الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

فيعتمد عليه في هذا خاصّة بحسب ما استظهر من حاله ونقله وزمانه ويصلح كلامه مؤيّدا فيما عداه مع الموافقة لكشفه عن توافق النسخ

______________________________________________________

(فيعتمد عليه) أي : على النقل (في هذا خاصّة) أي : في الأقوال ، التي يظن أو يحتمل انّه لم يصل اليها ، فيعتمد الشيخ المرتضى ـ مثلا ـ على صاحب الجواهر في نقله الاجماع ، بالنسبة الى الأقوال ، التي يظنّ الشيخ ، أو يحتمل ، انه لم يصل الى تلك الأقوال التي وصل اليها صاحب الجواهر.

وذلك (بحسب ما استظهر من حاله ، ونقله ، وزمانه) أما ظنّ الشيخ أو احتماله بحسب ما يستظهره من حال صاحب الجواهر ، فبأنّه كان متتبعا دقيقا.

وامّا بحسب نقله للاجماع : فبأنه كان في صدد بيان الخلاف ، أو بصدد بيان نظره.

واما بحسب زمانه : فبانّه كان في زمان يكثر فيه العلماء وتتوفر فيه الكتب وما أشبه ذلك مما تقدّم الكلام فيه مفصلا.

هذا ، وقد أضفنا الى هذه الثلاثة بحسب : مكانه ـ أيضا ـ كما مثلنا له بشيخ الطائفة وهو في بغداد ، او في النجف الأشرف.

(ويصلح كلامه) أي : كلام ناقل الاجماع كالجواهر (مؤيّدا فيما عداه) أي : فيما عدا ما توصل اليه الشيخ المرتضى ـ مثلا ـ بنفسه ، فانه لما حقق ودقق ، وفحص وبحث ظفر على طائفة من الأقوال والشواهد ، لا تكفي الّا بضميمة ما نقله صاحب الجواهر من الاجماع اليها ، أو يكون ما نقله صاحب الجواهر من الاجماع ، مؤيدا لما وجده الشيخ المرتضى (مع الموافقة) بين نظريهما فيكون صاحب الجواهر في دعواه الاجماع ، مؤيدا لما ظهر للشيخ المرتضى.

وذلك (لكشفه) أي : لكشف المنقول اليه (عن توافق النسخ) التي كانت عند

١٢١

وتقويته للنظر.

فاذا لوحظ جميع ما ذكر ، وعرف الموافق والمخالف إن وجد ، فليفرض المظنون منه كالمعلوم ، لثبوت حجّيته بالدليل العلميّ ولو بوسائط.

______________________________________________________

الناقل مع النسخ الموجودة عنده ، فان الشيخ المرتضى ـ مثلا ـ اذا توصل اليه الف قول ، واتفق رأيه مع رأي صاحب الجواهر في المسألة كشف ذلك عن ان نفس الكتب ، كانت أيضا موجودة عند صاحب الجواهر ، فيسبب تأييد رأيه (وتقويته للنظر) أي : لنظر المنقول اليه ، وهو الشيخ المرتضى في المثال.

(فاذا لوحظ جميع ما ذكر ، وعرف الموافق والمخالف ان وجد) أي : المخالف (فليفرض المظنون منه) أي : من هذا السبب المنقول ـ فان الاجماع سبب كاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ـ انه (كالمعلوم) ، فانه كما اذا علم الشيخ المرتضى ـ مثلا ـ بان هذا سبب ، كان عليه أن يتخذه كاشفا لقول المعصوم عليه‌السلام كذلك اذا ظن بانّ هذا الاجماع الذي نقله الجواهر سبب ، كان عليه ان يتخذه كاشفا.

وانّما يكون المظنون كالمعلوم (لثبوت حجّيته) أي : حجّية الظن المذكور (بالدليل العلميّ) فانّه لا بد إمّا من الظنون الخاصة ، بسبب قيام السيرة ونحوها على ان مثل هذا الظن حجّة ، وامّا من الظنون العامة ، بسبب دليل الانسداد.

(ولو بوسائط) فان الظن قد يكون حجة بدون واسطة ، وقد يكون حجة بواسطة ، أو وسائط ، فاذا قال عليه‌السلام ـ مثلا ـ «تعمد القبلة جهدك» (١) فيمن لا يعرف القبلة ، فقد جعل الظن بالقبلة حجّة بلا واسطة.

وقد يكون بواسطة ، كما اذا كان حجّية الظن لكونه من صغريات دليل ظنّي ، ينتهي ذلك الدليل الظني الى العلم ، كما يقال ـ مثلا ـ بانّ نقل الاجماع يوجب

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ١ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٤٦ ب ٢٣ ح ١٥.

١٢٢

ثمّ لينظر ، فان حصل من ذلك استكشاف معتبر كان حجّة ظنّية حيث كان متوقفا على النقل الغير الموجب للعلم بالسبب او كان المنكشف غير الدّليل القاطع ، وإلّا فلا ، وإذا تعدّد ناقل الاجماع أو النقل ، فان

______________________________________________________

الظن بقول المعصوم عليه‌السلام ، والظن بقوله حجّة ، لأنّه داخل في سيرة العقلاء ، حيث انهم يعملون بمثل هذه الظنون ، وسيرة العقلاء حجّة شرعا ، من جهة عدم ردع الشارع لها.

(ثم لينظر ، فان حصل من ذلك) المجموع ، من : الاجماع المنقول والقدر المحصّل (استكشاف معتبر) لقول الامام عليه‌السلام أو لدليل معتبر (كان) هذا الاستكشاف (حجّة ظنّية).

وانّما كانت حجّة ظنية لا قطعية (حيث كان متوقفا على النقل ، غير الموجب للعلم بالسبب) فانّ المنقول اليه ، لا يعلم بالسبب الكاشف لقول الامام عليه‌السلام ، لأنّ المفروض : انّ السبب حجّة ظنية بالنسبة اليه.

(أو كان المنكشف غير الدّليل القاطع) بأن كان المجموع من : الاجماع المنقول ، والذي حصله هو بنفسه يكشف عن دليل معتبر في المسألة.

و (الّا) بان لم يستكشف من المجموع لا من السبب المنقول ، ولا من الذي حصله هو بنفسه حجّة ظنية معتبرة (فلا) يكون له ذلك حجة معتبرة على قول الامام عليه‌السلام ، ولا على وجود دليل معتبر في المسألة.

(واذا تعدّد ناقل الاجماع) كما اذا نقل الاجماع السيد المرتضى ، وشيخ الطائفة ـ مثلا ـ (أو) تعدد (النقل) بأن كان الناقل واحدا ، لكنّه نقل الاجماع في مواضع عديدة كالشيخ في كتاب التهذيب ، وكتاب الخلاف ، وما أشبه ، (فان

١٢٣

توافق الجميع لوحظ كلّ مع ما علم على ما فصّل وأخذ بالحاصل ، وإن تخالف لوحظ جميع ما ذكر وأخذ فيما اختلف فيه النقل بالأرجح بحسب حال الناقل وزمانه ووجود المعاضد وعدمه

______________________________________________________

توافق الجميع) في الحكم (لوحظ كل ، مع ما علم) من حالات الناقل ، والكتاب ، والمسألة ، واللفظ ، والمتعلق ، والزمان ، والمكان ، والشواهد ، والقرائن الداخلية والخارجية ، وما أشبه (على ما فصّل) سابقا ، (وأخذ بالحاصل) منه ، وانّه ، هل يستكشف من هذا المجموع : قول الامام عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر ، أو لا يستكشف؟ فان كشف المجموع عن أحد الأمرين ، كان حجّة ، والّا فلا ، وان صلح أن يكون مؤيدا ، أو موجبا للاحتياط ، أو عدم الجرأة للفتوى على خلاف ذلك احيانا (وان تخالف) بعضه مع بعض بان نقل السيد المرتضى ـ مثلا ـ الاجماع على طرف المسألة ، والشيخ على الطرف الآخر من المسألة ، أو تخالف اجماعا الشيخ في كتابيّ من كتبه ـ كما يرى ذلك في بعض كتب القدماء ـ (لوحظ جميع ما ذكر) من : الناقل والكتاب ، والمسألة ، وغير ذلك مما تقدّم (وأخذ فيما اختلف فيه النقل ، بالأرجح) منها.

والترجيح انّما يكون (بحسب حال الناقل) انّه شديد الاحتياط في الكلام ، وانه محقق ، ومدقق ، وما أشبه ـ مما تقدّم او ليس كذلك.

(وزمانه) حيث قد عرفت : انّ بعض الأزمنة تختلف عن بعض كما انّ الأمكنة كذلك ـ على ما سبق ـ.

(ووجود المعاضد وعدمه) بأن تعدد أحد الطرفين في نقل الاجماع ، كما اذا نقل الاجماع العلامة والشهيدان على طرف من المسألة بينما الاجماع على الطرف الآخر ، لم ينقله الّا المحقق الحلي ، والى غير ذلك.

١٢٤

وقلّته وكثرته.

ثمّ ليعمل بما هو المحصّل ويحكم على تقدير حجّيته بأنّه دليل ظنّي واحد وإن توافق النقل وتعدّد الناقل.

وليس ما ذكرناه مختصّا بنقل الاجماع المتضمّن لنقل الأقوال إجمالا ، بل يجري في نقلها تفصيلا أيضا ،

______________________________________________________

(وقلته وكثرته) أي : قلة وجود المعاضد في أحد الطرفين ، وكثرة وجوده في الطرف الآخر ، أو وجود المعاضد في أحد الطرفين وعدم وجوده في الطرف الآخر.

(ثم ليعمل بما هو المحصّل) منه وانّه هل ينكشف قول الامام ، أو دليل معتبر من احد الطرفين او لا ينكشف شيء منهما أي من الطرفين؟ (و) بعدها (يحكم على تقدير حجّيته) أي حجية احد الطرفين من المسألة (بانّه دليل ظنّي واحد).

وقد عرفت : انّ الظن في مثله حجّة ، وحجّيته أمّا من جهة انه ظن خاص ، أو من جهة دليل الانسداد ، ويحكم بوحدته حتى (وان توافق النقل ، وتعدّد الناقل) فتكون الصور للمسألة اربعا : لأنّ كلا من النقل والناقل ، إما : واحد أو متعدد ، فضرب أحدهما في الآخر يوجب صورا أربع.

(و) من الواضح : انه (ليس ما ذكرناه) من الاعتماد على نقل السبب ، الكاشف عن المسبب وهو : قول الامام أو دليل معتبر (مختصا بنقل الاجماع ، المتضمّن لنقل الاقوال إجمالا) فان الاجماع عبارة عن : نقل أقوال متعددة ، لخّصها الناقل في كلمة : الاجماع ، أو الاتفاق ، أو ما أشبههما ، (بل يجري) ما ذكرناه (في نقلها) أي : نقل الأقوال (تفصيلا أيضا) فاذا نقل مفتاح الكرامة ـ مثلا ـ عن مائة عالم قولهم بالمسألة الفلانية ، فانه اجماع أيضا ، اذ لا فرق بين أن يقول :

١٢٥

وكذلك في نقل سائر الأشياء التي يبتنى عليها معرفة الأحكام ، والحكم فيما إذا وجد المنقول موافقا لما وجد او مخالفا مشترك بين الجميع ، كما هو ظاهر.

وقد اتضح بما بيّناه

______________________________________________________

انّ في المسألة اجماعا ، أو أن يقول : انّ فلانا وفلانا وفلانا الى آخره ، ذكروا هذه المسألة بهذه الصورة.

(وكذلك في نقل سائر الاشياء ، التي يبتنى عليها معرفة الاحكام) كنقل الشهرة ، ونقل عدم الخلاف ، ونقل وجود الرواية ، أو السيرة ، أو نحوها ، فقد ينقل الناقل أنّ في المسألة شهرة ، وقد يقول : انّ فلانا وفلانا وفلانا الى آخره ذكروا هذا الحكم ، مما يوجب مجموعهم الشهرة.

وكذلك بالنسبة الى سائر ما ذكرناه ، فقد يقول احدهم : انّ في المسألة رواية ـ مع انا لم نشاهد الرواية ـ.

وهكذا بالنسبة الى سائر الاشياء التي هي حجّة ، أو مؤيدة.

(و) من المعلوم : أنّ (الحكم فيما اذا وجد المنقول موافقا لما وجد ، أو مخالفا) لما وجد (مشترك بين الجميع) اذ لا فرق بين : الاجماع والشهرة والقرائن ـ فيما اذا كانت متوافقة ـ المنقول منها والمحصّل ، أو كانت متخالفة بعضها مع بعض (كما هو ظاهر).

فاذا كان المنقول والمحصّل متوافقين ، حكم بالمجموع منضما بعضها الى بعض ، واذا كان المنقول والمحصّل متخالفين ، رجح المنقول على المحصّل ، أو المحصّل على المنقول ، أو تكافئا فتساقطا ، ويكون المرجع دليلا آخر.

(وقد اتّضح بما بيّناه) من : انّ الاجماع المنقول ، انّما يكون حجّة من باب نقل

١٢٦

وجه ما جرت عليه طريقة معظم الأصحاب من عدم الاستدلال بالاجماع المنقول على وجه الاعتماد والاستقلال غالبا ، وردّه بعدم الثبوت او بوجدان الخلاف ونحوهما ، فانّه المتّجه على ما قلنا ،

______________________________________________________

السبب ، والسبب قد يكون سببا تاما برأسه ، وقد يكون سببا ناقصا ، ينظم اليه ما حصّله نفس المنقول اليه ، فيكون المجموع سببا ، وهذا (وجه ما جرت عليه طريقة معظم الأصحاب) ومنهم : الشيخ المرتضى ، في كتبه الفقهية والاصولية (من : عدم الاستدلال بالاجماع المنقول ، على وجه الاعتماد والاستقلال غالبا) ، نعم ، يذكرونه تأييدا للمطلب ، أو يذكرونه ليضمّوا اليه ما يكفي بمجموعة للحجّية والاستدلال.

(و) كذا (ردّه) وهو عطف على : «عدم الاستدلال» أي : ظهر وجه ما جرى عليه معظم الأصحاب ، من انهم اذا ذكروا بعض الاجماعات ، ردوا تلك الاجماعات (بعدم الثبوت) لوجه الاجماع في المسألة ، (أو بوجدان الخلاف) فيردون الاجماع ويذكرون : بانّه ليس باجماع ، وذلك لوجود المخالف ، أو ما أشبه مما يدل على انّ الاجماع لو كان سببا تاما ، لم يكن وجه لعدم الاستدلال بالاجماع ، أو ردّه (ونحوهما) من الامور المسبّبة لردّ الاجماع ، كقولهم : انّ الدليل ثبت على خلاف الاجماع ، فلا يعمل بالاجماع ، مما لو كان الاجماع دليلا كافيا لم يكن وجه لرده بقيام الدليل على خلافه ، بل كان اللازم : أن يوقعوا التعارض : بين الاجماع وبين الدليل الثابت على خلافه.

(فانّه) أي : ما ذكرناه : من عدم الاستدلال بالاجماع ، أو ردّه ، أو نحو ذلك ، هو (المتّجه على ما قلنا) من : أنّ الاجماع المنقول ليس حجّة بنفسه ، وانّما هو حجّة من باب نقل السبب الكاشف فقد يكون كاشفا ، وقد لا يكون كاشفا ـ وهو

١٢٧

ولا سيّما فيما شاع فيه النزاع والجدال اذ عرفت فيه الأقوال ، او كان من الفروع النادرة التي لا يستقيم فيها دعوى الاجماع ، لقلّة المتعرّض لها إلّا على بعض الوجوه التي لا يعتدّ بها ، او كان الناقل ممّن لا يعتدّ بنقله ، لمعاصرته او قصور باعه

______________________________________________________

الأكثر ـ فيحتاج الى ضم ضميمة يوجب الجمع بينها وبين الاجماع الكاشف.

(ولا سيّما) أي يتجه ما قلناه : من عدم حجّية الاجماع المنقول بنفسه (فيما شاع فيه النزاع والجدال) فان المسائل التي وقع فيها النزاع والجدال ، لا يمكن اثباتها بالاجماع المنقول (اذ عرفت فيه الأقوال) والنزاع ، ومع معرفة الأقوال والنزاع ، كيف يمكن دعوى الاجماع.

أو كيف يقبل في تلك المسألة المتنازع عليها ، والتي قد كثر فيها الأقوال قبول الاجماع دليلا على أحد أطراف المسألة.

(أو) فيما (كان من الفروع النادرة ، التي لا يستقيم فيها دعوى الاجماع ، لقلّة المتعرّض لها) فان الفروع النادرة ليست إجماعية ، فكيف يمكن الاستناد الى الاجماع فيها؟ ، (الّا على بعض الوجوه) المتقدمة : من كون دعوى الاجماع في المسائل الخلافية ، أو في الفروع النادرة ، انّما هو بسبب اعتمادهم على آية أو رواية أو أصل مجمع عليها ، وحيث يرى ناقل الاجماع : انّ هذه الصغرى من صغريات تلك الأدلة يدّعي الاجماع فيها.

لكن عرفت ـ فيما سبق ـ : انها من الوجوه (التي لا يعتدّ بها) فاذا كان شيئا من هذه الوجوه مستند حجّية الاجماع ، في الفروع النادرة ، وفي المسائل المختلف فيها ، فانه مما لا عبرة ، وقد تقدّم تفصيل الكلام بذلك سابقا.

(أو) فيما اذا (كان الناقل ممّن لا يعتدّ بنقله ، لمعاصرته ، أو قصور باعه) فانّه

١٢٨

او غيرهما ، ممّا يأتي بيانه ، فالاحتياج إليه مختصّ بقليل من المسائل بالنسبة إلى قليل من العلماء ونادر من النقلة الأفاضل» انتهى كلامه ، رفع مقامه.

______________________________________________________

لا يعتدّ بإجماعاته ، لأنّ اجماعاته ليست على الوجه الكاشف.

(أو غيرهما) أي : غير قلّة الباع والقصور من الامور الموهنة للنقل ، كمسامحة الناقل ، أو عدم احتياطه في نقل الاجماع أو نحو ذلك (ممّا يأتي بيانه) في كتاب التستري رحمه‌الله ، وان لم ينقله المصنّف هنا.

(فالاحتياج اليه) أي الى الاجماع المنقول في الاستدلال به على الحكم (مختص بقليل من المسائل) وهي المسائل التي لم تكن نادرة ، ولا محل الاختلاف كما انه لا تقبل دعوى الاجماع فيها من كل احد الّا (بالنسبة الى قليل من العلماء) الذين لهم سعة الاطلاع ، وشدة التورع والاحتياط ، كالمحقق ـ مثلا ـ (و) الّا بالنسبة الى (نادر من النقلة الافاضل) (١) المتوفرة فيهم كل شروط الوثاقة (انتهى كلامه رفع مقامه).

هذا ما أراده المصنّف من نقل كلام التستري «رحمهما‌الله تعالى» ، وحاصله : انه يرى حجية نقل الاجماع ، بالقدر الذي استند الناقل فيه الى الحسّ دون الزائد عليه.

فاذا استند الناقل في دعواه للاجماع الى قول جميع العلماء ، كان ذلك مثل انّ المنقول اليه وجد قول جميع العلماء.

وان استند الى قول جماعة من العلماء ، كان مثل ان وجد المنقول اليه قول اولئك الجماعة فقط.

__________________

(١) ـ كشف القناع : ص ٤٠٠ ـ ٤٠٥.

١٢٩

لكنّك خبير بأنّ هذه الفائدة للاجماع المنقول كالمعدومة ، لأنّ القدر الثابت من الاتفاق باخبار النّاقل المستند إلى حسّه ليس ممّا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام ، وإن كان هذا الاتفاق لو ثبت لنا أمكن أن يحصل العلم بصدور مضمونه ،

______________________________________________________

وان استندوا الى أصل أو رواية أو آية ، كان اللازم ان يرجع المنقول اليه الى ذلك الأصل ، أو تلك الآية ، أو الرواية ليرى هل يصح الاستدلال بها ام لا؟.

وبهذا أسقط التستري رحمه‌الله ، الاجماع عن الحجيّة ، وعن كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام ، اطلاقا ، وهو اشكال وارد على التستري ، واليه اشار المصنّف بقوله : (لكنّك خبير بانّ هذه الفائدة للاجماع المنقول) التي ذكرناها (كالمعدومة) فانها ليست فائدة للاجماع اطلاقا (لأنّ القدر الثابت من الاتفاق) الحاصل لنا (باخبار النّاقل ، المستند الى حسّه) وفحصه لأقوال العلماء (ليس ممّا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام) ولا كاشفا عن وجود دليل معتبر (وان كان هذا) المقدار من (الاتفاق لو ثبت لنا) بالوجدان ، بأن فحصنا نحن ، فاطلعنا على أقوال مائة من الفقهاء ـ مثلا ـ (أمكن) امكانا لا يلازم الدوام ، بل الامكان من باب الاتفاق (أن يحصل العلم بصدور مضمونه) أي مضمون الحكم من المعصوم ، او وجود دليل معتبر عليه.

مثلا : انّا لو فحصنا أقوال مائة من العلماء ، الذين هم قريبون من عصر الغيبة ، حصل لنا من باب الاتفاق ، لا من باب الدوام ، والتلازم ان مضمون هذا الحكم قد صدر من المعصوم عليه‌السلام ، او ان هناك دليل معتبر ، استند هؤلاء العلماء الى ذلك الدليل لكن اذا نقل الاجماع لنا من وجد قول مائة من العلماء ، لم يلزم أن يحصل لنا مثل هذا العلم.

١٣٠

لكن ليس علّة تامّة لذلك ، بل هو نظير اخبار عدد معيّن في كونه قد يوجب العلم بصدق خبرهم وقد لا يوجب ، وليس أيضا ممّا يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتّى بالنسبة إلينا ، لأنّ استناد كلّ بعض منهم إلى ما لا نراه دليلا ، ليس أمرا مخالفا للعادة.

______________________________________________________

والحاصل : انّ قول المائة ، الذي نقله مدّعي الاجماع ، لا يكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ، كما لا يكشف عن دليل معتبر بالنسبة الى المنقول اليه ، وان كان لو وجد المنقول اليه قول المائة بنفسه : أمكن أن يحصل له العلم باحدهما ، فان الانسان اذا فحص بنفسه ، تدرّج له الظن الى أن يحصل له العلم بذلك بخلاف ما اذا اخبره غير ، فانه لا يحصل له هذا التدرّج.

(لكن ليس) هذا القدر الثابت من الاتفاق (علّة تامّة لذلك) العلم ، فانا اذا فحصنا بأنفسنا أيضا ، ووجدنا قول المائة ، لم يكن قول المائة علّة تامة لوجود الدليل المعتبر ، او صدوره من المعصوم (بل هو نظير اخبار عدد معيّن في كونه) أي : ذلك الاخبار (قد يوجب العلم بصدق خبرهم ، وقد لا يوجب) العلم ، فاذا أخبرنا ـ مثلا ـ مائة : بموت زيد ، فانه قد يوجب لنا العلم بسبب قرائن في الكلام ، وقد لا يوجب لنا العلم لفقد تلك القرائن ، أمّا اذا أخبرنا انسان : بأنّه أخبره مائة : بموت زيد ، فانه أبعد من حصول العلم لنا بموته.

(وليس أيضا) القدر الثابت من الاتفاق (ممّا يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتى بالنسبة الينا) فانّ نقل الاجماع ـ كما مرّ ـ لا يوجب لنا كشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام ، كما لا يوجب لنا كشفا عن دليل معتبر.

وانّما لا يكشف عن دليل معتبر (لانّ استناد كل بعض منهم الى ما لا نراه دليلا ، ليس أمرا مخالفا للعادة) بل العادة قاضية : بأن هؤلاء المائة ، الذين اتفقوا على

١٣١

ألا ترى أنّه ليس من البعيد أن يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر ، بعضهم قد استند إلى دلالة الأخبار الظاهرة في ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها ، وبعضهم قد ظفر بالمعارض ولم يعمل به ، لقصور سنده ، او لكونه من الآحاد عنده أو لقصور دلالته

______________________________________________________

حكم قد استند كلا منهم الى دليل معتمد عنده ، وليس معتمدا عندنا ، كأن استند بعضهم الى آية ، وبعضهم الى رواية ، بعضهم الى اصل ، ونحن لا نرى دلالة تلك الآية ، ولا صحة سند تلك الرواية ، ولا قوة ذلك الأصل في إفادة المطلب.

ثم إنّ المصنّف ، استدل على انّ أقوال الفقهاء ليست حجّة لنا لاحتمال استناد كلّ بعض منهم الى ما لا نراه دليلا ، بقوله :

(ألا ترى : انه ليس من البعيد أن يكون القدماء القائلون) باتفاقهم (بنجاسة) ماء (البئر) بسبب وقوع النجس فيها ، حيث كان المشهور الى زمان المحقّق الحلّي ، انّ البئر تنجس بوقوع النجاسات فيها ، مما يوجب نزح دلاء معينة ، وكذا في بعض غير النجاسات ، مثل العقرب ، لكن اجماعهم ذلك ليس بحجّة عندنا ، لأنّ (بعضهم قد استند الى دلالة الأخبار الظاهرة في ذلك) أي : في النجاسة (مع عدم الظفر) منهم (بما يعارضها) مما يوجب : حمل أخبار النجاسة على الكراهة.

(وبعضهم قد ظفر بالمعارض) لتلك الاخبار الدالة على النجاسة (و) لكن (لم يعمل به) أي : بالمعارض (لقصور سنده ، أو لكونه من الآحاد عنده) أي : عند ذلك البعض ، حيث يرى المعارض قاصر السند عن المعارضة ، أو انّ المعارض من اخبار الآحاد ، وخبر الواحد ليس بحجّة عنده كما نسب ذلك الى السيد ، وابن ادريس ، وغيرهما.

(أو لقصور دلالته) أي : دلالة ذلك الخبر المعارض.

١٣٢

أو لمعارضته لأخبار النجاسة وترجيحها عليها بضرب من الترجيح ، فاذا ترجّح في نظر المجتهد المتأخّر أخبار الطّهارة فلا يضرّه اتّفاق القدماء على النّجاسة المستند إلى الامور المختلفة المذكورة.

______________________________________________________

(أو لمعارضته لأخبار النجاسة وترجيحها) أي : ترجيح أخبار النجاسة (عليها) أي : على أخبار الطهارة (بضرب من الترجيح) فانّه وان رأى الأخبار الدالة على الطهارة ، صحيحة سندا ووافية دلالة ، إلّا انّه رجّح أخبار النجاسة على أخبار الطهارة ، لأمر خارجي ، مثل : التقية ، أو ما أشبه ذلك.

وعليه : (فاذا ترجّح في نظر المجتهد المتأخّر أخبار الطهارة) كما ترجح ذلك في نظر العلّامة والمحقّق القمي ، وغيرهما بعد قرون كان الفقهاء يرون فيها النجاسة (فلا يضره) أي : هذا المجتهد المتأخر (اتفاق القدماء على النجاسة ، المستند) اتفاقهم ذلك (الى الأمور المختلفة المذكورة) التي ذكرناها : من عدم وجدان المعارض ، أو قصور سنده ، أو قصور دلالته ، أو مرجوحيته بالنسبة الى أخبار النجاسة ، أو الاشكال في جهة صدوره.

إذن : فاستناد الفقهاء المتقدمون ، المجمعون على نجاسة البئر الى بعض المستندات المعتمدة عندهم ، لا عندنا ، لم يكن مانعا عن رأي المجتهد المتاخر بالطهارة.

ومما تقدّم ظهر : انّ المصنّف يرى عدم الفائدة في نقل الاجماع اطلاقا ، لا كشفا عن قول المعصوم ، ولا كشفا عن دليل معتبر ، وانّما يستشكل المصنّف على التستري : بأنّه لما ذا فصّل في الاجماع وقال : بأنّ بعضه حجّة ، وبعضه ليس بحجّة ، بينما كان اللازم على التستري رحمه‌الله أن يقول : بأنّ الاجماع ليس بحجّة اطلاقا.

١٣٣

وبالجملة : فالانصاف ـ بعد التأمّل وترك المسامحة بابراز المظنون بصورة القطع ، كما هو متعارف محصّلي عصرنا ـ أنّ اتّفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على أمر ، كما لا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام ، كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكلّ من جهة او من جهات شتّى ،

______________________________________________________

(وبالجملة : فالانصاف بعد التأمّل وترك المسامحة بابراز المظنون بصورة القطع) أي : انّا نترك المسامحة ، فلا نجعل الشيء المضنون : انه مقطوع به (كما هو) أي : ابراز المظنون بصورة القطع (متعارف) لدى (محصّلي عصرنا) فانهم ربما حصلوا على الظن قالوا : انه مقطوع به.

فاذا أردنا أن نترك هذه المسامحة ونقول : أن المظنون مظنون وليس بمقطوع ، والمظنون ليس بحجة ، ان نقول (انّ اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على أمر) من الامور الشرعية ، ومن يمكن تحصيل فتاواهم ، ليسوا كثيرا ـ كما لا يخفى على من راجع الفقه ، فان هذا الاتفاق (كما لا يستلزم عادة موافقة الامام عليه‌السلام) وان كان يستلزم ذلك اتفاقا ، لكن الكلام ليس في الاتفاقيات النادرة ، وانّما في الامور العادية (كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكلّ) ، فانّ أمثال هذه الاجماعات ، لا تستلزم الكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ولا تستلزم الكشف عن وجود دليل معتبر ، لاحتمال استناد هؤلاء الفقهاء ، الذين اتفقوا على أمر ، الى أدلة غير تامة عند المجتهد المنقول اليه الاجماع (من جهة ، أو من جهات شتى) ، لانه ـ كما تقدّم ـ قد يكون المكشوف غير حجّة من حيث السند ، أو غير ظاهر من حيث الدلالة ، أو مبتلى بالمعارض الراجح ، او محتملا لكونه صادرا من جهة التقية او غير ذلك مما يجعل المظنون غير حجّة.

١٣٤

فلم يبق في المقام إلّا أن يحصّل المجتهد أمارات أخر من أقوال باقي العلماء وغيرها ليضيفها إلى ذلك ، فيحصّل من مجموع المحصّل له والمنقول إليه الذي فرض بحكم المحصّل من حيث وجوب العمل به تعبّدا القطع في مرحلة الظاهر باللّازم ،

______________________________________________________

وعليه : (فلم يبق في المقام) الذي ينقل فيه الاجماع (الّا أن يحصّل المجتهد) المنقول اليه (امارات أخر : من أقوال باقي العلماء ، وغيرها) من القرائن الخارجية أو الداخلية (ليضيفها) أي : يضيف المجتهد المتأخر ، تلك الأمارات الأخر ، والأقوال التي حصلها (الى ذلك) الاجماع المنقول.

(فيحصّل من مجموع المحصّل له ، والمنقول اليه ، الذي فرض) كونه (بحكم المحصّل) وانّما يكون المنقول بحكم المحصّل ، لانه اخبار عن حسّ ، فيكون كالمحصّل (من حيث وجوب العمل به تعبّدا) ، فكما انّه اذا حصل بنفسه على تلك الأقوال وجب عليه العمل تعبدا ، كذلك اذا لم يحصل هو عليها ، وانّما أخبره عادل بتحصيل ذلك فانّه يجب عليه العمل به تعبدا أيضا اذ لا فرق بين : أن يحصل الانسان بنفسه على أقوال مائة من الفقهاء ، أو أن يخبر المحقّق ـ مثلا ـ : بأنه حصل على أقوال مائة من العلماء ويذكره اجمالا بلفظ الاجماع.

فان ذلك يورث (القطع) التعبدي (في مرحلة الظاهر) وانّما كان في مرحلة الظاهر : لأنّ ما يحصّله الانسان انّما هو الحكم الظاهري ، وهو الذي يكلف به ، أمّا انّ الواقع ما هو؟ فلسنا مكلفين به ، اذ التكليف انّما هو بحسب الأدلة ، والأدلة قد تطابق الواقع ، وقد لا تطابق الواقع.

والحاصل : انّ المنقول والمحصّل ، اذا انضم بعضها الى بعض حصل القطع (باللّازم) أي : لازم الاجماع والأمارات الأخر ، التي انضمت اليه ،

١٣٥

وهو قول الامام عليه‌السلام او وجود دليل معتبر الذي هو أيضا يرجع إلى حكم الامام عليه‌السلام بهذا الحكم الظاهريّ المضمون لذلك الدليل ، لكنّه أيضا مبنيّ على كون مجموع المنقول من الأقوال والمحصّل من الأمارات ملزوما عاديّا لقول الامام عليه‌السلام ، او وجود الدليل المعتبر ، وإلّا فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصّل بأدلّة حجّية خبر الواحد ، كما عرفت سابقا.

______________________________________________________

(و) اللازم (هو : قول الامام عليه‌السلام ، أو وجود دليل معتبر الذي هو) أي : الدليل المعتبر (أيضا يرجع الى حكم الامام عليه‌السلام بهذا الحكم الظاهريّ ، المضمون لذلك الدليل).

فانّ المجموع من الاجماع ، والأمارات الأخر المنظمة اليه ، يتضمن حكم الامام عليه‌السلام ،

فيكون حجة لما ذكرنا سابقا : من أنّ مضمون الخبر الواحد وما يدلّ عليه بالمطابقة ، أو بالتضمن ، أو بالالتزام ، حجّة على من وصله ذلك والاجماع المنقول المنضم اليه سائر الامارات ، يكون بحكم الخبر الواحد.

(لكنّه) أي : كون المنقول والمحصّل حجّة (أيضا مبنيّ على كون مجموع المنقول من الاقوال ، والمحصّل من الامارات) والقرائن (ملزوما عاديّا لقول الامام عليه‌السلام ، أو وجود الدليل المعتبر) بأن يكون قول الامام أو الدليل المعتبر لازما للمجموع من المنقول والمحصّل.

(والّا) بأن لم نقل بالملازمة : بين المنقول والمحصّل ، وبين قول الامام عليه‌السلام (فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصّل ، بادلّة حجّية خبر الواحد ـ كما عرفت سابقا ـ) لأنّ دليل حجّية خبر الواحد ، انّما هو فيما اذا كان له دلالة مطابقية ، أو تضمنيّة ، أو التزامية على حكم من الأحكام دون ما اذا لم تكن الدلالة باحدى

١٣٦

ومن ذلك ظهر أنّ ما ذكره هذا البعض ليس تفصيلا في مسألة حجّيّة الاجماع المنقول ، ولا قولا بحجّيته في الجملة من حيث انّه إجماع منقول ، وإنّما يرجع محصّله إلى أنّ الحاكي للاجماع يصدّق فيما يخبره عن حسّ

______________________________________________________

الدلالات الثلاث ، وانّما كانت من المقارنات الاتفاقية.

والحاصل : انه اذا كان تلازم بين المنقول والمحصّل ، وبين قول الامام عليه‌السلام ، شمل أدلة حجية خبر الواحد المنقول والمحصّل فيكونان حجّة كالخبر الواحد ، واذا لم يكن تلازم ، فلا يشمل دليل حجّية الخبر : المنقول والمحصّل ، فلا يكونان حجة.

(ومن ذلك) الذي ذكرناه : بأنّه انّما يكون الاجماع المنقول حجّة ، اذا كان مع الانضمام ، كاشفا عاديا عن قول الامام ، أو عن دليل معتبر (ظهر ان ما ذكره هذا البعض) أي : التستري رحمه‌الله من : انّ بعض الاجماعات المنقولة حجّة وبعضه ليس بحجّة (ليس تفصيلا في مسألة حجيّة الاجماع المنقول) لما قد عرفت : من انّ مقتضى ما ذكره : انه لا حجيّة للاجماع المنقول اطلاقا.

(ولا قولا بحجّيّته) أي : الاجماع المنقول (في الجملة ، من حيث انه اجماع منقول) فانّ الاجماع المنقول على ما ذكره التستري ، ليس كاشفا ، ولا جزء كاشف ، فليس هو بحجّة مستقلة ولا جزء حجّة.

(وانّما يرجع محصّله) أي : محصل كلام التستري رحمه‌الله (الى انّ الحاكي للاجماع ، يصدّق فيما) أي : في المقدار الذي (يخبره عن حسّ) فاذا قال المحقّق ـ مثلا ـ : ان مائة من الفقهاء قالوا بهذا الشيء فانه يصدّق بهذا المقدار ، كذلك اذا قال : اجماع بهذا الشيء ، فانّ خبره مصدّق بالنسبة الى مقدار المائة فقط ، وذلك ليس بحجّة ، ولا بجزء حجّة.

١٣٧

فانّ فرض كون ما يخبره عن حسّه ملازما بنفسه ، او بضميمة أمارات أخر ، لصدور الحكم الواقعيّ او مدلول الدليل المعتبر عند الكلّ ، كانت حكايته حجّة ، لعموم أدلّة حجّية الخبر في المحسوسات ، وإلّا فلا ، وهذا يقول به كلّ من يقول بحجّية الخبر في الجملة ،

______________________________________________________

(فان فرض كون ما يخبره عن حسّه ملازما بنفسه ، أو بضميمة امارات أخر) أو أقوال أخر حصّلها المنقول اليه كالأقوال التي بعد المحقّق ـ مثلا ـ (لصدور الحكم الواقعي) عن الامام عليه‌السلام (أو) صدور الحكم الظاهري ، وهو : (مدلول الدليل المعتبر عند الكلّ ، كانت حكايته) أي : ما يحكيه ناقل الاجماع ، مما يخبره عن الحسّ (حجّة) فيما اخبر به ـ مثلا ـ من انّ مائة من العلماء قالوا بهذا الشيء وذلك (لعموم أدلّة حجّية الخبر في المحسوسات).

وهذا هو غاية ما يمكن ان يكون الاجماع المنقول حجّة فيه.

(والّا) بان لم يكن ما ينقله ناقل الاجماع ، ملازما بنفسه ، أو بضميمة امارات أخر ، لصدور الحكم الواقعي عن الامام عليه‌السلام ، أو دليل معتبر (فلا) يكون حجّة ، فانّ الخبر الواحد انّما يكون حجة اذا كان له اثر شرعي ، فاذا لم يكن له أثر شرعي ، فلا حجيّة فيه ، فاذا أخبر انسان صادق : بأنّ الجبل الفلاني ارتفاعه كذا مترا ، فانّه لا يجب تصديقه ، اذ لا يترتب على تصديقه وعدم تصديقه ، حكم شرعي ـ كما قرر في الخبر الواحد ـ.

(وهذا) أي : وجوب تصديق العادل فيما يخبره عن حس ، اذا كان بنفسه ، أو بانضمام امارات أخر ، أو اقوال أخر لازما للحكم الواقعي ، أو الحكم الظاهري (يقول به ، كلّ من يقول بحجيّة الخبر في الجملة) فلا ربط لهذا الذي ذكره التستري بحجّية الاجماع المنقول أصلا.

١٣٨

وقد اعترف بجريانه في نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول

______________________________________________________

إذن : فكلام التستري ، لا يثبت حجّية الاجماع المنقول حتى ولو في الجملة ، وانّما هو دليل على عدم حجّية الاجماع المنقول مطلقا.

وقوله : «في الجملة» يعني انّ القائلين بحجيّة الخبر الواحد ، مختلفون في خصوصيات الخبر ، الذي يكون حجّة ، وانه هل يلزم فيه العدالة؟ أو تكفي الوثاقة أو تكفي الممدوحية ، الى غير ذلك مما هو في قبال من يقول : بعدم حجّية الخبر اطلاقا (و) هذا ليس خاصا بالاجماع المنقول ، بل هو جار في الشهرة وفتاوى آحاد العلماء أيضا ، حيث انّ الخبر عن حسّ ، حجّة في مفاده اذا ترتب على ذلك حكم شرعي سواء كان الخبر عن حسّ ، اخبارا بالاجماع ، أو بالشهرة ، أو بفتاوى العلماء.

ولهذا (قد اعترف) التستري رحمه‌الله (بجريانه) أي جريان وجوب تصديق المخبر ، فيما يخبر به عن حسّ (في نقل الشهرة ، وفتاوى آحاد العلماء) وهذا ـ كما هو واضح ـ ليس دليلا على حجّية الشهرة ، وفتاوى آحاد العلماء ، كما انه ليس دليلا على حجّية الاجماع المنقول.

والحاصل : انّ التستري بكلامه هذا لم يكن مفصّلا في الاجماع ، بل كان ذاهبا الى عدم حجّية الاجماع المنقول اطلاقا ، الّا انّه أثبت ـ فقط ـ اخبار المخبر عن حسّ ، بالنسبة الى أقوال العلماء قدس‌سرهم.

(ومن جميع ما ذكرنا) في الاجماع المنقول (يظهر الكلام : في المتواتر المنقول) فان المصنّف حيث أتم الكلام في نقل الاجماع ، عرّج الى نقل التواتر وهو : انه اذا قال شيخ الطائفة ـ مثلا ـ : ثبت لديّ بأخبار متواترة : انّ

١٣٩

وأنّ نقل التواتر في خبر لا يثبت حجّيته ولو قلنا بحجّيّة خبر الواحد ، لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل باخبار جماعة تفيد العلم للسّامع

______________________________________________________

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الخراج بالضمان» (١). لم يكن هذا النقل من الشيخ ، يثبت لنا تواتر قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذلك لأنّ التواتر هو : الخبر الموجب للعلم ، وحصول العلم للشيخ بسبب الخبر المتواتر لديه ، لا يلزم اثبات تواتر الخبر عندنا أيضا ، اذ لعل الشيخ علم ذلك بسبب اخبار عشرة أشخاص ، بحيث لو أخبرنا اولئك العشرة ، لم يحصل لنا العلم ، فلا تلازم بين كون الخبر متواترا عند الشيخ ، وبين كونه متواترا عندنا أيضا.

نعم ، انّا نصدّق الشيخ فيما حصل لديه من الخبر المتواتر ، لكن لا تلازم بين التواتر عنده والتواتر عندنا ، فالتواتر المنقول كالاجماع المنقول في عدم اثباتهما للمنقول اليه علما ولا عملا.

كما (و) ظهر (ان نقل التواتر في خبر ، لا يثبت حجّيته) أي : حجّية ذلك الخبر ، فاذا قال الشيخ : أنّه ورد خبر متواتر بكذا لم يثبت ذلك لنا (ولو قلنا بحجّية خبر الواحد) ، لأنّ خبر الواحد الحجّة ، عبارة عن : الاخبار عن الامام بدون واسطة ، او بواسطة ، بينما نقل التواتر ليس اخبارا عن الامام اطلاقا ، بل هو اخبار عن جماعة حصل للناقل بسببهم العلم ، وبحصول العلم للناقل صار عنده متواترا ، وحصول العلم له لا يلازم حصول العلم للمنقول اليه فلا يكون متواترا عنده.

وذلك (لأنّ التواتر صفة في الخبر ، تحصل باخبار جماعة تفيد العلم للسّامع)

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ١ ص ٢١٩ ح ٨٩.

١٤٠