الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

إلّا أنّ شبهة اعتبار نيّة الوجه ، كما هو قول جماعة بل المشهور بين المتأخّرين ، جعل الاحتياط في خلاف ذلك ، مضافا إلى ما عرفت من مخالفة التكرار للسيرة المستمرّة.

مع إمكان أن يقال :

______________________________________________________

ائتني برسائل الشيخ ، ثم قال : والطريق الى معرفة كتاب الرسائل ، خادمي هذا ، فلم يسمع العبد من الخادم ، وانّما جاء بكتابين احدهما الرسائل ، فانه امتثل قطعا ، لا انه لم يمتثل (إلّا ان شبهة اعتبار) التمييز و (نية الوجه كما هو قول جماعة) من الفقهاء والأصوليّين (بل المشهور بين المتأخرين) الذين يبدءون من المحقق الحلّي قدس‌سره على قول ، الى امثال الاردبيلي قدس‌سره ويطلق عليهم متأخري المتأخرين (جعل الاحتياط) في الامتثال الظني فقط (في خلاف ذلك) الاحتياط.

والحاصل : ان في المقام احتياطين : احدهما حاكم على الاحتياط الآخر ، فالاحتياط ـ مثلا ـ في ذكر التسبيحات الاربع ثلاث مرات ، لكن اذا كانت الصلاة في آخر الوقت مما يحتمل انه اذا سبّح ثلاث مرات فات الوقت فالاحتياط حينئذ في ترك هذا الاحتياط ، فيقال : الاحتياط في خلاف الاحتياط.

(مضافا الى ما عرفت) فيما تقدّم من الادلة الاخرى الدالة على خلاف الاحتياط ، والتي (من) جملتها (مخالفة التكرار للسيرة المستمرة) بين العقلاء ، بل وبين المتشرعة على وجه خاص.

(مع امكان ان يقال) بوجود دليل آخر اشرنا اليه سابقا ، وهو : دوران الامر بين التعيين والتخيير ، بضميمة : انه كلما كان كذلك قدم التعيين ، فاذا طلب المولى عالما ، ودار الامر بين ارادته عالما مطلقا ، حيث له ان يأتي اما بعالم الأدب ، وعالم الفقه ، وبين ارادته عالم الفقه فقط ، فانه اذا جاء العبد بعالم الفقه امتثل قطعا ، سواء

٢٤١

إنّه إذا شكّ بعد القطع بكون داعي الأمر هو التعبّد بالمأمور به ، لا حصوله بأيّ وجه اتفق ، في أنّ الداعي هو التعبّد بايجاده ولو في ضمن أمرين او أزيد ، او التعبّد بخصوصه متميزا عن غيره ؛ فالأصل عدم سقوط الغرض الداعي إلّا بالثاني ، و

______________________________________________________

اراد المولى احدهما ، او عالم الفقه فقط ، اما اذا جاء بعالم الادب ، لم يقطع بالامتثال ، لاحتمال ارادة المولى عالم الفقه فقط.

وما نحن فيه من صغريات دوران الامر بين تعيين الظن وبين التخيير بين الظن والاحتياط ، فاذا أتى بالظنّ كفى قطعا ، اما اذا أتى بالاحتياط احتمل عدم الكفاية ف (انه اذا شك) العبد (بعد القطع بكون داعي الامر) للمولى (هو التعبد بالمأمور به) بان كان غرض المولى من الامر بالصلاة هو : اتيان العبد بها وحدها بداعي القربة ، (لا حصوله) اي العمل المأمور به (بأي وجه اتفق) في التوصليات ، مثل غسل الثوب.

وعليه : فان شك (في ان الداعي) للمولى من امره (هو التعبد بايجاده) اي ايجاد العبد المأمور به العبادة ، كالصلاة ـ مثلا ـ (ولو في ضمن امرين) كالظهر والجمعة (او ازيد) كالصلاة الى اربعة جوانب (او التعبد بخصوصه) الذي وصل الظن الخاص به من طريق الخبر ، او من طريق اهل الخبرة (متميزا عن غيره) بان يكون قصد التمييز معتبرا (فالاصل) هو التعيين لا التخيير ، وذلك ل (عدم سقوط الغرض الداعي) الى الامر (الّا بالثاني) وهو التعبد بخصوصه.

(و) ان قلت : ليس الاصل : التعيين ، بل التخيير ، لان الاصل : الاطلاق ، حيث اطلق المولى فيما دل على العبادة فاذا قال : «صلّ» ولم يقل : صلّ صلاة وصل اليها الظن فقط ، وأتى العبد بصلاتين اطاع المولى في قوله «صلّ» اذ الامتثال

٢٤٢

هذا ليس تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يرفع باطلاقه ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

التفصيلي ـ لا الاجمالي ـ يقيّد دليل العبادة ، بينما ظاهر الدليل الاطلاق ، بل قالوا : لو شك الانسان في الاطلاق والتقييد ، فاصالة الاطلاق محكمة ، حتى يأتي دليل على التقييد ، فالظهور والاصل كلاهما مع الاطلاق.

قلت : (هذا) الذي ذكرناه من لزوم الامتثال التفصيلي ، في قبال الامتثال الاجمالي (ليس تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يرفع) القيد (باطلاقه) اي بسبب اطلاق الدليل (كما لا يخفى) على من تأمل في المسألة ، فان المكلّف مأمور بتحصيل غرض المولى اذ الامر ناشئ منه ، فاذا أتى بالامتثال التفصيلي يقطع بانه أتى بالغرض ، اما اذا لم يأت به لا يعلم انه أتى بالغرض.

وان شئت جعلت الجواب في صورة قياس فتقول : «تحصيل الغرض واجب» و «لا يعلم بحصوله بدون الامتثال التفصيلي» «فيجب الامتثال التفصيلي» وعليه : فليس الامر من التقييد وعدم التقييد ، بل من الشك في الاطلاق وعدم الاطلاق ، فالبحث يكون كالمجمل الذي له قدر متيقن ، لا كالمطلق الذي اذا شك في تقييده كان الاصل عدم التقييد.

هذا بيان ، ويمكن هنا بيان آخر لكلام المصنّف ـ اي جوابه عن الاشكال ـ وهو :

ان الامتثال من باب الطاعة ، والعقل هو المحكم في هذا الباب لا الشرع ، فالشرع امر بالعبادة ، والعقل يلزم بالاطاعة ، فاذا شك في تقييد الشارع امره ، كان الاصل عدم التقييد ، لا ما اذا شك في ان العمل الفلاني اطاعة ام لا؟ فالمرجع العقل ، وهو يقول : ائت بما تتيقن انه طاعة ، والامتثال التفصيلي متيقن انه اطاعة ، اما الامتثال الاجمالي فلا يقين في كونه اطاعة ، فاللازم عقلا : تركه والاتيان بالامتثال التفصيلي.

٢٤٣

وحينئذ : فلا ينبغي بل لا يجوز ترك الاحتياط في جميع موارد إرادة التكرار بتحصيل الواقع أوّلا بظنّه المعتبر من التقليد او الاجتهاد باعمال الظنون الخاصّة او المطلقة وإتيان الواجب

______________________________________________________

لكن كلام المصنّف قدس‌سره هذا ، محل نظر ذكرناه في «الاصول» (١).

(وحينئذ) اي حين كان الواجب تحصيل غرض المولى ، فاللازم : ان يأتي المكلّف اولا بمقتضى الامتثال التفصيلي.

وثانيا : بشقّه الآخر ، فاذا شك في ان الواجب الظهر او الجمعة ، وقد ادّى الظن الخاص الى وجوب الظهر ، أتى اولا بالظهر ، وثانيا بالجمعة ، فانه اذا كان التكليف : الظهر ، فقد أتى به بنية الوجه والتمييز ، وان كان التكليف : الجمعة فقد أتى بها ، حيث انه امتثل اجمالا بالجمع بين الظهر والجمعة.

وعليه : (فلا ينبغي ، بل لا يجوز ترك الاحتياط) التام ـ كما صورناه ـ وهو يجري (في جميع موارد ارادة التكرار) للعبادة وذلك (بتحصيل) واتيان (الواقع أولا ب) ما ادّى اليه (ظنه المعتبر) شرعا ، لانه قام عليه الدليل الظني ـ وهو الخبر ـ بوجوب الظهر في يوم الجمعة ـ مثلا ـ بنية الوجه والتمييز.

وهذا الظن المعتبر بالظهر حاصل (من التقليد) ان كان عاميا افتى مجتهده بوجوب الظهر (او الاجتهاد) ان كان مجتهدا وصل اجتهاده الى الظهر بالظن الخاص اذا كان انفتاحيا ، وذلك (باعمال الظنون الخاصة) كظاهر القرآن ، او الخبر الواحد ، او التمسك بالاجماع ، او نحو ذلك (او) الظنون (المطلقة) الحاصلة له من اي سبب كان بان كان انسداديا ، فانه يوجب الظن النوعي ـ في الانسداد ـ.

(و) على هذا : فعليه اولا : (اتيان الواجب) الذي تميز بالظن الخاص ،

__________________

(١) ـ راجع كتاب الاصول : الجزء السابع ص ٢٩ الأدلّة العقلية للشارح.

٢٤٤

مع نيّة الوجه ، ثم الاتيان بالمحتمل الآخر بقصد القربة من جهة الاحتياط.

وتوهّم : «أنّ هذا قد يخالف الاحتياط من جهة احتمال كون الواجب ما أتى به بقصد القربة ، فيكون قد أخلّ فيه بنيّة الوجوب» ، مدفوع بأنّ

______________________________________________________

او الظن المطلق (مع نية الوجه) والتمييز ـ كالظهر في مثالنا ـ (ثم الاتيان بالمحتمل الآخر) من العلم الاجمالي وهو الجمعة في مثالنا (بقصد القربة) لانه عبادة ، وانّما يأتي بالجمعة (من جهة الاحتياط) لاحتمال وجوبها.

(و) ان قلت : اذا أتى المكلّف اولا بما وصل اليه ظنه بقصد الوجوب ـ لانه مؤدّى الدليل ـ ثم أتى بالمحتمل الآخر بقصد القربة فقط بدون قصد الوجوب ، كان ذلك خلاف الاحتياط ، لاحتمال ان الواجب واقعا هو العمل الثاني ، ولم يأت به بقصد الوجوب ، ففاته في الثاني الوجه والتمييز ، وعليه : ف (توهم : ان هذا) الثاني الذي اتى به بدون قصد الوجوب بل باحتمال الوجوب (قد يخالف الاحتياط من جهة احتمال كون الواجب) الواقعي الذي يريده المولى هو (ما أتى به بقصد القربة) فقط بدون قصد الوجوب ، كالجمعة في مثالنا (فيكون قد اخل فيه) اي في هذا الثاني (ب) سبب تركه (نية الوجوب) بناء على لزوم نية الوجوب ، في الاتيان بالواجب التعبدي.

قلت : هذا التوهم (مدفوع بأن) نية الوجه ساقطة في الثاني ، لدوران الامر بين ان يأتي بالثاني بقصد الوجه ، وهذا تشريع محرم ، حيث الدليل دلّ على ان الاول هو الواجب لا الثاني ، وبين ان يأتي به بقصد القربة فقط ، اي بقصد احتمال انه مقرّب الى الله سبحانه بدون قصد الوجوب وهو خلاف الاحتياط ـ الذي هو قصد الوجه في العبادة ـ فاذا دار الامر بين ترك المحرّم وبين خلاف الاحتياط ، لزم

٢٤٥

هذا المقدار من المخالفة للاحتياط ممّا لا بدّ منه ، إذ لو أتي به بنيّة الوجوب كان فاسدا قطعا ، لعدم وجوبه ظاهرا على المكلّف بعد فرض الاتيان بما وجب عليه في ظنّه المعتبر.

وإن شئت قلت : إنّ نيّة الوجه ساقطة فيما يؤتى به من باب الاحتياط ، إجماعا ، حتى من القائلين باعتبار نيّة الوجه ،

______________________________________________________

تقديم الاول ، فان (هذا المقدار من المخالفة للاحتياط) بأن لا يأتي بالعمل الثاني بقصد الوجوب (مما لا بد منه) وعلاج له.

(اذ لو أتى به) أي بالثاني (بنيّة الوجوب كان فاسدا قطعا) لانّه تشريع محرم (لعدم وجوبه) أي الثاني (ظاهرا) حسب الادلة الظاهرية من الاجتهاد او التقليد (على المكلّف بعد فرض الاتيان) اي اتيان المكلّف (بما وجب عليه في ظنّه المعتبر) اجتهادا او تقليدا ، اولا.

(وان شئت قلت) في جواب الاشكال المتقدم ـ وتوهم ـ : (انّ نيّة الوجه) في الثاني كالجمعة في المثال (ساقطة فيما يؤتى به من باب الاحتياط اجماعا) من غير فرق بين كون الاحتياط واجبا ، كما اذا لم يقم دليل على ان الواجب هو الظهر او الجمعة ، او نذر الصوم ثمّ لم يعلم انّه نذر صوم يوم الخميس او يوم الجمعة ، او نذر صوما او صلاة ثم شكّ في انّ نذره تعلق بايّهما ، فان اللازم عليه في كلّ الامثلة ان يأتي بهما جميعا ، وبين ان يكون الاحتياط افضل اي مستحبّا : كما اذا قام الدليل على الظهر ، لكنّه يحتمل وجوب الجمعة ، حيث يأتي بها ايضا احتياطا لادراك الواقع ، فانّه اجماع على عدم اعتبار نيّة الوجه في كلا القسمين من الاحتياط : الواجب والمستحب (حتّى من القائلين باعتبار نيّة الوجه) والتمييز ، وانّما قلنا انّه

٢٤٦

لأنّ لازم قولهم باعتبار نيّة الوجه في مقام الاحتياط عدم مشروعية الاحتياط وكونه لغوا.

ولا اظنّ أحدا يلتزم بذلك ، عدى السيّد أبي المكارم في ظاهر كلامه في الغنية في ردّ الاستدلال على كون الأمر للوجوب بأنّه أحوط ،

______________________________________________________

اجماع حتّى منهم (لانّ لازم قولهم باعتبار نيّة الوجه في مقام الاحتياط) اذا قالوا به ـ لكنّهم لا يقولون به ـ ان يكون معناه : (عدم مشروعية الاحتياط) في العبادة (وكونه) اي الاحتياط (لغوا) لانّه لا يجتمع الاحتياط مع نيّة الوجه ، فامّا ان يرفعوا اليد عن الوجه في الاحتياط ، وامّا ان يقولوا بانّه لا احتياط اطلاقا.

(ولا اظنّ احدا) من الفقهاء (يلتزم بذلك) أي بانّه لا احتياط في العبادة اطلاقا ، فحيث التزموا بوجود الاحتياط ، لا بدّ وأن يرفعوا اليد عن لزوم قصد الوجه في باب الاحتياط.

(عدا) وهو استثناء من «احدا» (السيد ابي المكارم) ابن زهرة (في ظاهر كلامه في الغنية ، في ردّ الاستدلال) من بعضهم (على كون الامر للوجوب : بانّه احوط) وذلك لانّهم قالوا : اذا أتى بالمأمور به اصاب الواقع ، سواء كان واجبا أو مستحبا ، امّا اذا لم يأت به لاحتمال الاستحباب ، احتمل انّه خالف الواقع ، فالاحوط : ان يحمل الامر على الوجوب حتّى يأتي به.

هذا استدلال اولئك ، وردّهم ابن زهرة حيث قال : ان حمل الامر على الوجوب ضدّ الاحتياط ، لانّه ينجرّ الى امور قبيحة كالاعتقاد بوجوب الفعل ، والعزم على اداء الفعل بقصد الوجوب ، والاعتقاد بقبح ترك ذلك الفعل ، ومن المعلوم ان كلّ هذه الامور قبيحة ، وظاهر هذا الكلام عدم تشريع الاحتياط ، وكون الاحتياط

٢٤٧

وسيأتي ذكره عند الكلام على الاحتياط في طيّ مقدّمات دليل الانسداد.

المقام الاوّل

أمّا المقام الأوّل : وهو كفاية العلم الاجماليّ في تنجّز التكليف واعتباره كالتفصيليّ : فقد عرفت أنّ الكلام في اعتباره بمعنى وجوب الموافقة القطعيّة ، وعدم كفاية الموافقة الاحتماليّة

______________________________________________________

خلاف الاحتياط (وسيأتى ذكره) اي كلام ابن زهرة (عند الكلام على الاحتياط في طيّ مقدّمات دليل الانسداد) ان شاء الله تعالى.

المقام الاول

(اما المقام الاول : وهو) : انّه هل يثبت التكليف بالعلم الاجمالي؟ بعد ان عرفت حكم المقام الثاني : وهو انّه هل يسقط التكليف بالامتثال الاجمالي؟.

وقد تقدّم : (كفاية العلم الاجمالي في تنجز التكليف واعتباره) اي اعتبار التكليف ، فلا يكون الانسان بعد علمه الاجمالي بالتكليف ، من حيث الحكم كالجاهل الذي لا يعلم بالتكليف اصلا ، فليس كالجاهل حكمه البراءة ، بل العلم الاجماليّ (كالتفصيلي) في التنجيز ، وله مرتبتان : مرتبة وجوب الموافقة القطعيّة ، ومرتبة حرمة المخالفة القطعيّة.

(ف) المرتبة الاولى : (قد عرفت انّ الكلام في اعتباره) اي اعتبار العلم الاجمالي (بمعنى : وجوب الموافقة القطعيّة ، وعدم كفاية الموافقة الاحتماليّة) بأن يأتي باحد طرفي العلم الاجمالي فقط ، فاذا علم ـ مثلا : بنجاسة أحد الإناءين ، فالواجب هو عليه الاجتناب عن احدهما فقط دون الآخر ، واذا علم ـ مثلا ـ بوجوب اما الظهر واما الجمعة فعليه ان يأتي باحدهما فقط ، واذا علم ـ مثلا ـ بانّه

٢٤٨

راجع إلى مسألة البراءة والاحتياط ، والمقصود هنا بيان اعتباره في الجملة الذي أقلّ مرتبته حرمة المخالفة القطعيّة ، فنقول : إنّ للعلم الاجماليّ صورا كثيرة ، لأنّ الاجمال الطاري ، إمّا من جهة متعلّق الحكم مع تبيّن نفس الحكم تفصيلا ،

______________________________________________________

امّا يجب عليه صيام يوم ، او يحرم عليه شرب التتن ـ لانّه نذر احدهما ثمّ نسي المنذور منها ـ فاللازم عليه : امّا الصيام ، وامّا ترك الشرب ، وهذا البحث (راجع الى مسألة البراءة والاحتياط) ممّا سيأتي ان شاء الله تعالى.

(والمقصود هنا) في بحث القطع (بيان) المرتبة الثانية وهي : (اعتباره) اي اعتبار العلم الاجمالي (في الجملة) مقابل عدم اعتباره مطلقا و (الذي اقلّ مرتبته) من الاعتبار : (حرمة المخالفة القطعيّة) فلا يجوز ان يشرب كلا الإناءين اللذين احدهما مقطوع النجاسة ، ولا يجوز ان يترك كلتا الصلاتين : الظهر ، والجمعة ، اللتين يعلم اجمالا بوجوب احدهما (فنقول) وعلى الله التكلان : ـ

(انّ) المصنّف أتى بتقسيمين ، وقسّم التقسيم الثاني الى نوعين ، وقسّم النوع الثاني الى صنفين ، وقسّم الصنف الثاني الى شخصين ، وقد أوردوا على تقسيمه هذا عدّة اشكالات ، لكنّها حيث كانت خارجة عن مقصود الشرح تركناها للمفصّلات.

وكيف كان ، ف (للعلم الاجماليّ : صورا كثيرة ، لانّ الاجمال الطارئ) اي العارض على العلم في التقسيم الاول (امّا من جهة) الموضوع ، او من جهة الحكم ، او من جهة كلّ من الموضوع والحكم.

فالاول : كون (متعلّق الحكم) اي موضوعه مجملا (مع تبيّن) ووضوح (نفس الحكم تفصيلا) وله مثالان : الشبهة الوجوبية ، والشبهة التحريمية ،

٢٤٩

كما لو شككنا أنّ حكم الوجوب في يوم الجمعة يتعلّق بالظهر او الجمعة ، وحكم الحرمة يتعلّق بهذا الموضوع الخارجي من المشتبهين أو بذاك ، وإمّا من جهة نفس الحكم مع تبيّن موضوعه ، كما لو شكّ في أنّ هذا الموضوع المعلوم الكلّي او الجزئي تعلّق به الوجوب او الحرمة ؛

______________________________________________________

فالشبهة الوجوبية : (كما لو شككنا ان حكم الوجوب) المقطوع به (في يوم الجمعة) ظهرا هل (يتعلق بالظهر او الجمعة؟ و) الشبهة التحريمية : كما لو شككنا في ان (حكم الحرمة) الذي جاء بسبب النذر مثلا ، هل (يتعلق بهذا الموضوع الخارجي من المشتبهين) كالتبغ (او بذاك) كالترياق؟ فيما اذا نذر ان لا يستعمل احدهما الخاصّ ، ثم نسي متعلّق نذره.

هذا كلّه من جهة الاشتباه في متعلق الحكم (واما من جهة) الاشتباه في (نفس الحكم مع تبيّن موضوعه) بأن لم يعلم الحكم الشرعي انّه حرمة او وجوب ، لكن يعلم الموضوع (كما لو شكّ في انّ هذا الموضوع المعلوم) له (الكلّي) كالجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتية ، واجب باعتبار انّه بسملة ، او حرام باعتبار ان الصلاة اخفاتية ، ويلزم اخفات كلّ القراءة فيها (او الجزئي) كما اذا شكّ في ان زوجته هذه في حالة الحيض حتّى يحرم وطيها ، او مرّ عليها اربعة اشهر حتّى يجب وطيها ، ولم يعلم هل (تعلّق به) أي بهذا الموضوع الكلّي او الجزئي (الوجوب او الحرمة)؟.

امّا اذا كان طرف الوجوب ، الاحكام الثلاثة الأخر : من الكراهة ، او الاستحباب ، او الاباحة ، فالاصل : البراءة ، كما انّه اذا كان طرف الحرمة كذلك ، فالاصل : البراءة ايضا ، وكذلك يكون الاصل ، البراءة فيما اذا شك بين انّه واجب او حرام ، او له احد الاحكام الثلاثة الأخر؟.

٢٥٠

وإمّا من جهة الحكم والمتعلّق جميعا ، مثل أن نعلم أنّ حكما من الوجوب والتحريم تعلّق بأحد هذين الموضوعين.

ثمّ الاشتباه في كلّ من الثلاثة ،

______________________________________________________

(وامّا) الاشتباه (من جهة الحكم والمتعلق) اي الحكم والموضوع (جميعا) فهناك شكّان : في نوع التكليف ، وشكّ في المكلّف به (مثل ان نعلم) اجمالا (ان حكما من الوجوب والتحريم تعلّق بأحد هذين الموضوعين) كما اذا لم يعلم انّه حلف على الوطي ، او على ترك الوطي ، ولم يعلم ايضا انّ حلفه تعلّق بهند او دعد ، والمفروض انهما زوجتاه.

ثم لا يخفى : انّ المراد «المتعلق» اعمّ من نفس الموضوع ، او المرتبط بالموضوع ، كما اذا علم انّه حلف على الصلاة ، فالموضوع وهو الصلاة معلوم ، والحكم وهو الوجوب معلوم ايضا ، الّا انّه لا يعلم هل حلف على الصلاة في هذا المسجد ، او في ذاك المسجد؟ الى غير ذلك من المتعلّقات الزمانيّة والمكانيّة وسائر الخصوصيّات ، كما اذا لم يعلم انّه حلف على الصلاة مع هذا الامام ، او ذاك الامام؟.

(ثم) انّه حيث قد عرفت التقسيم الاول للمصنف ، يأتي التقسيم الثاني : وهو كون الشكّ في نوع التكليف ، او في المكلّف به ، أو فيهما معا ، وكلّ واحد من هذه الثلاثة ـ التي ذكرناها في القسم الاول ـ يأتي في التقسيم الثاني ايضا ، وهو : الشكّ قد يكون في الشبهة الحكميّة ، وسبب الشبهة الحكميّة قد يكون : فقدان النصّ ، او اجماله ، او تعارضه ، وقد يكون في الشبهة الموضوعيّة : ممّا يلزم استطراق باب العرف للسؤال عن الموضوع الوارد في النصّ ، فيما اذا اشتبه الموضوع لدى المكلّف ، فان (الاشتباه في كلّ من الثلاثة) المتقدّمة في التقسيم

٢٥١

إمّا من جهة الاشتباه في الخطاب الصادر عن الشارع كما في مثال الظهر والجمعة ، وإمّا من جهة اشتباه مصاديق متعلّق ذلك الخطاب كما في المثال الثاني. والاشتباه في هذا القسم إما في المكلّف به كما في الشبهة المحصورة وإمّا في المكلّف.

______________________________________________________

الاول (امّا) شبهة حكميّة ناتجة (من جهة الاشتباه في الخطاب الصادر عن الشارع) وهذا الاشتباه امّا من جهة فقده ، او من جهة اجماله ، او من جهة تعارضه ، مثلا : النصّ مفقود في التبغ ، ولذا نشكّ في حكمه هل انّه حرام كما قاله بعض ، او حلال كما قاله آخرون؟.

والنصّ مجمل في قوله تعالى : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ...)(١) ، هل يراد بالخير :

الايمان ، او المال؟ فاذا نذر ان يكاتب عبده الذي كان مصداقا للآية ، فهل يكاتب المؤمن الذي لا مال له ، او ذا المال الذي لا ايمان له.

والنصّ متعارض في صلاة الجمعة حيث يقول نصّ : بانّه من وظائف الامام ، ونصّ آخر : انّه وظيفة كلّ مسلم مع اجتماع خمسة مثلا (كما في مثال الظهر والجمعة) الصادر من الشارع ، وغيرها من الامثلة.

(وامّا) شبهة موضوعيّة ناتجة (من جهة اشتباه مصاديق) وافراد (متعلق ذلك الخطاب) اي موضوعة ، او متعلق الموضوع على ما تقدّم (كما) ذكر (في المثال الثاني) عند قوله : وحكم الحرمة يتعلق بهذا الموضوع الى آخره ، فاذا قال الشارع : اجتنب عن الخمر ، ثمّ لم نعلم ان هذا الاناء خمر ، او الاناء الآخر ، كان من الشبهة المصداقية (والاشتباه في هذا القسم) ممّا سميناه صنفا ، وهي الشبهة الموضوعية.

__________________

(١) ـ سورة النور : الآية ٣٣.

٢٥٢

وطرفا الشبهة في المكلّف إمّا أن يكونا احتمالين في مخاطب واحد كما في الخنثى ،

______________________________________________________

(امّا في) العمل (المكلّف به ، كما) مثلناه (في) الإناءين المشتبهين ، ممّا يسمّى ب (الشبهة المحصورة) في قبال الشبهة غير المحصورة ، ممّا لا يلزم الشارع فيها العمل بالتكليف ، كما اذا كان في بلد مائة خباز احدهم نجس ، فانّه يجوز اشتراء الخبز من بعضهم ، اذا لم يكن جميعهم محل الابتلاء ، كما سيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

(وامّا) الاشتباه (في) الشخص (المكلّف) فالتكليف واضح ، لكن المكلّف مجهول ، وهذا التقسيم الاخير ، وهو الشخص يكون على ضربين كما اشار اليه بقوله :

(وطرفا الشبهة في المكلّف امّا ان يكونا) اي طرفا الشبهة (احتمالين في مخاطب واحد ، كما في الخنثى) حيث يحتمل ان يكون في الواقع رجلا محكوما باحكامه كصحة كونه مرجعا للتقليد للرجال ، وأحد الشاهدين الرجلين ، او الشهود الرجال ، وقاضيا ، وله ضعف الانثى في الارث ، ويتزوج بزوجة ، الى غير ذلك ، ويحتمل ان يكون امرأة محكومة باحكامها كأن تكون زوجة ولها نصف الذكر ، ويلزم عليها الحجاب ، ونفقتها على الزوج ، الى غير ذلك.

ثم انّه هل الخنثى المشكل في الواقع رجل او امرأة ، او انّه قسم ثالث؟ المشهور على الاول ، وقد ذكرنا تفصيل الكلام في ذلك في الفقه ، كما لم نستبعد انّه اذا كان مشكلا ، ان يكون له الحقّ في ان يلحق نفسه بالرجال مطلقا ، او بالنساء مطلقا ، لكون «الناس مسلّطون على انفسهم» (١) ، الى غير ذلك ممّا ذكرناه هناك.

__________________

(١) ـ يستفاد من قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) سورة الاحزاب الآية ٦.

٢٥٣

وإمّا أن يكونا احتمالين في مخاطبين كما في واجدي المنيّ في الثوب المشترك.

ولا بد قبل التعرّض لبيان حكم الأقسام من التعرّض لأمرين.

أحدهما :

______________________________________________________

(واما ان يكونا) اي طرفا الشبهة (احتمالين في مخاطبين ، كما في واجدي المني في الثوب المشترك) اذ يحتمل كون الجنابة من هذا او ذاك ، وكذلك الدّم الذي يقطع بكونه حيضا في ثوب احدى المرأتين.

ولا يخفى : انّه لا فرق بين الشكّ في المكلّف به ، او المكلّف ، في انّه من اقسام الشكّ في الموضوع ، وليس شيئا خارجا عن قسمي الشكّ في الموضوع او في الحكم ، كما انّ هناك مثالا آخر : وهو اذا علم بأنّه حلف ان يطأ احدى زوجتيه ، وحلف ان لا يطأ زوجة اخرى ، ثمّ شكّ في انّ ايتهما محلوفة الوطي وايتهما محلوفة الترك؟ لزم عليه وطي احداهما وترك وطي الاخرى ، لانّه يحتمل بهذا مطابقة فعله للواقع ، امّا اذا وطئهما معا ، او تركهما معا ، فانّه يعلم انّه قد خالف الحلف.

(ولا بدّ قبل التعرض لبيان حكم الاقسام) الستة : ثلاثة للتقسيم الاول : من انّ الأعمال قد يكون في الموضوع ، او في الحكم ، او في كليهما ، وثلاثة للتقسيم الثاني : من انّ الاشتباه في كلّ من الثلاثة الاول امّا في الخطاب ، او في المكلّف به ، او في المكلّف ، وقد عرفت تقسيم المكلّف الى مكلّف واحد او مكلّفين.

ثم لا بد (من التعرض لامرين : احدهما :) انّ كلامنا في العلم الاجمالي ، ليس فيما اذا اخذ العلم في الموضوع ، بل فيما اذا اخذ في الحكم ، اذ لو اخذ العلم في الموضوع ، كان الاعتبار بكيفية الاخذ لا بالعلم.

٢٥٤

انّك قد عرفت في أوّل مسألة اعتبار العلم أنّ اعتباره قد يكون من باب محض الكشف والطريقيّة وقد يكون من باب الموضوعيّة بجعل الشارع.

والكلام هنا في الأوّل ، إذ اعتبار العلم الاجماليّ وعدمه في الثاني تابع لدلالة ما دلّ على جعله موضوعا.

فان دلّ على كون العلم التفصيليّ داخلا في الموضوع ،

______________________________________________________

مثلا : قد يقول المولى : اذا علمت علما تفصيليّا بانّ لنا ضيوف في هذا اليوم ، وجب عليك تهيئة الطعام.

ومعنى ذلك : انّه اذا علم اجمالا بالضيوف في هذا اليوم او في غد لم يجب عليه تهيئة الطعام ، وقد يقول : اذا علمت سواء اجمالا او تفصيلا : فعليك تهيئة الطعام ، وقد يقول : اذا علمت اجمالا لا تفصيلا ، فعليك تهيئة الطعام ، لانّ العلم ليس بطريق في حال اخذه في الموضوع.

ف (انّك قد عرفت في اول) الكتاب في (مسألة اعتبار العلم : ان اعتباره) من قبل المولى (قد يكون من باب محض الكشف) عن الواقع (والطريقيّة) الى الواقع (وقد يكون من باب الموضوعيّة بجعل الشارع) فلا اعتبار بكونه كاشفا ، وانّما من جهة انّه صفة نفسانيّة.

(والكلام هنا) في العلم الاجمالي (في الاول) الذي هو الطريقي المحض :

وانّه هل يكون منجزا او ليس بمنجز؟ لا في العلم الموضوعي (اذ اعتبار العلم الاجمالي وعدمه) وانّه معتبر او ليس بمعتبر (في الثاني) اي العلم الموضوعي (تابع لدلالة ما) اي للدليل الذي (دلّ على جعله) اي جعل العلم (موضوعا) وذلك على ثلاثة اقسام كما عرفت :

١ ـ (فان دلّ) الدليل (على كون العلم التفصيلي داخلا في الموضوع) لا العلم

٢٥٥

كما لو فرضنا أنّ الشارع لم يحكم بوجوب الاجتناب إلّا عمّا علم تفصيلا نجاسته ، فلا اشكال في عدم اعتبار العلم الاجماليّ بالنجاسة.

الثاني :

______________________________________________________

الاجمالي (كما لو فرضنا ان الشارع لم يحكم بوجوب الاجتناب ، الّا عمّا علم تفصيلا نجاسته) بأن قال : اجتنب عن النجس المعلوم تفصيلا ، لا ما اذا تردّدت في انّ النجس هذا الاناء او ذاك (فلا اشكال في عدم اعتبار العلم الاجمالي بالنجاسة) في احد الإناءين.

٢ ـ وان دلّ الدليل على ان الموضوع اعمّ من العلم التفصيلي او الاجمالي ، كان اللازم الاجتناب عن المعلوم تفصيلا وعن المعلوم اجمالا معا.

٣ ـ وان دلّ الدليل على ان الموضوع هو العلم الاجمالي لا التفصيلي ، كان اللازم الاجتناب عن المعلوم اجمالا لا المعلوم تفصيلا.

ثمّ في الثالث قد يقول : اجتنب عن كلّ من طرفي العلم الاجمالي ، وقد يقول :

اجتنب عن احدهما المعيّن ، كالاناء الاحمر لا الابيض ، وقد يقول : اجتنب عن احدهما المردّد ، فالاقسام في العلم الموضوعي خمسة.

(الثاني) في انّ العلم التفصيلي ـ الذي هو طريقي ـ حجّة مطلقا وان كان متولّدا من العلم الاجمالي ، فاذا علم مثلا بأنّه : امّا قد ضحك في صلاته ، او قد بكى ، كان عالما بالبطلان ، لانّ كلّ واحد منهما مبطل ، وكذلك اذا علم انّه امّا اكل في الصوم او شرب.

لكن لا يخفى : انّ العلم التفصيلي المتولّد من العلم الاجمالي انّما يكون حجّة بالقدر الجامع ، لا بالقدر المختصّ بكلّ طرف من اطراف العلم الاجماليّ ، فمثلا : الافطار بلا عذر بشرب الماء في نهار شهر رمضان موجب لكفارة واحدة ، وأكل

٢٥٦

انّه إذا تولّد من العلم الاجماليّ العلم التفصيليّ بالحكم الشرعيّ في مورد ، وجب اتّباعه وحرم مخالفته ، لما تقدّم من اعتبار العلم التفصيليّ من غير تقييد بحصوله من منشأ خاصّ ، فلا فرق بين من علم تفصيلا ببطلان صلاته بالحدث او بواحد مردّد بين الحدث والاستدبار ، او بين ترك ركن وفعل مبطل ،

______________________________________________________

لحم الخنزير موجب للكفارات الثلاث ، وقد علم انّه فعل احدهما ، فانّ البطلان المتيقّن لا يوجب الّا كفارة واحدة ، لاصالة عدم الزائد عليها ، وهذا بحث مفصّل قد يأتي في ثنايا الكتاب.

وعلى ايّ حال : ف (انّه اذا تولّد من العلم الاجمالي ، العلم التفصيلي بالحكم الشرعي في مورد) كما تقدّم مثاله (وجب اتباعه) اي اتباع ذلك العلم التفصيلي بترتيب اثره عليه (وحرم مخالفته) سواء حصل العلم التفصيلي من فعلين ، او تركين ، او فعل وترك.

وانّما يجب الاتباع (لما تقدّم من اعتبار العلم التفصيلي من غير تقييد بحصوله من منشأ خاصّ) فان القطع التفصيلي الطريقي حجّة ، من غير فرق بين الاشخاص ، والاسباب ، والازمان ، والاماكن ، وسائر الخصوصيّات.

وعليه : (فلا فرق) في عدم كفاية ما صلّاه (بين من علم تفصيلا ببطلان صلاته بالحدث) كما اذا علم بانّه قد غلبه النوم (او) علم ببطلانها علما تفصيليا متولدا من علم اجمالي بالبطلان (بواحد مردّد بين الحدث والاستدبار) للقبلة (او) علم ببطلانها بواحد مردد (بين ترك ركن) كترك الركوع (وفعل مبطل) كزيادة الركوع ـ مثلا ـ فالمردّد بين الضحك والبكاء ايجابيان ، وبين ترك الركوع او السجدتين سلبيان وبين الضحك او ترك الركوع ايجابي وسلبي.

٢٥٧

او بين فقد شرط من شرائط صلاة نفسه وفقد شرط من شرائط صلاة إمامه بناء على اعتبار وجود شرائط الامام في علم المأموم ، إلى غير ذلك.

______________________________________________________

ثمّ مثل المصنّف لما اذا كان منشأ البطلان المردّد بين ما لنفسه وما لإمامه بقوله : (او) بواحد مردد (بين فقد شرط من شرائط صلاة نفسه) اي صلاة المصلي نفسه (وفقد شرط من شرائط صلاة امامه) كما اذا علم بجنابة احدهما.

والمراد بالشرط : اعمّ من الجزء ، مثلا : لو علم بانّه امّا لم يركع هو ، وامّا لم يركع امامه ، وكان بينهما ارتباط بان جاء بركوع لاجل المتابعة ، امّا اذا لم يكن بينهما ارتباط ، لم يحصل العلم التفصيلي بالبطلان ، كما اذا علم بانّ احدهما ترك الركوع ، بدون اتيان المأموم بركوع متابعي ، فانّه لا يعلم ببطلان صلاته ، لانّ امامه اذا لم يأت بالركوع ، انفردت صلاة المأموم لا انّها تبطل.

ثمّ انّما يعلم المأموم ببطلان صلاته تفصيلا في مثال جنابة نفسه او جنابة إمامه كما تقدّم (بناء على اعتبار وجود شرائط) صلاة (الامام في علم المأموم) فانّ الاحتمالات هنا ثلاثة : ـ

الاول : انّ المناط : الواقع ، فان كانت صلاة الامام واجدة للشرائط واقعا ، صحّت والّا بطلت.

الثاني : المناط : علم الامام ، فاذا علم الامام بصحّة صلاته كفى في الاقتداء به ـ وان كان المأموم يعلم عدم وجدان صلاة الامام للشرائط ـ.

الثالث : انّ المناط : علم المأموم ، فاذا علم بعدم وجدان صلاة الامام للشرائط ، لا يصحّ الاقتداء به ، وإلّا صحّ.

ثم ان ما ذكره المصنّف قدس‌سره من قوله : «بناء» اشارة الى الامر الثالث ، وكما ان المراد ب «العلم» : أعمّ من العلم الوجداني او التنزيلي (الى غير ذلك) من امثلة

٢٥٨

وبالجملة : فلا فرق بين هذا العلم التفصيليّ ، وبين غيره من العلوم التفصيليّة ، إلّا أنّه قد وقع في الشّرع موارد يوهم خلاف ذلك :

منها : ما حكم به بعض فيما إذا اختلفت الأمّة على قولين ولم يكن مع أحدهما دليل ، من أنّه يطرح القولان ويرجع إلى مقتضى الأصل ،

______________________________________________________

العلم الاجمالي المفضي الى العلم التفصيلي ، كما اذا علم بأنّ المرأة الفلانيّة امّا اخته من الرضاعة ، او اخته من النسب ، حيث يحرم عليه ان يتزوج بها.

(وبالجملة : فلا فرق بين هذا العلم التفصيلي) المتولّد من علم اجمالي (وبين غيره من العلوم التفصيلية) فانّ اختلاف الاسباب لا يكون سببا لعدم حجّية العلم ، وكذلك في الظنون الخاصّة ، كالخبر الواحد ، والظنّ الانسدادي ، اذا وصلت النوبة اليه (الّا انّه قد وقع في الشرع موارد يوهم خلاف ذلك) اي يوهم عدم الاعتبار بالعلم التفصيلي المتولّد من العلم الاجمالي ، فاللازم ان نلاحظ تلك الموارد حتّى نرى هل الشارع حكم بعدم الاعتبار فيها ام لا؟.

(منها) اي من تلك الموارد (: ما حكم به بعض فيما اذا اختلفت الامّة) في مورد (على قولين) كما اذا قال بعضهم : بانّ البئر لا تتنجّس بوقوع نجس فيها مطلقا ، وقال بعضهم : بانّها تتنجّس مطلقا (ولم يكن مع احدهما دليل من) الشرع معتبر يمكن الاستناد اليه ف (انّه يطرح القولان) كأن لم يكونا (ويرجع الى مقتضى الاصل) من براءة ، او استصحاب ، أو ما أشبه.

فانّ الاصل قد يكون مع احدهما ، كما في مثال البئر ، حيث انّ الاصل فيها الطهارة ، وهذا لا محذور فيه ، وقد يكون الاصل خلاف كلا القولين ، كما اذا قال بعضهم : بوجوب الجهر بالبسملة في الصلاة الاخفاتيّة ، وبعضهم : بحرمة الجهر ، فانّا اذا طرحنا القولين ورجعنا الى الاصل ، كان مقتضى الاصل الجواز ،

٢٥٩

فانّ إطلاقه يشمل ما لو علمنا بمخالفة مقتضى الأصل للحكم الواقعيّ المعلوم وجوده بين القولين ، بل ظاهر كلام الشيخ ، القائل بالتخيير هو التخيير الواقعيّ

______________________________________________________

وهو خلاف الوجوب والحرمة.

وعليه : (فان اطلاقه) اي اطلاق كلام هذا البعض (يشمل ما لو علمنا بمخالفة مقتضى الاصل للحكم الواقعي ، المعلوم وجوده بين القولين) كما في مثال البسملة ـ مثلا ـ انّه قد انعقد الاجماع المركّب على انّ لا حكم ثالث ، فالامام عليه‌السلام مع أحد القولين ، ومع وجود هذا العلم كيف يحكم بقول ثالث؟ وهل هذا الّا مخالفة العلم التفصيلي المتولّد من العلم الاجمالي؟.

(بل) ما ذكرناه : من ترك القولين هو : (ظاهر كلام الشيخ) الطوسي قدس‌سره أيضا فانّه (القائل بالتخيير) بين القولين ـ في قبال القائل الاول ، الذي يقول بطرح القولين ـ فان التخيير ايضا احداث قول ثالث ، ويكون خلاف العلم الاجمالي الذي يقول : بأنّ حكم الله إمّا في هذا ، أو في ذاك.

وهذا (هو التخيير الواقعي) لا التخيير الظاهري ، اذ التخيير الواقعي : احداث ما يقطع بخلافه ، بخلاف التخيير الظاهري.

بيان ذلك : ان التخيير قد يكون واقعيا ـ وهو المسمّى بالواجب التخييري بمعنى : ان يكون حكم الله للمكلّف مخيرا بين هذا وذاك مثل : خصال الكفارة.

وقد يكون ظاهريّا بمعنى : انّا حيث لا نعلم بالحكم الواقعي ، نتخيّر بين الاخذ بهذا او ذاك ، كما في الخبرين المتعارضين حيث قال الامام عليه‌السلام :

٢٦٠