الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

وهذا ، وإن كان يدفع الايراد المذكور عن المفهوم ـ من حيث رجوع الفرق بين الفاسق والعادل في وجوب التبيّن إلى أنّ العادل الواقعيّ يحصل منه غالبا الاطمينان المذكور بخلاف الفاسق ، فلهذا وجب فيه تحصيل الاطمينان من الخارج ـ لكنّك خبير بأنّ الاستدلال بالمفهوم على حجّية خبر العادل المفيد

______________________________________________________

(وهذا) أي : المعنى الذي ذكرناه للتبيّن والجهالة (وإن كان يدفع الايراد المذكور) من التعارض بين العموم والمفهوم (عن المفهوم) وهو : عدم التبيّن لخبر العادل ، لأنّ التعليل يدلّ على حرمة العمل بغير الاطمينان ، الأعم من العلم ، والعلمي ، الذي هو مرتبة قوية من الظنّ المتاخم للعلم ، فلا يشمل المنع خبر العادل ، لأنّه بنفسه يوجب الاطمينان ، وإنما يشمل خبر الفاسق فقط ، لأنّه بنفسه لا يوجب الاطمينان.

وإنما يدفع الايراد المذكور ، إذا فسّرنا التبيّن : بالأعم من العلم والاطمينان (من حيث رجوع الفرق بين الفاسق والعادل في وجوب التبيّن) في خبر الفاسق دون العادل (الى انّ العادل الواقعيّ يحصل منه غالبا الاطمينان المذكور) الذي يتاخم العلم.

(بخلاف الفاسق) فانّه لا يحصل منه الاطمينان ، ولو فرض حصوله زال بالالتفات الى فسقه ، لاحتمال ان يكون كاذبا ـ كما هو مقتضى عدم العدالة ـ.

(فلهذا) أي : لأنّ الفاسق لا يطمأن الى خبره بخلاف العادل (وجب فيه) اي في خبر الفاسق (تحصيل الاطمينان من الخارج) عن نفس الخبر بخلاف العادل ، فان الاطمينان يحصل من نفس الخبر لاستناده الى إنسان عادل لا يكذب متعمدا.

(لكنّك خبير بأنّ الاستدلال بالمفهوم على حجّية خبر العادل المفيد

٢٦١

للاطمينان غير محتاج إليه ، إذ المنطوق على هذا التقرير يدلّ على حجيّة كلّ ما يفيد الاطمينان ، كما لا يخفى ، فيثبت اعتبار مرتبة خاصّة من مطلق الظنّ.

______________________________________________________

للاطمينان ، غير محتاج إليه) اي : الى الاستدلال بالمفهوم.

وذلك لانه اذا كان المراد بالتبيّن : تحصيل الاطمينان لا خصوص العلم ، فلا حاجة لاثبات حجّية خبر العادل الى التمسك بالمفهوم (اذ المنطوق ، على هذا التقرير) الذي يكون التبيّن فيه شاملا للاطمينان (يدلّ على حجّية كلّ ما يفيد الاطمينان) العرفي ، فيكون مناط حجّية الخبر ، هو : الاطمينان ، الظاهر من منطوق الآية المباركة.

ومن الواضح : ان من جملة ما يوجب الاطمينان ، هو خبر العادل (كما لا يخفى) ذلك (فيثبت) بالمنطوق (اعتبار مرتبة خاصة من مطلق الظنّ) وهو الظنّ الاطمئناني من أي سبب حصل ، سواء حصل من خبر العادل ، أو من القرائن الخارجية ، فلو لم يحصل الاطمئنان من خبر العادل في مورد فلا بدّ من تحصيله من الخارج.

وعليه : فاذا كان المنطوق دالا على حجّية خبر العادل ، يسقط استدلال الاصوليين بمفهوم الآية ولزم القول : بانّ منطوق الآية دال على حجّية خبر العادل ، وهذا ما لا يقولون به.

إذن : الأمر دائر بين عدم دلالة الآية على حجية خبر العادل إطلاقا ، وبين الدلالة على حجيته ، لكن الحجية ليست مستندة الى المفهوم ـ كما يقولون ـ وإنما كانت مستندة الى المنطوق ، لأن المنطوق قد جعل المعيار في قبول الخبر : التبيّن ، والتبيّن كما يشمل العلم ، يشمل الاطمئنان.

٢٦٢

ثمّ إنّ المحكيّ عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الاقدام على ما هو مخالف للواقع بأنّ المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله ،

______________________________________________________

(ثمّ) إنّه ربّما استدل بعض بالآية على حجيّة خبر العادل لكن بتقريب آخر ، ليس فيه تعارض وهو : ـ ان ظاهر الآية هو النهي عن العمل السفهائي لا عن العمل المحتمل مخالفته للواقع ، والعمل بخبر الفاسق من العمل السفهائي ، وليس العمل بخبر العادل كذلك ، فيعمل بخبر العادل.

والدليل على انّ المراد من النهي : العمل السفهائي أمران : ـ

الأوّل : انّ الجهالة في الآية المباركة ظاهرة في السفاهة ، لا في الجهل مقابل العلم كما يقال : فلان يعمل أعمال الجهالة ، يراد بها : السفاهة ، لا أنّه يعمل أعمالا عن جهل ، في قبال العلم.

الثاني : انّ العمل بموازين العقلاء ـ وان لم يكن العامل عالما بالواقع ـ لا يسمّى جهالة ، وإلّا لمنع عن العمل بالفتوى ، وبالشهادة ، وبالاقرار ، وبما اشبه ذلك ، لأنّ العامل بهذه الامور على الأعم الأغلب ، لا يعلم مطابقتها للواقع ، فهو مع ان العمل بها جهل بالواقع ليس عملا بجهالة.

وبهذا المعنى للجهالة تبيّن : انّ الآية تدلّ على جواز العمل بخبر العادل ، اذ ليس العمل بخبره من السفاهة في شيء.

والى هذا المعنى أشار بقوله : (إنّ المحكي عن بعض) في دفع التعارض هو (منع دلالة التعليل على عدم جواز الاقدام) والعمل (على ما هو مخالف للواقع) فانه ليس المناط : الواقع وغير الواقع ، وإنما المناط : السفاهة وغير السفاهة.

وذلك (ب) سبب : (ان المراد بالجهالة : السّفاهة وفعل ما لا يجوز فعله) عند

٢٦٣

لا مقابل العلم ، بدليل قوله تعالى : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ). ولو كان المراد الغلط في الاعتقاد لما جاز الاعتماد على الشهادة والفتوى.

وفيه ، مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة : انّ

______________________________________________________

العقلاء ممّا يعدونه عملا سفهائيا (لا مقابل العلم) فانه ليس المناط : العلم وعدم العلم ، كما لم يكن المناط ، : الواقع وعدم الواقع ، وانّما المناط ـ كما قلنا ـ : السفاهة وعدم السفاهة (بدليل قوله تعالى) في التعليل في آخر الآية المباركة ((فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)) (١).

فانّ الندامة مختصة بالعمل السفهائي ، والعمل بخبر الفاسق ، حيث كان من الاعمال السفهائية ، منع عنه الشارع.

هذا (ولو كان المراد) من الجهالة في الآية المباركة (: الغلط في الاعتقاد) اي : مخالفة الواقع (لما جاز الاعتماد على الشهادة ، والفتوى) والاقرار ، ونحوها.

وحيث انّ العمل بخبر العادل ليس سفاهة ، فالآية لا تمنع عنه ، وتكون الآية دليلا على جواز العمل بخبر العادل بالمفهوم ، بلا تعارض بينه وبين التعليل ، فانّ الممنوع : العمل بالأخبار السفهائية ، والجائز : هو العمل بالأخبار العقلائية.

(وفيه) أي في هذا الاستدلال لحجّية خبر العادل (مضافا الى كونه) أي كون حمل الجهالة على السفاهة (خلاف ظاهر لفظ الجهالة) لأنّ الظاهر من الجهالة : الجهل في مقابل العلم ، لا السفاهة في مقابل الرشد.

(انّ) المورد للآية المباركة ، دليل على انّ المراد بالجهالة : الجهل بالواقع ،

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

٢٦٤

الإقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا ، إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدلّ على المنع عن العمل بغير العلم ، لعلّة هي كونه في معرض المخالفة للواقع.

______________________________________________________

لا السفاهة في العمل.

وذلك (الاقدام على مقتضى قول الوليد ، لم يكن سفاهة قطعا ، إذ العاقل) كالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو سيّد العقلاء (بل جماعة من العقلاء) المحتفين بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أراد هو ، وأراد أصحابه غزو بني المصطلق ، لقول الوليد (لا يقدمون على الامور ، من دون وثوق بخبر المخبر بها) أي : بتلك الامور ، فهل كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه يريدون عملا سفهائيا؟ انّ هذا ما لا يصدر عن عاقل ، فكيف بسيّد العقلاء ، وأصحابه الكرام؟.

وعليه : فالعمل بخبر الفاسق قد يكون سفهيا ، كما اذا لم يحصل علم ، ولا ظنّ ولا اطمئنان عرفي به ، وقد لا يكون سفهيا ، كما اذا حصل أحد الامور المذكورة ، ومن الواضح انّ عمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقدامه على حرب بني المصطلق لم يكن عملا سفهيا ، بل كان عملا بحسب الظاهر والموازين العرفية ، واقداما على عمل عقلائي متعارف ، لكن الله سبحانه وتعالى ، لما كان يعلم مخالفة خبر الوليد للواقع ، أراد تحريضهم على أن يعملوا بما هو الواقع فامرهم بالتبيّن.

وعلى هذا : (فالآية تدلّ على المنع عن العمل بغير العلم) سواء كان ذلك الخبر الذي لم يوجب العلم مخبره عادلا أو فاسقا (لعلّة هي) أي : تلك العلّة (كونه) اي : كون غير العلم (في معرض المخالفة للواقع) الموجبة للندامة فليست الجهالة في الآية بمعنى السفاهة ، بل بمعنى عدم العلم.

٢٦٥

وأمّا جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة ، فلا يجوز القياس بها ، لمّا تقدّم في توجيه كلام ابن قبة ، من أنّ الاقدام على ما فيه مخالفة الواقع أحيانا : قد يحسن لأجل الاضطرار إليه وعدم وجود الأقرب إلى الواقع منه ، كما في الفتوى ، وقد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع ،

______________________________________________________

(وأمّا جواز الاعتماد على الفتوى ، والشهادة) والاقرار ، ونحوها مع انّها لا تفيد العلم بالواقع (فلا يجوز القياس بها) أي : لا يجوز قياس العمل بخبر العادل على العمل بها (لمّا تقدّم في توجيه كلام ابن قبة : من انّ الاقدام على ما فيه مخالفة الواقع) للاقدام (أحيانا) كالفتوى والشهادة (قد يحسن لأجل) بعض الأمور ، كعدم وجود طريق أقرب من هذا الطريق الى الواقع ، كالفتوى والشهادة حين انسداد باب العلم.

وكذلك بسبب (الاضطرار إليه) أي : الى ما فيه مخالفة الواقع (وعدم وجود) الطريق (الأقرب الى الواقع منه) أي : ممّا فيه مخالفة الواقع أحيانا.

(كما في الفتوى) فانّ العاميّ مضطر للرجوع الى الفتوى ، ولا طريق له أحسن من التقليد ، حيث انّ التقليد ، أقرب الى الواقع من سائر الطرق المحتملة ، كالجفر ، والرمل والأسطرلاب والعمل بظن نفسه ، او ما أشبه ذلك.

وحيث وجد الاضطرار ولم يكن طريق أقرب منه جعله الشارع.

والاحتياط وان كان ممكنا إلّا انّه مستلزم للعسر والحرج.

كما أنّ البراءة توجب الخروج من الدّين.

(وقد يكون) جائزا ذلك الطريق ، الذي لا طريق أقرب منه الى الواقع ، (لأجل مصلحة) سلوكية او نحوها (تزيد على مصلحة إدراك الواقع) اذ لعلّ الشارع انّما أذن في العمل بالشهادة ـ وان فتح باب العلم ـ من جهة المصلحة السلوكية ـ مثلا ـ

٢٦٦

فراجع.

فالأولى لمن يريد التفصّي عن هذا الايراد التشبّث بما ذكرنا ، من أنّ المراد بالتبيّن تحصيل الاطمينان ، وبالجهالة

______________________________________________________

(فراجع) جوابنا السابق عن ابن قبة.

وعلى أي حال : فمن الممكن انّ الآية الكريمة ، انّما منعت العمل بما لم يكن عقلائيا ، والعمل بخبر العادل وبالفتوى والشهادة عقلائي.

لا يقال : فهل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدم على عمل غير عقلائي.

لأنّه يقال : من أين ثبت انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اراد ـ واقعا ـ الاقدام على حرب بني المصطلق؟ فانه لم يثبت ذلك ، بل الثابت عكسه ، لمكان العصمة.

وقول بعض المفسرين والمؤرخين ، ليس هو الّا بحسب ظاهر الحال ، لا واقعة ، وانّما كانت الآية المباركة ، تنبيها على الذين أرادوا ذلك اعتمادا على قول الوليد.

ويؤيده : ان خطاب الآية موجّه اليهم ، حيث قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ، فَتَبَيَّنُوا) (١).

ولم يكن الخطاب موجها الى خصوص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعليه : (فالأولى لمن يريد التفصّي عن هذا الايراد) أي : إيراد تعارض المفهوم والتعليل (التشبّث بما ذكرنا) لا بحمل الجهالة على السفاهة ، فانّ الجواب عن الاشكال المذكور : يحصل بما ذكرناه (: من انّ المراد بالتبيّن : تحصيل الاطمينان) لا تحصيل العلم (و) المراد (بالجهالة) عدم الاطمينان ،

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

٢٦٧

الشكّ أو الظنّ الابتدائي الزائل بعد الدقة والتأمّل ، فتأمّل.

وفيها إرشاد الى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره وإن حصل منها الاطمينان ، الّا انّ الاطمينان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات إلى فسقه وعدم مبالاته

______________________________________________________

لا عدم العلم.

كما إذا عمل الانسان ب (الشّك أو الظنّ) أو الاطمينان في أنزل درجاته ، وذلك بالنظر (الابتدائي ، الزائل بعد الدقة والتأمّل).

إذن : فالتعليل على هذا لا يشمل خبر العادل إطلاقا لأنّ خبر العادل يوجب الاطمينان العقلائي ، الذي يتبعه العقلاء في أمورهم.

(فتأمّل) ولعلّه اشارة الى ما تقدّم من المصنّف : من انه اذا كان المراد بالتبيّن هو : تحصيل الاطمينان ، فحجّية خبر العادل تستفاد من منطوق الآية ، لا من مفهومها ، والحال انّ المستدلين بالآية المباركة ، أنّما استدلوا بالمفهوم لا بالمنطوق.

وعليه : فالآية امّا انها لا تدل على حجّية خبر العادل ، وامّا انها تدل على حجّية خبره ، لكن بسبب المنطوق ، لا المفهوم.

لا يقال : خبر الفاسق أيضا يوجب الاطمينان.

لأنّه يقال ـ كما أشار اليه المصنّف بقوله ـ : (وفيها) أي في الآية المباركة (إرشاد الى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره) وهو العادل (وان حصل منها الاطمينان) على حد سواء.

فان خبر الفاسق وان كان قد يحصل منه الاطمينان ، كخبر العادل (الّا أنّ الاطمينان الحاصل من الفاسق ، يزول بالالتفات إلى فسقه وعدم مبالاته

٢٦٨

بالمعصية وإن كان متحرّزا عن الكذب.

ومنه : يظهر الجواب عمّا ربّما يقال من : أنّ العاقل لا يقبل الخبر من دون اطمئنان بمضمونه ، عادلا كان المخبر أو فاسقا ، فلا وجه للأمر بتحصيل الاطمينان في الفاسق.

______________________________________________________

بالمعصية ، وان كان متحرّزا عن الكذب) فانّ نفسية الفاسق غير المبالية ، توجب ان يكذب ، بينما العادل ليس كذلك ، لأنّ عدالته تمنعه عن الكذب ، اذ للوازع النفسيّ مدخلية كاملة في أعمال الانسان ، وجودا وعدما.

(ومنه) اي ممّا ذكرناه : من الفرق بين الاطمينان عن خبر الفاسق ، والاطمينان عن خبر العادل ، حيث انّ الاطمئنان عن خبر الفاسق ابتدائي يزول بالالتفات ، بخلاف الاطمئنان عن خبر العادل فانه ثابت ومستقر (يظهر الجواب عمّا ربّما يقال : من أنّ العاقل ، لا يقبل الخبر من دون اطمئنان بمضمونه ، عادلا كان المخبر أو فاسقا ، فلا وجه للأمر بتحصيل الاطمئنان في الفاسق).

وعليه : فلا بد أن يراد بالتبيّن والجهالة ـ في الآية المباركة ـ : تحصيل العلم وعدمه ، لئلا يكون الحكم لغوا.

وحاصل الاشكال : أنّه ان كان المراد بالتبيّن : العلم ، لم يكن الحكم لغوا ، بخلاف ما اذا أريد من التبيّن : الاطمينان.

وحاصل الجواب : انّه لا يلزم منه اللّغوية ، اذ في الآية ارشاد الى انّ الاطمينان الحاصل من خبر الفاسق ، لا ينبغي الاعتماد عليه ، لأنّه اطمينان ابتدائي ، يزول بأدنى التفات ، فلا بد في خبر الفاسق من تحصيل الاطمينان من الخارج.

أما الاطمينان الحاصل من خبر العادل ، فانه ينبغي الاعتماد عليه ، لانه اطمئنان ثابت ومستقر ، معتمد على نفسية العادل وملكته الذاتية التي تبعثه على الصدق

٢٦٩

وأمّا ما اورد على الآية بما هو قابل للذبّ عنه

فكثير منها : معارضة مفهوم الآية بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، والنّسبة عموم من وجه ، فالمرجع إلى أصالة عدم الحجّية.

______________________________________________________

وسائر الصفات الحميدة.

ولا يخفى : أنّ إشكالي المصنّف على دلالة آية النبأ قد ألمعنا الى جوابهما في «الاصول» (١) ، وذكرناهما مفصلا في كتاب «التقريرات» (٢) ممّا استفدناه من الأساتذة رحمهم‌الله تعالى.

(وأمّا ما اورد على الآية ، بما هو قابل للذبّ عنه فكثير ، منها) وهو الايراد الأول (: معارضة مفهوم الآية ، بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، والنّسبة عموم من وجه) لأنّ الآيات الناهية ، تنهى عن العمل بغير العلم سواء كان خبر العادل أو الفاسق ، فانّه اذا لم يوجب خبر العادل : العلم كان مشمولا للآيات الناهية ، ومفهوم الآية : يدل على حجّية خبر العادل ، سواء أورث العلم او لم يورث العلم.

فمادة الافتراق من جهة الآيات : خبر الفاسق غير الموجب للعلم.

ومادة الافتراق في المفهوم : خبر العادل الموجب للعلم.

واجتماعهما : في خبر العادل ، الذي لا يوجب العلم ، فالآيات الناهية تقول :

بعدم العمل به ، والمفهوم يقول : بالعمل به (فالمرجع) حينئذ (الى أصالة عدم الحجّية) لأنّ الدليلين يتساقطان حيث يتعارضان ، فاللّازم الرجوع الى الأصل

__________________

(١) ـ راجع كتاب الاصول ، الجزء السادس ، الأدلة العقلية : ص ٢٩ للشارح.

(٢) ـ وهو كتاب خطي لم يطبع بعد.

٢٧٠

وفيه : انّ المراد بالنبإ في المنطوق ما لا يعلم صدقه ولا كذبه. فالمفهوم اخصّ مطلقا من تلك الآيات ، فيتعيّن تخصيصها ، بناء على ما تقرّر ، من أنّ ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم أقوى من ظهور العامّ في العموم.

______________________________________________________

الذي فوقهما ، وهو أصالة عدم الحجّية.

(وفيه) اولا : انه لو سلّم التعارض ، فالمرجع : بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة ، وهو مقدّم على أصالة عدم الحجّية ، لان الشارع أقر هذا الأصل العقلائي ، فلا مجال لأصالة عدم الحجّية.

وثانيا : (انّ) الخبر الموجب للاطمينان خارج عن منطوق الآيات الناهية ومفهومها معا ، فلا يمكن إدخاله في الآيات الناهية ، ولا في منطوق آية النبأ ، فان (المراد بالنبإ في المنطوق) هو (ما) أي : النبأ والخبر الذي (لا يعلم صدقه ولا كذبه) لانه اتى به فاسق.

وعليه : (فالمفهوم) لآية النبأ ، وهو : تصديق خبر العادل المورث للاطمينان يشمله ، لانه (أخص مطلقا من تلك الآيات) الناهية عن العمل بغير العلم لأنّ هذه الآيات تنهى عن مطلق خبر الواحد ، والمفهوم يثبت حجّية خبر العادل فقط ، فاللّازم الأخذ بالمفهوم (فيتعين تخصيصها) اي : تخصيص الآيات الناهية بالمفهوم (بناء على ما تقرّر : من انّ ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم ، أقوى من ظهور العام في العموم) ولذا يلزم ـ كما تقدّم ـ تخصيص كل ماء طاهر بمفهوم : «الماء اذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شيء» (١).

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٢ ح ١ وح ٢ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٥٠ ب ٦ ح ١١٨ ، الاستبصار : ج ١ ص ٦ ب ١ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ١٥٨ ب ٩ ح ٣٩١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٩ ح ١٢.

٢٧١

وأمّا منع ذلك فيما تقدّم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم ، فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطيّة المعلّلة بالتعليل الجاري في صورتي وجود الشرط وانتفائه

______________________________________________________

هذا خلافا لبعض القدماء الذين كانوا يقولون : بأن العموم : ظهور لفظيّ ، والمفهوم أضعف من اللّفظ ، فالعام اللّفظيّ مقدّم على الخاص المفهوميّ ، لا انّ المفهوم مقدّم على العام اللّفظيّ.

(و) ان قلت : انتم سابقا قدمتم عموم التعليل ، على صدر الآية ، الدال على المفهوم ، فكيف تقدّمون الآن مفهوم صدر الآية على الآيات الناهية؟.

قلت : (أما منع ذلك فيما تقدّم : من التعارض بين عموم التعليل ، وظهور المفهوم) حيث تقدّم : بأن مفهوم الآية ، لا يكون مخصصا لعموم التعليل بل التعليل يقدم على المفهوم ، لأنّ التعليل في مفاده ، أقوى من صدر الآية في المفهوم (فلما عرفت : من منع ظهور الجملة الشرطية) في قوله سبحانه : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا).

(المعلّلة بالتعليل) في قوله سبحانه : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (١).

(الجاري) ذاك التعليل (في صورتي : وجود الشرط ، وانتفائه) لما تقدّم : من ان احتمال الندم في كلا الصورتين : صورة وجود الشرط وهو : مجيء الفاسق ، وعدم وجود الشرط ، وهو : مجيء العادل.

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

٢٧٢

في إفادة الانتفاء عند الانتفاء فراجع.

وربما يتوهم : ان للآيات الناهية جهة خصوص ، اما من جهة اختصاصها بصورة التمكن من العلم ، واما من جهة اختصاصها بغير البينة العادلة وأمثالها مما خرج عن تلك الآيات قطعا.

______________________________________________________

ولذلك نمنع ظهور الجملة الشرطية (في) المفهوم وهو : (افادة الانتفاء عند الانتفاء).

أما اذا لم تكن هنالك علة ، فالجملة الشرطية دالة على الانتفاء عند الانتفاء.

وعليه : فلا تناقض بين ما ذكرناه سابقا : من تقديم التعليل على المفهوم ، وما ذكرناه لاحقا : من تقديم المفهوم على الآيات الناهية (فراجع) ما ذكرناه ليتبين لك الفرق بين المقامين.

(وربما يتوهم) ان الآيات الناهية ، أخص من المفهوم ، لان الآيات اما مختصة بصورة التمكن من العلم ـ اذ مع عدم التمكن من العلم يعمل بالظن من باب الانسداد ، واما انها مختصة بغير البينة وما شابهها ـ إذ البيّنة وما شابهها كالفتوى قطعي الخروج ـ بينما المفهوم عام يشمل صورتي التمكن من العلم ، وعدم التمكن منه ، وكذا يشمل البينة وما شابهها ، وغير البينة فالآيات أخص من المفهوم فتقدّم عليه ، كما قال (ان للآيات الناهية جهة خصوص) وللمفهوم جهة عموم.

اما جهة الاختصاص في الآيات فهو أولا : (اما من جهة اختصاصها) اي : الآيات (بصورة التمكن من العلم) وانفتاحه ـ كما عرفت ـ.

(و) ثانيا : (اما من جهة اختصاصها بغير البينة العادلة ، وأمثالها ، مما خرج عن تلك الآيات قطعا) اذ الآيات الناهية لا تشمل البينة ، ولا فتوى الفقيه ، بينما المفهوم يشمل كليهما ، إذن فالآيات أخص ، ولذا تقدّم الآيات على المفهوم ،

٢٧٣

ويندفع : الاول ، بعد منع الاختصاص ، بأنه يكفي المستدل كون الخبر حجة بالخصوص عند الانسداد.

______________________________________________________

وتكون النتيجة : عدم حجية خبر العادل الذي لا يفيد العلم ، لانه مشمول للآيات الناهية عن العمل بغير العلم.

(ويندفع) الوجه (الاول) بأمرين :

أولا : (بعد منع الاختصاص) اي اختصاص الآيات الناهية بصورة انفتاح باب العلم ، فانا لا نسلم : ان الآيات الناهية مختصة بصورة التمكن من العلم ، بل الآيات تدل على المنع عن العمل بغير العلم ، تمكن الانسان من العلم أم لم يتمكن؟.

لا يقال : كيف هذا وأنتم تقولون : يعمل في حال الانسداد بالظن؟.

لانه يقال : ذلك ليس عملا بالظن ، بل هو عمل بالعلم ، لان في حال الانسداد ، يحكم الشرع أو العقل بالعمل بالظن ، فيكون الظن لاستناده الى العقل أو الشرع : علميا.

وثانيا : (بأنه يكفي المستدل كون الخبر حجة بالخصوص عند الانسداد) فان كلا من المفهوم والآيات ، يتصادقان في صورة الانفتاح ، ويبقى الانسداد للمفهوم فقط ، حيث ان الآيات لا تشمل حال الانسداد.

والحاصل : انا سلمنا اختصاص الآيات بصورة الانفتاح ، فيتعارض المفهوم مع الآيات في مادة الاجتماع ، وهي : خبر العادل حال الانفتاح ، فيرجع في مادة الاجتماع الى الأصل ، وهو : عدم حجيّة خبر العادل في حال الانفتاح.

إلّا انّه يكفي المستدل بمفهوم الآية : مادة الافتراق ، وهي حجية خبر العادل في صورة الانسداد ، فلا يكون كلامكم بتقديم الآيات على المفهوم مطلقا ، بل انّما يكون خاصا بصورة الانفتاح وموجبة جزئية ، وهي : حالة الانسداد المشمولة للمفهوم دون الآيات كافية للمستدل لحجيّة خبر الواحد بالمفهوم.

٢٧٤

والثاني : بأن خروج ما خرج من أدلة حرمة العمل بالظن لا يوجب جهة عموم في المفهوم ،

______________________________________________________

هذا (و) يندفع الوجه (الثاني : بأن) اللازم ، تخصيص الآيات الناهية بالبينة ، والفتوى وخبر العادل جميعا وبنسبة واحدة ، لان جميعها أخص من الآيات الناهية ، خصوصا مطلقا ، فلا يجوز ان نخصص الآيات الناهية أولا بخاص منها ، ثم نقلب النسبة بين العام والخاص الآخر ، ونقول : بأن النسبة انقلبت بينهما الى عموم من وجه ، فلا يجوز بعد الانقلاب أن نخصص العام بالخاص الآخر.

مثلا اذا ورد أولا : اكرم العلماء ، وورد ثانيا : لا تكرم فساق النحاة ، وورد ثالثا :

لا تكرم فساق العلماء ، فاللازم عدم اكرام كل الفساق من النحاة وغيرهم ، لا أن نخصص أولا : العلماء بفساق النحاة ، ثم نقول : صارت النسبة بين «أكرم العلماء غير فساق النحاة» ، وبين «لا تكرم فساق العلماء» عموما من وجه.

فالعالم الفقيه داخل في الاول فقط ، والنحوي الفاسق داخل في الثاني فقط.

والفاسق اللغوي هو مادة الاجتماع بينهما ، فلانه عالم ، داخل في : اكرم العلماء ، ولانه فاسق ، داخل في : لا تكرم فساق العلماء ، فيتعارض العامّان ويتساقطان بالنسبة اليه ، ويكون الاصل جواز كل من الاكرام وعدم الاكرام ، بالنسبة الى العالم الفاسق اللغوي.

وذلك لان (خروج ما خرج) كالبينة والفتوى ، وأمثالها (من أدلة حرمة العمل بالظن) حيث ان الفتوى والبينة ، ونحوهما ، يجوز العمل بها وان كان ظنا نوعيا لا يوجب العلم ، فان خروج مثل هذه الامور عن الآيات الناهية (لا يوجب جهة) خصوص في الآيات الناهية ، وجهه (عموم في المفهوم) حتى تنقلب النسبة بين هذا الخاص الثاني ، والعام الاول ، الى العموم من وجه ، بعد ان كانت النسبة

٢٧٥

لان المفهوم أيضا دليل خاص ، مثل الخاص الذي خصّص أدلة حرمة العمل بالظن ، فلا يجوز تخصيص العام بأحدهما أولا ، ثم ملاحظة النسبة بين العام بعد ذلك التخصيص وبين الخاص الاخير.

فاذا ورد : «أكرم العلماء» ، ثم قام الدليل على عدم وجوب اكرام جماعة من فساقهم ، ثم ورد دليل ثالث على عدم وجوب اكرام مطلق الفسّاق منهم ،

______________________________________________________

بينهما عموما مطلقا.

وذلك (لان المفهوم أيضا دليل خاص) دال على حجية خبر العادل (مثل) الدليل (الخاص) الدال على حجية البينة ، والفتوى ، فهما خاصان بالنسبة الى عام الآيات الناهية.

فخاص حجّية خبر العادل ، كالخاص (الذي خصص أدلة حرمة العمل بالظن) فالآيات الناهية أعم من هذا الخاص ، ومن ذلك الخاص (فلا يجوز تخصيص العام) أعني الآيات الناهية (بأحدهما) أي بأحد الخاصين بأن نخصص الآيات الناهية بأدلة حجية الفتوى والبينة ، ونحوهما (أولا ، ثم ملاحظة النسبة بين العام بعد ذلك التخصيص) بأدلة حجية البينة والفتوى (وبين الخاص الاخير) الذي هو مفهوم الآية الدال على حجية خبر العادل.

(فاذا ورد «أكرم العلماء» ، ثم قام الدليل) الخاص (على عدم وجوب اكرام جماعة من فساقهم) بان قال مثلا : لا تكرم فساق النحاة (ثم ورد دليل ثالث على عدم وجوب اكرام مطلق الفساق منهم) أي : من العلماء فان دليل وجوب اكرام

٢٧٦

فلا مجال لتوهم تخصيص العام بالخاص الاول أولا ، ثم جعل النسبة بينه وبين الخاص الثاني عموما من وجه ، وهذا أمر واضح نبهنا عليه في «باب التعارض».

______________________________________________________

العلماء الاول ، عام بالنسبة الى كلا الخاصين : لا تكرم فساق النحاة ، ولا تكرم مطلق فساقهم ، فكما يخصص العام بالمخصص الاول ، كذلك يخصص بالمخصص الثاني.

وعليه : (فلا مجال لتوهم تخصيص العام بالخاص الاول أولا ، ثم جعل النسبة بينه) أي بين العام المخصص (وبين الخاص الثاني عموما من وجه) حتى يرجع في مادة الاجتماع ، الى أصالة عدم وجوب الاكرام في المثال ، وأصالة عدم الحجيّة فيما نحن فيه ، بل يكون الخاصان معا مخصصين للعام المطلق.

(وهذا أمر واضح ، نبهنا عليه في «باب التعارض») كما سيأتي ، فان النسبة تبقى نفس النسبة بين العام والخاص الثاني ، كما كان نفس النسبة بين العام ، والخاص الاول.

وقد عرفت : ان النسبة فيما نحن فيه من الادلة الثلاثة :

من الآيات الناهية العامة.

ومن مفهوم آية النبأ الدال على قبول خبر العادل.

ومن الخاص الثاني ، الدال على حجية الفتوى ، والبينة ، ونحوهما باقية جميعا على نفس تلك النسبة السابقة.

وهكذا حال أشباهها من النسب الاخرى ، كما اذا كانت النسبة بين عامين : من وجه فخرج عن أحدهما بعض ، لا تنقلب النسبة بين ذينك العامين الى العموم المطلق.

٢٧٧

ومنها : ان مفهوم الآية لو دل على حجية خبر العادل لدل على حجية الاجماع الذي أخبر به السيّد المرتضى وأتباعه قدس‌سرهم ، من عدم حجية خبر العادل ، لانهم عدول أخبروا بحكم الامام عليه‌السلام ، بعدم حجية الخبر.

______________________________________________________

فاذا قال ـ مثلا : اكرم العلماء.

وقال ايضا : لا تكرم الفساق.

وكان الفساق بين علماء وجهال ، فاخرج بدليل ثالث ، الجهال من لا تكرم الفساق ، فانه لا تنقلب النسبة فيهما ، بان يكون أكرم العلماء ، أعم مطلقا من لا تكرم الفساق بحجة انّه لم يبق تحت لا تكرم الفساق الا فساق العلماء وتكون النسبة حينئذ مثل ما اذا قال : اكرم العلماء ولا تكرم فساق العلماء ، حيث يكون لا تكرم فساق العلماء ، أخص مطلقا من أكرم العلماء.

بل تبقى مادة الاجتماع فيها ، بحكم مادة الاجتماع بين العامين من وجه ، وذلك لوضوح ان النسبة بين الجميع تكون ثابتة وواحدة لا ان النسبة فيها انقلاب وتغيير.

(ومنها) وهو الثاني من الاشكالات الواردة على دلالة آية النبأ ، القابلة للذب عنها ، لانها غير تامة هو (: ان مفهوم الآية ، لو دل على حجية خبر العادل لدل) هذا المفهوم (على حجية الاجماع ، الذي اخبر به السيّد المرتضى وأتباعه قدس‌سرهم : من عدم حجية خبر العادل).

وانّما يشمل مفهوم آية النبأ أخبار هؤلاء العلماء (لانهم) أي : هؤلاء العلماء أيضا (عدول أخبروا) في ضمن الاجماع المدعى (بحكم الامام عليه‌السلام بعدم حجية الخبر) الواحد فيلزم أن يشمل المفهوم : التناقض بحجية خبر العادل ، وعدم حجية خبر العادل فيتساقطان ، فلا يبقى مفهوم ، فلو كان للآية مفهوم لم يكن لها

٢٧٨

وفساد هذا الايراد أوضح من أن يبين ، اذ بعض الغض عما ذكرنا سابقا في عدم شمول آية النبأ للاجماع المنقول ، وبعد الغض عن أن اخبار هؤلاء معارض باخبار الشيخ قدس‌سره ، نقول : انّه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الآية.

أما أولا ، فلان دخوله يستلزم خروجه ، لانه خبر عادل فيستحيل دخوله.

______________________________________________________

مفهوم ، وما يلزم من وجوده عدمه محال ، فلا مفهوم للآية المباركة.

(وفساد هذا الايراد أوضح من أن يبين ، اذ بعد الغض عما ذكرنا سابقا في عدم شمول آية النبأ للاجماع المنقول) لان أدلة حجية خبر الواحد ، انّما تدل على حجية الاخبار عن حس ، أو عن حدس مستند الى مبادي حسية مفيدة للعلم عادة.

ومن الواضح : ان ناقل الاجماع انّما ينقل قول الامام عليه‌السلام عن حدس ، مستند الى مبادي حسية لا تفيد العلم عادة ، فان اتفاق المعروفين من أهل الفتوى على شيء ، لا يكون مفيدا للحس بقول الامام عليه‌السلام ، وانّما يكون مفيدا للحدس بقوله ، ومثل هذا لا يكون مشمولا لادلة حجية الخبر.

(وبعد الغض عن أن اخبار هؤلاء) أي : السيّد واتباعه بعدم حجية خبر الواحد (معارض باخبار الشيخ قدس‌سره) وآخرون ، حيث انهم أجمعوا على حجية خبر العادل ، فكلا الاجماعين المتعارضين يتساقطان ، فلا يدخل أحدهما تحت مفهوم آية النبأ.

(نقول انّه لا يمكن دخول هذا الخبر) أي : اجماع السيّد واتباعه (تحت الآية) بأن يكون مفهوم الآية شاملا لاخبار السيّد عن قول الامام عليه‌السلام بإجماعه على ما ادعاه من عدم حجية الخبر ، وذلك لامور : ـ

(اما أولا : فلان دخوله يستلزم خروجه ، لانه خبر عادل ، فيستحيل دخوله)

٢٧٩

ودعوى انّه لا يعم نفسه مدفوعة بأنه وان لا يعم نفسه ، لقصور دلالة اللفظ عليه ، إلّا أنه يعلم أن الحكم ثابت لهذا الفرد ، للعلم بعدم خصوصية مخرجة له

______________________________________________________

لان ما يستلزم من دخوله خروجه ، محال أن يكون مشمولا للادلة ، فلو دخل خبر السيد تحت مفهوم الآية وكان حجة ثبت به عدم حجية خبر العادل ، واذا ثبت بخبره عدم حجية خبر العادل ثبت به عدم حجية نفسه أيضا ، لانه من جملة خبر العادل ، واذا ثبت بخبره عدم حجيته ، خرج عن المفهوم.

والنتيجة : انّه لو دخل خبر السيّد في المفهوم ، لخرج عن المفهوم ، وما يستلزم من وجوده عدمه ، فهو محال ، كما ذكروا مثل ذلك في قول القائل : كل خبري كاذب ، فانه لو شمل كل اخباره ، لكان هذا الخبر أيضا كاذبا ، واذا كان هذا الخبر أيضا كاذبا لم يكن كل أخباره كاذبا ، فلا يصح قول القائل : كل أخباري كاذبة.

(ودعوى : انّه) أي : خبر السيّد (لا يعم نفسه) بأن يقال : خبر السيّد دخل تحت المفهوم وصار حجة ، فيثبت به عدم حجية خبر العادل من اخبار العدول الآخرين ، وعليه : فلا يلزم من دخول خبر السيّد في المفهوم ، خروجه عن المفهوم.

(مدفوعة : بأنه) اي : بان خبر السيّد (وان) كان (لا يعم نفسه ، لقصور دلالة اللفظ عليه) لان قول السيّد ، ظاهر في اخبار الآخرين ، ولا يشمل نفس خبره (إلّا انّه يعلم) عقلا وعرفا (أن الحكم) بعدم حجية الخبر (ثابت لهذا الفرد) من خبر السيّد ايضا بتنقيح المناط ، لان خبر السيّد بعدم حجية الخبر هو أيضا خبر عادل غير علمي ، فقوله هذا شامل لنفسه أيضا بتنقيح المناط.

وانّا نقول ذلك (للعلم بعدم خصوصية مخرجة له) اي : لهذا الفرد الذي هو

٢٨٠