الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

او بارادة الاجماع على الرّواية وتدوينها في كتب الحديث» ، انتهى.

وعن المحدّث المجلسيّ قدس‌سره ، في كتاب الصلاة من البحار ، بعد ذكر معنى الاجماع ووجه حجّيّته عند الأصحاب : «إنّهم لمّا رجعوا إلى الفقه كأنّهم نسوا ما ذكروه في الاصول ، ثمّ أخذ في الطعن على إجماعاتهم

______________________________________________________

وانّما المخالف يجب انّ يأول كلامه ، فاذا وجد الاجماع ـ مثلا ـ على عدم وجوب السورة والحال انّ بعض الفقهاء يقولون بعدم وجوبها ، يحمل القول بعدم الوجوب ـ مثلا ـ على صورة ضيق الوقت ، فيكون الاجماع على الوجوب في صورة عدم ضيق الوقت ، والمخالف الذي يقول بعدم الوجوب ، يريد صورة عدم الضيق.

(أو بارادة : الاجماع على الرّواية ، وتدوينها في كتب الحديث) (١) فاذا قال قائل : انّ هذا الحكم اجماعي ، أراد : انهم دوّنوا الرواية الدالة على هذا الحكم في كتبهم الى غير ذلك من التأويلات ، في الاجماعات التي وجد من يخالفها (انتهى) كلام المعالم.

(وعن المحدّث المجلسيّ قدس‌سره في كتاب الصلاة من البحار ، ـ بعد ذكر معنى الاجماع ، ووجه حجّيّته عند الاصحاب) ـ الاشكال عليهم : بأنّهم يصطلحون الاجماع في الاصول على معنى ، ثم ينقلون الاجماع في الفروع بمعنى آخر ، وقال : (انهم لمّا رجعوا الى الفقه ، كأنهم نسوا ما ذكروه في الاصول) فانهم ذكروا في الأصول : انّ الاجماع هو : اتفاق الكل ، ثم في الفقه ادّعوا الاجماع على مسائل ليس فيها اتفاق الكل ، بل الأكثر على خلاف قول مدعي الاجماع.

(ثم أخذ في الطعن على اجماعاتهم) والاشكال فيها ، وانه مما لا يعتمد عليها

__________________

(١) ـ معالم الدين : ص ١٧٤.

٦١

ـ إلى أن قال ـ : فيغلب على الظنّ أنّ مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الاصول» انتهى.

والتحقيق : انّه لا حاجة إلى ارتكاب التأويل ، في لفظ الاجماع بما ذكره الشهيد ، ولا إلى ما ذكره المحدّث المذكور قدس‌سرهما ، من تغاير مصطلحهم في الفروع والاصول ، بل الحقّ أنّ دعواهم للاجماع في الفروع مبنيّ على استكشاف الآراء ورأي الامام عليه‌السلام ،

______________________________________________________

(الى أن قال) المجلسي : (فيغلب على الظّنّ : انّ مصطلحهم في الفروع ، غير ما جروا عليه في الاصول ، انتهى) (١) كلام المجلسي.

(والتحقيق : انّه لا حاجة الى ارتكاب التأويل ، في لفظ الاجماع بما ذكره الشهيد ، ولا الى ما ذكره المحدّث المذكور قدس‌سرهما من : تغاير مصطلحهم في الفروع والاصول) فان الامر لا يحتاج الى الاشكال بمغايرة اصطلاحهم في الاصول ، عن اصطلاحهم في الفقه ، لأنهم في كل من الاصول والفقه ، يريدون بالاجماع : اتفاق الكل ، كما انه لا حاجة الى تأويل اجماعاتهم بما لا ينافي وجود المخالف ، لأنهم بإجماعاتهم يريدون : اتفاق الكل ، لكن ليس ادعائهم هذا باتفاق الكل ، حاصلا من تتبع الأقوال (بل) حاصل من الحدس والاجتهاد ، ف (الحق : انّ دعواهم للاجماع في الفروع ، مبنيّ على استكشاف الآراء ورأي الامام عليه‌السلام) فهنا كشفان :

الأول : كشف آراء الكل.

الثاني : كشف رأي الامام من آراء الكل ، وهنا حدسان :

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٨٩ ص ٢٢٢ ب ١ ح ٦٥.

٦٢

إمّا من حسن الظنّ بجماعة السلف او من امور تستلزم باجتهادهم إفتاء العلماء بذلك وصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام أيضا ، وليس في هذا مخالفة لظاهر لفظ الاجماع حتّى يحتاج الى القرينة ، ولا تدليس ، لأنّ دعوى الاجماع ليس لأجل اعتماد الغير عليه وجعله دليلا يستريح إليه في المسألة.

______________________________________________________

الاول : (أمّا من حسن الظنّ بجماعة السلف) حيث انّ المعروفين منهم اذا افتوا بشيء ، ظنّ ناقل الاجماع لحسن ظنّه ، بانه فتوى الكل ، والحال قد اشار هؤلاء المفتون بالمخالف.

الثاني : (أو من امور تستلزم باجتهادهم) أي باجتهاد الناقلين للاجماع (افتاء العلماء بذلك ، وصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام أيضا).

والحاصل : انّ الناقل للاجماع رأى فتاوى المعروفين ، فظن الاجماع أو رأي دليلا في المسألة ، فظن الاجماع ، ومن كشفه رأي الفقهاء ، كشف رأي الامام فكشفه رأي الامام مبني على حدسين.

(وليس في هذا) الذي ذكرناه : من اطلاقهم لفظ الاجماع الظاهر في ارادة الكل ، والحال انه مستكشف من أحد الأمرين المذكورين (مخالفة لظاهر لفظ الاجماع ، حتى يحتاج الى القرينة) للدلالة على انّه لم يرد الاجماع الحقيقي ، اذ ليس في الأمر مجاز حتى يحتاج الى القرينة.

(ولا تدليس) بحيث يدّعي شيئا ، ويقصد غيره (لأنّ دعوى الاجماع ، ليس لأجل اعتماد الغير عليه وجعله دليلا يستريح) الغير (اليه في المسألة) حتى يكون تدليسا ، فانّ التدليس هو إراءة الغير شيئا والحال انه ليس بواقع ، فمن يحمل متاعه لنفسه لا لأجل البيع ، لا يسمّى مدلّسا.

٦٣

نعم ، قد يوجب التدليس من جهة نسبة الفتوى إلى العلماء ، الظاهرة في وجدانها في كلماتهم ، لكنّه يندفع بأدنى تتبّع في «الفقه» ، ليظهر أنّ مبنى ذلك على استنباط المذهب ، لا على وجدانه مأثورا.

والحاصل : أنّ المتتبّع في الاجماعات المنقولة يحصل له القطع من تراكم

______________________________________________________

نعم ، لو أراد تغرير الغير ليبيع عليه متاعه ، كان من التدليس ، وهؤلاء الفقهاء يدّعون الاجماع لأنفسهم لا لغيرهم ، كما أنهم يستشهدون بالآية الكريمة ، أو الرواية ، لبيان انّهم انّما افتوا بهذه الفتوى لوجود هذا الدليل عليه.

وكيف كان : فان ادعاء الاجماع لا يوجب التدليس ولا تغرير الغير ، لأنّ مدعي الاجماع يدعيه دليلا لنفسه ، لا لغيره.

(نعم ، قد يوجب) ادعاء الاجماع (التدليس من جهة نسبة الفتوى الى العلماء الظاهرة) من قوله : أجمعوا على كذا ، أو ما أشبه (في وجدانها) أي : في وجدان تلك النسبة ، فكأنه يفيد الغير : انّ مدعي الاجماع ، وجد هذه الأقوال (في) كتب العلماء ، و (كلماتهم) والحال انه لم يجده في كتبهم ، فهو تدليس من هذه الجهة.

(لكنّه) أي : التدليس من هذه الجهة المحتملة (يندفع بأدنى تتّبع في الفقه) فانّ المتتبع في الفقه لا يغتر بهذه الاجماعات ، وانّما (ليظهر) له (انّ مبنى ذلك) أي الاجماعات (على استنباط المذهب ، لا على وجدانه مأثورا) عنهم ، فان من يشاهد نقل الاجماع في الفقه ، يظهر له ان الناقل ، لم يتتبع أقوال الفقهاء ، بل قد حدس باجتهاداته على انهم يقولون بذلك ، فلا يكون تدليسا او تغريرا بان العلماء أفتوا بذلك.

(والحاصل : انّ المتتبّع في الاجماعات المنقولة ، يحصل له القطع من تراكم

٦٤

أمارات كثيرة باستناد دعوى النّاقلين للاجماع ـ خصوصا إذا أرادوا به اتّفاق علماء جميع الأعصار ، كما هو الغالب في إجماعات المتأخّرين ـ إلى الحدس الحاصل من حسن الظنّ بجماعة ممّن تقدّم على الناقل ، او من الانتقال من الملزوم إلى لازمه مع ثبوت الملازمة باجتهاد الناقل واعتقاده.

______________________________________________________

أمارات كثيرة) مما قد ذكرناها سابقا : كوجود المخالف في المسألة ، وانعقاد الشهرة على خلافها في بعض الأحيان ، وتعارض الاجماعين من شخص واحد في كتابيه ، بل في كتاب واحد من كتبه ، او تعارض الاجماعين من معاصرين او عدم ذكر الفقهاء للمسألة اطلاقا ، الى غير ذلك ، (باستناد دعوى النّاقلين للاجماع ـ خصوصا اذا أرادوا به اتّفاق علماء جميع الأعصار ، كما هو الغالب في اجماعات المتأخرين) كالفاضلين والشهيدين ، وانّما قال : «خصوصا» ، لأنه قد يراد بالاجماع : اتفاق علماء عصره ـ مثلا ـ لا جميع الاعصار ، (الى الحدس الحاصل من حسن الظّنّ بجماعة ممّن تقدّم على الناقل) أو اتفاق المعروفين بالفتوى منهم ، وقوله : «الى الحدس» متعلق بقوله : «دعوى الناقلين» ، (أو من الانتقال من الملزوم الى لازمه) وكلمة : «أو» عطف على قوله : «من حسن الظن».

والحاصل : انّ مدعي الاجماع ، انتقل من اتفاق العلماء : من العمل بأصل ، أو آية ، أو رواية ، الى انهم متفقون في هذه الصغرى ، الجزئية أيضا ، كما تقدّم مثال اخبار المضايقة وما أشبه ، مما لا حاجة الى تكرارها.

(مع ثبوت الملازمة باجتهاد النّاقل واعتقاده) هو ، لا انّ الملازمة ثابتة واقعا فانه عند نفسه يظن : انّ هذه الصغرى صورة من الكبرى الكلية ، التي عليها الاجماع ، فيدعي الاجماع على هذه الصغرى الجزئية ، بينما ليس مراده اجماع جميع الفقهاء في هذه المسألة الخاصة.

٦٥

وعلى هذا ينزّل الاجماعات المتخالفة من العلماء مع اتحاد العصر او تقارب العصرين وعدم المبالاة كثيرا باجماع الغير والخروج عنه للدليل ، وكذا دعوى الاجماع مع وجود المخالف ، فانّ ما ذكرنا في مبنى الاجماع من أصحّ المحامل لهذه الامور المنافية لبناء دعوى الاجماع على تتبّع الفتاوى في خصوص المسألة.

______________________________________________________

(وعلى هذا) أي : الانتقال من الملزوم الى اللازم (ينزّل الاجماعات المتخالفة من العلماء ، مع اتحاد العصر ، أو تقارب العصرين) ، مثلا : شيخ الطائفة وابن ادريس متقاربا العصرين ، والسيد المرتضى وشيخ الطائفة متحد عصرهما.

(و) هذا هو السر أيضا في (عدم المبالاة) والاعتناء (كثيرا باجماع الغير ، والخروج عنه للدّليل) فانّ الاجماعات المنقولة ، غالبا لا تكون مورد اعتناء عند سائر الفقهاء ، فانهم اذا وجدوا دليلا خالفوا الاجماع الى الدليل ؛ وذلك لان الاجماعات المنقولة مستندة الى اجتهادات الناقلين ، لا انها نقل قول جميع فقهاء العصر ، وقول المصنف : «وعدم المبالاة» عطف على قوله : «ينزّل».

(وكذا) يكون هو السر في (دعوى الاجماع مع وجود المخالف) لانّ الاجماع مبني على اجتهاد الناقل ، لا على اتفاق جميع الفقهاء.

(فانّ ما ذكرنا في مبنى الاجماع) المنقول : من انّ الاجماع المنقول مستند الى الاجتهاد. لا الى أقوال الفقهاء هو (من اصحّ المحامل لهذه الامور ، المنافية لبناء دعوى الاجماع على تتبع الفتاوى في خصوص المسألة) ، فان الاجماعات المبنية على الحدس والاجتهاد هي التي تسبب ما ذكرناه من التناقض بين الاجماعات ، ومن عدم الاعتناء بالاجماع في قبال الدليل ، وما اشبه ذلك ، ممّا عرفت.

٦٦

وذكر المحقّق السبزواريّ في الذّخيرة ، بعد بيان تعسر العلم بالاجماع :

«انّ مرادهم بالاجماعات المنقولة ، في كثير من المسائل بل في اكثرها ، لا يكون محمولا على معناه الظاهر ، بل إمّا يرجع إلى اجتهاد من الناقل مؤدّ بحسب القرائن والأمارات التي اعتبرها إلى أنّ المعصوم عليه‌السلام ، موافق في هذا الحكم ، او مرادهم الشهرة ، او اتفاق أصحاب الكتب المشهورة ،

______________________________________________________

(و) يؤيد ما ذكرناه في وجه الاجماعات المنقولة : من انها مبنية على الاجتهادات ، لا على تتبع الأقوال ما (ذكره) (المحقّق السّبزواري في الذّخيرة ، بعد بيان تعسّر العلم بالاجماع) لكثرة العلماء والجهل بكثير منهم ، وعدم الكتب لبعضهم ، وما أشبه ذلك (انّ مرادهم بالاجماعات المنقولة في كثير من المسائل ، بل في أكثرها ، لا يكون محمولا على معناه الظاهر) من تتبع آراء الفقهاء فردا فردا في جميع الأعصار والأمصار ، (بل امّا يرجع الى اجتهاد من الناقل) كما تقدّم من مثال : تدوينهم أخبار المضايقة ، مما سبّب اجتهاد الناقل للاجماع الى انهم قائلون بالمضايقة ، و (مؤدّ) ذلك الاجتهاد للناقل (بحسب القرائن والأمارات ، التي اعتبرها) ناقل الاجماع ، فانها مؤدية له بحسب اجتهاده (الى انّ المعصوم عليه‌السلام موافق في هذا الحكم) ، فان الناقل للاجماع حصل له الحدس بسبب اجتهاده من اتفاق الفقهاء ، الى ان موافقة الامام عليه‌السلام معهم ، وقد عرفت : ان هنا حدسين :

اولا : حدس بأصل اتفاق الفقهاء.

ثانيا : حدس بأنّ اتفاق الفقهاء يفصح عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

(أو مرادهم : الشهرة) لا الاجماع المصطلح ، الذي هو اتفاق الكل.

(أو : اتفاق أصحاب الكتب المشهورة) بأن يكون المراد من الاجماع : اتفاق أصحاب الكتب المشهورة من الفقهاء ، كالشيخ ، وابن ادريس ، والمحقّق ،

٦٧

او غير ذلك من المعاني المحتملة».

ثمّ قال بعد كلام له : «والذي ظهر لي من تتبّع كلام المتأخّرين انّهم كانوا ينظرون إلى كتب الفتاوى الموجودة عندهم في حال التأليف ، فاذا رأوا اتّفاقهم على حكم قالوا إنّه إجماعيّ.

ثمّ إذا اطّلعوا على تصنيف آخر خالف مؤلّفه الحكم المذكور ، رجعوا عن الدّعوى المذكورة ،

______________________________________________________

والعلامة ، والشهيدين ، ومن أشبه.

(أو غير ذلك من المعاني المحتملة) (١) التي تقدّم الكلام حولها ، مثل : اتفاق المعروفين بالفتوى من أهل عصره ، أو من أهل كل العصور ، أو اتفاق أصحاب الكتب الأربعة ـ على ما تقدّم ـ.

(ثم قال) المحقّق السبزواري (بعد كلام له) ما هذا لفظه :

(والذي ظهر لي من تتبّع كلام المتأخّرين) المراد بالمتأخّرين : المحقّق فمن بعده (انهم كانوا ينظرون الى كتب الفتاوى الموجودة عندهم في حال التأليف ، فاذا رأوا اتّفاقهم) أي : اتفاق أصحاب الكتب الحاضرة عند ناقل الاجماع (على حكم) شرعي (قالوا انه اجماعي) لانّهم رأوا هذه الفتوى في تلك الكتب الموجودة عندهم حال التأليف.

(ثمّ اذا اطلعوا على تصنيف آخر ، خالف مؤلّفه) أي مؤلف ذلك التصنيف الآخر (الحكم المذكور) الذي ادعوا قبل ذلك فيه الاجماع (رجعوا عن الدّعوى المذكورة) من الاجماع الى فتوى مخالفة ، لما أفتوه اولا ، مثلا : اذا رأى أصحاب الكتب المصنفة الموجودة عنده ، يقولون : بوجوب الجمعة ، افتي : بوجوب

__________________

(١) ـ ذخيرة المعاد : ص ٥٠.

٦٨

ويرشد إلى هذا كثير من القرائن التي لا يناسب هذا المقام تفصيلها» ، انتهى.

وحاصل الكلام ، من أوّل ما ذكرنا إلى هنا ، أنّ الناقل للاجماع إن احتمل في حقّه تتبّع فتاوى من ادّعى اتفاقهم حتى الامام عليه‌السلام الذي هو داخل في المجمعين ، فلا إشكال في حجّيته وفي إلحاقه بالخبر الواحد ،

______________________________________________________

الجمعة ، وادعى الاجماع على وجوبها ، ثم اذا رأى جملة من الكتب الاخرى ، تقول : باستحباب الجمعة رجع الى الاستحباب ، أو الى التخيير ، أو ما أشبه ذلك.

(ويرشد الى هذا ، كثير من القرائن التي لا يناسب هذا المقام تفصيلها) (١) مما تقدّم : من تعارض الاجماعين من شخص واحد ، أو تعارض الاجماعين من متحدي العصر ، أو متقاربي العصرين ، أو عدول المفتي عن الفتوى ، التي ادعى الاجماع فيها ، الى فتوى اخرى ، الى غير ذلك مما تقدّم الالماع الى بعضها (انتهى) كلام المحقق السبزواري.

(وحاصل الكلام ، من أوّل ما ذكرنا الى هنا) حول حجيّة الاجماع المنقول وعدم حجّيته :

(انّ الناقل للاجماع ، ان احتمل في حقّه) احتمالا عقلائيا ، يلحق كلامه بالظهور كما اذا (تتبّع فتاوى من ادّعى اتفاقهم ، حتى الامام عليه‌السلام ، الّذي هو داخل في المجمعين) ، وكان من عادته ، انه اذا ادعى الاجماع أراد الاجماع الدخولي (فلا اشكال في حجّيته) أي : في حجيّة هذا الاجماع ، (و) كذلك لا اشكال (في الحاقه) أي هذا الاجماع (بالخبر الواحد) لانّه اخبار عن قول المعصوم عليه‌السلام عن حسّ ، فانّ من يرى دخول المعصوم في العلماء ، فهو حسّ بانّ المعصوم عليه‌السلام

__________________

(١) ـ ذخيرة المعاد : ص ٥١.

٦٩

إذ لا يشترط في حجّية معرفة الامام تفصيلا حين السماع منه ، لكن هذا الفرض ممّا يعلم بعدم وقوعه وأنّ المدّعي للاجماع لا يدّعيه على هذا الوجه.

وبعد هذا فان احتمل في حقّه تتبّع فتاوى جميع المجمعين ، والمفروض أنّ الظاهر من كلامه هو اتّفاق الكلّ المستلزم عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام ، فالظاهر حجيّة خبره

______________________________________________________

قال ذلك الحكم (اذ لا يشترط في حجّيته) أي حجيّة الخبر الواحد (معرفة الامام عليه‌السلام تفصيلا حين السّماع منه) ، وقد تقدّم : انه اذا علم ان احد هذين الاثنين ، هو الامام ، وأفتيا بشيء ، فانه يتمكن ان ينسب هذه الفتوى الى الامام عليه‌السلام.

و (لكن) سبق ان (هذا الفرض) أي الاجماع الدخولي (ممّا يعلم بعدم وقوعه) لأنّ الامام عليه‌السلام ، منذ غيبته الى يومنا هذا ، لم يعاشر الناس ، فكيف يعلم مدعي الاجماع بأنّه عليه‌السلام في الفقهاء ، وان قوله في ضمن قولهم؟.

نعم ، قد تقدّم : ان الاجماع التشرّفي الذي ادعاه الآخوند ، تبعا لبعض آخر ، ممكن ، لكنه حتى لو وجد كان نادرا ندرة كبيرة (وانّ المدّعي للاجماع) انّما يدّعيه بالحدس و (لا يدّعيه على هذا الوجه) الدخولي ، حتى يكون الاجماع بمنزلة الخبر الواحد.

(وبعد هذا) الذي ذكرناه : من انّ الاجماع الدخولي متعذر الوقوع (فان احتمل في حقه) أي حق مدعي الاجماع (تتبع فتاوى جميع المجمعين) وكل الفقهاء منذ عصر الغيبة (و) الى اليوم ، اذ (المفروض ان الظاهر من كلامه هو : اتفاق الكل المستلزم عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام فالظاهر حجّية خبره) : من أن العلماء

٧٠

للمنقول إليه ، سواء جعلنا المناط في حجّيته تعلّق خبره بنفس الكاشف الذي هو من الامور المحسوسة المستلزمة ضرورة لأمر حدسي وهو قول الامام ، او جعلنا المناط تعلّق خبره بالمنكشف وهو قول الامام عليه‌السلام ، لما عرفت من أنّ الخبر الحدسيّ المستند الى إحساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة ، كالخبر الحسّي في وجوب القبول ، وقد تقدّم الوجهان في كلام

______________________________________________________

أجمعوا على كذا (للمنقول اليه) الذي يريد استفادة الاجماع ، من كلام ناقل الاجماع.

(سواء جعلنا المناط في حجّيته) أي حجيّة الخبر (تعلّق خبره بنفس الكاشف الذي هو من الامور المحسوسة ، المستلزمة ضرورة لأمر حدسي وهو : قول الامام عليه‌السلام او جعلنا المناط تعلّق خبره بالمنكشف) فانّ من تتبع اقوال العلماء ، قد ينقل قوله عليه‌السلام ، وهو المنكشف والمسبب ، وقد ينقل قول العلماء واحدا واحدا ، وهو السبب والكاشف.

وعلى أي حال : فالاجماع الذي هو عبارة عن تتبع الفتاوى كلا ونقله سواء نقل المنكشف ، أو نقل الكاشف حجة بالنسبة الى المنقول اليه ، فانه لو نقل المنكشف (وهو قول الامام عليه‌السلام) كان من الاخبار الحدسيّ المستند الى الحسّ (لما عرفت : من انّ الخبر الحدسيّ المستند الى احساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة ، كالخبر الحسّي في وجوب القبول) مثل ما تقدّم : من الاخبار عن الشجاعة المتفرقة ، التي تدل وتكشف شجاعة صاحبها ، وكذلك بالنسبة الى العدالة ، والجبن ، والكرم ، والبخل ، وما أشبه ذلك ، فانه سواء نقل السبب أو المسبب ، حصل للمنقول اليه العلم بالمسبب.

هذا (وقد تقدّم الوجهان) من نقل السبب ، او نقل المسبب مشروحا (في كلام

٧١

السيّد الكاظميّ في شرح الوافية.

لكنّك قد عرفت سابقا القطع بانتفاء هذا الاحتمال ، خصوصا إذا أراد الناقل اتّفاق علماء جميع الأعصار. نعم ، لو فرضنا قلّة العلماء في عصر بحيث يحاط بهم ، أمكن دعوى اتّفاقهم عن حسّ ، لكن هذا غير مستلزم عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام. نعم ، يكشف عن موافقته ، بناء على طريقة الشيخ المتقدّمة التي لم تثبت عندنا وعند الأكثرين.

______________________________________________________

السيّد الكاظميّ في شرح الوافية) فلا نحتاج الى تكراره.

(لكنّك قد عرفت سابقا : القطع بانتفاء هذا الاحتمال) أيضا : وذلك لعدم امكان تحقق القطع من ناقل الاجماع ، بانّه قد تتبع جميع أقوال العلماء ، فان جميع اقوال العلماء ، مع تعدد الأمصار والأزمان ، شيء متعذر قطعا ، فاذا ادّعى أحد : انّ في المسألة اجماع ، يجب أن يحمل كلامه على غير هذا المعنى (خصوصا اذا اراد الناقل : اتّفاق علماء جميع الاعصار) والأمصار.

(نعم ، لو فرضنا قلّة العلماء في عصر بحيث يحاط بهم) أي : أمكن لمدعي الاجماع ان يحيط بأقوالهم (أمكن دعوى : اتفاقهم عن حسّ) امكانا عاديا.

(لكن هذا ، غير مستلزم عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام) اذ لا يلزم قول جماعة من العلماء قول الامام عليه‌السلام.

(نعم ، يكشف) اتفاق علماء العصر ، قلّوا أو كثروا (عن موافقته) أي : موافقة الامام عليه‌السلام (بناء على طريقة الشيخ المتقدّمة) من اللطف ، لأنّ اللطف لا يختص بكثرة العلماء ، بل يشمل قلتهم ، أيضا (التي لم تثبت عندنا وعند الأكثرين) من الفقهاء ، فانا لا نقول باللطف في الصغرى الجزئية ، التي ادعاها الشيخ ، وان قلنا : باللطف في مسألة الرسالة والامامة.

٧٢

ثمّ إذا علم عدم استناد دعوى اتفاق العلماء المتشتّتين في الأقطار الذي يكشف عادة عن موافقة الامام عليه‌السلام الّا إلى الحدس النّاشئ عن أحد الامور المتقدّمة التي مرجعها إلى حسن الظنّ او الملازمات الاجتهاديّة ، فلا عبرة بنقله ، لأنّ الاخبار بقول الامام عليه‌السلام غير مستند إلى حسّ ملزوم له عادة ، ليكون نظير الاخبار بالعدالة المستندة إلى الآثار الحسيّة ، والاخبار بالاتفاق أيضا حدسيّ.

نعم ،

______________________________________________________

(ثم اذا علم عدم استناد دعوى : اتفاق العلماء المتشتّتين في الأقطار الذي) ذلك الاتفاق (يكشف عادة عن موافقة الامام عليه‌السلام ، الا الى الحدس النّاشئ عن أحد الامور المتقدّمة ، التي) يكون (مرجعها الى حسن الظّن) بالعلماء المتقدمين ، أو بالمعروفين ، منهم ـ كما تقدّم ـ (أو الملازمات الاجتهاديّة) كالحدس باتّفاقهم على الحكم ، من اتّفاقهم على مسألة اصولية أو آية أو رواية ـ كما مرّ سابقا ـ (فلا عبرة بنقله) للاجماع ، وانّما لا عبرة بنقله للاجماع (لأنّ الاخبار بقول الامام) عليه‌السلام (غير مستند الى حسّ ملزوم له) أي : ملزوم لقول الامام عليه‌السلام (عادة ، ليكون نظير الاخبار بالعدالة ، المستندة الى الآثار الحسّيّة) لان ناقل الاجماع لم يسمع قول الامام عليه‌السلام وحده أو في جماعة من العلماء ، كما في الاجماع الدخولي.

هذا (والاخبار بالاتفاق ايضا حدسيّ) لانه لم يتتبع أقوال جميع العلماء المستلزم لقول الامام عليه‌السلام ، بل استند في اجماعه الى حسن الظنّ ، أو الملازمات الاجتهادية ، وكلاهما حدس كقول الامام عليه‌السلام وليس عن حسّ.

(نعم) بعد ما عرفت : من انّ الاجماع المنقول ، المستند الى حسن الظن ، أو

٧٣

يبقى هنا شيء ، وهو ان هذا المقدار من النسبة المحتمل استناد الناقل فيها إلى الحسّ يكون خبره حجّة فيها ، لأنّ ظاهر الحكاية محمول على الوجدان إلّا إذا قام هناك صارف ، والمعلوم من الصارف هو عدم استناد الناقل إلى الوجدان والحس في نسبة الفتوى إلى جميع من ادّعى إجماعهم.

وأمّا استناد نسبة الفتوى إلى جميع أرباب الكتب المصنّفة في الفتاوى إلى الوجدان في كتبهم بعد التتبّع ، فأمر محتمل

______________________________________________________

الحدس الاجتهادي ، ليس بحجة (يبقى هنا شيء) من الفائدة لمثل هذا الاجماع المنقول (وهو : انّ هذا المقدار من النسبة) التي ذكرها ناقل الاجماع لأقوال هؤلاء العلماء (المحتمل استناد الناقل فيها الى الحس ، يكون خبره حجّة فيها) أي : في تلك النسبة ، فانا بعد ما قطعنا ـ عقلا وعادة ـ بعدم تتبع ناقل الاجماع ، أقوال كل الفقهاء بل بعضهم ، اخذنا بقدر ذلك البعض ، فاذا كان خبره ، عن عشرة ـ مثلا ـ كان قوله حجة في العشرة ، وذلك مفيد لنا ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، وذلك (لأنّ ظاهر الحكاية) للاجماع (محمول) هذا الظاهر (على الوجدان) أي انه تتبع أقوال جماعة من العلماء ، لا انّه استند الى أصل ، أو آية ، أو رواية (الّا اذا قام هناك صارف) عن هذا التتبع ، دال على انه لم يتتبع قول الفقهاء اطلاقا ، وانّما استند الى آية أو رواية ، أو أصل أو نحو ذلك.

(والمعلوم من الصارف هو : عدم استناد الناقل الى الوجدان والحسّ ، في نسبة الفتوى الى جميع من ادّعى إجماعهم) بل انّما يدل قطعا : على انه لم يتتبع جميع أقوال فقهاء الاعصار والأمصار بل ولا حتى أقوال علماء عصر واحد.

(وامّا استناد نسبة الفتوى الى جميع أرباب الكتب المصنّفة في الفتاوى ، الى الوجدان) لتلك النسبة (في كتبهم بعد التتبّع ، فأمر محتمل) وممكن عقلا ، فيما

٧٤

لا يمنعه عادة ولا عقل.

وما تقدّم من المحقّق السبزواريّ ، من ابتناء دعوى الاجماع على ملاحظة الكتب الموجودة عنده حال التأليف ، فليس عليه شاهد ، بل الشاهد على خلافه ، وعلى تقديره فهو ظنّ لا يقدح في العمل بظاهر النسبة ، فانّ نسبة الأمر الحسّي الى شخص ظاهر في إحساس الغير إيّاه من ذلك الشخص.

______________________________________________________

اذا لم تكن الكتب كثيرة جدا ـ كما في عصرنا ـ والّا كان ذلك أيضا من المحال العادي ، فانه (لا يمنعه عادة ولا عقل) في الصورة التي ذكرناها.

(وما تقدّم من المحقّق السبزواري : من ابتناء دعوى الاجماع على ملاحظة الكتب الموجودة عنده حال التأليف ، فليس عليه شاهد) لأنّا نرى كثيرا من الفقهاء ، يفحصون عن الكتب التي ليست موجودة عندهم في المكتبات ، وعند زملائهم من العلماء ، وما الى ذلك ، لهذا قال المصنف : (بل الشاهد على خلافه) فلا يمكن أن يدعى ـ مثلا ـ بانّ الجواهر في اجماعاته التي ادعاها لاحظ عشرة من الكتب التي عنده فقط.

(وعلى تقديره) أي : وجود الشاهد ، لما ذكره السبزواري رحمه‌الله (فهو ظنّ) أي : نظن بأنّ الناقل ، لاحظ الكتب الحاضرة عنده فقط عند دعواه الاجماع ومثله ، (لا يقدح في العمل بظاهر النسبة ، فانّ نسبة الأمر الحسي إلى شخص ، ظاهر في إحساس الغير إيّاه من ذلك الشخص) ، فاذا قال : أجمع العلماء ، كان ظاهر في ان هذا المخبر عند اخباره بالاجماع ، كان قد اخبر عن حسّ ، وذلك بان رأي ما نسبه من الفتوى الى الفقهاء في كتبهم وقول المصنف : «ايّاه» يرجع الى الأمر الحسي ، وهو تتبع فتاوى الفقهاء في كتبهم.

٧٥

وحينئذ : فنقل الاجماع غالبا إلّا ما شذّ حجّة بالنسبة إلى صدور الفتوى عن جميع المعروفين من أهل الفتاوى.

ولا يقدح في ذلك أنّا نجد الخلاف في كثير من موارد دعوى الاجماع ، إذ من المحتمل إرادة الناقل ما عدا المخالف ، فتتبّع كتب من عداه ونسب الفتوى إليهم ،

______________________________________________________

(وحينئذ) أي : اذا كان ظاهر النسبة هو : انه أحس بفتاواهم ورآها ، لا انّه استفاد فتاواهم وحدس بها من أصل ، أو آية ، أو رواية (ف) يكون (نقل الاجماع) من مدعي الاجماع (غالبا الّا ما شذّ ، حجّة بالنسبة الى صدور الفتوى عن جميع المعروفين من أهل الفتاوى) في جميع الأعصار من عصر مدّعي الاجماع ، وما قبله من العصور السابقة عليه.

وقوله : «الّا ما شذ» يراد به : ما اذا كان هناك قرينة على خلاف ظاهر كلامه ، او كان هناك من علم بمخالفته ، كما اذا علمنا انّ زيدا ـ مثلا ـ من الفقهاء مخالف لسائر اهل الفتوى.

والحاصل : انّ ادعاء الاجماع ظاهر ، في انّه رأى فتوى المعروفين ، الّا اذا علمنا : انه استند في دعواه للاجماع الى آية أو رواية أو أصل ، أو اذا علمنا بأنّ بعض المعروفين ، مخالفون في الفتوى لسائر العلماء.

(ولا يقدح في ذلك) الذي ذكرناه : من حجّية نقل الاجماع بالنسبة الى صدور الفتوى عن جميع المعروفين من أرباب الكتب (انّا نجد الخلاف ، في كثير من موارد دعوى الاجماع) ، وانّما لا يقدح ذلك (اذ من المحتمل ارادة الناقل ما عدا المخالف) فانه لما تتبع كتب الفقهاء ووجد مخالفا ، لم يعتن بالمخالف فادّعى الاجماع مسامحة (فتتبّع كتب من عداه ، ونسب الفتوى إليهم) ، وهذا الاحتمال

٧٦

بل لعلّه اطّلع على رجوع من نجده مخالفا ، فلا حاجة الى حمل كلامه على من عدا المخالف.

وهذا المضمون المخبر به عن حسّ ، وإن لم يكن مستلزما بنفسه عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام ، الّا أنّه قد

______________________________________________________

وان لم يوجب الظهور ، الّا انه مما يذب به عن ناقل الاجماع ، فلا يستشكل على ناقل الاجماع : بأنه كيف يدعي الاجماع ، وهناك مخالف في المسألة؟ لانه يذب عنه : بانه لم يعتن بالمخالف.

(بل لعلّه اطّلع على رجوع من نجده مخالفا) أي : لعلّ مدعي الاجماع وجد المخالف قد رجع من فتواه بعد ذلك ، فتحقّق الاجماع ، كما اذا كان العلامة ـ مثلا ـ أولا مخالفا في وجوب صلاة الجمعة ، ثم رجع وقال بالوجوب ، فاطلع هذا الناقل عليه فنسب الوجوب الى فتوى جميع العلماء.

وعليه : (فلا حاجة الى حمل كلامه على من عدا المخالف) بناء على الاحتمال الثاني ، الذي ذكرناه بقولنا : «بل لعله اطلع».

(و) ان قلت هب انّ ناقل الاجماع رأى كل الكتب المعتمدة ، وادعى الاجماع ، فما فائدة مثل هذا الاجماع ، الذي لم يكن كاشفا عن قول المعصوم؟.

قلت : (هذا المضمون) الحاصل من اتفاق المعروفين ، بسبب نقل الجواهر ـ مثلا ـ للاجماع (المخبر به عن حسّ) اذ المفروض ان مدعي الاجماع ، انّما يخبر عن المعروفين ، عن حسّ ، لأنّه رأى فتاواهم في كتبهم بمقتضى ظاهر لفظه ، فهذا (وان لم يكن مستلزما بنفسه عادة لموافقة قول الامام عليه‌السلام) لأنّ فتوى جماعة ولو كبيرة من العلماء لا تكشف عن قول الامام عليه‌السلام ـ على ما تقدّم ـ (الّا انّه قد

٧٧

يستلزم بانضمام أمارات أخر يحصّلها المتتبّع او بانضمام أقوال المتأخرين من دعوى الاجماع.

مثلا : إذا ادّعى الشيخ قدس‌سره ، الاجماع على اعتبار طهارة مسجد الجبهة ، فلا أقلّ من احتمال أن يكون دعواه مستندة إلى وجدان الحكم في الكتب المعدّة للفتوى

______________________________________________________

يستلزم) فتوى المعروفين لقوله عليه‌السلام (ب) سبب (انضمام أمارات أخر يحصّلها المتتبّع) كدلالة آية أو رواية أو إجماعات أخر أو سيرة ، أو ما أشبه ، (أو بانضمام أقوال المتأخرين من) زمان (دعوى الاجماع) التي يتتبعها المنقول اليه كما اذا رأينا العلامة ـ مثلا ـ يدعي الاجماع فهو ظاهر في قول المعروفين الى زمان العلامة ، ونحن نتتبع أيضا قول المعروفين من بعد العلامة ، فنجدهم أيضا موافقين لاجماع العلامة ، وبذلك نحصل على انّ فقهاء الشيعة عامة ، يقولون بالأمر الفلاني ، واذا حصل لنا ذلك ، كشفنا منه قول الامام ، لأنّ اجماع الكل كاشف عن قوله عليه‌السلام ـ على ما تقدّم ـ.

هذا ، ونمثّل للانضمام بالأقوال والأمارات الأخر ، المفيدة بالمجموع لقول الامام عليه‌السلام بما يلي :

(مثلا : اذا ادّعى الشيخ قدس‌سره الاجماع ، على اعتبار طهارة مسجد الجبهة) في حال السجود ، وقال : بانه لا يصح بالاجماع ، ان يسجد الانسان في صلاته على مكان نجس ، فانه قطعا لم يتتبع أقوال كل الفقهاء ، لمنع العقل والعادة عن مثل ذلك (فلا أقلّ من احتمال : ان يكون دعواه مستندة الى وجدان الحكم في) جميع (الكتب المعدّة للفتوى) ، فانّ الفقهاء المتقدمين ، كانوا ربما يجمعون الفتاوى في كتاب مستقل وربما يجمعون ايضا الروايات في كتاب كذلك ، ومراد المصنف من

٧٨

وإن كان بايراد الروايات التي يفتي المؤلّف بمضمونها ، فيكون خبره المتضمّن لافتاء جميع أهل الفتوى بهذا الحكم حجّة في المسألة ، فيكون كما لو وجدنا الفتاوى في كتبهم ، بل سمعناها منهم ، وفتواهم وإن لم تكن بنفسها مستلزمة ، عادة ، لموافقة الامام عليه‌السلام ، الّا انا إذا ضممنا

______________________________________________________

قوله : «في الكتب المعدة للفتوى» ، أعم من هذين القسمين ، ولذا قال : (وان كان بايراد الروايات ، التي يفتي المؤلّف بمضمونها) مثل نهاية شيخ الطائفة مثلا ، وبعض الكتب الاخرى التي يجمع الفقهاء فتاواهم في تلك الكتب ، وان كان بمجرد ذكر الروايات ، التي يعملون بها ، ويحتمل ان يريد المصنف : كتب الفتاوى فقط.

وشيخ الطائفة المدعي للاجماع على اعتبار طهارة المسجد ، قد وجد الحكم في كتبهم الفتوائية أو الروائية (فيكون خبره) أي خبر الشيخ (المتضمّن لافتاء جميع أهل الفتوى بهذا الحكم) وهو اعتبار طهارة المسجد (حجّة في المسألة) المذكورة.

(فيكون) خبر شيخ الطائفة بالنسبة الى هذا المقدار من وجدانه لفتاوى جماعة كبيرة من الفقهاء في كتبهم ، حول هذه المسألة (كما لوجدنا الفتاوى في كتبهم ، بل سمعناها منهم) فان الوجدان في الكتب يساوق السماع من أصحاب الكتب ، فيما اذا كانت الكتب معتمدة.

(و) مجرد (فتواهم) أي : أهل تلك الكتب (وان لم تكن بنفسها مستلزمة عادة لموافقة الامام عليه‌السلام) لما تقدّم : من أن فتاوى جماعة ، لا تستلزم قول الامام عليه‌السلام وانّما المستلزم له عادة ، هو فتوى جميع العلماء ، (الّا انا اذا ضممنا

٧٩

إليها فتوى من تأخّر عن الشيخ من أهل الفتوى وضمّ إلى ذلك أمارات أخر ، فربّما حصل من المجموع القطع بالحكم ، لاستحالة تخلّف هذه جميعها عن قول الامام عليه‌السلام ، وبعض هذا المجموع ـ وهو اتفاق أهل الفتاوى المأثورة عنهم ـ وإن لم يثبت لنا بالوجدان ، إلّا أنّ المخبر قد أخبر به عن حسّ ، فيكون حجّة كالمحسوس لنا.

وكما انّ مجموع ما يستلزم عادة لصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام ، إذا

______________________________________________________

اليها) أي : الى تلك الفتاوى التي اخبر الشيخ بها بلفظ الاجماع (فتوى من تأخّر عن الشيخ من أهل الفتوى) الى زماننا هذا (وضمّ الى ذلك) أي : اجماع الشيخ ووجداننا لفتاوى من تأخّر عن الشيخ (أمارات أخر) من آية أو رواية أو سيرة أو نحو ذلك (فربما حصل من المجموع) لهذه الثلاثة (القطع بالحكم) الشرعي من وجوب طهارة مسجد الجبهة في حال الصلاة.

وذلك ، (لاستحالة تخلّف هذه جميعها) أي اجماع الشيخ ، وما وجدناه ، وسائر الأمارات التي ضمت اليهما (عن قول الامام عليه‌السلام وبعض هذا المجموع ، وهو : اتفاق أهل الفتاوى المأثورة) أي : المنقولة (عنهم) أي عن أولئك العلماء ، الّذين لخّص فتاواهم الشيخ في قوله : اجماع (وان لم يثبت لنا بالوجدان) لانّا لم نتتبع أقوال معاصري الشيخ ، ومن تقدّم على الشيخ ، (الّا أنّ المخبر) وهو الشيخ في المثال (قد أخبر به) أي : باتفاق أهل الفتاوى في زمانه ومن قبله (عن حسّ) لانه مقتضى ظاهر قوله : اجمع العلماء على هذه المسألة ، (فيكون) قول الشيخ (حجّة كالمحسوس لنا) فهذه الحجة المتضمنة الى الأمرين الآخرين ـ من تتبعنا لفتاوى من تأخّر عن الشيخ وعثورنا على سائر الامارات ـ أوجب لنا العلم بالحكم.

(و) ذلك (كما ان مجموع ما يستلزم عادة لصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام ، اذا

٨٠