الثاني :] ... روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ الله لم يجعل شفاكم فيما حرّم عليكم ، ولهذا الذي ذكرناه تأوّل قوم قوله تعالى : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)، على أنّ المنافع هاهنا هي المكاسب (٢) ...

[الثالث :] قال ابن عبّاس رحمه‌الله في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : ما فضل من أهلك (٣).

ـ (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١].

وممّا إنفردت به الإمامية حظر نكاح الكتابيات ، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك (٤) ، دليلنا بعد الاجماع المتقدّم قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، ولا شبهة في أنّ النصرانية مشركة ، وقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ

__________________

(١) الانتصار : ٢٠٠.

(٢) الانتصار : ٢٠٣.

(٣) الأما لي ، ١ : ٣٨٨.

(٤) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٥٠.

٥٢٣

الْكَوافِرِ) (١) ، وبين الزوجين عصمة لا محالة ، وقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٢) ، والظاهر من ذلك نفي التساوي في سائر الأحكام التي من جملتها المناكحة ، فإن عارضونا بقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٣) فالجواب : إنّا نشترط في ذلك الإسلام بالأدلّة المتقدّمة.

فإذا قيل : لا معنى لذلك ، وقد أغنى عنه قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ قلنا : قد يجوز قبل ورود هذا أن يفرّق الشرع بين المؤمنة التي لم تكن قط كافرة وبين من كانت كافرة ثم آمنت ، ففي بيان ذلك والجمع بين الأمرين في الاباحة فائدة.

فان قيل : إذا شرطتم في آية الاباحة ما ليس في الظاهر وصارت مجازا ، فأيّ فرق بينكم في ذلك وبيننا إذا عدلنا عن ظواهر الآيات التي احتججتم بها ، وخصّصناها بالكافرات المرتدات والحربيّات؟

قلنا : الفرق بيننا وبينكم أنّكم تعدلون عن ظواهر آيات كثيرة ، ونحن نعدل عن ظاهر آية واحدة ، فمذهبنا أولى (٤).

ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [البقرة : ٢٢٢].

[فيها أمور :]

[الأوّل :] وممّا يظن إنفراد الإمامية به القول بجواز أن يطأ الرجل زوجته إذا طهرت عن دم الحيض وإن لم تغتسل ، متى مسّت به الحاجة إليه ؛ ولم يفرّقوا بين جواز ذلك في مضي أكثر الحيض أو أقلّه ...

دليلنا الاجماع المتقدّم ، وقوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٥) ، وقوله جلّ

__________________

(١) سورة الممتحنة ، الآية : ١٠.

(٢) سورة الحشر ، الآية : ٢٠.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ٥.

(٤) الانتصار : ١١٧.

(٥) سورة المؤمنون ، الآية : ٥.

٥٢٤

وعزّ : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (١) وعموم هذه الظواهر يتناول موضع الخلاف ؛ وأيضا قوله عزوجل : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ولا شبهة في أنّ المراد بذلك إنقطاع الدم دون الاغتسال وجعله إنقطاع الدم غاية يقتضي أنّ ما بعده بخلافه.

وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في مسائل الخلاف ، وبلغنا غايته وذكرنا معارضتهم بالقراءة الأخرى في قوله جلّ ثناؤه : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فإنها قرأت بالتشديد ، فلا بدّ من أن يكون المراد بها الطهارة بالماء وأجبنا عنها (٢).

[الثاني : قال الناصر رحمه‌الله :] «الحيض لا يكون مع الحمل».

عندنا : أنّ الحامل قد يكون معها الحيض كالحائل ؛ وهو مذهب مالك ، والليث ، والشافعي.

وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن حيّ ، وعبد الله بن الحسن : إنّ الحامل لا تحيض.

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه : إجماع الفرقة المحقّة المتقدّم ذكره.

وأيضا قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ولفظ النساء عامّ في الحوامل وغير الحوامل ، فلو لم يكن الحيض ممّا يجوز أن يكون من جميع النساء ، ما علق هذا الوصف على اسم النساء ، وفي تعليقه عليه دلالة على أنّه ممّا يجوز أن يكون من جميع النساء.

وأيضا قوله عليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : «إذا كان دم الحيض أسود فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلّي» ولم يفرق بين أن تكون حائلا أو حاملا (٣).

ـ (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣].

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.

(٢) الانتصار : ٣٤ ، وراجع أيضا الرسائل : ١ / ١٣٥.

(٣) الناصريات : ١٦٩.

٥٢٥

وممّا يشنع به على الإمامية وتنسب إلى التفرد به ـ وقد وافق فيه غيرها ـ : القول بإباحة وطىء النساء في غير فروجهن المعتادة للوطي ، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك (١).

وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنّه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنّ وطي المرأة في دبرها حلال ، ثم قرأ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الآية (٢).

وقال الطحاوي في كتابه هذا : حكى لنا محمد بن عبد الله بن الحكم أنّه سمع الشافعي يقول : ما صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنّه حلال (٣). والحجّة في إباحة ذلك إجماع الطائفة ؛ وأيضا قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ومعنى أنّى شئتم كيف شئتم ، وفي أيّ موضع آثرتم (٤) ولا يجوز حمل لفظة أنّى هاهنا على الوقت ؛ لأنّ لفظة أنّى تختص الأماكن وقلّما تستعمل في الأوقات ، واللفظة المختصة بالوقت أيّان (٥) شئتم ، ولا فرق بين قولهم : ألق زيدا أنّى كان وأين كان في عموم الأماكن ، على أنّا لو سلمنا أنّ الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معا من الأوقات والأماكن.

فأمّا من ادعى أنّ المراد بذلك إباحة وطي المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك فهو تخصيص لظاهر القرآن (٦) بغير دليل ، والظاهر متناول لما قالوه ولما قلناه.

فأمّا الطعن على هذه الدلالة بأنّ الحرث لا يكون إلّا بحيث النسل وقد سمّى الله تعالى النساء حرثا ، فيجب أن يكون الوطىء حيث يكون النسل ، فليس

__________________

(١) المجموع ، ١٦ : ٤٢٠.

(٢) نيل الأوطار ، ٦ : ٢٠٣.

(٣) نيل الأوطار ، ٦ : ٢٠١ و ٢٠٢.

(٤) وفي نسخة «وفي أيّ موضع أردتم» ، كذا أيضا في الرسائل ، ١ : ١٣٣.

(٥) وفي نسخة : بالأوقات أيّان شئتم.

(٦) لظاهر الكلام بغير دليل.

٥٢٦

بشيء ؛ لأنّ النساء وإن كنّ لنا حرثا ، فقد أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث ، كالوطىء دون الفرج وما أشبهه ، ولو كان ذكر الحرث يقتضي ما ذكروه لتنافي أن يقول لنا : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) من قبل أو دبر ، وقد علمنا أنّ ذلك صحيح غير متناف.

ولا يمكن الاستدلال على إباحة ما ذكرناه بما تعلّق به قوم فيها من قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦)) (١) ، وقالوا : لا يجوز أن يدعو إلى التعوض عن الذكران بالأزواج إلّا وقد أباح منهن في الوطىء مثل ما يلتمس من الذكران ، وكذلك قالوا في قوله تعالى : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) (٢) ؛ فان القول يقتضي أنّ في بناته المعنى المطلوب من الذكران ؛ وذلك لأنّه لا حجة في هذا الضرب من الكلام ؛ لأنّه غير ممتنع أن يذمّهم باتيان الذكران من حيث لهم عنه عوض بوطىء النساء وإن كان في الفروج المعهودة ؛ لاشتراك الأمرين في الاستمتاع واللذة ، وقد يغني الشيء عن غيره وإن لم يشاركه في جميع صفاته ، إذا اشتركا في الأمر المقصود ، ولو صرّح بما قلناه حتى يقول : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦)) (٣) من الوطي في القبل لكان صحيحا ؛ لأنّه عوض ومغن عمّا يلتمس من الذكران (٤).

[انظر أيضا البقرة ٢٦ / ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧].

ـ (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة : ٢٢٥].

ويوصف تعالى بأنه «غافر» و «غفور» و «ساتر» و «ستّار» و «عفو» ، أمّا غافر وغفور وعفو فإنّما يوصف بها من حيث أسقط العقاب تفضّلا.

وعند المعتزلة أنه يوصف بذلك من حيث لم يفعل العقاب مع وقوع الذنب

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآيتان : ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٢) سورة هود ، الآية : ٧٨.

(٣) تقدمت.

(٤) الانتصار : ١٢٥ وراجع أيضا الوسائل ١ : ٢٣٢ ، و ٣٠٠.

٥٢٧

الّذي يستحقّ به ، وان كان قد خرج عن استحقاقه بالتوبة أو بثواب الطاعة العظيمة.

والّذي يدلّ على صحّة ما قلناه وفساد ما قالوه أن من أسقط دينه على غيره تفضّلا لا يقال : إنه قد عفا له عنه ، ولو قضاه الدين فترك مطالبته به لم يقل أحدنا : إنه قد عفا عنه ، فعلمنا أن لفظه «العفو» لا تطلق إلّا مع التفضّل ، فلو لم يفعل تعالى العقاب بمن لا يستحقّ العقاب لم يوصف بأنه عفو ، وغفور : وغافر بمنزلة عفو في هذا الحكم.

فإذا قيل : قد قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (١).

قلنا : قد بيّنا أن التوبة لا توجب إسقاط العقاب ، فإذا غفر مع التوبة فهو متفضّل بإسقاط العقاب.

فأمّا «ساتر» و «ستّار» فمعناهما أنه تعالى لم يفعل في الدنيا أمارة العقاب من لعن واستخفاف وما يجري مجراهما.

ويوصف تعالى بأنه «حليم» من حيث لم يعجل العقوبة.

وعند أبي عليّ أنه يوصف بذلك من حيث فعل ما يضادّ العقوبة من الحياة والصحّة والشهوة. وهذا غلط ؛ لأنه تعالى موصوف بالحلم في حال افناء الخلق واعدامهم وان لم يكن في تلك الحال فاعلا فيه شيئا من صحّة ولا شهوة ولا حياة. وأحدنا يوصف بأنه حليم من حيث لم ينتقم ممّن ظلمه وان لم يعلم أنه فعل في جسمه شيئا يضاد الانتقام.

وليس يجب أن لا يوصف في الآخرة بأنه حليم إذا استوفى العقوبة ؛ لأنه تعالى ليس يخرج باستيفاء العقاب في الآخرة من أن يكون ما عجّله وقدّمه في الدنيا ، ففائدة وصفه تعالى بأنه حليم لا تتغيّر.

ولا يوصف تعالى بأنه «صبور» ؛ لأن فائدة هذه اللفظة يقتضي احتمال المكاره والآلام ، وذلك مستحيل فيه تعالى (٢).

__________________

(١) سورة طه ، الآية : ٨٢.

(٢) الذخيرة : ٦٠٣.

٥٢٨

ـ (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ٢٢٦].

[فيها أمران :

الأوّل : قال الناصر رحمه‌الله :] «ولا يكون الزوج مؤليا حتّى يدخل بأهله».

هذا صحيح وهو الذي يذهب إليه أصحابنا ؛ وباقي الفقهاء يخالفون فيه (١).

والذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه : الاجماع المتردّد ذكره ؛ وأيضا أنّه لا خلاف في أنّ حكم الإيلاء شرعي ، وقد ثبت بلا خلاف في المدخول بها ، ومن أثبته في غير المدخول بها فقد أثبت حكما شرعيا زائدا على ما وقع عليه الإجماع ، فعليه الدليل.

فإن تعلّقوا بقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإنّ اللفظ عامّ لجميع النساء المدخول بهن وغير المدخول بهن.

فالجواب : أنّ اللفظ لو كان عامّا على ما ادّعى لجاز تخصيصه بدليل ، كيف وفي اللفظ ما يدلّ على التخصيص بالدخول بها ، لأنّه تعالى قال : (فَإِنْ فاؤُ) والمراد بالفئة العود إلى الجماع بلا خلاف ، وإنّما يعاود الجماع من دخل بها واعتاد جماعها وهذا واضح (٢).

[الثاني :] وممّا ظن إنفراد الإمامية به : أنّ من حلف أن لا يقرب زوجته وهي مرضع ؛ خوفا من أن تحمل ؛ فينقطع لبنها ، فيضرّ ذلك بولدها ، لا يكون موليا ، وخالف في ذلك باقي الفقهاء في ذلك ... والحجة لنا ـ بعد إجماع الطائفة ـ أنّ انعقاد الايلاء حكم شرعي ، وقد ثبت انعقاده في موضع الاتفاق ولم يثبت في موضع الخلاف ، وإنعقاده حكم شرعي ، فيجب نفيه بنفي الدليل الشرعي.

فإن احتجّوا بعموم قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ، فالجواب : أنّ العموم يخصّ بالدليل ، وبعد فالآية تقتضي وجوب التربّص فيمن

__________________

(١) المجموع ، ١٧ : ٢٩٦.

(٢) الناصريات : ٣٥٥.

٥٢٩

آلى ، ونحن نمنع من كون من قال للمرضعة : «لا أقربك في الرضاع» موليا ، فالاسم لا يتناوله ، فإن قيل : هذا يوجب أن لا ينعقد الإيلاء في مصلحة للرجل أو لزوجته أو لولده على كلّ حال في غير الرضاع أيضا. قلنا : كذلك نقول وإليه نذهب (١).

ـ (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨].

[فيها أمران :

الأوّل :]

وممّا انفردت الإمامية به القول : بأنّ أقلّ ما يجوز أن ينقضي به عدة المطلقة التي تعتد بالاقراء ما زاد على ستة وعشرين يوما بساعة أو دونها ؛ مثال ذلك : أن يكون طلّقها زوجها وهي طاهر ، فحاضت بعد طلاقها بساعة ، فتلك الساعة إذا كانت في الطهر فهي محسوبة لها قرءا واحدا ، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وهو أقلّ الحيض ؛ وطهرت بعدها عشرة أيام وهو أقل الطهر ، ثمّ حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وطهرت بعدها عشرة أيام ثم حاضت فعند أول قطرة تراها من الدم فقد بانت ، وباقي الفقهاء يخالف في ذلك.

وأمّا الشافعي ـ وإن كان قوله في القرء وأنّه الطهر مثل قولنا واحتسب أيضا للمرأة بالطهر الذي يقع فيه الطلاق حسب ما نذهب إليه ـ فانّه يذهب إلى أنّ أقلّ الطهر عنده خمسة عشر يوما (٢) ، فأقلّ ما تنقضي به العدة على مذهبه إثنان وثلاثون يوما ولحظتان (٣) ، مثال ذلك ؛ أنّ يطلّقها في آخر جزء من أجزاء طهرها ، ثم تحيض ، فيحصل لها قرء بذلك ، ثم تحيض يوما وليلة وهو أقلّ الحيض عنده ، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عنده ، ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما ، ثم يبتدىء بها الحيض لحظة واحدة ، فتنقضي عدّتها باثنين وثلاثين يوما ولحظتين.

__________________

(١) الانتصار : ١٤٤.

(٢) الأمّ ، ١ : ٦٤ ، المحلّى ١٠ : ٢٧٣.

(٣) نفس المصدر.

٥٣٠

فأمّا أبو يوسف ومحمد فانّهما ذهبا إلى أنّ أقل ما يمكن أن تنقضي به العدّة تسعة وثلاثون يوما ولحظة واحدة (١) ؛ لأنّه يطلّقها في آخر جزء من الطهر فتحيض عقيبه بثلاثة أيام وهو أقلّ الحيض عندهما ، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهما ، ثمّ تحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر لحظة واحدة.

وأبو حنيفة يذهب إلى أنّ أقلّ ما تنقضي به العدّة ستون يوما ولحظة واحدة (٢) ؛ لأنّه يعتبر أكثر الحيض وأقلّ الطهر ، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام فكأنّه يطلّقها في آخر أجزاء الطهر ، ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ، ثم تحيض عشرة أيام ، ثم تطهر لحظة واحدة.

والحجّة لما ذهبنا إليه ـ بعد إجماع الفرقة المحقّة عليه ـ أنّ الله تعالى أمر المطلّقة بالتربّص ثلاثة أقراء ، والصحيح عندنا أنّ القرء المراد في الآية (٣) هو الطهر دون الحيض.

وصحّ أيضا أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام ، وقد دلّلنا في باب الحيض في هذا الكتاب على أن أقل الطهر هو عشرة أيام (٤) ، ودلّلنا فيما كنّا أمليناه من مسائل الخلاف المفردة على أنّ أقل الحيض ثلاثة أيام ولم يبق إلّا أن تدلّ على أنّ القرء هو الطهر.

والذي يدلّ على ذلك ـ بعد الاجماع المتكرر ـ أنّ لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين الحيض والطهر ، وقد نصّ القوم على ذلك في كتبهم ، وممّا يوضح صحّة الاشتراك أنّها مستعملة في الأمرين بغير شكّ ولا دفاع ، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدلّ على أنّها حقيقة في الأمرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنّها مجاز في أحدهما ، وإذا ثبت أنّها حقيقة في الأمرين فلو خلّينا

__________________

(١) المحلّى ، ١٠ : ٢٧٣.

(٢) نفس المصدر.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٨.

(٤) راجع الانتصار : ٣٣.

٥٣١

والظاهر لكان يجب انقضاء عدّة المطلقة بأن يمضي عليها ثلاثة أقراء من الحيض والطهر معا ؛ لوقوع الاسم على الأمرين ، غير أنّ الأمّة أجمعت على أنّها لا تنقضي إلّا بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين ، إما من الطهر أو الحيض ، وإذا ثبت ذلك وكانت الأطهار التي نعتبرها تسبق ما يعتبره أبو حنيفة وأصحابه ؛ لأنّه إذا طلّقها ـ وهي طاهرة ـ انقضت عدّتها عندنا ، وعند الشافعي بدخولها في الحيضة الثالثة ، وعندهم تنقضي بانقضاء الحيضة الثالثة ، وإذا سبق ما نعتبره لما يعتبرونه ، والاسم يتناوله وجب إنقضاء العدة به.

فأمّا الشافعي وإن وافقنا في هذه الجملة فقولنا : إنّما كان أولى من قوله ؛ لأنّه يذهب إلى أنّ أقلّ الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما وذلك عندنا باطل ، فلهذا الوجه اختلف قولنا فيما تنقضي به العدّة.

فإن قيل : قد ذهب بعض أهل اللغة (١) إلى أنّ القرء مشتق من الجمع من قولهم : قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، وقرأته أيضا بالهمز ، وذهب آخرون (٢) إلى أنّ المراد به الوقت ، واستشهدوا بقول أهل اللغة : اقرأ الأمر إذا حان وقته ، فان كان الأصل الجمع فالحيض أحقّ به ؛ لأنّ معنى الاجتماع لا يوجد إلّا في الحيض دون الطهر ، وإن كان الأصل الوقت فالحيض أيضا أحقّ به ؛ لأنّ الوقت إنّما يكون وقتا لما يتجدّد ويحدث ، والحيض هو الذي يتجدّد والطهر ليس بمتجدّد بل هو الأصل ومعناه عدم الحيض.

فالجواب : أنّ أهل اللغة قد نصّوا على أنّ القرء من الأسماء المشتركة بين الطهر والحيض ، وأنّها من الألفاظ الواقعة على الضدّين ، ومن لا يعرف ذلك لا يكلّم فيما طريقه اللغة ، وهذا القدر كاف في بطلان السؤال.

وممّا قيل : انّ معنى الاجماع حاصل في حال الطهر ؛ لأنّ الدم يجتمع في حال الطهر ويرسله الرحم في زمان الحيض ، فأمّا الوقت فقد يكون للطهر والحيض معا ، وليس أحدهما بالوقت أخصّ من الآخر.

__________________

(١) النهاية (لابن أثير) ، ٣٠ : ٤.

(٢) أحكام القرآن ، ١ : ٣٦٤.

٥٣٢

وقولهم : إنّ الحيض حادث والطهر ليس بحادث وإنّما هو إرتفاع الحيض ، والحيض أشبه بالوقت من الطهر ليس بشيء ؛ لأنّ الوقت يليق بكلّ متجدّد من حدوث أمر وارتفاع أمر ، ألا ترى أنّ الحمى توقّت بوقت وهي حادثة ، وإرتفاعها وزوالها يوقّتان بوقت من حيث كانا متجددين؟

فإن قيل : ظاهر القرآن يقتضي وجوب استيفاء المعتدّة لثلاثة اقراء كوامل ، وعلى قولكم الذي شرحتموه لا تستوفي ثلاثة اقراء وإنّما يمضي عليها قرءان وبعض الثالث ، ومن ذهب إلى أنّ القرء الحيض يذهب إلى أنّها تستوفي ثلاث حيض كوامل.

فالجواب : أنّ كلّ من ذهب إلى أنّ القرء هو الطهر يذهب إلى أنّه تعتدّ بالطهر الذي وقع فيه الطلاق ، ولا أحد من الأمّة يجمع بين القول بأنّ القرء هو الطهر وأنّه لا بدّ من ثلاثة أقراء كوامل ، فلمّا سلّمنا أنّ ظاهر الآية يقتضي إكمال الاقراء الثلاثة لجاز الرجوع عن هذا الظاهر بهذه الدلالة.

وممّا يجاب به أيضا ، أنّ القرء في اللغة إسم لما اعتيد إقباله وما اعتيد إدباره ؛ لأنّهم يقولون : اقرأ النجم إذا طلع ، واقرأ إذا غاب ، والاقراء المذكور في الآية هو إسم لادبار الأطهار ، فعلى ما ذكرناه يحصل للمعتدّة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.

وممّا قيل أيضا : أنّ القرء إذا كان من أسماء الزمان عبّر باسم الثلاثة منه عن الاثنين وبعض الثالث كما قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١) ، وأشهر الحج شهران وبعض الثالث ، وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث ، وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث ، ويمكن أن يقال في ذلك : إنّه مجاز ، وحمل الآية على الحقيقة أولى ، فالجواب الأول الذي اعتمدناه أولى.

فإن استدلّوا على أنّ القرء هو الحيض ، بأنّ الصغيرة والآيسة من المحيض

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٩٧.

٥٣٣

ليستا من ذوات الاقراء بلا خلاف ، وإن كان الطهر موجودا فيهما ، ويقال للتي تحيض : أنّها من ذوات الاقراء ، فدلّ ذلك على أنّ القرء هو الحيض.

والجواب عنه : أنّ القرء إسم للطهر الذي يتعقّبه الحيض ، وليس باسم لما لم يتعقّبه حيض ، والصغيرة والآيسة ليس لهما قرء ؛ لأنّه لا طهر لهما يتعقّبه حيض ، فإن استدلّوا بما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله لفاطمة بنت أبي حبيش : دعي الصلاة أيام أقرائك (١) ، وهذا لا شبهة في أنّ المراد به الحيض دون الطهر.

والجواب : أنّ أخبار الآحاد غير معمول بها في الشريعة ، وبعد فيعارض هذا الخبر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر ابن عمر : إنّما السنة أن تستقبل بها الطهر ثم تطلّقها في كلّ قرء تطليقة (٢) ، فقد ورد الشرع أيضا باشتراك هذا الاسم بين الطهر والحيض (٣).

[الثاني : انظر البقرة : ٢٣٧ من الذريعة ، ١ : ٢٩٨].

ـ (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة : ٢٢٩].

[فيها أمران :]

[الأوّل :] وممّا إنفردت به الإمامية القول : بأنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (٤).

وقد روي أنّ ابن عباس ؛ وطاووسا يذهبان إلى ما تقوله الإمامية (٥) ، وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ الحجاج بن أرطاة كان يقول : ليس الطلاق الثلاث بشيء.

وحكى في هذا الكتاب عن محمد بن إسحاق أنّ الطلاق الثلاث يردّ إلى

__________________

(١) سنن أبي داود ، ١ : ٧٢ ح ٢٨٠.

(٢) سنن الدارقطني ، ٤ : ٣١ ح ٨٤.

(٣) الانتصار : ١٤٩.

(٤) المغني (لابن قدامة) ، ٨ : ٢٤٣ و ٤٠٤.

(٥) نفس المصدر.

٥٣٤

واحدة ، دليلنا ـ بعد الاجماع المتردد ـ أن يدلّ على أنّ المشروع في الطلاق إيقاعه متفرقا ، وقد وافقنا مالك وأبو حنيفة على أنّ الطلاق الثلاث في الحال الواحدة محرّم مخالف للسنّة إلّا أنّهما يذهبان مع ذلك إلى وقوعه (١) ، وذهب الشافعي إلى أنّ الطلاق الثلاث في الحال الواحدة غير محرّم (٢).

والذي يدلّ على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ولم يرد بذلك الخبر ؛ لأنّه لو أراده لكان كذبا ، وانّما أراد الأمر فكأنّه قال تعالى : طلّقوا مرتين ، وجري مجرى قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٣) ، والمراد يجب أن تؤمنوه ، والمرّتان لا تكونان إلّا واحدة بعد أخرى ، ومن جمع الطلاق في كلمة واحدة لا يكون مطلقا مرّتين ، كما أنّ من أعطى درهمين دفعة واحدة لم يعطهما مرتين.

فإن قيل : العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق ، مثاله : إذا قال : له علي مائة درهم مرّتان ، وإذا ذكر العدد عقيب فعل اقتضى التفريق ، مثاله : ادخل الدار مرتين أو ضربت مرتين ، والعدد في الآية عقيب اسم لا فعل. قلنا : قد بيّنا أنّ قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ)، أن معناه طلّقوا مرتين ، فالعدد مذكور عقيب فعل لا إسم.

فإن قيل : إذا ثبت وجوب تفريق الطلاق فلا فرق بين أن يكون في طهر واحد أو طهرين ، وأنتم لا تجوّزون تفريقه في طهر واحد ، قلنا : إذا ثبت وجوب التفريق فكلّ من أوجبه يذهب إلى أنّه لا يكون إلّا في طهرين ، فإن قيل : فإذا كان الثلاث لا تقع ، فأيّ معنى لقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٤) ، وإنّما المراد : أنّك إذا خالفت السنّة في الطلاق وجمعت بين الثلاث وتعديت ما حدّه الله تعالى لم تأمن أن تتوق نفسك إلى المراجعة فلا تتمكّن منها.

قلنا : قوله تعالى : (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) مجمل غير مبيّن ، فمن أين

__________________

(١) المجموع ، ١٧ : ١٣٠.

(٢) الأم ، ٥ : ١٨٣.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.

(٤) سورة الطلاق ، الآية : ١.

٥٣٥

لكم أنّه أراد ما ذكرتم ، والظاهر غير دالّ على الأمر الذي يحدثه الله تعالى ، والأشبه بالظاهر أن يكون ذلك الأمر الذي يحدثه الله تعالى متعلّقا بتعدي حدود الله ؛ لأنّه تعالى قال : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ويشبه أن يكون المراد لا تدري ما يحدثه تعالى من عقاب يعجّله في الدنيا على من تعدّي حدوده ، وهذا أشبه ممّا ذكروه ، وأقلّ الأحوال أن يكون الكلام يحتمله فيسقط تعلّقهم.

وقد قيل : إنّ قوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) متعلق بالنهي عن إخراجهن من بيوتهن لئلا يبدو له في المراجعة ، وهذا أيضا ممّا يحتمله الكلام ، فمن أين لهم أنّ المراد ما ذكروه ... (١).

[الثاني : قال الناصر رحمه‌الله :] «لا يأخذ الزوج إلّا ما أعطاها ، أو دون ما أعطاها».

عندنا : أنّه يصحّ أن يخلع امرأة على أكثر ممّا قد أعطاها وأقل منه ، وعلى كلّ قدر تراضيا به ، وإنّما يقول أصحابنا في المباراة : إنّه لا يجوز على أكثر ممّا أعطاها ...

والذي يدلّ على صحّة مذهبنا بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ولم يفرق بين القليل والكثير (٢).

[الثالث : انظر الكهف ٥٦ إلى ٧٠ معنى قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ) من التنزيه : ١١٨].

ـ (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٣٠].

وممّا يقدّر من لا اختبار له انفراد الإمامية به وما انفردوا به ، جواز عقد

__________________

(١) الانتصار : ١٣٦. وراجع أيضا الناصريات : ٣٤٣ و ٣٤٨.

(٢) الناصريات : ٣٥٣.

٥٣٦

المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي ، وهذه المسألة يوافق فيها أبو حنيفة ويقول : إنّ المرأة إذا عقلت وكملت زالت من الأب الولاية عليها في بضعها ، ولها أن تزوّج نفسها ، وليس لوليها الاعتراض عليها إلّا إذا وضعت نفسها في غير كفو (١).

وقال أبو يوسف ومحمد : يفتقر في النكاح إلى الولي ، لكنّه ليس بشرط فيه ، فإذا زوّجت المرأة نفسها فعلى الولي إجازة ذلك (٢).

وقال مالك : المرأة المقبحة الذميمة لا يفتقر نكاحها إلى الولي ، ومن كان بخلاف هذه الصفة افتقر إلى الولي (٣).

وقال داود : إن كانت بكرا افتقر نكاحها إلى الولي ، وإن كانت ثيّبا لم يفتقر (٤).

دليلنا على ما ذهبنا إليه ـ بعد إجماع الطائفة ـ قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فأضاف عقد النكاح إليها ، والظاهر أنّها تتولّاه ، وأيضا قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) فأضاف تعالى التراجع ـ وهو عقد مستقل ـ إليهما ، والظاهر أنّهما يتوليانه.

وأيضا قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٥) فأباح فعلها في نفسها من غير إشتراط الولي ؛ ولا يجوز للمخالف أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها ؛ وذلك أنّه تعالى إنّما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف ، وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها.

وأيضا فقوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (٦) فأضاف العقد إليهن ، ونهى الأولياء عن معارضتهن ، والظاهر أنّهن يتولّينه.

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٣٣٧.

(٢) نفس المصدر.

(٣) المحلّى ، ٩ : ٤٥٧.

(٤) المجموع ، ١٦ : ١٤٩.

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.

(٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٢.

٥٣٧

ويمكن أن يعارض المخالف أيضا بما يروونه عن ابن عباس رحمه‌الله أنّ رسول الله قال : «ليس للولي مع الثيب أمر» (١).

وأيضا ما رواه ابن عباس عنه رضى الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الأيم أحقّ بنفسها من وليّها» (٢) ، فمن يخالفنا في هذه المسألة يدّعي أنّ وليّها أحقّ بها من نفسها.

وأيضا ما روي من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب إلى أمّ سلمة «رحمة الله عليها» فقالت : ليس أحد من أوليائي حاضرا ، فقال : ليس أحد من أوليائك حاضرا أو غائبا إلّا ويرضى بي ، ثم قال لعمر بن أبي سلمة ـ وكان صغيرا ـ : قم فزوّجها. فتزوّجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير ولي (٣).

فان احتج المخالف بما رووه عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» (٤). فالجواب عنه : أنّ هذا الخبر مطعون عليه ، مقدوح فيه بما هو مذكور في الكتب ، ويمكن حمله ـ إذا كان صحيحا ـ على الأمة إذا تزوّجت بغير إذن مولاها ؛ فانّ لفظة الولي والمولى بمعنى واحد في اللغة ، وقد ورد في بعض الروايات في هذا الخبر : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن مواليها» (٥) ، فان قيل : في الخبر ما يمنع من حمله على الأمة وهو : «فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها» ، والمهر لا يكون للأمة بل للمولى؟

قلنا : يجوز أن يضاف إليها ، وإن كانت لا تملك للعلقة التي بينه وبينها ، وإن كانت ملكا للمولى ، كما قال «صلوات الله عليه وآله» : «من باع عبدا وله مال» (٦) فأضاف المال إلى العبد ، وإن كان للمولى.

وليس لهم أن يحتجّوا بما روي من أنّه لا نكاح إلّا بولي (٧) ؛ لأنّ المرأة

__________________

(١) جامع الأصول ، ١٢ : ١٤٠.

(٢) نفس المصدر.

(٣) سنن ابن ماجة ، ١ : ٦٠٥ ح ١٨٩٧.

(٤) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٣٣٨.

(٥) المحلّى ، ٩ : ٤٧٤. وفيه : مولاها.

(٦) صحيح البخاري ، ٣ : ١٥١.

(٧) مسند أحمد ، ١ : ٢٥٠.

٥٣٨

إذا زوّجت نفسها فذلك نكاح بولي ، لأنّ الولي هو الذي يملك الولاية للعقد ، ومن ادّعى أن لفظة «ولي» لا تقع إلّا على ذكر ، مبعد ، لأنّها تقع على الذكر والأنثى فيقال رجل ولي وإمرأة ولي كما يقال فيهما وصيّ (١).

ـ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].

[قال الناصر رحمه‌الله :] «المتوفى عنها زوجها تعتدّ من يوم يبلغها نعي الزوج ، وكذلك المطلّقة».

الذي يذهب إليه أصحابنا : أنّ الرجل إذا طلّق امرأته وهو غائب عنها ثمّ ورد الخبر عليها بذلك وقد حاضت من يوم طلّقها إلى ذلك الوقت ثلاث حيض ـ فقد خرجت من عدّتها ولا عدّة عليها بعد ذلك ، وإن كانت حاضت أقلّ من ثلاث احتسبت من العدّة وثبت عليها تمامها.

وإذا مات عنها في غيبته ووصل خبر وفاته إليها وقد مضت مدّة اعتدّت لوفاته من يوم بلوغ الخبر بالوفاة ، ولم تحتسب بما مضى من الأيّام.

وفي أصحابنا من لم يفرّق بين المطلّقة وبين المتوفى عنها زوجها في الغيبة ، وإنّما يراعي في ابتداء العدّة وقت وقوع الطلاق ، أو الموت (٢).

إلّا أنّه يراعي هذا القائل : أن يكون ما بين البلدين مسافة يمكن العلم معها بوقت الوفاة أو الطلاق.

فإذا كانت كذلك ثبت على ما تقدّم ، وراعت في العدة ابتداء الوفاة ؛ فإن كانت المسافة لا يحتمل معها أن تعلم المرأة بالحال إلّا في الوقت الذي علمت به ، اعتدّت من يوم يبلغها عدّة كاملة ... والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع من القول الأول الذي حكيناه باتّفاق الفرقة عليه ، ولا اعتبار بالشاذ.

ووجه الفرق بين المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها أنّ المعتدّة من الطلاق لا

__________________

(١) الانتصار : ١١٩ وراجع أيضا الرسائل ١ / ٢٣٥. والناصريات : ٣١٩.

(٢) مختلف الشيعة ، ٤٧٩ و ٤٨٠.

٥٣٩

يجب عليها حداد ، وإنّما يجب أن تمتنع من الأزواج وهي وإن لم تعلم بطلاق زوجها ممتنعة من العقد عليها ، فلم يضرّها في مرور زمان العدّة عليها فقد علمها.

وليس كذلك المعتدّة عن الوفاة ، لأن الواجب عليها الحداد وهي عبادة ، ولا يكفي فيها مرور الزمان.

ويمكن أن يستدلّ على ذلك أيضا بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً).

والتربّص يقتضي قولا يقع من جهتين ولا يجوز أن يكون المراد به مرور الزمان ، لأنّ مرور الزمان من غير علم ولا تعمّد لا يسمّى تربّصا.

فإن قيل : فقد قال الله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). فأضاف التربّص إليهن ، وأنتم تقولون إن مرور الزمان في المطلقة يكفي ، قلنا : لو خلّينا والظاهر لقلنا في الأمرين قولا واحدا ، لكن قام الدليل على أنّ المطلقة يكفي فيها مرور الوقت ، وحملنا قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) على من علمت بوقت طلاقها منهن ولم يخف عليها (١).

ـ (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة : ٢٣٦].

[قال الناصر رحمه‌الله :] «النكاح جائز وإن لم يذكر المهر ، ولا مهر لها إذا لم يسمّ لها مهرا».

عندنا : أنّ عدم ذكر المهر لا يخلّ بالنكاح ، ومن تزوّج امرأة ولم يسمّ لها مهرا ، فإن دخل بها كان عليه مهر مثلها ، فإن طلّقها قبل أن يدخل بها فليس لها عليه مهر ، ولها عليه متعة ...

فأمّا الذي يدلّ على أنّ خلوّ عقد النكاح من ذكر مهر لا يفسده فهو بعد

__________________

(١) الناصريات : ٣٥٩.

٥٤٠