الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

وكالالتزام باباحة موضوع كلّيّ مردّدة أمره بين الوجوب والتحريم ، مع عدم كون احدهما المعيّن تعبّديّا يعتبر فيه قصد الامتثال ،

______________________________________________________

وانّما قال : مع اتحاد زماني الوجوب والحرمة ، لان في مثل هذه الحالة لا يمكن المخالفة عملا ، بخلاف ما اذا كان مختلف الزمان ، كما اذا علم بالوجوب في اوّل الشهر ، او الحرمة في آخره ، فانّه اذا التزم بالاباحة امكن المخالفة عملا ، بان يترك الوطي في اوّل الشهر ويطأ في آخره ، فانّ الالتزام ـ في هذا المثال ـ بخلاف الحكم المعلوم اجمالا «من الوجوب او الحرمة» ينجرّ الى المخالفة العمليّة.

(و) ايضا (كالالتزام باباحة موضوع كلّي) كالزواج ـ مثلا ـ (مردّد امره) اي امر ذلك الكلّي (بين الوجوب والتحريم) بأن حلف امّا على الترك أو على الفعل ، وجاء بهذا المثال الافادة انّه لا فرق في ما ذكره بين الجزئي والكلّي ، فلو التزم بالاباحة في ايّ منهما ، لم ينجرّ الى العمل ، لانّه لا يخلو من الفعل او الترك ، سواء التزم بالاباحة او لا (مع عدم كون احدهما المعيّن تعبديّا).

وقد تقدّم انّ التعبّدي في الاصطلاح : ما (يعتبر فيه قصد الامتثال) سواء كان كلاهما غير تعبدي ـ بان كانا توصليين ، بلا فرق بين الجزئي او الكلّي ـ او كان احدهما تعبّديا ، لكنّه غير معيّن انّ ايّهما تعبّدي كما اذا نذر فعل الوطي او الترك قربة الى الله ـ لما فيه من الصلاح لدينه ـ فصار احدهما بنذره تعبّديّا ، لكنّه لا يعلم انّ ايّا من الفعل او الترك تعبّدي.

امّا اذا كان احدهما المعيّن تعبّديا ، كما لو نذر ان يطأ تعبّديّا قربة ، او يترك توصليّا ، فالتزم بالاباحة ، فانّ التزامه حينئذ ينجرّ الى العمل ، فانّه اذا وطأ توصليّا يكون قد ترك كلا الامرين : اي الوطي التعبدي ، واللاوطي التوصلي ، فيكون

٢٨١

فانّ المخالفة في المثالين ليس من حيث العمل ، لأنّه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب والترك الموافق للحرمة ، فلا قطع بالمخالفة إلّا من حيث الالتزام باباحة الفعل.

______________________________________________________

التزامه الاباحة منجرا الى العمل بينما الكلام في انّه هل يجوز الالتزام بالاباحة فيما لم ينجرّ الى العمل؟ (فان المخالفة في المثالين) الجزئي والكلّي (ليس من حيث العمل) الخارجي ، لانّه سواء التزم بالاباحة او لم يلتزم لا يخلو امّا من الفعل او الترك ، فالالتزام لم ينجرّ الى العمل (لانّه) عملا (لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب) الذي هو احد المحتملين (والترك الموافق للحرمة) الذي هو المحتمل الآخر (فلا قطع بالمخالفة ، الّا من حيث الالتزام باباحة الفعل) اي انّه التزم باباحة الفعل مع انّه امّا واجب او حرام.

ثمّ انّه لو كان كلّ من الفعل والترك تعبّديا امكن المخالفة العمليّة ، فلو حلف ـ مثلا ـ بان يطأ قربة ، او يترك قربة ، ثمّ وطأ بدون القربة او ترك الوطي بدون القربة علم بانّه خالف ، لانّه ان كان واجبا قربة ، لم يفعله وان كان حراما قربة ، لم يتركه بقصد القربة ، ومنه يعلم انّ الاقسام ثلاثة :

الاول : كون كليهما تعبديّا.

الثاني : كون كليهما توصليّا.

الثالث : كون احدهما تعبّديا والآخر توصليّا ، وهذا الثالث قد يكون معلوما انّ ايهما تعبّدي وايّهما توصّلي ، وقد يكون مجهولا ، وانّما يعلم اجمالا بانّ احدهما تعبدي.

هذا تمام الكلام من حيث الالتزام ، وهو الامر الاول.

٢٨٢

الثاني : مخالفته من حيث العمل ، كترك الأمرين اللذين يعلم بوجوب أحدهما ، وارتكاب فعلين يعلم بحرمة احدهما فانّ المخالفة هنا من حيث العمل.

وبعد ذلك ، فنقول : أمّا المخالفة الغير العمليّة ، فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعيّة والحكميّة معا ،

______________________________________________________

(الثاني : مخالفته) اي مخالفة الحكم (من حيث العمل كترك الامرين اللذين يعلم بوجوب احدهما) بأن يترك الظهر والجمعة في التعبدي ، ويترك مواقعة زوجتيه في التوصلي (وارتكاب فعلين يعلم بحرمة احدهما) كأن يشرب اناءين يعلم بنجاسة احدهما ، ويأتي بفعل وترك يعلم منع احدهما ، كما اذا علم انّه يجب عليه امّا ترك التتن او فعل الوطي لزوجته ، فاستعمل التتن وترك الوطي (فانّ المخالفة هنا) في الامثلة الثلاثة (من حيث العمل) لا من حيث الالتزام.

(وبعد ذلك) الذي تبيّن من انّ المخالفة قد تكون التزاميّة وقد تكون عمليّة (فنقول : امّا المخالفة الغير العمليّة) ، ولا يخفى ان «غير» لا يدخل عليه اللام ، لانّه متوغل في الابهام ، قال سبحانه : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(١) ، (فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعيّة) المرتبطة بموضوعات الاحكام (والحكميّة) المرتبطة بالاحكام (معا).

وانّما كان الظاهر الجواز ، لانّه لا دليل على وجوب الالتزام ، فاذا التزم في قلبه بأنّ زوجته حرام عليه ، أو بأنّ شرب الماء الذي هو مباح واجب عليه ، لم يكن عليه شيء ، ولو شكّ في وجوب الالتزام بالاحكام ، كان الاصل العدم ، فاذا كان في غير الشبهة كذلك ، كان في الشبهة بطريق اولى.

__________________

(١) ـ سورة الفاتحة : الآية ٧.

٢٨٣

سواء كان الاشتباه والترديد بين حكمين ، لموضوع واحد ، كالمثالين المتقدّمين ، او بين حكمين لموضوعين ، كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضّأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول.

______________________________________________________

وان شئت قلت : المقتضي لشمول ادلّة البراءة موجود والمانع مفقود ، اذ العلم الاجمالي لا يكون مانعا ـ بطريق اولى ـ بعد ان لم يكن العلم التفصيلي مانعا.

لا يقال : الالتزام باحكام الله سبحانه لازم.

لانّه يقال : الالتزام من حيث هو مقدّمة للعمل لازم ، امّا اذا كان عدم الالتزام ، او التزام العدم ، لا ينجرّ الى المخالفة العمليّة فلا ، فهل يقول احد : بأنّ الالتزام القلبيّ على انّ الماء مباح ، او الخمر حرام ، بدون اظهار او عمل على خلاف احكام الله سبحانه لازم.

وعليه : فالمخالفة الالتزاميّة جائزة (سواء كان الاشتباه والترديد بين حكمين لموضوع واحد ، كالمثالين المتقدّمين) اي الموضوع الشخصي المردّد ، كالمرأة المردّدة بين وجوب الوطي او حرمتها ، او الموضوع الكلّي ـ على ما ذكرهما المصنّف ـ ومثّلنا للثاني : بانّه حلف امّا على ترك الزواج او فعله (او بين حكمين لموضوعين كطهارة البدن) لاستصحاب الطهارة (وبقاء الحدث) لاستصحاب الحدث (لمن توضأ ـ غفلة ـ بمائع مردّد بين الماء والبول) فانّه ان كان ماء ، كان بدنه طاهرا وكان متطهرا من الحدث ، وان كان بولا كان بدنه نجسا وكان محدثا ، فالتفكيك بينهما تفكيك بين المتلازمين ، لكن قد يجري ذلك في الشرع والعقل.

ففي الشرع : كما اذا اوصى بشيء ، وكان الشاهد عليه امرأة واحدة ، فربع الوصية وان شهدت امرأتان فالنصف ، وفي الثلاث ثلاثة ارباع ، وفي الاربع الكلّ ، مع انّه فيما عدا الصورة الاخيرة ، امّا له كلّ الوصيّة او لا شيء له.

٢٨٤

أما في الشبهة الموضوعيّة ، فلأنّ الأصل في الشبهة الموضوعيّة إنّما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين ، فيقال : الأصل عدم تعلّق الحلف بوطي هذه

______________________________________________________

وفي العقل : كما في موارد القواعد العقلائيّة من التنصيف بين المتداعيين وغير ذلك.

على اي حال ، فالقول : بانّ بدنه طاهر ولا وضوء له ، مخالفة التزاميّة ، لانّ الالتزام بالامرين معا مخالفة للواقع قطعا ، لكنّه ليس بمخالفة عمليّة ، فانّه سواء صلّى بذلك الوضوء او لم يصلّ ، لم يعلم بأنّه خالف عملا ، اذ لو صلّى بذلك الوضوء ، احتمل الصحّة من جهة احتماله انّ الماء كان طاهرا ، وان لم يصلّ به بل صلّى بوضوء آخر ، او لم يصلّ اصلا ، لانّه توضأ لصلاة النافلة ، او لأن يكون متطهرا ـ حيث استحباب الطهارة الدائمة ـ او ما اشبه ذلك ، لم يكن علم بالمخالفة العمليّة.

وانّما قال : غفلة ، لانّه اذا علم بانّ المائع مردد بين الماء والبول ، لم يأتي منه قصد القربة ، الّا من باب الرجاء كما يأتي منه في التوضي بإناءين مشتبهين.

(امّا) دليل جواز المخالفة الالتزامية (في الشبهة الموضوعية ، فلان الاصل) العدمي (في الشبهة الموضوعية انّما يخرج مجراه) أي متعلق التكليف ، كالمرأة المشكوكة في كونها محلوفة الوطي او محلوفة الترك (عن موضوع التكليفين) فاذا علم بانه اما قد حلف على وطيها ، او حلف على ترك وطيها ، فلا يستصحب عدم الحلف ، حتى يكون منافيا للعلم الاجمالي بالحلف ، بل يستصحب بقائها على حالتها السابقة.

(فيقال) حينئذ(: الاصل عدم تعلق الحلف بوطي هذه) المرأة

٢٨٥

وعدم تعلّق الحلف بترك وطيها ، فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمي التحريم والوجوب ، فيحكم بالاباحة لأجل الخروج عن موضوع الوجوب والحرمة ،

______________________________________________________

(و) الاصل ايضا (عدم تعلق الحلف بترك وطيها) لان كونها محلوفة الوطي او الترك مسبوقان بالعدم فيستصحب العدم (فتخرج) هذه (المرأة بذلك) الاصل في الطرفين (عن موضوع حكمي التحريم والوجوب).

لا يقال : كيف يجري الأصلان والحال انا نعلم بأنهما امّا محلوفة الوطي أو محلوفة الترك؟.

لانه يقال : هذا تابع لشمول دليل الاصل لهما ، فانه ربما يقال : دليل الاصل لا يشملهما ، لانه يوجب التناقض في اطراف الدليل ، وربما يقال : انه لا يشملهما ، لانه لا فائدة للاصل بعد كونه اما فاعل او تارك سواء أجرى الاصل ام لا ، وربما يقال : بانه لا يشملهما لان الاصلين مناقضين للعلم الاجمالي ، بل للعلم التفصيلي بانها محلوفة في الجملة.

وكيف كان : فان قلنا بالشمول لانه لا يوجب المخالفة العملية ، والمحذور انّما هو : في لزوم الاصلين مخالفة عملية ، فانه يجري الاصلان.

فان قلت ما فائدة مثل هذا الاصل؟.

قلت : ان الفائدة عدم لزوم الالتزام.

والحاصل : ان الشارع قال : لا حاجة إلى الالتزام ـ بعد عدم امكان المخالفة العملية ـ فتأمل.

وعليه : (فيحكم) على تلك المرأة (بالاباحة) وطيا وتركا (لاجل الخروج) أي خروجها بسبب جريان الاصلين (عن موضوع الوجوب) لوطيها (والحرمة)

٢٨٦

لا لأجل طرحهما ، وكذا الكلام في الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردّد ،

______________________________________________________

لوطيها (لا لاجل طرحهما) أي طرح الوجوب والحرمة ، فلا نقول : الاصل عدم الوجوب ، وعدم الحرمة ، بل نقول : الاصل كونها محلوفة الوطي ، او محلوفة الترك ، فاذا خرجت عن موضوع الحكمين ، فلا يشملها الخطابان ، أي واجب عليك الوطي ، او حرام عليك الوطي.

وهذا مثل قول العقلاء في شيء متنازع عليه بين نفرين ولا دليل لاحدهما : ان الاصل عدم كونه كله لهذا كما ان الاصل عدم كونه كله لذاك ، فيقسم بينهما مع العلم انه لاحدهما ، فالاصلان في عمل العقلاء لاجل التقسيم العملي ، والاصلان في المرأة لاجل عدم الالتزام القلبي.

(وكذا الكلام في الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردد) بين الطاهر والنجس ، فان الشارع قد حكم بطهارة بدن المتوضي ونجاسة ما لاقى نجسا ، فعند الشك في المانع ، نقول : الاصل عدم ملاقاة هذا البدن للنجس ، كما ان الاصل عدم كون روحه روح المتوضي ، فاذا خرج بدنه وروحه عن موضوعي المتنجس الظاهري والطهارة المعنوية ، فلا يحكم بالتنجس ولا برفع الحدث ، فيستصحب بقاء طهارة البدن وبقاء حدث الروح ، ولا تستصحب الطهارة والحدث بنفسهما ، بل يجري الاصل في موضوعهما.

ولا يخفى ان هناك اربعة اشياء : البدن ، والروح ، والنفس ، والعقل.

فالبدن : هذا الهيكل الظاهر.

والنفس : ما في داخل البدن مما قد يخرج وقد يبقى كما في الميّت والحي.

والروح : ما يسبب اتصال البدن والنفس ، كما في حال الحياة.

٢٨٧

وأمّا الشبهة الحكميّة ، فلأن الاصول الجارية فيها وإن لم يخرج مجراها

______________________________________________________

والعقل : ما يهدي البدن والنفس إلى المصالح وينهى عن المفاسد.

ومثال ذلك ، السيارة ، فالهيكل : هو البدن ، والماكنة : هي النفس ، والبنزين ، هو الروح ، والسائق : هو العقل ، والمثال تقريبي ـ كما لا يخفى ـ.

وربما يطلق الروح على النفس ، ويطلق النفس على الروح ، والدليل على انهما اثنان ـ دليلين ـ وذلك ان القرآن الكريم اذا ذكر النفس جعلها بين امرين ، قال سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)(١).

واذا ذكر الروح مدحه مطلقا ، قال سبحانه : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ...)(٢).

(واما) دليل جواز المخالفة الالتزامية في (الشبهة الحكمية) كما اذا شك في ان الشارع هل اوجب اخراج الذباب من الحلق ـ اذا كان صائما ودخل ذباب حلقه في حال الصلاة ـ حتى لا يبطل صومه ، او حرّمه حتى لا تبطل صلاته ،؟ فان الاصل الجاري بعدم الوجوب وعدم الحرمة ، ينافي نفس الحكم أي الوجوب او الحرمة المحتملين ، لا ان الاصل كما في الشبهة الموضوعية يخرج مجرى الحكمين ، إلّا انه لا بأس باجراء اصل عدم الحكمين ـ هنا ـ لانه لا يلزم منه مخالفة عمليّة ، اذ الانسان اما يخرج الذباب او لا يخرج ، سواء اجرى الاصل او لا ، فلا يلزم من اجراء الاصل مخالفة عملية ، حتى يقال : لا يجري الاصل لانه يخالف العمل.

والحاصل : انه لا دليل على حرمة المخالفة الالتزامية لا في الموضوعات ولا في الاحكام ، بل الاصل في كليهما مع المخالفة الالتزامية ، اما في الشبهة الموضوعية فقد عرفت وجهه ، واما في الشبهة الحكمية : (فلأن الاصول الجارية فيها) أي في الشبهة الحكمية (وان لم يخرج مجراها) أي مجرى تلك الاصول

__________________

(١) ـ سورة الشمس : الآيات ٧ ـ ٨.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ٨٥.

٢٨٨

عن موضوع الحكم الواقعي ، بل كانت منافية لنفس الحكم ، كأصالة الاباحة مع العلم بالوجوب او الحرمة ، فانّ الاصول في هذه منافية ، لنفس الحكم الواقعيّ المعلوم إجمالا ، لا مخرجة عن موضوعه ،

______________________________________________________

(عن موضوع الحكم الواقعي) كحكم وجوب اخراج الذباب من الحلق او حرمة اخراجه ، فان الاخراج وعدم الاخراج لا يسقطان عن كونهما إخراجا او غير إخراج ، بخلاف المرأة المحلوفة الوطي او الترك ، حيث انها تخرج عن كونها محلوفة الفعل او الترك بسبب الاصل.

وان شئت قلت : «المرأة» كلي «والمرأة المحلوفة» صنف منه ، وقد اخرجنا «المرأة المحلوفة» عن كلي المرأة بسبب الاصل ، وليس المقام كذلك ، فان «وجوب الاخراج» ليس فوقه كلي يخرج «هذا الوجوب» عنه (بل كانت) الاصول ، كأصل عدم وجوب الإخراج او وجوب الإخراج (منافية لنفس الحكم) اذ الحكم وجوب الاخراج ، او حرمة الاخراج فالمقام (كاصالة الاباحة مع العلم) اجمالا (بالوجوب او الحرمة ، فان) اصل الاباحة كما انه ينافي الوجوب او الحرمة ، للتناقض بينهما كذلك (الاصول في هذه) الشبهة الحكمية ، أي اصل حرمة الاخراج او اصل وجوب الاخراج (منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم اجمالا) كما ذكرناه.

(لا) ان الاصل هنا ـ في الشبهة الحكمية ـ كالشبهة الموضوعية ، حتى تكون الاصول فيها (مخرجة) لمجرى تلك الاصول (عن موضوعه) أي موضوع الحكم ، فان الاصل قد ينتج اسقاط الموضوع كما في الشبهة الموضوعية ، وقد ينتج اسقاط الحكم ، كما في الشبهة الحكمية ، فالاصل في الاول ليس مناقضا للحكم ، بينما الاصل في الثاني مناقض للحكم ، والأصل المناقض ـ سواء للحكم

٢٨٩

إلّا أنّ الحكم الواقعيّ المعلوم إجمالا لا يترتّب عليه أثر ، إلّا وجوب الاطاعة وحرمة المعصية ، والمفروض أنّه لا يلزم من اعمال الاصول مخالفة عمليّة له لتحقيق المعصية ، ووجوب الالتزام بالحكم الواقعيّ مع قطع النظر

______________________________________________________

التفصيلي او للحكم الاجمالي ـ لا يجري ، اذ لا يعقل ان المولى يناقض نفسه بنفسه ، بان يقول : الشيء الفلاني جائز ، ويقول : نفس ذلك الشيء واجب او حرام.

(الّا ان) ذلك لا يمنع من اجراء الاصلين في الحكم : اصل عدم الوجوب ، واصل عدم الحرمة ، لان (الحكم الواقعي المعلوم اجمالا لا يترتب عليه اثر ، الّا وجوب الاطاعة وحرمة المعصية).

فاذا حكم المولى بحكم ، وقال مثلا : ان نفقة الزوجة واجبة ، فلهذا الحكم اثر واحد فقط ، وهو الانفاق على الزوجة وليس له اثران : وجوب الالتزام بوجوب النفقة قلبا ، والانفاق الخارجي عملا.

ولهذا فان الزوج اذا اعطى النفقة ، ولم يلتزم قلبا بوجوب الانفاق ، او التزم قلبا بان الانفاق ليس بواجب لم يكن معاقبا.

وكذا في طرف النهي ، فاذا قال المولى : لا تشرب الخمر ، فلم يشربها ، فانه وان التزم عدم الحرمة ، لم يكن عاصيا (والمفروض انه لا يلزم من اعمال الاصول) باجراء اصل عدم وجوب اخراج الذباب ، واجراء اصل عدم حرمة اخراج الذباب ـ مثلا ـ (مخالفة عملية له) أي للحكم (لتحقيق المعصية) لأنّه فاعل او تارك قهرا سواء أجرى الاصل ام لا.

(و) ان قلت : الالتزام بالاحكام الالهية لازم ، وان لم تلزم مخالفة عملية.

قلت : (وجوب الالتزام بالحكم الواقعي) بما هو التزام (مع قطع النظر

٢٩٠

عن العمل غير ثابت ، لأنّ الالتزام بالأحكام الفرعيّة إنّما يجب مقدّمة للعمل وليست كالاصول الاعتقاديّة يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات ، ولو فرض ثبوت الدليل عقلا او نقلا على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعيّ لم ينفع ،

______________________________________________________

عن العمل) والاطاعة (غير ثابت) فكل حكم له طاعة واحدة ، ومعصية واحدة ، لا طاعتان ومعصيتان : طاعة ومعصية قلبية وطاعة ومعصية عملية ، ولو كان الالتزام القلبي واجبا كان لكل حكم طاعتان ومعصيتان (لان الالتزام بالاحكام الفرعية ، انّما يجب مقدمة للعمل) أي وجوبا مقدميا ، وهو وجوب ارشادي عقلي ، لا مولوي شرعي ، فاذا فرض عدم مقدمية الالتزام للعمل ، بان عمل بدون الالتزام ، او بالالتزام المخالف ، لم يكن عاصيا ، كما اذا تمكن ان يكون على السطح ـ مثلا ـ بدون نصب السلّم.

هذا (وليست) الاحكام الفرعية (كالاصول الاعتقادية) الخمسة : التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والامامة ، والمعاد ، حتى (يطلب فيها الالتزام) القلبي (والاعتقاد من حيث الذات) وبما هي هي.

(ولو فرض ثبوت الدليل عقلا او نقلا) على ان الالتزام من لوازم قبول المولوية ، بحيث لو لم يلتزم كان معناه : عدم قبول المولى ، أو انه ينافي القلب السليم ، المذكور في قوله سبحانه : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(١).

اذ القلب الذي يضاد المولى ويخالفه ليس بقلب سليم إلى غير ذلك مما ذكر في الاستدلال (على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي) فانه (لم ينفع) ذلك فيما نحن فيه ، لانه لم يعرف الحكم تفصيلا.

__________________

(١) ـ سورة الشعراء : الآية ٨٩.

٢٩١

لأنّ الاصول تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي ، فهي كالاصول في الشبهة الموضوعيّة مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم ، أعني وجوب الأخذ بحكم الله.

هذا ، ولكنّ التحقيق : أنّه لو ثبت هذا التكليف ، أعني

______________________________________________________

وظاهر أدلة لزوم الالتزام ـ لو سلم بها ـ يدل على لزوم الالتزام بما علم تفصيلا انه واجب ، او حرام ، او غير ذلك.

أما في الموارد المشتبهة : بان لم يعلم ان زوجته هذه واجبة الوطي او محرمة الوطي ، وان في يوم الجمعة الظهر واجب او الجمعة ، فلا.

وذلك (لان الاصول) في المشتبهات (تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي) في مرتبته الفعلية ، اذ الاصل عدم الوجوب وعدم الحرمة ، كما في اصل الطهارة او اصل الاباحة ، حيث لا يلزم ان يعتقد الانسان ويلتزم بان الواقع نجس او حرام ، مع انه يعلم اجمالا بوجود نجس او حرام واقعي في موارد هذين الاصلين الكثيرة.

وعليه : (فهي) أي الاصول في الشبهات الحكمية (كالاصول في الشبهة الموضوعية) فكما هي تخرج المرأة عن موضوع الحرمة والوجوب الأصل عدم كونها محلوفة الوطي او محلوفة الترك ، كذلك في باب الاحكام الاصول النافية للحكم (مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم ، اعني وجوب الاخذ بحكم الله) كما تقدّم في مثال الذباب ، لو دخل حلق الصائم وهو في الصلاة.

(هذا) تمام الكلام في ان الالتزام ليس بلازم ، ولذا جاز ان نجري الاصل في طرفي الشبهة (ولكن التحقيق انه لو ثبت) شرعا او عقلا (هذا التكليف أعني :

٢٩٢

وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام مع قطع النظر عن العمل ، لم تجر الاصول ، لكونها موجبة للمخالفة العمليّة للخطاب التفصيليّ ، أعني وجوب الالتزام بحكم الله ،

______________________________________________________

وجوب الاخذ بحكم الله و) وجوب (الالتزام) القلبي بحكم الله (مع قطع النظر عن العمل) بان لم يكن الالتزام مقدمة للعمل (لم تجر الأصول) على العدم ، اذ العلم الاجمالي بالحكم يمنع عن اجراء اصل عدم الحكم ، فيكون حكم الالتزام حينئذ حكم العمل ، فكما انه اذا وجب العمل لم يجر الاصل في اطراف الشبهة ، كذلك اذا وجب الالتزام لم يجر الاصل في اطراف الشبهة.

وانّما لم تجر الاصول حينئذ(لكونها موجبة للمخالفة العملية) القلبية ، فان الالتزام عمل القلب ، كما ان العمل عمل الجوارح (للخطاب التفصيلي) المتولّد من العلم الاجمالي ، فاذا علم بان هذه المرأة واجبة الوطي ، او واجبة الترك ، لزم عليه ان يلتزم بالزام عليه من الله سبحانه ـ ذاتا ـ كما يجب عليه في الماءين المشتبهين بان احدهما مضاف ان يلتزم بالوضوء بهما ـ مقدمة للعمل ـ والمخالفة العملية القلبية حاصلة في صورة وجوب الالتزام (اعني وجوب الالتزام بحكم الله) تعالى.

وبالجملة : ان الاصول في اطراف العلم الاجمالي حيث انها مخالفة لوجوب الالتزام ، لا تجري لأن ادلة الاصول لا تشمل امثال المقام ، اذ هو موجب للتناقض ، فمرّة يقول الشارع : «التزم» ومرّة يقول : «اجر الاصل» أي لا تلتزم : حيث ان لازم اجراء الاصل : عدم الالتزام.

وقد ذكرنا فيما سبق : ان التناقض كما لا يمكن مستقيما لا يمكن غير مستقيم ايضا ، فالسواد واللاسواد متناقض ، كما ان السواد والمفرق لنور البصر

٢٩٣

وهو غير جائز حتى في الشبهة الموضوعيّة ، كما سيجيء ، فيخرج عن المخالفة الغير العمليّة.

فالحق ـ مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع على ما جاء به ـ أنّ ترك الحكم الواقعيّ ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرّما ، إلّا من حيث كونها معصية ، دلّ العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها.

______________________________________________________

ـ الذي معناه لا سواد ـ ايضا متناقض.

(وهو) أي اجراء الاصول ، الموجب للمخالفة العملية (غير جائز حتى في الشبهة الموضوعية) كالإناءين المشتبهين فكيف بالشبهة الحكمية؟ (كما سيجيء) الكلام فيه.

(فيخرج) هذا الذي يستلزم المخالفة الالتزامية ـ على تقدير وجوب الالتزام ـ (عن المخالفة غير العملية) اذ يكون حينئذ من صغريات المخالفة العملية.

(فالحق) في نتيجة كلامنا المتقدم : انه (مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع ، على ما جاء به) وكما عليه في الواقع ، هو : (انّ ترك الحكم الواقعي) أي عدم الالتزام به (ولو كان معلوما) لدى المكلف (تفصيلا) المكلف بكون يده متنجسة ـ مثلا ـ وزوجته واجبة الوطي ، أو الخمر محرم الشرب ، فان ترك الالتزام بالنجاسة ، والوجوب ، (ليس محرما الا من حيث كونها) والحرمة أي كون تلك المخالفة الالتزامية منجرة إلى (معصية) عملية في الخارج كأن استعمل النجاسة بالشرب مثلا ، او ترك وطي الزوجة ، او شرب الخمر ، فانه (دل العقل على قبحها) أي قبح المعصية العملية (واستحقاق العقاب بها) والشرع مؤيد للعقل فيهما.

٢٩٤

فاذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشيء ، فلم يلتزم به المكلّف ، لكنه فعله لا لداعي الوجوب ، لم يكن عليه شيء.

نعم ، لو اخذ في ذلك الفعل نيّة القربة ، فالاتيان به لا للوجوب مخالفة عمليّة ومعصية لترك المأمور به ، ولذا قيّدنا الوجوب والتحريم في صدر المسألة بغير ما علم كون أحدهما تعبّديّا.

______________________________________________________

وعلى هذا (فاذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشيء) كوطي الزوجة ، او حرمة شيء كشرب الخمر (فلم يلتزم به) أي بالوجوب ، أو الحرمة (المكلف).

ومعنى الالتزام عقد قلبه عليه وهو شيء فوق العلم (لكنه فعله) أي فعل الواجب وترك الحرام (لا لداعي الوجوب) او الحرمة (لم يكن عليه شيء) من المعصية المسقطة للعدالة ، والحدّ فيما اذا كان ذا حدّ ، كشرب الخمر ، إلى غير ذلك.

(نعم ، لو اخذ في ذلك الفعل نية القربة) كالصلاة والوضوء ، او في ذلك الترك ، كتروك الإحرام وتروك الصيام (فالاتيان به لا للوجوب ، مخالفة عملية) اذ بدون قصد الوجوب لا تحقق له شرعا ، وكذا في باب التروك المذكورة ، فاذا لم يشرب الماء في الصيام لا لأجل امر الله سبحانه ، بل لأجل ان الماء يضره ـ مثلا ـ لم يعدّ ممتثلا.

(و) يكون فعله وتركه بدون القصد (معصية ، لترك المأمور به) والفعل المنهي عنه ، فان بدون قصد الامتثال يبطل العمل القربي.

(ولذا) الذي ذكرناه : من الفرق بين التوصلي والتعبدي في عدم لزوم الالتزام في الاول ولزومه في الثاني (قيّدنا الوجوب والتحريم في صدر المسألة) أي مسألة الالتزام (بغير ما علم كون احدهما) المعيّن (تعبديا).

٢٩٥

فاذا كان هذا حال العلم التفصيليّ ، فاذا علم إجمالا بحكم مردّد بين الحكمين ، وفرضنا إجراء الأصل في نفي الحكمين اللذين علم بكون أحدهما حكم الشارع ، والمفروض أيضا عدم مخالفتهما في العمل ، فلا معصية ولا قبح ،

______________________________________________________

وقد ذكرنا هناك : ان الاقسام ثلاثة ، مما لا حاجة إلى تكراره.

(فاذا كان هذا) الالتزام القلبي غير لازم في التوصليات ، وغير محرم تركه (حال العلم التفصيلي) بواجب او حرام (ف) الالتزام في العلم الاجمالي يكون بطريق اولى غير لازم ف (اذا علم) المكلّف (اجمالا بحكم مردد بين الحكمين) علم بانه يلزم عليه شيء هو :

١ ـ إما وجوب هذا او وجوب ذلك.

٢ ـ إما تحريم هذا ، او تحريم ذلك.

٣ ـ إما وجوب هذا وتحريم ذلك.

٤ ـ وإما وجوب او تحريم شيء خاص ، كمحلوفة الوطي او الترك.

(وفرضنا اجراء الاصل في نفي الحكمين الذين علم) تفصيلا (بكون احدهما حكم الشارع) في الواقع (والمفروض ايضا) بالاضافة إلى نفي الحكمين بالاصل (عدم مخالفتهما) من قبل المكلف (في العمل) بان يأتي بمحتملي الوجوب في المثال الاول ، ويترك محتملي الحرمة في الثاني ، ويأتي ويترك طرفي الوجوب والحرمة في الثالث ، وفي الرابع لا بد أن يأتي فقط او يترك فقط لعدم امكان خلوه عنهما.

(فلا معصية) حينئذ عرفا حيث لم يعص عملا (ولا قبح) عقلا ، اذ المناط وجود الفعل الواجب وعدم الفعل الحرام ولو بدون الاختيار ، فمن لم يشرب

٢٩٦

بل وكذلك لو فرضنا عدم جريان الأصل ، لما عرفت من ثبوت ذلك في العلم التفصيليّ.

فملخّص الكلام : أنّ المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ، ومخالفة الأحكام الفرعيّة إنّما هي في العمل ، ولا عبرة بالالتزام وعدمه.

ويمكن أن يقرّر دليل الجواز ، اي جواز المخالفة فيه بوجه آخر :

______________________________________________________

الخمر ليس بعاص وان لم يكن عدم الشرب باختياره ، وكذا من وطأ زوجته ليس بعاص وان لم يكن الوطي باختياره ، فكيف بما اذا كان باختياره ولكن بدون الالتزام بالوجوب والحرمة.

(بل وكذلك) لا يحرم عدم الالتزام (لو فرضنا عدم جريان الاصل) لان دليله لا يشمل أطراف العلم الاجمالي (لما عرفت من ثبوت ذلك) أي عدم المعصية بترك الالتزام (في العلم التفصيلي) فإن عدم الالتزام بالحكم المعلوم تفصيلا لا يضر ، فكيف بعدم الالتزام في الحكم المعلوم اجمالا؟.

(فملخص الكلام : ان المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة) وان كانت خلاف الآداب (ومخالفة الاحكام الفرعية) الموجبة للآثار ، كالعقوبة ونحوها (انّما هي في العمل) فقط ، سواء في العلم الاجمالي او التفصيلي (ولا عبرة بالالتزام وعدمه) انهما ليسا مدار الاحكام ، نعم في الامور الاعتقادية ، الالتزام مدار الوجوب ، كما ان عدمه او الالتزام بما ليس بحق مدار التحريم ، فلو لم يعتقد بالله ، او اعتقد بإله غير الله ، كان فاعلا للحرام ، وتفصيل الكلام في ذلك في كتب اصول الدّين.

(ويمكن ان يقرر دليل الجواز ، أي جواز المخالفة فيه) أي في الالتزام (بوجه آخر) غير الوجه المتقدّم الذي قال : بأنّه لا دليل عقلا ولا شرعا بلزوم الالتزام

٢٩٧

وهو أنّه لو وجب الالتزام :

فان كان بأحدهما المعيّن واقعا ، فهو تكليف من غير بيان ، ولا يلتزمه أحد ،

______________________________________________________

(وهو : انه لو وجب الالتزام) في المعلوم بالاجماع لم يخلو الامر من اربعة احتمالات :

الاول : ان يلتزم بالوجوب معينا ـ فيما اذا لم يعلم ان وطي المرأة واجب او حرام.

الثاني : ان يلتزم بالحرام معينا.

الثالث : ان يلتزم بالمردد بينهما.

الرابع : ان يلتزم بالجامع ، الذي هو المنع من النقيض.

فالاوّلان : لا وجه لهما من عقل او شرع.

والثالث : ان المردد لا وجود له ، لا في الذهن ولا في الخارج ، فبما ذا يلتزم؟.

والرابع : فانه وان امكن لزومه بلا محذور عقلي ، إلّا انه لا دليل عليه.

ويلحق بالرابع في عدم الدليل ـ وأن امكن ـ أن يلتزم بما هو في اللوح المحفوظ.

اما المصنّف : فقد قرّب عدم لزوم الالتزام بقوله : (فان كان) وجوب الالتزام (باحدهما المعيّن واقعا) عند الله ـ من غير معرفة المكلّف له ـ (فهو) مع انه لا دليل عليه (تكليف من غير بيان) فان المعيّن عند الله لا يعرفه المكلّف ، ولم يبيّنه الشارع ، والتكليف من غير بيان قبيح.

وان شئت قلت : ان اريد من الالتزام : الالتزام بالواقع «مجهولا» فهو من غير دليل ، وان اريد : الالتزام «بشخصه» فهو محال (ولا يلتزمه احد) فلا يقول احد :

٢٩٨

وإن كان بأحدهما المخيّر فيه ، فهذا لا يمكن أن يثبت بذلك الخطاب الواقعيّ المجمل ، فلا بدّ له من خطاب آخر.

وهو ، مع أنّه لا دليل عليه ، غير معقول ، لأنّ الغرض من هذا الخطاب المفروض كونه توصّليّا حصول مضمونه ،

______________________________________________________

بأن المجهول يكلف الانسان بالالتزام به معينا.

(وان كان) اللازم ، الالتزام (باحدهما المخير فيه) بان يكون مراد من يقول بلزوم الالتزام : ان المكلّف ، عليه ان ينوي قلبا انه ملتزم باحدهما (فهذا) فيه محذوران :

الاول : انه لا دليل ، اذ(لا يمكن ان يثبت) هذا الالتزام (بذلك الخطاب الواقعي المجمل) عند المكلّف ، اذ كل خطاب يدعو إلى نفسه ، لا انه يدعو إلى نفسه او غيره ، فاذا قال : «باشر زوجتك» كان دعوة إلى المباشرة ، لا دعوة إلى المباشرة او عدمها ، فان الخطاب بالمعيّن لا دلالة له على التخيير ، فكيف يدل على الالتزام بالتخيير؟.

(فلا بدّ له) أي لوجوب الالتزام باحدهما مخيّرا (من خطاب آخر) غير الخطاب الاول.

(و) الثاني : انه لا وجود لهذا الخطاب الآخر اذ(هو ، مع انه لا دليل عليه) ـ كما عرفت ـ محال ، و (غير معقول) لان وجوده وعدمه سواء ، فهو من تحصيل الحاصل ، وذلك لغو ، ولا يصدر من الحكيم (لان الغرض من هذا الخطاب) الثاني (المفروض كونه توصليا) ـ لما تقدّم ـ من انّ الكلام ليس في التعبدي بل في التوصلي ، والغرض في الخطاب التوصلي هو (حصول مضمونه) في الخارج

٢٩٩

أعني : القيام بالفعل او الترك تخييرا ، وهو حاصل من دون الخطاب التخييريّ ، فيكون الخطاب طلبا للحاصل ، وهو محال.

إلّا أن يقال :

______________________________________________________

ولو بدون الاختيار ، فاذا قال : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(١).

كان غرضه حصول النظافة ، وهي تحصل ولو بدون اختيار الانسان ، كأن ينزل المطر عليه ـ مثلا ـ حتى يذهب الرجز عنه ، كما حدث في قصة بدر ـ بالنسبة إلى النجاسة الخبثية ، الحاصلة لهم من اثر الاحتلام ـ وفسّر المصنّف قدس‌سره حصول المضمون بقوله :

(اعني : القيام بالفعل او الترك تخييرا) بينهما (وهو) أي المضمون (حاصل من دون) حاجة إلى (الخطاب) الآخر (التخييري) الذي يخبر المكلّف بين الفعل والترك ، لان المكلّف تكوينا اما فاعل او تارك (فيكون الخطاب) الآخر (طلبا للحاصل) اذ هو حاصل بدون الخطاب (وهو) أي طلب الحاصل (محال).

ولا يخفى : ان طلب الحاصل لغو وليس بمحال في نفسه ، وانّما هو محال على الحكيم ، اللهم إلّا ان يريد : ان حصول الحاصل ـ بسبب الخطاب ـ محال.

وكيف كان : فالامر في دوران الامر بين المحذورين ، كما لا يحتاج إلى الخطاب ، كذلك في الفعلين ، والتركين ، والفعل والترك فان العقل حيث يلزم ذلك من باب العلم الاجمالي لم يكن الامر بحاجة إلى خطاب ثان ولو كان خطاب ثان فهو من الارشاد إلى حكم العقل ، لان باب الاطاعة والمعصية مرتبط بالعقل لا بالشرع.

(إلّا ان يقال) ان الخطاب الآخر ليس لغوا اذ اللغوية فيما اذا اراد به ان يفعله

__________________

(١) ـ سورة المدّثر : الآية ٥.

٣٠٠