الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-03-1
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

١
٢

٣

٤

الوصائل

الى

الرسائل

تتمة المقصد الثاني

«بحث الظنّ»

٥
٦

وامّا السنّة

فطوائف من الأخبار : منها : ما ورد في الخبرين المتعارضين من الأخذ بالأعدل والأصدق والمشهور والتخيير عند التساوي.

مثل مقبولة عمر بن حنظلة ، فإنها وإن

______________________________________________________

(وأمّا السنة) فقد استدل بها لحجّية خبر الواحد وذلك ، بتقريب : انا نعلم بحجّية هذه السنّة ، الدالة على حجّية خبر الواحد ، وعلمنا بذلك ، امّا بسبب التواتر في السنّة أو بسبب القرائن الخارجية أو ما أشبه ذلك ، فلا يقال : ان الاستدلال بحجّية خبر الواحد على حجية خبر الواحد مستلزم للدور.

وعلى أي حال : (ف) الدال من السنة على حجّية خبر الواحد (طوائف من الأخبار) والاحاديث الشريفة (منها : ما ورد في) علاج (الخبرين المتعارضين من) لزوم (الأخذ بالأعدل ، والأصدق ، والمشهور) ونحو ذلك من المرجّحات ، إذا كان في بعض الخبرين على بعضهما الآخر ترجيح.

(والتخيير عند التساوي) للخبرين حيث كونهما عادلين ، صادقين ، مشهورين ، موافقين للكتاب ، مخالفين للعامة ، وما أشبه ذلك.

ومن الواضح : انه لو لم يكن الخبر حجّة ، لم يحتاج الى علاج المتعارضين ، لأنّ الأخذ بأحد المتساويين في صورة التساوي ، معناه : حجّية كل منهما ، كما إنّ الأخذ بالأرجح عند وجود الرجحان ، معناه : حجية الراجح.

(مثل مقبولة عمر بن حنظلة ، فانّها وإن) لم ترد في مسألة ترجيح خبر على

٧

وردت في الحكم.

______________________________________________________

خبر ، بالأصالة ، بل (وردت في) ترجيح (الحكم) وذلك لأنّ ابن حنظلة سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن رجلين بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى أن قال :

فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما ، واختلف فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟.

فقال : الحكم ما حكم به أعلمهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قال : فقلت : فانهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه.

قال : فقال عليه‌السلام : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا ، في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشّاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

إلى ان قال : فان كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقاة عنكم.

قال : ينظر فما وافق حكمه الكتاب والسنّة وخالف العامّة ، فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة.

قلت : جعلت فداك ، إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة ، والآخر مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ؟.

فقال : ما خالف العامة ، ففيه الرشاد.

فقلت : جعلت فداك ، فان وافقهما الخبران جميعا؟.

قال : ينظر إلى ما هم أميل اليه حكامهم وقضاتهم ، فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت : فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟.

٨

حيث يقول : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث».

وموردها وإن كان في الحاكمين ، الّا أن ملاحظة جميع الرواية تشهد بأنّ المراد بيان المرجّح للروايتين اللتين استند إليهما الحاكمان.

ومثل رواية غوالي اللئالي المروية عن العلّامة المرفوعة إلى زرارة :

______________________________________________________

قال : إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشّبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١) ، فانه (حيث يقول عليه‌السلام : الحكم ما حكم به اعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث) دال على ما ذكرنا : من حجية الخبر.

(وموردها وإن) لم يكن في تعارض الراويين والروايتين ، بل (كان في) تعارض (الحاكمين) لكن بفرض ان نفرين تعارضا ، ثم رجعا الى روايتين ، كما قال : (الّا انّ ملاحظة جميع الرّواية) من أولها الى آخرها ـ كما ذكرناها ـ (تشهد بان المراد : بيان المرجح للروايتين اللتين استند إليهما الحاكمان).

وفي هذه الرواية وان لم يذكر التساوي ، لكنّه مذكور في بعض الرّوايات الأخر.

وعلى أيّ حال : فكل من التخيير بين أحد المتساويين والأخذ بالأرجح أو الأرجح من الخبرين ، دليل على الحجّية ، لأنّه بدون الحجّية لا يكون المتساويان أو الأرجح منهما مورد العمل.

(ومثل رواية غوالي اللئالي المرويّة عن العلّامة المرفوعة الى زرارة) ومعنى الرفع الى زرارة : ان العلامة رحمة الله لم يذكر الوسائط بينه وبين زرارة ، وهذا اصطلاح في باب الروايات ـ كما لا يخفى ـ.

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٦٧ ح ١٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٣٠٢ ب ٢٢ ح ٥٢ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٨ ب ٢ ح ٣٢٣٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٠٦ ب ٩ ح ٣٣٣٣٤

٩

«قال : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نأخذ؟ قال : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر. قلت : فإنّهما معا مشهوران ، قال : خذ بأعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك».

______________________________________________________

(قال : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نأخذ؟) وقد تقدّم الفرق بين الخبر والحديث ، بانّ أحدهما في قبال الآخر إذا ذكرا معا ، وإذا اطلق أحدهما شمل الآخر.

(قال) عليه‌السلام : (خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النّادر) منهما.

(قلت : فانّهما معا مشهوران؟) ومعنى الشهرة : انّ جملة من الأصحاب عملوا بهذا الخبر ، وجملة من الأصحاب عملوا بالخبر الآخر ، أو المراد : الشهرة الرّوائية :

بأن ذكرا معا في كتب المشهور من الأصحاب.

(قال : خذ بأعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك) (١) ولفظ الحديث هكذا :

قال زرارة : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت : فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟.

قال : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النّادر.

فقلت : يا سيدي ، إنّهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟.

فقال عليه‌السلام : خذ بقول أعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك.

فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيان موثقان؟.

فقال عليه‌السلام : انظر ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه وخذ بما خالفهم.

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٦ ح ٢٢٩ ، جامع احاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧.

١٠

ومثل رواية ابن أبي الجهم عن الرضا عليه‌السلام ، قلت : يجيئنا الرّجلان ، وكلاهما ثقة ، بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيّهما الحقّ. قال : إذا لم تعلم ، فموسّع عليك بأيّهما أخذت».

ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا سمعت من

______________________________________________________

قلت : ربّما كانا معا موافقين لهم ، أو مخالفين ، فكيف أصنع؟.

فقال : إذا ، فخذ بما فيه الحائط لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط.

فقلت : إنّهما معا موافقان للاحتياط ، أو مخالفان له ، فكيف أصنع؟.

فقال ، عليه‌السلام : إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر.

(ومثل رواية ابن أبي الجهم ، عن الرضا عليه‌السلام ، قلت : يجيئنا الرّجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟) يعني : اذا كانا متعارضين.

(قال : اذا لم تعلم ، فموسّع عليك بأيّهما أخذت) (١) والحديث هكذا :

ان الحسن بن الجهم روى عن الرضا عليه‌السلام وقال : قلت له تجيئونا الأحاديث عنكم مختلفة؟.

فقال : ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا ، فان كان يشبههما ، فهو منّا ، وان لم يكن يشبههما فليس منا.

قلت : يجيئنا الرّجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيهما الحق؟. قال : فاذا لم تعلم ، فموسّع عليك بأيّهما أخذت.

(ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا سمعت من

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٢١ ب ٩ ح ٣٣٣٧٣ ، الاحتجاج : ص ٣٥٧.

١١

أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتى ترى القائم» عليه‌السلام وغيرها من الأخبار.

والظاهر : أنّ دلالتها على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصّدور واضحة.

______________________________________________________

أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك) أي : أنت مخير بين الأحاديث المختلفة إذا كان رواتها ثقاة (حتى ترى القائم عليه‌السلام) (١) والمراد بالقائم هنا : كل إمام في زمان إمامته ، هو قائم زمانه ، والمهدي عجّل الله تعالى فرجه قائم زماننا ، لأنه القائم بالإمامة بعد أبيه الامام الحسن العسكري عليه‌السلام الى اليوم ، والى يوم ظهوره ، ثم هو القائم أيضا الى يوم مماته.

(وغيرها من الأخبار) الكثيرة ، التي جمعها الوسائل والمستدرك في كتاب القضاء.

(والظاهر : انّ دلالتها على اعتبار الخبر غير المقطوع الصّدور واضحة) وذلك لأن الرّواة ، سألوا الأئمة عليهم‌السلام ، عن علاج الخبرين الظنّي الصدور ، لوضوح ان تعارض القطعيين في غاية الندرة ، فلا ينبغي لأجله هذا الاهتمام من الرّواة ، وإجابة الأئمة عليهم‌السلام بتك الأجوبة الكثيرة ، فيعلم من هذا كله : انّ حجّية الخبر ، كان عند كل من الأئمة والرّواة من الواضحات سواء كان الخبران المتعارضان متساويين حيث يؤخذ بإحداهما ، أو كان لأحدهما ترجيح على الآخر حيث يؤخذ بالأرجح منهما.

لكن المصنّف ناقش في إطلاق هذه الرّوايات ودلالتها على حجّية كل خبر ثقة محتجا بأنها ليست في مقام بيان شرائط حجية الخبر ، بل في صدد علاج

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٢٢ ب ٩ ح ٣٣٣٧٤ ، الاحتجاج : ص ٣٥٧.

١٢

إلّا أنّها لا إطلاق لها ، لأنّ السؤال عن الخبرين اللّذين فرض السائل كلّا منهما حجّة ، يتعيّن العمل بها لو لا المعارض ، كما يشهد به السؤال بلفظ «أيّ» الدالّة على السؤال عن التعيين مع العلم بالمبهم. فهو كما إذا سئل عن تعارض الشهود أو أئمّة الصلاة ، فأجاب ببيان المرجّح ،

______________________________________________________

المتعارضين من الأخبار ، ولذا قال : ـ (إلّا أنّها لا إطلاق لها) من حيث آحاد تلك الأخبار ، وإنه هل هي حجّة بالنسبة الى خبر العادل ، أو بالنسبة الى خبر الثقة ، أو غير ذلك؟ (لأنّ السّؤال) في تلك الاخبار إنّما كان (عن الخبرين اللّذين فرض السّائل) حسب تصوره ، انّ (كلا منهما حجّة ، يتعيّن العمل بها لو لا المعارض) أمّا انّه أيّ قسم من الخبر حجّة ، وأي قسم ليس بحجّة؟ فليست هذه الأخبار في صدد التعرض لها.

(كما يشهد به) أي بكون السؤال كان عن الحكم عن التعارض ، لا عن مطلق حجّية الخبر (السؤال بلفظ : «أيّ» ، الدّالة على السؤال عن التعيين مع العلم بالمبهم).

يعني : انّ هذا الراوي كان يعلم : حجّية أحد الخبرين ، أو كلا الخبرين ، لكنه كان لا يعلم : انّ الخبر حجّة او ذاك أو انهما متساويان معا في الحجّية من باب الواجب التخييري؟.

(فهو) أي السؤال في هذه الأخبار (كما إذا سئل عن تعارض الشهود) فانّ مثل هذا السؤال ، دليل على إن حجّية الشهادة مسلّمة عند السائل والمسئول ، لكنها لا تدل على انّ كل شهادة حجّة ، وإنما تدل على حجّية الشهادة في الجملة ، فلا يعرف من مثل هذه الأخبار شروط الشهادة.

(أو) كما اذا سئل عن (أئمة الصلاة) حين تعارضهم (فاجاب ببيان المرجّح)

١٣

فانّه لا يدلّ إلّا على أنّ المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض.

نعم ، رواية ابن المغيرة تدلّ على اعتبار خبر كلّ ثقة.

______________________________________________________

فان هذا السؤال والجواب ، يدل على تسالم السائل والمسئول على جواز الامامة في الجملة إما شروط الامام ، فلا دليل في مثل هذه الأخبار عليها ، كما قال :

(فانه) أي : السؤال عن الائمة في الصلاة (لا يدلّ الّا على انّ المفروض) عند السائل والمسئول (تعارض من كان منهم) أي من الائمة (مفروض القبول لو لا المعارض) امّا ان أيا من الشهود أو أيا من الأئمة مقبول شهادته وامامته ، فاللازم ان يعلم من الخارج.

(نعم ، رواية ابن المغيرة تدل على اعتبار خبر كل ثقة) ومن المعلوم : انّ الثقة أعم من العادل ، فانّه قال في ذلك الخبر : ـ «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك» (١).

وكذلك جاءت بعض الأحاديث الأخر بهذا المضمون ، مثل ما رواه الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له : تجيئونا الأحاديث عنكم مختلفة؟.

فقال : ما جاءك عنّا ، فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا ، فان كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منا.

قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحق؟

قال : فاذا لم تعلم ، فموسّع عليك بأيّهما أخذت (٢).

__________________

(١) ـ الاحتجاج : ص ٣٥٧ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٢٢ ب ٩ ح ٣٣٣٧٤.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٢١ ب ٩ ح ٣٣٣٧٣ ، الاحتجاج : ص ٣٥٧.

١٤

وبعد ملاحظة ذكر الأوثقيّة والأعدليّة في المقبولة والمرفوعة ، يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة ، بل العادل.

لكنّ الانصاف : أنّ ظاهر مساق الرّواية أنّ الغرض من العدالة حصول الوثاقة ، فيكون العبرة بها.

ومنها : ما دلّ على إرجاع آحاد الرّواة إلى آحاد أصحابهم عليهم‌السلام ،

______________________________________________________

(وبعد ملاحظة ذكر الأوثقية والأعدلية في المقبولة والمرفوعة ، يصير الحاصل من المجموع) الموجود في الأخبار العلاجيّة التي هي بصدد علاج تعارض الأخبار (اعتبار خبر الثقة ، بل العادل) لأنّ العادل أخص مطلقا ، ومقتضى القاعدة في الجمع بين العام والخاص : أن نحمل العام على الخاص.

(لكن الانصاف : انّ ظاهر مساق الرّواية ، انّ الغرض من) اعتبار (العدالة : حصول الوثاقة ، فيكون العبرة بها) أي : بالوثاقة ، فليس المكان من حمل العام على الخاص ، بل من الأخذ بالعموم ، وان المراد بالخاص أيضا العام ، خصوصا بعد ورود الرّوايات بحجّية خبر الثقة مثل : قوله عليه‌السلام : ـ «لا عذر لأحد من موالينا ، في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (١) الى غير ذلك.

(ومنها) أي : من الطوائف الدالّة على حجّية خبر الواحد من الأخبار (: ما دلّ على إرجاع آحاد الرّواة) وأفرادهم الذين كانوا يسألون الأئمة عليهم‌السلام عمن يعتمدون في الدّين؟ فكانوا يرجعونهم (الى آحاد أصحابهم) المتلمّذين على أيديهم عليهم‌السلام.

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٨ ب ٢ ح ٦١ وج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٥ ، رجال الكشي : ص ٥٣٦ وفيه (يؤديه) ، بحار الانوار : ج ٥٠ ص ٣١٨ ب ٤ ح ١٥.

١٥

بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرّواية.

مثل إرجاعه عليه‌السلام ، إلى زرارة ، بقوله عليه‌السلام : «إذا أردت حديثا ، فعليك بهذا الجالس. مشيرا إلى زرارة».

وقوله عليه‌السلام ، في رواية اخرى : «وأمّا ما رواه زرارة عن أبي عليه‌السلام ، فلا يجوز ردّه».

وقوله عليه‌السلام ، لابن أبي يعفور ـ بعد السؤال عمّن يرجع إليه إذا احتاج أو سئل عن مسألة : «فما يمنعك عن الثقفيّ؟ ـ يعني محمّد بن مسلّم ـ فإنّه

______________________________________________________

فانّ الارجاع هذا ، كان (بحيث يظهر منه : عدم الفرق بين الفتوى) من الرّاوي لمن يقلده ويتبعه (والرّواية) منه للذي يريد الاجتهاد والاستنباط ، وذلك لاطلاق هذه الرّوايات. (مثل إرجاعه عليه‌السلام) الشخص السائل (الى زرارة ، بقوله عليه‌السلام : إذا أردت حديثا ، فعليك بهذا الجالس. مشيرا إلى زرارة) (١) فانّ الامام عليه‌السلام ، أرجع السائل الى تلميذه زرارة ، ممّا يدل على حجّية الخبر الواحد الصادر عن زرارة.

(وقوله عليه‌السلام في رواية اخرى : وأما ما رواه زرارة عن أبي عليه‌السلام فلا يجوز ردّه) (٢) لأحد.

(وقوله عليه‌السلام لابن أبي يعفور ، بعد السؤال عمّن يرجع إليه إذا احتاج) الى معرفة الحكم ليعمل به (أو) احتاج الى معرفة الجواب فيما إذا (سئل عن مسألة؟) فأرجعه الامام عليه‌السلام الى أحد تلاميذه بقوله : (فما يمنعك عن الثقفيّ) المنتسب الى قبيلة ثقيف (يعني : محمّد بن مسلّم ، فانّه

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٣ ب ١١ ح ٣٣٤٣٤ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٦ ب ٢٩ ح ٥٨ ، رجال الكشي : ص ١٣٦.

(٢) ـ رجال الكشي : ص ١٣٤ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٣ ب ١١ ح ٣٣٤٣٢ وفيه عن «أبي جعفر».

١٦

سمع من أبي أحاديث ، وكان عنده وجيها».

وقوله عليه‌السلام ، فيما عن الكشّيّ لسلمة بن أبي حبيبة : «ائت أبان بن تغلب ، فإنّه قد سمع منّي حديثا كثيرا. فما روى لك عنّي فاروه عنّي».

وقوله عليه‌السلام ، لشعيب العقرقوفيّ بعد السّؤال عمّن يرجع إليه :

«عليك بالأسدي ، يعني أبا بصير».

وقوله عليه‌السلام ، لعليّ بن المسيّب ، بعد السّؤال عمّن يأخذ عنه معالم الدّين :

______________________________________________________

سمع من أبي أحاديث ، وكان عنده وجيها) (١) ، اي : حجّة.

(وقوله عليه‌السلام : فيما) كان (عن الكشيّ) وهو من العلماء الذين كتبوا كتابا في الرّجال (لسلمة بن أبي حبيبة ، ائت) أي : اذهب إذا أردت المسألة الى (أبان بن تغلب ، فانّه قد سمع منّي حديثا كثيرا ، فما روى لك عنّي فاروه عنّي) (٢) وظاهر هذه الرّواية : أنّه يجوز الرّواية عنه عليه‌السلام بدون ذكر الرّاوي.

(وقوله عليه‌السلام لشعيب العقرقوفيّ بعد السّؤال عمّن يرجع اليه؟) في مسائله ، فاجابه عليه‌السلام (: عليك بالأسدي يعني : أبا بصير) (٣) فانّه كان من قبيلة بني أسد.

(وقوله عليه‌السلام لعليّ بن المسيّب ، بعد السّؤال عمّن يأخذ عنه معالم الدّين؟) أي : أحكامه وسمي : معالم وهو جمع معلم لأنّه كما لا يضل سالك الصحراء

__________________

(١) ـ رجال الكشي : ص ١٦٢ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٤ ب ١١ ح ٣٣٤٣٨.

(٢) ـ رجال الكشي : ص ٣٣١ وفيه «عن مسلم بن أبي حيّة» ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٧ ب ١١ ح ٣٣٤٤٥.

(٣) ـ بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٩ ب ٢٩ ح ٦١ ، رجال الكشي : ص ١٧١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٢ ب ١٧ ح ٣٣٤٣٠.

١٧

«عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدّين والدّنيا».

وقوله عليه‌السلام : لمّا قال له عبد العزيز بن المهدي : «ربّما أحتاج ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة اخذ عنه معالم ديني قال : نعم».

وظاهر هذه الرّواية أنّ قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الرّاوي.

______________________________________________________

ولا سالك البحر ، أو الفضاء ، إذا كان في كل منها معالم للطريق ، كذلك لا يضل السالك في طريق الحياة إذا سار بارشاد من كان قوله حجّة ، فانّ الامام عليه‌السلام قال له : (عليك بزكريا بن آدم ، المأمون على الدّين والدّنيا) (١) فما يروي في الامور الدينية ، وكذا ما يروي في الامور الدنيوية كلاهما حجّة.

والامور الدينية : كوجوب صلاة الجمعة ، أو حرمة النبيذ ، أو استحباب السواك ، أو كراهة الأكل على الشبع ، أو ما أشبهها.

والامور الدنيوية : كذكر خواصّ المآكل والمشارب ، والملابس والمناكح ، والمساكن ، والمراكب ، وغير ذلك ممّا كثير في الرّوايات.

(وقوله عليه‌السلام لمّا قال له عبد العزيز بن المهدي : ربّما أحتاج) الى معرفة حكم من الأحكام الشرعيّة ، (ولست ألقاك في كلّ وقت أفيونس بن عبد الرّحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ قال : نعم) (٢) ممّا يدل على حجّية قول الثقة.

(وظاهر هذه الرّواية : انّ) الكبرى الكلية أي : (قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الرّاوي) وهو عبد العزيز ، كما كان مفروغا عنه عند الامام عليه‌السلام

__________________

(١) ـ رجال الكشي : ص ٥٩٥ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٥١ ب ٢٩ ح ٦٨ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٦ ب ١١ ح ٣٣٤٤٢ ، الاختصاص : ص ٨٧ ..

(٢) ـ بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٥١ ب ٢٩ ح ٦٧ ، رجال الكشّي : ص ٤٩٠ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٤٧ ب ١١ ح ٣٣٤٤٨.

١٨

فسأل عن وثاقة يونس ، ليترتّب عليه أخذ المعالم منه.

ويؤيّده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد في العمريّ وابنه اللّذين هما من النوّاب والسفراء. ففي الكافي في باب النهي عن التسمية : «عن الحميريّ عن أحمد بن إسحاق. قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، وقلت له : من أعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال عليه‌السلام له : العمريّ ثقة ، فما أدّى

______________________________________________________

(فسأل عن) الصغرى ، وهي : (وثاقة يونس ، ليترتب عليه) أي : على كون عبد الرحمن من صغريات تلك الكبرى الكلية (أخذ المعالم منه) والمراد بمعالم الدّين : أحكامه.

(ويؤيده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة) بدون الاحتياج الى العدالة (ما ورد في) حق (العمري) بفتح العين نسبة الى عمرو (وابنه اللذين هما من النواب والسفراء) الأربعة الخاصين للامام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

(ففي الكافي في باب النهي عن التسمية) أي : عن التصريح باسم الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه ، المضاهي لاسم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمشهور بين العلماء حمل مثل هذه الرّواية على الكراهة ، لوجوب الاسم في بعض الأدعية والزيارات ، كالجامعة الصغيرة ، وغيرها.

(عن الحميريّ ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : سألت أبا الحسن) الثالث : علي بن محمد النقي (عليه‌السلام ، وقلت له : من اعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟) والمراد من التعامل هنا في امور الدين.

(فقال له :) أي : قال الامام عليه‌السلام ، لأحمد بن إسحاق : (العمريّ ثقة ، فما أدّى

١٩

إليك عنّي ، فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي ، فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فانّه الثقة المأمون».

وأخبرنا أحمد بن إسحاق إنّه سأل أبا محمّد عليه‌السلام ، عن مثل ذلك ، فقال له : «العمريّ وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنهما الثقتان المأمونان ، الخبر».

وهذه الطائفة أيضا مشتركة مع الطائفة الاولى في الدلالة على اعتبار خبر الثقة المأمون.

______________________________________________________

إليك عنّي ، فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي ، فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فأنّه الثقة المأمون) (١).

والظاهر : أنّ قوله عليه‌السلام : «وما قال لك عنّي» عطف تفسير لقوله : «فما أدى إليك عنّي» وإن كان يمكن بيان بعض الفروق بينهما ، كما انّ «المأمون» عطف بيان لقوله : «الثقة».

(وأخبرنا أحمد بن إسحاق : إنّه سأل أبا محمد) الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام (عن مثل ذلك) الذي سأل عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام.

(فقال له : العمريّ وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عني ، فعني يؤديان ، وما قالا لك ، فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثّقتان المأمونان) الى آخر (الخبر) (٢) الشريف.

(وهذه الطائفة أيضا مشتركة مع الطائفة الاولى في الدلالة على اعتبار خبر الثقة المأمون) لانّ بعض هذه الطائفة من الأخبار ، وإن لم يبيّن المناط فيها باعتبار

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٣٠ ح ١.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٢٩ ح ١.

٢٠