الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-06-6
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

١
٢

٣

٤

الوصائل

الى

الرسائل

تتمّة المقصد الثاني

«تتمّة دليل الانسداد»

٥
٦

وملخّص هذا الأمر الثالث أنّ كلّ ظنّ تولّد منه الظنّ بالحكم الفرعيّ الكلّي فهو حجّة من هذه الجهة ، سواء كان الحكم الفرعيّ واقعيّا أو كان ظاهريّا ، كالظنّ بحجّية الاستصحاب تعبّدا أو بحجّية الأمارة الغير المفيدة للظنّ الفعليّ بالحكم ، وسواء تعلّق الظنّ أوّلا بالمطالب العمليّة أو غيرها أو بالأمور الخارجيّة من غير استثناء في سبب هذا الظنّ.

______________________________________________________

(وملخّص هذا الأمر الثالث) من تنبيهات الانسداد (: انّ كل ظنّ تولّد منه الظنّ بالحكم الفرعي الكلّي ، فهو) أي : الظّن الوالد ، (حجّة من هذه الجهة) أي : من جهة ولده ، وهو الظّن بالحكم الفرعي الكلّي (سواء كان) ذلك (الحكم الفرعي واقعيّا أو كان ظاهريّا) فانّه لا فرق بين الظّنّ بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، وبين الظّنّ بأن هذا الحكم حكم ظاهري في حال الجهل.

(كالظّنّ بحجّيّة الاستصحاب تعبّدا) فإنّ الاستصحاب ليس كاشفا عن الواقع ، بل هو حكم الانسان الجاهل بالحكم الواقعي.

(أو بحجّية الأمارة غير المفيدة للظّنّ الفعلي بالحكم) فاذا ظنّ بحجّية تلك الأمارة كفى في الأخذ بمؤدّاها وإن لم يظنّ فعلا بالحكم فإنّ الحكم المتولّد من الاستصحاب ، بناء على اعتباره من باب التعبّد حكم ظاهري ، وكذا الحال في الحكم المتولّد من الأمارة التي ذكرها المصنّف بقوله : «أو بحجّية الأمارة ...».

(وسواء تعلّق الظّن أولا بالمطالب العمليّة) كالظّن بالفروع (أو غيرها) كالظّن بظواهر الألفاظ ومراداتها (أو بالامور الخارجية) كالظّن بعدالة الرّاوي (من غير استثناء في سبب هذا الظّن) فأنّه بناء على حجّية الظّن ، لا فرق في الحجّية بين الأسباب ، والموارد ، والأشخاص ، والمراتب.

٧

ووجهه واضح ، فإنّ مقتضى النتيجة هو لزوم الامتثال الظنّي وترجيح الراجح على المرجوح في العمل ، حتّى أنّه لو قلنا بخصوصيّة في بعض الأمارات بناء على عدم التعميم في نتيجة دليل الانسداد ، لم يكن فرق بين ما تعلّق تلك الأمارة بنفس الحكم أو بما يتولّد منه الظنّ بالحكم.

ولا إشكال في ذلك أصلا إلّا أن يغفل غافل عن مقتضى دليل الانسداد ، فيدّعي الاختصاص بالبعض دون البعض من حيث لا يشعر.

وربّما تخيّل بعض أنّ العمل بالظنون المطلقة في الرجال غير مختصّ بمن

______________________________________________________

(ووجهه) أي : وجه هذا الملخّص (واضح ، فانّ مقتضى النتيجة) للانسداد (هو : لزوم الامتثال الظّنّي ، وترجيح الرّاجح على المرجوح في العمل) إطلاقا (حتى أنّه لو قلنا بخصوصيّة في بعض الأمارات ، بناء على عدم التّعميم في نتيجة دليل الانسداد) قلنا ـ مثلا ـ انّ خبر الواحد حجّة وليست الشهرة بحجّة وإن أوجبت الشهرة الظّن.

وعليه : فانّه (لم يكن فرق بين ما تعلّق تلك الأمارة) التي رأينا حجيّتها كالخبر الواحد في المثال (بنفس الحكم ، أو بما يتولّد منه الظّن بالحكم) وما يتولد عبارة عن : ظهور لفظ ، أو مراد ، أو أمر رجالي ، أو جهة صدور من تقيّة ، أو غيرها.

(ولا إشكال في ذلك أصلا ، إلّا أن يغفل غافل عن مقتضى دليل الانسداد ، فيدّعي الاختصاص) لحجّية الظّن الانسدادي (بالبعض دون البعض) وإن كان الجميع متساويا في الوصول الى الحكم ، فان هذا التخصيص غفلة (من حيث لا يشعر) صاحبها.

(وربّما تخيّل بعض : انّ العمل بالظّنون المطلقة في الرجال غير مختصّ بمن

٨

يعمل بمطلق الظنّ في الأحكام ، بل المقتصر على الظنون الخاصّة في الأحكام أيضا عامل بالظنّ المطلق في الرجال.

وفيه : نظر يظهر للمتتبّع لعمل العلماء في الرجال ، فانّه يحصل القطع بعدم بنائهم فيها على العمل بكلّ أمارة.

نعم ، لو كان الخبر المظنون الصدور مطلقا أو بالظنّ الاطمئنانيّ من الظنون الخاصّة

______________________________________________________

يعمل بمطلق الظّن في الأحكام) فإنّه إذا لم يكن انسداد في الأحكام ، فالانسداد في الرّجال متحقّق فيعمل بالظّن المطلق في الرّجال (بل المقتصر على الظّنون الخاصّة في الأحكام أيضا) حيث انّه لا يرى الانسداد فيها (عامل بالظّن المطلق في الرّجال).

والحاصل : إنّ الانسداد موجود في الرّجال على أي حال ، سواء قلنا بالانسداد في الأحكام أو لم نقل بالانسداد فيها.

(وفيه : نظر يظهر للمتتبّع لعمل العلماء في الرّجال ، فانّه يحصل القطع بعدم بنائهم فيها) أي : في الرّجال (على العمل بكل أمارة) ووجه الظهور : إنّ اختلافهم في اعتبار التعدد في المزكّى ، أو عدم الاعتبار ، شاهد على عدم اتفاقهم على العمل بالظّن المطلق في الرّجال ، فانّهم لو كانوا عملوا بالظّن المطلق ، كان الظّن معيارهم ، لا تعدد المزكّي أو وحدته.

(نعم ، لو كان الخبر المظنون الصّدور مطلقا) بأيّ ظنّ كان (أو بالظنّ الاطمئناني) فقط (من الظّنون الخاصة) وقوله : «من الظّنون» ، خبر لقوله «لو كان».

٩

لقيام الأخبار أو الاجماع عليه ، لزم القائل به العمل بمطلق الظنّ أو الاطمئناني منه في الرجال ، كالقائل بالظنّ المطلق في الأحكام.

ثمّ إنّه قد ظهر مما ذكرنا أنّ الظنّ في المسائل الاصوليّة العمليّة حجّة بالنسبة الى ما يتولّد منه من الظنّ بالحكم الفرعي الواقعيّ أو الظاهريّ.

وربّما منع منه غير واحد

______________________________________________________

وإنّما يكون من الظّنون الخاصة (لقيام الأخبار أو الاجماع عليه) فمظنون الصدور يكون من الظّنون الخاصة ، في (لزم القائل به ، العمل بمطلق الظّن ، أو الاطمئناني منه في الرّجال كالقائل بالظّن المطلق في الأحكام).

والحاصل : إنّه لو قلنا انّ الخبر المظنون الصدور حجّة ، كفى الظّن في باب الرّجال ، لأنّه إذا ظنّنا إنّ زرارة ـ مثلا ـ عادل ، فقد ظننّا بصدور خبره عن الامام عليه‌السلام ، فقول المصنّف : «نعم» استثناء عن الاشكال الّذي ذكره بقوله : «فيه نظر» ، وحاصل الاشكال : تمامية قول المتخيّل الذي قال بكفاية الظّن في باب الرّجال ، ولو لم يكن انسداد في باب الأحكام.

(ثمّ انّه قد ظهر ممّا ذكرنا :) من أنّ الظّن مطلقا حجّة ، سواء بالنسبة إلى الأحكام والموضوعات ، أو الرجال وغير ذلك (أن الظّن في المسائل الاصولية العمليّة) مثل الظّن بالاستصحاب ، أو البراءة ، أو الاحتياط ، أو غير ذلك (حجّة بالنسبة الى ما يتولّد منه من الظّن بالحكم الفرعي الواقعي ، أو الظّاهري) لما تقدّم :

من انّ كلّ ظنّ يكون في طريق الحكم ، سواء كان الحكم واقعيا أو ظاهريا ، يكون ذلك الظّن الّذي هو في الطريق حجّة.

(وربّما منع منه) أي : من كون الظّنّ في المسائل الاصولية حجّة (غير واحد

١٠

من مشايخنا رضوان الله عليهم. وما استندوا إليه أو يصحّ الاستناد للمنع أمران : أحدهما : أصالة الحرمة وعدم شمول دليل الانسداد ، لأنّ دليل الانسداد ، إمّا أن يجري في خصوص المسائل الاصوليّة كما يجري في خصوص الفروع ، وإمّا أن يقرّر دليل الانسداد ، بالنسبة إلى جميع الأحكام الشّرعية ، فيثبت حجّية الظنّ في الجميع ويندرج فيها المسائل الاصوليّة ، وإمّا أن يجري في خصوص المسائل الفرعيّة ، فيثبت به اعتبار الظنّ في خصوص الفروع ، ولكنّ الظنّ بالمسألة الاصوليّة يستلزم الظنّ بالمسألة الفرعيّة الّتي يبتني عليها.

______________________________________________________

من مشايخنا رضوان الله عليهم ، وما استندوا اليه ، أو يصحّ الاستناد للمنع) عنه (أمران) كما قال : (أحدهما : أصالة الحرمة وعدم شمول دليل الانسداد) للمسائل الاصولية (لأنّ دليل الانسداد ، إمّا أن يجري في خصوص المسائل الاصولية ، كما يجري في خصوص الفروع) أي : كما أنّ في الفروع دليل الانسداد جار ، كذلك في المسائل الاصولية (وإمّا أن يقرّر دليل الانسداد بالنّسبة إلى جميع الأحكام الشّرعيّة) وما يرتبط بالأحكام الشرعيّة ، وما يكون في طريقها (فيثبت حجّية الظّنّ في الجميع ، ويندرج فيها) أي : في جميع الأحكام الشرعيّة (المسائل الاصولية) أيضا (وأمّا أن يجري في خصوص المسائل الفرعيّة فيثبت به) أي : بدليل الانسداد (اعتبار الظّن في خصوص الفروع).

والحاصل : إنّ مقدّمات الانسداد ، إمّا أن تجري في الفروع فقط ، أو في الاصول فقط ، أو في كليهما.

هذا (ولكن الظّن بالمسألة الاصوليّة يستلزم الظّن بالمسألة الفرعيّة التي يبتني عليها) فانّه إذا جرى الانسداد في خصوص الفروع فقط ، فالمسائل الاصولية

١١

وهذه الوجوه بين ما لا يصحّ وبين ما لا يجدي.

أمّا الأوّل : فهو غير صحيح ، لأنّ المسائل الاصوليّة الّتي ينسدّ فيها باب العلم ليست في أنفسها من الكثرة بحيث يستلزم من إجراء الاصول فيها محذور كأن يلزم من إجراء الاصول في المسائل الفرعيّة التي انسدّ فيها باب العلم ،

______________________________________________________

أيضا يجري فيها الانسداد لابتناء الفروع على هذه الاصول.

والحاصل : إنّ جريان الانسداد في المسائل الاصوليّة على أحد أوجه ثلاثة :

الأوّل : إنّ الانسداد جار في الاصول فقط.

الثاني : إنّه جار في كلّ من الاصول والفروع معا.

الثالث : إنّه جار في الفروع فقط.

فعلى الأولين : يجري الانسداد في الاصول رأسا ، وعلى الثالث : حيث انّ المسائل الاصولية في طريق الفروع والانسداد في الفروع حجّة ، فالانسداد في الاصول أيضا حجّة.

(و) لكن كلّ (هذه الوجوه) الثلاثة (بين ما لا يصح ، وبين ما لا يجدي) ولا ينفع في إفادة حجّية الظّن في المسائل الاصولية.

(امّا الأوّل :) وهو ما ذكرناه بقولنا : إمّا أن يجري في خصوص المسائل الاصولية (فهو غير صحيح ، لأنّ المسائل الاصولية الّتي ينسدّ فيها باب العلم ، ليست في أنفسها من الكثرة بحيث يستلزم من إجراء الاصول فيها) أي : في هذه المسائل الاصولية (محذور) من الخروج عن الدّين ، ونحو ذلك (كأن يلزم من إجراء الاصول في المسائل الفرعية الّتي انسدّ فيها باب العلم) فلا تجري مقدمات الانسداد في المسائل الاصولية.

١٢

لأنّ ما كان من المسائل الاصوليّة يبحث فيها عن كون شيء حجّة ، كمسألة حجّية الشهرة ونقل الاجماع وأخبار الآحاد ، أو عن كونه مرجّحا ، فقد انفتح فيها باب العلم وعلم الحجّة منها من غير الحجّة والمرجّح منها من غيره بإثبات حجّية الظنّ في المسائل الفرعيّة ، إذ بإثبات ذلك المطلب حصل الدلالة العقليّة على أنّ ما كان من الأمارات داخلة في نتيجة دليل الانسداد فهو حجّة.

______________________________________________________

وإنّما لا يلزم محذور (لأنّ ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها عن كون شيء حجّة ، كمسألة حجّية الشّهرة ، ونقل الاجماع ، وأخبار الآحاد ، أو عن كونه) أي : كون شيء (مرجّحا) كموافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، وما أشبه ذلك (فقد انفتح فيها) أي : في هذه المسائل الاصولية (باب العلم ، وعلم الحجّة منها من غير الحجّة و) علم (المرجّح منها من غيره) أي : من غير المرجّح.

وإنّما انفتح فيها باب العلم (ب) سبب (إثبات حجّية الظّن في المسائل الفرعيّة) فإن الظّن لما كان ثابت الحجّية في المسائل الفرعية ، علمنا من ذلك : انّ كل شيء وصل إلى المسألة الفرعيّة فهو حجّة ، سواء كان ذلك الشيء الشهرة ، أو الاجماع المنقول ، أو الخبر ، أو غيرها؟.

وسواء كان ذلك الشيء معينا للحكم ، أو مرجّحا لدليل على دليل ، فيما إذا دار الأمر بين دليلين لم نعلم بحجّية أحدهما أوّلا وبالذات ، وإنّما علمنا بالترجيح لموافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، أو بما أشبه ذلك.

(إذ بإثبات ذلك المطلب) أي : حجّية الظّن في المسائل الفرعية (حصل الدلالة العقليّة على أنّ ما كان من الأمارات داخلة في نتيجة دليل الانسداد ، فهو حجّة) والدلالة العقليّة عبارة عن : التلازم بين حجّية الظّن في الفروع ، وحجّية

١٣

وقس على ذلك معرفة المرجّح ، فانّا قد علمنا بدليل الانسداد أنّ كلّا من المتعارضين إذا اعتضد بما يوجب قوّته على غيره من جهة من الجهات فهو راجح على صاحبه مقدّم عليه في العمل.

وما كان منها يبحث فيها من الموضوعات الاستنباطيّة ، وهي ألفاظ الكتاب والسنّة ، من حيث استنباط الأحكام عنها ، كمسائل الأمر والنهي وأخواتهما ، من المطلق والمقيّد والعامّ والخاصّ والمجمل والمبيّن ، إلى غير ذلك ، فقد علم حجّيّة الظنّ فيها من حيث استلزام الظنّ بها الظنّ بالحكم الفرعيّ الواقعيّ.

______________________________________________________

ما يستلزم هذا الظّن أيضا.

(وقس على ذلك) أي : التلازم بين حجيّة الظّن في الفرع ، وحجّية الظّنّ في المسألة الاصولية (معرفة المرجّح ، فإنّا قد علمنا بدليل الانسداد : انّ كلا من المتعارضين إذا اعتضد بما يوجب قوّته على غيره من جهة من الجهات) كموافقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، وموافقة المشهور ، إلى غير ذلك (فهو) أي : المعتضد ـ بصيغة المفعول ـ (راجح على صاحبه مقدّم عليه في العمل) قطعا.

(وما كان منها) أي : من المسائل الاصولية ـ قوله : «وما كان» عطف على قوله قبل أسطر : «لأن ما كان من المسائل الاصولية ...» ـ (يبحث فيها من الموضوعات الاستنباطية ، وهي : الفاظ الكتاب والسّنة من حيث استنباط الأحكام عنها) لا من حيث جهات النحو ، والصرف ، والبلاغة ، وشبهها ، بل (كمسائل الأمر ، والنّهي ، وأخواتهما : من المطلق والمقيّد والعام والخاص ، والمجمل والمبيّن ، الى غير ذلك ، فقد علم حجّية الظّنّ فيها من حيث استلزام الظّنّ بها) أي : بهذه المسائل المرتبطة بالفاظ الكتاب والسنّة (الظنّ بالحكم الفرعي الواقعي)

١٤

لما عرفت من أنّ مقتضى دليل الانسداد في الفروع حجّية الظنّ الحاصل بها من الأمارة ابتداء ، والظنّ المتولّد من أمارة موجودة في مسألة لفظيّة.

ويلحق بهما بعض المسائل العقليّة ، مثل وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ

______________________________________________________

لأن ألفاظ الكتاب والسنّة وما أشبه كلها في صدد بيان حكم الواقع.

والحاصل : إنّا نحتاج هنا إلى أمرين :

الأوّل : ان نتكلم حول أنّ ظاهر الكتاب حجّة أم لا ، والخبر حجّة أم لا؟ الى غير ذلك.

وأشار إليه المصنّف بقوله : «لأن ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها ...».

الثاني : ان نتكلم حول انّ الأمر ظاهر في الوجوب أم لا ، والمطلق يحمل على المقيد أم لا؟ إلى غير ذلك ، وأشار اليه المصنّف بقوله : «وما كان منها يبحث فيها ...».

ثمّ إنّ المصنّف انّما قال : حيث استلزم الظّن بها ، الظّن بالحكم الفرعي الواقعي (لما عرفت : من أنّ مقتضى دليل الانسداد في الفروع : حجّية الظّنّ الحاصل بها) أي : بتلك الفروع (من الأمارة ابتداء) بأن ظنّ بأنّ الدعاء عند رؤية الهلال ـ مثلا ـ واجب (والظّن المتولّد من أمارة موجودة في مسألة لفظية) مثل : أن يظنّ بأنّ الأمر ظاهر في الوجوب.

(ويلحق بهما) الضمير عائد إلى ما ذكره المصنّف بقوله : «لأنّ ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها ...» وقول : «وما كان منها يبحث فيها من الموضوعات الاستنباطية ...» وهما ما ذكرناهما بقولنا الأوّل والثاني فيلحقهما (بعض المسائل العقليّة مثل : وجوب المقدّمة) للواجب.

(وحرمة الضّد) للواجب.

١٥

وامتناع اجتماع الأمر والنهي ، والأمر مع العلم بانتفاء شرطه ونحو ذلك ممّا يستلزم الظنّ به الظنّ بالحكم الفرعيّ ، فانّه يكتفي في حجّية الظنّ فيها بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع ولا يحتاج إلى إجرائه في الاصول.

وبالجملة : فبعض المسائل الاصوليّة صارت معلومة بدليل الانسداد وبعضها صارت حجّية الظنّ فيها معلومة بدليل الانسداد في الفروع والباقي منها الذي

______________________________________________________

(وامتناع اجتماع الأمر والنّهي) أو عدم امتناع اجتماعهما.

(والأمر مع العلم بانتفاء شرطه) بأنّه هل يجوز أن يأمر به الآمر أو لا يجوز أن يأمر به مع علمه بانتفاء الشرط؟.

(ونحو ذلك ممّا يستلزم الظّنّ به) أي : بهذه المسائل الاصولية العقليّة (الظّنّ بالحكم الفرعي) لما عرفت : من أنّ كل شيء وقع في طريق الظّنّ بالحكم الفرعي يكون الظّن فيها حجّة من باب الانسداد (فإنّه يكتفي في حجّية الظّن فيها) أي :

في هذه المسائل العقليّة (بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع ولا يحتاج إلى إجرائه في الأصول) أي : في المسائل الاصولية.

(وبالجملة : فبعض المسائل الاصوليّة صارت معلومة بدليل الانسداد) وهذه المسائل هي ما أشار إليها المصنّف بقوله : «لأن ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها عن كون شيء حجّة ، كمسألة حجّية الشهرة ، ونقل الاجماع ...».

(وبعضها) أي : وبعض المسائل الاصولية الأخر : (صارت حجّية الظّنّ فيها معلومة بدليل الانسداد في الفروع) وهي ما أشار اليه المصنّف بقوله : «وما كان منها يبحث فيها من الموضوعات الاستنباطية وهي ألفاظ الكتاب والسنّة ...».

(والباقي منها :) أي : من المسائل الاصولية الّتي لم تصر معلومة ، و (الّذي

١٦

يحتاج في إثبات حجّية الظنّ فيها إلى إجراء دليل الانسداد في خصوص الاصول ليس في الكثرة بحيث يلزم من العمل بالأصول وطرح الظنّ الموجود فيها محذور. وإن كانت في أنفسها كثيرة ، مثل المسائل الباحثة عن حجّية بعض الأمارات ، كخبر الواحد ونقل الاجماع لا بشرط الظنّ الشخصيّ ،

______________________________________________________

يحتاج في إثبات حجّية الظّنّ فيها) أي : في هذه المسائل (إلى إجراء دليل الانسداد في خصوص الاصول ، ليس في الكثرة بحيث يلزم من العمل بالاصول) كالبراءة ، والاستصحاب ، والتخيير ، وما أشبه (وطرح الظّن الموجود فيها) أي :

في هذه المسائل (محذور) وذلك لما عرفت : من قلّة الفروع المترتبة عليها بالنسبة إلى سائر الفروع ، فلا يلزم من إجراء الاصول في هذه المسائل الاصولية غير الكثيرة محذور الخروج عن الدّين ، ونحو ذلك (وإن كانت في أنفسها كثيرة ، مثل المسائل الباحثة عن حجّية بعض الأمارات : كخبر الواحد ، ونقل الاجماع) أي : الاجماع المنقول (لا بشرط الظّن الشخصي).

وإنّما ذكر هذا القيد ، لإخراج قول من يقول : بأنّ الخبر الواحد إنّما يكون حجّة بشرط ظنّ الشخص بصدق الخبر ، وكذلك بالنسبة إلى الاجماع المنقول : بأنّه انّما يكون حجّة بشرط الظّن الشخصي بصدق الاجماع ، وانّما قيّدها بهذا القيد لئلا يلزم التناقض بين قوله سابقا : «لأنّ ما كان من المسائل الاصولية يبحث فيها عن كون شيء حجّة ، كمسألة حجّية الشهرة ، ونقل الاجماع ، وأخبار الآحاد» ، وبين قوله هنا : «مثل المسائل الباحثة عن حجية بعض الامارات ، كخبر الواحد ونقل الاجماع» ، اذ يمكن أن يستشكل على المصنّف : بأنّه كيف ذكرتم خبر الواحد ، والاجماع المنقول ، في مكانين؟.

١٧

وكالمسائل الباحثة عن شروط أخبار الآحاد على مذهب من يراها ظنونا خاصّة ، والباحثة عن بعض المرجّحات التعبّديّة ، ونحو ذلك ، فانّ هذه المسائل لا تصير معلومة بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع.

لكن هذه المسائل بل وأضعافها ليست في الكثرة بحيث لو رجع مع حصول الظنّ بأحد طرفي المسألة إلى الاصول وطرح ذلك الظنّ لزم محذور كان يلزم في الفروع.

وأمّا الثاني ـ وهو إجراء دليل الانسداد في مطلق الأحكام الشرعيّة ،

______________________________________________________

(وكالمسائل الباحثة عن شروط اخبار الآحاد على مذهب من يراها ظنونا خاصّة) لا أنّها حجّة من باب الانسداد ، كاشتراط أن يكون المخبر عادلا ، وضابطا ، وما أشبه ذلك (والباحثة عن بعض المرجّحات التّعبّدية) مثل : مطابقة الكتاب ، ومخالفة العامّة ، وإلى غير ذلك ممّا هي في قبال المرجّحات العقلائية ، مثل الأفقهية. ونحو ذلك ممّا يجريها العقلاء في أوامر مواليهم.

(ونحو ذلك) من المسائل الاصوليّة (فانّ هذه المسائل لا تصير معلومة بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع) بل اللازم : إمّا إجراء دليل الانسداد في هذه المسائل الاصولية ، أو القول : بأن دليل الانسداد عام يجري في الاصول والفروع معا.

(لكن هذه المسائل ، بل وأضعافها ، ليست في الكثرة بحيث لو رجع مع حصول الظّنّ بأحد طرفي المسألة الى الاصول) العملية (وطرح ذلك الظّن) الّذي حصل بأحد طرفي المسألة (لزم محذور كان يلزم في الفروع) إذا رجع فيها إلى الاصول العمليّة : من لزوم الخروج عن الدّين وما أشبه ذلك ممّا تقدّم.

(وأمّا الثاني : وهو إجراء دليل الانسداد في مطلق الأحكام الشّرعية ،

١٨

فرعيّة كانت أو أصليّة ـ فهو غير مجد ، لأنّ النتيجة وهو العمل بالظنّ لا يثبت عمومه من حيث موارد الظنّ إلّا بالاجماع المركّب أو الترجيح بلا مرجّح ، بأن يقال : إنّ العمل بالظنّ في الطهارات دون الديات ، مثلا ، ترجيح بلا مرجّح ومخالف للإجماع.

وهذان الوجهان مفقودان في التعميم والتسوية بين المسائل الفرعيّة والمسائل الاصوليّة.

أمّا فقد الاجماع فواضح ، لأنّ المشهور ، كما قيل ، على عدم اعتبار الظنّ

______________________________________________________

فرعيّة كانت أو أصليّة) والمسائل الاصولية إنّما تسمّى بالأحكام الشرعيّة ، لأولها إليها (فهو غير مجد ، لأنّ النتيجة : وهو العمل بالظّن لا يثبت عمومه من حيث موارد الظّن إلّا بالاجماع المركّب ، أو التّرجيح بلا مرجّح) حتى يشمل الاصول والفروع.

لكن لا يخفى : إنّ هذا مبني على تقرير دليل الانسداد على طريق الكشف لتصير النتيجة مهملة ، لا على طريق الحكومة.

وعلى أي حال : فوجه التعميم (بأن يقال : إنّ العمل بالظّن في الطهارات دون الدّيات ـ مثلا ـ ترجيح بلا مرجّح) لأنّ الطهارات والدّيات كلّها أحكام شرعية ، فلما ذا يعمل بالظّن في الطهارات دون الدّيات ، مع أنّ الدليل فيهما واحد؟

(ومخالف للإجماع) أيضا لأنّ المجمعين لا يرون الفرق بين مختلف المسائل.

(وهذان الوجهان) : الترجيح بلا مرجّح ، والمخالفة للإجماع (مفقودان في التعميم والتّسوية بين المسائل الفرعيّة والمسائل الاصوليّة) فلا إجماع على استواء الطائفتين من المسائل كما أنّه ليس حجّية الظّن في الفروع دون الاصول ترجيحا بلا مرجّح.

(أمّا فقد الاجماع ، فواضح ، لأنّ المشهور كما قيل ـ على عدم اعتبار الظّنّ

١٩

في الأصول.

وأمّا وجود المرجّح ، فلأنّ الاهتمام بالمطالب الاصوليّة أكثر ، لابتناء الفروع عليها ، وكلّما كانت المسألة مهمّة كان الاهتمام فيها أكثر ، والتحفّظ عن الخطأ فيها آكد ،

______________________________________________________

في الاصول) لكن لا يخفى : إنّ نفي شيء بالاستناد الى قول ضعيف غير وجيه ، وهذا القول هو من شريف العلماء أستاذ المصنّف ـ كما سيأتي ـ لا أنّه ممّا يرتضيه المصنّف.

(وأمّا وجود المرجّح) لخروج المسائل الاصولية حتى لا تكون مشمولة لنتيجة الانسداد فوجهه : الاهتمام بالمسائل الاصولية أكثر ، لأنّ مسألة واحدة من المسائل الاصولية يتفرع عليها من الفروع جملة كبيرة ، ومثل هذه المسائل يهتم بها ، فلا يكتفى فيها بالظّن ، بل اللازم أن يقتصر فيها على القطع أو ما يشبه القطع من الظنون الخاصة.

وعليه : فلا يلزم من خروج المسائل الاصوليّة ترجيح بلا مرجّح بأن يقال : انّ المسائل الاصولية والمسائل الفقهية متساويتان فاذا أخذنا بنتيجة الانسداد في المسائل الفقهية دون المسائل الاصولية ، لزم ترجيح المسائل الفقهية على المسائل الاصولية ـ في نتيجة الانسداد ـ بلا مرجّح كما قال :

(فلأن الاهتمام بالمطالب الاصوليّة أكثر لابتناء الفروع عليها) أي : على هذه المسائل الاصولية (وكلّما كانت المسألة مهمة كان الاهتمام فيها أكثر ، والتحفّظ) بأن يحفظ الانسان نفسه (عن الخطأ فيها آكد) فمسألة أصولية واحدة لها من الأهمية بقدر ما لعشر مسائل ، أو ما لمائة مسألة من الأهمية ، وذلك أنّها ممّا يبنى عليها جملة من الفروع.

٢٠