الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

إحداهما كون ذلك الأمر المتفق عليه مقتضيا ودليلا للحكم لو لا المانع.

والثانية انتفاء المانع والمعارض ، ومن المعلوم أنّ الاستناد إلى الخبر المستند إلى ذلك غير جائز عند أحد من العاملين بخبر الواحد.

______________________________________________________

(احداهما : كون ذلك الأمر المتفق عليه) مثل : «قبح العقاب بلا بيان» ، أو ما اشبه ذلك (مقتضيا ودليلا للحكم) الفرعي يعني : انّه يتصور انّ الكبرى الكلّية ، تشمل هذه الصغرى الجزئية أيضا (لو لا المانع) الدال على خلاف تلك الكبرى الكلية.

(والثانية : انتفاء المانع والمعارض) في هذه الصور الكلية.

مثلا : يقول : بأنّ أصل البراءة اجماعي ـ بلا مانع ولا معارض فيه ـ وشرب التتن صغرى من صغريات هذا الاصل ، فجواز شرب التتن أيضا اجماعي.

(ومن المعلوم : انّ الاستناد إلى الخبر المستند إلى ذلك ، غير جائز عند احد من العاملين ، بخبر الواحد) فانه من الواضح : انّ العاملين بالخبر الواحد ، لا يقولون : بانّ الخبر الواحد ، يشمل مثل هذا الاجماع المبني على هاتين المقدمتين ، وليس مثل هذا بخبر عندهم ، حتّى يشمله دليل حجّية الخبر الواحد.

والحاصل : انّه ليس لناقل الاجماع ، مستند صحيح لعلمه بقول الامام عليه‌السلام ، فان حصل له بنفسه العلم بقول الامام ، فهو حجّة بالنسبة اليه ، لمكان العلم ، أما انّه ليس بملزم لغيره ، اذ ليست هذه الاجماعات المدعاة بمنزلة خبر زرارة ، أو محمد بن مسلم ، ومن أشبههما ، مما هو حجة بالنسبة إلى الجميع سندا وانّما عليهم ان ينظروا في قدر الدلالة.

وهذه الاجماعات ليست حجة سواء كانت من اللطف ، أو الحدس على الاقسام المتقدمة للحدس ، إلّا الاجماعات الملازمة قطعا لقول الامام ، فان الملازم

٤١

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الاجماعات المتعارضة من شخص واحد او من معاصرين او متقاربي العصرين ورجوع المدّعي عن الفتوى الذي ادّعى الاجماع فيها ودعوى الاجماع في مسائل غير معنونة في كلام من تقدّم على المدّعي

______________________________________________________

لقوله عليه‌السلام قليل في الاجماعات جدا.

واما ما نراه متداولا عند كثير من الفقهاء ، كصاحب الجواهر ، ومن تقدّمه ، ومن تأخر عنه ، حيث يدّعون كثيرا من الاجماعات في المسائل المختلفة ، من باب الطهارة الى الديات ، فليس لهذه الاجماعات قيمة الاجماع القطعي ، الّذي هو من الأدلة للأحكام.

(ثمّ انّ الظاهر) مما تقدّم (: انّ الاجماعات المتعارضة من شخص واحد) حيث نرى بعض الفقهاء ، يدّعون الاجماع تارة على جواز الشيء ، وأخرى على حرمته ، أو تارة على هذا الطرف من المسألة ، وتارة على الطرف الآخر منها.

(أو من معاصرين ، أو متقاربي العصرين) فيدعي أحدهما الاجماع على شيء ، ويدعي الآخر الاجماع على خلاف ذلك الشيء ، وهما معاصران ، أو متقاربا العصر ، حيث لا يعقل ان يكون في عصر واحد ، أو في عصور مختلفة ، قولان متخالفان في مسألة واحدة ، بان يقول الكل بهذا القول ، ويقول الكل بالقول الآخر.

(ورجوع المدّعي عن الفتوى ، الذي ادّعى الاجماع فيها) بينما ، انّه لو كانت المسألة اجماعية ، لم يجز له الرجوع عن المجمع عليه ، الى ما يضاده.

(ودعوى الاجماع في مسائل ، غير معنونة في كلام من تقدّم على المدّعي) ولا معنونة في كلام معاصريه ، فهو متفرد في المسألة ، ومع ذلك نراه يدعي الاجماع عليها.

٤٢

وفي مسائل قد اشتهرت خلافها بعد المدّعي ، بل في زمانه ، بل فيما قبله ؛ كلّ ذلك مبنيّ على الاستناد في نسبة القول إلى العلماء على هذا الوجه.

ولا بأس بذكر بعض الموارد صرّح المدّعي بنفسه او غيره في مقام توجيه كلامه فيها بذلك.

فمن ذلك : ما وجّه المحقّق به دعوى المرتضى والمفيد :

______________________________________________________

(وفي مسائل قد اشتهرت خلافها) أي خلاف تلك الفتوى ، وذلك في زمان (بعد المدّعي ، بل في زمانه ، بل فيما قبله) فانه اذا كانت المسألة اجماعية ، كيف يفتي من جاء بعد المدعي للاجماع ، على خلاف ذلك الاجماع ، وبطريق أولى ، اذا كان في زمان المدعي ، أو ما قبل المدعي؟.

فان (كلّ ذلك مبنيّ على الاستناد ، في نسبة القول إلى العلماء ، على هذا الوجه) الثالث ، فان هذه الاجماعات لا تستند إلى تتبع كل الأقوال ، ولا إلى أقوال المعروفين من الفقهاء ، بل إلى اجتهاد الناقل مستندا إلى أصل ، أو رواية ، أو آية ، أو دليل عقلي ، اعتقد الناقل انّ ما يدعي فيه الاجماع ، من صغريات تلك الكبريات الكلية المسلمة.

(ولا بأس بذكر بعض الموارد) الّتي (صرّح المدّعي بنفسه أو) صرّح (غيره في مقام توجيه كلامه) أي : كلام المدّعي للاجماع (فيها) اي : في تلك الموارد (بذلك) أي بالّذي ذكرناه ، من ان دعواه للاجماع مستندة إلى الاجتهاد ، من جهة تطبيق كبرى كلية اجماعية ، على صغرى جزئية اعتقد الناقل للاجماع ، بانّها من صغريات تلك الكبرى الكلية.

(فمن ذلك ما) أي الاجماع الّذي (وجّه المحقّق به دعوى المرتضى والمفيد) «رحمهما‌الله» حيث قالا :

٤٣

انّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات قال :

«وأمّا قول السائل : كيف أضاف المفيد والسيّد ذلك إلى مذهبنا ولا نصّ فيه ، فالجواب : أمّا علم الهدى ، فانّه ذكر في الخلاف : انّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا ، لأنّ من أصلنا العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل ، وليس في الشرع ما يمنع الازالة بغير الماء من المائعات

______________________________________________________

(انّ من مذهبنا : جواز ازالة النجاسة بغير الماء من المائعات) فاذا وقعت نجاسة على ثوب أو على بدن أو على شيء آخر ، جاز ازالة تلك النجاسة بماء الورد ، أو البصاق ، أو ما اشبه ذلك ، وقد نسب هذان العلمان ، هذا الحكم إلى مذهبنا ، الظاهر في الاجماع.

(قال) المحقّق ـ في مقام توجيه هذا الكلام من هذين العلمين ـ (وأمّا قول السائل : كيف اضاف) أي : نسب (المفيد والسيّد ذلك) الحكم (إلى مذهبنا و) الحال انّه لا اجماع و (لا نصّ فيه؟) فكيف يدعي بعض الاجماع بدون نص ، أو اتفاق من جميع الفقهاء؟.

(فالجواب : أمّا علم الهدى ، فانّه ذكر في الخلاف : انّه إنّما اضاف ذلك إلى مذهبنا لأنّ من اصلنا) أي : من قواعدنا الّتي عرفناها من الشرع (: العمل بالأصل) أي : اصالة الجواز (ما لم يثبت الناقل) أي : المانع عن أصل الجواز ، (وليس في الشّرع ، ما يمنع الازالة بغير الماء ، من المائعات) اذ زوال النجاسة يوجب عدم وجود حكم النجاسة ، وغير الماء من السوائل أيضا يزيل النجاسة ، فيزول حكمها ، لانه اذا ذهب الموضوع ذهب الحكم ، وقد صرّح السيّد : بأنّه جعل هذه الفتوى ، من صغريات ذلك الأصل ، وحيث انّ ذلك الأصل اتفاقي بين العلماء ، فاللازم أن تكون هذه الصغرى ، التي استظهر السيّد انها من صغريات تلك القاعدة

٤٤

ـ ثم قال ـ : وأمّا المفيد ، فانّه ادّعى في مسائل الخلاف : أنّ ذلك مرويّ عن الأئمة» انتهى.

فظهر من ذلك أنّ نسبة السيّد قدس‌سره ، الحكم المذكور إلى مذهبنا من جهة الأصل ، ومن ذلك ما عن الشيخ في الخلاف حيث انّه ذكر ، فيما إذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل بعد القتل ، بأنّه يسقط القود ويكون الدّية

______________________________________________________

الكلية ، أيضا اجماعية.

(ثمّ قال) المحقّق (: وأمّا المفيد : فانّه ادّعى في) كتاب (مسائل الخلاف انّ ذلك) أي : جواز ازالة النجاسة بسائر المائعات (مرويّ عن الائمة) عليهم‌السلام (١).

فالمحقق يرى : ان اجماع المفيد ، مستند إلى الرواية فالكبرى وهي : الرواية ، لما كان مجمعا على العمل بها بقول مطلق ، ورأى المفيد : ان المسألة من صغريات تلك الكبرى الكلية ، ادعى عليها الاجماع.

(انتهى) كلام المحقق ، بالنسبة إلى اجماعيّ : الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى «رضوان الله عليهم» (فظهر من ذلك انّ نسبة السيّد) والمفيد (قدس‌سرهما الحكم المذكور إلى مذهبنا من جهة الاصل) والرواية المجمع عليهما.

(ومن ذلك ، ما عن الشيخ في الخلاف ، حيث انّه ذكر فيما اذا بان فسق الشاهدين) الّذين شهدا (بما يوجب القتل) كالارتداد ، وزنا المحصن ، والقتل قصاصا ، ثم ظهر فسق الشاهدين (بعد القتل) أي ، بعد أن نفّذ الحاكم حكم القتل على المشهود عليه ظهر ان الشاهدين كانا فاسقين ، قال (بانه يسقط القود) ، والقود : بكسر القاف ، وفتح الواو على وزن : عنب ، ومعنى سقوط القود : انه لا يقتل الشاهدان بذلك (ويكون الدّية) لورثة المقتول الّذي قتل ظلما

__________________

(١) ـ المسائل المصرية راجع فرائد الاصول : ص ٣٣٢.

٤٥

من بيت المال ؛ قال : «دليلنا إجماع الفرقة ، فانّهم رووا انّ ما أخطأت القضاة ، ففي بيت مال المسلمين» انتهى.

فعلّل انعقاد الاجماع بوجود الرواية عند الأصحاب ، وقال بعد ذلك ، فيما اذا تعدّدت الشهود فيمن أعتقه المريض ، وعيّن كلّ ، غير ما عيّنه الآخر ، ولم يف الثّلث بالجميع : «إنّه يخرج السابق بالقرعة ،

______________________________________________________

(من بيت المال) وهو : البيت الّذي يرعاه الحاكم ، مما يجمع فيه أموال المسلمين ، لمصالح المسلمين.

(قال) الشيخ في الخلاف ، بعد فتواه هذه (: دليلنا : اجماع الفرقة) المحقّة ، وهم الشيعة (فانّهم رووا : انّ ما اخطأت القضاة ، ففي بيت مال المسلمين) (١) وحيث انّ هذا خطأ لأن الحاكم اشتبه ، وقبل شهادة الفاسقين ، فالدّية تكون من بيت المال.

(انتهى) كلام الشيخ في الخلاف ، وما علل به الاجماع (ف) انّه قد (علّل انعقاد الاجماع ، بوجود الرّواية عند الأصحاب) لا أنّ اجماعه ثابت من أقوال الفقهاء الذين عاصروه ، أو الذين تقدموا عليه.

(وقال) الشيخ في الخلاف (بعد ذلك) ايضا (: فيما اذا تعدّدت الشهود ، فيمن اعتقه المريض ، وعيّن كلّ ، غير ما عيّنه الآخر ، ولم يف الثلث بالجميع) كما اذا قال شاهدان : بأنّ المعتق زيد ، وشاهدان : بأنّ المعتق عمرو ، وشاهدان :

بأنّ المعتق خالد ، والحال انّ الثلث لا يفي بالكل ، أمّا اذا وفى الثلث بالكل فكلهم يعتقون.

قال : (انّه يخرج السّابق بالقرعة) لأنّ الوصية السابقة ، تنفّذ دون اللاحقة ،

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٩ ص ١٤٧ ب ٧ ح ٣٥٣٥١.

٤٦

ـ قال ـ : دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم ، فانّهم أجمعوا على أنّ كلّ أمر مجهول فيه القرعة» ، انتهى.

ومن الثاني ما عن المفيد في فصوله ، حيث أنّه سئل عن الدّليل على أنّ المطلقة ثلاثا في مجلس واحد يقع منها واحدة.

______________________________________________________

وذلك فيما اذا لم يفي الثلث بالجميع ولم يجز الورثة الاكثر من الثلث ، وحينئذ اذا لم نعلم انّ السابق زيد أو عمرو أو خالد ، أخرجنا السابق منهم بالقرعة ، واعتق حسب الوصية ، أما اللاحق الّذي لم يف به الثلث ، فيبقى تركة للورثة.

(قال : دليلنا : اجماع الفرقة واخبارهم) ثم علل الاجماع بقوله : (فانّهم أجمعوا : على انّ كلّ أمر مجهول ، فيه القرعة (١) ، انتهى) كلام الشيخ ، فان الشيخ لم يجد الاجماع على هذه المسألة الشخصية ، وانّما وجد الاجماع على الكبرى الكلية ، وهي : انّ في كل مجهول القرعة ، وحيث رأى ، انّ هذا الفرع الفقهي ، من صغريات تلك الكلية المتضمنة للقرعة ، ادعى الاجماع على الفرع أيضا.

(ومن) هذا القبيل (الثاني) وهو الحدس باتفاق الكل ، من اتفاقهم على مسألة اصولية ـ على ما سبق الالماع اليه : (ما عن المفيد) رحمه‌الله (في فصوله ، حيث انّه سئل عن الدّليل ، على انّ المطلقة ثلاثا) الّتي قال لها الزوج : انت طالق ثلاثا ، بلفظ واحد (في مجلس واحد) أو قال : «أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق» وذلك بدون رجعة بين الطلقات ، كما يشترطها الشيعة بخلاف العامة فانهم يكتفون بكل من العبارتين ، في حصول الطلقات الثلاث.

قال (يقع منها) أي : من الطلقات الثلاث (واحدة ، ف) انّه حيث اراد

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٤٠ ب ٢٢ ح ٢٤ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٩٢ ب ٢ ح ٣٣٨٩ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٦٠ ب ١٣ ح ٣٣٧٢٠ ، الأمان من أخطار الأسفار : ص ٩٦ بيان ، الخلاصة : ج ٢ ص ٦٢٠ (بالمعنى).

٤٧

فقال : «الدلالة على ذلك من كتاب الله عزوجل وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإجماع المسلمين» ، ثمّ استدلّ من الكتاب بظاهر قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ثمّ بين وجه الدلالة ؛ ومن السنّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ ما لم يكن على أمرنا هذا فهو ردّ» ، وقال : «ما وافق الكتاب فخذوه ، وما لم يوافقه فاطرحوه» ، وقد بينّا أنّ المرّة لا تكون المرّتين أبدا

______________________________________________________

الاستدلال على ذلك (قال : الدّلالة على ذلك من كتاب الله عزوجل ، وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجماع المسلمين) ، (ثم استدلّ من الكتاب بظاهر قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ)(فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١) ، يعني : بعد المرتين ، اما ان يمسك الزوجة امساكا حسب العرف ويقوم بشئونها اللازمة المتعارفة أو أن يطلقها ويسرّحها باحسان ، من دون ان يضيّق عليها ، فاذا طلقها ثالثا ، حرمت على الزوج إلّا بمحلّل ، (ثمّ بيّن) المفيد رحمه‌الله (وجه الدلالة) في الآية المباركة ، بان المتبادر من المرتين ، هو : أن يطلق ، ثم يرجع ، ثم يطلق ، لا أن يقول : انت طالق مرتين ، أو ما اشبه ذلك.

قال : (ومن السنّة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ ما لم يكن على أمرنا هذا)» أي : لم يكن على طبق ما أمرنا به «(فهو ردّ) (٢) أي : مردود.

(وقال : «ما وافق الكتاب فخذوه ، وما لم يوافق فاطرحوه») (٣).

قال المفيد رحمه‌الله : (وقد بيّنا ان المرّة) وهي قوله : أنت طالق ثلاثا ، أو اذا قال : أنت طالق ، أنت طالق ، بدون فصل رجعة بينهما (لا تكون المرّتين أبدا) أي :

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٩.

(٢) ـ عدة المسائل الصاغانية : ص ٨٦ ، الفصول المختارة : ص ١٧٧.

(٣) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٩ ح ١ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٩٠ ب ١١٢ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ٢٠ ص ٤٦٤ ب ٢٠ ح ٢٦٠٩٩.

٤٨

وأنّ الواحدة لا تكون ثلاثا ، فأوجب السنّة إبطال طلاق الثلاث ، وأمّا إجماع الامّة؟ ، فهم مطبقون على أنّ ما خالف الكتاب والسنّة فهو باطل ، وقد تقدّم وصف خلاف الطلاق بالكتاب والسنّة فحصل الاجماع على إبطاله» ، انتهى.

وحكي عن الحليّ في السرائر ، الاستدلال بمثل هذا.

ومن ذلك الاجماع الذي

______________________________________________________

قطعا ، لوضوح انّ المتبادر من المرتين ، الطلاق ، ثم الرجوع ثم الطلاق (وانّ الواحدة لا تكون ثلاثا) فلا توجب الطلقة الواحدة الحرمة ، سواء اقترنت بالمرتين ، أو بالثلاث في اللفظ (فأوجب السنّة) اي : سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قوله المتقدم : ما لم يوافق القرآن فاطرحوه ، وغير ذلك (ابطال طلاق الثلاث) من دون رجعة بينها ، ومعنى الابطال : انّ الطلاق لا يقع ثلاثا ، وانّما يقع واحدا.

(وأمّا اجماع الامّة : فهم مطبقون على انّ ما خالف الكتاب والسّنة فهو باطل ، وقد تقدّم وصف خلاف الطلاق) وقلنا : (ب) إنّ التطليقات الثلاث من دون رجوعين بينهما ، خلاف (الكتاب والسنّة ، فحصل الاجماع على إبطاله انتهى) (١) فانه جعل هذه الصور الجزئية ، من كبريات ما ورد في الكتاب والسنة ، وادعى اجماع المسلمين عليها ، حيث حصل له الحدس باجماعهم على بطلان طلاق الثلاث ، من اتفاقهم على بطلان ما خالف الكتاب والسّنة.

(وحكي عن) ابن ادريس (الحلّي) رحمه‌الله (في) كتابه (السرائر ، الاستدلال بمثل هذا) الذي استدل به المفيد لبطلان التطليقات الثلاث ، في مجلس واحد ، على الكيفية الّتي ذكرناها.

(ومن ذلك) الاجماع المستند إلى آية أو رواية ، على ما ذكرناه (الاجماع الذي

__________________

(١) ـ الفصول المختارة : ص ١٧٧.

٤٩

ادّعاه الحلّي على المضايقة في قضاء الفوائت في رسالته المسماة بخلاصة الاستدلال ، حيث قال :

«أطبق الاماميّة عليه خلفا عن سلف وعصرا بعد عصر وأجمعت على العمل به ، ولا يعتدّ بخلاف نفر يسير من الخراسانيين ، فانّ ابني بابويه ، والأشعريين ، كسعد بن عبد الله صاحب كتاب الرحمة ، وسعد بن سعد ومحمّد بن عليّ بن محبوب صاحب

______________________________________________________

ادّعاه الحلّي) أيضا (على المضايقة) أي : وجوب الفور (في قضاء الفوائت في رسالته المسماة : بخلاصة الاستدلال) فان العلماء اختلفوا في انّ الانسان اذا فاتته صلوات ، هل يجب قضاؤها فورا ، ويسمون ذلك بالمضايقة ، أو لا يجب؟ بل يجوز التراخي ويسمون ذلك : بالمواسعة.

والاقوال في المسألة متعددة ، والغالب عند المتأخرين : المواسعة ، بينما يرى الحلّي وجمع آخر : المضايقة ، وهناك بعض الاقوال الأخر تفصّل بين أقسام القضاء والصلوات ، محلها الكتب الفقهية المفصلة (١).

(حيث قال) الحلّي (أطبق الاماميّة عليه) أي : على الفور (خلفا عن سلف ، وعصرا بعد عصر وأجمعت) الامامية (على العمل به) أي : بالفور (ولا يعتد بخلاف نفر يسير) أي : لا يعتنى بمخالفة عدة قليلة ، ذهبوا الى المواسعة دون المضايقة (من الخراسانيّين) الذين أفتوا بالمواسعة.

(فانّ ابني بابويه) وهما الصدوقان : الاب والابن (والأشعريّين : كسعد بن عبد الله صاحب كتاب الرحمة ، وسعد بن سعد ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب صاحب

__________________

(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ١٧ ـ ٢٨ للشارح.

٥٠

كتاب نوادر الحكمة ، والقميّين أجمع ، كعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، ومحمّد بن الحسين بن الوليد ، عاملون بأخبار المضايقة ، لأنّهم ذكروا انّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق برواته وحفظتهم الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وخرّيت هذه الصّناعة ورئيس الأعاجم الشيخ أبو جعفر الطوسيّ مودع أخبار المضايقة في كتبه مفت بها ، والمخالف إذا علم

______________________________________________________

كتاب نوادر الحكمة ، والقميّين أجمع : كعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، ومحمّد بن الحسين بن الوليد) وغيرهم ، من الأعلام (عاملون بأخبار المضايقة) التي تدل على وجوب الفور بالقضاء.

فاذا قيل لابن ادريس من أين علمت ان هؤلاء عملوا باخبار المضايقة ، ليكون رأيهم الفور :

أجاب بقوله : (لأنّهم) نقلوا اخبار المضايقة في كتبهم و (ذكروا : انّه لا يحل ردّ الخبر الموثوق برواته وحفظتهم) على وزن : همزة بضم الحاء ، والضمير : هم راجع الى الامامية (الصدوق) رحمه‌الله (ذكر ذلك) أي : عدم جواز ردّ الخبر ، اذا كان الراوي ثقة (في كتاب : «من لا يحضره الفقيه» ، وخرّيت) بكسر الخاء ، على وزن : سكّيت ، والمراد به : الماهر في صناعته ، كالشيخ الماهر في (هذه الصناعة) أي : علم الفقه ، ويسمى : صناعة ، لأنّه ليس علما نظريا ، بل هو علم عملي لأنّ الفقه هو العمل ، بخلاف اصول الدين فانه هو الفكر ولا يسمّى صناعة ، لانه عقائد محضة ، (و) هذا الماهر في الفقه هو (رئيس الأعاجم) ونعته بهذا ليس من باب الاستخفاف بشأن الشيخ رحمه‌الله بل انه مثل قولنا : رئيس الطائفة ونحو ذلك (الشيخ أبو جعفر الطوسيّ مودع أخبار المضايقة) أي : أودعها وذكرها (في كتبه) و (مفت بها ، والمخالف) لهذا القول كبعض الخراسانيين ـ على ما تقدّم ـ (اذا علم

٥١

باسمه ونسبه لم يضرّ خلافه». انتهى.

ولا يخفى : انّ اخباره باجماع العلماء على الفتوى بالمضايقة مبنيّ على الحدس والاجتهاد من وجوه : أحدها : دلالة ذكر الخبر على عمل الذاكر به ، وهذا وإن كان غالبيّا إلّا أنّه لا يوجب القطع لمشاهدة التخلّف كثيرا.

الثاني : تمامية دلالة تلك الأخبار عند اولئك على الوجوب ،

______________________________________________________

باسمه ونسبه ، لم يضرّ خلافه ، انتهى) (١) كلام ابن ادريس الحلّي.

(ولا يخفى) عليك (: انّ اخباره) أي : الحلّي رحمه‌الله (باجماع العلماء على الفتوى بالمضايقة ، مبنيّ على الحدس والاجتهاد ، من وجوه) متعددة.

(أحدها : دلالة ذكر الخبر) المروي عنهم عليهم‌السلام في الكتاب (على عمل الذاكر به) أي عمله بذلك الخبر ، فحدس الحلّي : ان هؤلاء الذين ذكروا أخبار المضايقة قد عملوا بها ، حدس فقط ، وليس عليه دليل.

ولهذا قال المصنّف : (وهذا) أي : عمل الذاكر بالخبر (وان كان غالبيّا) في بعضهم لا في كلهم ، فانّ بناء بعضهم على ذكر الأخبار فقط ، لا العمل بها (الّا انّه) كون ذلك غالبيا (لا يوجب القطع) بالتلازم بين الذكر والعمل (لمشاهدة التخلف كثيرا) فانهم كثيرا ما يذكرون الخبر في كتبهم ، ولكن لا يعملون به.

(الثاني : تماميّة دلالة تلك الأخبار عند اولئك ، على الوجوب) فانّ الحلّي رحمه‌الله ، حدس ان هؤلاء الناقلين للأخبار ، فهموا منها الوجوب ، وهذا ليس بقطعي ، فكثيرا ما يمكن للانسان ان يذكر الخبر ، ولا يستظهر منه الوجوب لقرائن خارجية وداخلية ، تدل على ان الخبر للاستحباب ، أو للكراهة في بابي : الأمر

__________________

(١) ـ خلاصة الاستدلال ، مخطوط.

٥٢

إذ لعلّهم فهموا منها بالقرائن الخارجيّة تأكد الاستحباب.

الثالث : كون رواة تلك الرّوايات موثوقا بهم عند اولئك ، لأنّ وثوق الحلّي بالرّواة لا يدلّ على وثوق اولئك ، مع أنّ الحلّيّ لا يرى جواز العمل بأخبار الآحاد وإن كانوا ثقات ، والمفتي إذا استند فتواه إلى خبر الواحد

______________________________________________________

والنهي ونحوهما ، (اذ لعلّهم فهموا منها) أي : من تلك الأخبار الدالة ظاهرا : على المضايقة (بالقرائن الخارجيّة تأكد الاستحباب) للفور ، لا الوجوب ، كما انّ المتأخرين فهموا غالبا من تلك الاخبار ، تأكد الاستحباب ، لا الوجوب ، فأين التلازم بين ذكرهم الاخبار وفهمهم الوجوب منها ، الذي استفادة الحلّي بالحدس؟.

(الثالث : كون رواة تلك الرّوايات موثوقا بهم عند اولئك) الذين ذكروا تلك الاخبار في كتبهم ، فحدس الحلّي هذا بوثاقة الرواة ، عند اولئك المصنفين ، ليس بقطعي (لأنّ وثوق الحلّي بالرّواة لا يدلّ على وثوق اولئك) بهم وبرواياتهم.

هذا (مع انّ الحلّي) رحمه‌الله (لا يرى جواز العمل باخبار الآحاد ، وان كانوا ثقات) فهو يعمل بالخبر المتواتر ، والمستفيض ، وما اشبه ، لا بخبر الواحد ، حتى وان كان راوي الخبر الواحد ثقة.

وعليه : فانّا وان سلّمنا قطعية المقدمات الثلاث التي ذكرها الحلّي : من انّ ذاكر الخبر يعمل به ، وان ذاكر الخبر فهم من الخبر وجوب المضايقة ، وان ذاكر الخبر اعتقد بوثاقة الراوي ، لكن لا نسلم للحلّي دعوى الاجماع ، اعتمادا على هذه المقدمات ، لانّه لا يعتقد بحجيّة خبر الواحد ، فكيف يدعي الحلّي استنادا الى هذه المقدمات الاجماع؟.

(و) من الواضح : ان (المفتي اذا استند) في (فتواه الى خبر الواحد ،

٥٣

لا يوجب اجتماع أمثاله القطع بالواقع ، خصوصا لمن يخطئ العمل بأخبار الآحاد.

وبالجملة : فكيف يمكن أن يقال : إنّ مثل هذا الاجماع إخبار عن قول الامام ، فيدخل في خبر الواحد ، مع أنّه في الحقيقة اعتماد على اجتهادات الحلّيّ مع وضوح

______________________________________________________

لا يوجب اجتماع امثاله ، القطع بالواقع).

لا يقال : لعل حصول الاجماع عند الحلي ، نتج من تراكم خبر الواحد لديه من هذا الكتاب ، وذلك الكتاب وسائر كتب العلماء الذين ذكرهم.

لأنّه يقال : انّ الحلي اذا علم بأنّ مدرك العلماء في حكمهم بوجوب المضايقة هو : خبر الواحد ، ومن الواضح : انّ تراكم عملهم بالخبر الواحد ، لا يوجب القطع بالواقع ؛ لان الذي يصح ان يكون معيارا للاجماع ، هو : مستند هؤلاء الفقهاء لا عملهم ، فاذا كان مستندهم اخبارا آحادا ، والحلّي لا يعمل باخبار الآحاد ، فان ذلك المستند لا يصحح ادعاء الحلّي الاجماع.

وعليه : فان المفتي (ـ خصوصا لمن يخطئ العمل باخبار الآحاد) كالحلّي نفسه ، لا يتمكن من ادعاء الاجماع معتمدا على آراء من يكون مستند فتواهم هو الخبر الواحد.

(وبالجملة : فكيف يمكن أن يقال : انّ مثل هذا الاجماع) المستند الى امور حدسية كالمقدمات التي ذكرناها (اخبار عن قول الامام عليه‌السلام ، فيدخل في خبر الواحد) كما يدّعي ذلك من يرى دخول الاجماع في خبر الواحد.

(مع أنّه) أي : مع ان الاعتماد على هذا النحو من الاجماع ليس اعتمادا على قول الامام عليه‌السلام ، بل هو (في الحقيقة ، اعتماد على اجتهادات الحلّي ، مع وضوح

٥٤

فساد بعضها ، فانّ كثيرا ممّن ذكر اخبار المضايقة قد ذكر أخبار المواسعة أيضا ، وأنّ المفتي إذا علم استناده إلى مدرك لا يصلح للرّكون إليه من جهة الدّلالة او المعارضة لا يؤثر فتواه في الكشف عن قول الامام.

وأوضح حالا في عدم جواز الاعتماد

______________________________________________________

فساد بعضها) كاجتهاده الأوّل ، في وجود التلازم بين ذكرهم الخبر في كتبهم وعملهم بذلك الخبر.

ويدل على عدم صحة هذا الاجتهاد من الحلّي ، ما ذكره المصنّف قدس‌سره بقوله : (فان كثيرا ممّن ذكر اخبار المضايقة ، قد ذكر اخبار المواسعة أيضا) فاذا كان ذكر الخبر دليل على العمل به لزم التناقض في اعمالهم ، لأنّهم بذكرهم اخبار المضايقة عملوا بها وبذكرهم اخبار المواسعة عملوا بها أيضا ، وهو تناقض ، فهل يمكن ادعاء مثل ذلك؟.

(و) مع وضوح : (انّ المفتي اذا علم استناده الى مدرك لا يصلح للركون اليه) أي : الى ذلك المدرك (من جهة الدّلالة ، أو المعارضة) أو السند ، بان كان ذلك المدرك سنده ضعيف ، أو دلالته ضعيفة ، أو معارض بخبر آخر ، ف (لا يؤثر فتواه في الكشف عن قول الامام) عليه‌السلام.

فانّا اذا رأينا انّ العلماء ذكروا : ان المستند في وجوب المضايقة ، هو : اخبار المضايقة ، ورأينا ضعف سندها ، أو دلالتها ، أو جهة صدورها ، أو معارضتها بأخبار المواسعة ، فلا نكشف من ذلك : انهم قائلون بالمضايقة ، وفرضا لو كشفنا ذلك ، لا نتمكن من الاعتماد على أقوالهم ، بعد علمنا بضعف المدرك لهذا القول.

(وأوضح حالا في عدم جواز الاعتماد) على الاجماعات المنقولة ، لانها مبنية

٥٥

ما ادّعاه الحلّيّ من الاجماع على وجوب فطرة الزوجة ولو كانت ناشزة على الزوج ، وردّه المحقّق بأنّ احدا من علماء الاسلام لم يذهب إلى ذلك. فانّ الظاهر أنّ الحلّيّ إنما اعتمد في استكشاف أقوال العلماء على تدوينهم للروايات الدالّة باطلاقها على وجوب فطرة الزوجة على الزوج ، متخيّلا أنّ الحكم معلّق على الزوجيّة ، من حيث هي زوجيّة ، ولم يتفطن لكون الحكم من حيث العيلولة او وجوب الانفاق ،

______________________________________________________

على اجتهادات الناقل ، وقد عرفت : ان اجتهادات الناقل ، لا تكون حجة بالنسبة الينا ، ولا كاشفة عن قول المعصوم عليه‌السلام هو (: ما ادّعاه الحلّي من الاجماع على وجوب فطرة الزوجة ، ولو كانت ناشزة على الزوج) حيث ادعى الحلّي اجماع علماء الاسلام على ذلك.

(وردّه المحقّق : بأنّ احدا من علماء الاسلام ، لم يذهب الى ذلك) فكيف يدّعي الحلّي الاجماع؟ وهل هذا إلّا تناقض ظاهر بين فتوى الحلّي ، وبين قول المحقّق؟ مع انّ المحقّق أقوى حجّة منه (فان الظاهر ، انّ الحلّي ، انّما اعتمد في استكشاف أقوال العلماء) لا من ذكرهم هذه الفتوى بصورة خاصة ، بل (على تدوينهم للروايات الدالة باطلاقها ، على وجوب فطرة الزوجة على الزّوج) وكان الحلّي في هذه الفتوى (متخيّلا : انّ الحكم) بوجوب فطرة الزوجة على الزوج (معلّق على الزّوجيّة ، من حيث هي زوجيّة) فقال : بوجوبها عليه للناشزة وغير الناشزة.

(ولم يتفطن) الحلّي (لكون الحكم من حيث العيلولة ، أو وجوب الانفاق) اذ لو كان وجوب الفطرة على الزوج ، من حيث انّها زوجته ، وجبت فطرة الناشزة على الزّوج ، لأنها بالنشوز لا تخرج عن كونها زوجته.

٥٦

فكيف يجوز الاعتماد في مثله على الاخبار بالاتفاق الكاشف عن قول الامام عليه‌السلام ويقال إنّها سنّة محكيّة.

وما أبعد ما بين ما استند إليه الحلّيّ في هذا المقام وبين ما ذكره المحقّق في بعض كلماته المحكيّة ، حيث قال : «إنّ الاتّفاق على لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لا يقتضي الاجماع على ذلك ،

______________________________________________________

واذا كان وجوب الفطرة على الزوج ، من حيث وجوب نفقتها عليه ، لم تجب الفطرة على الزوج ، لانّها بالنشوز خرجت عن وجوب نفقتها عليه.

وهنا احتمال ثالث : وهو : وجوب الفطرة على الزوج من جهة الانفاق الفعلي عليها ، فاذا كانت في اعالته وهو ينفق عليها وهي ناشزة ، وجبت فطرتها عليه ، واذا لم تكن في اعالته وكان لا ينفق عليها فعلا ، لم تجب فطرتها عليه.

وعليه : (فكيف يجوز) لنا (الاعتماد في مثله) أي : في مثل وجوب الفطرة للناشز (على الاخبار؟) والاخبار : بصيغة المصدر ، والمراد به : اخبار ابن ادريس (بالاتفاق الكاشف عن قول الامام عليه‌السلام) اذ إخباره هذا بالاجماع ، ليس كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام ، (و) كذا لا يمكن أن (يقال : انّها سنّة محكيّة) والضمير في «انها» : للمؤنث من جهة رجوعه الى السّنة ، فانّ الضمير اذا وقع بين مذكر ومؤنث ، يجوز ان يؤتى به مذكرا ، ويجوز ان يؤتى به مؤنثا ـ على ما ذكره الادباء ـ.

(وما أبعد ما بين ما استند اليه الحلّي في هذا المقام) أي : مقام وجوب فطرة الناشزة (وبين ما ذكره المحقّق في بعض كلماته المحكيّة حيث قال) المحقق :

(انّ الاتفاق على لفظ مطلق ، شامل لبعض افراده ، الّذي وقع فيه) أي : في بعض الافراد (الكلام لا يقتضي الاجماع على ذلك) أي : انّ العلماء اذا ذكروا لفظا مطلقا ، كما ذكروا في المقام : وجوب فطرة الزوجة على الزّوج ، بدون ان يفصّلوا :

٥٧

لأنّ المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللّفظ ما لم يكن معلوما من القصد ، لأنّ الاجماع مأخوذ من قولهم : أجمع على كذا ، إذا عزم عليه ، فلا يدخل في الاجماع على الحكم الّا من علم منه القصد إليه ، كما انّا لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء الذين لم ينقل مذهبهم لدلالة عموم القرآن وإن كانوا قائلين

______________________________________________________

في انّها هل تجب على الزّوج مطلقا ، أو في بعض اقسام الزوجة ، وهي : غير الناشزة ، فانّ مثل اطلاقهم هذا لا يقتضي أن نفهم منه اجماعهم على وجوب فطرة الناشزة أيضا ، حتى ننسبه اليهم ، وندعي الاجماع عليه.

وذلك (لانّ المذهب لا يصار اليه من إطلاق اللّفظ ، ما لم يكن معلوما من القصد) فانّ مجرد اطلاق اللّفظ ، لا يدل على ان مذهب المفتي هو : الاطلاق ، ما لم يعلم انه قصد الاطلاق ، أو التقييد (لان الاجماع مأخوذ من قولهم) أي : من قول اللغويين : (أجمع على كذا اذا عزم اليه) ، إذن فلا بد فيه من العزم والقصد الى الخصوصيّة والّا لم يكن الاجماع اجماعا (فلا يدخل في الاجماع على الحكم ، الّا من علم منه القصد اليه) أي : الى الحكم ، فاذا قلنا : أجمع علماؤنا على كذا ، لا بد أن نعرف انّ العلماء قصدوا الخصوصيّة أيضا ، فالاطلاق اذا لم يعرف منه الخصوصيّة ، لا يمكن ادعاء الاجماع على الخصوصية ، وفي المقام كذلك ، فانه لما قال علماؤنا بوجوب فطرة الزوجة ، ولم نعلم انهم أرادوا فطرة الناشزة أيضا ، ام لا ، فلا نتمكن من ادعاء : اتفاقهم على وجوب فطرة الناشزة مطلقا سواء كانت تحت عيلولة الرجل ، أو لم تكن.

(كما انا لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء ، الذين لم ينقل مذهبهم) في بعض الصغريات المذكورة كبراها في القرآن (لدلالة عموم القرآن ، وان كانوا قائلين

٥٨

به» انتهى كلامه.

وهو في غاية المتانة ،

______________________________________________________

به) (١) أي : بعموم القرآن.

فانّ العموم لا يدل على الخصوص ، وكونهم قائلين بالعموم لا يدل على قولهم بالخصوص ، وكذا قولهم بالاطلاق لا يدل على قولهم بالفرد الذي هو من أفراد ذلك الاطلاق ، لاحتمال انهم وجدوا للعموم ، أو الاطلاق ، مخصصا او مقيدا ، مثلا : هل يقول العلماء : باستحباب تزويج العبد زوجة ثانية ، من اطلاق قوله سبحانه : (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ ...) (٢)؟ ، أو هل يقولون بحرمة غيبة المجنون ، مع اطلاق قوله تعالى : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٣)؟ ، الى غير ذلك ، فالقول بالعموم ، أو بالاطلاق ، لا يدل على القول بالخصوصيّة ، في بعض الافراد المشكوكة ، (انتهى كلامه) أي : كلام المحقّق قدس‌سره (وهو في غاية المتانة).

لكن لا يخفى ، ما فيه ، لانّ بنائهم جار على ان اطلاق الفقهاء وعمومهم ، دليل على ارادة كل فرد فرد ، والّا لذكروا الاستثناء ، فاذا رأيناهم بصدد بيان الحكم ، ولم يخصصوا عموم القرآن ، ولم يقيدوا اطلاقه ، لزم استظهار انهم يقولون ، بكل فرد فرد.

فتحصل : انّ الحلّي يرى : انهم لو أجمعوا عن اطلاق ، كان مرادهم كل فرد فرد ، بينما المحقّق يرى : انّه ليس مرادهم كل فرد فرد ، لاحتمال انهم أرادوا المقيد لا المطلق.

والمصنّف قدس‌سره أيّد قول المحقّق لكنّا استشكلنا فيه ، لأقربية قول الحلّي الى

__________________

(١) ـ معارج الاصول.

(٢) ـ سورة النور : الآية ٣٢.

(٣) ـ سورة الحجرات : الآية ١٢.

٥٩

لكنّك عرفت ما وقع من جماعة من المسامحة في إطلاق لفظ الاجماع ، وقد حكي في المعالم عن الشهيد : «إنّه أوّل كثيرا من الاجماعات ، لأجل مشاهدة المخالف في مواردها ، بارادة الشهرة ، او بعدم الظّفر بالمخالف حين دعوى الاجماع ، او بتأويل الخلاف على وجه لا ينافي الاجماع ،

______________________________________________________

ظواهر كلماتهم.

ثم ان المصنّف اشكل عليهما معا ، لأنّ الدقة لم تكن في اجماعاتهم حتى يناقش ، هل انهم ارادوا : المطلق أو المقيد؟ فقال : (لكنّك عرفت ما وقع من جماعة) كالمفيد ، والسيّد ، والشيخ ، والحلّي وغيرهم (من المسامحة في إطلاق لفظ الاجماع) حيث انهم يطلقونه ، ولا يريدون به الكل ، بل يستندون في قولهم بالاجماع الى الاجتهادات الحدسيّة ، وعلى ذلك : فلا يمكن الذهاب الى تمامية كلام المحقّق ، ولا الى تماميّة كلام الحلّي.

(و) يؤيد ما ذكرناه : من عدم الدقة في اجماعاتهم ، وانّما هم متسامحون فيها ، ما (قد حكي في المعالم عن الشهيد) الأوّل رحمه‌الله (انّه أوّل كثيرا من الاجماعات ، لأجل مشاهدة المخالف في مواردها) فانه لما وجد مخالفين في موارد اجماعاتهم أوّل الاجماعات (ب) تأويلات ، حتى لا ينافي الاجماع وجود المخالف ومنها : (ارادة الشهرة) لا الاجماع الاصطلاحي ، فانهم اذا ذكروا الاجماع ، أرادوا الشهرة ، فلا ينافي وجود المخالف.

(أو بعدم الظّفر بالمخالف حين دعوى الاجماع) أي : انّ المدعي للاجماع ، انّما ادعى الاجماع ، لزعمه انهم متفقون على هذا ، ولم يجد المخالفة حين دعواه الاجماع ، فالمسألة ليست اجماعية ، وانّما هو يزعم عدم جود المخالف.

(أو بتأويل الخلاف على وجه لا ينافي الاجماع) أي : انّ الاجماع متحقّق ،

٦٠