الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

إنّ المدّعي بالخطاب التخييريّ إنّما يدّعي ثبوته بأن يقصد منه التعبّد بأحد الحكمين ، لا مجرّد مضمون أحد الخطابين الذي هو حاصل ، فينحصر دفعه حينئذ بعدم الدليل.

و

______________________________________________________

المكلّف او يتركه ، اما اذا اراد به الالتزام باحد الحكمين قلبا فلا لغوية ، اذا الالتزام لم يحصل من الخطاب الاول بالتكليف المردد ـ لجهل المكلّف ـ بين الفعل والترك.

وعليه : ف (ان المدعي) الذي يدعي الاحتياج إلى خطاب آخر ، و (ب) سبب ذلك (الخطاب) الآخر (التخييري) يخير المكلّف بين الفعل والترك (انّما يدعي ثبوته) أي ثبوت ذلك الخطاب ، لا للتوصل إلى الفعل او الترك في الخارج ، بل (بان يقصد) المولى (منه التعبد) والالتزام القلبي (باحد الحكمين) الفعل او الترك (لا مجرد) حصول (مضمون احد الخطابين) من الفعل او الترك (الذي) ذلك المضمون (هو حاصل) على كل حال ، سواء كان الخطاب الثاني او لم يكن (ف) اذا قال القائل ذلك ، فانه (ينحصر دفعه حينئذ بعدم الدليل) على هذا الخطاب الثاني ، فالالتزام ليس بلازم لعدم وجود دليل يدل عليه.

والحاصل : ان كان الغرض من الخطاب وجود الفعل او الترك ، فهو من تحصيل الحاصل ، وان كان الغرض الالتزام قلبيا ، فهو وان كان ممكنا ، إلّا انه لا دليل عليه.

(و) ان قلت : ان من الضروري عند المتشرعة ، لزوم الالتزام بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هو من لوازم الايمان ، قال سبحانه :

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً)

٣٠١

أمّا دليل وجوب الالتزام بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يثبت إلّا الالتزام بالحكم الواقعيّ على ما هو عليه ، لا الالتزام بأحدهما تخييرا عند الشكّ ،

______________________________________________________

(مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(١).

ومن المعلوم ان المقام من صغريات ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاللازم في صورة التردد بين الفعل والترك ، كالمرأة المحلوفة على الوطي او على الترك الالتزام القلبي بأحدهما.

وكذا في الاحكام الكلية كالمثال المتقدم في صائم دخل في حلقه ذباب وهو في الصلاة ، فان اراد اخراجه ـ لانه واجب ـ خرجت من فمه كلمة «اح» المبطلة للصلاة ، وان لم يخرجه ـ لانه حرام ابطال الصلاة ـ بطل صومه.

قلت : (اما دليل وجوب الالتزام بما جاء به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والمعصومون من آله عليهم‌السلام حيث كلهم نور واحد (فلا يثبت الا الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه) في الواقع ، فان من شروط الايمان تصديقهم عليهم‌السلام بما جاءوا به قولا أو فعلا او تقريرا ، فان علم بما جاءوا به تفصيلا ، وجب الالتزام به تفصيلا ، وان علم بما جاءوا به اجمالا ، وجب الالتزام به اجمالا.

فاذا شكّ ـ مثلا ـ في ان الوطي واجب للحلف ، او حرام للحلف ، التزم بان الحلف موجب لمتعلقه ، لا انه يلزم عليه الالتزام بانه يلزم عليه اما الفعل او الترك تخييرا ، وكذلك في مثال الذباب والصائم في حال الصلاة إلى غير ذلك من الكليات والجزئيات (لا) يثبت بهذا الدليل وجوب (الالتزام باحدهما تخييرا عند الشك) وكذلك حال التردد في ان ايهما واجب ، او ايهما حرام ، ان ايهما واجب او حرام؟.

__________________

(١) ـ سورة النساء : الآية ٦٥.

٣٠٢

فافهم.

هذا ، ولكنّ الظاهر من جماعة من الأصحاب ، في مسألة الاجماع المركّب ،

______________________________________________________

بل هذا الالتزام لازم حتى في المستحبات والمكروهات والمباحات ، قال سبحانه : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)(١).

والتصديق بالشيء قلبي ويستعمل في العمل مجازا ، كما قال سبحانه لابراهيم عليه‌السلام : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)(٢) ، إلى غير ذلك.

(فافهم) كي لا تقول : بانكم قلتم بجريان اصلي : عدم الوجوب ، وعدم الحرمة ، مما يقتضي الاباحة ، والآن تقولون : بلزوم الالتزام بما جاء به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمفروض ان ما جاء به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في المردد بين الواجب والحرام ليس الاباحة.

والجواب عن هذا الاشكال هو : ان الاباحتين في الظاهر لا تنافيان وجود حكم واقعي بالوجوب او الحرمة ، فان التكليف العملي هو : الاباحة ، اما التكليف الواقعي فهو : الوجوب او الحرمة ، وكذا في اشباه ذلك كما اذا شهدت امرأة واحدة ـ مثلا ـ بالوصية نفذ ربع الوصية ، فان هذا هو التكليف الفعلي ونلتزم به ، بينما يلزم علينا الالتزام القلبي ، بان الموصي ان وصّى وجب كل الوصية ، وان لم يوصّ لم يجب شيء اصلا.

(هذا) في وجه الجمع بين الالتزام بالحكم الواقعي وبين البناء العملي على الاباحة (ولكن الظاهر من جماعة من الاصحاب) وجوب الالتزام لانهم قالوا (في مسألة الاجماع المركب).

والمراد بالاجماع المركب : هو ما اذا كان للأمّة قولان ، فلا يجوز إحداث قول

__________________

(١) ـ سورة الزّمر : الآية ٣٣.

(٢) ـ سورة الصّافات : الآية ١٠٥.

٣٠٣

إطلاق القول بالمنع عن الرجوع إلى حكم علم عدم كونه حكم الامام عليه‌السلام في الواقع ، وعليه بنوا عدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الامام عليه‌السلام.

______________________________________________________

ثالث ، كما لو قال بعضهم بوجوب الظهر ، وبعضهم الآخر بوجوب الجمعة ، فلا يجوز لثالث ان يقول بالوجوب التخييري بينهما لما ذكروا من (اطلاق القول : بالمنع عن الرجوع إلى حكم) آخر (علم عدم كونه حكم الامام عليه‌السلام في الواقع) سواء كان في الحكم الآخر مخالفة عملية ، او مخالفة التزامية ، فاطلاق كلامهم دال على جواز المخالفة الالتزامية.

فاذا قال جماعة : بان محلوفة الوطي او الترك يجب وطيها ، وقال آخرون : يجب تركها لم يجز لثالث ان يقول بالاباحة ، مع انه ليس للقول بالاباحة اثر عملي ، وانّما هو خلاف الالتزام بحكم الامام عليه‌السلام المعلوم ـ من الاجماع المركب ـ انه قال اما بالحرمة واما بالوجوب.

(وعليه) أي على عدم جواز الرجوع إلى قول ثالث (بنوا) على (عدم جواز الفصل) أي التفصيل في المسألة بأن يقول القائل الثالث في مسألة محلوفة الوطي او الترك : انها يجب وطيها نهارا ويحرم وطيها ليلا ، فانه اذا لم يجز القول الثالث ، لم يجز التفصيل ايضا ، لانه من مصاديق القول الثالث.

وهذا (فيما علم كون الفصل فيه) أي في القول الذي عليه الاجماع المركب (طرحا لقول الامام عليه‌السلام) مقابل ما اذا قال بالقول الثالث ، ولم يكن طرحا لقول الامام عليه‌السلام ـ الموجود بين القولين الذين قام الاجماع المركب عليهما ـ كما اذا قال بعض الامة : بوجوب الاستعاذة قبل الحمد ، وقال بعض آخر : باستحبابه ، فقال ثالث : برجحانها ، فان الرجحان وان لم يكن احد القولين ، اذ الرجحان جامع

٣٠٤

نعم ، صرّح غير واحد من المعاصرين ، في تلك المسألة فيما إذا اقتضى الأصلان حكمين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، بجواز العمل بكليهما.

وقاسه بعضهم على العمل بالأصلين المتنافيين في الموضوعات.

لكنّ القياس في غير محلّه ، لما تقدّم من

______________________________________________________

بينهما إلّا انه لا يلزم منه طرح قول الامام عليه‌السلام.

نعم ، ان ذهب إلى حرمة الاستعاذة كان طرحا لقوله عليه‌السلام ، وكذلك ان قال بعض بحرمة وطي الدبر من الزوجة ، وقال آخر بالكراهة ، وقال ثالث بالمرجوحية.

(نعم ، صرح غير واحد من المعاصرين) منهم صاحب الفصول (في تلك المسألة) أي مسألة الاجماع المركب (فيما اذا اقتضى الاصلان حكمين ، يعلم بمخالفة احدهما للواقع) كما في مسألة : دخول الذباب في حلق الصائم وهو في الصلاة ، فان اصل عدم حرمة اخراجه واصل عدم وجوب اخراجه ، يورث العلم بان احد الحكمين مخالف للواقع ، لكن قد صرح اولئك المعاصرون (بجواز العمل بكليهما) أي بكلا الاصلين ، فيقول بجواز كل من الاخراج وعدم الاخراج ـ مع ان جواز العمل بكلا الاصلين ، احداث قول ثالث مستلزم لطرح قول الامام عليه‌السلام ـ فقول المصنّف قدس‌سره : «ولكن الظاهر» تأييد للزوم الالتزام ، وقوله : «نعم» تأييد لعدم لزوم الالتزام.

(وقاسه) أي العمل بالاصلين في الاحكام (بعضهم على العمل بالاصلين المتنافيين في الموضوعات) كاصل عدم وجوب الوطي ، واصل عدم وجوب الترك ، قال هذا البعض : فكما يجوز اجراء الاصلين في الموضوعات المرددة ، كذلك يجوز اجراء الاصلين في الاحكام المرددة.

(لكن القياس في غير محله) وذلك (لما تقدّم من) الفرق بين الشبهات

٣٠٥

أنّ الاصول في الموضوعات حاكمة على أدلّة التكليف ، فانّ البناء على عدم تحريم المرأة لأجل البناء بحكم الأصل على عدم تعلّق الحلف بترك وطيها ، فهي خارجة عن موضوع الحكم بتحريم وطي من حلف على وطيها ، وكذا الحكم بعدم وجوب وطيها لأجل البناء على عدم الحلف على وطيها ، فهي خارجة عن موضوع الحكم بوجوب وطي من حلف على وطيها.

______________________________________________________

الموضوعية والحكمية ، ف (ان الاصول في الموضوعات حاكمة على ادلة التكليف) الواقعي ، فاذا اجرينا الأصل في المرأة المرددة بين محلوفة الوطي ومحلوفة الترك ، وقلنا : الاصل انها ليست محلوفة على الوطي او على الترك ، لم تكن بعد الاصل تلك المرأة موضوعا للوجوب او التحريم.

اما الحكم بعدم الحرمة (فان البناء على عدم تحريم المرأة) انّما هو (لاجل البناء بحكم الاصل : على عدم تعلق الحلف بترك وطيها ، فهي خارجة عن موضوع الحكم بتحريم وطي من حلف على ترك وطيها) اذا الشارع حكم : بحرمة من حلف الزوج بترك وطيها لكن الاصل ، يقول : انها ليست تلك المرأة التي تعلق الحلف بعدم وطيها.

(وكذا) حال (الحكم بعدم وجوب وطيها) فان الاصل فيها ايضا : عدم وجوب وطيها (لاجل البناء) حسب الاصل (على عدم الحلف على وطيها) فهي ليست واجبة الوطي (فهي خارجة عن موضوع الحكم بوجوب وطي من حلف على وطيها).

والحاصل : ان الشك في الموضوع المردد بين الوجوب والحرمة ، يجري فيه اصلان ، وبذلك يخرج الموضوع عن كونه موضوع الوجوب او التحريم.

٣٠٦

هذا ، بخلاف الشبهة الحكميّة ، فانّ الأصل فيها معارض لنفس الحكم المعلوم بالاجمال وليس مخرجا لمجراه عن موضوعه حتّى لا ينافيه بجعل الشارع.

______________________________________________________

(هذا) في الشبهة الموضوعية (بخلاف الشبهة الحكمية ، فان الاصل فيها) أي في الشبهة الحكمية غير جار ، لان الاصل (معارض لنفس الحكم) بالوجوب او التحريم (المعلوم بالاجمال) وقد تقدّم انه مستلزم للتناقض ، فكما ان الواجب يناقض الحرام ، كذلك «عمله الاجمالي بانه واجب او حرام» يناقض «الاصل القائل انه ليس بواجب ولا بحرام» (وليس) في الشبهة الحكمية حكم وموضوع ، كما كانا في الشبهة الموضوعية حتى يكون الاصل (مخرجا لمجراه) أي مجرى الاصل (عن موضوعه) أي موضوع الحكم (حتى) ان الاصل (لا ينافيه) أي لا ينافي الحكم الواقعي المعلوم بالاجمال (ب) سبب (جعل الشارع) ذلك الاصل ، و : «ب» متعلق ب «لا ينافيه».

هذا ، ولا يخفى ان اشكال المصنّف قدس‌سره غير وارد ، فلا فرق بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية ، في عدم جريان الاصول في اطرافهما ، ذلك لما يلي : ـ

اولا : ادلة الاصول لا تشمل اطراف العلم الاجمالي.

ثانيا : في عالم الثبوت لا يصح جعل اصل لا ثمر له ، فأي ثمر لاجراء الاصل في المرأة ، وفي عدم اجراء الاصل ، فعلى أيّ حال يكون الالتزام غير لازم ـ كما عرفت ـ والمرأة ، اما ان توطأ او لا توطأ ، لاستحالة خروجها عن الامرين.

ثم ان المصنّف قدس‌سره ابدى الرجوع عن قوله : «القياس في غير محله» بقوله :

٣٠٧

لكنّ هذا المقدار من الفرق غير مجد ، إذ اللازم من منافاة الاصول لنفس الحكم الواقعيّ ، حتى مع العلم التفصيليّ ومعارضتها له ، كون العمل بالاصول موجبا لطرح الحكم الواقعيّ من حيث الالتزام ، فاذا فرض جواز ذلك ، لأنّ العقل والنقل لم يدلّا ، إلّا على حرمة المخالفة العمليّة ، فليس الطرح من حيث الالتزام

______________________________________________________

(لكن هذا المقدار من الفرق) بين الاصول في الموضوعات والاصول في الاحكام لكونها في الاول حاكمة وفي الثاني منافية (غير مجد) فان الفرق لا يوجب عدم اجراء الاصول في الشبهة الحكمية ـ كما سبق الالماع اليه ـ فان اجراء الاصول في الشبهة الحكمية ، لا يوجب الّا المخالفة الالتزامية ، فاذا جازت المخالفة الالتزامية ، لم يكن مانع من اجراء الاصول فيها.

(اذ اللازم من منافات الاصول لنفس الحكم الواقعي ـ حتى مع العلم التفصيلي ـ) بالحكم (ومعارضتها) أي الاصول (له) أي للحكم الواقعي ـ ومعارضتها ـ عطف بيان ل «منافات» و (كون) خبر «اللازم» فكون (العمل بالاصول موجبا لطرح الحكم الواقعي من حيث الالتزام) فقط ، فاذا جرى الاصلان : اصل عدم حرمة الوطي ، واصل عدم وجوب الوطي ، كان معناه : عدم التزام المكلّف بالحكم الواقعي ، الذي هو اما الوجوب واما الحرمة.

(فاذا فرض جواز ذلك) أي جواز عدم الالتزام ، لما تقدّم : من انه لا دليل على الالتزام بالاحكام الفرعية التوصلية (لان العقل والنقل ، لم يدلّا ، الّا على حرمة المخالفة العملية) والمفروض انه لا يلزم منه مخالفة عملية ، لانه سواء جرى الاصل ام لا ، مجبر على الوطي او ترك الوطي (فليس الطرح) للحكم الواقعي (من حيث الالتزام) بان لا يلتزم بالحكم الواقعي بسبب جريان الاصلين يكون

٣٠٨

مانعا عن إجراء الاصول المتنافية في الواقع.

ولا يبعد حمل إطلاق كلمات العلماء في عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام ، في مسألة الاجماع على طرحه من حيث العمل ، اذ هو المسلّم المعروف من طرح قول الحجّة.

فراجع كلماتهم فيما إذا اختلفت الأمّة على قولين ولم يكن مع أحدهما

______________________________________________________

(مانعا عن اجراء الاصول المتنافية) تلك الاصول (في) صورة الجريان مع (الواقع) اذ من جهة الاصل : عدم الوجوب وعدم الحرمة ، ومن جهة الواقع : اما الوجوب واما الحرمة.

(و) ان قلت : فكيف يقول العلماء : بانه لا يجوز طرح قول الامام عليه‌السلام ، مع ان اجراء الاصلين طرح للالتزام بقوله عليه‌السلام؟.

قلت : (لا يبعد) من جهة الانصراف (حمل اطلاق كلمات العلماء ، في عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام) والرجوع إلى قول ثالث (في مسألة الاجماع) المركب كما تقدّم (على طرحه من حيث العمل) فمرادهم : لا يجوز طرحا عمليا ، لا انه لا يجوز طرحا التزاميا.

وانّما قلنا : «لا يبعد» (اذ) الطرح عملا (هو المسلّم المعروف) المنصرف من الاطلاق (من طرح قول الحجة) فانه اذا قال احد : ان فلانا طرح قول مولاه ، او طرح فتوى مرجع تقليد ، او طرح حكم الحاكم الذي حكم في القضية الفلانية ، كان المتبادر أو المنصرف : انه طرحه عملا ، لا انه طرحه قلبا ، ولم يلتزم به ـ مع كونه قد عمل على طبقه ـ.

(فراجع كلماتهم فيما اذا اختلفت الأمّة على قولين ، ولم يكن مع احدهما

٣٠٩

دليل ، فانّ ظاهر الشّيخ رحمه‌الله ، الحكم بالتخيير الواقعيّ وظاهر المنقول عن بعض طرحهما والرجوع إلى الاصل ، ولا ريب أنّ في كليهما طرحا للحكم الواقعيّ ، لأنّ التخيير الواقعيّ كالأصل حكم ثالث.

______________________________________________________

دليل) فان الفقهاء قالوا : بعدم جواز احداث قول ثالث ولو بالتخيير بينهما ، ومرادهم : قول ثالث يخالف عملا القولين الذين قام الاجماع المركب عليهما (فان ظاهر الشيخ) الطوسي قدس‌سره (الحكم بالتخيير الواقعي) ممّا يستلزم طرح كلا القولين والحال ان قول احدهما مطابق لقول الحجة ، ومع ذلك لم يمنع من عدم الالتزام بهما (و) كذلك (ظاهر المنقول عن بعض) الفقهاء (طرحهما والرجوع إلى الاصل) في المسألة (ولا ريب ان في كليهما) سواء التخيير الذي ذكره الشيخ رحمه‌الله أو الرجوع إلى الاصل الذي ذكره ذلك البعض يكون (طرحا للحكم الواقعي).

لكن لا يخفى ان من يقول بالرجوع إلى الاصل ، انّما يقول به : اذا كان موافقا لاحد القولين ، والّا فلا يجوز ، لانه يعلم بطرح قول الامام عليه‌السلام حينئذ ، فاذا كان احد القولين على تنجس البئر بملاقات النجاسة مطلقا ، كان الآخر على : انه بعد الملاقاة طاهر ، لكن يفقد عاصميته فيكون حاله حال الماء القليل ـ مثلا ـ ، لم يجز احداث قول ثالث على : انه يستصحب طهارته وعاصميته ، لانه خلاف قول الامام قطعا الموجود بين القولين ، لغرض تحقق الاجماع المركب الطارد للقول الثالث (لان التخيير الواقعي) الذي قال به الشيخ قدس‌سره الذي قال به بعض (كالأصل حكم ثالث) ومع ذلك قالا به ، لأنه انّما يخالف قول الامام التزاما لا عملا ، وقد عرفت ان المحذور في مخالفته العملية لا مخالفته الالتزامية.

٣١٠

نعم ، ظاهرهم في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والتحريم الاتفاق على عدم الرجوع الى الاباحة وإن اختلفوا بين قائل بالتخيير وقائل بتعيين الأخذ بالحرمة.

______________________________________________________

(نعم) ربما يظهر منهم ايضا : عدم جواز الالتزام بخلاف قول الامام عليه‌السلام ، فان (ظاهرهم في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والتحريم) بان لم يعلم هل الشيء الفلاني واجب او حرام؟ ـ كما مثّلنا له بدخول الذباب في حلق الصائم حالة الصلاة ، من (الاتفاق على عدم الرجوع إلى الاباحة) مع انه عملا ، اما ان يفعل او لا يفعل ، فتبيّن من هذه المسألة : ان خلاف الالتزام حرام لديهم.

ولا يخفى ان اولى المسألتين وهي : مسألة الاجماع المركب ، اعمّ من الثانية وهي : مسألة الدوران بين الوجوب والحرمة ، اذ الاولى تشمل الاجماع المركب بين واجب ومستحب او حرام ومكروه إلى آخره ، بينما الدوران يكون في الواجب والحرام فقط ، والثانية اعم من الاولى من جهة كون منشأ الاختلاف ، اختلاف الأمّة على قولين ، او اقتضاء الدليل الوجوب والتحريم ـ ولو عند نفرين من الفقهاء مثلا ـ بينما الاجماع المركب يكون باختلاف الامّة فقط ، فبين المسألتين كالعموم من وجه.

هذا ، ولكن لا يتمكن فقيه واحد ان يفتي في كلتا المسألتين بهذا النحو ، اذ التخيير في الاجماع المركب ، ينافي عدم جواز الالتزام في المسألة الثانية.

وعلى أي حال : فقد اتّفقوا في الدوران بين الوجوب والتحريم بعدم جواز القول بالاباحة (وان اختلفوا) بعد الاتفاق المتقدم (بين قائل بالتخيير) بين الوجوب والاباحة لعدم أولويّة أحدهما على الآخر (وقائل بتعيين الأخذ بالحرمة) من جهة ان دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، اذ في الحرمة

٣١١

والانصاف : أنّه لا يخلو عن قوّة ، لأنّ المخالفة العمليّة التي لا تلزم في المقام هي المخالفة دفعة في الواقعة عن قصد وعلم ،

______________________________________________________

مفسدة وفي الوجوب مصلحة.

لكن لا يخفى ان تقديم دفع المفسدة لا يؤيّده عقل ولا شرع ، وانّما اللازم تقديم الأهم على المهم ، فربما يكون الواجب أهم ، وربما يكون ترك الحرام أهم ، لكن لا بد وأن تصل الاهميّة إلى حدّ المنع من النقيض ، فاذا كان تحصيل الدينار واجب ، واتلاف الدينار حرام ، فقد يتساويان ، فالاباحة ، وقد يتقدم الاول ، لانه تحصيل الف دينار وتلف دينار واحد ، فيكون التحصيل مقدّما ، وقد يكون العكس فيكون ترك الاتلاف مقدّما ، وقد يكون تحصيل دينار واحد ، وتلف ثلاثة ارباع الدينار ، فالتحصيل مستحب ، وقد يكون العكس ، فالتحصيل مكروه.

(والانصاف انه) أي عدم جواز الرجوع إلى الاباحة (لا يخلو عن قوّة) وذلك لوجهين :

الاول : ان ينجر إلى المخالفة العملية في الامور التدريجية (لان المخالفة العملية التي لا تلزم في المقام) انّما (هي المخالفة دفعة) كما اذا حلف على الوطي ، او الترك في اوّل ساعة كذا ، مما لا تكرر له ، فانه لا مخالفة عملية ، لانه في هذه الساعة اما فاعل او تارك (في الواقعة) الواحدة (عن قصد وعلم) فانه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب ، او الترك الموافق للحرمة.

وقوله : «عن قصد ...» للتنسيق بين هذا الفرض ، والفرض الآتي في الوقائع المتعددة ، والّا فالقصد وعدمه ، والعلم وعدمه ، لا مدخلية لهما في المرّة الواحدة.

نعم ، هما دخيلان في تسمية الفعل اختياريا ، اذ بدون القصد لا يكون

٣١٢

وأمّا المخالفة تدريجا في واقعتين ، فهي لازمة البتة.

والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعلم ، كذلك يحكم بحرمة المخالفة في واقعتين تدريجا عن قصد إليها

______________________________________________________

الفعل اختياريا.

(واما المخالفة) العملية القصدية (تدريجا في واقعتين ، فهي لازمة البتة) فانه اذا حلف على الوطي او الترك كل ليلة من ليالي هذا الاسبوع ، ثم نسي ان الحلف تعلق بالفعل او الترك ، فاذا وطأ ليلة وترك ليلة عالما عامدا ، حصلت المخالفة العملية ، لانه ان كان حالفا على الوطي فقد تركه في ليلة ، وان كان حالفا على الترك فقد وطأ في ليلة ، فجريان الاصل معناه : اجازة الشارع للمخالفة القطعية ، وقد سبق انه من المناقضة ، فاذا اجرينا الاصل في الاطراف وحكمنا بالاباحة حصلت المخالفة.

(والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعلم) من غير فرق بين مخالفة واجب او مخالفة حرام ، او مخالفة امرين يعلم بالحكم الواقعي بينهما ، كما اذا علم بنجاسة احد ماءين فشرب احدهما ، وأراق الآخر في المسجد في آن واحد ، فانه يعلم بارتكابه العصيان باحد علمية المقارنين في زمان واحد (كذلك يحكم بحرمة المخالفة) العملية (في واقعتين تدريجا عن قصد اليها) أي إلى المخالفة ، كما تقدّم في مثال من نسي انه حلف على الوطي او الترك في كل ليلة من الاسبوع ، ففعل ليلة وترك ليلة ، ومن المعلوم ان البناء على الاباحة في المحلوفة يوجب تلك المخالفة.

إن قلت : اذا حرمت المخالفة التدريجية ، فلما ذا افتى بعضهم بجوازها ، فيما اذا قلّد مجتهدين تدريجا؟ بأن قلّد ـ مثلا ـ من يقول : بحرمة المرأة المحلوفة الوطي

٣١٣

من غير تقييد بحكم ظاهريّ عند كلّ واقعة.

______________________________________________________

او الترك ، في هذا الشهر فلم يطأها ، ثم في الشهر الثاني قلّد من يقول : بجواز الوطي فيطأها ، وكذلك حال من يرى : جواز العمل بالخبرين المتعارضين من باب قوله عليه‌السلام : «إذن فتخيّر» (١) فيختار التمام مثلا في شهر ، والقصر في شهر آخر ، فيما اذا كان الخبران دالين على الحكمين.

والحاصل : ان التخيير الاستمراري في بابي : التقليد والخبرين المتعارضين ، يعطي الجواز في المقام أيضا.

قلت : اولا : نحن نمنع التخيير الاستمراري ، بل نقول : بأنّ التخيير ابتدائي ، لان الفاعل مع استمرارية التخيير يعلم بانه خالف الواقع ، وهو قبيح.

وثانيا : لو سلمنا الاستمرارية نقول : ذلك حكم ظاهري اجازه الشارع لمصلحة أهم : مثل ان تكون من باب التسليم ، كما ورد في الروايتين المتعارضتين ، فالتسليم عنوان ثانوي ، كعناوين العسر ، والعسر ، والحرج ، والضرر ، اوجب رفع القبح في مخالفة الواقع ، فلا قبح ، فلا يقاس ما نحن فيه حيث لا دليل فيه ، على ما فيه دليل كالموردين.

فالقبح في مخالفة الواقع انّما يكون (من غير تقييد بحكم ظاهري عند كل واقعة) اما اذا دلّ الدليل على التقييد ، لم يكن به بأس.

ويؤيده : ان الشارع لما اجاز تقليد مجتهدين متساويين ، جاز لكل من زيد ، وعمرو ان يقلد احدهما ، مع العلم بمخالفة احدهما للواقع ، وكذلك لما خيّر

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع احاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

٣١٤

وحينئذ : فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل او الترك ، إذ في عدمه ارتكاب لما هو مبغوض للشارع يقينا عن قصد.

وتعدّد الواقعة إنّما يجدي مع الاذن من الشارع عند كلّ واقعة ،

______________________________________________________

بين الخبرين ، فأخذ زيد بخبر ، وعمرو بخبر آخر ، مع العلم بأن الواقع احدهما ، ولا فرق في مخالفة الواقع بين نفر واحد وبين نفرين.

(وحينئذ) أي : حين قبحت المخالفة العملية في ما نحن فيه ، مما لم يكن حجّة ظاهرية في كل مورد (فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل او الترك) أي ان يستمر في احدهما ، لا ان يفعل تارة ويترك اخرى ، حتى يتيقن بانه خالف (اذ في عدمه) أي عدم الالتزام (ارتكاب) قطعي (لما هو مبغوض للشارع يقينا ، عن قصد) وعلم ذلك قبح عقلا ، موجب للعقاب شرعا.

وهل الامر كذلك ، في تعدد الموضوع؟ كما لو كانت عنده زوجتان : حلف مرة على هذه ، ومرة على تلك ، ثم شك في انه حلف بالوطي او الترك في هذه او تلك ، فهل يلزم عليه سوقهما مساقا واحدا ، بان يطأهما او يتركهما؟ او أن لكل واحدة حكما مستقلا ، بان يطأ احداهما في كل واقعة ، ويترك احداهما في كل واقعة؟ الظاهر : الثاني ، اذ هما واقعتان لا واقعة واحدة ، ولعلّ الحلف طابق فعله بان حلف في الواقع بوطي هند وبترك ميسون وعمله طابق حلفه في كلتيهما.

نعم ، ذلك لا يأتي في ما اذا علم ان الحلفين كانا على شكل واحد فيهما ، او كان قد حلف حلفا واحدا لهما بالفعل او الترك.

(و) ممّا تقدّم عرفت : ان (تعدد الواقعة انّما يجدي) في جواز المخالفة العملية التدريجية (مع الاذن من الشارع عند كل واقعة) بالحكم الظاهري ، فيكون

٣١٥

كما في تخيير الشارع للمقلّد بين قولي المجتهدين تخييرا مستمرّا يجوز معه الرجوع من أحدهما إلى الآخر ، وأمّا مع عدمه ، فالقادم على ما هو مبغوض للشارع ، يستحق عقلا العقاب على ارتكاب ذلك المبغوض.

______________________________________________________

من باب الاستثناء (كما في تخيير الشارع للمقلّد بين قولي المجتهدين) المتناقضين في الفتوى ، فاحدهما يبيح الاخت من الرضاع بعشرة رضعات ، والآخر يحرّم ، فمرة لا يأخذها بحكم المجتهد الثاني ، ومرّة يأخذها بحكم المجتهد الاول ، اما في ان يطأ احدى زوجتيه ولا يطأ الأخرى في وقت واحد ، فقد عرفت حكمه في المحلوفتين (تخييرا مستمرا يجوز معه الرجوع من احدهما إلى الآخر) وهكذا حال التخيير في الخبرين اذا قلنا بانه تخيير مستمر.

(واما مع عدمه) أي عدم إذن الشارع ، كما في المرأة المحلوفة الوطي او الترك (فالقادم) أي الذي اقدم (على ما هو مبغوض للشارع) من المخالفة العملية التدريجية (يستحق عقلا العقاب على ارتكاب ذلك المبغوض) فانه اذا لم يكن حكم ظاهري بجواز التخيير الاستمراري ، يكون هذا العبد مقدما على ما هو مبغوض للشارع ، ولا فرق في استحقاق العقاب عقلا بين علمه عند الارتكاب بانّ هذا بنفسه مبغوض ، كما في العلم التفصيلي او علمه بعد الارتكاب بانّ احدهما مبغوض ، كما في العلم الاجمالي.

وربما يكون مما نحن فيه : ما اذا سافر من بلده إلى ان وصل في آخر الوقت إلى محل يشك انه محل الترخّص ام لا؟ ولا دليل يدل على احدهما ، فيستصحب حكم التمام ويتم في الصلاة ، فاذا رجع ووصل إلى نفس المكان استصحب القصر ، مع انه يعلم ان حكمه ذهابا وإيابا إمّا التمام وإما القصر.

٣١٦

أمّا لو التزم بأحد الاحتمالين قبح عقابه على مخالفة الواقع لو اتّفقت.

ويمكن استفادة الحكم أيضا من فحوى أخبار التخيير عند التعارض.

______________________________________________________

(اما لو التزم باحد الاحتمالين) مستمرا بأن وطأ المرأة او تركها في كل واقعة واقعة (قبح) عقلا (عقابه على مخالفة الواقع لو اتفقت) المخالفة ، اذ هو من العقاب بلا بيان ، والقبح العقلي هنا شرعي ايضا ، قال سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١).

هذا تمام الكلام في الدليل الاول من الدليلين على لزوم الالتزام.

الثاني : ما ذكره بقوله : (ويمكن استفادة الحكم) بلزوم الالتزام باحدهما (ايضا من فحوى اخبار التخيير عند التعارض) فانه اذا كان هناك خبران متعارضان ، ولم نتمكن من ترجيح احدهما على الآخر بالمرجّحات المذكورة في باب التعادل والتراجيح ، اجاز الشارع لنا التخيير بقوله عليه‌السلام : «إذن فتخيّر» (٢) اما قبل التخيير ، فلا بدّ من الالتزام باحدهما ، والمقام من قبيل قبل التخيير ، اذ لا دليل للتخيير هنا ، فما في الخبرين من لزوم الالتزام باحدهما آت هنا ايضا ، فيلزم الالتزام باحدهما ولا يجوز العمل بهذا تارة ، وبذاك أخرى.

ثم مراده بالفحوى : اما الملاك المتساوي فيهما ، او الاولوي ، بتقريب : انه اذا وجب العمل باحد الخبرين الظنيين ، مع احتمال مخالفة كليهما للواقع ـ في غير صورة المتناقضين والمتضادين الذين لا ثالث لهما ، حيث في هاتين الصورتين

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ١٥.

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع احاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

٣١٧

لكن هذا الكلام لا يجري في الشبهة الواحدة التي لم تتعدّد فيها الواقعة ، حتّى تحصل المخالفة العمليّة تدريجا ، فالمانع في الحقيقة هي المخالفة العمليّة القطعيّة ولو تدريجا مع عدم التعبّد بدليل ظاهريّ ،

______________________________________________________

لا يحتمل مخالفة كليهما للواقع ـ لزم الالتزام ، ثم العمل على طبق احد الاحتمالين وهو فيما نحن فيه بطريق اولى ، لان احدهما موافق للواقع قطعا.

(لكن هذا الكلام) أي لزوم المخالفة العملية التدريجية (لا يجري في الشبهة الواحدة التي لم تتعدد فيها الواقعة) كالحلف بوطي او عدم وطي زوجته اوّل ساعة من ليلة الصيام فانه ، لا تعدد (حتى تحصل المخالفة العملية تدريجا).

نعم ، الواقعة الواحدة الممتدة يمكن تصور التعدد فيها امتدادا ، كما اذا شك في انه حلف على بقاء الساعة الاولى في المدرسة او المسجد؟ فاذا بقي نصف ساعة هنا ، ونصف ساعة هناك ، كان مقطوع المخالفة.

لكن ربما يقال في ذلك : انه مثل درهمي الودعي ، التنصيف اولى ، لان العقلاء يقدّمون المخالفة القطعية في البعض على المخالفة الاحتمالية في الكل.

وعليه : (فالمانع) عن اجراء الاصلين في الطرفين (في الحقيقة) والواقع ، ليس هو المخالفة ، او اللامخالفة الالتزامية ، بل (هي المخالفة العملية) فاذا لم تكن مخالفة عملية ، كما اذا لم يقدر على الوطي ، فلا مانع من اجراء الاصل والالتزام بالاباحة ، فالمخالفة الالتزامية لا تحرم بالذات من حيث هي هي ، وانّما تحرم بالعرض من حيث لزوم المخالفة العملية (القطعية ولو تدريجا ، مع عدم التعبد) من الشارع (بدليل ظاهري) مجوّز للمخالفة العملية ، كما في تخيير المقلدين بين مجتهدين ، وتخيير المجتهدين بين روايتين ـ على ما تقدّم ـ.

ثم لو تمكن الحالف من الخروج عن هذا المأزق ، فهل يجب عليه ذلك ، كما

٣١٨

فتأمّل جدا.

هذا كلّه في المخالفة القطعيّة للحكم المعلوم إجمالا من حيث الالتزام ، بان لا يلتزم به او يلتزم بعدمه في مرحلة الظاهر ، إذا اقتضت الاصول ذلك.

وأمّا المخالفة العمليّة ، فان كانت لخطاب تفصيليّ ، فالظاهر عدم جوازها ، سواء كانت

______________________________________________________

اذا كان له أب يحلّ نذره لو طلب منه ذلك؟ احتمالان :

من ان الخروج عن الموضوع ليس بواجب ، فالمسافر لا يلزم ان يحضر ولا العكس ومن ان المقام من قبيل الاضطرار ، حيث انه ليس الّا فيما لا مندوحة.

(فتأمّل جدّا) حتى يظهر لك : هل ان المخالفة الالتزامية حرام بنفسها وان لم تنجر إلى المخالفة العملية ، او انها محرمة لافضائها إلى المخالفة العملية؟ والكلام في المقام كثير ، نكتفي منه بهذا القدر ، لئلا نخرج عن موضوع الشرح.

ولا يخفى : ان «تأمّل» بمعنى : كن على امل ورجاء لان تفهم المسألة اكثر ، واصطلاحهم ذلك مجردا ، يفيد الاشكال فيما ذكر قبله ، وان ذكر مع «جدا» او «جيدا» او ما اشبه ، كان اشارة إلى الدّقة في المطلب.

(هذا كله في المخالفة القطعية للحكم المعلوم اجمالا ، من حيث الالتزام) لا من حيث العمل (بأن لا يلتزم به ، او يلتزم بعدمه في مرحلة الظاهر ، اذا اقتضت الأصول ذلك) أي الالتزام او عدم الالتزام.

(واما المخالفة العملية) للعلم الاجمالي (فان كانت) المخالفة (لخطاب تفصيلي) كما اذا قال : اكرم زيدا ، او لا تشرب الخمر ، واشتبه زيد بين نفرين ، والخمر بين إناءين (فالظاهر عدم جوازها) وانّما قال : فالظاهر ، لان بعض الفقهاء قال بالجواز لمكان «بعينه» في الرواية ـ كما سيأتي ـ (سواء كانت) المخالفة

٣١٩

في الشبهة الموضوعيّة ، كارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع : «اجتنب عن النجس» ، او كترك القصر والاتمام في موارد اشتباه الحكم ، لأنّ ذلك معصية لذلك الخطاب ،

______________________________________________________

(في الشبهة الموضوعية ، كارتكاب الإناءين المشتبهين) بالنجس (المخالف) ذلك الارتكاب (لقول الشارع : اجتنب عن النجس) فالخطاب معلوم بالتفصيل ، وانّما الاشتباه في الموضوع.

لكن ذلك فيما اذا لم يكن محذور كالاشتباه بالغصب ـ مثلا ـ فانه اذا لم يتمكن من مراجعة الحاكم لتعيين كل واحد منهما حقه ، ولا من عدول المؤمنين ، ولم يرض صاحب المال بالتمييز ، او لم يكن موجودا بنفسه او وليه وصل الأمر لافرازه بنفسه ، فيأخذ احد الإناءين او الثوبين او ما اشبه لنفسه ، ويجعل الآخر للثاني ويكون الاداء التفصيلي ، لا الاجمالي.

(او) في الشبهة الحكمية (كترك القصر والاتمام في موارد اشتباه الحكم) فانه مخاطب تفصيلا باقامة الصلاة ، لكن الاشتباه في الحكم وانه قصر أو تمام؟ كما اذا قصد الاقامة في مكان ثم سافر إلى ما دون اربعة فراسخ ، حيث يشك في ان تكليفه القصر او التمام ، فالخطاب معلوم تفصيلا والمتعلق مشكوك.

او في الشبهتين معا : بأن كان الشك في الموضوع وفي الحكم ، كما اذا لم يعلم بان الرضاع ، الناشر للحرمة يحصل بخمس عشرة رضعة او بعشرة ، ولم يعلم ايضا بان المرضعة هند او دعد (لان ذلك) الذي مثلناه من ارتكاب الإناءين ، وترك القصر والتمام ، والتزويج بالمرأتين يعد (معصية) عقلا وعرفا ، والمتشرعة أيضا تعدّه عصيانا ايضا (لذلك الخطاب) التفصيلي في الاولين ، والاجمالي في الثالث.

٣٢٠