الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

ويختلف عدده باختلاف خصوصيّات المقامات ، وليس كلّ تواتر ثبت لشخص ممّا يستلزم في نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به ، فاذا أخبر بالتواتر فقد أخبر باخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع ، وقبول هذا الخبر لا يجدي شيئا ،

______________________________________________________

فيكون التواتر عبارة عن الخبر الذي أخبر به جماعة ، فأوجب اخبارهم العلم له ، ومن الواضح : انّ الأشخاص يتفاوتون في حصول العلم بسبب الخبر ، فلربما يحصل العلم بسبب الخبر من خمسة أشخاص ، ولربما لم يحصل حتى من العشرين ، ولربما لا يكون التواتر عند المتكلم هو التواتر عند السامع ، وكذا العكس.

كما (ويختلف عدده باختلاف خصوصيات المقامات) زمانا ومكانا وخبرا ومعارضا ، وغير ذلك.

كما (و) انه (ليس كل تواتر ثبت لشخص ، ممّا يستلزم في نفس الأمر عادة ، تحقق المخبر به) ، ومعنى تحقق المخبر به : تحقق صدور الحكم عن الامام عليه‌السلام ، فانه لا يستلزم نقل التواتر على حكم صدور ذلك الحكم عنه عليه‌السلام ، اذ ربما كان الخبر متواترا عند الشيخ ، وليس متواترا عند ابن ادريس ، وهذا الاختلاف مما يدل على عدم التلازم بينهما.

وهكذا بالنسبة الى سائر الناقلين والمنقول اليهم ، (فاذا أخبر بالتواتر ، فقد أخبر باخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع ، و) من المعلوم ان (قبول هذا الخبر ، لا يجدي شيئا) للمنقول اليه ، فانه اذا صدّق : بان شيخ الطائفة اخبره جماعة ، فأفاد له العلم ، فان ذلك لا يوجب للمنقول اليه ثبوت قول الامام ولا ثبوت دليل معتبر ، وانّما يثبت لدى المنقول اليه : انّ الشيخ حصل له العلم ، وعلم الشيخ لا يستلزم

١٤١

لانّ المفروض إن تحقق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابتة بخبر العادل.

نعم ، لو أخبر باخبار جماعة يستلزم عادة لتحقق المخبر به ـ بأن يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لاخبار الجماعة ، كأن أخبر مثلا باخبار ألف عادل او ازيد بموت زيد وحضور جنازته ـ كان اللّازم من قبول خبره الحكم بتحقّق الملزوم

______________________________________________________

علم المنقول اليه.

(لأنّ المفروض : انّ تحقّق مضمون المتواتر) أي : الحكم الذي يريد التواتر اثبات صدوره عن الامام عليه‌السلام (ليس من لوازم اخبار الجماعة) فان اخبار الجماعة (الثابتة بخبر العادل) كشيخ الطائفة ـ مثلا ـ لا يستلزم ان يكون متواترا عند المنقول اليه ، وان كان متواترا عند الناقل ، فكما انه لو قال : أخبرني الثقة ، ثبت صدق ادعائه : انّه اخبر بواسطة شخص هو ثقة عنده ، ولم يستلزم ذلك ان يكون ثقة ـ أيضا ـ عند المنقول اليه ، لامكان اختلاف الشيخ والمنقول اليه في خصوصيات الوثاقة ، فلربما كان زيد ثقة عند الشيخ ولم يكن ثقة عند المنقول اليه فكذلك في نقل التواتر.

(نعم ، لو) لم يقل الشيخ : بلغني الخبر الفلاني بالتواتر ، بل (أخبر باخبار جماعة يستلزم عادة لتحقق المخبر به) أي : الحكم الذي اخبره عن الجماعة (بأن يكون حصول العلم بالمخبر به ، لازم الحصول لاخبار الجماعة) ، أي : كان اخبار الجماعة وحصول المخبر به متلازمان (كأن أخبر) الشيخ (مثلا ـ : باخبار ألف عادل أو أزيد ، بموت زيد ، وحضور جنازته ، كان) هذا الخبر حجّة ، وكان (اللّازم من قبول خبره) أي : معنى حجّية خبر الشيخ (الحكم بتحقّق الملزوم

١٤٢

وهو إخبار الجماعة ، فيثبت اللازم وهو تحقّق موت زيد ، إلّا أنّ لازم من يعتمد على الاجماع المنقول وإن كان إخبار الناقل مستندا إلى حدس غير مستند إلى المبادي المحسوسة المستلزمة للمخبر به هو القول بحجّية التواتر المنقول.

______________________________________________________

وهو : إخبار الجماعة) لأنّ الشيخ صادق في نقله (فيثبت) للمنقول اليه (اللازم ، وهو : تحقّق موت زيد) مما يوجب أرث زوجته ، وانفصالها عنه بعد انتهاء العدة ، وما أشبه ذلك من الأحكام.

ثم انه لا فرق في حجية نقل ما يستلزم عادة لتحقق المخبر به بين ان يقول شيخ الطائفة : أخبرني الف عالم أو أخبرني كل أهل المدرسة ـ وهم مثلا : ألف ـ أو أن يقول : أخبرني زيد وعمرو وبكر وهكذا حتى يعدّ ألف انسان ، فان اخبار الف انسان سواء ذكرهم تفصيلا أو اجمالا ، يلازم الواقع ، فيثبت الواقع بالنسبة الى المنقول اليه ، ويرتب على ذلك الواقع احكامه.

هذا ، ولكن مقتضى التحقيق ـ كما مرّ ـ هو : عدم ثبوت التواتر بسبب اخبار الثقة بالتواتر.

(الّا انّ لازم من يعتمد على الاجماع المنقول وان كان اخبار الناقل مستندا الى حدس) غير ضروري إذ الحدس قد يكون ضروريا ، وقد يكون غير ضروري ، والحدس غير الضروري ، هو (غير مستند الى المبادي المحسوسة ، المستلزمة للمخبر به) فان لازم من يعتمد على مثل هذا الاجماع (هو القول بحجّية التواتر المنقول) أيضا.

فكما يثبت قول الامام عليه‌السلام ، بسبب الاجماع المنقول عند امثال هؤلاء ، كذلك يثبت عندهم التواتر ، المستلزم لقول الامام بسبب نقل التواتر ، وذلك لاشتراكهما

١٤٣

لكن ليعلم انّ معنى قبول نقل التواتر ، مثل الاخبار بتواتر موت زيد مثلا ، يتصوّر على وجهين :

______________________________________________________

في أنّ الناقل ـ كالشيخ مثلا ـ تحدّس بحكم الامام من مبادي حسّية ، غير ملازمة عادة لقول الامام عليه‌السلام ، بلا فرق بين ان يقول : بأنّ المسألة اجماعية ، أو يقول : بأنّ الرواية في الباب الفلاني متواترة.

هذا ، ولكنك قد عرفت ـ ممّا سبق ـ انا لا نقول بأي من الأمرين.

وحيث قد تبيّن : انّ نقل التواتر ، لا يوجب كون الخبر متواترا عند المنقول اليه ، فاذا نقل الشهيد تواتر القراءات ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانه لا يوجب لنا جواز الاعتماد على نقل الشهيد هذا ، حتى نقول ، بجواز الصلاة بكل تلك القراءات ، لأنّ كون القراءات متواترة عند الشهيد ، لا تستلزم أن تكون متواترة عندنا أيضا.

ثم ان المصنّف بدأ في بيان ذلك ، بتقديم مقدّمة وقال : (لكن ليعلم انّ معنى قبول نقل التواتر) بأن يكون المتواتر المنقول حجّة (مثل الاخبار بتواتر موت زيد ـ مثلا ـ) كما اذا أخبر شيخ الطائفة ـ مثلا ـ بذلك (يتصور على وجهين) قسّم المصنّف الوجه الثاني من الوجهين الى وجهين ايضا ، فالوجوه ثلاثة :

الاول : ان يترتب على المخبر به ، أي : موت زيد وآثاره : كتقسيم أمواله واعتداد زوجته ، وما أشبه ذلك.

الثاني : أن يترتب على صفة تواتر الخبر في الجملة ، كما اذا نذر : بان كل خبر ادّعي تواتره ، فعليه ان يثبته في كتاب له.

الثالث : أن يترتب على صفة تواتر الخبر ـ في نظر المنقول اليه ـ شيء ، ثم اشار المصنّف الى كل من الثلاثة بقوله :

١٤٤

الأوّل : الحكم بثبوت الخبر المدّعى تواتره ، أعني موت زيد ، نظير حجّية الاجماع المنقول بالنسبة الى المسألة المدّعى عليها الاجماع ، وهذا هو الذي ذكرنا أنّ الشرط في قبول خبر الواحد هو كون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلّقه.

الثاني : الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور

______________________________________________________

(الأوّل : الحكم بثبوت الخبر المدعى تواتره ، أعني : موت زيد) ليثبت أحكامه المذكورة : من تقسيم أمواله ، واعتداد زوجته ، وما الى ذلك من الآثار الشرعية المترتبة على موته ، فانه لا يثبت عند المنقول اليه ، لأنّه لا يكون الخبر متواترا عنده.

وهذا في حجيته (نظير حجّية الاجماع المنقول بالنسبة الى المسألة المدّعى عليها الاجماع) فان الاجماع المنقول لو ثبت حجّيته ثبت الحكم الذي ادعى الاجماع عليه ، فاذا ادعي الاجماع ـ مثلا ـ على وجوب استقرار البدن في الصلاة حال القراءة والذّكر ، وكان الاجماع المنقول حجّة وجب الاستقرار على المنقول اليه دون ما لم يكن حجّة.

(وهذا هو الذي ذكرنا) من انه لا يثبت بالاجماع المنقول ، لأنّا لا نرى حجّية الاجماع المنقول اذ (أنّ الشّرط في قبول خبر الواحد ، هو : كون ما أخبر به ، مستلزما عادة لوقوع متعلّقه) وقد ذكرنا : إن الاجماع وكذلك التواتر ، لا يستلزمان ذلك بالنسبة الى المنقول اليه.

(الثاني) مجرد (الحكم بثبوت) وصف (تواتر الخبر المذكور) مع قطع النظر عن ثبوت موت زيد أو عدم ثبوته ، فانّه عند ما ينقل الشيخ ـ مثلا ـ تواتر هذا الخبر هل يثبت انّ هذا الخبر متواتر ، أو لا يثبت ان هذا الخبر متواتر؟.

١٤٥

ليرتّب على ذلك الخبر آثار المتواتر وأحكامه الشّرعيّة كما إذا نذر أن يحفظ او يكتب كلّ خبر متواتر.

ثمّ أحكام التواتر ، منها : ما ثبت لما تواتر في الجملة ولو عند غير هذا الشخص ، ومنها : ما ثبت لما تواتر بالنسبة الى هذا الشخص.

______________________________________________________

(ليترتب على ذلك الخبر) أعني : ادعاء التواتر في موت زيد (آثار المتواتر ، وأحكامه الشّرعيّة) مع غضّ النظر عن نفس الحكم الذي ادعى تواتره ، (كما اذا نذر : أن يحفظ أو يكتب كلّ خبر متواتر) فانه قد يكون النذر ، بالنسبة الى ما سمي متواترا ، ولو لم يكن متواترا عنده ، وقد يكون النذر متعلقا بما يكون متواترا عنده ، فيكون القسم الثاني على هذا أيضا على قسمين ، حيث ذكرنا انّ الأقسام ثلاثة ، وقد أشار الى اوّلهما بقوله :

(ثمّ احكام) وصف (التواتر منها : ما ثبت لما تواتر في الجملة ، ولو عند غير هذا الشخص) المنقول اليه ، كما لو نذر : أن يكتب كلّ خبر ادّعي تواتره ، سواء ثبت التواتر عنده أو لم يثبت عنده التواتر ، وحيث ادعى الشيخ : انّ هذا الخبر متواتر شمله نذره ، فيجب عليه أن يكتب هذا الخبر في كتابه حسب نذره ، فيكون كما اذا نذر : أن يكتب كلّ حكم ادّعي الاجماع عليه سواء كان عنده اجماعيا ام لا ، فاذا ادعى الشيخ : الاجماع على مسألة وجب عليه ـ حسب نذره ـ أن يكتبها.

ثم اشار الى ثانيهما بقوله : (ومنها : ما ثبت لما تواتر بالنسبة الى هذا الشخص) كما لو نذر أن يكتب كلّ خبر تواتر عنده وهذا المتواتر المنقول ـ حسب الفرض ـ ليس متواترا عنده فلا يجب عليه ان يكتبه.

ثم اخذ المصنّف يبيّن احكام كلّ من الاقسام الثلاثة بقوله :

١٤٦

لا ينبغي الاشكال في أنّ مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الأوّل وأوّل وجهي الثاني ، كما لا ينبغي الاشكال في عدم ترتّب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص.

ومن هنا

______________________________________________________

(لا ينبغي الاشكال في انّ مقتضى قبول نقل التواتر : العمل به على الوجه الأوّل) فانّ من يقول : بأنّ ادعاء التواتر مثبت لكونه متواترا ، وجب على هذا المنقول اليه : الحكم بثبوت موت زيد في المثال ، فيجب عليه ترتيب آثاره الشرعية : من تقسيم أمواله على ورثته وغير ذلك مما تقدّم.

(و) كذا يجب العمل على (اوّل وجهي الثاني) ، فيجب الكتابة عليه لثبوت التواتر عند الغير ، وقد كان نذره : ان يكتب كلّ خبر يسمّى متواترا ولو عند الغير.

(كما لا ينبغي الاشكال في عدم ترتّب آثار تواتر المخبر به ، عند نفس هذا الشخص) وهو الوجه الثالث ، وذلك لأنّه لم يصل الى حدّ التواتر في نظر المنقول اليه ، حتى يجب عليه حفظه او كتابته ، وهذا ـ كما لا يخفى ـ تابع لكيفيّة النذر ، سواء بالنسبة الى الاجماع ، أو بالنسبة الى التواتر.

(ومن هنا) تبيّن ان الآثار على ثلاثة اقسام :

الاول : الآثار المترتبة على المخبر به كموت زيد.

الثاني : الآثار المترتبة على صفة التواتر في الجملة ، ولو عند غير المنقول اليه.

الثالث : الآثار التي تترتب على صفة التواتر في نظر هذا الشخص.

وكذا تبيّن : انّ نقل التواتر عند من يرى حجّية هذا النقل ، يوجب الاحكام الثلاثة ، بخلاف من لا يرى حجّيته فانه لا يثبت عنده الّا الثاني فقط ، دون الاول والثالث.

١٤٧

يعلم أنّ الحكم بوجوب القراءة في الصلاة إن كان منوطا بكون المقروء قرآنا واقعيّا قرأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا اشكال في جواز الاعتماد على إخبار الشهيد رحمه‌الله ، بتواتر القراءات الثلاث ، أعني قراءة أبي جعفر وأخويه ، لكن بالشرط المتقدّم ، وهو كون ما أخبر به الشهيد من التواتر ملزوما عادة لتحقّق القرآنيّة.

______________________________________________________

ومنه (يعلم انّ الحكم بوجوب القراءة في الصلاة ، ان كان منوطا بكون المقروء قرآنا واقعيّا قرأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بأن قلنا : وجوب القراءة من آثار القرآن الواقعي ، بحيث لو ثبت عند المنقول اليه انه قرآن واقعي ، جاز له قراءتها في الصلاة ، والّا لم يجز ، (فلا اشكال في جواز الاعتماد على) نقل التواتر من (إخبار الشهيد رحمه‌الله بتواتر القراءات الثلاث) فان القراءات ثلاث باعتبار ، وسبع باعتبار ، وعشر باعتبار كما ذكر ذلك الشاطبي والجزري وغيرهما ـ وقد سبق ذكره مفصلا ـ.

والمراد بالقراءات الثلاث : (أعني قراءة ابي جعفر ، وأخويه) أي : في القراءة ، لا في النسب ، وهما : أبو يعقوب وابي بن خلف.

(لكن) جواز الاعتماد انّما هو اذا كان (بالشّرط المتقدّم ، وهو : كون ما اخبر به الشهيد من التواتر ، ملزوما عادة لتحقق القرآنيّة) ، فاذا فرض : انّ قول مائة عادل ـ مثلا ـ في كل طبقة من الطبقات من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى زماننا ، يوجب التواتر الواجب العمل به ، وادعى الشهيد : انّ في كل طبقة أخبر مائة عادل : بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرء القرآن على الكيفيات الثلاث ، جاز لنا أن نقرأ في الصلاة حسب كلّ من هذه القراءات الثلاث.

مثل : جاز ان تقرأ قوله تعالى : (كُفُواً) (١) بضم الفاء و (كُفُواً) بسكون الفاء ،

__________________

(١) ـ سورة الاخلاص : الآية ٤.

١٤٨

وكذا لا اشكال في الاعتماد من دون الشّرط ، إن كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة ، فانّه قد ثبت تواتر تلك القراءة عند الشهيد باخباره ، وإن كان الحكم معلّقا على القرآن المتواتر عند القارئ او مجتهده ، فلا يجدي إخبار الشهيد بتواتر تلك القراءات.

______________________________________________________

و (كُفُواً) بالهمزة عوض الواو مع سكون الفاء وضمه.

فان اخبار الشهيد بذلك ، يكون كسماعنا من المائة في كل عصر عصر ، الى عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتكون هذه القراءات الثلاث قرآنا واقعا.

(وكذا لا إشكال في الاعتماد) على نقل التواتر من الشهيد (من دون) حاجة الى (الشّرط) المذكور (ان كان الحكم) أي : وجوب القراءة في الصلاة (منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة) بأن دلّ الدليل على انه : اذا ادعي التواتر في القرآن جاز للمنقول اليه ان يقرأ القرآن على تلك الكيفية ، وان لم يثبت التواتر عنده.

فيقرأ في الصلاة القراءة التي ادعى الشهيد تواترها ، لأنّ جواز القراءة يناط بادعاء التواتر ، لا بثبوت التواتر عند المنقول اليه (فانّه قد ثبت تواتر تلك القراءة) الثلاث (عند الشهيد باخباره) أي بسبب اخبار الشهيد وقد عرفت : ان ذلك كاف للمنقول اليه وان لم يثبت التواتر عنده.

(و) أمّا (ان كان الحكم) بجواز القراءة في الصلاة (معلّقا على القرآن ، المتواتر عند القارئ) نفسه (أو مجتهده) الذي يقلده ذلك القارئ وانه لا يكفي التواتر الذي يدّعيه المدّعي كالشهيد ـ مثلا ـ ما لم يثبت التواتر عند القارئ او مجتهده ـ (فلا يجدي إخبار الشهيد : بتواتر تلك القراءات) الثلاث ، لعدم حصول التواتر لدى المصلّي ، أو لدى مجتهده بمجرد ادعاء الشهيد ، اذ يحتمل ـ مثلا ـ انّ التواتر لدى الشهيد يثبت ولو باخبار عشرة في كل طبقة بينما التواتر عند المصلي

١٤٩

وإلى أحد الأوّلين ينظر حكم المحقّق والشهيد الثانيين بجواز القراءة بتلك القراءات مستندا الى أنّ الشهيد والعلامة ، قدس‌سرهما ، قد ادّعيا تواترها وأنّ هذا لا يقصر عن نقل الاجماع ؛

وإلى الثالث

______________________________________________________

أو مجتهده ، لا يثبت إلّا باخبار مائة ، فكيف يمكن الاعتماد على ادعاء الشهيد هذا ، والحال انّ المصلّي أو مجتهده لم يثبت لديهما بأنّ هذا تواتر أو ليس بتواتر حتى يعتمدان عليه؟.

(والى أحد الأوّلين) من : كون نقل التواتر ، كاف في اثبات وجود التواتر واقعا ، كما في نقل الاجماع ، حيث ذكر بعضهم بأن نقل الاجماع كاف في اثبات الحكم ، الذي ادعى عليه الاجماع. ومن : كون التواتر في الجملة ـ ولو عند غير المنقول اليه ـ كاف في القراءة على طبقه (ينظر حكم المحقّق والشهيد الثانيّين) وهما :

المحقّق الكركي صاحب جامع المقاصد ، والشهيد الثاني صاحب المسالك ، حيث قالا (بجواز القراءة بتلك القراءات) الثلاث (مستندا الى أن الشهيد) الأول (والعلّامة قدس‌سرهما قد ادّعيا تواترها) أي : تواتر القراءات الثلاث.

(و) قالا (ان هذا) أي : نقل التواتر (لا يقصر عن نقل الاجماع) فكما انّ نقل الاجماع ، كاف في ثبوت الحكم الذي ادعي الاجماع عليه كذلك نقل التواتر كاف في ثبوت كون الحكم متواترا لازم الاتباع.

لكن قد تقدّم : ان المصنّف لا يرى ثبوت الاجماع ولا ثبوت التواتر ، بمجرد ادعاء شخص الاجماع ، أو التواتر.

(والى الثالث) وهو : انّ التواتر لا يثبت بالنقل ، وانّما يلزم في جواز القراءة بالثلاث كونها متواترة عند القارئ نفسه ، أو عند مجتهده

١٥٠

نظر صاحب المدارك ، وشيخه المقدّس الاردبيليّ قدس‌سرهما ، حيث اعترضا على المحقّق والشهيد بأنّ هذا رجوع عن اشتراط التواتر في القراءة.

ولا يخلو نظرهما عن نظر ،

______________________________________________________

(نظر صاحب المدارك ، وشيخه المقدّس الاردبيليّ قدس‌سرهما ، حيث اعترضا على المحقّق والشهيد) الثانيّين (بانّ هذا) أي : الحكم بجواز القراءة بالثلاث ، لمجرد نقل العلّامة والشهيد الأول التواتر (رجوع عن اشتراط التواتر في القراءة) عند القارئ أو مجتهده.

فان من يشترط في جواز القراءة ، كون القراءة متواترة عند المصلّي ، او مجتهد المصلّي لا يتمكن أن يكتفي بادعاء العلّامة والشهيد الأول التواتر ، لانّ التواتر لا يثبت عند المصلّي او مجتهده ، بمجرد ادعاء العلّامة والشهيد الأول لذلك.

(ولا يخلو نظرهما) أي : نظر المقدّس الأردبيليّ ، وصاحب المدارك (عن نظر) اذ كل من المحقّق والشهيد الثانيّين ، يرى جواز الاعتماد على نقل التواتر ، فلا يتمكن أن يستشكل عليهما من لا يرى جواز الاعتماد على نقل التواتر كالمقدّس الاردبيليّ وصاحب المدارك ، فاشكالهما ، ليس واردا على الشهيد ، والمحقّق الثانيّين ، في اعتمادهما على العلامة والشهيد الأول.

هذا ، وقد تقدّم : بانا لا نرى تواتر القراءات ، بل القراءة واحدة ، وهي : ما تعارف عليها المصاحف منذ اكثر من ألف سنة ، والى اليوم حيث لم يختلف كتابة بعضها عن بعض ، ولو بنقطة ، أو فتحة ، أو شدّة ، فكيف بحرف أو أكثر من ذلك مثل : «ملك ومالك» و «كفوا وكفؤا»؟.

١٥١

فتدبّر ، والحمد لله ، وصلّى الله على محمّد وآله ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

______________________________________________________

(فتدبّر ، والحمد لله ، وصلّى الله على محمد وآله ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين) من الآن الى قيام يوم الدين.

* * *

١٥٢

الشهرة الفتوائية

ومن جملة الظنون التي توهّم حجّيّتها بالخصوص الشهرة في الفتوى الحاصلة بفتوى جلّ الفقهاء المعروفين ، سواء كان في مقابلتها فتوى غيرهم بخلاف ،

______________________________________________________

الشهرة الفتوائية

(ومن جملة الظنون التي توهّم حجّيّتها بالخصوص : الشهرة في الفتوى) مقابل الشهرة في الرواية ، فانه قد تكون احدى الروايتين ، أشهر من الرواية الاخرى ، فتسمّى : الشهرة الروائية ، وقد تكون احدى الفتويين ، أشهر من الاخرى ، وتسمّى : الشهرة الفتوائية.

هذا هو الغالب ، وان كان لا يلزم أن يكون في قبال الشهرة الروائية رواية أخرى أو ان يكون في قبال الشهرة الفتوائية ، فتوى اخرى ـ كما سيأتي بيان ذلك ـ.

وهي (الحاصلة بفتوى جلّ) أي : اكثر (الفقهاء المعروفين) في الأعصار والأمصار.

فاذا كانت هنالك فتوى مشهورة بين العلماء ، سواء في عصر واحد كعصر المحقّق ـ مثلا ـ أو في كل الأعصار كما في عصر شيخ الطائفة الى يومنا هذا ، سمّيت : بالشهرة الفتوائية ، لكن اذا كانت الشهرة في زمان خاص ، سمّيت : بالشهرة الفتوائية في عصر كذا ، واذا كانت مطلقة سمّيت : بالشهرة الفتوائية.

(سواء كان في مقابلتها) أي : مقابلة الشهرة الفتوائية (فتوى غيرهم) أي : غير هؤلاء المشهورين ، كما لو كان هناك قولان : مشهور يقول : بطهارة البئر ، وغير مشهور يقول : بنجاستها ، ونجاستها قول (بخلاف) المشهور.

١٥٣

ام لم يعرف الخلاف والوفاق من غيرهم.

ثمّ إنّ المقصود هنا ليس التعرّض لحكم الشهرة من حيث الحجّيّة في الجملة ، بل المقصود إبطال توهّم كونها من الظنون الخاصّة ، وإلّا فالقول بحجّيتها من حيث إفادة المظنّة بناء على دليل الانسداد غير بعيد.

______________________________________________________

(ام لم يعرف الخلاف والوفاق من غيرهم) بان كان هناك الف عالم ، وعلمنا :

بأنّ تسعمائة منهم أفتوا بشيء ، ولم نعلم انّ المائة الآخرين ، أفتوا بالوفاق أم بالخلاف ، فانّ هذا أيضا يسمّى : بالشهرة الفتوائية.

كما انّ الرواية كذلك ، فاذا كانت هناك روايتان : احدى الروايتين مشهورة ، لوجودها في كثير من كتب الرواية ، والرواية الثانية لم توجد الّا في بعض الكتب ، كانت الرواية الاولى مشهورة بالشهرة الروائية.

وقد لا يكون في قبال الرواية المشهورة رواية اخرى وانّما نقول هذه الرواية مشهورة ، باعتبار انها موجودة في كتب كثيرة ، لا باعتبار ان في مقابلها رواية غير مشهورة.

(ثمّ انّ المقصود هنا : ليس التعرّض لحكم الشهرة من حيث الحجّيّة في الجملة) أي : من جهة كون الشهرة قد تكون جزءا من الدليل ، أو تكون الشهرة حجّة من باب انسداد باب العلم (بل المقصود ابطال توهّم كونها) أي : الشهرة (من الظنون الخاصّة) وانّها حجّة مطلقا كحجّية الخبر ، فان هذا هو الذي ذكره بعض ونحن نردّ عليه.

(والّا) بان لم يكن المقصود ابطال ذلك التوهّم (فالقول بحجّيّتها) أي بحجّية الشهرة ، من باب انها جزء السّبب ، أو (من حيث إفادة المظنّة ـ بناء على دليل الانسداد ـ غير بعيد) فانّا نقول : بأنّ الشهرة قد تكون جزء السّبب في افادة

١٥٤

ثمّ إنّ منشأ توهّم كونها من الظنون الخاصّة أمران أحدهما : ما يظهر من بعض ، من أنّ أدلّة حجّية خبر الواحد يدلّ على حجّيّتها بمفهوم الموافقة ، لأنّه ربما يحصل منها الظنّ الأقوى من الحاصل من خبر العادل.

وهذا خيال ضعيف تخيّله بعض في بعض رسائله ، ووقع نظيره من الشهيد الثاني في المسالك ، حيث وجّه حجّية الشياع الظنّي

______________________________________________________

الحكم ، كما اذا كانت هناك رواية ضعيفة لكن كان قول المشهور على طبق تلك الرواية ، فانهما معا يفيدان الحكم ، كما نقول أيضا : بأنّه اذا وصلت النوبة الى دليل الانسداد ، كانت الشهرة أيضا حجّة من باب الظنّ المطلّق ، وانّما الذي ننكره الآن في قبال صاحب الرياض ، هو القول : بأن الشهرة من الأدلة الخاصة أيضا.

(ثمّ انّ منشأ توهّم كونها) أي : الشهرة (من الظنون الخاصّة) وانها حجّة مطلقا كحجّية الخبر (أمران) : (أحدهما : ما يظهر من بعض) وهو : صاحب الرياض ـ كما نسب اليه ـ (من انّ ادلّة حجّية خبر الواحد ، يدلّ على حجّيتها) أي : الشهرة (بمفهوم الموافقة) أي : بالطريق الأولى ، فانه اذا كان خبر الواحد حجّة كانت الشهرة حجّة بطريق أولى ، لكن الخبر الواحد حجّة فالشهرة حجّة أيضا.

وذلك (لانّه ربما يحصل منها) أي : من الشهرة (الظنّ الاقوى من) الظنّ (الحاصل من خبر العادل) فاذا كان خبر العادل حجّة بالأدلّة الأربعة ، وانّه مفيد للظنّ ، كانت الشهرة أولى بالحجّية ، لأنّ الظنّ في الشهرة أقوى من الظنّ في الخبر الواحد.

(و) لكنّ (هذا خيال ضعيف ، تخيّله بعض) وهو : صاحب الرياض على ما نسب اليه (في بعض رسائله) المصنّفة في الشهرة وحجّيتها.

كما (و) قد (وقع نظيره) أي نظير هذا التخيّل (من الشهيد الثاني في المسالك ، حيث وجّه حجّية الشياع الظنّي) والشياع عبارة عن : قول جماعة

١٥٥

بكون الظنّ الحاصل منه أقوى من الحاصل من شهادة العدلين.

ووجه الضعف : أنّ الأولويّة الظنيّة اوهن بمراتب من الشهرة ، فكيف يتمسّك بها

______________________________________________________

كثيرة ، قد يوجب قولهم الظنّ ، وقد يوجب قولهم العلم ، فاذا كان الشياع مفيدا للعلم ، فبها ، والّا بان كان الشياع مفيدا للظنّ فالمشهور لم يقولوا بحجيّة هذا الشياع.

والفرق بين مسألة الشياع والشّهرة : انّ الشياع يطلق في الموضوعات ، والشهرة تطلق في الأحكام.

وانّما قال الشهيد الثاني بحجية الشياع الظني ، لاستدلاله : (بكون الظنّ الحاصل منه) أي من الشياع (اقوى من الحاصل من شهادة العدلين) فاذا كان شهادتهما حجّة في الموضوعات ، فالشياع أولى بالحجية في الموضوعات منها.

لكن لا يخفى : انه لا يمكن القول : بحجّية الشياع الظنّي ، لأنّه لا دليل على انّ شهادة العدلين حجّة من باب الظنّ ، بل حجّية شهادة العدلين من باب بناء العقلاء ، وتصديق الشارع له (ووجه الضعف) فيما ذكره صاحب الرياض أمران :

الاول : ما أشار اليه بقوله : (انّ الأولويّة الظنيّة أوهن) أي : أضعف (بمراتب من الشهرة) اذ الأولوية ليست مظنونة الحجّية ، ولا محتملة الحجّية ولا مشكوكة الحجّية ، بل يقطع بعدم حجّيتها لما ورد من ان : «دين الله لا يصاب بالعقول» (١) بخلاف الشهرة ، حيث دلّ بعض الأدلّة ـ كما سيأتي ـ على حجّيتها ، وعليه ، فالأولوية أنزل بثلاث مراحل من الشهرة (فكيف يتمسّك بها) أي : بالأولوية

__________________

(١) ـ كمال الدين : ص ٣٢٤ ح ٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١٧ ص ٢٦٢ ب ٦ ح ٢١٢٨٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٠٣ ب ٣٤ ح ٤١.

١٥٦

في حجّيّتها ، مع أنّ الأولويّة ممنوعة رأسا للظنّ بل العلم بأنّ المناط والعلّة في حجّيّة الأصل ليس مجرّد إفادة الظنّ ، وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة ،

______________________________________________________

(في حجّيتها؟) أي في حجّية الشهرة كما عن الرياض : بأنّ الخبر الواحد حيث كان حجة ، فالشهرة حجة بطريق اولى ، فبنى حجّية الشهرة على حجّية الخبر الواحد.

الثاني : ما أشار اليه بقوله : (مع انّ الأولويّة ممنوعة) في المقام ، فلا تلازم بين حجّية الخبر الواحد وحجية الشهرة (رأسا) وذلك (للظنّ ، بل العلم بأنّ المناط والعلّة في حجّية الأصل) أي : حجّية خبر العادل (ليس مجرّد إفادة الظنّ) حتى يقال : بأن خبر العادل حيث يفيد الظنّ فهو حجّة والشهرة تفيد الظنّ الأقوى ، فتكون حجة بطريق أولى.

بل (واضعف من ذلك) أي : من الاشكال في أولوية صاحب الرياض (تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض : مفهوم الموافقة) مع انه ليس من مفهوم الموافقة في شيء : حتى وان سلّمنا بالأولوية لأنّه فرق بين القياس الأولوي ـ الذي منه ما نحن فيه ـ وبين مفهوم الموافقة.

فالأوّل : لا دلالة للّفظ عليه لا مفهوما ولا منطوقا ، بل العرف يفهم شيئا خارجا عن اللّفظ بالأولى.

مثلا : اذا شهد الأطفال على القتل ، يقبل منهم ، لما ورد في النصّ : من قبول شهادتهم في القتل ، فان شهدوا على الجرح يقبل منهم ايضا ، بطريق اولى ، وليس هذا بمنطوق النصّ ولا بمفهومه ، وانّما هذا بالقياس الأولوي ، عند من يقول : بقبول شهادتهم في الجرح.

١٥٧

مع أنّه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظيّ الدالّ على حكم الأصل ، مثل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ)

الثاني : دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة على ذلك ؛ ففي الاولى : «قال زرارة : قلت جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران

______________________________________________________

والثاني : اللّفظ دال عليه ، لكن بالمفهوم لا بالمنطوق ، مثل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (١) حيث يفهم منه بالأولى عدم ضربهما ، لما يفهم منه بأن علّة التحريم هو : الايذاء ، وايذاء الضرب حيث كان اكثر من ايذاء التأفّف ، فهم منه : ان الضرب محرّم بالأولوية.

والحاصل : ان دلّ اللّفظ عليه فهو مفهوم ، وان لم يدلّ اللّفظ عليه وانّما دلّ عليه العقل ، فهو قياس أولوي ، وعليه فان تمّ كلام صاحب الرياض ، فهو من القياس الأولوي ، لا من مفهوم الموافقة.

والى هذا اشار المصنّف بقوله (مع انّه) أي : ان مفهوم الموافقة هو : (ما كان استفادة حكم الفرع ، من الدليل اللّفظي الدّال على حكم الأصل ، مثل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (٢)) لا ما اذا كان من دليل العقل ، فانه ان كان بدلالة العقل لا من دلالة اللّفظ ، فلا يسمّى : بمفهوم الموافقة.

الأمر (الثاني) لتوهم كون الشهرة من الظّنون الخاصة : (دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة على ذلك) أي : على حجّية الشهرة الفتوائية ، وانّما سمّيت المرفوعة : مرفوعة ، لأنّ بعض السند قد سقط منها ، وسمّيت المقبولة : مقبولة ، لأنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول.

(ففي الاولى : «قال زرارة : قلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٢٣.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ٢٣.

١٥٨

والحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نعمل؟ قال عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر.

قلت : يا سيّدي إنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم. قال عليه‌السلام خذ بما يقوله أعدلهما» ، الخبر.

______________________________________________________

والحديثان) والمراد بالخبر هنا : ما ينقله المعصوم مستندا الى معصوم آخر بأن يقول الامام الصادق عليه‌السلام ـ مثلا ـ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كذا ، أو قال أبي : كذا ، والمراد بالحديث : ما اذا قال الامام الصادق عليه‌السلام ـ مثلا ـ «لا شكّ لكثير الشك» (١) وسمّي : حديثا ، لانه حادث وليس اخبارا عن أحد ، هذا اذا ذكر الخبر والحديث معا ، أمّا اذا ذكر أحدهما دون الآخر فانه يشمل المعنيين.

وعليه : فاذا ورد (المتعارضان ، فبأيّهما نعمل؟ قال عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر) والشاذّ : هو يكون على خلاف القاعدة ، بينما النادر : هو ما يكون على وفق القاعدة ، لكنّه قليل ، فالانسان الجميل غاية الجمال كيوسف عليه‌السلام ـ مثلا ـ يسمّى : نادرا ، والانسان المتزايد ، في سوء خلقه ، الخارج عن المتعارف يسمى : شاذا ، ولعلّ المراد بقوله عليه‌السلام : «ودع الشاذّ النّادر» انه اذا كان على خلاف المشهور ، فدعه سواء كان شاذا أو نادرا.

(قلت : يا سيّدي ، انّهما معا مشهوران مأثوران عنكم؟ قال عليه‌السلام : خذ بما يقوله أعدلهما) الى آخر (الخبر) (٢).

__________________

(١) ـ من القواعد الفقهية المصطادة من الروايات ويدل عليها : الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٨ وص ٣٥٩ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٣ وص ١٨٨ وص ٣٤٣ وص ٣٤٤ ومن لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٢٤.

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

١٥٩

بناء على أنّ المراد بالموصول مطلق المشهور ، رواية كان او فتوى ، او أنّ إناطة الحكم بالاشتهار يدل على اعتبار الشهرة في نفسه وإن لم يكن في الرواية ، وفي المقبولة ،

______________________________________________________

واما وجه الاستدلال بهذه المرفوعة على حجّية الشهرة ، ولو في الفتوى ، فمن وجهين : الأول : «ما» الموصولة في قوله عليه‌السلام «خذ بما اشتهر».

(بناء على انّ المراد بالموصول : مطلق المشهور) فانّ مورد السؤال وان كان هو الرواية ، الّا انّ قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر» معناه : خذ كلّ شيء مشهور ، فيكون من قبيل : لا تأكل الرّمان لأنّه حامض ، حيث انّ المورد وان كان الرمان ، الّا انّ المفهوم من الكلام : ان كل حامض اجتنب أكله.

وعليه : فالمشهور (رواية كان أو فتوى) يؤخذ به ، ويترك ما يقابله.

الثاني ما أشار اليه بقوله : (أو انّ إناطة الحكم بالاشتهار) أي : انّ الامام عليه‌السلام ، أناط حكم الأخذ بما يكون مشهورا (يدل على اعتبار الشهرة في نفسه) أي : انّ الاشتهار بنفسه يوجب الأخذ (وان لم يكن في الرواية) بأن كان في الفتوى.

وعليه : فانا لو سلّمنا بان المراد من «ما» الموصولة ليس هو الأعم من الرواية والفتوى ، بل خصوص الرواية فقط ، الّا انه عليه‌السلام ، لمّا جعل مناط وجوب أخذ الرواية ، هو : الشهرة ، علم منه : انّ الشهرة بما هي هي معتبرة وان كانت في الفتوى.

والحاصل ان الفرق بين الوجهين هو : أنّ المفهوم من «ما» الموصولة هو : الأعم من الرواية والفتوى ، والمفهوم من اناطة الحكم بالاشتهار هو انّ المناط هي الشهرة سواء كانت في الرواية أو في الفتوى حتى وان سلّمنا بانّ «ما» الموصولة لخصوص الرواية.

(وفي المقبولة) الواردة في تعارض القضاة ، بأن حكم هذا القاضي بشيء ،

١٦٠