الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

بعد فرض السائل تساوي الروايتين في العدالة ، قال عليه‌السلام :

«ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الامور ثلاثة ، أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ،

______________________________________________________

وحكم القاضي الثاني بشيء آخر في نفس الواقعة وذلك (بعد فرض السائل تساوي الروايتين) حيث انّ الامام عليه‌السلام أمر بعد تساوي القضاة في العدالة الى مصدر حكم القضاة وهي : الرواية التي اخذها القاضي الاول ، والرواية التي أخذها القاضي الثاني ، فاذا تساوت الرّوايتان كما تساوى القاضيان (في العدالة؟ قال عليه‌السلام : ينظر الى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به ، المجمّع عليه بين اصحابك) الشيعة (فيؤخذ) بالمجمع عليه (ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فان المجمع عليه لا ريب فيه) والمراد بالمجمع عليه هو : المشهور ، فيدل على انّ المشهور مقدّم على غير المشهور ، وهو كما يكون في الرواية يكون في الفتوى أيضا ، لوحدة الملاك.

ثم قال عليه‌السلام : (وانّما الامور ثلاثة).

الاول : (أمر بيّن رشده فيتبع) كالخبر الذي لا يعارضه شيء ، فهو أمر بيّن رشده ، ويجب الأخذ به في الفتوى والعمل.

الثاني : (وأمر بيّن غيّه) والغيّ في قبال الرشد ، قال سبحانه وتعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) (١) وذلك كالخبر المخالف للاجماع ، فانه بيّن غيّه ، فيجب تركه (فيجتنب) عملا وفتوى.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٥٦.

١٦١

وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله ورسوله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشّبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ الشّبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم.

______________________________________________________

الثالث : (وأمر مشكل) كالخبر الشاذّ أو النادر ، المخالف للمشهور ، فانه (يردّ حكمه الى الله ورسوله) ، ومعنى الردّ الى الله : الفحص في القرآن الحكيم ، ليعلم هل ان هذا الخبر يطابقه أو لا يطابقه؟ ، ومعنى الردّ الى الرسول : الفحص في سنّة الرسول والائمة من أهل البيت ، حتى يعرف هل ان هذا الخبر يوافق أقوالهم عليهم‌السلام ، أو لا يوافقهم؟.

مثلا : اذا دلّ خبر بيّن الرشد على وجوب الجمعة ، وخبر بيّن الغيّ على حرمة الجمعة ، وخبر نادر على التخيير بين الظهر والجمعة ، فان رأينا في القرآن أو سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جواز ترك الجمعة الى الظهر ، قلنا : بالوجوب التخييري بين الظهر والجمعة ، وان رأينا عدم جواز ترك الجمعة الى الظهر ، قلنا : بتعين الجمعة وعدم التخيير بينها وبين الظهر.

ثم ان الامام عليه‌السلام ، استدل بكلام الرسول في تقسيم الامور الى ثلاثة أقسام وقال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك) والمراد بالحلال البيّن ثلاثة من الأحكام : الاستحباب ، والكراهة ، والاباحة ، كما ان المراد بالحرام البيّن حكمان : لأنّ فعل الحرام ، حرام ، وترك الواجب أيضا حرام.

(فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ الشبهات وقع في المحرّمات) الواقعية احيانا (وهلك من حيث لا يعلم) أي : من طريق عدم العلم ، والغفلة عن الواقع.

١٦٢

قلت : فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم» ، إلى آخر الرواية.

بناء على أنّ المراد بالمجمع عليه في الموضعين هو المشهور بقرينة إطلاق المشهور عليه في قوله : «ويترك الشاذّ الذي ليس

______________________________________________________

مثلا اذا كان هناك ماء طاهر نعلم بطهارته ، وماء نجس نعلم بنجاسته. فالماء الطاهر نشربه ، والماء النجس نتركه.

واما اذا كان هناك اناءان مشتبهان ، لا نعلم ان أيّهما طاهر وأيّهما نجس ، فاذا شرب الانسان احد ذينك الإناءين المشتبهين ، وقع احيانا في النجس الواقعي ، وعوقب في الآخرة بسبب شربه هذا الماء النجس ، وان لم يعلم انّه بعينه نجس ، وذلك لانّ العقل والشارع أمراه باجتناب طرفي الشبهة.

(قلت : فان كان الخبران عنكم) كلاهما (مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم ، الى آخر الرّواية) (١) والمراد بالخبرين المشهورين : ان يكون هذا الخبر مذكورا في السنة الأصحاب ، وذلك الخبر أيضا كذلك ، مقابل أن يكون أحد الخبرين مذكورا في السنة الأصحاب ، لكن الخبر الثاني ، لم يذكره الّا الشاذّ أو النّادر منهم ، وانّما نستدلّ بهذه المقبولة على حجّية الشهرة وان كانت في الفتوى (بناء على انّ المراد بالمجمع عليه ، في الموضعين) في هذه الرواية (: هو المشهور) لا الاجماع المصطلح ، الذي هو اتفاق الكلّ.

وانّما نقول : بأنّ المراد بالمجمع عليه : المشهور (بقرينة اطلاق المشهور ، عليه) أي : على المجمع عليه (في قوله) عليه‌السلام (ويترك الشاذّ الذي ليس

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٧ ح ١٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٣٠٢ ب ٢٢ ح ٥٢ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٨ ب ٢ ح ٣٢٣٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٠٦ ب ٩ ح ٣٣٣٣٤.

١٦٣

بمشهور» ؛ فيكون في التعليل بقوله : «فانّ المجمع عليه» ، الخ ، دلالة على أنّ المشهور مطلقا ممّا يجب العمل به وإن كان مورد التعليل الشهرة في الرّواية.

وممّا يؤيّد إرادة الشهرة من الاجماع أنّ المراد لو كان الاجماع الحقيقي لم يكن ريب في بطلان خلافه ، مع انّ الامام عليه‌السلام جعل مقابله ممّا فيه الرّيب.

______________________________________________________

بمشهور) ، فكأنه عليه‌السلام قال ينظر الى المشهور بين أصحابه فيأخذ به ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور ، فان المشهور لا ريب فيه.

ومن المعلوم : انه اذا كان الحكم معلّقا على الشهرة ، دلّ على انّ الاعتبار بالشهرة بما هي شهرة فتشمل الرواية ، وتشمل الفتوى ، فان مورد هذه المقبولة ، وان كانت الشهرة الروائية ، الّا ان تعليل الحكم بالشهرة ، يدلّ على ان الشهرة : حجّة مطلقا ، مثل ما تقدّم من مثال : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض.

(فيكون في التعليل بقوله) عليه‌السلام : («فان المجمع عليه» الخ ، دلالة على : ان المشهور مطلقا) سواء كان في الرواية او كان في الفتوى (مما يجب العمل به) لانه مشهور (وان كان مورد التعليل) في المقبولة (الشهرة في الرواية).

(وممّا يؤيّد ارادة : الشهرة من الاجماع) المتكرّر في قوله عليه‌السلام في المقبولة مرّتين : مرّة «المجمع عليه بين أصحابك» : واخرى : «فان المجمع عليه لا ريب فيه» (انّ المراد لو كان) هو (الاجماع الحقيقي) الاصطلاحي ، بان كان الحكم متفقا عليه بين الرواة ، ولم يكن هناك قول مخالف فانّه (لم يكن ريب في بطلان خلافه) أي خلاف المجمع عليه ان كان اجماعا حقيقيا (مع انّ الامام عليه‌السلام ، جعل مقابله) أي : مقابل المجمع عليه (: مما فيه الرّيب) والشّك لا ممّا يثبت بطلانه.

١٦٤

ولكن في الاستدلال بالروايتين ما لا يخفى من الوهن :

أمّا الاولى ، فيرد عليها ـ مضافا إلى ضعفها حتّى أنّه ردّها من ليس دأبه الخدشة في سند الرّوايات ، كالمحدّث البحرانيّ ـ أنّ المراد بالموصول هو خصوص الرّواية المشهورة من الرّوايتين دون مطلق الحكم المشهور.

______________________________________________________

وذلك ان الامام عليه‌السلام ، قابل بين ما لا ريب فيه ، وبين ما فيه الرّيب ، لا انه قابل بين ما لا ريب في صحّته ، وبين ما لا ريب في بطلانه.

ومن الواضح : انّ الشاذّ انّما يكون ممّا فيه ريب ، اذ وقع في قبال المشهور ، لانّه لو وقع في قبال المجمع عليه الاصطلاحي لكان ممّا لا ريب في بطلانه ، لا انه كان مما فيه ريب.

وبذلك يتعيّن : حمل «المجمع عليه» في كلام الامام عليه‌السلام على المشهور.

(ولكن في الاستدلال بالروايتين) المرفوعة والمقبولة على حجّية الشهرة الفتوائية (ما لا يخفى من الوهن) والضعف.

(أمّا الاولى :) وهي المرفوعة (فيرد عليها) أمران : ضعف السند ، وضعف الدلالة.

الأول : ما أشار اليه المصنّف بقوله : (مضافا الى ضعفها) سندا ، لانها مرفوعة وليست مسندة (حتّى انّه) قد (ردّها ، من ليس دأبه الخدشة في سند الرّوايات كالمحدّث البحرانيّ) حيث انه يعمل بكثير من الروايات التي لا يعمل بها غيره من المحدّثين.

الثاني : ما أشار اليه بقوله : (انّ المراد بالموصول) «ما» في قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر» (هو : خصوص الرّواية المشهورة من الرّوايتين ، دون مطلق الحكم المشهور) رواية كانت ، أو فتوى ، وذلك للتبادر ، ولانه ليس علّة حتى تعمّم في

١٦٥

ألا ترى أنك لو سألت عن أنّ أيّ المسجدين احبّ اليك ، قلت :

ما كان الاجتماع فيه أكثر ، لم يحسن للمخاطب أن ينسب إليك محبوبيّة كلّ مكان يكون الاجتماع فيه أكثر ، بيتا كان او خانا او سوقا ، وكذا لو أجبت عن سؤال المرجّح لأحد الرمّانين فقلت : ما كان أكبر.

والحاصل : أنّ دعوى العموم في المقام لغير الرّواية ممّا لا يظنّ بادنى التفات ،

______________________________________________________

غير المورد.

(ألا ترى : انك لو سألت عن انّ أي المسجدين أحبّ اليك؟) فأجبت و (قلت : ما كان الاجتماع فيه أكثر) كان الظاهر المتبادر منه : انّ المحبوب عندك ما كان المسجد أكثر اجتماعا فقط ، لا الأماكن الأخر.

ولهذا (لم يحسن للمخاطب أن) يحمل الموصول «ما» في قولك : «ما كان الاجتماع» على العموم ثم (ينسب اليك محبوبيّة كلّ مكان يكون الاجتماع فيه أكثر) سواء (بيتا كان أو) مسجدا ، (خانا) كان (أو سوقا) أو ما أشبه ذلك.

فاذا نسب المخاطب اليك : انّك تحب الأكثر اجتماعا ، في كل هذه الامور قيل له : كلامك ليس دالا على هذا الاطلاق.

(وكذا لو أجبت عن سؤال المرجّح لأحد الرمّانين ، فقلت : ما كان اكبر) فانّ المفهوم عرفا من كلامك هذا ، ترجيح الرمّان الاكبر ، لا كلّ شيء أكبر ، والى غير ذلك من الأمثلة.

(والحاصل : انّ دعوى العموم في المقام) في أمثال ما نحن فيه ، ممّا كان مسبوقا بطلب التعيين ، من دون أن يكون هناك شواهد داخلية ، أو خارجية ، لارادة العموم (لغير الرواية مما لا يظن بأدنى التفات).

١٦٦

مع أنّ الشهرة الفتوائية ممّا لا يقبل أن يكون في طرفي المسألة.

فقوله : «يا سيّدي! إنّهما مشهوران مأثوران» ، أوضح شاهد على أنّ المراد الشّهرة في الرّواية الحاصلة بان يكون الرّواية ممّا اتفق الكلّ على روايته او تدوينه ،

______________________________________________________

وان شئت قلّت : ربّما يعلم انّ الوصف عام يشمل غير المورد ، وربّما يعلم انه خاص لا يشمل الّا المورد ، وربما يشك في انّه من ايّهما؟ فاذا شك ، لا يجوز التمسك بالعموم ، للشك فيه ، اذ يلزم العلم بالعموم حتى يحكم على طبقه.

وفي المقام : الشهرة من هذا القبيل ، حيث لا نعلم هل ان المناط : الشهرة بما هي ، أو ان المناط : شهرة الرواية؟ فحيث كان عموم الشهرة مشكوكا فيه ، لم يجز التمسك بعمومها ، ليعمل به حتى في الشهرة الفتوائية.

ثم انّ المصنّف ، أيّد كون الشهرة هنا ، لا تشمل الشهرة الفتوائية بقوله : (مع انّ الشهرة الفتوائية ، ممّا لا يقبل أن يكون في طرفي المسألة) بينما ظاهر الرواية كون الشهرة في طرفي المسألة (فقوله : يا سيّدي انّهما) معا (مشهوران مأثوران ، أوضح شاهد على أن المراد : الشهرة في الرواية الحاصلة).

وأمّا انّ الشهرة الفتوائية ، لا يمكن أن تكون في طرفي المسألة ، فلوضوح : انّ الشهرة في قبالها الشاذّ ، فلا يمكن أن تكون هنا شهرة ، وهناك شهرة في طرفي المسألة ، فالرواية خاصة بالشهرة الروائية ، وذلك (بأن يكون) الخبر و (الرّواية ممّا اتفق الكلّ) أو الجلّ (على روايته أو تدوينه) في كتب الأحاديث المسمّاة بالاصول.

فانه من الممكن أن تكون روايتان متقابلتان من هذا القبيل ، كما اذا كانت هناك رواية مشهورة في الكتب وعلى الألسنة تقول : انّ صلاة الجمعة واجبة تعيينية ،

١٦٧

وهذا ممّا يمكن اتّصاف الرّوايتين المتعارضتين به.

ومن هنا يعلم الجواب عن التمسّك بالمقبولة

______________________________________________________

ورواية اخرى مشهورة في الكتب وعلى الألسنة تقول : انّ صلاة الجمعة واجبة تخييرية (وهذا) الوصف بأن تكون الشهرة في كلا الجانبين (ممّا يمكن اتصاف الروايتين المتعارضتين به) فقط ، دون الفتوى ، فانه لا يمكن اشتهارها في الطرفين.

لكن يمكن أن يقال : ان هذا في الفتوى أيضا ممكن ، فانّه اذا اخذنا الشهرة بمعنى : الظهور ـ كما هو معناه اللغوي ـ جاز أن يكون لكل طرف؟ علماء كثيرون يفتون به.

(ومن هنا) اي ممّا ذكرناه في المرفوعة بانّ المراد بالموصول «ما» في قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر» خصوص الرواية المشهورة ، لا الاعم من الرواية والفتوى (يعلم الجواب عن التمسّك بالمقبولة) فانّ المراد بقوله عليه‌السلام : «فانّ المجمع عليه لا ريب فيه» هو الرواية ، لا الأعم من الرواية والفتوى.

ثم انّ من قال : بأنّ الشهرة تشمل الشهرة الفتوائية ، حمل قوله عليه‌السلام : «فانّ المجمع عليه» على الشهرة ، مستدلا : بأنّه لا يمكن أن يكون هناك اجماع ومشهور معا ، فانّ الاجماع معناه : الكل والشهرة معناها : الجلّ ، وحيث اجتمع الشهرة والاجماع في كلام الامام عليه‌السلام ، فلا بد أمّا أن نحمل الاجماع على الشهرة ، بأن يراد بالمجمع عليه : المشهور ، أو نحمل الشهرة على الاجماع ، بأن يراد من الشهرة : المجمع عليه.

لكن بقرينة قوله عليه‌السلام : «الشاذّ النادر» في مقابله ، نحمل الاجماع على الشهرة ، ونقول : انّ المراد بالمجمع عليه : الشهرة ، فالرواية دليل على حجّية الشهرة

١٦٨

وانّه لا تنافي بين إطلاق المجمع عليه على المشهور وبالعكس حتّى نصرف أحدهما عن ظاهره بقرينة الآخر ، فانّ إطلاق المشهور في مقابل الاجماع إنّما هو إطلاق حادث مختصّ بالاصوليّين ، والّا فالمشهور هو الواضح المعروف ، ومنه : شهر فلان سيفه ، وسيف شاهر.

______________________________________________________

لا على حجّية الاجماع ، والشهرة كما تكون في الرواية تكون في الفتوى ايضا فالرواية تقول : انّ المشهور حجّة ، سواء كان في الرواية أو كان في الفتوى.

هذا (و) لكن المصنّف حيث لم يرتض هذا الاستدلال أشار الى جوابه بقوله :

(انّه لا تنافي بين اطلاق المجمع عليه : على المشهور ، وبالعكس) أي : اطلاق المشهور على المجمع عليه (حتى نصرف أحدهما عن ظاهره بقرينة الآخر) اذ التنافي بين المشهور والاجماع الاصطلاحي فانه يطلق الاجماع في المعنى الاصطلاحي : على الكل ، والشهرة : على الجلّ ، أمّا في المعنى اللّغوي ، فالمشهور هو : المجمع عليه ، والمجمع عليه هو : المشهور.

(فانّ اطلاق : المشهور ، في مقابل الاجماع) كما في ألسنة الفقهاء ، حيث يطلقون تارة : الاجماع ويريدون به الكلّ ، واخرى المشهور ويريدون به الجلّ (انّما هو إطلاق حادث مختصّ بالاصوليين) والفقهاء فقط.

(والّا) بان لم نأخذ بالاصطلاح (فالمشهور) في معناه اللّغوي (هو : الواضح المعروف) والواضح المعروف أحيانا يطلق : على الكلّ ، وأحيانا يطلق : على الجلّ ، لأنّ الجلّ والكلّ كلاهما معروفان.

(ومنه) أي : من المشهور بالمعنى اللّغوي ما يؤيد كون المشهور في اللّغة بمعنى : الواضح ، الشامل للكل أيضا ، لا في قبال الكل (شهر فلان سيفه وسيف شاهر) أي : أظهر سيفه وسيفه ظاهر ، فلا وجه لحمل المجمع عليه على المشهور

١٦٩

فالمراد أنّه يؤخذ بالرّواية التي يعرفها جميع أصحابك ولا ينكرها أحد منهم ويترك ما لا يعرفه الّا الشاذّ ولا يعرفها الباقي. فالشاذّ مشارك للمشهور في معرفة الرواية المشهورة ، والمشهور لا يشارك الشاذّ في معرفة الرواية الشاذّة ،

______________________________________________________

الاصطلاحي ، بل المشهور والمجمع عليه متحدان في المعنى لغة ، ولذا استعمل الامام عليه‌السلام تارة هذه اللّفظة واخرى تلك اللّفظة.

وعليه : (فالمراد) بالمقبولة : (انّه يؤخذ بالرواية ، التي يعرفها جميع أصحابك ولا ينكرها أحد منهم) فلا يراد بالشهرة في الرواية : الشهرة الاصطلاحية ، وهو : الجلّ والأكثر ، حتى يقال : انّ الأكثرية كما توجد في الرواية توجد في الفتوى أيضا.

والحاصل : انّ المستدلّ بالمقبولة ، أخذ الشهرة بمعنى الجلّ ، وحمل المجمع عليه ، على الشهرة ، والمصنّف عكس ذلك ، فأخذ المجمع عليه بمعنى : الكل ، وحمل الشهرة عليه ، ليكون المراد من : «المجمع عليه بين اصحابك ، فيؤخذ» في المقبولة انه يلزم : الأخذ بالرواية التي يعلمها جميع الأصحاب (ويترك ما لا يعرفه الّا الشاذّ) من الأصحاب (ولا يعرفها الباقي) منهم.

وعليه : (فالشاذّ مشارك للمشهور في معرفة الرواية المشهورة) فاذا كانت هناك روايتان : احداهما يعرفها الكلّ ، والأخرى لا يعرفها الّا جماعة خاصة ، فهؤلاء الجماعة الخاصة يعرفون الرواية التي يعرفها الكل (و) لكن (المشهور لا يشارك الشاذّ ، في معرفة الرواية الشاذّة).

وذلك لأنّ المفروض : انّ الرواية الشاذّة خاصة بجماعة ، فاذا كان هنالك ـ مثلا ـ الف عالم ، وكل الألف يعرفون رواية وجوب الجمعة ، وعشرة منهم يعرفون رواية

١٧٠

ولهذا كان الرّواية المشهورة من قبيل بيّن الرشد ، والشاذّ من قبيل المشكل الذي يردّ علمه إلى أهله ، والّا ، فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث.

______________________________________________________

التخيير بين الجمعة والظهر ، فانّ هؤلاء العشرة ، يشاركون بقية العلماء في معرفة رواية وجوب الجمعة لكن بقية العلماء لا يشاركون هؤلاء العشرة في معرفة رواية التخيير.

(ولهذا) ، أي : لكون الرواية المشهورة يعرفها الكلّ ، والرواية الشاذّة لا يعرفها الّا البعض النادر (كان الرواية المشهورة من قبيل : بيّن الرشد ، والشاذّ من قبيل : المشكل ، الذي يردّ علمه الى أهله) لأنّه ورد في الروايات : انّ الانسان اذا لم يعرف وجه رواية ، فلا ينكرها ، وانّما يرد علمها الى أهلها ، وهم المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين.

وهذا ـ بالاضافة الى انّه نوع تأدّب ـ واقعي ، اذ كثير من الروايات ، التي لا يعرفها الانسان مطابقة للواقع ، وانّما معرفة الانسان لم تتوصل بعد الى ذلك الواقع.

(والّا) بان لم يكن الأمر على ما ذكرناه : من انّ الرواية المشهورة المجمع عليها ، من قبيل بيّن الرشد ، والشاذّة من قبيل المشكل ، الذي يردّ علمه الى اهله (فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث) حيث قال عليه‌السلام : انّما الامور ثلاثة :

«أمر بيّن رشده ، فيتّبع».

«وأمر بيّن غيّه ، فيجتنب».

«وأمر مشكل ، يردّ حكمه إلى الله ورسوله».

ثم استشهد عليه‌السلام بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات

١٧١

وممّا يضحك الثكلى في هذا المقام توجيه قوله : «هما معا مشهوران» ،

______________________________________________________

بين ذلك ..» (١) ، فانّ وجوب اتباع الرشد واجتناب الغيّ ، لا يحتاج الى الاستشهاد ، وانّما المحتاج الى الاستشهاد هو الأمر الثالث : المشتبه بينهما ، الذي هو من قبيل المشكل وهو لا يكون في الفتوى ، لان الفتوى قسمان : بيّن الرشد ، وبيّن الغيّ ، ولا ثالث.

والحاصل : ان مراد الامام عليه‌السلام من بيان الاقسام ، والاستشهاد بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو : بيان المشكل ، لا بيان بيّن الرشد ، وبيّن الغيّ ، ومن الواضح : انّ المشكل انّما يكون في الرواية لا في الفتوى ، فلا يمكن ان يستدلّ بالمقبولة على ان الشهرة الفتوائية أيضا حجّة ، فان التثليث يؤيد كون المراد : الشهرة الروائية ، لا الشهرة الفتوائية ، ثم انّ المصنّف بعد أن حمل الشهرة على الاجماع وقال : بأنّه لا يمكن اجماعان في الفتوى ، بينما يمكن اجماعان في الرواية ، ولذا فالمقبولة بصدد الشهرة الروائية لا الشهرة الفتوائية.

اشكل عليه : بامكان اجماعين في الفتوى ايضا ، وذلك بان يكون اجماع في عصر الشيخ على وجوب الجمعة ، واجماع في عصر المحقّق على التخيير بينها ، وبين الظهر ـ مثلا ـ.

فأجاب المصنّف عن هذا الاشكال : بأن ظاهر الرواية كون الشهرتين في زمان واحد ، لا في زمانين ، فقال : (وممّا يضحك الثكلى في هذا المقام ، توجيه قوله) أي : قول الراوي («: هما معا مشهوران») توجيها

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٨ ح ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٨ ب ٢ ح ٣٢٣٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٣٠٢ ب ٢٢ ح ٥٢ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٠٦ ب ٩ ح ٣٣٣٣٤.

١٧٢

بامكان انعقاد الشهرة في عصر على فتوى وفي عصر آخر على خلافها ، كما قد يتّفق بين القدماء والمتأخّرين ، فتدبّر.

______________________________________________________

(بامكان انعقاد الشهرة في عصر على فتوى ، وفي عصر آخر على خلافها ، كما قد يتّفق) اختلاف الاجماعين (بين القدماء والمتأخّرين) فالقدماء كانوا يقولون : بنجاسة البئر ، والمتأخرون يقولون : بطهارة البئر.

وانّما يضحك الثكلى هذا التوجيه ، لما عرفت : من ان ظاهر الرواية كون الاجماعين في زمان واحد ، والاجماعان لا يكونان في زمانهم عليهم‌السلام ، الّا في الرواية ، لا في الفتوى.

(فتدبّر) فانّ حمل الشهرة في المقبولة على المجمع عليه ، وارادة خصوص الرواية ، خلاف الاطلاق ، فانّ المقبولة كما تشمل هذا الفرد تشمل فردا آخر ، وهو أن تكون احدى الروايتين مشهورة عند الجلّ لا عند الكلّ ، والاخرى موجودة عند جماعة ، فكيف تحملون المقبولة على الفرد الأول فقط دون الثاني؟.

* * *

١٧٣

الخبر الواحد

ومن جملة الظّنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بغير العلم خبر الواحد في الجملة عند المشهور بل كاد أن يكون إجماعا.

اعلم أنّ إثبات الحكم الشرعيّ بالأخبار المرويّة عن الحجج عليهم‌السلام ، موقوف على مقدّمات ثلاث :

الاولى : كون الكلام صادرا عن الحجّة.

______________________________________________________

الخبر الواحد

فصل : (ومن جملة الظّنون ، الخارجة ، بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بغير العلم : خبر الواحد) فانّه ظنّ خاص نوعي يكون حجّة ، لا انّ حجّيته من باب الانسداد ، الذي هو من الظنون العامة.

وحجّيته (في الجملة) وهو اشارة الى الاختلاف الموجود ، بين من يعتبر خبر الواحد حجّة ، في انّه هل يكون حجّة اذا كان عادلا ، أو اذا كان ثقة ، أو اذا ظنّ بصدوره ، أو اذا لم يكن الظنّ على خلاف صدوره ، أو ما اشبه ذلك من الأقوال التي تأتي في المسألة؟.

وحجّيته مسلّمة (عند المشهور) ، من العلماء (بل كاد أن يكون إجماعا) لأنّ المخالف قليل جدا ، وربّما يؤول كلام المخالف الى ما لا ينافي قول المشهور.

اذا عرفت هذا ، نقول : (اعلم انّ إثبات الحكم الشرعيّ ، بالاخبار المرويّة عن الحجج عليهم‌السلام) فعلا ، أو تقريرا ، أو قولا (موقوف على مقدّمات ثلاث) :

(الاولى : كون الكلام صادرا عن الحجّة) بأن لا يكون كذبا ، أو اشتباها ، أو غلطا من الراوي ، أو ما أشبه ذلك ، والمراد : أن يكون سنده صحيحا.

١٧٤

الثانية : كون صدوره لبيان حكم الله ، لا على وجه آخر من تقيّة وغيرها.

الثالثة : ثبوت دلالتها على الحكم المدّعى ، وهذا يتوقف أوّلا على تعيين أوضاع ألفاظ الرّواية ، وثانيا على تعيين المراد منها وأنّ المراد مقتضى وضعها او غيره ،

______________________________________________________

(الثانية : كون صدوره لبيان حكم الله) تعالى (لا على وجه آخر ، من : تقيّة ، وغيرها) كالامتحان ، ونحوه ، وهذه الثانية تسمى : بجهة الصدور.

(الثالثة : ثبوت دلالتها على الحكم المدّعى) فقد يكون الخبر ثابتا عنهم عليهم‌السلام ، وجهة صدوره بيان الحكم الواقعي ، لكنه لا يدل على مدعى من يدعي الحكم ، بان يأتي ـ مثلا ـ بمقبولة عمر بن حنظلة ، للدلالة على انّ الشهرة الفتوائية حجّة ـ كما تقدّم في البحث السابق ـ.

(وهذا) أي : ثبوت دلالة الخبر على الحكم المدعى (يتوقف) على امرين :

(أولا : على تعيين أوضاع الفاظ الرّواية) والمراد بتعيين الاوضاع : أعم من التعيينية والتعيّنية ، كما انّه أعم من الدلالة بنفسها ، أو بالقرينة ، وكذلك أعم من الالفاظ المفردة والأوضاع المركبة ، لأنّ كل ذلك دخيل في الدلالة.

(وثانيا : على تعيين المراد منها) أي : من تلك الألفاظ (وأن المراد : مقتضى وضعها ، أو غيره) من المعاني المجازية ، فانه ربما يكون اللّفظ قد وضع لمعنى ، لكن ذلك المعنى لم يكن مراد المتكلم ، بل المراد : غير ذلك المعنى ، كأن يقول ـ مثلا ـ اقطع لسان السائل ، فانّ اللّفظ ، وضع لقطع الجارية المخصوصة بالسكين ، بينما مراد المتكلم : اعطاء السائل مالا حتى يكفّ عن السؤال.

١٧٥

فهذه امور أربعة.

قد أشرنا إلى كون الجهة الثانية من «المقدّمة الثالثة» من الظّنون الخاصّة وهو المعبّر عنه بالظهور اللّفظي ، وإلى أنّ الجهة الاولى منها

______________________________________________________

إذن : (فهذه أمور أربعة) فاذا ورد ـ مثلا ـ «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١) كان في الجهة الاولى : انّ الامام عليه‌السلام قاله هذا الكلام لا أنّه مكذوب عليه.

والجهة الثانية : انّه عليه‌السلام قاله لبيان الحكم الواقعي ، لا للتقية ونحوها.

والجهة الثالثة : أن لفظ العقلاء ـ مثلا ـ وضع مقابل المجنون ، لا الكيّس المحنّك الذي هو أخص من العاقل.

والجهة الرابعة : انّ الامام عليه‌السلام ، أراد : المعنى اللغوي الشامل لمطلق العاقل ، لا انّه أراد : الأخص ، من قبيل قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢) حيث لا يريد بالعقلاء : مطلق العاقل في قبال المجنون بل العاقل الذي يستفيد من الآيات.

و (قد أشرنا الى كون الجهة الثانية ، من «المقدّمة الثالثة») وهو الأمر الرابع ، بانه (من الظّنون الخاصّة ، وهو المعبّر عنه : بالظهور اللفظيّ) الكاشف عن مراد المتكلم باعانة اصالة عدم القرينة. اذ بعد العلم : بان لفظ «العقلاء» وضع في قبال المجانين ، يفهم انّ مراد المولى : العاقل في قبال المجنون ، لا العاقل الأخص ، وهذا الظنّ الحاصل بسبب أصالة الحقيقة ، واصالة عدم القرينة ، ظنّ خاص عقلائي وقد امضاه الشارع ، فهو حجة عقلا وشرعا.

(و) أشرنا (الى انّ الجهة الاولى منها) أي : من المقدمة الثالثة ، والمراد به :

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٣ ص ١٨٤ ب ٣ ح ٢٩٣٤٢ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٣ ح ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ ح ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ ح ٥.

(٢) ـ سورة الرعد : الآية ٤.

١٧٦

ممّا لم يثبت كون الظنّ الحاصل فيها بقول اللغوي من الظنون الخاصّة وان لم نستبعد الحجّية اخيرا.

وأمّا : «المقدّمة الثانية» ، فهو أيضا ثابت بأصالة عدم صدور الرّواية لغير داعي بيان الحكم الواقعيّ ، وهي حجّة ، لرجوعها إلى القاعدة المجمع عليها بين العلماء والعقلاء من حمل كلام المتكلّم على كونه صادرا لبيان مطلوبه الواقعيّ ، لا لبيان خلاف مقصوده من تقيّة او خوف ، ولذا

______________________________________________________

تعيين أوضاع الألفاظ (ممّا) يحتاج الى العلم القطعي ، أو شهادة أهل الخبرة به ، لأنّه من الموضوعات التي يقبل فيها شهادة أهل الخبرة و (لم يثبت كون الظنّ الحاصل فيها بقول اللغوي ، من الظّنون الخاصّة) لأنا ناقشنا سابقا في حجّية قول اللغوي (وان لم نستبعد الحجّية أخيرا) كما وقد أيّدنا الحجّية نحن سابقا.

(وأما «المقدّمة الثّانية») وهي جهة الصدور بمعنى : صدور الكلام لبيان الحكم الواقعي ، لا للتقية ، وما أشبه (فهو أيضا ثابت بأصالة : عدم صدور الرّواية لغير داعي بيان الحكم الواقعيّ) وهو أصل عقلائي جار بين الموالي والعبيد ، والآمرين والمأمورين ، فيما اذا لم تكن قرينة داخلية أو خارجية تصرف كلام المولى عن بيان الحكم الواقعيّ.

(وهي) أي : الأصالة المذكورة (حجّة ، لرجوعها الى القاعدة المجمع عليها بين العلماء) المتشرّعين (والعقلاء) من جميع الامم (من حمل كلام المتكلّم على : كونه صادرا لبيان مطلوبه الواقعيّ لا لبيان خلاف مقصوده ، من تقيّة ، أو خوف) أو مثال ، أو امتحان ، أو مزاح ، أو ما أشبه ذلك.

(ولذا) أي : لكون هذه القاعدة متفق عليها بين علماء المتشرعة ، وعقلاء

١٧٧

لا يسمع دعواه ممّن يدّعيه إذا لم يكن كلامه محفوفا بأماراته.

أمّا «المقدّمة الاولى» ، فهي التي عقد لها مسألة حجّية أخبار الآحاد.

فمرجع هذه المسألة إلى أنّ السنّة ، أعني قول الحجّة او فعله او تقريره ، هل يثبت بخبر الواحد

______________________________________________________

العالم ، (لا يسمع دعواه) أي دعوى الخلاف (ممّن يدّعيه) أي : يدّعي انه اراد خلاف المقصود.

فاذا قال المولى لعبده : جئني بالماء ـ مثلا ـ فلم يطع العبد ولم يأت بالماء بادعاء : احتماله انّ المولى أراد خلاف المقصود ، لم يكن معذورا ، ورأى العقلاء ان للمولى الحق في عقابه.

وكذا لو ادعى المولى : انّه اراد من : جئني بالماء خلاف الظاهر ، لم يسمع منه ولم يكن له الحق ـ شرعا ولا عقلا ـ في عقاب العبد الذي جاء له بالماء ، بادعاء انه اراد : امتحانه ، او الممازحة معه ، او ما أشبه.

وذلك (اذا لم يكن كلامه محفوفا بأماراته) أي : بامارات خلاف المقصود بان لم تكن قرينة داخلية أو خارجية ، على انّ المراد : غير الظاهر من اللّفظ ، أمّا اذا كانت هناك قرينة ، فانه يحق لكل من المولى والعبد الاعتماد على تلك القرينة في ارادة خلاف الظاهر.

(أمّا «المقدّمة الاولى») : وهي عبارة عن : صدور الكلام عن الحجّة عليه‌السلام ، لا انه كذب ، أو خطأ ، أو ما أشبه (فهي التي عقد لها : مسألة حجّية أخبار الآحاد) مما نتعرّض له في هذا المبحث.

(فمرجع هذه المسألة) أي : مرجع انّ خبر الواحد حجّة أو ليس بحجّة (الى انّ السنّة ، أعني : قول الحجّة ، أو فعله ، أو تقريره ، هل يثبت بخبر الواحد ،

١٧٨

ام لا يثبت الّا بما يفيد القطع من التواتر والقرينة ، ومن هنا يتضح دخولها في مسائل اصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلّة.

______________________________________________________

أم لا يثبت الّا بما يفيد القطع ، من : التواتر والقرينة) الموجبة للقطع؟.

(ومن هنا) حيث انّ مرجع هذه المسألة الى انّ السنّة ، هل تثبت بخبر الواحد ام لا تثبت؟ (يتضح دخولها في مسائل اصول الفقه ، الباحثة عن أحوال الأدلّة).

ووجه ارجاع المصنّف هذا البحث ، وهو : مسألة انّ خبر الواحد حجّة ام لا؟ الى البحث حول : انّ السنّة هل تثبت بالخبر الواحد ام لا؟ هو :

انّ صاحب القوانين جعل موضوع علم الاصول : الادلّة الاربعة ، واشكل عليه : بأنّه اذا كان الموضوع الأدلّة ، فالبحث عن انّ الشيء الفلاني ـ كالخبر الواحد ـ دليل ام لا ، بحث عن المبادي ، لا عن المسائل.

مثلا : اذا قلنا : ان موضوع النحو : الكلمة ، فالبحث عن انّ الشيء الفلاني كلمة ، أو لا ، يكون بحثا عن المبادي ، لا عن الكلمة ، اذ البحث عن الكلمة ، انّما يكون عن العوارض والأحوال الطارئة على الموضوع ، كالبحث عن الرفع ، والنّصب ، والجرّ ، وما أشبه ، الطارئ على الكلمة ، لا أنّ الشيء الفلاني كلمة أم لا.

ولاجل التخلّص من هذا الاشكال الوارد على صاحب القوانين ، قال صاحب الفصول : انّ موضوع علم الاصول : ذوات الأدلّة الأربعة ، لا الأدلّة بما هي أدلّة ، فالبحث عن دليليّة الدّليل ، يكون داخلا في الاصول أيضا.

واشكل عليه : بأنه يلزم منه : أن يكون علم التفسير ، وعلم الرجال ، وعلم الدّراية ، وما أشبه داخلا ايضا في الاصول ، لأن كلّ ذلك البحث عن ذوات القرآن والسنّة.

ولاجل التخلّص من هذا الاشكال أيضا ، اجاب المصنّف بجواب آخر ، وهو :

١٧٩

ولا حاجة إلى تجشّم دعوى أنّ البحث عن دليليّة الدليل بحث عن أحوال الدّليل.

ثمّ اعلم أنّ أصل وجوب العمل بالأخبار المدوّنة في الكتب المعروفة ممّا اجمع عليه في هذه الأعصار ،

______________________________________________________

انّ بحث حجّية الخبر راجع الى انه : هل السنّة تثبت بالخبر الواحد ام لا؟ فيكون الموضوع لهذه المسألة : نفس السنّة ، وهي من الأدلّة الأربعة.

واشكل صاحب الكفاية على جواب المصنّف ـ أيضا ـ بما اوضحناه في شرح الكفاية ، مما لا حاجة الى تكراره.

ثم ان المصنّف اشار الى ردّ جواب الفصول بقوله : (ولا حاجة الى تجشّم) وتكلّف الفصول (دعوى : انّ البحث عن دليليّة الدّليل ، بحث عن احوال الدّليل) أيضا ، حتى يصحّ كلام القوانين ، فان هذا البحث ، بحث عن ذاته لا عن احواله.

وعلى أي حال : فالبحث في المقام حول حجّية خبر الواحد ، كما يقوله المشهور ، أو عدم حجّيته ، كما يقوله بعض.

(ثمّ اعلم : أنّ أصل وجوب العمل بالاخبار) أي : مع قطع النظر عن كونها قطعية الصدور ، كما يقوله بعض الاخباريين ، أو انها ليست كذلك ، كما يقوله معظم الأصوليين.

وكذا مع قطع النظر عن كون وجوب العمل بها ، من باب الظنّ الخاص ، كما يقوله المعظم ، أو من باب الانسداد والظنّ المطلق كما يقوله القوانين ومن اشبهه.

فالعمل بالاخبار (المدوّنة في الكتب المعروفة) من الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار ، والفقيه ، وغيرها (ممّا اجمع عليه في هذه الأعصار) فانّه لا يوجد حتى فقيه واحد ، يقول بعدم حجّية خبر الواحد مطلقا.

١٨٠