الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

أخبر به العادل عن حسّ قبل منه وعمل بمقتضاه ، فكذا إذا أخبر العادل ببعضه عن حسّ.

وتوضيحه ، بالمثال الخارجيّ ، أن نقول : إنّ خبر مائة عادل او ألف مخبر بشيء مع شدّة احتياطهم في مقام الاخبار يستلزم عادة لثبوت المخبر به في الخارج ،

______________________________________________________

أخبر به العادل عن حسّ ، قبل منه وعمل بمقتضاه) كما لو فرض أن الشيخ أخبر باجماع جميع علماء الاعصار والأمصار (فكذا اذا أخبر العادل ببعضه) كاتفاق المعروفين في زمان الشيخ ومن قبله (عن حسّ) وحصلنا الباقي من الأمارات والأقوال نحن بأنفسنا.

والحاصل : انه كما اذا أخبر العادل بشيء أوجب حكما ، كذلك اذا اخبر العادل ببعض شيء وحصلنا على بعضه الآخر ـ مما يوجب الحكم وجب ايضا ، فاذا فرض ان القسامة هي : خمسون قسما ، لاثبات الدم أو اسقاطه ، فاخبر عادل بثلاثين قسما منها والباقي من هذه القسامة حلفوا عندنا عشرين قسما آخر ، فان القسامة تثبت بذلك كما انها تثبت اذا اخبر العادل بخمسين قسما ، أو حلفوا عندنا خمسين قسما ، حيث الأدلة تشمل البعض ، كما تشمل الكل.

(وتوضيحه بالمثال الخارجيّ) غير الشرعي (أن نقول : انّ خبر مائه عادل ، أو ألف مخبر بشيء) وان لم يكن أولئك الألف عدولا ، يحصل منه التواتر المفيد للعلم (مع شدّة احتياطهم في مقام الاخبار) اذ المهم في الخبر هو صدق المخبر ووثاقته في خبره وان لم يكن عادلا ومحتاطا في سائر اموره ، فانه (يستلزم عادة لثبوت المخبر به في الخارج) حسب الحكم الشرعي في مائة عادل ، أو حسب بناء العقلاء في الف مخبر ـ مثلا ـ.

٨١

فاذا أخبرنا عادل بأنّه قد أخبر ألف عادل بموت زيد وحضور دفنه ، فيكون خبره باخبار الجماعة بموت زيد حجّة ، فيثبت به لازمه العاديّ ، وهو موت زيد ، وكذلك إذا أخبر العادل باخبار بعض هؤلاء وحصّلنا اخبار الباقي بالسماع منهم.

نعم ، لو كانت الفتاوى المنقولة إجمالا بلفظ الاجماع على تقدير ثبوتها لنا بالوجدان ممّا لا يكون بنفسها او بضميمة

______________________________________________________

(فاذا أخبرنا عادل) واحد ـ مثلا ـ أو أكثر (بأنّه قد أخبر ألف) مخبر أو مائة (عادل بموت زيد وحضور دفنه فيكون خبره) أي خبر هذا العادل (باخبار الجماعة بموت زيد ، حجّة) لنا ، لأنّه خبر عادل عن حسّ ، وقد عرفت : ان خبر العادل عن حسّ حجّة (فيثبت به) أي بهذا الخبر (لازمه العاديّ وهو : موت زيد) لأنّ الخبر : ملزوم ، وثبوت موت زيد : لازمه.

(وكذلك اذا أخبر العادل باخبار بعض هؤلاء) بأن قال ـ مثلا ـ أخبرني خمسمائة مخبر بموت زيد مما يحصل نصف التواتر ، أو قال : أخبرني خمسون عادلا بموت زيد (وحصّلنا اخبار الباقي بالسماع منهم) كأن سمعنا من خمسمائة آخرين حتى كمل التواتر ، أو سمعنا من خمسين عادلا آخر ، فخبر من أخبرنا نصف حجّة ، وقد حصلنا على النصف الآخر بأنفسنا ، فكملت الحجّة.

(نعم ، لو كانت الفتاوى المنقولة اجمالا بلفظ الاجماع) اذ الاجماع هو : عبارة عن الفتاوى مجملة ، بينما اذا طلعنا على أقوالهم ، تكون تلك الأقوال مفصلة بالنسبة الينا ، فانها (على تقدير ثبوتها) أي : ثبوت تلك الفتاوى (لنا بالوجدان) والقطع ، بأن اطلعنا على تلك الفتاوى بانفسنا (ممّا لا يكون بنفسها ، أو بضميمة

٨٢

أمارات أخر مستلزمة عادة للقطع بقول الامام عليه‌السلام ، وإن كانت قد تفيده ، لم يكن معنى لحجّيّة خبر الواحد في نقلها تعبّدا ، لأنّ معنى التعبّد بخبر الواحد في شيء ترتب لوازمه الثابتة له ولو بضميمة امور أخر. فلو أخبر العادل باخبار عشرين بموت زيد

______________________________________________________

أمارات أخر ، مستلزمة عادة للقطع بقول الامام عليه‌السلام) كما اذا اطّلعنا على خمسة من الأقوال ، وضمت اليه آية أو رواية أو أصل ، ولا دلالة في شيء منها ، فان المجموع لا يكون ملازما لقول الامام عليه‌السلام (وان كانت قد تفيده) من باب الاتفاق ، مثلا : اذا رأينا ـ ذات مرّة ـ انسان يهرب من أسد قطعنا من ذلك بأنّه جبان ، وكذا اذا رأينا شخصا ينفق ماله مرة أو مرتين ـ مثلا ـ قطعنا بأنّه كريم ، الى غير ذلك ، لكن الكلام ليس في الندرة الاتفاقية ، وانّما في اللازمة العادية.

وعلى هذا فانه (لم يكن معنى لحجّية خبر الواحد في نقلها) أي : نقل تلك الفتاوى (تعبدا) أي بدون دليل عقلائي ، فانّ الحجيّة انّما تكون بالدلالة العقلائية.

وذلك (لأنّ معنى التعبّد بخبر الواحد في شيء) كالتعبد بخبر الواحد في اتفاق العلماء على حكم ، والتعبد بخبر الواحد في اخبار جماعة بموت زيد ، كما اذا قال عمرو : انّ جماعة أخبروه بموت زيد ، أو زواج بكر ، أو ما أشبه.

فان معناه : (ترتب لوازمه) أي لوازم ذلك الشيء (الثابتة له) كصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام فانه من اللوازم الثابتة لاتفاق العلماء على حكم ، وكذا موت زيد ، وزواج بكر في الأمثلة المتقدمة (ولو) كان هذا الخبر (بضميمة امور أخر) من القرائن والامارات الخارجية.

ومثال ذلك ما ذكره بقوله : (فلو أخبر العادل : باخبار عشرين بموت زيد ،

٨٣

وفرضنا أنّ إخبارهم قد يوجب العلم وقد لا يوجب ، لم يكن خبره حجّة بالنسبة إلى موت زيد ، إذ لا يلزم من إخبار عشرين بموت زيد موته.

وبالجملة : فمعنى حجّية خبر العادل وجوب ترتب ما يدلّ عليه المخبر به مطابقة ، او تضمّنا ، او التزاما عقليّا او عاديّا او شرعيّا ، دون ما يقارنه أحيانا.

______________________________________________________

وفرضنا ان اخبارهم قد يوجب العلم ، وقد لا يوجب) لأنّ اخبار عشرين لم يحقّق التواتر ، ولم تكن القرائن المنضمة الى خبر العادل ، مما يوجب ثبوت موت زيد عرفا ف (لم يكن خبره) أي خبر العادل حينئذ (حجّة بالنسبة الى موت زيد) أو صدور الحكم من الامام عليه‌السلام او زواج بكر الى غير ذلك.

(اذ) المفروض انه (لا يلزم من اخبار عشرين بموت زيد) ثبوت (موته).

والحاصل : انّ اخبار العادل عن قول جماعة ، ان كان بنفسه حجّة أخذ به ، كما اذا أخبر عن قول كل علماء الأعصار والأمصار ، وان كان بضميمة القرائن حجة أخذ به ـ ايضا ـ كما اذا أخبر بالاجماع الى زمانه ، ثم حصلنا على بقية الأقوال الى زماننا ، وان لم يكن لا بنفسه ، ولا بضميمة القرائن ، حجة لم يؤخذ به.

(وبالجملة : فمعنى حجّية خبر العادل) هو : (وجوب ترتّب ما يدلّ عليه المخبر به مطابقة ، أو تضمّنا ، أو التزاما عقليّا ، أو عاديّا ، أو شرعيّا) ، فاذا أخبر ـ مثلا ـ : بان بكرا زوج هند دلّ بالمطابقة على زوجيته لهند ، وبالتضمّن على انّ هندا زوجته ، وبالالتزام العقلي على الحكم باستحقاق العقاب ، اذا لم يؤد اليها حقها ، وبالالتزام العادي على حصول الولد منها ، وبالالتزام الشرعي على محرميته مع امّها.

(دون ما يقارنه احيانا) كما في المثال السابق : من الاخبار : بان بكرا زوج هند

٨٤

ثمّ إنّ ما ذكرنا لا يختصّ بنقل الاجماع ، بل يجري في لفظ الاتفاق وشبهه ، بل يجري في نقل الشهرة ونقل الفتاوى عن أربابها تفصيلا.

ثم إنّه لو لم يحصل من مجموع ما ثبت بنقل العادل وما حصّله المنقول إليه بالوجدان من الأمارات والأقوال القطع بصدور الحكم الواقعيّ عن الامام عليه‌السلام ،

______________________________________________________

حيث يقارنه أحيانا أن تأتي ضيوف هند الى دار الزوج.

والفرق بين اللازم العادي والأحياني واضح ، فان العادي : ما جرت العادة بحصوله ، بينما الأحياني : هو الحصول الاتفاقي الذي لم تجر العادة به.

(ثم انّ ما ذكرنا) من انه قد يكون لنقل الاجماع ، بعض حجّة لا كل حجّة ، وانّما تكون الحجّة كاملة بانضمام سائر الفتاوى ، أو وجود سائر الأمارات المنضمة الى نقل ذلك الاجماع ، فانه (لا يختص بنقل الاجماع ، بل يجري في لفظ الاتفاق وشبهه) لأنّ الاتفاق وشبهه ـ أيضا ـ قد يكون بعض حجّة.

(بل يجري في نقل الشهرة ، ونقل الفتاوى عن أربابها تفصيلا) كما يفعله صاحب مفتاح الكرامة في كثير من المسائل حيث ينقل أقوال جماعة من العلماء فيها وينهيها أحيانا الى ما يقارب الثلاثين قولا ، فان ذلك يكون بعض حجّة فاذا ضممنا اليه سائر القرائن ، مما يفيد المجموع ، الحدس للملازمة العادية ، كفى في الاستناد.

(ثم انه لو لم يحصل من مجموع ما ثبت بنقل العادل) من الاجماع والاتفاق ، وأقوال العلماء ، وشبهها (وما حصّله المنقول اليه ، بالوجدان من الأمارات) من آية أو رواية أو سيرة أو اصل (و) من (الأقوال) التي وجدها هو بنفسه في كتب العلماء (القطع بصدور الحكم الواقعيّ عن الامام عليه‌السلام) لعدم بلوغ المنقول

٨٥

لكن حصل منه القطع بوجود دليل ظنّيّ معتبر بحيث لو نقل إلينا لاعتقدناه تامّا من جهة الدلالة وفقد المعارض ، كان هذا المقدار أيضا كافيا في اثبات المسألة الفقهية ، بل قد تكون نفس الفتاوى التي نقلها الناقل للاجماع إجمالا مستلزما لوجود دليل معتبر فيستقل الاجماع المنقول بالحجّية بعد اثبات حجّية

______________________________________________________

والمحصّل معا الى حدّ يلازم ملازمة عادية موافقة قول الامام عليه‌السلام ، (لكن حصل منه) أي : من ذلك المجموع المنقول ، والمحصل (القطع) والمراد به : القطع بالتعبّد لا القطع الوجداني بالحكم ، لأنّ القطع اذا حصل من شيء فهو حجّة ـ في غير القطع الموضوعي ، وعليه : فانه قد يقطع تعبدا (بوجود دليل ظنيّ معتبر ، بحيث لو نقل الينا ، لاعتقدناه تامّا من جهة) السند وجهة الصدور ، وجهة (الدلالة وفقد المعارض) اذ المنقول والمحصّل ، قد يسببان : القطع بقول الامام ، وقد يسببان : القطع التعبدي بوجود دليل معتبر في المسألة.

وكيف (كان) فان (هذا المقدار أيضا) يكون (كافيا في اثبات المسألة الفقهية) وذلك لانه لا يلزم للانسان ، أن يحصل له الظن التعبدي ، بقول الامام ، بل الظن التعبدي بوجود دليل معتبر في المسألة ، كاف في الاستناد.

(بل قد تكون نفس الفتاوى التي نقلها الناقل للاجماع) نقلا (اجمالا) أو نقلا تفصيلا ـ كما ذكرنا عن صاحب مفتاح الكرامة ـ (مستلزما لوجود دليل معتبر) بان كان ناقل الاجماع ـ مثلا ـ من العلماء المتقنين في النقل المطلعين على أقوال العلماء في الاعصار والأمصار ، بحيث يكون نقله الاجماع سببا لظننا بوجود دليل معتبر في المسألة ، وان لم نظن منه ظنا معتبرا بقول الامام عليه‌السلام.

(فيستقل) هذا (الاجماع المنقول) الذي ذكرناه (بالحجّية ، بعد إثبات حجّية

٨٦

خبر العادل في المحسوسات ، إلّا إذا منعنا ـ كما تقدّم سابقا ـ عن استلزام اتّفاق أرباب الفتاوى عادة لوجود دليل لو نقل إلينا لوجدناه تاما ، وإن كان قد يحصل العلم بذلك من ذلك ، إلّا أنّ ذلك شيء قد يتفق ولا يوجب ثبوت الملازمة العادية التي هي المناط في الانتقال من المخبر به إليه.

______________________________________________________

خبر العادل في المحسوسات) فيكون ناقل الاجماع حينئذ ناقلا للمحسوس ، الملازم عادة لموافقة الامام ، أو لوجود دليل معتبر ، ويكون كمن يخبر عن عدالة زيد ، أو شجاعته ، أو كرمه ، أو ما أشبه ـ مما تقدمت الاشارة اليه ـ.

(الّا اذا منعنا ـ كما تقدّم سابقا ـ عن استلزام اتّفاق أرباب الفتاوى) المعروفين (عادة ، لوجود دليل لو نقل إلينا لوجدناه تاما) ، كما اذا قلنا : بأنّ استناد الناقل الى الحسّ بالنسبة الى أرباب الفتاوى المعروفين ، في الكتب المصنّفة وغيرها ، انّما يفيد أقوال اولئك فقط ، ولا يستلزم عادة بنفسه موافقة الحكم الشرعي الصادر عن الامام أو الدليل المعتبر ، الذي اذا حصّلناه كان حجّة بالنسبة الينا (وان كان قد يحصل العلم بذلك) الدليل المعتبر ، أو قول الامام عليه‌السلام (من ذلك) أي من اتفاق المعروفين من أصحاب الفتاوى والكتب.

(الّا انّ ذلك شيء قد يتفق ، ولا يوجب) الاطلاع على تلك الفتاوى (ثبوت الملازمة العادية ، التي هي المناط في الانتقال من المخبر به) وهو اتفاق العلماء (اليه) أي : الى وجود دليل معتبر ، او موافقة قول الامام عليه‌السلام.

كما اذا حصّلنا أقوالهم ـ مثلا ـ بمراجعتنا كتب الشيخ الطوسي الى كتب الشيخ المرتضى ، فلم نحصل من ذلك على دليل معتبر في المسألة ولا على انّ هذه الفتاوى توافق قول الامام عليه‌السلام ، فحيث ان مراجعتنا الحسّية هذه لا تلازم ذلك الحدس ، وكذلك نقل الاجماع ، من ذلك الانسان المتقن للنقل لا يلازم ذلك

٨٧

ألا ترى أنّ إخبار عشرة بشيء قد يوجب العلم به ، لكن لا ملازمة عاديّة بينهما ، بخلاف إخبار ألف عادل محتاط في الاخبار.

وبالجملة : يوجد في الخبر مرتبة تستلزم عادة لتحقق المخبر به ، لكن ما يوجب العلم أحيانا قد لا يوجبه ، وفي الحقيقة ليس هو بنفسه الموجب في مقام حصول العلم وإلّا

______________________________________________________

الحدس ، الذي يكون حجّة شرعية ، بين الانسان وبين الله سبحانه وتعالى.

(ألا ترى انّ اخبار عشرة) أو نحوهم (بشيء قد يوجب العلم به) ولو علما عاديا ، وهو : الظن المعتبر (لكن لا ملازمة عادية بينهما) أي : بين اخبار العشرة والعلم بذلك الشيء ، الذي اخبروا به ، (بخلاف إخبار ألف عادل محتاط في الاخبار) فانه يلازم العلم بذلك الشيء الذي اخبروا به.

(وبالجملة : يوجد في الخبر مرتبة) من الاخبار ، كاخبار ألف في مثالنا (تستلزم) تلك المرتبة (عادة لتحقق المخبر به) عند الانسان ، الذي نقلت اليه تلك الاخبار.

(لكن ما يوجب العلم أحيانا) كاخبار العشرة في مثالنا ، وكاتفاق المعروفين بالنسبة الى نقل الاجماع (قد لا يوجبه) أي لا يوجب العلم ، اذ قد يكون هناك تلازم عادي بينهما ، وقد لا يكون وان كان كلاهما من باب الاخبار ، فان للاخبار مراتب.

(وفي الحقيقة ليس هو) أي : الاخبار كاخبار العشرة ، وكاتفاق المعروفين (بنفسه الموجب في مقام حصول العلم) أي : في المقام الذي يحصل لنا منه العلم انّما يحصل لنا بسبب القرائن ، كالتواتر ، والعدالة ، وغير ذلك ، وليس حصول العلم ـ أو الظن المعتبر ـ لنا ، من نفس الاخبار (والّا) بان كان العلم

٨٨

لم يتخلّف.

ثمّ إنّه قد نبّه على ما ذكرنا من فائدة نقل الاجماع بعض المحقّقين في كلام طويل له ، وما ذكرنا وإن كان محصّل كلامه على ما نظرنا فيه ، لكنّ الأولى نقل عبارته بعينها ، فلعلّ الناظر يحصّل منه غير ما حصّلنا ، فانّا قد مررنا على العبارة مرورا ، ولا يبعد أن يكون قد اختفى علينا بعض ما له دخل في مطلبه.

قال قدس‌سره ، في كشف القناع وفي رسالته التي صنّفها في المواسعة والمضايقة ما هذا لفظه : «وليعلم أنّ المحقّق في ذلك هو

______________________________________________________

يحصل لنا من نفس الاخبار ، لا بمعونة القرائن ، كان اللازم : ان العلم (لم يتخلّف) عن الاخبار أبدا ، ولزم حصول العلم لنا ـ أو الظن المعتبر ـ من مجرد الاخبار.

(ثم انّه قد نبّه على ما ذكرنا من فائدة نقل الاجماع) وهو : كونه بعض الحجّة ، فاذا حصلنا على الاقوال الأخر ، أو أمارات أخر كان المجموع حجّة (بعض المحقّقين) وهو الشيخ أسد الله التستري في كتاب له كتبه في الاجماع وذلك (في كلام طويل له ، وما ذكرنا وان كان محصّل كلامه على ما نظرنا فيه ، لكن الاولى نقل عبارته بعينها ، فلعل الناظر يحصّل منه غير ما حصّلنا ، فانّا قد مررنا على العبارة مرورا) ولم ندقق فيها تدقيقا ، حتى يكون كلامنا مطابقا لكلامه قطعا ، ولهذا ننقل نفس العبارة (ولا يبعد : أن يكون قد اختفى علينا بعض ما له دخل في مطلبه) وهذا نصه :

(قال قدس‌سره في) كتاب (كشف القناع ، وفي رسالته التي صنّفها في المواسعة والمضايقة) من جهة الصلاة ، وكأن كشف القناع وغيره ، نقل نفس العبارة (ما هذا لفظه : وليعلم انّ المحقّق في ذلك) أي في نقل الاجماع (هو :

٨٩

أنّ الاجماع الذي نقل بلفظه المستعمل في معناه المصطلح او بسائر الألفاظ على كثرتها ، إذا لم يكن مبتنيا على دخول المعصوم بعينه او ما في حكمه في المجمعين ، فهو إنّما يكون حجّة على غير الناقل باعتبار نقله السبب الكاشف عن قول المعصوم او عن الدّليل القاطع او مطلق الدليل المعتدّ به

______________________________________________________

انّ الاجماع الذي نقل بلفظه المستعمل في معناه المصطلح) بان قال : إجماع في المسألة ، أو أجمع العلماء ، أو أجمع الفقهاء أو ما أشبه (أو) نقل (بسائر الألفاظ على كثرتها) كما اذا قال : اتّفق العلماء ، أو اتّفق الفقهاء أو اتّفقوا على هذا الشيء أو فيه اتفاق ، أو نحو ذلك من العبارات الكثيرة.

فانه (اذا لم يكن مبتنيا على دخول المعصوم) عليه‌السلام (بعينه) كما في الاجماع الدخولي فانه متعذر عادة في زمن الغيبة (أو ما في حكمه) أي حكم دخول المعصوم (في المجمعين) بان سمع مدّعي الاجماع تقرير المعصوم للمجمعين ، أو رأى تقريره او حدس به من اللطف ، او المكاشفات الرياضية أو نحوها.

(فهو) أي الاجماع المذكور (انّما يكون حجّة على غير الناقل) وهو المنقول اليه ، من غير فرق بين ان يكون حجّة بالنسبة الى الناقل ، أو لم يكن حجّة بالنسبة اليه (باعتبار نقله) أي نقل الناقل (السّبب الكاشف عن قول المعصوم) عليه‌السلام ، فانّ نقل الاجماع سبب كاشف عن قول المعصوم فالناقل ينقل الكاشف.

(أو عن الدّليل القاطع) بأن يكون نقل الاجماع كاشفا عن وجود دليل قاطع في المسألة ، يوجب القطع.

(أو مطلق الدليل المعتد به) بأن يكون نقل الاجماع كاشفا عن دليل معتبر مطلقا سواء اورث القطع او الظنّ.

٩٠

وحصول الانكشاف للمنقول إليه والمتمسّك به بعد البناء على قبوله ، لا باعتبار ما انكشف منه لناقله بحسب ادّعائه.

فهنا مقامان : الأوّل حجّيته بالاعتبار الاوّل ، وهي مبتنية من جهتي الثبوت والاثبات على مقدّمات :

______________________________________________________

وعليه : فنقل الاجماع يكون على ثلاثة اقسام :

اولا : ان يكون كاشفا عن قول الامام عليه‌السلام.

ثانيا : ان يكون كاشفا عن دليل قطعي.

ثالثا : ان يكون كاشفا عن مطلق الدليل المعتد به ، سواء كان ذلك قطعيا أو ظنّيا ، بأن نعلم من نقل الاجماع ، أنّ في المسألة دليل معتبر ، أمّا هل أنه قطعي ، أو ظنّي ، فلا نعلم به؟.

هذا بالنسبة الى نقل الاجماع وكونه كاشفا (و) أمّا بالنسبة الى (حصول الانكشاف للمنقول اليه ، والتمسّك به) أي : بما انكشف له بسبب الاجماع (بعد البناء على قبوله) للسبب بان كان نقل السبب حجّة ، لأنه خبر عادل حسّي ، فانه (لا) يكون للمنقول اليه حجّة (باعتبار) نقل (ما) أي : قول الامام عليه‌السلام ، أو الدليل القطعي ، أو الدليل المعتبر الذي (انكشف منه) أي : من الاجماع (لناقله بحسب ادّعائه) فانّ اطلاع ناقل الاجماع على أقوال العلماء أوجب له العلم ، أما ان ذلك يوجب العلم للمنقول اليه ، فلا ملازمة.

(فهنا مقامان :) أي : انه من جهة نقل السبب : قطعي لأنه حسّي ، وأما من جهة نقل المسبّب : فليس بقطعي ، وان فرض انّ الناقل حصل له القطع من تتبع الفقهاء.

(الأول : حجّيته) أي الاجماع (بالاعتبار الأوّل) أي : نقل السبب (وهي :) أي الحجيّة المذكورة (مبتنية من جهتي الثبوت والاثبات على مقدّمات).

٩١

الأولى : دلالة اللفظ على السبب ، وهذه لا بدّ من اعتبارها ، وهي محققة ظاهرا في الألفاظ المتداولة بينهم ما لم يصرف عنها صارف ،

______________________________________________________

اما جهة الثبوت فهي عبارة عن دلالة قوله : في المسألة إجماع ، على اتفاق العلماء.

واما جهة الاثبات ، فهي عبارة عن : ان هذا الاجماع يثبت قول المعصوم عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر.

لكن لا يخفى : انّ الثبوت والاثبات في الاصطلاح ، غير ما ذكره هنا ، فانه يقال ـ مثلا ـ : في عالم الثبوت والواقع ، يمكن اجتماع الأمر والنهي وفي عالم الاثبات :

هل الدليل دلّ على جمع الشارع بينهما في الصلاة في الدار المغصوبة ام لا؟ أمّا أن يراد بالثبوت : دلالة اللّفظ على المعنى ، وبالاثبات : اثبات اللّفظ لقول الامام عليه‌السلام ، أو دليل معتبر ـ مثلا ـ فهو اصطلاح له ، ولا مشاحة فيه.

اما الجهة (الأولى :) فهي ثبوت (دلالة اللّفظ على السبب) أي : سببيّة الاجماع للكشف عن قول المعصوم ، أو عن دليل معتبر (وهذه) الدلالة (لا بد من اعتبارها) فانّه لو لا هذه الدلالة ، لم يكن وجه للحجّية ـ كما هو واضح ـ.

(وهي :) أي : هذه الدلالة (محققة) أي : ثابتة (ظاهرا في الالفاظ المتداولة بينهم) في مقام حكاية الاجماع ، كقولهم : في هذه المسألة اجماع أو أجمع العلماء أو اتفقوا أو هذا هو مذهب أهل البيت ، أو ما أشبه ذلك (ما لم يصرف عنها صارف) بأن كان اللّفظ دالا على الاجماع لكن كان في المقام صارف يدلّ على ارادة مدّعي الاجماع : الشهرة ، أو تدوين الرواية ، أو ما أشبه ذلك ، كما اذا قال : ـ أجمع العلماء الّا قليلا منهم أو نحو هذا اللفظ ، مما يدل على انّه يريد بالاجماع الشهرة.

٩٢

وقد يشتبه الحال إذا كان النقل بلفظ الاجماع في مقام الاستدلال ، لكن من المعلوم أنّ مبناه ومبنى غيره ليس على

______________________________________________________

(وقد يشتبه الحال) في عبارة مدّعي الاجماع ، ولم يعلم انه هل يريد اجماع الفقهاء أو يريد الشهرة؟ فيما (اذا كان النقل بلفظ الاجماع) ، ووجه الاشتباه انّه اذا نقل الناقل ، الاجماع على الحكم بصورة مطلقة ، وقال : مطهرية ماء البئر اجماعية ، فانّه يدلّ على اتفاق الكل ، وأما اذا كان في مقام الاستدلال لما ذهب اليه كما اذا قال ـ في انفعال الماء القليل بملاقات النجاسة وعدمه ـ :

الظاهر : انه ينجس للاجماع ، فانّ اجماعه هذا لا يدل على اتفاق الكل ، لاحتمال انّه أراد : الشهرة ، وانّما لا يكون دالا على اتفاق الكل ، لأنّ الانسان في مقام الاستدلال ، يتمسك بكل شيء يراه كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام ، أو عن دليل معتبر ، ولعل الشهرة عنده كاشفة فأراد بالاجماع : المعنى المجازي له لا الاتفاق الحقيقي.

وعليه : فاذا كان النقل بلفظ الاجماع (في مقام الاستدلال) لا مطلقا فلا يكون اجماعه كاشفا عن انّه يريد به : اتفاق الكل.

أقول : لكن هذا التعليل المذكور ، للفرق بين : الاجماع المطلق ، والاجماع في مقام الاستدلال ، غير ظاهر الوجه عندي ، وان ذكره بعض لوضوح : انّ الاجماع هو إجماع ، سواء كان في مقام الاستدلال ، أو كان مطلقا فانّ المتبع هو الظهور ، والظهور فيهما واحد.

(لكن من المعلوم : ان مبناه ومبنى غيره) أي مبنى كشف الاجماع عن قول الامام عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر للتلازم العادي بين الكاشف والمنكشف على الحدس ، ومبنى غيره : من اسباب حجّية الاجماع ، كاللطف ، ونحوه (ليس على

٩٣

الكشف الذي يدّعيه جهّال الصوفيّة ، ولا على الوجه الأخير الذي إن وجد في الأحكام ففي غاية الندرة ،

______________________________________________________

الكشف الذي يدّعيه جهّال الصوفية) والاضافة هنا بيانية ، أي : الصوفية الجهال ، فانّ الصوفية يقولون بان هناك مراتب للانسان :

الاولى : انّ الانسان يكشف الواقع بالدليل.

الثانية : أن يكشفه بالرؤية ، من دون احتياج الى الدليل ، كما نكشف المرئيات بالرؤية ، فلا حاجة الى الاستدلال ، والفرق بين المحسوسات والمعنويات ، انّ الاولى كشفها بالحس الظاهري ، والثانية كشفها بالعقل ، وقد اشير الى ذلك في بيت معروف بالفارسية يقول :

«پاى استدلاليان چوبين بود

پاى چوبين سخت بى تمكين بود».

الثالثة : ان يكشفه بالاتحاد وجودا أو موجودا مع المبدا الأعلى ، فيكون الكاشف والمنكشف شيئا واحدا وجودا عند من يقول منهم : بوحدة الوجود وتعدد الموجود ، أو موجودا عند من يقول منهم : بوحدة الوجود والموجود ، وانه لا موجود الّا هو ـ بنظرهم ـ تعالى الله عن ذلك ، وقد دلّت الأدلة العقلية والسمعية على بطلان ما يذكرون من المراتب ، مما لسنا بصدد ذكرها (١).

وقد اشار المصنّف الى ذلك ، ليعلم ان الكشف الذي يقول به الفقهاء ، ليس على نحو هذا الكشف ، وانّما هو : المفهوم منه في الفقه والاصول.

(ولا على الوجه الأخير) وهو : مشافهة الامام عليه‌السلام دخولا أو التشرف بخدمته مما قد يتفق للنادر جدا ، كما ينقل عن المقدس الأردبيلي ، والسيّد بحر العلوم ويسمّى بالاجماع التشرفي (الذي ان وجد في الأحكام ، ففي غاية الندرة) ، فانّ

__________________

(١) ـ راجع كتاب شرح منظومة السبزواري للشارح.

٩٤

مع أنه على تقدير بناء الناقل عليه وثبوته واقعا كاف في الحجّية.

فاذا انتفى الأمران تعيّن سائر الأسباب المقرّرة ، وأظهرها غالبا عند الاطلاق حصول الاطّلاع بطريق القطع

______________________________________________________

من شافه الامام عليه‌السلام في زمان الغيبة الكبرى انّما يؤثر عنهم : انهم قد سألوه عليه‌السلام عن بعض الامور.

هذا (مع انه على تقدير بناء الناقل ، عليه) أي على التشرف بان يدعي الاجماع ويريد : تشرفه بخدمته عليه‌السلام (وثبوته واقعا) بأن تحقق التشرف في زمان الغيبة ـ كما ينقل عن المقدس الاردبيلي ـ وحيث انه لا يريد أن يقول : تشرفت بحضوره عليه‌السلام ـ لما ورد من تكذيب مدّعي الرؤية ـ فيظهره بلفظ ـ الاجماع ، حتى يجمع بين الأمرين : بيان الحكم واخفاء التشرف.

وهذا (كاف في الحجيّة) لأنّه نقل لقول المعصوم عليه‌السلام عن حسّ وانّما الكلام في كلا الأمرين : ثبوت التشرف واقعا ، وبناء الناقل على ذكر التشرف بلفظ الاجماع.

(فاذا انتفى الأمران :) من الكشف لقوله عليه‌السلام عن طريق الدخول وما في حكمه ، ومن التشرف بحضوره ومشافهته عليه‌السلام (تعيّن سائر الأسباب المقرّرة) لكشف قول المعصوم مثل : استكشاف قوله عليه‌السلام من اتفاق الكل بقاعدة اللّطف ، او بالحدس الضروري ، أو بالحدس الاتفاقي ، مما قد تقدّم : بانه قد ينضم اليه بعض الأمارات ونحوها ، فتيقن الناقل : انّ قول الامام عليه‌السلام مطابق لما يذكره.

(وأظهرها) أي : أظهر تلك الأسباب (غالبا عند الاطلاق) للاجماع ، وعدم وجود القرينة الصارفة (حصول الاطّلاع) على قول الامام عليه‌السلام أو الطريق المعتبر (بطريق القطع) كما اذا تتبع جميع الأقوال لعلماء الأعصار والأمصار ، ورأى الكل

٩٥

او الظنّ المعتدّ به على اتّفاق الكلّ في نفس الحكم.

ولذا صرّح جماعة منهم باتحاد معنى الاجماع عند الفريقين وجعلوه مقابلا للشهرة ، وربما بالغوا في أمرها بأنّها كادت تكون إجماعا ونحو ذلك ،

______________________________________________________

مجمعين على رأي (أو الظنّ المعتدّ به) أي : الظن المتاخم للعلم ، كما اذا أخبره العادل : باتفاق الكل عن تتبع مما يكون قول العادل مفيدا للظن المعتبر بالنسبة الى المنقول اليه ، فيكون كما اذا تتبع هو بنفسه ، حيث يحصل له الظنّ المعتبر (على اتفاق الكلّ) أي جميع علماء الأعصار والأمصار (في نفس الحكم) لا اتفاق البعض ، وانّما كشف الناقل عن البعض الآخر على سبيل الظن أو نحوه.

(ولذا) أي لأجل انّ اللّفظ الاجماعي والاتفاق ونحوهما ظاهر في اتفاق جميع العلماء على الحكم المدعى عليه الاجماع (صرّح جماعة منهم) أي العلماء (باتحاد معنى الاجماع عند الفريقين) : العامة والخاصة ، فكلاهما يرى الاجماع بمعنى اتفاق الجميع لكن اتفاق جميع المسلمين عند العامة ، واتفاق جميع المؤمنين عند الخاصة (وجعلوه) أي الاجماع (مقابلا للشهرة) فانّ الشهرة أقل مرتبة من الاجماع.

كما انهم فرّقوا بين : الأشهر والمشهور ، فان المشهور أقوى من الأشهر ، لأنّ الأشهر في قباله شهرة ، بخلاف المشهور ، فليس في قباله شهرة.

(وربما بالغوا في أمرها) أي الشهرة (بأنّها كادت تكون إجماعا ، ونحو ذلك) بأن يقال : المشهور كذا ، بل قيل انه اجماعي ، أو المشهور كذا ويحتمل أن يكون اجماعيا الى غير ذلك ، مما يدل على انّ للاجماع عند الخاصة مرتبة أعلى من الشهرة.

٩٦

وربما قالوا : إن كان هذا مذهب فلان فالمسألة إجماعية ، وإذا لوحظت القرائن الخارجيّة من جهة العبارة والمسألة والنّقلة واختلف الحال في ذلك ،

______________________________________________________

(وربما قالوا : ان كان هذا مذهب فلان ، فالمسألة إجماعية) فان هذا دليل على انّ الكل يقولون بالمسألة الّا فلان ، فانه من المحتمل أن يقول أو ان لا يقول ، حتى انه اذا كان مذهبه أيضا مثل غيره ، كان الانصراف اجماعيا ، وهذا كله دليل على ان الاجماع عند الخاصة عبارة عن : اتفاق جميع العلماء.

(واذا لوحظت القرائن الخارجيّة من جهة العبارة) كما في قولهم : في المسألة اتفاق علماء العصر ، أو اتفاق علماء الأعصار والأمصار ، أو اتفاق أرباب الكتب المعروفة ، أو اتفاق أصحاب الكتب ، ونحو ذلك.

(والمسألة) حيث انّ بعض المسائل معنونة في كلمات العلماء ، وبعض المسائل ليست معنونة ، فاذا كانت المسألة معنونة وادعى عليها الاجماع ، كان أقرب الى الواقع.

(والنقلة) فان من النقلة من يكون كثير الاحاطة ، فاذا ادعى الاجماع ، كان قوله أقرب الى الواقع ، ومنهم من يكون قليل الاحاطة فلا اعتبار بنقله الاجماع.

(واختلف الحال في ذلك) كما اذا شككنا : بأنّ المسألة معنونة أم لا ، أو انّ مراده بعلماء الأعصار : كل الأعصار أو بعض الأعصار ، أو انّ الناقل : قليل الاطلاع او كثير الاطلاع ، أو ان هذا الكتاب ـ مثلا ـ الّفه عند كثرة اطلاعه ، أو قلّة اطلاعه ، فانّ الكتب تختلف ـ بحسب ذلك ـ فطهارة الشيخ المرتضى ـ مثلا ـ كتبت في أوائل أيامه ، كما يقولون ، بينما الرسائل والمكاسب كتبتا في أواخر أيامه.

٩٧

فيؤخذ بما هو المتيقن او الظاهر ، وكيف كان ، فحيث دلّ اللفظ ولو بمعونة القرائن على تحقق الاتّفاق المعتبر كان معتبرا ، وإلّا فلا.

______________________________________________________

(فيؤخذ بما هو المتيقن) من جهة : العبارة ، والمسألة ، والنقلة ، فاذا شككنا :

بأنّ مدعي الاجماع فيما يدّعيه من اتفاق أرباب الكتب ، هل يريد : الكتب الحاضرة عنده ، أو اتفاق أصحاب الكتب المعروفين ، أو اتفاق الكتب التي كتبت في عصره ، أو مطلق الكتب؟ أخذنا بالمتيقن وهو : الاقل ، (أو) اخذنا ب (الظاهر) فيما اذا كان له ظهور في بعض تلك التي ذكرناها ، فاذا كان هناك ظاهر أخذنا به ، واذا لم يكن هناك ظاهر ، بان كان اللّفظ مجملا ، أخذنا بالمتيقن.

(وكيف كان) الأمر ، أي : سواء كان اجماع مدعي الاجماع ظاهرا في نقل السبب ، أو في نقل المسبب أو في نقل كليهما بنفسه ، مثل قوله : أجمع العلماء كافة ، أو أجمع علماء الشيعة ، أو ما أشبه ذلك (فحيث دلّ اللفظ ولو بمعونة القرائن) الخارجية الدالة (على تحقق الاتفاق المعتبر) وهو : اتفاق جميع العلماء؟.

وعليه : فاذا افاد اللفظ بنفسه ، أو بانضمام سائر القرائن والأمارات موافقة الامام عليه‌السلام أو وجود الدليل المعتبر ـ على ما ذكرناه : من أنّ الاجماع ، قد يكون هو الكاشف بوحده ، وقد يكون بضميمة فحصنا لأقوال العلماء بعد مدعي الاجماع ، وقد يكون بضميمة امارة خارجية (كان) هذا الاجماع المدعى (معتبرا) ومعتمدا من فهم الأحكام (وإلّا ، فلا) يمكن الاعتماد عليه.

نعم ، مثل هذه الاجماعات ، يمكن أن تكون مؤيدة.

هذا تمام الكلام في المقدمة الاولى ، وهي : كون أقوال العلماء سببا كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام ، أو عن دليل معتبر.

واما المقدمة الثانية فهي : انه اذا نقل هذا السبب مدعي الاجماع ، فهل يمكن

٩٨

الثانية : حجّية نقل السبب المذكور وجواز التعويل عليه ، وذلك لأنّه ليس إلّا كنقل فتاوى العلماء وأقوالهم وعباراتهم الدالّة عليها لمقلّديهم وغيرهم ، ورواية ما عدا قول المعصوم ونحوه

______________________________________________________

الاعتماد عليه أم لا؟.

ثم بعد ذلك ، يأتي دور المقدمة الثالثة وهي : انه لو فرض تمامية هذين المقدمتين من كون قول العلماء كاشفا ، وقول مدعي الاجماع الحاكي لأقوالهم يمكن الاعتماد عليه ، فهل يمكن كشف قول المعصوم عليه‌السلام من الاجماع المدعى ام لا؟ اذ لعله لا يمكن كشف قول المعصوم من الاجماع المدعى ، بأن لا يكون الاجماع المدعى حجّة على قول المعصوم ليمكن الأخذ به ، وذلك فيما اذا كان الشارع لم يجعله حجّة على قول المعصوم ، كما لو لم يجعل الشاهد على الشاهد حجّة فرضا ، أو لم يجعل كتاب القاضي الى القاضي حجّة الى غير ذلك.

وقد ألمع المحقّق التستري رحمه‌الله الى المقدمة الثانية بقوله :

(الثانية : حجّيّة نقل السبب المذكور ، وجواز التعويل عليه و) انّما يجوز (ذلك) لأمور : نذكرها (لأنّه) أي : نقل السبب المذكور (ليس الّا كنقل فتاوى العلماء وأقوالهم وعباراتهم الدالّة عليها) أي : على فتاواهم (لمقلّديهم وغيرهم).

فكما انّ ناقل الفتوى للمقلدين يقول : أفتى المجتهد بكذا ، ويكون ذلك حجّة بالنسبة الى مقلديه ، كذلك اذا قال العالم : قام الاجماع على كذا ، يكون قوله حجّة على الفقهاء ، الذين يريدون كشف قول المعصوم عليه‌السلام.

(و) على هذا ، يكون نقل الاجماع مثل (رواية ما عدا قول المعصوم عليه‌السلام ونحوه) فان الراوي ، قد يروي قول المعصوم ويقول : قال الصادق عليه‌السلام ـ مثلا ـ :

٩٩

من سائر ما تضمنه الأخبار كالأسئلة التي تعرف منها أجوبته ، والأقوال والأفعال التي يعرف منها تقريره ، ونحوهما ممّا تعلّق بها ، وما نقل من سائر الرواة المذكورين في الأسانيد

______________________________________________________

«لا يصلح التمر اليابس بالرطب» (١) ، وقد يروي قول المعصوم وقول غير المعصوم ـ مثلا ـ ويقول : سأل زرارة الصادق عليه‌السلام ، هل يجوز بيع الرطب بالتمر؟ فقال الصادق عليه‌السلام : لا ، فان هذا الراوي نقل قول زرارة ، وقول زرارة ليس برواية ، ومع ذلك ، فانّه يكون حجّة في انّ زرارة سأل الامام عليه‌السلام عن ذلك.

ثم اوضح «ما عدا» بقوله : (من سائر ما تضمنه الأخبار ، كالأسئلة التي تعرف منها) أي من تلك الأسئلة (أجوبته) عليه‌السلام (والأقوال والأفعال التي يعرف منها) أي : من تلك الأقوال والأفعال (تقريره) عليه‌السلام ، فان قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة ، فكما انه اذا نقل قوله كان حجّة بالنسبة الى السامع ، كذلك اذا نقل فعله أو تقريرة ، وقال ـ مثلا ـ : انّ فلانا فعل بحضرة الامام عليه‌السلام كذا ، فسكت الامام عليه من غير تقية ، ولا ضرورة ، ولا ما أشبه ، كان ذلك حجّة أيضا.

وعليه : فكما انّ رواية هذه الأمور حجّة بالنسبة الى السّامع ، كذلك قول مدعي الاجماع يكون حجّة بالنسبة اليه ، مثل نقل الأسئلة والأقوال والأفعال المذكورة (ونحوها ممّا تعلّق بها) أي بالاخبار كنقل قول ابن عباس ـ مثلا ـ في التفسير أو ما أشبه ، مما يستكشف منه : انّه حيث كان من تلاميذ الامام أمير المؤمنين ، فقوله مأخوذ منه عليه‌السلام.

(و) مثل : (ما نقل من سائر الرواة المذكورين في الأسانيد) كقول شيخ الطائفة ـ مثلا ـ : زرارة ثقة ، ومحمد بن مسلم عين ، أو ما أشبه ، فانه يؤخذ بقوله ، كذلك

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ١٤٩ ب ١٤ ح ٢٣٣٥٤.

١٠٠