الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

فان قلت : ظاهر لفظ الاجماع اتفاق الكل ، فاذا أخبر الشخص بالاجماع فقد أخبر باتفاق الكلّ ومن المعلوم أنّ حصول العلم بالحكم من اتفاق الكلّ كالضروريّ فحدس المخبر مستند إلى مباد محسوسة ملزومة لمطابقة قول

______________________________________________________

شخص بشجاعة زيد ، ولم نعلم انّه رأى منه شهامة في حرب ، أو فتحا في غزوة ، وما أشبه ذلك مما يستلزم عادة الشجاعة ، أو رأى منه موقفا واحدا فاتفق له العلم بشجاعته ، مع ان ذلك الموقف لم يكن ، ملازما للشجاعة عادة ، أو لم ير منه أثرا ، الّا انّه راى كبر جسمه ، وعظم هيكله ، فحدس بشجاعته ، وأخبر عنها ، فانه لا نتمكن نحن أن نقول : بأنّ زيدا شجاع ، لأنّ الاخبار بشجاعته ، كان مرددا بين الوجوه الثلاثة ، الّتي لم يكن بعضها حجة ، وكذلك لو أخبر بالعدالة ، ونحوها من الصفات النفسية ، الّتي قد يقطع الانسان من آثارها عادة بها ، وقد لا يقطع بها عادة ، وقد يكون من القسم الثالث ، الّذي هو صرف اجتهاد محض ، واستنباط ليس بحجة.

(فان قلت :) ذكرتم : انّ محتملات الاجماع الحدسي على ثلاثة اقسام قسمان منها ليس بحجة ، وقسم واحد حجة ، فاذا ادّعى المدّعي الاجماع ، ولم نعلم انّه من اي الاقسام الثلاثة لم يكن اجماعه حجّة.

قلت : ما ذكرتم ليس بصحيح ، لأنّ (ظاهر لفظ الاجماع : اتفاق الكلّ ، فاذا أخبر الشخص بالاجماع ، فقد أخبر باتفاق الكل) والناقل عادل ، فيكون اخباره صحيحا (ومن المعلوم : انّ حصول العلم بالحكم) الصادر من الامام عليه‌السلام ، المستند إلى الاجماع ، الحاصل (من اتفاق الكلّ كالضروري) في الحجّية.

وعليه : (فحدس المخبر ، مستند إلى مباد محسوسة ، ملزومة لمطابقة قول

٢١

الامام عليه‌السلام ، عادة ، فامّا أن يجعل الحجّة نفس ما استفاده من الاتفاق ، نظير الاخبار بالعدالة ، وإمّا أن يجعل الحجّة إخباره بنفس الاتفاق المستلزم عادة لقول الامام عليه‌السلام ، ويكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا ، نظير إخبار الشخص بامور يستلزم العدالة والشجاعة عادة.

______________________________________________________

الامام عليه‌السلام) لزوما (عادة) لما تقدّم : من ان تتبع الأسباب يوجب العلم بالمسبب ، وأقوال الفقهاء سبب للعلم ، بقول الامام عليه‌السلام.

(فأمّا أن يجعل الحجّة نفس ما استفاده من الاتفاق) وهو : قول الامام عليه‌السلام ، أي : المسبب (نظير الاخبار بالعدالة) فان من يخبر بالعدالة ، يكون قوله حجّة ، وان كانت العدالة مسببة عن الأسباب الّتي رآها المخبر ، لانّ العدالة لا تشاهد ، وانّما تعرف بالآثار.

(وأمّا أن يجعل الحجّة ، اخباره بنفس الاتفاق ، المستلزم عادة لقول الامام عليه‌السلام) أي ان مدّعي الاجماع يدّعي : امّا السبب ، وهو اتفاق الكل ، وامّا المسبب وهو قول الامام عليه‌السلام وكلاهما حجة (ويكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا ، نظير اخبار الشخص بامور يستلزم العدالة) عادة.

فكما ان قول القائل : زيد متورّع عن المعاصي ، وملتزم بالواجبات ، وما اشبه ، اخبار عن السبب ، وحجّة ، أو اخبار عن المسبب ، أي : العدالة وحجة أيضا ، كذلك ناقل الاجماع ، فانه سواء اراد نقل السبب أو المسبب ، يكون حجّة ، لانه نقل لقول المعصوم ، أو السبب الكاشف عن قول المعصوم ، كاخبار الشخص ، بأسباب العدالة ، (والشجاعة) والجبن ، والكرم ، وما اشبه مما تكون تلك الأسباب ملازمة لهذه الصفات (عادة) وعلى هذا : فلما ذا لا يكون نقل الاجماع الحدسي موجبا للكشف عن قول المعصوم الذي هو حجة؟.

٢٢

وقد أشار إلى الوجهين بعض السادة الأجلّة في شرحه على الوافية ، فانّه قدس‌سره ، لمّا اعترض على نفسه : ب «أنّ المعتبر من الأخبار ما استند إلى إحدى الحواسّ ، والمخبر بالاجماع إنّما رجع إلى بذل الجهد ، ومجرّد الشكّ في دخول مثل ذلك في الخبر يقتضي منعه».

أجاب عن ذلك : بأنّ المخبر هنا أيضا يرجع إلى الحس فيما يخبر عن العلماء وإن جاء العلم بمقالة المعصوم من مراعاة أمر آخر ، كوجوب اللّطف وغيره.

______________________________________________________

(وقد أشار إلى الوجهين) أي حجية نقل السبب أو المسبب (بعض السّادة الأجلّة) وهو : الكاظمي رحمه‌الله (في شرحه على الوافية ، فانّه قدس‌سره لمّا اعترض على نفسه : بأنّ المعتبر من الاخبار ، ما استند إلى احدى الحواس) الظاهرة ، وهي : اللامسة ، والشامّة ، والذائقة ، والسّامعة ، والباصرة (والمخبر بالاجماع) لم يسمع الحكم من الامام عليه‌السلام ، ولم ير تقريره ولا غير ذلك مما يرجع إلى الحواس ، و (انّما رجع) الناقل للاجماع ، في استكشافه قول الامام عليه‌السلام (الى بذل الجهد) وتتبع أقوال العلماء في الكشف وهو أمر حدسيّ ، وليس بحسّي ، (ومجرّد الشّك في دخول مثل ذلك في الخبر ، يقتضي منعه) أي : منع الدخول ، فاذا شككنا في انّ هذا الخبر الحدسي ، يدخل في ادلة حجّية الخبر الواحد ، وان تلك الادلّة تشمل الاجماع ، ام لا؟ فأصالة حرمة العمل بالظن ، تقتضي : أن لا يكون الاجماع من الخبر ، فلا يشمل الاجماع أدلّة حجية الخبر.

(أجاب عن ذلك : بأنّ المخبر هنا ـ أيضا ـ يرجع إلى الحسّ ، فيما يخبر عن العلماء ، وان جاء العلم بمقالة المعصوم عليه‌السلام من مراعاة أمر آخر) من الأدلّة على حجّية الاجماع (كوجوب اللّطف) الّذي ذكره الشيخ (وغيره) كالحدس.

٢٣

ثمّ أورد : بأنّ المدار في حجّية الاجماع على مقالة المعصوم عليه‌السلام ، فالاخبار إنّما هو بها ، ولا ترجع إلى حس.

فأجاب عن ذلك : أوّلا ، بأنّ مدار الحجّية وإن كان ذلك ، لكن استلزام اتفاق كلمة العلماء لمقالة المعصوم عليه‌السلام معلوم لكلّ أحد ، لا يحتاج فيه إلى النقل ، وإنّما الغرض عن النقل ثبوت الاتفاق. فبعد اعتبار خبر الناقل لوثاقته ورجوعه في حكاية الاتفاق إلى الحسّ

______________________________________________________

فان الناقل حينما ينقل اجماع العلماء على حكم كان ذلك اخبارا عن حسّ.

ومن الواضح : ان قول الامام عليه‌السلام ، ملزوم لهذا الشيء الحسّي من باب اللّطف ، أو من باب الحدس ، أو غير ذلك.

(ثمّ أورد : بأنّ المدار في حجّية الاجماع ، على مقالة المعصوم عليه‌السلام ، فالاخبار انّما هو بها) أي : بمقالة المعصوم (و) الحال ان مثل هذه المقالة (لا ترجع إلى حسّ ، فاجاب عن ذلك : أولا) : ان الناقل انّما نقل السبب ، ويكفي نقل السبب في ثبوت المسبب وذلك (ب) واسطة (انّ مدار الحجّية ، وان كان ذلك) الّذي ذكره : من الرجوع إلى الحسّ (لكن استلزام اتفاق كلمة العلماء) المتفقين على حكم (لمقالة المعصوم عليه‌السلام معلوم لكلّ احد ، لا يحتاج فيه) أي : في ذلك الاستلزام (إلى النقل) ، فان كل احد يعلم : بان اتفاق الكل ملازم لمقالة المعصوم ، فلا حاجة إلى أن ينقل كلام المعصوم بالنص (وانّما الغرض) الأصلي (عن النقل : ثبوت الاتفاق) لجميع العلماء ، فان الناقل ينقل اتفاق جميع العلماء.

(فبعد اعتبار خبر النّاقل لوثاقته) إذ المفروض انّ ناقل الاجماع عادل ، موثق كلامه ، صحيح ، ولا يحتاج إلى الفحص (ورجوعه في حكاية الاتفاق) ونقل الاجماع (الى الحسّ) وذلك اما بالسماع منهم ، كما اذا كانوا في عصر واحد ،

٢٤

كان الاتفاق معلوما ، ومتى ثبت ذلك كشف عن مقالة المعصوم للملازمة المعلومة لكلّ أحد.

وثانيا ، انّ الرجوع في حكاية الاجماع الى نقل مقالة المعصوم لرجوع الناقل في ذلك إلى الحسّ ، باعتبار أن الاتفاق من آثارها ، ولا كلام في اعتبار مثل ذلك ، كما في الاخبار بالايمان والفسق والشجاعة والكرم وغيرها من الملكات ،

______________________________________________________

أو بالرؤية في كتبهم ، أو بالأمرين معا (كان الاتفاق معلوما) لنا شرعا ، لان الناقل ثقة فيما يدعي من اتفاقهم.

(ومتى ثبت ذلك) الاتفاق (كشف) بالبداهة (عن مقالة المعصوم) عليه‌السلام ، فلا حاجة إلى ان ينقل قول المعصوم مباشرة ، اذ لو كان هناك سبب ومسبب ، فنقل الناقل السبب كان كما اذا نقل المسبب وذلك (للملازمة المعلومة لكلّ أحد) بين اتفاق العلماء ، وبين قول المعصوم.

هذا كله اذا كان غرض الناقل السبب (و) اما اذا كان غرضه المسبب فنجيب :

(ثانيا) بأنّ غرض الناقل : نقل قول الامام عليه الصلاة والسلام ف (انّ الرّجوع في حكاية الاجماع ، إلى نقل مقالة المعصوم عليه‌السلام ، لرجوع الناقل في ذلك) أي : في نقل قول الامام عليه‌السلام (الى الحسّ ، باعتبار انّ الاتفاق) المحسوس للناقل (من آثارها) ، أي : من آثار مقالة المعصوم عليه‌السلام ، فان أثر الاتفاق هو : مقالة المعصوم ومقالة المعصوم هو : المؤثر لهذا الاتفاق.

(ولا كلام في اعتبار) وحجّية (مثل ذلك) الحدس الّذي حصل من الحسّ (كما في الاخبار بالايمان ، والفسق ، والشجاعة ، والكرم ، وغيرها من الملكات) النفسيّة الّتي لا ترى بالعين ، وانّما يرى الانسان آثارها ، فاذا رأى آثارها صح له أن

٢٥

وانّما لا يرجع إلى الاخبار في العقليّات المحضة ، فانّه لا يعوّل عليها ، وإن جاء بها ألف من الثقات حتى يدرك مثل ما أدركوا.

ثمّ أورد على ذلك : بأنّه يلزم من ذلك الرجوع إلى المجتهد ، لأنّه وإن لم يرجع إلى الحسّ في نفس الأحكام الّا أنّه رجع في لوازمها وآثارها إليه

______________________________________________________

يخبر بهذه الصفات ، أو يخبر بالآثار الّتي هي ملازمة لتلك الصفات.

(وانّما لا يرجع إلى الاخبار) اي : لا يكون خبر المخبر ، حجّة ، وان ذكر اتفاق العلماء جميعا ، لانّ الاجماع (في العقليّات المحضة) ليس بحجّة ، كما اذا نقل ـ مثلا ـ اتفاق العلماء على حدوث العالم ، أو استحالة التناقض ، أو ما أشبه ذلك ، فان اللازم ان يرجع الانسان فيها الى الادلّة العقلية ، لأنّه لا شأن للاجماع في مثل هذه الامور (فانّه لا يعوّل عليها) أي : على الاخبار (وان جاء بها الف من الثقات ، حتّى يدرك) هذا المنقول اليه اجماعهم على الامور العقلية (مثل ما ادركوا) من الدليل العقلي عليها.

والحاصل : انّ الاجماع انّما هو حجّة في الشرعيات ، لا في العقليات.

(ثمّ أورد) الكاظمي رحمه‌الله (على ذلك) ، أي ، على حجيّة الاخبار عن حدس ، فيما اذا كان مستندا إلى الآثار الحسّية ، كالاجماع المستند إلى ما رآه مدعي الاجماع من اقوال العلماء ، فحدس بقول المعصوم من أقوالهم (بأنّه يلزم من ذلك الرّجوع الى المجتهد) ، أي اذا جاز استكشاف حكم المعصوم ، من فتوى المجتهدين بسبب نقل الاجماع جاز ايضا ان نجعل آراء المجتهدين روايات المعصومين عليهم‌السلام ، وذلك (لأنّه) أي المجتهد (وان لم يرجع إلى الحسّ في نفس الاحكام) لأنّه لم يسمع الحكم الّذي يفتي به من الامام عليه‌السلام (الّا انّه رجع في لوازمها) أي : لوازم الأحكام (وآثارها اليه) أي إلى الحس.

٢٦

وهي الأدلة السمعيّة ، فيكون رواية ، فلم لا يقبل اذا جاء به الثقة.

وأجاب : بأنّه إنّما يكفي الرجوع إلى الآثار إذا كانت الآثار مستلزمة عادة.

______________________________________________________

والفرق بين اللّوازم والآثار : ان الآثار اخص من اللّوازم ، فان اللّوازم تشمل الملازم ـ أيضا ـ دون الآثار ، فان لازم النار ـ مثلا ـ الحرارة ، امّا الطبخ للطعام ، فهو من آثار النار ، وان صدق عليه اللازم أيضا ، باعتبار انّه مسبب من النار.

(و) تلك المبادئ الحسية (هي : الأدلّة السمعيّة) فكما انّ ناقل الاجماع لم يسمع الحكم من الامام عليه‌السلام ، بل وصل حدسه إلى الحكم من مبادئ حسّية ـ وتلك المبادي عبارة عن تصفحه في أقوال الفقهاء ، وحصول اتفاقهم لديه ـ كذلك يكون حال المفتي ، فانه لم يسمع الحكم من الامام عليه‌السلام ، بل وصل اليه حدسه من المبادي الحسّية الّتي هي عبارة عن الكتاب ، والروايات ، والاجماعات ، والعقل.

فاذا كان الاجماع المنقول في حكم الحديث كما يدّعيه المدّعي (فيكون) الفتوى من المجتهد ايضا (رواية) لأنّ ما ذكرتم في الاجماع المنقول ، آت في الفتوى أيضا ، (فلم لا يقبل اذا جاء به) المجتهد (الثقة)؟.

والحاصل : انّ الفتوى والاجماع ، بمنزلة واحدة ، لأن مبادئهما معا حسّية ، وكشفهما عن قول المعصوم معا حدسي ، فامّا ان يقبلا معا كرواية أو لا يقبلا معا كذلك.

(وأجاب) الكاظمي رحمه‌الله : (بأنّه) ليس نقل الاجماع ، كنقل الفتوى ، لأنّه (انّما يكفي الرّجوع إلى الآثار ، اذا كانت الآثار مستلزمة عادة) للمؤثر والاجماع مستلزم عادة لقول المعصوم بخلاف فتوى الفقيه ، فانّ فتوى الفقيه ، ليس مستلزما لقوله عليه‌السلام عادة لما نعلم من كثرة الخطأ والاختلاف في فتاواهم.

٢٧

وبالجملة : إذا افادت اليقين ، كما في آثار الملكات وآثار مقالة الرئيس ، وهي مقالة رعيّته ، وهذا بخلاف ما يستنهضه المجتهد من الدليل على الحكم.

ثمّ قال : على أن التحقيق في الجواب عن السؤال الأوّل هو الوجه الأوّل ،

______________________________________________________

(وبالجملة اذا افادت) الآثار (اليقين) بقول المعصوم عليه‌السلام (كما في آثار الملكات) فانّ الانسان يكشف من آثار العدالة ، أو الجبن ، أو الكرم ، أو الفسق ، أو ما أشبه تلك الملكات النفسيّة ، لأنّ الآثار الحسّية المتعددة ، مستلزمة للمؤثر الحدسي ، الّذي هو الملكة.

(و) كما في (آثار مقالة الرئيس وهي) أي : تلك الآثار (مقالة رعيّته) فان الانسان اذا وجد آثارا في البلاد ، يقطع منها أنها بأمر رئيسهم ومقالته ، فاذا رأينا المحاكم تفعل كذا ، بالنسبة الى السارق ، أو الزاني ، أو ما أشبه نقطع بأنّها من أمر الرئيس.

والفقهاء حيث انّهم رعايا الامام عليه‌السلام ، وهم عدول لا يريدون التخطي عن قوله ، فاذا اتفقوا على شيء ، كشف ذلك عن ان هذا الشيء هو رأي الامام وحكمه.

(وهذا بخلاف ما يستنهضه المجتهد من الدّليل) لوضوح انّ الدليل الّذي يقيمه المجتهد من الكتاب ، أو السنة ، أو الاجماع ، أو العقل (على الحكم) ليس من الآثار القطعية للحكم ، لما عرفت من كثرة الاختلاف والخطأ ، في فتاواهم ، بل في فتاوى مجتهد واحد ، فهل يمكن ان تكشف فتاواهم هذه عن انها رواية؟.

وعلى أي حال : فقياس الفتوى بالاجماع ، قياس مع الفارق.

(ثمّ قال) الكاظمي رحمه‌الله : (على انّ التحقيق في الجواب عن السّؤال الاوّل ، هو : الوجه الاول) اذ قد أشكل الكاظمي على حجيّة الاجماع بأمرين :

٢٨

وعليه ، فلا أثر لهذا السؤال ، انتهى.

قلت :

______________________________________________________

الأمر الأوّل : ان كشف الاجماع عن حكم الامام حدسي ، ودليل الخبر لا يشمل الحدسيات ، بل الحسّيات فقط.

والثاني : لو كان الاجماع حجة ، لزم ان يكون الفتوى أيضا حجة.

ثم اجاب عن الاشكال الثاني : بأنّه قياس مع الفارق ، لأنّ الفتوى ليس كالاجماع.

واجاب عن الأول بجوابين :

الجواب الأول : انّا نأخذ من الاجماع جانبه السببي وهو : نقل اتفاق الكل ، وهو أمر حسّي ملازم لقول المعصوم عليه‌السلام.

والجواب الثاني : إنّا نأخذ من الاجماع جانبه المسبّبي وهو : نقل قول المعصوم عليه‌السلام ، وهو أمر حدسي.

لكنا نأخذ بالجواب الأوّل الّذي هو حسّي ، فلا يبقى مجال لان يستشكل علينا : بأنّ الخبر لا يشمل الحدسي ، اذ الاجماع انّما يفيدنا للأمر الخارجي المحسوس ونحن نستكشف من هذا الأمر الخارجي ـ وهو : اتفاق الكل ـ قول المعصوم عليه‌السلام.

(و) ان قلت بناء (عليه) أي : على اخذ الاجماع من جانبه الحسّي ، لا الحدسي ، (فلا أثر لهذا السؤال) (١) الذي اشكل : بان الاجماع خبر حدسي ، فلا يشمله ادلة خبر الواحد ، لانّا قد ذكرنا انا نأخذ جانبه الحسّي ، لا الحدسي (انتهى) كلام الكاظمي.

(قلت) الاجماع ليس مستندا إلى مبادي محسوسة ، ممّا يستلزم قول

__________________

(١) ـ شرح الوافية : مخطوط.

٢٩

إنّ الظاهر من الاجماع اتفاق أهل عصر واحد ، لا جميع الأعصار ، كما يظهر من تعاريفهم وسائر كلماتهم ، ومن المعلوم أن إجماع أهل عصر واحد مع قطع النظر عن موافقة أهالي الاعصار المتقدمة ومخالفتهم ، لا يوجب عن طريق الحدس العلم الضروري بصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام ، ولذا قد يتخلّف ، لاحتمال مخالفة من تقدّم عليهم أو اكثرهم ، نعم ، يفيد العلم من باب وجوب اللّطف الذي لا نقول بجريانه في المقام ،

______________________________________________________

المعصوم ، حتى يكون من قبيل : قول الرئيس ومرءوسيه ، لان ظاهر الاجماع ليس هو اتفاق الكل ، بل (انّ الظاهر من الاجماع) ـ على ما عرفت في الاصطلاح الفقهائي عند الشيعة ـ هو : (اتفاق أهل عصر واحد لا جميع الأعصار ، كما يظهر من تعاريفهم ، وسائر كلماتهم) التي نقلنا جملة منها.

(ومن المعلوم : انّ اجماع أهل عصر واحد ، مع قطع النظر عن موافقة أهالي الأعصار المتقدّمة ، ومخالفتهم) وهكذا بالنسبة إلى الأعصار المتأخرة بان كان في عصر العلامة اتفاق الكل ، ثم في عصر الشهيد اختلفوا ، فانه (لا يوجب عن طريق الحدس ، العلم الضروري بصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام) حتّى يكون حسّا يلازم قول الامام.

(ولذا قد يتخلّف) الاجماع عن كشف قوله عليه‌السلام ، اذ ليس المقام من باب الآثار والملكات ، وذلك (لاحتمال مخالفة من تقدّم عليهم أو أكثرهم) للاجماع المتأخر ، أو مخالفة الاجماع المتقدم للخلاف المتأخر ـ على ما عرفت ـ.

(نعم ، يفيد) الاجماع لأهل عصر واحد ـ كما هو الاصطلاح ـ (العلم) بقوله عليه‌السلام (من باب وجوب اللّطف الّذي لا نقول بجريانه) أي : بوجوب اللّطف (في المقام) أي : في مقام الفتوى ، وان كنّا نقول : بوجوب اللّطف في إرسال

٣٠

كما قرّر في محلّه ؛ مع انّ علماء العصر اذا كثروا ، كما في الأعصار السابقة ، يتعذّر او يتعسّر الاطلاع عليهم حسّا بحيث يقطع بعدم من سواهم في العصر ، الّا إذا كان العلماء في عصر قليلين يمكن الاحاطة برأيهم في

______________________________________________________

الرسل ، وإنزال الكتب ، ونصب الائمة عليهم‌السلام.

وعلى أي حال : فاتفاق علماء عصر واحد ، لا يوجب القطع بقول الامام عليه‌السلام ، على أي وجه كان.

لا من باب الدخول ، لانك قد عرفت : انّه لا يمكن الدخول عادة في عصر الغيبة.

ولا من باب اللّطف ، لأنّا لا نقول باللّطف.

ولا من باب الحدس ، لأنّه لا ملازمة (كما قرّر في محله).

نعم ، أحيانا يوجب الحدس ، بالنسبة إلى بعض الناس ، لكن مثل ذلك لا يمكن أن يكون دليلا ، كدلالة الكتاب ، والسنة ، والعقل.

هذا كله هو الاشكال على حجيّة الاجماع في الكبرى.

(مع) انّ هناك اشكالا على الاجماع من حيث الصغرى ، وهو : عدم تحقق العلم باتفاق علماء عصر واحد ، لكثرة العلماء ، وذلك (انّ علماء العصر اذا كثروا ، كما في الأعصار السّابقة) بل واللاحقة (يتعذّر أو يتعسّر) تعسرا شديدا جدا (الاطلاع عليهم حسّا ، بحيث يقطع بعدم من سواهم في العصر).

فانّه ، لا يمكن لاحد من الفقهاء ان يدعي ، انّه رأى قول جميع فقهاء عصره ، المنتشرين في العالم الاسلامي ، من الهند إلى باكستان ، إلى أفغان وايران ، إلى العراق والخليج ، إلى لبنان وسوريا ، وإلى سائر البلاد الّتي يكثر فيها العلماء.

(إلّا اذا كان العلماء في عصر قليلين ، يمكن الاحاطة برأيهم في

٣١

المسألة فيدّعي الاجماع ، إلّا أنّ مثل هذا الأمر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم عليه‌السلام.

فالمحسوس المستلزم عادة لقول الامام عليه‌السلام مستحيل التحقّق للناقل ، والممكن المتحقّق له غير مستلزم عادة.

وكيف كان ، فاذا ادّعى الناقل الاجماع ، خصوصا إذا كان ظاهره اتفاق جميع علماء الأعصار او أكثرهم إلّا من شذّ ـ كما هو الغالب في اجماعات مثل

______________________________________________________

المسألة ، فيدّعي) المدعي (الاجماع) الاصطلاحي ، وهو : توافق جميع علماء العصر.

(الّا انّ مثل هذا الأمر المحسوس) أي : اتفاق علماء العصر فيما اذا كان العلماء قليلين فرضا (لا يستلزم عادة ، لموافقة المعصوم عليه‌السلام) اذ المتعدد القليل من المرءوسين ، لا يستلزم قولهم قول الرئيس ، فاذا كان هناك رئيس ومرئوسان فقط او ثلاثة مرئوسين ، فهل يستلزم اتفاق هذين الاثنين أو الثلاثة ، تطابق قولهم مع قول الرئيس.

والحاصل : (فالمحسوس المستلزم عادة لقول الامام عليه‌السلام ، مستحيل التحقّق للناقل) الّذي نقل الاجماع ، وذلك لعدم امكان احاطة الناقل بأقوال الفقهاء كلهم (والممكن المتحقق له) أي للناقل (غير مستلزم عادة) لموافقة الامام عليه‌السلام.

(وكيف كان) أي : سواء كان الاشكال في الصغرى ، أو الكبرى ـ على ما بيناه ـ (فاذا ادعى الناقل : الاجماع ، خصوصا اذا كان ظاهره : اتفاق جميع علماء الأعصار) لا عصر واحد (أو أكثرهم الّا من شذّ ، كما) ان هذا الاجماع المراد به أحد المعنيين : من اتفاق جميع العلماء ، أو اكثرهم (هو الغالب في اجماعات مثل

٣٢

الفاضلين والشهيدين ـ انحصر محمله في وجوه : أحدها : أن يراد به اتفاق المعروفين بالفتوى دون كلّ قابل للفتوى من أهل عصره او مطلقا.

الثاني : أن يريد اجماع الكلّ ، ويستفيد ذلك من اتفاق المعروفين من أهل عصره ،

______________________________________________________

الفاضلين) وهما : المحقق صاحب الشرائع ، والعلامة الحلّي قدس‌سرهما (والشهيدين) وهما : الشهيد الأوّل والشهيد الثاني قدس‌سرهما صاحبي اللّمعة وشرحها.

(انحصر محمله) أي : محمل الاجماع (في وجوه) وانّما احتجنا إلى هذه المحامل ، لأنّا نعلم : انّ الناقل للاجماع ، حتّى مثل العلامة والشهيد وأضرابهما ، لا يريدون بالاجماع : اجماع جميع فقهاء الأعصار والأمصار ، لانه مما جرت العادة ان لا يحصل لانسان العلم بأقوال جميعهم ، بل وحتى العلم بأقوال أكثرهم ، فاللازم : أن نحمل اجماعاتهم على بعض هذه الوجوه :

(أحدها : أن يراد به) أي : بالاجماع غير معناه المصطلح ، بل يريد بالاجماع (اتفاق المعروفين بالفتوى) من المجتهدين الذين لهم ملكة الاستنباط ، أو قد استنبطوا ، لكن لم يفتوا للناس ، أو افتوا لكن فتاواهم لم تدرج في الكتب ، والحاصل : انّه بدعواه الاجماع يريد المعروفين (دون كلّ قابل للفتوى من أهل عصره ، أو مطلقا) سواء كان اهل عصره أو أهل العصور المتقدمة.

(الثاني : أن يريد اجماع الكلّ) أي : جميع علماء الاعصار والأمصار (ويستفيد ذلك من اتفاق المعروفين من أهل عصره) بأن يرى اتفاق هؤلاء المعروفين ، وانّه ليس هناك مخالف اطلاقا ، ولا اشارة إلى الخلاف ، فيقطع منه باتفاق جميع أهل عصره ، وأهل الأعصار المتقدمة ، لأنّ من عادة العلماء ، الاشارة

٣٣

وهذه الاستفادة ليست ضروريّة وإن كان قد تحصل ، لانّ اتفاق أهل عصره ، فضلا عن المعروفين منهم ، لا يستلزم عادة اتفاق غيرهم ومن قبلهم ، خصوصا بعد ملاحظة التخلّف في كثير من الموارد ، لا يسع هذه الرّسالة لذكر معشارها ، ولو فرض حصوله للمخبر كان

______________________________________________________

إلى الخلاف في المسألة اذا كانت خلافية ، خصوصا في كتبهم المفصلة.

(و) من المعلوم : ان (هذه الاستفادة ، ليست ضروريّة) بان ينتقل الانسان من المقدمات إلى النتائج ، كانتقاله من ظواهر العدالة إلى العدالة ، أو من ظواهر الشجاعة إلى الشجاعة ، وغير ذلك مما قد تقدّم (وان كان قد تحصل) هذه الاستفادة لبعض الناس ، لكنه ليس معيارا كليا حتّى يقال : انّ الاجماع حجّة ، بل الحجّة هو القطع سواء حصل من مثل دعوى الاجماع أو غيره.

وذلك (لأنّ اتفاق أهل عصره ـ فضلا عن المعروفين منهم ـ لا يستلزم عادة اتفاق غيرهم) من أهل هذا العصر ، الذين لم يعرف فتاواهم (و) كذا لا يستلزم اتفاق (من قبلهم) من العلماء إلى زمان الائمة عليهم‌السلام ، (خصوصا بعد ملاحظة التخلّف في كثير من الموارد) ، فانّا كثيرا ما نشاهد اتفاق علماء العصر ، أو المعروفين منهم على حكم ثم عند ما ندقق الفحص نجد عدم الاجماع حتّى في أهل العصر الواحد ، فكيف بالعصور المتوالية ، وهذا التخلف بحد من الكثرة بحيث (لا يسع هذه الرّسالة لذكر معشارها) أي : لا يسع ذكر حتّى العشر من تلك الاجماعات الّتي تتبعناها ، فرأينا تخلفها ، وعدم اتفاق حتّى بعض أهل العصر فيها.

(ولو فرض حصوله) أي حصول استفادة الكل من اتفاق البعض (للمخبر كان

٣٤

من باب الحدس الحاصل عمّا لا يوجب العلم عادة.

نعم ، هي أمارة ظنّية على ذلك ، لأنّ الغالب في الاتفاقيّات عند أهل عصر كونه من الاتفاقيّات عند من تقدّمهم ، وقد يحصل العلم بضميمة أمارات أخر.

لكنّ الكلام في كون الاتفاق مستندا إلى الحسّ او إلى حدس لازم عادة للحسّ.

______________________________________________________

من باب الحدس ، الحاصل عمّا لا يوجب العلم عادة) فان الحدس قد يكون قطعيا ، وقد يكون غير قطعي ، كما اذا رأى شجاعة من زيد في مقام واحد ، أو في مقامين ، فانّه لا يمكن ان يقول : انّه شجاع بقول مطلق ، وكذا اذا رأى عدله في مقام أو مقامين ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

نعم ، قد يحصل القطع لبعض الأفراد من مثل ذلك ، لكن الكلام في القاعدة الكليّة لا في الأفراد النادرة.

(نعم ، هي) أي : موافقة فقهاء أهل العصر على حكم ، أو اتفاق المعروفين من أهل عصر على حكم (امارة ظنيّة على ذلك) أي : على اتفاق الكل (لأنّ الغالب في الاتفاقيات عند أهل عصر ، كونه من الاتفاقيات عند من تقدّمهم) من العصور السابقة أيضا.

هذا ، (وقد يحصل العلم) باتفاق الكل ، من اتفاق أهل عصر واحد (بضميمة امارات أخر) كدلالة آية ، أو رواية معتبرة ، أو أصل معتبر ، أو ما اشبه ذلك.

(لكن الكلام : في كون الاتفاق مستندا إلى الحسّ ، أو إلى حدس لازم عادة للحسّ) وليس الكلام من باب القضايا الاتفاقية الّتي ذكرناها.

ومن المعلوم : انّ حصول العلم اتفاقا ، لا يكون مستندا إلى الحسّ ،

٣٥

والحق بذلك ما إذا علم اتّفاق الكلّ من اتفاق جماعة ، لحسن ظنّه بهم ، كما ذكره في أوائل المعتبر حيث قال : «ومن المقلّدة من لو طالبته بدليل المسألة ادّعى الاجماع ، لوجوده في كتب الثلاثة قدس‌سرهم ،

______________________________________________________

أو إلى حدس لازم للحسّ ، فانه اذا كان الأمر كذلك ، كان كليا لا اتفاقيا.

أمّا انّه ليس مستندا إلى الحسّ : فللقطع بأن الناقل ، لم يتبع اقوال الكل فردا فردا ـ على ما عرفت سابقا ـ.

وأمّا انّه ليس حدسا ملازما للحس : فلأن الفرض : ان الناقل للاجماع ، حدس اتفاق الكل من اتفاق المعروفين من أهل عصره ، ولا ملازمة بين اتفاق المعروفين ، واتفاق الكل.

(والحق بذلك) الاحتمال الثاني وهو : ان يريد اجماع الكل ، من اتفاق المعروفين من أهل عصره (ما اذا علم) الناقل للاجماع (اتفاق الكلّ ، من اتفاق جماعة ، لحسن ظنّه بهم) فان الشخص اذا حسن ظنه ـ مثلا ـ بفقيه ، أو فقيهين ، أو اكثر تخيّل ان اتفاقهم يلازم اتفاق الكل.

(كما ذكره) أي : هذا النحو من الاجماع المبني على حسن الظن ، صاحب الشرائع (في أوائل المعتبر حيث قال : ومن المقلّدة) وقد ذكر بعضهم : انّه عنى مثل ابن زهرة ، البادين في تلك العصور الغابرة (من لو طالبته بدليل المسألة ادّعى الاجماع ، لوجوده) أي : الاجماع (في كتب الثلاثة قدس‌سرهم) من اصحاب الكتب الاربعة ، وهم : الشيخ ، والصدوق ، والكليني ، فباتفاق هؤلاء الثلاثة على حكم ، حصل لمثل ابن زهرة : الحدس باتفاق الكل ، ثم ادعى اجماع العلماء ، مع العلم بانّ مثل ذلك لا يوجب ان يكون العلماء مجمعين على حكم حتّى في زمان

٣٦

وهو جهل إن لم يكن تجاهلا».

فانّ في توصيف المدّعي بكونه مقلّدا ، مع أنّا نعلم أنّه لا يدّعي الاجماع الّا عن علم ، إشارة الى استناده في دعواه إلى حسن الظنّ بهم وانّ جزمه في غير محلّه ، فافهم.

______________________________________________________

اصحاب الكتب الاربعة ، فكيف بالأزمنة السابقة عليهم.

(وهو) أي : ادعاء الاجماع استنادا إلى حسن الظن (جهل) بالواقع ، فانّ هؤلاء الثلاث على جلالتهم ، لا يكونون حاكين عن الكل (ان لم يكن تجاهلا) (١) ، والفرق بين الجهل والتجاهل : أنّ الجهل : عدم العلم ، والتجاهل : انّه مع كونه يعلم بالخلاف ، يظهر الجهل.

(فان في توصيف المدّعي : بكونه مقلّدا) أي : توصيف المحقق للذي يدعي الاجماع : بأنّه مقلد (مع انّا نعلم انّه) أي : المدعي للاجماع ، ليس بمقلد في دعواه الاجماع ، وانّما هو مجتهد ، لكنه بحسن ظنه ادعى الاجماع ، و (لا يدعي الاجماع الّا عن علم) باتفاق جميع العلماء.

وانّما وصفه بانه مقلد (اشارة إلى استناده في دعواه) الاجماع (إلى حسن الظنّ بهم ، وان جزمه في غير محلّه) لوضوح : انّه لا ملازمة بين اتفاق هؤلاء الثلاثة على حكم واتفاق الكل.

(فافهم) ولعله اشارة الى ان من ادعى الاجماع ، بمجرد وجوده في كتب الثلاثة ، أراد إجماع هؤلاء الثلاثة ، لا إجماع الكل ، أو لعله أراد إجماع الرواية على الحكم ، لا اجماع الفتاوى.

وعلى كل حال : فليس قصد بعض المقلّدة : الاجماع المصطلح ، وانّما قصد

__________________

(١) ـ المعتبر : ص ١٨.

٣٧

الثالث : أن يستفيد اتّفاق الكلّ على الفتوى من اتفاقهم على العمل بالأصل عند عدم الدليل او بعموم دليل عند عدم وجدان المخصّص ، او بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض ،

______________________________________________________

أحد المعنيين ، فنسبة المحقق له إلى الجهل ، أو التجاهل محل نظر.

(الثالث) من الوجوه المحتملة في ارادة ناقل الاجماع مع انّه ليس باجماع اصطلاحي (أن) يريد به : اتفاق الكل ، وانّما (يستفيد اتفاق الكلّ على الفتوى من اتفاقهم على العمل بالأصل ، عند عدم الدليل) لأنّ مدعي الاجماع يرى انّ الحكم الّذي يذكره ، صغرى من صغريات أصل ، وذلك الأصل متفق عند الكل.

مثلا : يقول : شرب التتن حلال بالاجماع ، وذلك لأنّه يراه من صغريات أصل البراءة ، ويرى أن أصل البراءة مقبولة عند الجميع ، في وقت لم يكن على الحكم المذكور دليل اجتهادي.

(أو بعموم دليل عند عدم وجدان المخصّص) فانه يرى انّ هذه الصغرى التي ادّعى عليها الاجماع ، من صغريات دليل عام ، ليس لذلك الدليل العام مخصص ، والعلماء مجمعون على العمل بالأدلّة العامة فيتم الاجماع.

مثلا : يقول : أن شرب لبن المرأة حلال إجماعا ، لأنّه يستظهر : إنّ شربه من صغريات قوله تعالى : ، (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...) (١) ، ومن المعلوم انّ الآية اجماعية ، فيسري الاجماع من الكبرى ، إلى الصغرى الشخصية ، التي استظهر أنّها من صغريات تلك الكبرى الكلية.

(أو بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض) فان الاجماع قام عندهم ، على

__________________

(١) ـ سورة الانعام : الآية ١٤٥.

٣٨

او اتّفاقهم على مسألة اصوليّة نقليّة او عقليّة يستلزم القول بها الحكم في المسألة المفروضة ،

______________________________________________________

وجوب العمل بالخبر المعتبر ، الّذي لا معارض له ، فيزعم ناقل الاجماع ، انّ هذا الحكم الذي ادعى عليه الاجماع ، من صغريات ذلك الخبر المعتبر عندهم.

مثلا : يقول : يجب قضاء الصلوات فورا إجماعا ، لانّه يرى انّ الحكم المذكور ، دلّ عليه خبر معتبر ، والخبر المعتبر اجماعي العمل ، فيسري الاجماع منه إلى هذه الصغرى ، فيدّعي انّ هذه الصغرى اجماعية أيضا.

(أو اتفاقهم على مسألة أصوليّة نقليّة أو عقليّة) :

فالنقلية ، مثل ان يدعي الاجماع على وجوب صلاة الجمعة ، لأنّه يرى اجماعهم على انّه لا نسخ بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كانت صلاة الجمعة في زمان النبي ، فاللّازم بقاءها بهذا الاجماع بعده أيضا ، فالاجماع على المسألة الاصولية قد أسراه إلى هذا الحكم الّذي يراه صغرى من صغريات ذلك الاتفاق.

وأمّا المسألة الاصولية العقلية ، فالاتفاق فيها انّما يكون فيما (يستلزم القول بها) أي بتلك المسألة (الحكم) الّذي يذكره (في المسألة) الفقهية (المفروضة) أيضا ، لانّه يرى إجماع العلماء على ان ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل ، ويرى ان هذا الحكم الذي ادعى عليه الاجماع من صغريات ما خالف الكتاب والسنّة عندهم.

مثلا : يقول إنّ المطلّقة ثلاثا في مجلس واحد ، لا يقع بسبب الطلاق إلّا تطليقة واحدة لانه يرى ان الحكم المذكور مخالف للكتاب والسنّة ، وبطلانه اجماعي ، فيدعي الاجماع على هذا الحكم الفرعي لاستناده إلى الاجماع في المسألة الاصولية العقلية ، والمراد بالاصولية الاصول الجارية في الفقه من القواعد الكلية.

٣٩

وغير ذلك من الامور المتّفق عليها التي يلزم باعتقاد المدّعي من القول بها ، مع فرض عدم المعارض ، القول بالحكم المعيّن في المسألة.

ومن المعلوم : أنّ نسبة هذا الحكم إلى العلماء في مثل ذلك لا ينشأ الّا من مقدّمتين أثبتهما المدّعي باجتهاده :

______________________________________________________

(وغير ذلك من الامور المتفق عليها) مثل : قاعدة : «قبح العقاب بلا بيان» ، وقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» (١) ، وقاعدة : «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» (٢) وغيرها.

فانه حيث تكون هذه القواعد اتفاقية ، ويرى مدعي الاجماع : ان الفرع الفقهي ، صغرى من صغريات هذه القواعد ، يدعي الاجماع على هذه الصغرى (الّتي يلزم باعتقاد المدّعي من القول بها) أي بتلك القواعد الكلّية ، المتفق عليها (مع فرض عدم المعارض) في هذه الصغرى الجزئية ، الّتي هي من صغريات تلك القواعد الكلية الفقهية (القول بالحكم المعيّن في المسألة).

والحاصل : ان الاجماع انّما يكون على الكبرى ، وحيث يزعم ناقل الاجماع انّ هذه الصغرى من صغريات تلك الكبرى يدعي الاجماع على هذه الصغرى أيضا.

(ومن المعلوم انّ نسبة هذا الحكم) أي : الحكم الفرعي الشخصي الخاص (الى العلماء) كافة بادعاء الاجماع على هذا الحكم الفرعي (في مثل ذلك) أي : فيما اذا استفاد اتفاقهم على الحكم الكلي الكبروي (لا ينشأ الّا من مقدّمتين ، اثبتهما المدّعي باجتهاده) أي : ان ادعائه الاجماع ، على هذه الصغرى ، مبني على حدسه ، بسبب مقدمتين :

__________________

(١) ـ راجع القواعد الفقهية للبجنوردي : ج ١ ص ٤ قاعدة من ملك.

(٢) ـ راجع القواعد الفقهية للبجنوردي : ج ٢ ص ٨٤ قاعدة ما يضمن.

٤٠