تفسير الشريف المرتضى - ج ١

تفسير الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٣

(إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى آخر الآية إلّا مطابقا لما ذكرناه من المعنى ؛ دون معنى التكليف ؛ فكأنّه قال تعالى : إذا كنتم تعلمون هذه الأسماء ، فأنتم عن علم الغيب أعجز ؛ وبأن تسلموا الأمر لمن يعلمه ويدبّر أمركم بحسبه أولى.

فإن قيل : كيف علمت الملائكة بأنّ في ذرية آدم عليه‌السلام من يفسد في الأرض ، ويسفك الدماء؟ وما طريق علمها بذلك؟ وإن كانت غير عالمة فكيف يجوز أن تخبر عنه بغير علم!.

قلنا : قد قيل : إنّها لم تخبر وإنّما استفهمت ؛ فكأنّها قالت متعرفة : أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا؟

وقيل : إنّ الله تعالى أخبرها بأنّه سيكون من ذريّة هذا المستخلف من يعصي ويفسد في الأرض ، فقالت على وجه التعرّف لما في هذا التدبير من المصلحة والاستفادة لوجه الحكمة فيه : أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا؟.

وهذا الجواب الأخير يقتضى أن يكون في أوّل الكلام حذف ويكون التقدير :

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، وإني عالم أن سيكون من ذريته من يفسد فيها ، ويسفك الدماء ، فاكتفى عن إيراد هذا المحذوف بقوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) لأنّ ذلك دلالة على الأول ؛ وإنّما حذفه اختصارا.

وفي جملة جميع الكلام اختصار شديد ، لأنّه تعالى لمّا حكى عنهم قولهم :

(أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) كان في ضمن هذا الكلام : فنحن على ما نظنّه ويظهر لنا من الأمر أولى بذلك لأنا نطيع وغيرنا يعصي.

وقوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يتضمّن أيضا أنّني أعلم من مصالح المكلّفين ما لا تعلمونه ، وما يكون مخالفا تظنّونه على ظواهر الأمور.

وفي القرآن من الحذوف العجيبة ، والاختصارات الفصيحة ما لا يوجد في

٤٠١

شيء من الكلام ؛ فمن ذلك قوله تعالى في قصّة يوسف عليه‌السلام والناجي من صاحبيه في السجن عند رؤيا البقر السمان والعجاف : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) (١) ولو بسط الكلام فأورد محذوفه لقال أنا أنبئكم بتأويله ، فأرسلون ففعلوا ، فأتى يوسف فقال له : يا يوسف أيها الصديق أفتنا.

ومثله قوله في الأنعام ، (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٢) : أي ، وقيل لي : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

وكذلك قوله تعالى في قصّة سليمان عليه‌السلام : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) إلى قوله : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (٣) ، أي وقيل لهم : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً).

وقال جرير :

وردتم على قيس بخور مجاشع

فنؤتم على ساق بطيء جبورها (٤)

أراد : فنؤتم على ساق مكسورة بطيء جبورها ، كأنّه لمّا كان في قوله : «بطيء جبورها» دليل على الكسر اقتصر عليه.

وقال عنترة :

هل تبلغنّي دارها شدنيّة

لعنت بمحروم الشّراب مصرّم (٥)

يعني ناقته ؛ ومعنى «لعنت» دعاء عليها بانقطاع لبنها وجفاف ضرعها ، فصار

__________________

(١) سورة يوسف : الآيتان : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١٤.

(٣) سورة سبأ ، الآيتان : ١٢ ـ ١٣.

(٤) ديوانه : ٢٦٨. ومجاشع هو مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن عمرو بن تميم» وخور : جمع خوار ، والخور : الضعف ، وناقة خوارة ، والجمع أيضا خور.

(٥) من المعلقة ؛ ص ١٨٣ ـ بشرح التبريزي. والشدنية : ناقة نسبت إلى شدن ؛ موضع باليمن ، وقيل : هو فحل كان باليمن ، تنسب إليه الإبل : والمصرم : الذي أصاب أخلافه شيء فقطعه ؛ من صرار أو غيره.

٤٠٢

كذلك هذا كلّه ؛ والناقة إذا كانت لا تنتج كان أقوى لها على السير. قال : تأبط شرا ـ ويروى للشنفرى :

فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم

عليكم ، ولكن خامري أمّ عامر (١)

لأنّه أراد : فلا تدفنوني بل دعوني تأكلني التي يقال لها : خامري أم عامر ؛ وهي الضّبع.

وقال أوس بن حجر :

حتّى إذا الكلّاب قال لها

كاليوم مطلوبا ولا طلبا (٢)

أراد : «لم أر كاليوم» ، فحذف.

وقال أبو دؤاد الإياديّ :

إنّ من شيمتي لبذل تلادي

دون عرضي ، فإن رضيت فكوني

أراد : فكوني معي على ما أنت عليه ، وإن سخطت فبيني فحذف هذا كلّه.

وقال الآخر :

إذا قيل سيروا إنّ ليلى لعلّها

جرى دون ليلى مائل القرن أعضب

أراد لعلّها قريب ، وهذا يتّسع ؛ وهو أكثر من أن يحيط به قول. والحذف غير الاختصار. وقوم يظنّون أنّهما واحد ؛ وليس كذلك لأنّ الحذف يتعلّق بالألفاظ ؛ وهو أن تأتي بلفظ يقتضى غيره ويتعلّق به ، ولا يستقلّ بنفسه ؛ ويكون في الموجود دلالة على المحذوف ، فتقتصر عليه طلبا للاختصار ، والاختصار يرجع إلى المعاني وهو أن يأتي بلفظ مفيد لمعان كثيرة لو عبّر عنها بغيره لاحتيج إلى أكثر من ذلك اللفظ ، فلا حذف إلّا وهو اختصار ، وليس كلّ اختصار حذفا.

__________________

(١) شعر الشنفرى ١ / ٣٦ (ضمن الطرائف الأدبية عبد العزيز الميمني) ، وانظر تحقيق نسبة البيت هناك والرواية فيه : «أبشري أم عامر». وأورد بعده :

إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري

وغودر عند الملتقى ثمّ سائري

هنا لك لا أرجو حياة تسرّني

سجيس الليالي مبسلا بالجرائر

(٢) ديوانه : ٢.

٤٠٣

فمثال الحذف قوله : «ولكن خامري أمّ عامر» ونظائره ممّا أنشدناه ؛ لأنّ القول غير مستغن بنفسه ؛ بل يقتضى كلاما آخر غير أنّه لمّا كان فيه دلالة على ما حذف حسن استعماله.

ومثال الاختصار الذي ليس بحذف قول الشاعر :

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل (١)

أراد أنّهم أعزاء مقيمون بدار مملكتهم ، لا ينتجعون كالأعراب ، فاختصر هذا المبسوط كلّه في قوله : «حول قبر أبيهم».

ومثله قول عدّي بن زيد :

عالم بالذي يريد نقي الصّد

رعفّ على حثاه نحور (٢)

وفي معنى الاختصار قول أوس بن حجر :

وفتيان صدق لا تخمّ لحامهم

إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا

فقوله : «لا تخمّ لحامهم» لفظ مختصر ؛ ولو بسطه لقال : إنّهم لا يدّخرون اللحم ولا يستبقونه فيخمّ ، بل يطعمونه الأضياف والطّرّاق.

ومعنى قوله :

إذا شبّه النّجم الصّوار النّوافرا

يعنى في شدة البرد كلب الشتاء ؛ الثريا تطلع في هذا الزمان عشاء ، كأنها صوار متفرّق.

وهذا أيضا أكثر من أن يحصى ، وإنّما فضّل الكلام الفصيح بعضه على بعض ؛ لقوّة حظّه من إفادة المعاني الكثيرة بالألفاظ المختصرة.

__________________

(١) ديوانه : ٨٠ ؛ وهي مارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة.

(٢) اللسان (جثا). وفي حاشية بعض النسخ : «قله «جثاه» : تراب كان يجمع ويجعل عليه حجارة وينحر عليها الأصنام ؛ يريد أنه طائع متدين ؛ ويروي على جباه» ؛ وهي الحياض. والجابية : شيء مثل الحوض يجعل فيها الماء للإبل ؛ وجمعها الجوابي».

٤٠٤

فأما قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) فلا يليق إلّا بالمسميات دون الأسماء ؛ لأنّ هذه الكنايات لا تليق بالأسماء وإنّما تليق بالعقلاء من أصحاب الأسماء أو العقلاء إذا انضم إليهم غيرهم ممّا لا يعقل على سبيل التغليب لما يعقل ، كما يغلب المذكّر على المؤنّث إذا اجتمعوا في الكناية ، كما يقول القائل : أصحابك وامائك جاؤوني ، ولا يقال : جائني.

وممّا يشهد للتغليب قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) (١) (٢).

وقيل : إنّ في قراءة أبيّ : «ثمّ عرضها» وفي قراءة عبد الله بن مسعود : «ثمّ عرضهنّ» وعلى هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء.

أمّا قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) فعند أكثر أهل العلم وأصحاب التفسير أن الإشارة بهذه الأسماء إلى جميع الأجناس من العقلاء وغيرهم. وقال قوم : أراد أسماء الملائكة خاصّة. وقال آخرون : أراد أسماء ذرّيّته. والصواب القول الأوّل الّذي عليه إجماع أهل التفسير ، والظاهر يشهد به ؛ لقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٣).

وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم نجد أحدا ممن تكلم في تفسير القرآن ، ولا في متشابهه ومشكله تعرّض له ؛ وهو من مهمّ ما يسأل عنه ، وذلك أن يقال : من أين علمت الملائكة لما خبّرها آدم عليه‌السلام بتلك الأسماء صحّة قوله ، ومطابقة الأسماء للمسمّيات ؛ وهي لم تكن عالمة بذلك من قبل ؛ إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء ؛ ولم تعترف بفقد العلم ؛ والكلام يقتضيه ؛ لأنّهم لمّا أنبأهم آدم بالأسماء علموا صحّتها ومطابقتها للمسمّيات ؛ ولو لا ذلك لم يكن لقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معنى ، ولا كانوا مستفيدين بذلك نبوّته وتمييزه واختصاصه بما ليس لهم ؛ لأنّ كلّ ذلك إنّما يتمّ مع العلم دون غيره.

والجواب : أنّه غير ممتنع أن يكون الملائكة في الأوّل غير عارفين بتلك

__________________

(١) سورة نور ، الآية : ٤٥.

(٢) الرسائل ، ٣ : ١١٢.

(٣) الرسائل ، ٣ : ١١٢.

٤٠٥

الأسماء ؛ فلما أنبأهم آدم عليه‌السلام بها فعل الله لهم في الحال العلم الضروري بصحّتها ومطابقتها للمسمّيات ؛ إمّا عن طريق أو ابتداء بلا طريق ؛ فعلموا بذلك تميّزه واختصاصه ؛ وليس لأحد أن يقول : إنّ ذلك يؤدّي إلى أنّهم علموا نبوّته اضطرارا ؛ وفي هذا منافاة لطريق التكليف ؛ وذلك أنّه ليس في علمهم بصحّة ما أخبر به ضرورة ما يقتضى العلم بالنبوّة ضرورة ؛ بل بعده درجات ومراتب لا بدّ من الاستدلال عليها ؛ ويجري هذا مجرى أن يخبر أحدنا نبيّ بما فعل على سبيل التفصيل على وجه تخرق العادة ؛ وهو وإن كان عالما بصدق خبره ضرورة لا بدّ له من الاستدلال فيما بعد على نبوّته ، لأنّ علمه بصدق خبره ليس هو العلم بنبوّته ، لكنّه طريق يوصل إليها على ترتيب.

ووجه آخر : وهو أنّه لا يمتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة ، فكلّ قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيره ، إلّا أن يكون إحاطة عالم واحد لأسماء الأجناس في جميع لغاتهم خارقة للعادة ، فلمّا أراد تعالى التنبيه على نبوّة آدم علّمه جميع تلك الأسماء ، فلمّا أخبرهم بها علّم كل فريق مطابقة ما خبّر به من الأسماء للغته ، وهذا لا يحتاج فيه إلى الرجوع إلى غيره ، وعلم مطابقته ذلك لباقي اللغات يخبر كل قبيل ، ولا شكّ في أنّ كل قبيل إذا كانوا كثيرة ، وخبّروا بشيء يجرى هذا المجرى علم مخبرهم ، وإذا أخبر كلّ قبيل صاحبه علم من ذلك في لغة غيره ما علمه من لغته.

وهذا الجواب يقتضى أن يكون قوله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) أي ليخبرني كلّ قبيل منكم بجميع هذه الأسماء.

وهذان الجوابان جميعا مبنيّان على أنّ آدم عليه‌السلام مقدّم له العلم بنبوّته ، وأن إخباره بالأسماء كان افتتاح معجزاته ، لأنّه لو كان نبيّا قبل ذلك ، وكانوا قد علموا بقدم ظهور معجزات على يده لم يحتجّ إلى هذين الجوابين معا ، لأنّهم يعلمون إذا كان الحال هذه مطابقة الأسماء للمسمّيات بعد أن لم يعلموا ذلك بقوله الذي قد أمنوا به فيه غير الصدق ، وهذا بيّن لمن تأمّله (١).

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ٦٢ ، راجح أيضا الرسائل ، ٣ : ١١.

٤٠٦

ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤].

إعلم أنّه لا طريق من جهة العقل إلى القطع بفضل مكلّف على آخر ؛ لأنّ الفضل المراعى في هذا الباب هو زيادة استحقاق الثواب ، ولا سبيل إلى معرفة مقادير الثواب من ظواهر فعل الطاعات ؛ لأنّ الطاعتين قد تتساوى في ظاهر الأمر حالهما وإن زاد ثواب واحدة على الأخرى زيادة عظيمة.

وإذا لم يكن للعقل في ذلك مجال فالمرجع فيه إلى السمع ، فإن دلّ سمع مقطوع به من ذلك على شيء عوّل عليه ، وإلّا كان الواجب التوقّف عنه والشكّ فيه.

وليس في القرآن ولا في سمع مقطوع على صحّته ما يدلّ على فضل نبيّ على ملك ولا ملك على نبيّ ، وسنبّين أنّ آية واحدة ممّا يتعلّق به في تفضيل الأنبياء على الملائكة عليهم‌السلام يمكن أن يستدلّ بها على ضرب من الترتيب نذكره.

والمعتمد في القطع على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة إجماع الشيعة الإمامية [على ذلك] ؛ لأنّهم لا يختلفون في هذا ، بل يزيدون عليه ويذهبون إلى أنّ الأئمة عليهم‌السلام أفضل من الملائكة. وإجماعهم حجّة ؛ لأنّ المعصوم في جملتهم ، وقد بيّنا في مواضع من كتبنا كيفية الاستدلال بهذه الطريقة ورتّبناه وأجبنا عن كلّ سؤال يسأل عنه فيها ، وبيّنا كيف الطريق مع غيبة الإمام إلى العلم بمذاهبه وأقواله وشرحنا ذلك ، فلا معنى للتشاغل به هاهنا.

ويمكن أن يستدلّ على ذلك بأمره تعالى الملائكة بالسجود لأدم عليه‌السلام وأنّه يقتضي تعظيمه عليهم وتقديمه وإكرامه. وإذا كان المفضول لا يجوز تعظيمه وتقديمه على الفاضل علمنا أنّ آدم عليه‌السلام أفضل من الملائكة.

وكلّ من قال : ان آدم عليه‌السلام أفضل من الملائكة ذهب إلى أنّ جميع الانبياء أفضل من جميع الملائكة ، ولا أحد من الأمّة فرق بين الأمرين.

فإن قيل : من أين أنّه أمرهم بالسجود له على وجه التعظيم والتقديم؟

٤٠٧

قلنا : لا يخلو تعبّدهم له بالسجود من أن يكون على سبيل القبلة والجهة من غير أن يقترن به تعظيم وتقديم أو يكون على ما ذكرناه ، فإن كان الأوّل لم يجز أنفة إبليس من السجود وتكبّره عنه وقوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (١) وقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢).

والقرآن كلّه ناطق بأنّ امتناع إبليس من السجود إنّما هو لاعتقاده التفضيل به والتكرمة ، ولو لم يكن الأمر على هذا لوجب أن يرد الله تعالى عليه ويعلمه أنّه ما أمره بالسجود على جهة تعظيمه له عليه ولا تفضيله ، بل على الوجه الأخر الذي لا حظّ للتفضيل والتعظيم فيه وما جاز إغفال ذلك ، وهو سبب معصية إبليس وضلالته ، فلمّا لم يقع ذلك دلّ على أنّ الأمر بالسجود لم يكن إلّا على جهة التفضيل والتعظيم ، وكيف يقع شكّ في أنّ الأمر على ما ذكرناه وكلّ من أراد تعظيم آدم عليه‌السلام ووصفه بما يقتضي الفخر والشرف نعته باسجاد الملائكة ، وجعل ذلك من أعظم فضائله ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.

فأمّا اعتماد بعض أصحابنا في تفضيل الأنبياء على الملائكة على أنّ المشقّة في طاعات الأنبياء عليهم‌السلام أكثر وأوفر ، من حيث كانت لهم شهوات في القبائح ونفار عن فعل الواجبات. فليس بمعتمد ؛ لأنّا نقطع على أنّ مشاقّ الأنبياء أعظم من مشاقّ الملائكة في التكليف ، والشكّ في مثل ذلك واجب وليس كلّ شيء لم يظهر لنا ثبوته وجب القطع على انتفائه.

ونحن نعلم على الجملة أنّ الملائكة إذا كانوا مكلّفين فلا بدّ أن تكون عليهم مشاقّ في تكليفهم ، ولو لا ذلك ما استحقّوا ثوابا على طاعاتهم ، والتكليف إنّما يحسن في كلّ مكلّف تعريضا للثواب ، ولا يكون التكليف عليهم شاقّا إلّا ويكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ونفار عما أوجب عليهم.

وإذا كان الأمر على هذا فمن أين يعلم أنّ مشاق الأنبياء عليهم‌السلام أكثر من مشاقّ الملائكة؟ وإذا كانت المشقّة عامّة لتكليف الامة ، ولا طريق إلى القطع

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ٦٢.

(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٢.

٤٠٨

على زيادتها في تكليف بعض وتفضيلها على تكليف آخرين ، فالواجب التوقّف والشكّ.

ونحن نذكر شبه من فضّل الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام [ذيل كلّ آية ترتبط بها بعون الله تعالى] (١).

ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥].

أنظر طه : ١٢١ من التنزيه : ٢٤.

ـ (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦].

[إن سأل سائل] فقال : كيف خاطب آدم وحوّاء عليهما‌السلام بخطاب الجمع وهما اثنان؟ وكيف نسب بينهما العداوة؟ وأيّ عداوة كانت بينهما؟.

الجواب : قلنا قد ذكر في هذه الآية وجوه :

أولها : أن يكون الخطاب متوجّها إلى آدم وحواء وذرّيتهما ، لأنّ الوالدين يدلان على الذريّة وتتعلّق بهما ؛ ويقوّي ذلك قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم وإسماعيل : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا) (٢).

وثانيها : أن يكون الخطاب لآدم وحواء عليهما‌السلام ولإبليس اللعين ؛ وأن يكون الجميع مشتركين في الأمر بالهبوط ؛ وليس لأحد أن يستبعد هذا الجواب من حيث لم يتقدّم لإبليس ذكر في قوله تعالى : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٣) لأنّه وإن لم يخاطب بذلك فقد جرى ذكره في قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٤) فجائز أن يعود الخطاب على الجميع.

وثالثها : أن يكون الخطاب متوجّها إلى آدم وحواء والحيّة التي كانت معهما ، على ما روي عن كثير من المفسّرين ؛ ففي هذا الوجه بعد من قبل أنّ

__________________

(١) الرسائل ، ٢ : ١٥٥.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٢٨.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٣٥.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٣٦.

٤٠٩

خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن ؛ فلا بدّ من أن يكون قبيحا ؛ اللهم إلّا أن يقال : إنّه لم يكن هناك قول في الحقيقة ولا خطاب ؛ وإنّما كنّى تعالى عن إهباطه لهم بالقول ؛ كما يقول أحدنا : قلت : فلقيت الأمير ، وقلت : فضربت زيدا ، وإنّما يخبر عن الفعل دون القول ؛ وهذا خلاف الظاهر وإن كان مستعملا.

وفي هذا الوجه بعد من وجه آخر ؛ وهو أنّه لم يتقدّم للحيّة ذكر في نصّ القرآن ، والكناية عن غير مذكور لا تحسن إلّا بحيث لا يقع لبس ، ولا يسبق وهم إلى تعلّق الكناية بغير مكنّى عنه ؛ حتى يكون ذكره كترك ذكره في البيان عن المعنى المقصود ، مثل قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (١) ؛ و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٢) وقول الشاعر :

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما ؛ وضاق بها الصّدر (٣)

فأمّا بحيث لا يكون الحال على هذه فالكناية عن غير مذكور قبيحة.

ورابعها : أن يكون الخطاب يختصّ آدم وحواء عليهما‌السلام ، وخاطب الاثنين بالجمع على عادة العرب في ذلك ؛ لأنّ التثنية أوّل الجمع ؛ قال الله تعالى : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٤) ، أراد لحكم داود وسليمان عليهما‌السلام ؛ وكان بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتأول قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) (٥) على معنى فإن كان له أخوان ؛ قال الراعي :

أخليد إنّ أباك ضاف وساده

همّان باتا جنبة ودخيلا (٦)

طرقا فتلك هماهمي أقريهما

قلصا لواقح كالقسيّ وحولا

فعبّر بالهماهم وهي جمع عن الهمين ؛ وهما اثنان.

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٣٢.

(٢) سورة الرحمن ، الآية : ٢٦.

(٣) البيت لحاتم.

(٤) سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨.

(٥) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٦) جمهرة الأشعار : ٣٥٣. وفي حاشية بعض النسخ : «خليدة ابنته فرخم ، وضافه : نزل به. جنبه أي ناحية. ودخيلا : داخلا في الفؤاد. قال ابن الأعرابي : أراد : هما داخل القلب ، وآخر قريبا من ذلك ؛ كالضيف إذا حلّ بالقوم فأدخلوه فهو دخيل ؛ وإن كان بفنائهم فهو جنبة».

٤١٠

فإن قيل : فما معنى الهبوط الذي أمروا به؟ قلنا : أكثر المفسّرين على أنّ الهبوط هو النزول من السماء إلى الأرض وليس في ظاهر القرآن ما يوجب ذلك ؛ لأنّ الهبوط كما يكون النزول من علوّ إلى سفل فقد يراد به الحلول في المكان والنزول به ؛ قال الله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) (١) ، ويقول القائل من العرب : هبطنا بلد كذا وكذا ، يريد حللنا ، قال زهير :

ما زلت أزمقهم حتى إذا هبطت

أيدي المطيّ بهم من راكس فلقا (٢)

فقد يجوز على هذا أن يريد تعالى بالهبوط [الخروج من المكان وحلول غيره ؛ ويحتمل أيضا أن يريد بالهبوط] غير معنى المسافة ، بل الانحطاط من منزلة إلى دونها ، كما يقولون : قد هبط عن منزلته ، ونزل عن مكانه ؛ إذا كان على رتبة فانحطّ إلى دونها.

فإن قيل : فما معنى قوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ قلنا : أمّا عداوة إبليس لآدم وذرّيّته فمعروفة مشهورة ، وأمّا عداوة آدم عليه‌السلام والمؤمنين من ذرّيّته لإبليس فهي واجبة لما يجب على المؤمنين من معاداة الكفّار المارقين عن طاعة الله تعالى ، المستحقّين لمقته وعداوته ، وعداوة الحيّة على الوجه الذي تضمّن إدخالها في الخطاب لبني آدم معروفة ؛ ولذلك يحذّرهم منها ، ويجنّبهم ؛ فأمّا على الوجه الذي يتضمّن أنّ الخطاب اختصّ آدم وحوّاء دون غيرهما ؛ فيجب أن يحمل قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) على أنّ المراد به الذرّية ؛ كأنّه قال تعالى «اهبطوا» وقد علمت من حال ذرّيتكم أنّ بعضكم يعادى بعضا ، وعلّق الخطاب بهما للاختصاص بين الذرّية وبين أصلها.

فإن قيل : أليس ظاهر قوله تعالى : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) يقتضى الأمر بالمعاداة ، كما أنّه أمر بالهبوط ، وهذا يوجب أن يكون تعالى آمرا بالقبيح على

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٦١.

(٢) ديوانه : ٣٧. راكس : موضع ، والفلق : المكان المطمئن بين ربوتين ؛ وهو منصوب على أنه مفعول به ؛ قيل : الفلق : الصبح.

٤١١

وجه ؛ لأنّ معاداة إبليس لآدم عليه‌السلام قبيحة ، ومعاداة الكفّار من ذرّيّته للمؤمنين منهم كذلك؟.

قلنا : ليس يقتضي الظاهر ما ظننتموه ؛ وإنّما يقتضي أنّه أمرهم بالهبوط في حال عداوة بعضهم بعضا ؛ فالأمر مختصّ بالهبوط ، والعداوة تجري مجرى الحال ؛ وهذا له نظائر كثيرة في كلام العرب. ويجري مجرى هذه الآية في أنّ المراد بها الحال قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (١) ؛ وليس معنى ذلك أنّه أراد كفرهم كما أراد تعذيبهم وإزهاق نفوسهم ؛ بل أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم ، وكذلك القول في الأمر بالهبوط ، وهذا بيّن (٢).

ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ٣٧].

[ان سأل سائل عن تأويل هذه الآية]

[قلنا :] الجواب :

أمّا قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) فالتلقّي هاهنا هو القبول والتناول على سبيل الطاعة ، وليس كلّ ما سمعه واحد من غيره يكون له متلقّيا حتى يكون متقبّلا ، فيوصف بهذه السمة.

وأغنى قوله تعالى : (فَتَلَقَّى) عن أن يقول : فرغت إلى الله لهن أو سألته عقبهن (٣) ؛ لأنّ معنى التلقي يفيد ذلك وينبىء عمّا حذف من الكلام اختصارا ، ولهذا قال تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) ولا يتوب عليه إلّا بأن سأل ورغب ويفزع بتلك الكلمات.

وقد قرأ ابن كثير وأهل مكّة وابن عباس ومجاهد : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) بالنصب وبرفع «كلمات» وعلى هذه القراءة لا يكون معنى التلّقي القبول ، بل يكون المعنى أنّ الكلمات تداركته بالنجاة والرحمة.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٥٥.

(٢) الأمالي ، ٢ : ١٣٥.

(٣) كذا والظاهر : إلى الله بهن أو سأله عقبهن.

٤١٢

فأمّا الكلمات فقد قيل : إنّها (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١).

وقيل : بل هي «سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر».

وقيل : بل الكلمات انّ آدم عليه‌السلام قال : يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت قال الله تعالى : اذن أرجعك إلى الجنة.

وقيل ـ وهذه رواية تختص أهل البيت ـ : إنّ آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء معظّمة مكرّمة ، فسأل عنها؟ فقيل له هذه أسماء أجلّ الخلق منزلة عند الله تعالى ، وأمكنهم مكانة ذلك بأعظم الثناء والتفخيم والتعظيم ، أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فحينئذ سأل آدم عليه‌السلام ربّه تعالى وجعلهم الوسيلة في قبول توبته ورفع منزلته.

فإن قيل : على هذا الوجه الاخير كيف يطابق هذا الوجه قوله تعالى «فتلقى آدم من ربه كلمات» وما الذي تلقّاه؟ وكيف يسمّي من ذكرتهم كلمات؟ وهذه إنّما يتمّ في الوجوه الأوّل ؛ لأنّها متضمّنة ذكر كلمات وألفاظ على كلّ حال.

قلنا : قد يسمّي الكتابة كلمات على ضرب من التوسّع والتجوز ، وإذا كنّا قد ذكرنا أنّ آدم عليه‌السلام رأى كتابا يتضمّن أسماء قوم ، فجائز أن يقال : إنّها كلمات تلقاها ورغب إلى الله بها.

ويجوز أيضا أن يكون آدم لمّا رأى تلك الكتابة سأل عنها ، قال الله تعالى : هذه أسماء من أكرمته وعظمته. وأجللته ورفعت منزلته ، ومن لا أسأل به إلّا أعطيت وكانت هذه الكلمات التي تلقّاها وانتفع بها.

فأمّا التوبة من آدم عليه‌السلام وقبول الله تعالى توبته ، وهو على مذهبنا الصحيح لم يوقع ذنبا ولا قارف قبيحا ولا عصى بأن خالف واجبا ، بل بأن ترك مندوبا ، فقد بيّنا معناها مستقصى مستوفى في كتاب «تنزيه الانبياء والأئمة» عليهم‌السلام (٢) وأزلنا الشبهة المعترضة عن هذا المعنى ، فمن أراد ذلك أخذ من موضعه.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢٣.

(٢) سيأتي في سورة طه ، الآية : ١٢١.

٤١٣

ومن الله نستمد المعونة والتوفيق ، وإياه نستهدي سبيل الرشاد ، والحمد لله ربّ العالمين (١).

[انظر أيضا طه : ١٢١ من التنزيه : ٢٤].

ـ (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة : ٤١].

أنظر آل عمران : ٢١ من الأمالي ، ٢٣٣ : ١ والأعراف : ١٤٦ من الأمالي ٣٠٤ : ١ والاسراء : ٧٠ من الرسائل ١٦٤ : ٢.

ـ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٤٤].

أنظر البقرة : ٢٨٦ من الأمالي ، ١١٤ : ٢.

ـ (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة : ٤٩].

[فيها أمران :

الأوّل :] أيّ شيء في استحياء النساء من سوء العذاب؟ وإنّما العذاب في ذبح الأبناء!.

[قلنا] : أمّا قتل الذكور واستبقاء الإناث فهو ضرب من العذاب والإضرار ؛ لأنّ الرجال هم الذين يردعون النساء عما يهمهن به من الشرّ ، وهو واقع منهنّ في الأكثر من الرّدع ؛ فإذا انفردن وقع الشرّ ولا مانع ؛ وهذه مضرّة عظيمة.

ووجه آخر : وهو أنّ الراجع إلى قوله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) هو قتل الأبناء دون استبقاء النساء ؛ وإنّما ذكر استحياء النساء لشرح كيفية الحال ؛ لا لأنّ من جملة العذاب ذلك ؛ كما يقول أحدنا : فلان عذّبني بأن أدخلني داره وعليه ثياب فلانية ، وضربني بالمقارع وفلان حاضر ؛ وليس كلّ ما ذكره من جملة

__________________

(١) الرسائل ، ٣ : ١١٥.

٤١٤

العذاب ؛ وإنّما العذاب هو الضرر دون غيره ، وذكر الباقي على سبيل الشرح للحال.

ووجه آخر : وهو أنّه روي أنّهم كانوا يقتلون الأبناء ، ويدخلون أيديهم في فروج النساء لاستخراج الأجنّة من بطون الحوامل ؛ فقيل : يستحيون النساء ، اشتقاقا من لفظة الحياء وهو الفرج ؛ وهذا عذاب ومثلة ، وضرر شديد لا محالة (١).

[الثاني :] ما تنكرون أن يكون في هذه الآية دلالة على إضافة الأفعال التي تظهر من العباد إليه تعالى ، من وجهين :

أحدهما : أنّه قال تعالى بعد ما تقدّم ذكره من أفعالهم ومعاصيهم : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) فأضافها إلى نفسه.

والثاني : أضاف نجاتهم من آل فرعون إليه فقال : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ)، ومعلوم أنّهم هم الذين ساروا حتى نجوا ؛ فيجب أن يكون ذلك السير من فعله على الحقيقة حتّى تصحّ الإضافة.

الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ) فهو إشارة إلى ما تقدّم ذكره من إنجائه لهم من المكروه والعذاب : وقد قال قوم : إنّه معطوف على ما تقدّم من قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢). والبلاء هاهنا الإحسان والنعمة.

ولا شكّ في أنّ تخليصه لهم من ضروب المكاره التي عدّدها الله نعمة عليهم وإحسان إليهم ؛ والبلاء عند العرب قد يكون حسنا ، ويكون سيئا ، قال الله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) (٣) ؛ ويقول الناس في الرجل إذا أحسن القتال والثبات في الحرب : قد أبلى فلان ، ولفلان بلاء ؛ والبلوى أيضا قد يستعمل في الخير والشرّ ؛ إلّا أن أكثر ما يستعملون البلاء الممدود في

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ٣١٧ وراجع أيضا الرسائل ٣ : ١٠٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٤٧.

(٣) سورة الأنفال ، الآية : ١٧.

٤١٥

الجميل والخير ، والبلوى المقصور في السوء والشرّ ، وقال قوم : أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان ، ثمّ يستعمل في الخير والشرّ ؛ لأنّ الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشر جميعا ، كما قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) (١) ، يعنى اختبرناهم ، وكما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٢) ، فالخير يسمّى بلاء ، والشرّ يسمّى بلاء ؛ غير أنّ الأكثر في الشرّ أن يقال : بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير : أبليته أبليه إبلاء وبلاء ؛ وقال زهير في البلاء الذي هو الخير :

جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو (٣)

فجمع بين اللغتين ، لأنّه أراد : أنعم الله عليهما خير النعمة التي يختبر بها عباده. وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الأبناء وغيره إلى نفسه ، وهو قد ذمّهم عليه ، ووبّخهم! وكيف يكون ذلك من فعله ؛ وهو قد عدّ تخليصهم منه نعمة عليهم! وكان يجب على هذا أن يكون إنّما نجّاهم من فعله تعالى بفعله ، وهذا مستحيل لا يعقل ولا يحصل ؛ على أنّه يمكن أن ترد قوله : (ذلِكُمْ) إلى ما حكاه عن آل فرعون من الأفعال القبيحة ؛ ويكون المعنى : في تخليته بين هؤلاء وبينكم ، وتركه منعهم من إيقاع هذه الأفعال بكم بلاء من ربّكم عظيم ؛ أي محنة واختبار لكم.

والوجه الأوّل أقوى وأولى ، وعليه جماعة من المفسّرين.

وروى أبو بكر الهذليّ عن الحسن في قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)، قال : نعمة عظيمة ؛ إذا أنجاكم من ذلك ؛ وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس والسّديّ ومجاهد وغيرهم.

فأمّا إضافة النّجاة إليه وإن كانت واقعة بسيرهم وفعلهم ؛ فلو دلّ على ما ظنّوه لوجب إذا قلنا : إنّ الرسول أنقذنا من الشّكّ ، أخرجنا من الضلالة إلى الهدى ، ونجّانا من الكفر أن يكون فاعلا لأفعالنا.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٦٨.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٥.

(٣) ديوانه : ١٠٩ ؛ والرواية فيه : «رأي الله بالإحسان ..» ، وهي رواية الأصمعي.

٤١٦

وكذلك قد يقول أحدنا لغيره : أنا نجيتك من كذا وكذا ، واستنقذتك وخلّصتك ، ولا يريد أنّه فعل بنفسه فعله. والمعنى في ذلك ظاهر ؛ لأنّ ما وقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصحّ إضافته إليه فعلى هذا صحّت إضافة النجاة إليه تعالى.

ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها من حيث ثبّط عنهم الأعداء ، وشغلهم عن طلبهم ؛ وكلّ هذا يرجع إلى المعونة ؛ فتارة تكون بأمر يرجع إليهم ، وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.

فإن قيل : كيف يصحّ أن يقول : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولا نجا من شرّه؟.

قلنا : ذلك معروف مشهور في كلام العرب ؛ وله نظائر ؛ لأنّ العربيّ قد يقول مفتخرا على غيره : قتلناكم يوم عكاظ وهزمناكم ؛ وإنّما يريد أنّ قومي فعلوا ذلك بقومك. قال الأخطل يهجو جرير بن عطية :

ولقد سما لكم الهذيل فنالكم

بإراب حيث يقسّم الأنفالا (١)

في فيلق يدعو الأراقم لم تكن

فرسانه عزلا ولا أكفالا (٢)

ولم يلحق جرير الهذيل ؛ ولا أدرك اليوم الذي ذكره ؛ غير أنّه لمّا كان يوم من أيام قوم الأخطل على قوم جرير ، أضاف الخطاب إليه والى قومه ؛ فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنّما توجّه إلى أبناء من نجّى من آل فرعون وأحلافهم. والمعنى : وإذ نجّينا آباءكم وأسلافكم ؛ والنعمة على السلف نعمة على الخلف (٣).

__________________

(١) ديوانه ٤٨ وفي حاشية بعض النسخ : «الهذيل بن هبيرة التغلبي ، وكان غزا بني رباح يوم إراب ؛ وإراب اسم ماء».

(٢) الأراقم : قبائل معروفة ، والعزل : الضعفاء والأكفال : جمع كفل ، وهو الذي لا يثبت على ظهور الخيل ؛ ومثله قول الشاعر :

ما كنت تلقى في الحروب فوارسي

ميلا إذ ركبوا ولا أكفالا

(٣) الأمالي ، ٢ : ٩٤.

٤١٧

ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة : ٥٣].

[إن سأل سائل] فقال : كيف يكون ذلك ، والفرقان هو القرآن ، ولم يؤت موسى القرآن ، وإنّما اختصّ به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

الجواب : قلنا : قد ذكر في ذلك وجوه :

أوّلها : أن يكون الفرقان بمعنى الكتاب المتقدّم ذكره ؛ وهو التوراة ولا يكون اسما هاهنا للقرآن المنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويحسن نسقه على الكتاب لمخالفته للفظه ؛ كما قال تعالى : (الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (١) ، إن كانت الحكمة ممّا يتضمّنها الكتاب ، وكتب الله تعالى كلّها فرقان ، يفرق بين الحقّ والباطل ، والحلال والحرام.

ويستشهد على هذا الوجه بقول طرفة :

فما لي أراني وابن عمّي مالكا

متى أدن منه ينأ عنّي ويبعد (٢)

فنسق «يبعد» على «ينأ» وهو بعينه ، وحسّن ذلك اختلاف اللفظين. وقال عدي بن زيد :

وقدّمت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا (٣)

والمين الكذب.

وثانيها : أن يكون الكتاب عبارة عن التوراة ، والفرقان انفراق البحر الذي أوتيه موسى عليه‌السلام.

وثالثها : أن يراد بالفرقان الفرق بين الحلال والحرام ، والفرق بين موسى وأصحابه المؤمنين وبين فرعون وأصحابه الكافرين ؛ لأنّ الله تعالى قد فرّق بينهم في أمور كثيرة ؛ منها أنّه نجّى هؤلاء وأغرق أولئك.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥١.

(٢) من المعلقه ص ٨٦ ـ بشرح التبريزي.

(٣) حاشية بعض النسخ : «يعني الزباء وجذيمة ، والراهشان : عرقان في الذراعين ، والأديم : النطع ، وكانت قد وعدته بأن تتزوجه ، ثمّ غدرت به فقتلته على نطع ، وهو الأديم الذي ذكره».

٤١٨

ورابعها : أن يكون الفرقان المراد به القرآن المنزّل على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ويكون المعنى في ذلك : وآتينا موسى التوراة والتصديق والإيمان بالفرقان الذي هو القرآن ؛ لأنّ موسى عليه‌السلام كان مؤمنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به ، ومبشّرا ببعثته. وساغ حذف القبول والإيمان والتصديق وما جرى مجراه وإقامة الفرقان مقامه ؛ كما ساغ في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) ، وهو يريد أهل القرية.

وخامسها (٢) : أن يكون المراد الفرقان القرآن ، ويكون تقدير الكلام : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الذي هو التوراة ، «و» آتينا محمدا «الفرقان» فحذف ما حذف ممّا يقتضيه الكلام ؛ كما حذف الشاعر في قوله :

تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه كان له وفر (٣)

أراد : ويفقأ عينيه ؛ لأنّ الجدع لا يكون بالعين ؛ واكتفى ب «يجدع» عن «يفقأ».

وقال الشاعر :

تسمع للأحشاء منه لغّطا

ولليدين جسأة وبددا

أي وترى لليدين ؛ لأنّ الجسأة والبدد (٤) لا يسمعان وإنّما يريان.

وقال الآخر :

علفتها تبنا وماء باردا

حتّى شتت همّالة عيناها (٥)

أراد وسقيتها ماء باردا ، فدلّ علفت على سقيت.

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.

(٢) انظر أيضا المائدة : ٩٣ من الأمالي ، ٢ : ٣١٢.

(٣) البيت في (الحيوان ٤٠ / ٦) ونسبه إلى خالد بن الطيفان ؛ والرواية فيه :

تراه كأنّ ل لله يجدع أنفه

وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر

(٤) الجسأ : اليبس ، والبدد : تباعد ما بين اليدين أو الفخذين.

(٥) البيت من شواهد النحاة في باب المفعول معه على أنه إذا لم يمكن عطف الاسم الواقع بعد الواو على ما قبله تعين النصب على المعية ، أو على إضمار فعل يليق به. وهو في ابن عقيل ١ / ٥٢٤ ، غير منسوب.

٤١٩

وقال الآخر (١) :

يا ليت بعلك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا

أراد حاملا رمحا.

ووجدت أبا بكر بن الأنباريّ يقول : إن الاستشهاد بهذه الأبيات لا يجوز على هذا الوجه ؛ لأنّ الأبيات اكتفي فيها بذكر فعل عن ذكر فعل غيره ، والآية اكتفى فيها باسم دون اسم.

والأمر وإن كان على ما قاله في الاسم والفعل ؛ فإنّ موضع الاستشهاد صحيح ؛ لأنّ الاكتفاء في الأبيات بفعل عن فعل إنّما حسن من حيث دلّ الكلام على المحذوف والمضمر واقتضاه ، فحذف تعويلا على أنّ المراد مفهوم غير ملتبس ولا مشتبه.

وهذا المعنى قائم في الآية ، وإن كان المحذوف اسما ؛ لأنّ اللبس قد زال ، والشبهة قد أمنت في المراد بها فحسن الحذف ؛ لأنّ الفرقان إذا كان أسما للقرآن ؛ وكان من المعلوم أنّ القرآن إنّما أنزل على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون موسى عليه‌السلام استغنى عن أن يقال : وآتينا محمدا القرآن ؛ كما استغنى الشاعر أن يقول : ويفقأ عينيه ، وترى لليدين جسأة وبددا ، وما شاكل ذلك.

إلّا أنّه يمكن أن يقال فيما استشهد به في جميع الأبيات ممّا لا يمكن أن يقال مثله في الآية ؛ وهو أن يقال ؛ إنّه محذوف ، ولا تقدير لفعل مضمر ، بل الكلام في كلّ بيت منها محمول على المعنى ؛ ومعطوف عليه ؛ لأنّه لما قال :

تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وكان معنى الجدع هو الافساد للعضو والتشويه به عطف على المعنى ، فقال : «وعينيه» فكأنّه قال : كأنّ الله يجدع أنفه ، أي يفسده ويشوّهه ، ثمّ قال : «وعينيه». وكذلك لمّا كان السامع للغّط من الأحشاء عالما به عطف على المعنى

__________________

(١) هو عبد الله بن الزبعرى ، كما في حواشي ابن الفوطية على الكامل ١٨٩ ليبسك. وانظر حواشي شرح المزروقي للحماسة ١١٤٧.

٤٢٠