آية الله السيد محمد الشيرازي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
فردّه الله ـ تعالى ـ بقوله لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ).
ومن المعلوم : انّ تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، للمنافق ، لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا.
وهذا التفسير صريح في أنّ المراد من المؤمنين المقرّون بالايمان من غير اعتقاد ، فيكون الايمان لهم على حسب إيمانهم ،
______________________________________________________
يقبل من الجميع (فردّه الله تعالى بقوله لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) (١)) (٢).
هذا (ومن المعلوم : انّ تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافق ، لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه) ، أي على خبره (مطلقا).
فانه لم يرتب الآثار ، بأن يجعل المنافق في مكانته السابقة ، من كونه انسانا مؤمنا واقعيا ، كما إنه لم يطرده من عنده ، بأن لا يصدقه حتى ظاهريا ، فانّه لو صدّق المنافق واقعا كان معناه : عدم تصديق الله سبحانه وتعالى ولو إنه طرد المنافق لم يكن اذن خير بالنسبة إليه وإنما فعل شيئا متوسطا ، وهو : المعنى الثالث الذي ذكرناه.
(وهذا التفسير صريح في أنّ المراد من المؤمنين) هنا : المنافقون ، خصوصا بقرينة صدر الآية ، حيث قال سبحانه : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) (المقرون بالايمان) ظاهرا (من غير اعتقاد) كما هو شأن المنافق.
(فيكون الايمان لهم) من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسلم حسب قوله سبحانه : (يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (على حسب إيمانهم) أي : حسب إيمان اولئك المنافقين.
فكما إن ايمانهم ليس الّا مجرد إظهار القبول ، بدون ترتيب الآثار على قول
__________________
(١) ـ سورة التوبة : الآية ٦١.
(٢) ـ تفسير القميّ : ج ١ ص ٣٠٠.
ويشهد بتغاير معنى الايمان في الموضعين ، مضافا إلى تكرار لفظه ، تعديته في الأوّل بالباء وفي الثاني باللام ، فافهم.
______________________________________________________
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما هو شأن المنافق ـ كذلك إيمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمنافقين لا يكون الّا بمجرد إظهار القبول ، بدون ترتيب آثار الواقع.
لكن لا يخفى : ان المعنى الذي ذكره المصنّف ، غير ظاهر من الآية المباركة ، فانّ الظاهر : انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وسلم يؤمن لنفع من أظهر الايمان ، فان كان مؤمنا واقعيا رتّب الآثار أيضا ، وإن كان مؤمنا ظاهريا لا يرتّب الآثار ، لمحذور في ترتيب الآثار ، لا انّ الآية في صدد عمله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع المنافق فقط ، لأنّ قوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١) كالكبرى الكلية لقوله تعالى : (خَيْرٍ لَكُمْ) (٢).
وبذلك ظهر ان ما يأتي من استشهاد المصنّف رحمهالله لما ذكره من المعنى ، محل تأمّل حيث قال : (ويشهد بتغاير معنى الايمان في الموضعين) أي : في قوله سبحانه : (يُؤْمِنُ بِاللهِ) ، وقوله سبحانه : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) امران :
الاول : (مضافا الى تكرار لفظه) فانّه لو كان المراد من الايمان : معنى واحدا ، لكان مقتضى البلاغة أن يقول ـ مثلا ـ : يؤمن بالله وبالمؤمنين ، أو يقول يؤمن بالله وللمؤمنين ، بلا تكرار «ويؤمن» (تعديته) أي : الايمان (في الأوّل : بالباء) الذي هو للالصاق (وفي الثاني : باللام) الذي هو للانتفاع.
(فافهم) فانّ الظاهر من الفرق ، هو : انّ الايمان بالله يكون بذات الله سبحانه ،
__________________
(١) ـ سورة التوبة : الآية ٦١.
(٢) ـ سورة التوبة : الآية ٦١.
وأما توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، فنقول : إنّ المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان.
______________________________________________________
أمّا الايمان بالمؤمنين فلا يكون بذواتهم ، بل يكون الايمان في نفعهم. فانه يقال : آمنت بالله ، ولا يقال : آمنت بزيد. (وأما توجيه الرواية) أي : رواية إسماعيل (١) (فيحتاج الى بيان معنى التصديق) فانّ التصديق له معنيان : ـ
الاول : انه اذا لم تعلم بانّ شخصا أحسن أو اساء ، فاحمله على أحسنه.
الثاني : قل : انّه مطابق للواقع ، فرتب آثار الواقع عليه.
مثلا : اذا لم يعلم بانّ المقبل إليه سبّه أو سلّم عليه ، قال : إنه سلم عليه.
لكن ليس معنى ذلك : إنه يجب ترتيب آثار الواقع عليه ، كوجوب جوابه ، خصوصا إذا كان في الصلاة ـ مثلا ـ.
ورواية إسماعيل أيضا كذلك ، فانها تقول : احمل قول المؤمنين في فلان بانّه شارب الخمر ، على أحسنه ، أي : إنهم صادقون ، ولكنها لا تقول : رتب آثار الواقع ، بأن تضربه حدّ شرب الخمر ، بينما حجّية خبر العادل معناه : اجلده حدّ الخمر.
إذن : فرواية إسماعيل لا تدلّ على حجّية خبر العادل ، وإنّما تدل على المعنى الأول.
والى ما ذكرناه أشار المصنّف بقوله (فنقول : انّ المسلم إذا أخبر بشيء ، فلتصديقه معنيان) على النحو التالي :
__________________
(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ١٩ ص ٨٣ ب ٦ ح ٢٤٢٠٧.
أحدهما : ما يقتضيه أدلة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فانّ الاخبار ، من حيث أنّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان نقيضه ، كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الاخبار على الصادق حمل على أحسنه.
______________________________________________________
(أحدهما : ما) أي : المعنى الذي (يقتضيه أدلة تنزيل فعل المسلم على الصّحيح والأحسن) مثل : قوله عليهالسلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه» (١).
والمراد بالأحسن : الحسن ، كما هو واضح ، مثل قوله سبحانه :
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢).
(فانّ الاخبار من حيث انّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه : ما كان مباحا) كالخبر الصادق ، والعمل الصحيح ، والقول الجميل ، مثل : انه سلّم ، لا انه سبّ.
(وفاسده ما كان نقيضه) اي : نقيض المباح (كالكذب ، والغيبة ونحوهما) من السبّ ، والبهتان ، وما أشبه ذلك.
فاذا رأينا مسلما يقول كلاما لم نعلم إنه سبّ أو دعاء ، لا نحمله على السبّ ، وإذا رأينا مسلما يشرب مائعا لا نعلم انه خمر أو ماء ، لا نقول : انّه خمر ، وهكذا.
(فحمل الأخبار على الصّادق ، حمل على أحسنه ،) وصحيحه.
__________________
(١) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ٣٦٢ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٣٠٢ ب ١٦١ ح ١٦٣٦١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٢ ص ١٠.
(٢) ـ سورة الانعام : الآية ١٥٢.
والثاني : هو حمل اخباره ، من حيث انّه لفظ دالّ على معنى ، يحتمل مطابقته للواقع وعدمها ، على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه.
والمعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل.
وأمّا المعنى الأوّل ، فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن.
وهو ظاهر الأخبار الواردة في : أنّ من حقّ المؤمن على المؤمن أن يصدّقه
______________________________________________________
(والثاني : هو حمل اخباره ، من حيث انه لفظ دال على معنى ، يحتمل مطابقته للواقع وعدمها) أي : عدم مطابقتها للواقع ، نحمله (على كونه مطابقا للواقع) وذلك (بترتيب آثار الواقع عليه) فاذا أخبرنا عادل عن أحد المعصومين عليهالسلام حكما ، أخذنا به ، وعملنا عليه ، وقبلنا مطابقته للواقع بترتيبنا آثار الواقع عليه.
(والمعنى الثاني : هو الذي يراد من العمل بخبر العادل) لأنّ معنى حجّية خبر العادل : حمله على الصدق ومطابقته للواقع بترتيب آثار الواقع عليه ، فاذا قال : انّ الامام الصادق عليهالسلام قال : صلاة الجمعة واجبة ، نصليها ، وإذا قال : قال الامام الصادق عليهالسلام : العصير العنبي حرام ، نترك شربه.
(وأمّا المعنى الأول : فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن) وهو المراد من التصديق في رواية إسماعيل ، حيث قال الامام عليهالسلام :
بأنه على إسماعيل تصديق المسلمين فيما يقولون من انّ فلانا يشرب الخمر ، فيكون معناه : انّه يلزم على إسماعيل ان يقول : إن المسلمين صادقون في قولهم لا انهم كاذبون.
(وهو ظاهر الأخبار الواردة في : انّ من حق المؤمن على المؤمن ، أن يصدّقه
ولا يتّهمه ، خصوصا مثل قوله عليهالسلام : «يا أبا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذبهم ، الخبر».
______________________________________________________
ولا يتّهمه) فانّه وردت جملة من الرّوايات بهذا المعنى كما ذكرنا جملة منها في الفقه ، «الآداب والسنن» (١).
(خصوصا مثل : قوله عليهالسلام) لأحد الرواة وهو : أبو محمد : (يا أبا محمّد ، كذب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة : أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدقه وكذبهم) الى آخر (الخبر) (٢).
ومن أمثلة القسامة : ان إنسانا لو ادّعى إنّ شخصا قتل أباه ـ مثلا ـ فانه لوث بالنسبة الى ذلك الشخص ، فاللازم على المدعي : أن يأتي هو وأقرباؤه ومن أشبه بخمسين قسما على صدق قوله : انّ فلانا قاتل ، فان لم يأت المدعي بذلك ، حلف المتهم وأقرباؤه خمسين قسما بأنه بريء من القتل ، فعلى الأول : يثبت القتل ، وعلى الثاني : يسقط الاتهام.
وفي هذه الرواية يقول ـ الامام عليهالسلام : اذا قال لك خمسون قسامة : ان فلانا سبّك ـ مثلا ـ وقال هو : اني لم أسبّك ، فخذ بكلامه لا بكلامهم ، بمعنى : انّه لا يرتب أثر السبّ على كلام القسامة ، لا إنه يكذبهم ويقول لهم : أنتم كاذبون وهو صادق.
__________________
(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ٩٤ ـ ٩٧ للشارح.
(٢) ـ ثواب الاعمال : ص ٢٩٥ ح ١ ، الكافي (روضة) : ج ٨ ص ١٤٧ ح ١٢٥ ، اعلام الدين : ص ٤٠٥ ، بحار الانوار : ج ٧٥ ص ٢١٤ ب ٦٥ ح ١١ وص ٢٥٥ ب ٦٦ ح ٤٠ ، وسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٢٩٥ ب ١٥٧ ح ١٦٣٤٣.
فانّ تكذيب القسامة ، مع كونهم أيضا مؤمنين ، لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم. لا ما يقابل تصديق المشهود عليه ، فانّه ترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح. نعم ، خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وإن أنكر المشهود عليه.
وأنت إذا تأمّلت هذه الرّواية ولاحظتها
______________________________________________________
(فانّ تكذيب القسامة مع كونهم أيضا مؤمنين ، لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم) بأن لا يقول : انّه سبّ ، فيجري عليه الحد ـ مثلا ـ كما إذا لم يجتمع في القسامة شروط الشهادة ، اذ لا يلزم ان يكون القسامة عدولا.
(لا ما يقابل) أي : ليس المراد : تكذيبهم في الظاهر ، في مقابل (تصديق المشهود عليه ، فانّه) أي : تصديق المشهود عليه وتكذيبهم (ترجيح بلا مرجّح) فانه لما ذا يكذب القسامة ، ويصدق الانسان الواحد.
(بل) هو (ترجيح المرجوح) على الراجح ، اذ من الواضح : ان القبول من الخمسين ، أرجح من قبول الواحد.
لا يقال : فاذا كان الميزان ذلك ، فلما ذا يقبل من الشاهدين في مثل القتل وما أشبه؟. ويقبل من الشهود الأربعة في مثل الزنا وما أشبه؟.
فانه يقال ـ كما أجاب المصنّف ـ : (نعم ، خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وإن أنكر المشهود عليه) سواء كانت الشهادة في الماليات بواحد ويمين ، أو في غير الماليات بشاهدين ، أو في مثل الزنا ونحوه بأربعة شهود.
(وأنت إذا تأمّلت هذه الرّواية ولاحظتها) وهي : قوله عليهالسلام : يا أبا محمد ،
مع الرواية المتقدّمة في حكاية إسماعيل ، لم يكن لك بدّ من حمل التصديق على ما ذكرنا.
وإن أبيت إلّا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع ،
______________________________________________________
كذّب سمعك وبصرك عن أخيك (مع الرّواية المتقدّمة في حكاية إسماعيل) حيث قال عليهالسلام : اذا شهد عندك المسلمون فصدقهم (١) (لم يكن لك بدّ) أي : علاج (من حمل التصديق) في هذه الرّواية (على ما ذكرنا).
فانّ قوله عليهالسلام في رواية إسماعيل : «صدّقهم» ، وفي هذه الرواية : «صدّقه» ، متحدان من حيث اللّسان والمؤدى ، فالمراد بالتصديق فيهما : الحمل على الصحة ، لا انّ المراد : ترتيب الآثار ، فهذين الخبرين لا يدلان على حجّية خبر العادل وإنما يدلان على حمل قوله على الصحيح ، من دون ترتيب الأثر.
(وإن أبيت إلّا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق) الذي يترتب عليه الآثار ، كما نقول ذلك في خبر العادل ، وقلت : انّ خبر إسماعيل ليس معناه :
حمل فعل الغير على الصحة بتصديق المسلمين الذين قالوا : بأنّ فلانا يشرب الخمر ظاهرا فحسب ، وإنما خبر إسماعيل (بمعنى ترتيب آثار الواقع) على ما يذكره المسلمون.
وإنما يكون الإباء ، لأن ظاهر خبر اسماعيل : ترتيب الآثار على قول المؤمنين ، باسترجاع الدنانير من التاجر ، الذي كان متهما عند المؤمنين ، فليس معنى تصديق
__________________
(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ١٩ ص ٨٣ ب ٦ ح ٢٤٢٠٧.
فنقول : إنّ الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلى السنّة ، والمقصود هو الأوّل. غاية الأمر كون هذه الرّواية في عداد الرّوايات الآتية إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ هذه الآيات على تقدير تسليم دلالة كلّ واحد منها على حجّية الخبر إنّما تدلّ ، بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل
______________________________________________________
المؤمنين في خبر إسماعيل : مجرد الاستماع من المؤمنين وعدم الرد عليهم ، وإنما هو بمعنى ترتيب الآثار.
(فنقول : إنّ الاستعانة بها) أي : برواية اسماعيل ـ حسب هذا الظاهر المدعى ـ (على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب ، الى السنة ، و) الحال انّ (المقصود هو : الاوّل) أي : انّ المقصود في الحال الحاضر ، هو الاستدلال على حجّية الخبر الواحد بالآيات ، كقوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١) لا بالسنّة كقوله عليهالسلام في خبر إسماعيل : «إذا شهد عنك المسلمون فصدّقهم» (٢).
نعم (غاية الأمر كون هذه الرواية) المروية في قصة اسماعيل جعلها (في عداد الروايات الآتية إنشاء الله تعالى).
لكنّك قد عرفت : ان نفس الآية دليل على الحجّية بدون الاحتياج الى الاستعانة بخبر إسماعيل ، وإن كان خبر اسماعيل ـ أيضا ـ دليلا بنفسه.
(ثم انّ هذه الآيات ، على تقدير تسليم دلالة كلّ واحد منها على حجّية الخبر ، إنّما تدلّ بعد تقييد المطلق منها) أي ، من هذه الآيات (الشامل لخبر العادل
__________________
(١) ـ سورة التوبة : الآية ٦١.
(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ١٩ ص ٨٣ ب ٦ ح ٢٤٢٠٧.
وغيره بمنطوق آية النبأ ، على حجّية خبر العادل الواقعيّ أو من أخبر عدل واقعي بعدالته.
بل يمكن انصراف المفهوم
______________________________________________________
وغيره) من خبر الفاسق ، فانّه يجب أن يقيّد المطلق منها (بمنطوق آية النبأ) التي تدل (على حجّية خبر العادل الواقعي ، أو من أخبر عدل واقعي بعدالته).
فانّه بعد تقييد المطلق بالمقيد ، يستفاد من مجموع الآيات : حجّية خبر العادل الواقعي ، الذي احرزنا عدالته بالوجدان ، أو أحرزنا عدالته باخبار عادل آخر ، يكون منزلا خبره منزلة القطع.
فالعدالة شرط ، ونتيجته : إنّه اذا أخبر إنسان نقطع بعدالته ، أو أخبر عادل آخر ، أو عادلان : بعدالته ، وعملنا بذلك الخبر ، ثم ظهر الاشتباه وتبين انّ الخبر لم يكن خبر عادل ، وجب علينا ترتيب آثار غير العادل عليه.
فاذا كان الرّاوي قد أخبر ـ مثلا ـ : بأنّ الامام عليهالسلام قال : عشر رضعات ليست محرّمة ، واتخذ السامع الخبر ، زوجة هي اخته من الرّضاعة بعشر رضعات ، ثم ظهر عدم عدالة الرّاوي ، ممّا يوجب شمول دليل الرّضاع المحرم لعشر رضعات أيضا ، لزم على الزوج مفارقة الزوجة فورا ، وعليها عدة وطء الشبهة من الرجل ، ولا يرث أحدهما الآخر ، الى آخر الاحكام المرتبة على الوطي ، الذي ليس بنكاح صحيح ، ممّا ليس بزنا عمدي أيضا.
(بل) يلزم في الآيات المطلقة ، بالاضافة الى تقييدها بالعدالة تقييدها باطمئنان السامع بقول العادل.
اذ (يمكن انصراف المفهوم) أي : مفهوم آية النبأ الدال على حجّية خبر العادل
بحكم الغلبة وشهادة التعليل بمخافة الوقوع في الندم إلى صورة إفادة خبر العادل الظنّ الاطميناني بالصدق ، كما هو الغالب مع القطع بالعدالة.
فيصير حاصل مدلول الآيات
______________________________________________________
انصرافا (بحكم الغلبة) حيث إنّ الغالب انّ السامع يطمئن بخبر العادل (و) بحكم (شهادة التعليل بمخافة الوقوع في الندم) فهما دليلان على ما نريد ذكره من الانصراف.
فان خبر العادل في مفهوم الآية ، منصرف (إلى صورة إفادة خبر العادل : الظّن الاطمئناني) الذي هو أول مراتب العلم ، بأن يكون الانسان مطمئنا (بالصدق) أي : بصدق الراوي بالاضافة الى كونه عادلا.
فمثل هذا الخبر يعمل به (كما هو الغالب) حيث إن الغالب ان الانسان يطمئن بخبر العادل (مع القطع بالعدالة) أو ما يقوم مقام القطع من : شهادة عادلين بعدالته ، أو شهادة عادل واحد ـ فرضا ـ.
وعليه : فالحجّة هو خبر العادل المطمئن إليه ، فقيد «العادل» يفهم من مفهوم آية النبأ ، وقيد «الاطمئنان» يفهم من مطلبين :
أحدهما : انّ خبر العادل يحصل منه الاطمئنان غالبا ، والانصراف يقضي بانّ الآيات منصرفة الى الغالب.
ثانيهما : انّه سبحانه وتعالى ، علّل وجوب التبيّن في خبر الفاسق بخوف الندم ، من الواضح : انّ خبر العادل غير المطمئن إليه ، فيه خوف الندم ، فاللازم : ان لا يكون هناك خوف الندم ، وعدم خوف الندم إنما يحصل بسبب الاطمئنان.
(فيصير حاصل مدلول الآيات) بعد تقييد مطلقها بمقيدها ، وتقييدها أيضا
اعتبار خبر العادل الواقعي بشرط إفادة الظنّ الاطميناني وهو المعبر عنه بالوثوق.
نعم ، لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها ، اقتصر على منصرف سائر الآيات وهو الخبر المفيد للوثوق وان لم يكن المخبر عادلا.
______________________________________________________
بالمطلبين المذكورين ، لزوم اطمئنان السامع من الخبر وكون (اعتبار خبر العادل الواقعي بشرط إفادة الظن الاطمئناني ، وهو) أي : الظنّ الاطمئناني (المعبر عنه : بالوثوق).
فالعادل الموثوق بخبره ، يمكن الاعتماد على خبره ، أمّا الفاسق ، والمجهول الحال ، والعادل الذي لا يوثق بخبره ، فلا حجّية في خبره.
(نعم ، لو لم نقل بدلالة آية النبأ) على حجّية خبر العادل ، وانّما لم نقل بدلالتها على الحجية (من جهة عدم المفهوم لها) لما تقدّم : من انّ المفهوم هنا ، هو مفهوم الوصف ، ولا اعتبار به ، أو مفهوم الشرط ، وهو هنا من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا مفهوم لآية النبأ حتى يكون حجّة ويكون مقيّدا للمطلقات.
ولهذا عرفت : انّها خلاف الأصل ـ (اقتصر) في حجية الخبر ـ التي قد عرفت : انها خلاف الأصل ـ (على منصرف سائر الآيات) فانّها وان كانت مطلقة ، لكن المطلق ينصرف غالبا الى الفرد الأكمل.
مثلا : اذا قال إنسان : أكرم علماء البلد ، انصرف الى الفرد الأكمل ، وهم علماء الفقه ، والاصول ، ونحوهما ، لا مثل علماء الطب والرياضيات ، ومن أشبههما.
(و) كذلك هنا في حجّية الخبر ، كان المنصرف (هو الخبر المفيد للوثوق ، وإن لم يكن المخبر عادلا).
هذا ، ولكن الظاهر من الأدلة : كفاية العدالة ، ولا اعتبار بالوثوق بعد توفر
.................................................................................................
______________________________________________________
العدالة ، والانصراف ممنوع ، اذ لو فتح هذا الباب ، لزم مجيئه في الشهادة أيضا ، وكذلك في فتوى المفتي ، وحكم القاضي ، وغير ذلك.
ومعنى ذلك : انّ الشاهدين على القضية لا يمكن الاعتماد عليهما اذا لم يثق القاضي من خبرهما ـ ولا يخفى : ان هذا البحث يرجع الى الأمر الذي اختلفوا فيه خصوصا في العصر الحاضر ، من : إنّ المقدّم هل هو جسم القانون أو روحه؟. كما ألمعنا اليه في «فقه الحقوق» (١) ـ وكذلك يلزم ان لا يكون فتوى المفتي حجّة إذا لم يطمئن المقلد اليه ، وهكذا بالنسبة الى حكم الحاكم ، وغير ذلك.
* * *
هذا تمام
الكلام في الاستدلال بالآيات
على حجيّة الخبر الواحد ويليه
الاستدلال بالسّنة المطهّرة
ونسأله التوفيق
والسداد
__________________
(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ١٠٠ للشارح.
المحتويات
مستند الاجماع هو اللطف..................................................... ٧
مستند الاجماع هو الحدس................................................... ١٤
الاشكال على الاجماع الحدسي............................................... ٢٠
كلام شارح الوافية.......................................................... ٢٣
وجوه ادعاء الاجماع............................................................ ٣٣
الاجماعات المتعارضة........................................................ ٤٢
ارادة الشهرة من الاجماع..................................................... ٦٠
كلام المحقق المجلسي......................................................... ٦١
كلام المحقق السبزواري...................................................... ٦٧
الحاق الاجماع المنقول بالخبر الواحد............................................ ٦٩
خبر الناقل يثبت اقوال العلماء................................................ ٧٤
المخالف لا يقدح بدعوى الناقل.............................................. ٧٦
كلام المحقق التستري في الاجماع.............................................. ٨٩
اتفاق من يمكن تحصيل فتاواه لا يستلزم موافقة الامام.......................... ١٣٤
الخبر المتواتر المنقول........................................................... ١٣٩
صور قبول نقل التواتر..................................................... ١٤٤
نقل الشهيد تواتر القراءات................................................. ١٤٨
الشهرة الفتوائية.............................................................. ١٥٣
ادلة حجيّة الشهرة الفتوائية................................................. ١٥٥
الدليل الاول والجواب عنه :................................................ ١٥٥
الدليل الثاني والجواب عنه :................................................ ١٥٨
الخبر الواحد................................................................. ١٧٤
مقدمات حجية الخبر الواحد................................................ ١٧٤
اصولية المسألة............................................................ ١٧٨
عدم مقطوعية صدور الاخبار............................................... ١٨١
القول بعدم جواز التعبد بالخبر الواحد........................................ ١٨٣
أدلة المانعين عن الحجية....................................................... ١٨٧
الاول : الكتاب.......................................................... ١٨٨
الثاني : السنة............................................................ ١٨٩
الثالث : الاجماع.......................................................... ٢٠١
الجواب عن الادلة............................................................ ٢٠٣
أدلة جواز العمل بالخبر الواحد
الدليل الأوّل : الكتاب....................................................... ٢٣٢
١ ـ آية النبأ........................................................... ٢٣٢
الايرادات على الاستدلال بآية النبأ.......................................... ٢٤٢
دفع بعض الاشكالات على الاستدلال بآية النبأ.............................. ٢٧٠
الاستدلال بآية النبأ على حجيّة خبر غير العادل اذا ظنّ بصدقه................ ٣١٩
٢ ـ آية النفر.......................................................... ٣٣٠
ظهور آية النفر في وجوب التفقه والاستدلال بها في الروايات.................... ٣٤١
الاشكال على الاستدلال بآية النفر......................................... ٣٥١
٣ ـ آية الكتمان....................................................... ٣٧٠
الاشكال على الاستدلال بآية الكتمان...................................... ٣٧١
٤ ـ آية السؤال عن أهل الذكر........................................... ٣٧٦
الاشكال على الاستدلال بآية السؤال....................................... ٣٧٨
٥ ـ آية الاذن......................................................... ٣٨٩
الاشكال على الاستدلال بآية الاذن........................................ ٣٩٤
تقييد اطلاق الآيات بآية النبأ.............................................. ٤٠٣
المحتويات................................................................. ٤١٥