الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

الصلاة ، وعلى المرشدين في مقام إرشاد الجهّال. فالتخوّف لا يجب إلّا على المتّعظ أو المسترشد. ومن المعلوم أنّ تصديق الحاكي فيما يحكيه من لفظ الخبر الذي هو محلّ الكلام خارج عن الأمرين.

توضيح ذلك

______________________________________________________

الصّلاة) وغيرها من فعل المحرمات وترك الواجبات.

(و) كذلك لا يجب الابلاغ مع التخويف ، إلا (على المرشدين) الذين يبيّنون أحكام الله سبحانه وتعالى (في مقام إرشاد الجهّال).

وعليه : فالعالم الذي ينذره الوعاظ بالعقاب ان لم يعمل بعلمه والجاهل الذي يرشده المرشد لأحكام الله سبحانه وتعالى المقترن بالعقاب ان لم يعمل بما ارشد اليه يجب عليهما الحذر.

إذن : (فالتخوف لا يجب إلّا على المتّعظ أو المسترشد) كما انّ الانذار لا يجب إلا على الواعظ أو المرشد.

(ومن المعلوم : أنّ) نقل قول المعصوم عليه‌السلام بما هو ، ليس بوعظ ولا ارشاد ، فاذا قال زرارة ـ مثلا ـ قال الصادق عليه‌السلام : صلاة الجمعة واجبة ، أو العصير العنبي محرم ف (تصديق) السامع هذا (الحاكي فيما يحكيه : من لفظ الخبر الذي هو محل الكلام ، خارج عن الأمرين) لأنّه ليس باتعاظ ولا استرشاد.

هذا ، وقد عرفت : انّ الآية انّما تدل على القبول من الواعظ والمرشد لا مطلقا ، فمن أين انّ الآية المباركة تدل على حجّية الخبر مطلقا ، مع انه ليس الاستدلال بالآية الكريمة على حجّية الخبر مطلقا ، إلّا استدلالا بالأخص للأعم.

(توضيح ذلك) انّ المنذر ، ان كان مجتهدا كان كلامه حجّة على مقلديه فقط ، لا على سائر المجتهدين ، ولا على سائر المقلدين.

٣٦١

انّ المنذر إمّا أن ينذر ويخوّف على وجه الافتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده ، وإمّا أن ينذر ويخوّف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجّة عليه‌السلام.

فالأوّل : كأن يقول : يا أيّها الناس! اتقوا الله في شرب العصير ، فانّ شربه يوجب المؤاخذة.

______________________________________________________

وان كان حاكيا لفظ الخبر مثل : الرّواة ، فاذا أنذر الرّاوي المقلدين ، لم يجب عليهم القبول ، لأنّ المقلد انّما يجب عليه اتباع مجتهده.

واذا أنذر الرّاوي المجتهدين وجب على المجتهد قبول إنّ الامام عليه‌السلام قال هذه الألفاظ.

أما وجوب تحذره فلا ، إذ تحذر المجتهد منوط بأن يكون اجتهاده فيما أخبره عن الامام عليه‌السلام دالا على الوجوب أو الحرمة ، وربّما لا يكون اجتهاده كذلك.

مثلا : اذا قال الراوي : انّ الصادق عليه‌السلام قال : من صرف مريد الحجّ عن الحجّ ، كان له كذا من العقاب ، فالمجتهد يقبل ان الامام عليه‌السلام ، قال ذلك ، لكنّه ربّما كان اجتهاده : انّ الصرف مكروه ، لاحرام ، وذلك ، بسبب القرائن الداخلية أو الخارجية ، فلا يجب على المجتهد ، أن يتحذر عن صرف الناس عن الحجّ اذا رأى الصرف مصلحة.

وبذلك ظهر : انّ آية النفر لا تدل على حجّية الخبر مطلقا ، ف (انّ المنذر امّا أن ينذر ويخوّف على وجه الافتاء ، ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده) لمقلديه.

(وأمّا انّ ينذر ويخوّف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجّة عليه‌السلام) فهو على قسمين ـ كما تقدّم ـ :

(فالأوّل : كأن يقول) الرّاوي ـ مثلا ـ : (يا أيّها النّاس اتقوا الله في شرب العصير ، فانّ شربه يوجب المؤاخذة) والعقاب ، فانّ هذا ليس بنقل الخبر ، بل

٣٦٢

والثاني : كأن يقول في مقام التخويف : قال الامام عليه‌السلام : من شرب العصير فكأنّما شرب الخمر.

أمّا الانذار على الوجه الأوّل ، فلا يجب الحذر عقيبه إلّا على المقلّدين لهذا المفتي. وأمّا الثاني : فله جهتان : إحداهما جهة تخويف وإيعاد ، والثانية جهة لحكاية قول من الامام عليه‌السلام.

ومن المعلوم : أنّ الجهة الأولى ترجع إلى الاجتهاد في معنى الحكاية ، فهي ليست حجّة إلّا على من هو مقلّد له ،

______________________________________________________

مجرد وعظ وإرشاد.

(والثاني : كأن يقول في مقام التخويف قال الامام عليه‌السلام من شرب العصير فكأنّما شرب الخمر) فان هذا حكاية للخبر من وجه ، وإنذار من وجه آخر.

(أمّا الانذار على الوجه الأوّل :) وهو ما اذا كان المفتي أفتى حسب مضمون الأخبار الواجبة والمحرمة (فلا يجب الحذر عقيبه) أي : عقيب الانذار (إلّا على المقلّدين لهذا المفتي) فانّهم هم الذين يجب عليهم قبول فتواه ، ولا يجب القبول على سائر المجتهدين ، ولا على سائر المقلدين.

(وأمّا الثاني :) وهو ما اذا كان الرّاوي نقل قول الامام عليه‌السلام ، المشتمل على الانذار والتخويف ، بأن بيّن الواجبات والمحرمات (فله جهتان) بيّنهما بقوله : ـ

(إحداهما : جهة تخويف وإيعاد) وتهويل وإنذار.

(والثانية : جهة لحكاية قول من الامام عليه‌السلام).

هذا (ومن المعلوم : انّ الجهة الاولى) أي : جهة التخويف والانذار (ترجع الى الاجتهاد في معنى الحكاية) يعني : انّ الرّاوي الحاكي لكلام الامام الصادق اجتهد بأنّ معنى كلامه عليه‌السلام الحرمة (فهي ليست حجّة إلّا على من هو مقلّد له) أي : للمنذر.

٣٦٣

إذ هو الذي يجب عليه التخوّف عند تخويفه.

وأمّا الجهة الثانية فهي التي ينفع المجتهد الآخر الذي يسمع منه هذه الحكاية ، لكن وظيفته مجرّد تصديقه في صدور هذا الكلام عن الامام عليه‌السلام ، وأمّا أنّ مدلوله متضمّن لما يوجب التحريم الموجب للخوف أو الكراهة ، فهو ممّا ليس فهم المنذر حجّة فيه بالنسبة الى هذا المجتهد.

______________________________________________________

فاذا قال علي بن بابويه ـ مثلا ـ وهو يفتي بعين الرّواية ـ كما كان متداولا سابقا ـ ان الامام الصادق عليه‌السلام ، قال : من صرف إنسانا عن الحجّ كان له كذا من الوزر ، كان كلامه هذا حجّة على من يقلده فقط (إذ) مقلّد علي بن بابويه (هو الذي يجب عليه التخوّف عند تخويفه) لا على مجتهد آخر ، ولا على مقلد مجتهد آخر ـ كما عرفت ـ.

(وأمّا الجهة الثانية :) في قول علي بن بابويه ـ مثلا ـ وهي : جهة نقل ألفاظ الامام عليه‌السلام (فهي الّتي ينفع المجتهد الآخر ، الذي يسمع منه) أي : من هذا المنذر (هذه الحكاية) ويجب عليه : قبول انّ الامام عليه‌السلام قال هذه الألفاظ.

(لكن وظيفته) أي : وظيفة المجتهد الآخر (مجرّد تصديقه) أي : تصديق الرّاوي (في صدور هذا الكلام عن الامام عليه‌السلام و) ليس وظيفته : الحذر ، والاسترشاد ، والاتعاظ بانذار الرّاوي وإرشاده ، لأنّه قد يكون اجتهاد السامع ، مخالفا لاجتهاد الرّاوي.

ولهذا قال المصنّف (أما أن مدلوله) أي : مدلول كلام الامام عليه‌السلام (متضمن لما يوجب : التحريم الموجب للخوف ، أو الكراهة) التي لا خوف فيها (فهو) أي : إنذاره (ممّا ليس فهم المنذر حجّة فيه بالنسبة الى هذا المجتهد) فلا يجب عليه الاتعاظ والاسترشاد.

٣٦٤

فالآية الدالّة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصّة بمن يجب عليهم اتّباع المنذر في مضمون الحكاية وهو المقلّد له ، للاجماع على أنّه لا يجب على المجتهد التخوّف عند إنذار غيره. إنّما الكلام في أنّه هل يجب عليه تصديق غيره في الألفاظ والأصوات التي يحكيها عن المعصوم عليه‌السلام أم لا ، والآية لا تدلّ على وجوب ذلك على من لا يجب عليه التخوّف عند التخويف.

______________________________________________________

وان شئت قلت : اذا أخبر ابن بابويه المفيد ـ مثلا ـ : عن الامام عليه‌السلام : ففي خبره جهتان : ـ

جهة الانذار ، ولا يجب على المفيد الحذر.

وجهة تصديق الخبر ، وتصديق الخبر ليس بحذر ، فلا تشمله الآية.

إذن : فما تشمله الآية من الحذر ، ليس بواجب على المجتهد السامع ، وما ليس بحذر ، لا تشمله الآية ، فمن أين تدلّ الآية على حجّية الخبر ، كما أطلق القائلون بدلالة الآية على حجّية الخبر؟ (فالآية الدالة على وجوب التخوّف عند تخويف المنذرين ، مختصّة بمن يجب عليهم اتّباع المنذر) ـ بالكسر ـ (في مضمون الحكاية ، وهو : المقلد له) أي : من يقلد المنذر (للاجماع على انّه لا يجب على المجتهد التخوّف عند إنذار غيره) اذ المجتهد لا يقلد الرّاوي في فهم الرّواية ، وان كان يجب عليه : قبول انّ الامام عليه‌السلام قال هذا الكلام.

(إنّما الكلام في انّه هل يجب عليه) أي : على المجتهد السامع (تصديق غيره) الذي هو الرّاوي (في الألفاظ والأصوات التي يحكيها) الرّاوي (عن المعصوم عليه‌السلام ، أم لا؟ والآية لا تدل على وجوب ذلك) التصديق (على من) أي : على المجتهد السامع الذي (لا يجب عليه التخوّف عند التخويف) فالآية

٣٦٥

فالحقّ : إنّ الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوامّ أولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر.

وذكر شيخنا البهائيّ قدس‌سره ، في أوّل أربعينه : «أن الاستدلال بالنبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشهور : «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما» ، على حجّية الخبر ، لا يقصر عن الاستدلال

______________________________________________________

تدل على الحذر لا على قبول الخبر ـ.

(فالحقّ : إنّ الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية) لأنّه لا يجب على الجميع أن يكونوا مجتهدين ـ نصا وإجماعا ـ (ووجوب التقليد) والحذر (على العوام) المقلدين للمجتهدين المفتين (أولى من الاستدلال بها) أي : بالآية (على وجوب العمل بالخبر) الواحد. (و) ممّا يؤيد ما ذكرناه : انّه قد (ذكر شيخنا البهائي قدس‌سره في أوّل أربعينه : انّ الاستدلال بالنبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشهور : «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما») (١).

وإنما جيء بكلمة «على» من جهة : انّ الخبر بسبب تلك الأخبار المحفوظة يغمر الامّة ، مثل : ما اذا صب الماء على انسان حتى غمره ، فانه قد يؤتى فيه بكلمة «على» لهذه الجهة ، ومنه : «سلام عليكم».

نعم ، اذا كانت كلمة «على» في قبال اللام ، كان معناه الضرر ، مثل : عليه لعنة الله ، ولعلّه أيضا من جهة ان اللعنة تغمر الملعون.

وعليه : فانّ الاستدلال بهذا الخبر (على حجّية الخبر ، لا يقصر عن الاستدلال

__________________

(١) ـ الاربعون حديث : ص ١١ ، الخصال : ص ٥٤١ ح ١٥ (بالمعنى) ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٩٥ ، منية المريد ص ٣٧١ ، صحيفة الرضا : ص ٦٥.

٣٦٦

عليها بهذه الآية».

وكأنّ فيه إشارة إلى ضعف الاستدلال بها ، لأنّ الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدّا ، كما سيجيء إن شاء الله عند ذكر الأخبار.

هذا ، ولكن ظاهر الرّواية المتقدّمة عن علل الفضل يدفع هذا الايراد ،

______________________________________________________

عليها) أي : على حجّية الخبر (بهذه الآية) الكريمة : آية النفر.

(وكأنّ فيه إشارة الى ضعف الاستدلال بها). أي بآية النفر لحجية الخبر (لأنّ الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا ـ كما سيجيء إنشاء الله عند ذكر الأخبار) فكما انّ النبوي لا دلالة فيه على حجّية الخبر ، كذلك الآية المباركة ، لا دلالة فيها على حجّية الخبر.

(هذا) تمام الكلام في الايراد الثالث على دلالة آية النفر على حجّية الخبر.

(ولكن ظاهر الرّواية المتقدّمة عن علل الفضل) حيث قال عليه‌السلام في فلسفة وجوب الحجّ : ـ «ولأجل ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة إلى كل صفح ...» (١) (يدفع هذا الايراد).

اذ الايراد كان بأنّ الآية لا تدل على حجّية الخبر ، بينما ظاهر خبر العلل : انّ الخبر حجّة ، لأنّ الامام عليه‌السلام بعد ما بيّن انّ من غايات وجوب الحجّ : التفقه ، ونقل الأخبار الى كل صفح ، استشهد بهذه الآية.

فيعلم من استشهاد الامام عليه‌السلام بها : انّ المراد من الانذار : أعم من نقل الخبر والوعظ والارشاد ، كما انّ المراد من الحذر ، أعم من مجرد تصديق الخبر ، والاتعاظ والاسترشاد ، لأنّ في نقل : انّ الشيء الفلاني واجب ، أو انّ الشيء

__________________

(١) ـ علل الشرائع : ج ١ ص ٣١٧.

٣٦٧

لكنّها من الآحاد ، فلا ينفع في صرف الآية من ظاهرها في مسألة حجّية الآحاد مع إمكان منع دلالتها على المدّعى ، لأنّ الغالب تعدّد من يخرج إلى الحجّ من كلّ صقع ،

______________________________________________________

الفلاني حرام ، كفاية من جهة كونه : تحذيرا وإنذارا ، فلا حاجة في الخبر الى ذكر الجنّة والنار (لكنّها) أي رواية الفضل المتقدّمة الدالة على عموم الآية وشمولها لنقل الخبر ، هي (من) الأخبار (الآحاد ، فلا ينفع في صرف الآية من ظاهرها) وهو وجوب الوعظ والارشاد والتحذير ، الى معنى عام شامل لنقل الخبر ـ ايضا ـ حتى يقال : بأن الآية دالة عليه (في) مقامنا هذا وهو (مسألة حجّية الآحاد).

فان في الاستدلال بالخبر الواحد ـ وهو : خبر الفضل على معنى الآية الدالة على حجّية خبر الواحد ـ دور صريح ، وذلك لأنّ حجّية الخبر مطلقا يتوقف على الآية ، وظهور الآية يتوقف على حجّية خبر الفضل ، وهو : خبر واحد ، فيكون معنى ذلك : توقف حجّية الخبر الواحد ، على الخبر الواحد.

هذا (مع إمكان منع دلالتها) ، أي رواية العلل (على المدعى) وهو : حجّية خبر الواحد (لأنّ الغالب ، تعدد من يخرج الى الحجّ من كل صقع) وناحية من نواحي بلاد الاسلام ، فانّ في السابق كان الحجّ ممكنا لكلّ أحد حيث لا حدود جغرافية بين بلاد الاسلام ، ولا حاجة في السفر الى جواز ، أو هويّة ، أو جنسيّة ، أو خروجيّة أو ضريبة ، أو ما أشبه ذلك من القيود الاستعمارية ، التي جاء بها المستعمرون الى بلاد الاسلام منذ نصف قرن تقريبا (١).

__________________

(١) ـ وقد فصّل الامام الشارح هذا الحديث في كتاب الحج بين الأمس واليوم والغد ، وكتاب لكي يستوعب الحج عشرة ملايين ، وكتاب ليحج خمسون مليونا كل عام.

٣٦٨

بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعيّ ، عن الامام عليه‌السلام ، وحينئذ ، فيجب الحذر عقيب إنذارهم ، فاطلاق الرّواية منزّل على الغالب.

______________________________________________________

ولذا ورد : انّ في زمان الامام السجاد عليه‌السلام وقف بعرفات ، أربعة ملايين ونصف مليون حاج.

ويؤيد ذلك تعدد أسئلة الرواة من الأئمة عليهم‌السلام ، عما اذا ضاقت المشاعر ولم تسع الحجّاج؟ فأجابوهم عليهم‌السلام : بأنّ الحجّاج يقفون خارج هذه المشاعر ، كما لا يخفى ذلك على من راجع الوسائل وغيره.

وعليه : فاذا كثر الحاج (بحيث) انهم اذا تعلموا من الأئمة عليهم‌السلام الأحكام والمسائل ، ثم بعد رجوعهم الى بلادهم أخبروا أهالي تلك البلاد (يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعي عن الامام عليه‌السلام) بالنسبة الى أهل تلك البلاد.

(وحينئذ) أي : اذا حصل العلم لأهل البلاد من الأخبار المتعددة ، والشهادات المعتمدة (فيجب الحذر) على أهل تلك البلاد (عقيب إنذارهم) لا من جهة : انّه خبر واحد ، بل من جهة : حصول العلم ، أو الشهادة بشرائطها المذكورة في كتاب الشهادة.

وعلى هذا : (فاطلاق الرّواية) أي : رواية الفضل (منزّل على الغالب) فانّه لمّا كان الغالب : حصول العلم ، لم تحتج الرّواية الى التقييد ، وانّما هي منصرفة الى الغالب.

ولا يخفى وجه التّأمّل في الاشكال الثالث الذي ذكره المصنّف أيضا ، اذ تخصيص الآية بالوعظ وتحذير المجتهد لمقلديه ، أو بما إذا علم المنذر

٣٦٩

ومن جملة الآيات التي استدلّ بها جماعة ، تبعا للشيخ في العدّة على حجّية الخبر ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

والتقريب فيه : نظير ما بيّناه في آية النّفر ، من أنّ حرمة الكتمان يستلزم وجوب القبول عند الاظهار.

______________________________________________________

ـ بالفتح ـ ، خلاف ظاهر الآية.

(ومن جملة الآيات التي استدلّ بها جماعة تبعا للشيخ في العدّة على حجّية الخبر) الواحد (قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (١)).

والظاهر : ان الفرق بين البيّنة والهدى هو : انّ الاولى في علائم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي سائر اصول الدين ، من بينات المعجزات والأدلة العقلية.

والثانية : في الأحكام ، ومن بعد البيان ، لأنّه بدون البيان لا تتم الحجّة ، كما قال سبحانه : ـ (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢).

والمراد بالكتاب : امّا التوراة ، والآية في قصة اليهود ، أو مطلق الكتب السماوية ، لأنّ أحكام الله وأدلة اصول الدين مذكورة فيها.

(والتقريب فيه) أي في الاستدلال بهذه الآية المباركة على حجّية خبر الواحد ، هو (نظير ما بيّناه في آية النفر) حيث قلنا : بان وجوب الانذار ، يستلزم وجوب الحذر ، وإلا كان لغوا ، وكذلك نقول هنا (من انّ حرمة الكتمان ، يستلزم وجوب القبول عند الاظهار) وإلّا كان تحريم الكتمان لغوا.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٩.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ١٥.

٣٧٠

ويرد عليها : ما ذكرنا من الايرادين الأوّلين في آية النفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الاظهار أو اختصاص وجوب القبول

______________________________________________________

وذلك لأنّ الآية المباركة تدل على حرمة كتمان البينات والهدى ، بعد المعرفة بهما ، ومن الواضح : انّ من جملة البينات والهدى : الأخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام على الموضوعات وعلى الأحكام ، فيحرم على الرّاوي كتمانها بعد سماعها عنهم عليهم‌السلام ، وإذا حرم الكتمان ، وجب الاظهار ، لأنّه لا واسطة بين الأمرين ، وقد قرر : انّ ترك الحرام واجب ، وانّ ترك الواجب حرام ، فاذا وجب إظهارها وجب قبولها ، لئلا يكون الاظهار لغوا.

(ويرد عليها) أي : على دلالة الآية على حجّية خبر الواحد (: ما ذكرنا من الايرادين الأوّلين في آية النفر : من سكوتها) أي : الآية (وعدم التعرض فيها لوجوب القبول ، وإن لم يحصل العلم عقيب الاظهار).

فالآية أولا : مقيّدة بكون السّامع يعلم بالحق.

وثانيا : مقيّدة بكون العمل بما كان الحكم أو الموضوع واقعيا.

إذن : فلا اطلاق في الآية المباركة ، وإنّما المستفاد من الآية هو : وجوب الاظهار للرّاوي ، ووجوب القبول للسامع ، وليس أكثر.

أمّا انّ وجوب القبول مطلق ، أو مقيد بحصول العلم ، فالآية ساكتة عنه ، اذ الآية تدل على وجوب قبول الحق عند اظهاره ، أمّا أن السّامع يسمع من كل مظهر ولو لم يحصل له من كلام المظهر العلم ، فلا دلالة للآية بالنسبة الى ذلك ، هذا بالنسبة الى الايراد الأول.

وأشار المصنّف الى الايراد الثاني بقوله : (أو : اختصاص وجوب القبول

٣٧١

المستفاد منها بالأمر الذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره ، فانّ من أمر غيره باظهار الحقّ للناس ليس مقصوده إلّا عمل الناس بالحقّ ، ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجّية قول المظهر تعبّدا ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق الحقّ.

ويشهد لما ذكرنا :

______________________________________________________

المستفاد منها) أي من الآية (بالأمر الذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره) فانّ السّامع اذا علم انّ قول المتكلم ، هو فيما يجب عليه القبول ، وجب ان يقبل منه ، لا انّه يقبل منه وان لم يعلم بأنّه كذلك.

وقد تقدّم ، الفرق بين الجوابين في الآية السابقة : ـ

فانّ الآية على الدلالة الاولى : ساكتة عن اعتبار العلم.

وعلى الدلالة الثانية : ناطقة بهذا الاعتبار.

فليس كلمة : «أو» في كلام المصنّف للترديد ، وإنما للتقسيم ، مثل قولهم الكلمة : اسم أو فعل أو حرف.

وعليه : (فانّ من أمر غيره باظهار الحق للنّاس ، ليس مقصوده : إلّا عمل النّاس بالحقّ ، ولا يريد بمثل هذا الخطاب) والأمر (تأسيس) الحكم الظاهري أعني : (حجّية قول المظهر تعبدا ، ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق) قوله (الحق).

وان شئت قلت : انّ الآية تدل على وجوب اظهار الحق ، أما وجوب القبول ، فالآية ليست بصدده ، وانّما يجب القبول إذا علم الانسان بانه حق وواقع ، فلا تدل الآية على قبول خبر الواحد اذا لم يعلم الانسان بانه حق مطابق للواقع.

(ويشهد لما ذكرنا) من انّ المراد : وجوب قبول الحق والواقع لا قبول قول

٣٧٢

أنّ مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد ما بيّن الله لهم ذلك في التوراة ، ومعلوم أنّ آيات النبوّة لا يكتفى فيها بالظّن.

______________________________________________________

القائل وان لم يعلم الانسان بانّه كذلك ، هو (انّ مورد الآية : كتمان اليهود لعلامات النبي) محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد ما بيّن الله لهم) أي : لليهود (ذلك في التوراة ، ومعلوم : انّ آيات النبوة لا يكتفى فيها بالظّن).

بضميمة : انّه اذا لم يكن خبر الواحد حجّة في مورد الآية ، فكيف يستفاد من الآية حجّية الخبر الواحد في سائر الموارد ، لأنّه ـ كما تقدّم ـ من تخصيص المورد وهو مستهجن؟.

لكن ربّما يقال : بأنّ كون مورد الآية : كتمان اليهود ، لا يفهم من نفس القرآن ، لأنّ الآية ليست في سياق آيات اليهود ، فانّ الآيات هكذا :

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٢).

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٤).

إذن : فلعل المراد بالكتاب : كتاب اليهود ، أو مطلق الكتب السماوية ، أو القرآن

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٨.

(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٩.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ١٦٠.

(٤) ـ سورة البقرة : الآية ١٦١.

٣٧٣

نعم ، لو وجب الاظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا على أنّ المقصود العمل بقوله وإن لم يفد العلم ، لئلا يكون إلقاء هذا الكلام كاللّغو.

______________________________________________________

الحكيم.

(نعم ، لو وجب الاظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا ، أمكن جعل ذلك دليلا على أنّ المقصود : العمل بقوله وإن لم يفد العلم) وهذا الكلام تمهيد لجواب إشكال ـ ربّما يورد على قولنا المتقدّم وهو :

أنّه لو كان الغرض من وجوب الاظهار وحرمة الكتمان ، حصول العلم ، ووجوب قبول الحق على السامع ، فيما عرف أنّه حق ، لا وجوب قبول قول المظهر تعبدا ، فكيف استدل الفقهاء بحرمة كتمان ما في الارحام ، على وجوب قبول قولهنّ تعبدا؟ فان الآية المباركة تقول في حق النساء : ـ

(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ...) (١).

فاذا قالت المرأة : بانّ في رحمها جنين قبل قولها لانهن مصدقات ، فآية الكتمان فيما نحن فيه مثل آية الكتمان في حق النساء فكما يقبل قولهن ولو لم يعلم السامع صدقهن ، كذلك في المقام يجب قبول خبر الواحد ولو لم يعلم السامع صدقه.

والجواب : انّه فرق بين المقامين ، لأنّ النساء غالبا لا يفيد قولهنّ العلم ، فاذا وجب عليهن الاظهار وجب علينا القبول (لئلّا يكون القاء هذا الكلام كاللغو).

فانّه لو كان المقصود من وجوب إظهارهن هو : حصول العلم وقبول الحق

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٢٨.

٣٧٤

ومن هنا يمكن الاستدلال بما تقدّم ـ من آية تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء ـ على وجوب تصديقهنّ ، وبآية وجوب إقامة الشهادة على وجوب قبولها بعد الاقامة ، مع إمكان كون وجوب الاظهار لأجل رجاء وضوح الحقّ من تعدّد

______________________________________________________

الواقعي ، كان الأمر بالاظهار لغوا ، لندرة حصول العلم من قولهن ، أو تساوي حصول العلم وعدم حصول العلم ، ففي آية كتمان النساء تلازم بين عدم الكتمان والقبول ، وليس المقام من هذا القبيل.

(ومن هنا) الذي ذكرناه : بأنه لو وجب الاظهار فيمن لا يفيد قوله العلم غالبا ، لزم القبول تعبدا (يمكن الاستدلال بما تقدّم ، من آية تحريم كتمان ما في الأرحام على النّساء : على وجوب تصديقهنّ) تعبدا.

(و) كذلك يمكن الاستدلال (بآية وجوب إقامة الشهادة) حيث قال سبحانه : ـ (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ..) (١).

(على وجوب قبولها) أي : قبول الشهادة (بعد الاقامة) لها تعبدا فانّه لو وجبت الشهادة فيما إذا كان الشاهد جامعا للشرائط يجب القبول ، وإلّا بأن توقف القبول على العلم ، لزم اللغوية في كثير من الشهادات ، حيث لا يعلم القاضي بصدقها ، أو عدم صدقها.

فان قلت : فاذا وجب الاظهار ولم يجب القبول ، فما فائدة الاظهار؟.

قلت : (مع إمكان كون وجوب الاظهار ، لأجل رجاء وضوح الحق من تعدّد

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٨٢.

٣٧٥

المظهرين.

ومن جملة الآيات التي استدلّ بها بعض المعاصرين قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

بناء على أنّ وجوب السؤال ، يستلزم وجوب قبول

______________________________________________________

المظهرين) فايجاب الاظهار ، ليس من جهة : حجّية قول المظهر على السامع حتى اذا قال المظهر وجب القبول على السامع ، بل من جهة : انه اذا وجب الاظهار يكثر المظهرون ، فيحصل العلم العادي بالنسبة الى السامعين ، ففائدة الاظهار ليست في قبول المظهر مطلقا.

لكنّك عرفت في آية النفر : الجواب عن هذه الاحتمالات ، وإن ما ذكره المشهور : من التلازم بين وجوب الاظهار وحجّية الخبر على السامع ، هو المتفاهم عرفا من الآية المباركة ، وإلّا أمكن أن يقال ذلك في آية الشهادة بسبب كثرة الشهود ، وفي آية كتمان المرأة بسبب القرائن الداخلية والخارجيّة على صدقها أو عدم صدقها.

(ومن جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين) ـ وهو الشيخ محمد حسين الاصفهاني صاحب الفصول ـ على حجّية خبر الواحد (قوله تعالى) :

((فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)) فانّ الرّاوي أيضا من أهل الذكر ، والمراد بالذكر العلم الموجب لتذكر الانسان ، من اصول الدين أو فروعه ((إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (١). لأنّهم إذا علموا لم يحتاجوا الى السؤال.

وانّما يستدل بهذه الآية (بناء على انّ وجوب السؤال ، يستلزم وجوب قبول

__________________

(١) ـ سورة النحل : الآية ٤٣.

٣٧٦

الجواب وإلّا لغى وجوب السؤال ، وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلّ ما يصحّ أن يسأل عنه ويقع جوابا له ، لأنّ خصوصيّة المسبوقيّة بالسؤال لا دخل فيه قطعا. فاذا سئل الرّاوي الذي هو من أهل العلم عمّا سمعه عن الامام عليه‌السلام ، في خصوص الواقعة ، فأجاب بأنّي سمعته يقول كذا ، وجب القبول ، بحكم الآية.

______________________________________________________

الجواب وإلّا لغى وجوب السؤال) ومن المعلوم انّ الحكيم لا يأتي بشيء لغو (وإذا وجب قبول الجواب ، وجب قبول كلّ ما يصح أن يسأل عنه ، و) يصح ان (يقع جوابا له) لأنّه لا خصوصية في الخبر المسبوق بالسؤال.

وقد أشار المصنّف في كلامه هذا الى جواب اشكال وهو : انّ الآية لا تدلّ على حجّية الخبر الذي أخبر به الناقل بدون السؤال عنه ، وانّما يدلّ على حجّية الخبر الذي وقع جوابا عن سؤال الناقل فقط.

والجواب : انّ المناط واحد في الخبر ، سواء كان مسبوقا بالسؤال ، أو لم يكن مسبوقا بالسؤال ، للقطع : بأنّه لا خصوصية للسبق بالسؤال ، بل يشمل حتى الأمور التي من شأنها أن تقع جوابا عن السؤال.

ومن الواضح : انّ الأخبار التي وصلت الينا منهم عليهم‌السلام بهذه المثابة (لأنّ خصوصيّة المسبوقيّة بالسؤال لا دخل فيه قطعا) لأنّه لا جهة للخصوصية.

(فاذا سئل الرّاوي الّذي هو من أهل العلم) ويطلق عليه : انّه من أهل الذكر ، كزرارة ، أو محمد بن مسلم ، أو الفضيل ، أو غيرهم (عمّا سمعه عن الامام عليه‌السلام في خصوص الواقعة) الخاصة من : عبادة ، أو معاملة ، أو غيرهما (فأجاب : بأني سمعته) أي الامام عليه‌السلام (يقول : كذا وجب القبول بحكم الآية) على ما عرفت : من التلازم بين السؤال والقبول.

٣٧٧

فيجب قبول قوله ابتداء : «إنّي سمعت الامام عليه‌السلام يقول كذا» ، لأنّ حجّية قوله هو الذي أوجب السؤال عنه ، لا أنّ وجوب السؤال أوجب قبول قوله ، كما لا يخفى.

ويرد عليه ، أوّلا : أنّ الاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ،

______________________________________________________

وعليه : (فيجب قبول قوله) أي : قول الرّاوي ايضا (ابتداء) أي : من دون سبق السؤال ، فيما إذا قال الرّاوي ابتداء : (إنّي سمعت الامام يقول : كذا) لأنّ المناط في الأمرين واحد ، وذلك (لأنّ حجّية قوله هو الذي أوجب السؤال عنه ، لا أنّ وجوب السؤال أوجب قبول قوله).

فانّا نعلم علما وجدانيا : بأنّ حجّية الخبر ليست بسبب وجوب السؤال ، أو بفعلية السؤال في الخارج ، بل الأمر بالعكس ، فانّه لمّا كان الخبر حجّة ، أوجب الشارع السؤال عنه ، فيجب قبوله مطلقا ، سواء كان مسبوقا بالسؤال أو لم يكن مسبوقا بالسؤال (كما لا يخفى) ذلك على من تدبّر الأمر.

(ويرد عليه ، أولا : انّ الاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها) لا يدل على المطلوب ، وذلك (بمقتضى السياق) للآية المباركة صدرا وذيلا ، فان ظاهر الآية في المقام ، هو : (إرادة علماء أهل الكتاب).

فالذين خوطبوا بهذه الآية المباركة ، هم الّذين استشكلوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بانّه كيف يدعي الرسالة ونزول الوحي عليه من الله تعالى ، وهو ليس بملك ، وانّما هو انسان مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟.

فأجيبوا : بأنّ عليهم أن يسألوا العلماء من أهل الكتاب ، سواء كانوا علماء

٣٧٨

كما عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة. فانّ المذكور في سورة النحل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ،

______________________________________________________

اليهود أو النصارى ، بل وحتى المجوس ، عن أنبيائهم بأنهم هل كانوا رجالا أو كانوا ملائكة؟.

(كما عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة) من المفسرين الأوائل (فانّ المذكور في سورة النحل) ما يدلّ على انّ المراد : هم علماء أهل الكتاب حيث قال سبحانه :

((وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ)) أيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ((إِلَّا رِجالاً) كموسى ، وعيسى ، ونوح ، وابراهيم ، وغيرهم ((نُوحِي إِلَيْهِمْ)) بالكتب السماوية : كصحف ابراهيم ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى.

((فَسْئَلُوا)) أيها المستشكلون على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بانّه كيف يكون نبيا وهو مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ ((أَهْلَ الذِّكْرِ)) أي : علماؤكم الّذين هم أهل الكتب المذكّرة للنّاس بالله ، والرسول ، والشرائع ((إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، بِالْبَيِّناتِ)) أي : بالحجج الواضحة ((وَالزُّبُرِ)) (١). وهي الكتب السماوية.

يعني : انّكم اذا كنتم جاهلين بكتبكم ، وكذلك جاهلين بالأدلة الواضحة على نبوة نبي الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاللازم عليكم مراجعة علمائكم ، كما هو عليه عرف العقلاء من مراجعة الجهال الى علمائهم.

__________________

(١) ـ سورة النحل : الآية ٤٣.

٣٧٩

وفي سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

وإن كان مع قطع النظر عن سياقها

______________________________________________________

(وفي سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (١). فسياق الآيتين المباركتين يدلّ على ما ذكرنا : من انّ المراد من أهل الذكر : هم أهل الكتاب.

(وان كان) الاستدلال بالآية الكريمة على حجّية خبر الواحد (مع قطع النظر عن سياقها) أي : بملاحظة نفس قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) فانّه قد يتعارض السياق مع الظهور ، فالظهور في نفسه يدلّ على شيء ، والسياق يدلّ على شيء آخر ، مثلا : قال الامام الحسين عليه‌السلام ، في خطبته : «الحمد لله ، وما شاء الله» فالحمد إنشاء ، وما شاء الله ، هل هو إخبار ـ كما هو ظاهره ـ أو إنشاء كما يقتضي سياق الحمد ذلك؟.

وكذا إذا قال أحد ـ مثلا ـ سافرت البارحة ، وبعت داري ، فان ظاهر «بعت» :

الانشاء ، وظاهر «سافرت» : الاخبار ، فهل يقدّم ظاهر بعت ليكون إنشاء بيع أو ظاهر السياق ليكون إخبارا عن بيع؟ فان قدّم أحد الظهورين بأن كان أظهر فهو ، وإلّا تساقط الظاهران وصار الكلام مجملا.

وهكذا حال كل سياق وظاهر متخالفان ، كما في مثل الانشاء والاخبار ، إذا عطف أحدهما على الآخر.

وعلى أي حال : فان أراد المستدلّ بالآية نفس هذا الكلام من دون النظر الى

__________________

(١) ـ سورة الانبياء : الآية ٧.

٣٨٠