الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

وأمّا فيما يحتاج إلى قصد الاطاعة ،

______________________________________________________

الذي ذكرناه من الشبهة الموضوعية ، علما بان ميزان الشبهة الموضوعية هو : ما يحتاج لمعرفته الى استطراق باب العرف ، فاذا أردنا ان نعرف أيّ الماءين مطلق ، وايهما مضاف؟ يلزم ان نسأل العرف ، اما الشبهة الحكمية ـ وميزانها مراجعة الشرع واستطراق بابه لمعرفتها ـ فمثل ان لا نعلم هل الشارع حكم بنجاسة بول الحمار ، او بول الهرة؟ وقد بال الحمار على ثوب ، والهرة على ثوب آخر ، فانا اذا غسلناهما كان امتثالا اجماليا ، فانه جائز وان امكن مراجعة الفقيه ، حتى نعلم الحكم تفصيلا.

(واما فيما يحتاج) سقوط التكليف فيه (الى قصد الاطاعة) والقربة ، وهو المسمّى في الاصطلاح : بالتعبدي ، من «عبّد».

هذا وان كان التوصلي ايضا تعبديا بالمعنى اللغوي ، إلّا ان التوصلي انّما هو امر عقلي للوصول الى هدف يعرفه العقل ، فانه حتى لو لم يكن شرع الزم به العقل في الجملة ، كجميع ابواب المعاملات ، وابواب الطهارة والنجاسة ، والمعاشرات : كحقوق الجيران ، والاولاد ، والآباء ، والاقرباء ، والاصدقاء ، والفرقاء ، وغيرها ، من الحقوق ، مما ذكروه في الآداب ، وقد جمعنا جملة منها في كتاب : «الآداب والسنن» (١).

بينما لو لم يكن الشرع ، لم يكن التعبديات امثال الصلاة ، والصوم ، والحج ، والاعتكاف ، والوضوء ، والغسل ، والتيمم ، وما اشبه ذلك.

نعم ، لا شك في ان العقل كان يدرك الخضوع للمنعم في الجملة لكن لا على

__________________

(١) ـ انظر موسوعة الفقه : ج ٩٤ ـ ٩٧ للشارح.

٢٢١

فالظاهر أيضا تحقق الاطاعة إذا قصد الاتيان بشيئين يقطع بكون أحدهما المأمور به.

ودعوى : «أنّ العلم بكون المأتيّ به مقرّبا معتبر حين الاتيان به

______________________________________________________

التفصيل ، وقد ذكرنا بعض البحث في ذلك في كتاب «عبادات الاسلام» (١).

وعليه : (فالظاهر) في التعبديات (أيضا) جواز الاحتياط حتى مع التمكن من العلم التفصيلي ل (تحقق الاطاعة) والامتثال بالجمع بين المحتملين ، كصلاتي الظهر والجمعة فيمن شك ايهما الواجب ، وكالصلاة الى اربعة جوانب فيمن لم يعلم جهة القبلة ، مع امكان الاول من مراجعة المجتهد ، ليعرف هل الجمعة واجبة او الظهر؟ ومراجعة الثاني الى البوصلة او اهل الخبرة ، ليخبروه بجهة القبلة ، ف (اذا قصد الاتيان بشيئين) مثلا ، أو ثلاثة اشياء ، او اكثر ، وهو (يقطع بكون احدهما) أو احدها (المأمور به) الذي يريده المولى على نحو الطاعة والقربة فانه يتحقق به الطاعة.

(و) في قبال رأينا هذا بجواز الامتثال الاجمالي حتى في التعبديات ، وحتى فيما اذا تمكن المكلف من تحصيل العلم التفصيلي بالتكليف ، رأي من لا يرى الجواز مطلقا ورأي من لا يرى الجواز في صورة تمكنه من العلم التفصيلي ، وانّما اجاز الامتثال الاجمالي فيما لا يتمكن من تحصيل العلم بالتكليف ، او بخصوص الموضوع الذي تعلق به التكليف.

وذلك ل (دعوى : ان العلم بكون المأتي به مقربا ، معتبر حين الاتيان به) ، اي بالشيء المأمور به كالصلة ، سواء في اشتباه القبلة ، او في اشتباه ان الواجب :

__________________

(١) ـ وهو كتاب من الحجم المتوسط يبحث عن فروع الدين وفلسفتها ، طبع في لبنان والكويت وترجم الى الفارسية باسم «فروع الدين» وطبع في مدينة قم المقدسة.

٢٢٢

ولا يكفي العلم بعده باتيانه» ، ممنوعة ، إذ لا شاهد لها بعد تحقق الاطاعة بغير ذلك أيضا ، فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيليّ باداء العبادات العمل بالاحتياط وترك تحصيل العلم التفصيليّ.

______________________________________________________

الظهر او الجمعة (ولا يكفي العلم بعده) اي بعد الاتيان باطراف العلم الاجمالي (باتيانه) اي باتيان المأمور به ، وذلك لان الانسان اذا صلّى الى اربع جهات في اشتباه القبلة ، أو صلّى الجمعة والظهر ، بعد تمام الصلوات يعلم بأنه امتثل.

لكن هذا العلم اللاحق عند من لا يكتفي بالامتثال الاجمالي ، لا ينفع في اسقاط التكليف لأنه يرى لزوم العلم حين الاتيان ، كأن يعلم ان واجبه الظهر فيأتي به ، او واجبه الصلاة الى طرف خاص فيأتي بها غير أن هذه الدعوى (ممنوعة).

فانه من اين يعتبر العلم بالامتثال حال الاتيان؟ (اذ لا شاهد لها) اي لهذه الدعوى ، من عقل أو نقل (بعد تحقق الطاعة) عند العقلاء (بغير ذلك) الذي ادعوه من العلم بالطاعة حين الاتيان بها (أيضا).

وعلى ما ذكرناه : من عدم شاهد لكلام هؤلاء (فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلي بأداء العبادات) المشروطة بالقربة (العمل بالاحتياط) بالجمع بين المحتملات (وترك تحصيل العلم التفصيلي) مقدمة للعمل.

ثم ان الاشكال في الاحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي من وجوه :

الاول : انه لا بد في الطاعة من التمييز حين العمل ، ولا تمييز في العلم الاجمالي ، لانه لا يعلم هل ان هذا واجب او ذاك؟ والى آخر ما ذكروه من هذه الجهة في المفصلات.

الثاني : اعتبار قصد الوجه في الطاعة ، فمن لا يعلم ان الظهر واجبة او الجمعة ، لا يتمكن ان يقصد الوجوب حين اتيان هذه او تلك ، لانه لا يعلم حين الاتيان

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ان ما يأتي به واجب.

ولا يخفى : ان التمييز يكون بين امرين ، بينما الوجه يمكن ان يكون في امر واحد ، فمن علم مثلا : بفضل غسل الجمعة لكنه لا يعلم انه واجب او مستحب ، فهو فاقد للوجه دون التمييز ، لأن العمل واحد ، وليس اثنين حتى يكون فاقدا للتمييز.

الثالث : ان الاحتياط خلاف الطريق المألوف من العقلاء في كيفية الطاعة.

الرابع : احتمال المحذور في التكرار ، او في الاتيان بالزائد ـ عند الشك في الاقل والاكثر فيما احتاط باتيان الزائد ـ والمحذور يلازم الضرر ، ودفع الضرر المحتمل واجب بحكم العقل اذا كان ضررا كثيرا والضرر هنا لو كان فهو كثير ، لانه عقاب الآخرة.

الخامس : التكرار والاتيان بالزائد موجب لاضاعة الوقت ، وفي الحديث :

«إنّ الانسان يسأل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟» (١).

ونفس السؤال مما يحذر منه ، وقد ورد في الحديث ايضا :

«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» (٢).

لا يقال : قال عليه‌السلام : «في حلالها حساب» (٣) إذن فالحساب لا بد منه.

__________________

(١) ـ الفصول المهمة : ص ١٠٩ ، مجمع الزوائد : ج ١٠ ص ١٤٦ ، ينابيع المودّة : ص ١١٣ ، المناقب للخوارزمي : ص ٥٣ ـ ٥٦ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ص ١١٩ ح ١٥٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج ١ ص ٤٢ ، بحار الانوار : ج ٧ ص ٢٦١ ب ١١ ح ١١ وج ٧٧ ص ١٦٢ ب ٧ ح ١ ، مجموعة ورام : ج ١ ص ٢٩٧ ، أمالي الطوسي : ص ٥٩٣ ح ١ المجلس ٢٦.

(٢) ـ الكافي (روضة) : ج ٨ ص ١٤٣ ب ٨ ح ١٠٨ ، مجموعة ورام : ج ١ ص ٢٣٥.

(٣) ـ الكافي (أصول) : ج ٢ ص ٤٥٩ ح ٢٣ ، كفاية الاثر : ص ٢٢٧ ، بحار الانوار : ج ٤٤ ص ١٣٩ ب ٢٢ ح ٦.

٢٢٤

لكنّ الظاهر ـ كما هو المحكيّ عن بعض ـ ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة ، بل الظاهر المحكيّ عن الحليّ ، في مسألة الصلاة في الثوبين ، عدم جواز التكرار للاحتياط

______________________________________________________

لانه يقال : اقله لا بد منه ، لا الاكثر منه.

السادس : ان تحصيل العلم بالاصول والفروع واجب ، ومن صغرياته العلم بالطاعات وهو مناف لبقاء الجهل ، ولو الجهل الاجمالي.

السابع : ان الاحتياط ، يلزم منه اللعب بامر المولى ، وهو مذموم عقلا وشرعا.

الثامن : ان الاتيان بما علم تفصيلا معلوم الكفاية ، اما الاتيان بما علم اجمالا فمشكوكها ، والعاقل لا يترك المعلوم الى المشكوك في الامور الخطيرة.

التاسع : ان الوجه والتمييز لو كانا معتبرين ، كانا شرطا لتحقق الطاعة ، فعند الشك في الشرطية يجب الاحتياط عقلا ، لان الاشتغال اليقيني بحاجة الى البراءة اليقينية ، وهي لا تتحقق إلّا بالاتيان بالمعلوم تفصيلا.

العاشر : ما ذكر من الاجماع في المسألة ، وقد أشار الشيخ قدس‌سره الى بعضها ، وحيث ان محل التفصيل المفصلات ، اعرضنا عن الجواب عن الادلة المذكورة. وكيف كان : فقد أشار المصنّف الى العاشر بقوله : (لكن الظاهر) اي ما يظهر من كلماتهم (ـ كما هو المحكي عن بعض ـ ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط اذا توقف) الاحتياط (على تكرار العبادة) لا ما اذا كان الاحتياط في الاتيان بالازيد ، كما اذا شك في ان جلسة الاستراحة واجبة ام لا ، فانه لا اتفاق في المنع عنه ، وان كان يأتي فيه بعض الادلة السابقة لهم.

(بل الظاهر المحكي عن الحلّي في مسألة الصلاة في الثوبين) اللذين احدهما نجس ، ولا يعلم بانه ايّهما؟ (: عدم جواز التكرار للاحتياط) اي من جهة

٢٢٥

حتى مع عدم التمكّن من العلم التفصيليّ ، وإن كان ما ذكره من التعميم ممنوعا.

وحينئذ : فلا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم بالماء المطلق او بجهة القبلة او في ثوب طاهر

______________________________________________________

الاحتياط (حتى مع عدم التمكن من العلم التفصيلي) فكيف بما اذا تمكن من العلم بالتفصيلي؟.

ولا يخفى : انه قد وقع الخلاف في هذه المسألة بين الحلّي قدس‌سره حيث يقول :

يصلي عاريا ، وبين غيره حيث يقولون : يصلي صلاتين فيهما.

اما اذا كان احدهما مغصوبا ، فلا كلام في انه لا يجوز الصلاة فيهما مع امكان تحصيل العلم ، اما بدون امكان تحصيل العلم فلا يستبعد جواز الصلاة في احدهما ، لان حقه لا يسقط بسبب حق الغير ، فان احد الثوبين حقه والثاني حق الغير ، وكما لا يسقط حق الغير بسبب حق هذا ، كذلك لا يسقط حق هذا بسبب حق الغير ، على تفصيل في الكلام موضعه الفقه.

هذا (وان كان ما ذكره من التعميم) لصورة عدم امكان تحصيل العلم التفصيلي (ممنوعا) في الثوبين اللذين احدهما نجس ـ لما ذكروه : من ان فقد الوصف اولى من فقد الاصل.

(وحينئذ) اي حين كان الاحتياط غير جائز ، على قول هؤلاء ـ وهم خلاف المشهور ، المجوزين للاحتياط ـ (فلا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم بالماء المطلق) فيمن كان له ماءان : احدهما مطلق ، والآخر مضاف (او بجهة القبلة) هل هي امامه او خلفه ـ مثلا ـ؟ (او في ثوب طاهر) فيمن له ثوبان احدهما طاهر ،

٢٢٦

أن يتوضّأ وضوءين يقطع بوقوع أحدهما بالماء المطلق او يصلّي إلى جهتين يقطع بكون أحدهما القبلة او في ثوبين يقطع بطهارة أحدهما.

لكنّ الظاهر من صاحب المدارك قدس‌سره ، التأمّل بل ترجيح الجواز في المسألة الأخيرة ،

______________________________________________________

والآخر نجس (ان يتوضأ وضوءين يقطع بوقوع احدهما بالماء المطلق).

ومثله : الغسل بهما ، او التيمم في اشتباه التراب بغير التراب ، وكذا الناذر للصوم ، يشتبه انه نذر يوم الخميس ، او الجمعة ، والناذر للحج في انه نذر هذا العام او العام الآتي (او يصلي الى جهتين يقطع بكون احدهما القبلة) وهكذا الحال لو كانت الاطراف اكثر من اثنين في كل الموارد المذكورة وغيرها ـ كما تقدّم الالماع اليه ـ (أو في ثوبين يقطع بطهارة احدهما) ونجاسة الآخر.

أما لو كان العلم الاجمالي في المكلف ، لا في المكلف به ، كما اذا وهب مال لزيد او عمرو ، بحيث يستطيع الموهوب له للحج ، ولم يعلم ان ايهما الموهوب له ، فهل يجب الحج على كليهما احتياطا ، او على احدهما مخيرا ، او بالقرعة ، او لا يجب؟.

احتمالات اربعة :

من ادلة الاحتياط ، فالاحتياط.

ومن انه لا ترجيح ، فالتخيير.

ومن ان القرعة لكل امر مشكل ، فالقرعة.

ومن استصحاب كل واحد منهما عدم الوجوب ، فالبراءة ، وتفصيل الكلام في الفقه.

(لكن الظاهر من صاحب المدارك قدس‌سره التأمّل) في عدم جواز الاحتياط (بل ترجيح الجواز في المسألة الاخيرة) وهي مسألة الثوبين اللذين احدهما نجس ،

٢٢٧

ولعلّه متأمّل في الكلّ ، إذ لا خصوصيّة للمسألة الأخيرة.

وأمّا إذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار ، كما إذا اتي بالصلاة مع جميع ما يحتمل أن يكون جزءا ، فالظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع ووجوب تحصيل اليقين التفصيليّ ، لكن لا يبعد ذهاب المشهور الى ذلك ،

______________________________________________________

فانه قال بجواز الصلاة فيهما من باب الاحتياط (ولعله متأمّل في الكل) : الماء المشتبه ، والقبلة ، وغيرها ، حيث يجوّزها جميعا ، فتأمّل في الاشكال (اذ لا خصوصية للمسألة الاخيرة) فان ملاكها جار في غيرها ايضا.

اما اذا اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس ، ففي الرواية : «يهريقهما ويتيمّم» (١).

ولعله لاجل ان لا يبتلي بالنجاسة اذا توضأ بهما ، لو صلّى ـ مثلا ـ بكل وضوء صلاة ، وغسل مواضع الوضوء بالماء الثاني ، حيث يعلم حينئذ بانه صلّى بالطهارة المائية قطعا ، وكذا اذا اغتسل بهما ، وتفصيل الكلام في الفقه.

هذا كله في ما اذا توقف الاحتياط على التكرار في العبادة (واما اذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار) بل كان الامر دائرا بين الزيادة والنقيصة (كما اذا أتي بالصلاة مع جميع ما يحتمل ان يكون جزءا) للاختلاف في بعضها هل يكون جزءا واجبا ام لا؟ كالاستعاذة ، والسورة ، وجلسة الاستراحة ، ونحوها (فالظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع) عن هذا الاحتياط.

(و) كذا عدم (وجوب تحصيل اليقين التفصيلي) في المشكوك جزئيته ، بانه جزء فيأتي به ، او ليس بجزء فلا يأتي به ، لان كل تلك الادلة المتقدمة لا تجري هنا ، وان كان بعضها جار ايضا.

(لكن لا يبعد) من ظاهر كلامهم (ذهاب المشهور) ايضا (الى ذلك) المنع ،

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٤٩ ب ١ ح ٢٤ ، الاستبصار : ج ١ ص ٢١ ب ١٠ ح ٣.

٢٢٨

بل ظاهر كلام السيّد الرضيّ رحمه‌الله ، في مسألة الجاهل بوجوب القصر وظاهر تقرير أخيه السيّد المرتضى رحمه‌الله ، له ثبوت الاجماع على بطلان صلاة من لا يعلم أحكامها.

______________________________________________________

فلازم تحصيل العلم التفصيلي بانه جزء فيؤتى به ، او ليس بجزء فلا يؤتى به.

(بل ظاهر كلام السيد الرضي قدس‌سره في مسألة الجاهل بوجوب القصر ، وظاهر تقرير اخيه) أي امضاء (السيد المرتضى قدس‌سره له) أي لكلام الرضي قدس‌سره ب (ثبوت الاجماع على بطلان صلاة من لا يعلم احكامها) فقد نقل عن الرضي قدس‌سره انه اعترض على اخيه المرتضى قدس‌سره حيث حكم بصحة صلاة من اتم في السفر جهلا بالحكم لا جهلا منه بالموضوع ـ فان الجهل بالموضوع معناه : انه لا يعلم حصول السفر ، ولذا يصلّي تماما والجهل بالحكم معناه : انه يعلم السفر ، لكن لا يعلم بان حكم المسافر القصر ، بأنا معاشر الشيعة ، اجمعنا على بطلان صلاة الجاهل بالاحكام ، فكيف تقول ايها المرتضى بصحة صلاة الجاهل المتمم في السفر؟.

واجاب المرتضى قدس‌سره بجواز تغير حكم الله بالجهل ، ومعنى تغير الحكم بالجهل : ان يكون الواجب في الواقع على المسافر الجاهل : التمام ، وعلى العالم : القصر ، فان هذا الجواب دليل على تقرير المرتضى قدس‌سره الاجماع الذي ادعاه الرضي قدس‌سره ، وإلّا كان للمرتضى قدس‌سره ان يجيب : بانه لا اجماع في المسألة فعدم رده للاجماع دليل على تقريره.

وانّما قلنا : الظاهر عدم ثبوت اجماع في المسألة مع اجماع الرضي قدس‌سره وتقرير المرتضى قدس‌سره له ، لان كثيرا من الفقهاء لا يوافقونهما في وجود هذا الاجماع ، فهو اجماع منقول متيقن خلافه.

٢٢٩

هذا كلّه في تقديم العلم التفصيليّ على الاجمالي.

وهل يلحق بالعلم التفصيليّ الظنّ التفصيليّ المعتبر ، فيقدّم على العلم الاجماليّ ام لا؟.

______________________________________________________

(هذا كله في تقديم العلم التفصيلي على) العلم (الاجمالي) مع امكان العلم التفصيلي (و) اذا قلنا بتقديم العلم التفصيلي على العلم الاجمالي ف (هل يلحق بالعلم التفصيلي ، الظن التفصيلي المعتبر) فيما اذا لم يتعلق العلم بالحكم ، بل تعلق الظن المعتبر ، كالخبر الواحد الجامع للشرائط؟ فهل يجب العمل على طبق الظن التفصيلي؟ او يجوز الاحتياط بالعلم الاجمالي (فيقدم) الظن التفصيلي (على العلم الاجمالي ام لا؟).

مثلا : لو قامت الامارة على وجوب الظهر ـ بدون ان نقطع بذلك ـ فهل يجوز لنا ان نحتاط بالظهر والجمعة ، ام اللازم العمل بالامارة فقط ، لانه مع قيام الحجة لا يجوز الاحتياط؟ ونحن مقدمة لهذا البحث نقول : ان الظن على قسمين : الاول : الظن الخاص ، الذي قام على اعتباره الدليل الخاص ، مثل : الخبر الواحد ، وما اشبه.

الثاني : الظن العام ، الذي قام على اعتباره دليل الانسداد ، اي ان باب العلم والعلمي منسدّ الى الاحكام ، فاللازم علينا ان نعمل بالظن من اي شيء حصل ، ولو بالمنام ـ ولا يخفى ان صاحب القوانين القائل بالانسداد يشير الى حجية المنام في الجملة (١) ـ وعليه : فالاول : يسمّى بالظن الخاص ، والثاني يسمّى بالظن المطلق ، كما ان المراد بالظن : الظن النوعي ، لا ظن كل شخص شخص.

__________________

(١) ـ راجع كتاب القوانين المحكمة : بحث ايقاظ ، حيث ذكر : فالاعتماد مشكل سيما اذا خالف الاحكام الشرعية الواصلة الينا مع ان ترك الاعتماد مطلقا حتى فيما لو لم يخالفه شيء أيضا مشكل.

٢٣٠

التحقيق أن يقال : إنّ الظنّ المذكور إن كان ممّا لم يثبت اعتباره إلّا من جهة «دليل الانسداد» المعروف بين المتأخّرين ، لاثبات حجيّة الظنّ المطلق ، فلا اشكال في جواز ترك تحصيله والأخذ بالاحتياط إذا لم يتوقف

______________________________________________________

اذا عرفت هذا قلنا : (التحقيق) في المسألة (ان يقال : ان الظن المذكور) وهو الظن بالحكم (ان كان مما) اي من الظن المطلق الذي (لم يثبت اعتباره الّا من جهة دليل الانسداد المعروف بين المتأخرين) المتوقف على اربع مقدمات وهي :

الاولى : انا نعلم اجمالا بثبوت تكاليف فعلية.

الثانية : ان باب العلم والعلمي الى تلك الاحكام منسد.

الثالثة : ان الامر حينئذ دائر بين الاحتياط ، أو تقليد مجتهد آخر ، او العمل بالقرعة ، أو العمل بالاصول ، مثل الاستصحاب ، والبراءة وما اشبه ، والكل فيه محذور.

الرابعة : لم يبق لنا إلّا ان نعمل بالظن ، او الشك او الوهم ، وحيث ان ترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، والشك والوهم مرجوحان بالنسبة الى الظن الذي هو راجح فلم يبق إلّا الظن ، عليه فاللازم : العمل بالظن من اي شيء حصل.

وعلى هذا : فان جماعة من المتأخرين تمسكوا بدليل الانسداد (لاثبات حجية الظن المطلق) وذلك ايّ ظن كان فاذا تمكن من حصوله ومن الاحتياط (فلا اشكال في جواز ترك تحصيله) اي الظن المطلق (والاخذ بالاحتياط) كما اذا علم : بانه يجب عليه الصلاة مع السورة ، او بدونهما ، وتمكن من تحصيل الظن الانسدادي باحدهما فانه لا يلزم عليه تحصيل ذلك الظن ، بل يكفي له ان يصلي «احتياطا» مع السورة ، وذلك فيما (اذا لم يتوقف) الاحتياط فيه

٢٣١

على التكرار.

والعجب ممّن يعمل بالامارات من باب الظنّ المطلق ، ثمّ يذهب إلى عدم صحّة عبادة تارك طريقيّ الاجتهاد والتقليد والأخذ بالاحتياط ،

______________________________________________________

(على التكرار) كالمثال الذي ذكرناه ، لا ما اذا توقف ، كالعلم الاجمالي بانه يجب عليه الظهر او الجمعة ، لان تقديم الاحتياط على الظن الانسدادي حينئذ محل اشكال ـ كما سيأتي وجه هذا الاشكال بعد اسطر.

(والعجب ممن) اي من المحقق القمي قدس‌سره حيث (يعمل بالامارات من باب الظن المطلق) الانسدادي ، لا من باب الظن الخاص (ثم يذهب الى عدم صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ، والأخذ بالاحتياط) فيقدم الظن المطلق على الاحتياط بالعلم الاجمالي ، مع ان مقتضى الانسداد : جواز العمل بالظن عن اجتهاد او تقليد ، لا وجوبه وعدم كفاية الاخذ بالاحتياط.

ثم لا يخفى : ان العمل بالاحتياط على نحوين :

الاول : الاحتياط الاجتهادي ، بمعنى ان المجتهد يرفع يده عما وقع عليه اجتهاده ، ويحتاط بالجمع بين مقتضى اجتهاده ، ومقتضى طرف اجتهاده ، فاذا اجتهد واستظهر ان الواجب في يوم الجمعة صلاة الظهر ، يحتاط بالجمع بين الجمعة والظهر.

الثاني : الاحتياط التقليدي ، فاذا كان هناك مجتهدان كان للمكلف أن لا يقلد احدهما ، بل يجمع بين رأييهما في تكرار العبادة ـ مثلا ـ.

هذا حال تكرار العبادة ، وكذلك حال الاتيان بالزائد المشكوك فيه ، كالاستعاذة ـ على ما تقدّم ـ.

٢٣٢

ولعلّ الشبهة من جهة اعتبار قصد الوجه.

ولإبطال هذه الشبهة وإثبات صحّة عبادة المحتاط محلّ آخر.

وأمّا إذا توقّف الاحتياط على التكرار ، ففي جواز الأخذ به وترك تحصيل الظنّ بتعيين المكلّف به او عدم الجواز

______________________________________________________

(ولعل الشبهة) في عدم صحة الأخذ بالاحتياط ، وترك طريقي الاجتهاد والتقليد ، هي (من جهة اعتبار) المحقق القمي قدس‌سره (قصد الوجه) والتمييز ، فان مع الاحتياط لا يتأتّى هذا القصد ، بخلاف ما اذا عمل بالظن الانسدادي.

(ولا بطال هذه الشبهة) وهي لزوم قصد الوجه والتمييز (واثبات صحة عبادة المحتاط محل آخر) لعله يأتي في آخر بحث البراءة والاشتغال ، ونحن نشير الى وجه البطلان استطرادا ونقول : انه لا دليل على اعتبار الوجه والتمييز عقلا ولا نقلا ، فالقول به ضعيف ، ولعل وجه شبهة المحقق القمي قدس‌سره لبعض الوجوه الأخر ، التي ذكرناها قبلا الى عشرة اوجه.

هذا كله في كون الشك في الزيادة وعدمها ، كما اذا شك في ان جلسة الاستراحة جزء من الصلاة ام لا.

(واما اذا توقف الاحتياط على التكرار) كاتيان الظهر والجمعة ، او صلاتين في ثوبين احدهما نجس ، والى غير ذلك من الامثلة المتقدمة.

(ففي جواز الاخذ به) اي بالاحتياط (وترك تحصيل الظن) بان لا يجتهد المجتهد ، حتى يصل الى الظن النوعي ، او لا يعمل بالظن الذي وصل اجتهاده اليه وذلك (بتعيين المكلف به) متعلق «الباء» ب «الظن» و «به» عبارة عن الشيء الواجب ، لان العبد يكلف به.

(او عدم الجواز) للاخذ بالاحتياط ، فيما يتوقف على التكرار ، بمعنى وجوب

٢٣٣

وجهان :

من أنّ العمل بالظن المطلق لم يثبت إلّا جوازه وعدم وجوب تقديم الاحتياط عليه أمّا تقديمه على الاحتياط فلم يدل عليه دليل.

ومن أنّ الظاهر أنّ تكرار العبادة احتياطا في الشبهة الحكميّة مع ثبوت الطريق إلى الحكم الشرعيّ ، ولو كان هو الظنّ

______________________________________________________

الاخذ بالظن (وجهان).

وجه الجواز ما ذكره بقوله : (من ان العمل بالظن المطلق) الانسدادي (لم يثبت الّا جوازه) لا وجوبه فانه اذا تمت مقدمات الانسداد ، افادت عدم وجوب الاحتياط لا عدم جوازه (و) كذا أفادت (عدم وجوب تقديم الاحتياط عليه) أي على الظن (اما تقديمه) أي الظن (على الاحتياط) بان يكون اللازم العمل بالظن الانسدادي دون العمل بالاحتياط (فلم يدل عليه دليل) الانسداد ، لما عرفت من انه حيث لم يجب العمل بالاحتياط ، يجوز العمل بالظن المطلق ، فاذا اراد ان يعمل بالاحتياط لم يكن به بأس.

(و) وجه تقديم الظن على الاحتياط ما ذكره بقوله : (من ان الظاهر) من سيرة المتشرعة (ان تكرار العبادة احتياطا ، في الشبهة الحكمية) وقد تقدّم الفرق بين الشبهة الحكمية وبين الشبهة الموضوعية.

وانّما قيّد الشبهة بالحكمية ، لان الشبهة الموضوعية لم يقل احد بالانسداد فيها ، وذلك لأنّ طريق تعيين المشكوك وهو العرف مفتوح ، فلا انسداد لباب العلم والعلمي فيها حتى يتنزل الى الظن الانسدادي (مع ثبوت) تحصيل (الطريق الى الحكم الشرعي ، ولو كان) ، ذلك الطريق الى الحكم (هو الظن

٢٣٤

المطلق خلاف السيرة ، المستمرّة بين العلماء مع أنّ جواز العمل بالظنّ اجماعيّ ، فيكفي في عدم جواز الاحتياط بالتكرار احتمال عدم جوازه واعتبار الاعتقاد التفصيليّ في الامتثال.

والحاصل : أنّ الأمر دائر بين تحصيل الاعتقاد التفصيليّ

______________________________________________________

المطلق) الانسدادي فانه (خلاف السيرة المستمرة بين العلماء) ، فان سيرتهم على الاحتياط اذا لم يكن لهم طريق اصلا ، واذا كان ظن انسدادي كان لهم طريق ، فلا تصل النوبة الى الاحتياط.

وقد ذكرنا سابقا وجه حجية السيرة : من انها كاشفة عن السنّة الممضاة من قبلهم عليهم‌السلام.

هذا اولا (مع ان) هناك وجها آخر في عدم جواز الاحتياط ما دام الظن الانسدادي موجودا ، وهو : ان (جواز العمل بالظن) الانسدادي حال وجوده (اجماعي) وجواز تكرار العبادة اختلافي ، فالاحتياط يكون في الأخذ بالاجماعي ، وترك الاختلافي.

وعليه : (فيكفي في عدم جواز) العمل ب (الاحتياط بالتكرار) للعبادة (احتمال عدم جوازه) حيث عرفت انه اختلافي (و) يلزم (اعتبار) أي : بان نعتبر في الاطاعة حصول (الاعتقاد التفصيلي) أي الجزم بالعمل بالظن الانسدادي (في) ما اذا اراد (الامتثال) فاللازم الاخذ بالظن المتيقن الكفاية ، وترك الاحتياط المشكوك الكفاية.

ولا يخفى : ان هذا المبحث من صغريات دوران الامر بين التعيين والتخيير.

(والحاصل) من احتمالي العمل بالاحتياط ، او بالظن المطلق هو : (ان الامر) في باب الامتثال حال الانسداد (دائر بين تحصيل الاعتقاد التفصيلي) بالاطاعة

٢٣٥

ولو كان ظنّا وبين تحصيل العلم بتحقّق الاطاعة ولو إجمالا ، فمع قطع النظر عن الدليل الخارجيّ يكون الثاني مقدّما على الأوّل في مقام الاطاعة ، بحكم العقل والعقلاء ، لكن بعد العلم بجواز الأوّل والشكّ في جواز الثاني في الشرعيّات من جهة منع جماعة من الأصحاب عن ذلك

______________________________________________________

(ولو كان ظنا) انسداديا (وبين) الاحتياط بالجمع بين الاحتمالين مما يوجب (تحصيل العلم بتحقق الاطاعة ولو) كان التحقق (اجمالا) لانه بعد التكرار يعلم بانه أتى بالمكلف به.

(فمع قطع النظر عن الدليل الخارجي) مثل ما تقدّم : من ان الاحتياط خلاف السيرة ، او خلاف اعتبار الوجه والتمييز ، او غير ذلك ، بل النظر الى الامرين في نفسهما (يكون الثاني) وهو العمل بالاحتياط والتكرار ، الموجب للقطع باتيان المكلف به (مقدما على الاول) الذي هو الظن الانسدادي (في مقام الاطاعة) للمولى (بحكم العقل والعقلاء) لان في الاحتياط احراز الواقع.

والفرق بين العقل والعقلاء : ان العقل يرى حسن ذلك ، والعقلاء جعلوا ذلك طريقا الى امتثال المولى ، اذ من الممكن ان يكون شيء حسنا في نفسه ، ومع ذلك العقلاء لا يبنون عليه ، حيث يجدون فيه محذورا.

(لكن بعد) وجود الدليل الخارجي : من كون الاحتياط خلاف السيرة : انه خلاف الوجه والتمييز ، يحصل لنا (العلم بجواز الاول) وهو العمل بالظن الانسدادي ـ اذا تمت مقدماته ـ (والشك في جواز الثاني) وهو الاحتياط (في الشرعيات) ذات القربة ، وان صحت في العرفيات ، كالتوصليات وذلك (من جهة منع جماعة من الاصحاب عن ذلك) الاحتياط ، مع امكان العمل بالظن

٢٣٦

وإطلاقهم اعتبار نيّة الوجه ، فالأحوط ترك ذلك وإن لم يكن واجبا ، لأنّ نيّة الوجه لو قلنا باعتباره فلا نسلّمه إلّا مع العلم بالوجه او الظنّ الخاصّ ، لا الظنّ المطلق الذي لم يثبت القائل به جوازه ، إلّا بعدم وجوب الاحتياط لا بعدم جوازه ،

______________________________________________________

(واطلاقهم اعتبار نية الوجه) اذا أمكن ، ومع وجود الظن يمكن ذلك.

الى سائر الوجوه المتقدمة في وجه المنع عن الاحتياط.

وعليه : (فالاحوط ترك ذلك) التكرار ، والرجوع الى الظن الانسدادي (وان لم يكن) ترك الاحتياط عندنا (واجبا) لأنا نجعل ترك الاحتياط ، من باب الاحتياط.

وانّما نقول : بأن الاحتياط ليس بواجب (لان) ادلة الاحتياط مخدوشة ، فان (نية الوجه ـ لو قلنا باعتباره ف) ليس اعتبارها مطلقا اذ(لا نسلمه) اي لا نسلم اعتباره (الّا مع) امكان (العلم بالوجه او الظن الخاص) كخبر الواحد ومع امكان احدهما (لا) تصل النوبة الى (الظن المطلق) الانسدادي ، فلا يكون مقدما على الاحتياط (الذي لم يثبت القائل به) اي بالظن المطلق (جوازه) مفعول «لم يثبت» من باب الافعال اي جواز العمل بالظن المطلق (الّا بعدم وجوب الاحتياط ، لا بعدم جوازه) اي : جواز الاحتياط فانه لو كان من مقدمات الانسداد عدم جواز الاحتياط ، كان الظن المطلق مقدما على الاحتياط ، اما لو كان من مقدمات الانسداد عدم وجوب الاحتياط ، فلا مانع من ان يعمل الانسدادي بالاحتياط ، او بالظن المطلق.

ولا يخفى : ان الاحتياط على ثلاثة اقسام :

الاول : الاحتياط الواجب ، كما اذا تردد التكليف بين امرين لا محذور في الاتيان بهما.

٢٣٧

فكيف يعقل تقديمه على الاحتياط.

وأمّا لو كان الظنّ ممّا ثبت اعتباره بالخصوص ، فالظاهر أنّ تقديمه على الاحتياط إذا لم يتوقف على التكرار مبنيّ على اعتبار قصد الوجه ، وحيث قد رجّحنا في مقامه عدم اعتبار نيّة

______________________________________________________

الثاني : الاحتياط المحرّم ، بأن كان الاحتياط ضارا ضررا بالغا ، كما اذا اوجب الاحتياط بالغسل ، والتيمم بدله ـ فيما يتردد الامر بينهما ـ اعماه مثلا او موته.

الثالث : الاحتياط الجائز بأن كان الاحتياط موجبا لضرر يسير يجوز تحمله ، كما يجوز عدم تحمله ، فان المكلف مخيّر في ان يعمل بالاحتياط او لا.

وعلى ايّ حال : (ف) اذا جاز الاحتياط (كيف يعقل تقديمه) اي الظن الانسدادي (على الاحتياط؟) تقديما لا يجوز خلافه ، فان جواز الاحتياط وعدمه يوجب تخيير المكلف بين العمل بالاحتياط ، او بالظن الانسدادي.

نعم ، تقدّم ان الأحوط ـ في هذه الصورة ـ ترك الاحتياط.

(واما لو كان الظن مما ثبت اعتباره بالخصوص) ـ لا بدليل الانسداد ـ كخبر العادل ، والشهرة ، وفتوى الفقيه والاجماع وغير ذلك (فالظاهر ان تقديمه) اي تقديم الظن الخاص (على الاحتياط) لازم فلا يجوز العمل بالاحتياط وترك خبر العادل ـ مثلا فيما (اذا لم يتوقف على التكرار) كجلسة الاستراحة في الصلاة اذا شك في انها جزء ام لا؟ فيقدم الظن بانها ليست جزءا على الاحتياط بالاتيان بها في اثناء الصلاة ، وكذلك كل ما يشك فيه بين الاقل والاكثر.

وهذا التقديم (مبني على اعتبار قصد الوجه) والتمييز ، فان قلنا باعتبارهما قدم الظن ، وإلّا جاز الاحتياط.

(وحيث قد رجحنا في مقامه) في بحث التعبدي (عدم اعتبار) التمييز و (نية

٢٣٨

الوجه ، فالأقوى جواز ترك تحصيل الظنّ والأخذ بالاحتياط ، ومن هنا يترجّح القول بصحّة عبادة المقلّد إذا أخذ بالاحتياط وترك التقليد ، إلّا انّه خلاف الاحتياط من جهة وجود القول بالمنع من جماعة.

______________________________________________________

الوجه) اذ لا دليل شرعا او عقلا على اي منهما (فالاقوى جواز ترك تحصيل الظن) الخاص لو فرض وجوده ، وعدم لزوم الاخذ به (و) جواز (الاخذ بالاحتياط) فيكون الظن الخاص غير مقدم على الاحتياط في دوران الامر بين الاقل والاكثر.

(ومن هنا) حيث ان الاحتياط في عرض الظن الخاص (يترجح القول بصحة عبادة المقلد) الذي ليس بمجتهد ممن يجب عليه الرجوع الى المجتهد (اذا أخذ بالاحتياط وترك التقليد).

وعليه : فالطريق امام المكلف اما الاجتهاد ، او التقليد ، او الاحتياط.

والاحتياط تارة في الاجتهاد ، وتارة في التقليد ، فان كل ذلك مؤمّن من العقاب عقلا وشرعا ، اما عقلا فواضح ، واما شرعا فلاطلاق ادلة الاحتياط ، مثل قوله عليه‌السلام : «احتط لدينك بما شئت» (١).

نعم ، يلزم ان لا يصل الى الوسوسة ، وان لا يكون هناك محذور خارجي ، كما اشرنا اليه سابقا (إلّا انه) اي ترك طريق الاجتهاد والتقليد والاخذ بالاحتياط في اعماله ، (خلاف الاحتياط) وذلك (من جهة وجود القول بالمنع من جماعة) من الفقهاء ، فان منعهم قد يورث الشك في العمل بالاحتياط ، اما الاخذ بالظن والعمل به ، فلا اشكال من احد فيه.

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٦٧ ب ١٢ ح ٣٣٥٠٩ ، الامالي للمفيد : ص ٢٨٣ ، الامالي للطوسي : ص ١١٠ ح ١٦٨.

٢٣٩

وإن توقّف الاحتياط على التكرار ، فالظاهر أيضا جواز التكرار بل أولويّته على الأخذ بالظنّ الخاصّ ، لما تقدّم من أن تحصيل الواقع بطريق العلم ولو اجمالا أولى من تحصيل الاعتقاد الظني به ولو كان تفصيلا.

وأدلّة الظنون الخاصّة إنّما دلّت على كفايتها عن الواقع ، لا تعيّن العمل بها في مقام الامتثال ،

______________________________________________________

هذا تمام الكلام فيما اذا كان الاحتياط بالاتيان بالاكثر ، لكن ربما يكون الاحتياط في الاتيان بالاقل ، كما اذا شك في ان الشيء الفلاني مانع ، او قاطع ، مثل البكاء بدون الصوت في الصلاة ، او امتلاء النفس بالضحك ثم الضحك خارجا فقد ابطل الصلاة بهما بعض ، ولم يبطلها بهما بعض آخر ، ففي مثل ذلك لا يأتي الكلام المذكور ، اذ بتركهما لم يترك شيئا وجوديا حتى يقال انه فاقد الوجه أو التمييز.

وعلى ايّ حال : فهذا تمام الكلام لقوله «اذا لم يتوقف على التكرار».

(وان توقف الاحتياط على التكرار) كصلاتي الجمعة والظهر ، او في ثوبين احدهما طاهر (فالظاهر ايضا جواز التكرار) بان يحتاط بهما (بل اولويته) اي الاحتياط (على الأخذ بالظن الخاص) أي الطن النوعي الحاصل من الأخبار ونحوها (لما تقدّم من ان تحصيل الواقع بطريق العلم ولو) علما (اجمالا) بالاثباتين ، او النفيين ، او بالاختلاف فانه (اولى من تحصيل الاعتقاد الظني به) اي بالواقع (ولو كان) ذلك الظن ظنا (تفصيلا) بالواقع.

(و) لا يقال : ادلة الظنون الخاصة دالة على وجوب العمل بها.

لانه يقال : (ادلة الظنون الخاصة انّما دلت على كفايتها عن الواقع لا) على (تعيّن العمل بها) اي بتلك الظنون (في مقام الامتثال) فهو كما اذا قال المولى :

٢٤٠