الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-14-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

١
٢

٣

الوصائل

الى

الرسائل

تتمة بحث الاستصحاب

٤

لكنّ الذي يبعّده أنّ الظاهر من الغير ـ في صحيحة إسماعيل بن جابر : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ، وإن شك في السجود بعد ما قام ، فليمض» بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقرّرة بقوله ، بعد ذلك : «كلّ شيء شك فيه ، الخ» ـ ، كون السجود والقيام حدّا للغير ، الذي يعتبر الدخول فيه

______________________________________________________

(لكنّ الذي يبعّده) اي : يبعّد الاحتمال الأوّل ويقرّب الاحتمال الثاني وهو : اعتبار قيد الدخول في الغير وعدم كفاية مجرّد التجاوز هو : (أنّ الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل بن جابر : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام ، فليمض» (١)) فان الظاهر منه (بملاحظة مقام التحديد) اعتبار الدخول في الغير ، كما في المثالين المذكورين (و) كذا بملاحظة (مقام التوطئة) لان التحديد في المثالين المذكورين في الصدر تمهيد لبيان قاعدة كلية مذكورة في الذيل واذا كان التحديد في المثالين تمهيدا (للقاعدة المقرّرة بقوله ، بعد ذلك) أي : بعد المثالين : («كلّ شيء شك فيه ، الخ») فلا يجوز حمل الدخول في الغير على الغالب.

وعليه : فان ما يبعّد الاحتمال الأوّل ويقرّب الاحتمال الثاني في الصحيحة هو أمران :

الأوّل : (كون السجود والقيام حدّا للغير ، الذي يعتبر الدخول فيه) اي : في الغير حتى يصدق عليه التجاوز عنه ، واذا كان التحديد هذا في مقام يراد به التمهيد لبيان أمر كلّي ـ كما هو المراد هنا في الصحيحة ـ فلا يجوز حمله على الغالب حتى يقال : بانه لا يلزم الدخول في الغير.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٣ ب ٢٣ ح ٦٠ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٣١٨ ب ١٣ ح ٨٠٧١ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ٨٩١ (بالمعنى).

٥

وأنّه ، لا غير أقرب من الأوّل بالنسبة الى الركوع ، ومن الثاني بالنسبة الى السجود ، اذ لو كان الهويّ للسجود كافيا عند الشك في الركوع ، والنهوض للقيام كافيا عند الشك في السجود ، قبح في مقام التوطئة للقاعدة الآتية التحديد بالسجود والقيام ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شك قبل الاستواء قائما.

______________________________________________________

الثاني : (وأنّه لا غير ، أقرب من الأوّل) اي : من السجود (بالنسبة الى الركوع ، ومن الثاني) اي : من القيام (بالنسبة الى السجود ، اذ لو كان الهويّ للسجود كافيا عند الشك في الركوع ، والنهوض للقيام كافيا عند الشك في السجود) حتى يكون تجاوزا (قبح في مقام التوطئة) والتمهيد (للقاعدة الآتية) وهي قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء شك فيه ، الخ» (١) (التحديد بالسجود والقيام) وإنّما كان يلزم التحديد بالهويّ للسجود ، والنهوض للقيام ، وهكذا.

كما (ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات) والاتيان بالمشكوك فيما (إذا شك) في السجود ـ مثلا ـ حال النهوض (قبل الاستواء قائما) والاتيان بالركوع اذا شك فيه حال الهويّ وقبل السجود.

لكن فيه : ان السجود وكذا القيام في الصحيحة من باب المثال الظاهر ، والغالب انّ الانسان يأتي بالمثال الظاهر للقواعد الكلية وان كانت هناك أمثلة أخرى ، واذا كان كذلك فكون الرواية في مقام التحديد في المثال غير ظاهر ، خصوصا عند الجمع بين هذه الرواية والروايات السابقة ، الظاهرة في كفاية التجاوز وان لم يدخل في الغير.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٣ ب ٢٣ ح ٦٠ ، وسائل الشيعة : ج ٦٠ ص ٣١٨ ب ١٣ ح ٨٠٧١ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ١٨٩ (بالمعنى).

٦

ومما ذكرنا يظهر : أنّ ما ارتكب بعض ممن تأخّر : من التزام عموم الغير وإخراج الشك في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية ـ ضعيف جدا ، لأنّ الظاهر : أنّ القيد وارد في مقام التحديد.

والظاهر : أنّ التحديد بذلك توطئة للقاعدة ، وهي بمنزلة

______________________________________________________

(و) كيف كان : فانه (مما ذكرنا) : من انّ الصدر ظاهر في التحديد ، وان التحديد ظاهر في مقام التمهيد للذيل (يظهر : أنّ ما ارتكب بعض ممن تأخّر : من التزام عموم الغير) للتجاوز وان لم يدخل في غيره ، وكفاية التجاوز الى كل غير ، لقوله عليه‌السلام في بيان قاعدة كلية : «كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره ، فليمض عليه» (١) (وإخراج الشك في السجود قبل تمام القيام) من عموم الغير (بمفهوم الرواية) اي : بمفهوم القيد المذكور في صحيحة اسماعيل حيث قال عليه‌السلام : «بعد ما قام» عقيب قوله : «وان شك في السجود» فان الغير الذي يعتبر الدخول فيه يشمل بعمومه النهوض من السجود الى القيام ، ومفهوم القيد مخرج له من العموم ، فان هذا الذي توهّمه بعض من تأخر بنظر المصنّف (ضعيف جدا).

وإنّما هو بنظر المصنّف ضعيف جدا (لأنّ الظاهر : أنّ القيد وارد في مقام التحديد).

(والظاهر : أنّ التحديد بذلك) اي : «بالقيام» في مثال الشك في السجود (توطئة للقاعدة) اي : لقاعدة التجاوز المذكورة في آخر الصحيحة (وهي بمنزلة

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٣ ب ٢٣ ح ٦٠ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٣١٨ ب ١٣ ح ٨٠٧١ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ١٨٩ (بالمعنى).

٧

ضابطة كلّية ، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام.

فكيف يجعل فردا خارجا بمفهوم القيد عن عموم القاعدة؟.

فالأولى أن يجعل هذا كاشفا عن خروج مقدّمات أفعال الصلاة عن عموم الغير ، فلا يكفي في الصلاة مجرّد الدّخول ولو في فعل غير أصلّي ، فضلا عن كفاية مجرّد الفراغ.

______________________________________________________

ضابطة كلّية ، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام).

وعليه : (فكيف يجعل) هذا البعض الشك في السجود قبل القيام (فردا خارجا بمفهوم القيد عن عموم القاعدة؟) مع ان ظاهر الكلام هو : ان القاعدة المذكورة في آخر الصحيحة محدودة بالقيد المذكور في صدرها ، فيكون القيد توطئة لها كما ذكرناه ، وحينئذ فلا مجال لما فعله هذا البعض من حمل الصحيحة على الاطلاق واخراج المورد بمفهوم القيد ، لاستهجانه وبعده.

هذا ، ولكنك قد عرفت : إنّا ذكرنا فيما سبق : ان المثالين الذين ذكرهما الإمام عليه‌السلام هما من باب أظهر المصاديق ، فلا يرد على المرتكب لذلك هذا الاشكال.

وعلى ايّ حال : (فالأولى أن يجعل هذا) اي : يجعل القيد الوارد في مقام التحديد ، الظاهر في كونه تمهيدا لقاعدة التجاوز الكلية (كاشفا عن خروج مقدّمات أفعال الصلاة عن عموم الغير) وعلى هذا (فلا يكفي في الصلاة مجرّد) التجاوز ، ولا مجرّد (الدّخول ولو في فعل غير أصلّي) كالهوىّ للسجود ، أو الأخذ في النهوض للقيام ، أو الشروع في رفع اليدين لاجل القنوت ، أو ما أشبه ذلك (فضلا عن كفاية مجرّد الفراغ).

٨

والأقوى اعتبار الدخول في الغير ، وعدم كفاية مجرّد الفراغ ، إلّا أنّه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره ، كما لو فرغ عن الصلاة والوضوء ، فانّ حالة عدم الاشتغال بهما يعدّ مغايرة لحالهما ، وإن لم يشتغل بفعل وجودي فهو دخول في الغير بالنسبة اليهما.

وأمّا التفصيل بين الصلاة والوضوء ،

______________________________________________________

لكن قد عرفت : ان ظاهر الروايات بعد ضمّها بعضا الى بعض هو : كفاية الفراغ ولو لم يدخل في الغير ولا في مقدماته.

هذا ، ولكن المصنّف قال : (والأقوى) عندنا (اعتبار الدخول في الغير ، وعدم كفاية مجرّد الفراغ) وذلك لما عرفت : من تقييد المصنّف اطلاق ما دل على كفاية مجرد الفراغ بما دل على الدخول في الغير.

(إلّا أنّه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره ، كما لو فرغ عن الصلاة والوضوء ، فانّ حالة عدم الاشتغال بهما) بعد ان كان فيهما قطعا (يعدّ مغايرة لحالهما ، وإن لم يشتغل بفعل وجودي) كالأكل والمشي والدرس وما اشبه ذلك (فهو) اي : الفراغ حينئذ (دخول في الغير بالنسبة اليهما) اي : الى الصلاة والوضوء ، وهكذا بالنسبة الى اعمال الحج.

وعليه : فهنا فرق بين الشك في أثناء العمل ، حيث ان الفراغ لا يتحقق الّا بعد الدخول في الغير حقيقة ، وبين الشك بعد تمام العمل ، فانه شك بعد الدخول في الغير ، وان لم يشتغل بعمل آخر ، اذ مجرّد الفراغ دخول في الغير.

(وأمّا التفصيل بين الصلاة والوضوء) وهو قول ثالث في المسألة ، لأنّ بعض الفقهاء قال : إنّ مناط عدم العبرة بالشك هو مجرد التجاوز عن المحل مطلقا ، من غير فرق بين الصلاة والوضوء وسائر الاعمال ، كأعمال الحج ونحوه.

٩

بالتزام كفاية مجرّد الفراغ من الوضوء ولو مع الشك في الجزء الأخير منه ؛

______________________________________________________

وبعض الفقهاء قال : ان المناط هو الدخول في الغير مطلقا ، وان الفراغ إنّما يتحقق مع الدخول في الغير ـ على ما مرّ الكلام فيهما ـ.

وقول ثالث هنا بالتفصيل بين الوضوء وغيره ، فقال في الوضوء : ان المناط فيه مجرد التجاوز حتى عند الشك في الجزء الأخير الذي هو مسح الرجل اليسرى ، وقال في غير الوضوء كالصلاة واعمال الحج ونحوهما : ان المناط فيها هو الدخول في الغير ، فهذا القائل فصّل بين الوضوء وغيره (بالتزام كفاية مجرّد الفراغ من الوضوء ولو مع الشك في الجزء الأخير منه) فانه مع ذلك حكم بصحة الوضوء وعدم الالتفات الى الشك فيه بمجرّد الفراغ منه ، بخلاف غير الوضوء حيث انه قيّد الصحة فيها بالدخول في الغير.

ثم استدل لكفاية مجرّد الفراغ في الوضوء بقوله عليه‌السلام فيمن شك في الوضوء بعد الفراغ : «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (١) بتقريب ان اطلاق : «حين يشك» يشمل الدخول في الغير ، وعدم الدخول فيه ، وبقوله عليه‌السلام في مورد الشك في الوضوء بعد الفراغ : «إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (٢) بتقريب : انه اذا شك بعد الفراغ من الجزء الأخير كان شكا في شيء قد جازه.

واستدل لعدم كفاية مجرّد الفراغ في غير الوضوء بسائر الروايات الدالة على اعتبار الدخول في الغير ، فانه اذا لم يدخل في الغير لم يحكم بالصحة وعدم الالتفات الى الشك.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

١٠

فيردّه اتحاد الدليل في البابين ، لأنّ ما ورد من قوله عليه‌السلام فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء : «هو حين يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ» عامّ بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا.

ولذا استفيد منه حكم الغسل والصلاة أيضا.

وكذلك موثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، صدرها دالّ على اعتبار الدخول في الغير في الوضوء ، وذيلها يدلّ على عدم العبرة بالشك بمجرّد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء ،

______________________________________________________

وعلى ايّ حال : (فيردّه اتحاد الدليل في البابين) فانا اذا اعتبرنا الدخول في الغير لم يختلف فيه الوضوء وغيره ، وان اكتفينا بالتجاوز لم يختلف فيه الوضوء عن غيره مطلقا (لأنّ ما ورد من قوله عليه‌السلام فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء : «هو حين يتوضّأ اذكر منه حين يشك» (١) عامّ بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا) وانه كالقاعدة الكلية ، وان الوضوء يكون موردا ، ممّا يظهر منه ان الشارع قدّم الظاهر على الأصل في مورد قاعدة الفراغ سواء في الوضوء وغيره.

(ولذا) اي : لأجل ما ذكرناه : من انه يفهم منه المناط الشامل لغير الوضوء ايضا (استفيد منه) اي : استفاد العلماء من هذا الحديث (حكم الغسل والصلاة أيضا) وحكم اعمال الحج وغيره.

(وكذلك موثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، صدرها دالّ على اعتبار الدخول في الغير في الوضوء ، وذيلها يدلّ على عدم العبرة بالشك بمجرّد التجاوز مطلقا) ومعنى الاطلاق ما ذكره بقوله : (من غير تقييد بالوضوء) فلا مجال إذن للتفصيل

__________________

(١) ـ تهذيب الأحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

١١

بل ظاهره يأبى عن التقييد.

وكذلك روايتا : زرارة وأبي بصير المتقدّمتان آبيتان عن التقييد.

وأصرح من جميع ذلك في الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة قوله عليه‌السلام : في الرواية المتقدمة : «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فأمضه».

______________________________________________________

الذي ذكره هذا المفصل ، بالفرق بين الوضوء وسائر الاعمال.

(بل ظاهره) حيث قال عليه‌السلام : «إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (١) (يأبى عن التقييد) بكونه حكم الوضوء فقط ، لظهوره في انه قاعدة كلية شاملة للوضوء وغيره ، خصوصا مع كلمة «انّما» الدالة على الحصر.

(وكذلك روايتا : زرارة) حيث قال عليه‌السلام فيها : «اذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» (٢) (وأبي بصير) وهي الموثقة التي قال عليه‌السلام فيها : «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» (٣) فهاتان الروايتان (المتقدّمتان آبيتان عن التقييد) بكونهما لبيان حكم وشك في غير الوضوء.

(وأصرح من جميع ذلك في الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة) وبيان ان حكم الجميع واحد (قوله عليه‌السلام : في الرواية المتقدّمة : «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فأمضه» (٤)) فانه قد جمع بين الطهارة والصلاة

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٣٥٢ ب ١٣ ح ٤٧ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

(٣) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٣٤٤ ب ١٣ ح ١٤ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٨ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٦.

(٤) ـ تهذيب الأحكام : ج ١ ص ٣٦٤ ب ١٦ ح ٣٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٨ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ٥ ص ٥٨٠ ح ٦.

١٢

الموضع الرابع :

قد خرج من الكلّية المذكورة أفعال الطهارات الثلاث ، فانّهم أجمعوا على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل اتمام الوضوء ، يأتي به وإن دخل في فعل آخر.

وأمّا الغسل والتيمّم فقد صرّح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات ، وقد نصّ على الحكم في الغسل جمع ممن تأخر عن المحقق ، كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني ،

______________________________________________________

في الحكم ، فكيف يفرّق بينهما؟ بل انه كما قلنا : يفهم من الرواية عرفا انهما من باب المثال ، والّا فالأمر جار في الحج وفي غيره ايضا.

(الموضع الرابع) : في المستثنيات من قاعدة التجاوز ، وهي كما قال : (قد خرج من الكلّية المذكورة) اي : كلية عدم العبرة بالشك بعد تجاوز المحل والدخول في الغير (أفعال الطهارات الثلاث) من الغسل والوضوء والتيمم ، والخروج إنّما هو بالاجماع لا بنص خاص (فانّهم أجمعوا على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل اتمام الوضوء ، يأتي به وإن دخل في فعل آخر) فالشاك في غسل اليد اليمنى يأتي به وان كان شارعا في غسل اليسرى ، والشاك في مسح الرأس يأتي به وان كان شارعا في مسح الرجل.

(وأمّا الغسل والتيمّم فقد صرّح بذلك) اي : بعدم اعتبار قاعدة التجاوز (فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات) ولعل ذلك لتنقيح المناط الذي ذكروه في الوضوء.

(وقد نصّ على الحكم) اي : الاتيان بالمشكوك وان دخل في فعل آخر (في الغسل جمع ممن تأخر عن المحقق ، كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني ،

١٣

ونصّ غير واحد من هؤلاء على كون التيمم كذلك.

وكيف كان : فمستند الخروج قبل الاجماع : الاخبار الكثيرة المخصّصة للقاعدة المتقدّمة ،

______________________________________________________

ونصّ غير واحد من هؤلاء على كون التيمم كذلك) أي : كالغسل في الحكم ، لكن كلام بعضهم خاص بالوضوء مقتصرا على مورد النص ، ومعه فلا اجماع في الغسل والتيمم.

(وكيف كان : فمستند الخروج) اي : خروج الوضوء عن قاعدة التجاوز (قبل الاجماع : الاخبار الكثيرة المخصّصة للقاعدة المتقدّمة) وإنّما قال : ان مستند الاستثناء هو الاجماع ، لأنّ الاخبار الدالة على الاستثناء متعارضة على تقدير الدلالة ، فبعد التساقط يكون المرجع كليات قاعدة التجاوز ، ومن تلك الاخبار الكثيرة المخصصة لقاعدة التجاوز ما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك ام لا؟ فأعد عليهما ، وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى الله ، ما دمت في حال الوضوء ، فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه ، وقد صرت في حال أخرى ، في الصلاة أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى الله تعالى ممّا أوجب الله تعالى عليك فيه وضوءا فلا شيء عليك فيه» (١) الحديث.

أقول : لا يخفى انّ هنا مقابل هذا الحديث ـ على ضعف دلالته ايضا ـ جملة من الأحاديث ، ممّا لو فرضنا تكافؤهما يجب الجمع بينهما ، وذلك بحمل هذا الحديث على الاستحباب.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٣ ح ٢ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠٠ ب ٤ ح ١١٠ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٦٩ ب ٤٢ ح ١٢٤٣.

١٤

إلّا أنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ، وهي قوله عليه‌السلام : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ اذا كنت في شيء لم تجزه» ، أنّ حكم

______________________________________________________

«فعن عبد الله بن ابي يعفور ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فشكك ليس بشيء ، إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (١) كذا رواه التهذيب ، كما في الوسائل ، ورواه ايضا آخر السرائر.

«وعن عبد الله بن بكير عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فأمضه كما هو ولا اعادة عليك فيه» (٢).

«وعن بكير بن أعين قال : قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (٣).

وعلى هذا ، فمقتضى القاعدة هو : ان يكون حال الطهارات الثلاث حال غيرها من الصلاة والحج وغيرهما.

وكيف كان : فقد قال المصنّف : (إلّا أنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ، وهي قوله) عليه‌السلام : (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ اذا كنت في شيء لم تجزه» (٤) أنّ حكم

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٣٦٤ ب ١٦ ح ٣٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٨ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ٥ ص ٥٨٠ ح ٦.

(٣) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

(٤) ـ تهذيب الأحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

١٥

الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها ، بناء على عود ضمير «غيره» إلى الوضوء ، لئلا يخالف الاجماع على وجوب الالتفات اذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء.

______________________________________________________

الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها) اي : ليس الوضوء خارجا عن القاعدة الكلية الدالة على عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز ، وهذا المعنى يتم بارجاع الضمير في : «غيره» الى الشيء ، فيكون معناه حينئذ : اذا شككت في شيء من الوضوء كالشك في غسل اليد اليمنى ، وقد دخلت في غير ذلك الشيء كالشروع بغسل اليد اليسرى ، فشكك ليس بشيء بل احكم باتيانه ولا تلتفت اليه ، فحكم الوضوء على مقتضى القاعدة.

وأما (بناء على عود ضمير «غيره») في قوله عليه‌السلام : «اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره» (إلى الوضوء) فيكون حكم الوضوء خارجا عن القاعدة ، ويجب الاعتناء بالشك واتيان الامر المشكوك ، اذ يكون معناه حينئذ : اذا شككت في شيء من الوضوء كالشك في غسل الوجه ، وقد دخلت في غير الوضوء كالدخول في الصلاة ، فشكك ليس بشيء ، ومفهومه : انك اذا كنت بعد في الوضوء فعليك الاعتناء بالشك واتيان الأمر المشكوك ، وهو خروج لحكم الوضوء عن القاعدة.

وإنّما قال المصنّف : بناء على ان الضمير في «غيره» عائد الى الوضوء لا الى «شيء» (لئلا يخالف الاجماع) القائم (على وجوب الالتفات اذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء) فقد قام الاجماع على انه اذا شك ـ مثلا ـ في غسل الوجه وقد دخل في غسل اليد اليمنى ، أو شك في غسل اليد اليمنى وقد دخل

١٦

وحينئذ فقوله عليه‌السلام : «إنّما الشك» مسوق لبيان قاعدة الشك المتعلّق بجزء من أجزاء عمل ، وأنّه إنّما يعتبر اذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه.

هذا ، ولكن الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية

______________________________________________________

في غسل اليد اليسرى ، وغير ذلك ، فانه يجب عليه الاعتناء به واتيانه ، وحيث ان ظاهر هذا الحديث مخالف لهذا الاجماع ، فلا بد من ارجاع ضمير غيره الى الوضوء ، لا الى ما هو ظاهر الحديث من الارجاع الى شيء.

(وحينئذ) اي : حين كان الضمير عائدا الى الوضوء لا الى شيء من الوضوء (فقوله) عليه‌السلام : («إنّما الشك) اذا كنت في شيء لم تجزه» (١) (مسوق لبيان قاعدة الشك المتعلّق بجزء من أجزاء عمل) من اعمال الوضوء (وأنّه) أي : الشك (إنّما يعتبر) ويلتفت اليه (اذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه) الى غيره ، فيكون حينئذ مراد المصنّف من قوله : «ان حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها بناء على عود ضمير غيره الى الوضوء» هو ما سيشير اليه : من ان الوضوء امر بسيط ولا يعقل فيه التجاوز الّا بالفراغ منه.

(هذا) تمام الكلام في معنى الرواية وعدم الاعتماد على ظاهرها بارجاع الضمير في «غيره» الى الوضوء حتى لا يخالف الاجماع.

(ولكن الاعتماد على) ظاهرها وارجاع الضمير في «غيره» الى الشيء ، لدلالة (ظاهر ذيل الرواية) القائل : «إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» عليه

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

١٧

مشكل ، من جهة أنّه يقتضي بظاهر الحصر : أنّ الشك الواقع في غسل اليد باعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به اذا جاوز غسل اليد مضافا الى أنّه معارض للاخبار السابقة ، فيما اذا شك في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه ، لأنّه باعتبار أنّه شك في وجود شيء بعد تجاوز محلّه يدخل في الأخبار السابقة ،

______________________________________________________

(مشكل ، من جهة أنّه يقتضي بظاهر الحصر : أنّ الشك الواقع في غسل اليد باعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به اذا جاوز غسل اليد) وقد عرفت : انه مخالف للاجماع.

وإن شئت قلت : ان ضمير «غيره» ان عاد الى الشيء كما هو ظاهر الرواية خالف الاجماع ووافق أخبار التجاوز ، وان عاد الى الوضوء وافق الاجماع وخالف اخبار التجاوز ، ولذلك قال : (مضافا الى أنّه معارض للاخبار السابقة فيما اذا شك في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه) وذلك كما اذا شك في غسل الوجه حال كونه يغسل اليد اليمنى ، ولم يفرغ بعد من الوضوء.

وإنّما يكون ذلك معارضا لأخبار التجاوز (لأنّه باعتبار أنّه شك في وجود شيء بعد تجاوز محلّه يدخل في الأخبار السابقة) الدالة على التجاوز ، حيث ان ظاهر تلك الاخبار هو : عدم الاعتناء بهذا الشك الذي قد تجاوزه ودخل في غيره.

هذا كله من جهة ، ومن جهة اخرى : ان الوضوء كلّه عمل واحد ، والتجاوز لا يعقل فيه الّا بالفراغ منه ، فيكون مشمولا للخبر القائل بالاعتناء بالشك واتيان

١٨

ومن حيث أنّه شك في أجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر.

ويمكن أن يقال لدفع جميع ما في الخبر من الاشكال : إنّ الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسبّبه ، وهي الطهارة ، فلا يلاحظ كلّ فعل منه بحاله حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة ، ولا يلاحظ بعض أجزائه ، كغسل اليد ـ مثلا ـ شيئا مستقلا يشك في بعض أجزائه قبل تجاوزه أو بعده ،

______________________________________________________

المشكوك ، كما قال : (ومن حيث أنّه شك في أجزاء عمل) واحد (قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر) القائل بالاعتناء بالشك قبل الفراغ من العمل واتيان الأمر المشكوك.

(ويمكن أن يقال : لدفع جميع ما في الخبر من الاشكال) من معارضة الاجماع من جهة ، ومعارضة الاخبار من جهة أخرى : (إنّ الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد) بسيط وليست افعالا متعددة ، وذلك (باعتبار وحدة مسبّبه وهي الطهارة).

وعلى هذا (فلا يلاحظ كلّ فعل منه) اي : من الوضوء (بحاله) اي : شيئا مستقلا برأسه كي يكون هناك ستة اعمال : غسل الوجه وغسل اليدين والمسح ثلاث مرات (حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة ، و) هو : كون هذا الخبر دالا على عدم الاعتناء بالشك والأخبار السابقة دالة على الاعتناء به.

كما (لا يلاحظ بعض أجزائه) اي : اجزاء الوضوء (كغسل اليد ـ مثلا ـ شيئا مستقلا يشك في بعض أجزائه) اي : اجزاء اليد من غسل الاصابع أو الكف أو الزند أو الذراع ، وذلك (قبل تجاوزه) اي : قبل تجاوز غسل اليد كاملا (أو بعده)

١٩

ليوجب ذلك الاشكال في الحصر المستفاد من الذيل.

______________________________________________________

أي : بعد غسل تمام اليد.

وعليه : فانه لو لوحظ الوضوء أجزاء ستة ـ مثلا ـ كان معناه : انه اذا غسل اليد اليمنى وشك في غسل الوجه كان اللازم عدم الاعتناء به والحكم بانه قد غسل وجهه ، وكذلك اذا لوحظ اليد أجزاء متعدّدة كان اللازم انه اذا شك في غسل الذراع وهو مشتغل بغسل الكف ان لا يعتني بغسل الذراع ويحكم بانه قد غسله ، بل يلاحظ الوضوء كله عملا واحدا كما يلاحظ كل اليد شيئا واحدا ، واذا كان كذلك فلا يعقل التجاوز فيه الّا بالفراغ منه ، ومعه لا يكون القول بالاعتناء بالشك في الوضوء مخالفا للاجماع ولا معارضا لاخبار التجاوز.

والحاصل : انا لا نقول بأن الوضوء أجزاء ، واليد أجزاء (ليوجب ذلك الاشكال في الحصر المستفاد من الذيل) اي : ذيل الرواية حيث قال عليه‌السلام فيه : «إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (١).

فان مفهوم هذا الحصر هنا هو : انه اذا شك في جزء من عمل واحد أو شيء واحد بعد تمامه لا يلتفت اليه ، فلا يلاحظ للوضوء اجزاء ، كما لا يلاحظ لليد اجزاء ، وإنّما يلاحظ الوضوء عملا واحدا كما يلاحظ اليد شيئا واحدا ، فاذا شك في غسل الذراع وهو في الكف ، أو شك في غسل اليمنى وهو في اليسرى يلزم الاعتناء بهذا الشك لانه لم يجزه.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

٢٠