الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

إلّا أن يقال : إنّ ذلك إنّما هو في المبغوضات العقلائيّة من حيث أنّ زيادة الذم من المولى وتأكّد الذمّ من العقلاء بالنسبة الى من صادف اعتقاده الواقع لأجل التشفّي المستحيل في حقّ الحكيم تعالى ، فتأمّل.

هذا ، وقد يظهر من بعض المعاصرين : «التفصيل في صورة القطع بتحريم شيء غير محرّم واقعا ،

______________________________________________________

اصاب احدهما قصده فكان مشروبه خمرا ، ولم يصب الثاني قصده فكان مشروبه ماء.

(الّا ان يقال : ان ذلك) التفاوت في ذم العقلاء للمصيب هدفه ، اكثر من غير المصيب (انّما هو في المبغوضات العقلائية) ولا دليل على تطابق الشرع للعقلاء (من حيث ان زيادة الذم من المولى) للقاتل (وتاكد الذم) له (من) سائر (العقلاء بالنسبة الى من صادف اعتقاده الواقع) انّما هو (لاجل التشفّي) من القاتل ، وهو زيادة دخل فيها الحالة النفسية (المستحيل) ذلك التشفي (في حق الحكيم تعالى).

والحاصل : ان العقلاء يفرّقون بين المصادف وغير المصادف ، من جهة التشفي ، وحيث لا تشفي فيه سبحانه ، لا يكون بينهما فرق عنده.

(فتامّل) اذ لا يسلّم ان العقلاء يزيدون ذم المصادف من حيث التشفي ، فالفرق بين المصادف وغير المصادف عندهم تام عقلا ، وكلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان في سلسلة العلل كما هو في المقام ، حيث ان العلة ، القبح.

(هذا) تمام الكلام في اطلاق القول بان التجرّي مطلقا حرام ، وكذا القول بانه ليس بحرام اطلاقا.

(وقد يظهر من بعض المعاصرين) وهو صاحب الفصول (التفصيل) في استحقاق العقاب (في صورة القطع بتحريم شيء غير محرم واقعا) كشرب الماء

٨١

فيرجّح استحقاق العقاب بفعله ، الّا أنّ يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة ، فانّه لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه مطلقا ،

______________________________________________________

بزعم انه خمر ، فقد يكون ذلك الفعل حراما معاقبا عليه ، وقد لا يكون حراما ، فلا يعاقب عليه (فيرجح) في نظر الفصول (استحقاق العقاب بفعله) اي فعل الشيء المحلل بزعم انه حرام ، كشرب الماء بزعم انه خمر.

(الّا ان يعتقد تحريم واجب) توصيلي ، والمراد بالواجب التوصلي : ما لا يشترط فيه قصد القربة ، اما اذا اشترط الواجب بقصد القربة ، كالطهارات ، والصلاة ، والصيام ، والحج ، فيسمى بالواجب التعبدي ، ولذا وصف الواجب بقوله : (غير مشروط بقصد القربة) كما اذا اعتقد بان زيدا كافر واجب القتل ، فتجرى وحفظه ، وكان في الواقع مسلما واجب الحفظ ، فان الحافظ اعتقد تحريم الحفظ ، بينما كان الحفظ واجبا توصليا.

(فانه) الضمير للشان (لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه) اي على فعله ـ وهو الحفظ في المثال ـ فلا يقال له يوم القيامة : لما ذا حفظت زيدا ، وقد اعتقدت انه كافر واجب القتل؟.

وعدم استحقاق العقاب هذا يكون (مطلقا) اي سواء كان مصلحة الواقع اهم من مفسدة التجري : كما اذا كان زيد ـ في المثال ـ من عدول المؤمنين.

او مساوية للمفسدة : كما لو كان زيد مسلما عاديا ـ حيث يفرض ان حفظ المسلم في وجوبه يساوي قتله في حرمته ـ.

او اضعف من المفسدة ، بان كانت المفسدة اقوى : كما لو كان زيد كافرا ذميا ، حيث ان مصلحة حفظ المسلم اقوى من مفسدة التجري.

٨٢

او في بعض الموارد ، نظرا إلى معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة ،

______________________________________________________

(او) عدم استحقاق العقاب في التوصلي (في بعض الموارد) : كصورة اهمية الواجب او تساويه ، كما ذكرناهما في الصورتين الاوليين.

وانّما تردد في كلامه فقال : «مطلقا» او «بعض الموارد» لانه قد يقال : اذا تعارض واجب وحرام تساقطا وان كان الواجب اهم ، اذ الحرام لا يترك الواجب على وجوبه ، وان بقى بعد سقوطه عن الوجوب شيء من الرجحان للواجب.

وقد يقال : انه اذا كان الحرام اضعف يبقى الواجب على وجوبه ، وانّما لا يبقى على وجوبه في صورتين :

الاولى : صورة تساوي الواجب والحرام.

الثانية : صورة كون الحرام اهم.

وانّما يكون عدم استحقاق العقاب ـ في صورة التصادم بين الواجب والحرام ـ (نظرا الى معارضة الجهة الواقعية) لفرض ان من حفظه مسلم او ذمي محقون الدم (للجهة الظاهرية).

فالتجري ـ الذي هو حرام ـ لا يؤثر اثره في الحرمة والعقاب ، اذا كان الفعل المتجرى به واجبا في الواقع ، وانّما يؤثر اثره اذا لم يكن واجبا في الواقع ، ففي مثل شرب الماء بزعم انه خمر ، فعل المتجري حراما ، اما في مثل حفظ زيد الذي زعم انه كافر واجب القتل ، وكان مسلما واقعا ، لم يفعل المتجري حراما.

ثم ان الفصول قال : «غير مشروط بقصد القربة» لانه اذا كان من الواجب المشروط بقصد القربة ، وزعم انه حرام ، لا يتأتى منه قصد القربة ، وكيف يتمكن الانسان ان يقصد القربة ، مع انه يقطع ان ما يعمله حرام مبعد عن الله تعالى؟.

فاذا صلى الجنب بزعم ان صلاته حرام ، بطلت صلاته من جهة عدم تمكنه

٨٣

فانّ قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه والاعتبارات.

______________________________________________________

من قصد القربة ، وان كان في الواقع متطهرا غير جنب ، فاذا لم تكن صلاته صحيحة من جهة عدم قصده للقربة ، فلا وجوب يقاوم حرمة التجري ، فيكون تجريا وحراما فقط ، لعدم تعارض بين الواجب والحرام ـ وفرض صاحب الفصول هو المورد الذي فيه تعارض بين الواجب والحرام ـ.

(فانّ قبح التجرّي عندنا) نحن صاحب الفصول (ليس ذاتيا) بحيث لا ينفك القبح عنه ، اذ ذاتي الشيء لا ينفك منه ، بل حيث ما كان ذلك الشيء يكون ذلك الذاتي حاله حال زوجية الاربعة ، وناطقية الانسان ، وقبح الظلم ، فانه لا يعقل ظلم غير قبيح ، فاذا رأينا ما صورته ظلم ولم يكن قبيحا ، فالواقع انه ليس بظلم ، لا انه ظلم غير قبيح.

(بل يختلف) التجري قبحا وحسنا وتساويا (بالوجوه والاعتبارات) اي يلاحظ ما وجهه؟ وكيف اعتبره العقلاء؟ فان الاختلاف قد يكون بسبب الوجوه وقد يلاحظ بسبب الاعتبارات المختلفة.

والفرق بينهما : ان الوجوه في نفس الشيء ، والاعتبارات انّما تكون باعتبار المعتبر.

مثلا : الانسان من وجه عام ، ومن وجه خاص ، فمن وجه اصنافه : عام يشمل العربي والعجمي وغيرهما ، ومن وجه الحيوان : خاص.

وكذا الورق الكذائي ، فباعتبار جعل الملك له نقدا ، صار ذا قيمة كذائية ، وباعتبار انه ورق من الاوراق ليست له تلك القيمة ، ولذا لو سحب الملك اعتباره سقطت قيمته.

وعلى اي حال : فالتجري بما هو هو ، حاله حال ضرب الطفل ، ان ضربه

٨٤

فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل ، فحسب أنّه ذلك الكافر وتجرّي فلم يقتله ، فانّه لا يستحقّ الذمّ على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع ، وإن كان معذورا لو فعل.

وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ او وصيّ فتجرّى ولم يقتله.

______________________________________________________

الضارب انتقاما او اعتباطا كان حراما ، وان ضربه تأديبا لازما كان واجبا ، وان ضربه للتأديب المستحب لا للتأديب الواجب كان جائزا ، وعلى هذا يقاس التجري.

(فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم) وهو محرّم القتل (بكافر واجب القتل فحسب) اي زعم (انه) اي ان هذا المؤمن (ذلك الكافر) الواجب قتله (وتجرّى) حسب زعمه (فلم يقتله) بل حفظه (فانه لا يستحق الذم على هذا الفعل عقلا) لانه وان حفظ الكافر في الظاهر عنده ، حيث اعتقد انه كافر مهدور الدم ، إلّا إنه في الواقع حفظ المؤمن ، سواء انكشف له بعد ذلك كونه مؤمنا ام لا. وكذلك الحال في عدم استحقاقه الذم (عند من انكشف له الواقع).

وحيث لا ذم عقلا ، لا عقاب ، حيث إنهما متلازمان اذا كان الذم الى حد المنع عن النقيض (وان كان معذورا) عقلا وشرعا (لو) عمل بقطعه ، و (فعل) مقتضاه اي القتل.

(واظهر من ذلك) عدم قتل المؤمن تجريا ، حيث زعم انه كافر واجب القتل ، لكن عصى ولم يقتله مثل : (ما لو جزم بوجوب قتل نبي او وصيّ) نبي ، لانه زعمه كافرا واجب القتل (فتجرى ولم يقتله).

وانّما كان اظهر ، لان الواجب هنا اهم من الحرام ، بينما في المثال السابق كان الواجب والحرام متماثلين.

٨٥

ألا ترى أنّ المولى الحكيم ، إذا أمر عبده بقتل عدوّ له فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدوّ فتجرّى ولم يقتله ، أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي بل يرضى به ، وإن كان معذورا لو فعل.

وكذا لو نصب له طريقا غير القطع إلى معرفة عدوّه ، فأدّى الطريق إلى تعيين ابنه فتجرّى ولم يفعل ، و

______________________________________________________

واضعف من ذلك : ما لو زعم انه واجب القتل ، لكن تجرأ ولم يقتله ، وكان طرفه ذميا محقون الدم ، لان الحرام هنا اقوى ـ على ما تقدّم ـ.

(ألا ترى) في تقريب ارتفاع قبح التجري بمصادفته للواجب : (ان المولى الحكيم اذا أمر عبده بقتل عدو له ، فصادف العبد ابنه) اي ابن المولى (وزعمه) اي زعم العبد ، ان هذا الابن (ذلك العدو) ـ اشتباها ـ (فتجرى ولم يقتله) عصيانا ، بزعمه (ان المولى اذا اطلع على حاله) وعلم انه لم يقتل ابنه تجريا (لا يذمه على هذا التجري ، بل يرضى به ، وان كان معذورا لو فعل) وقتل ابنه ، لما عرفت من حجية قطعه.

وكذا اذا شهد شاهدان : بانه عدو المولى ، لكنه لم يقتله تجريا ، ولذا قال الفصول قدس‌سره : (وكذا) لا يذمه المولى (لو نصب) المولى (له) اي للعبد (طريقا غير القطع) الذي هو طريق عقلي (الى معرفة عدوه) كشهادة العدلين ، والشهرة ، وغيرهما (فادى الطريق) المجعول (الى تعيين ابنه ، فتجرى) العبد مع قيام الطريق (ولم يفعل) القتل.

(و) ان قلت : فعلى هذا ، يجوز لكل من قام عنده الطريق مخالفته ، لانه يحتمل ان يكون الطريق غير مصادف للواقع ، بل يصادف خلاف المأمور به او المنهي عنه.

٨٦

هذا الاحتمال حيث يتحقق عند المتجرّي لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ، لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فانّ المظنون فيه عدمها.

______________________________________________________

مثلا : لو قام عنده الطريق بوجوب صيام هذا اليوم ـ بزعمه انه آخر شهر رمضان ـ فانه يحتمل ان يكون في الواقع مصادفا لاول يوم من شوال حيث يحرم صومه ، او قام عنده الطريق بحرمة وطي هذه المرأة ، فانه يحتمل ان تكون في الواقع واجبة الوطي ، من جهة إنها زوجته ، وقد زوجها له ابوه في صغره.

فهل يجوز التجري بترك ما وجب او حرم ، حسب قيام الطريق ، اذا احتمل الخلاف؟.

قلت : (هذا الاحتمال) المخالف للطريق (حيث يتحقق عند المتجري ، لا يجديه) اي لا ينفع المتجري (ان لم يصادف الواقع) فان هذا الاحتمال انّما ينفع اذا وافق الاحتمال للواقع ، وموافقة الاحتمال الواقع ليس بدائمي ، بل اتفاقي.

(ولذا) الذي ذكرناه : من ان الاحتمال لا يجدي (يلزمه العقل) اي يلزم العقل هذا الشخص الذي قام عنده الطريق (ب) الانقياد و (العمل بالطريق المنصوب) له (لما فيه) اي العمل بالطريق (من القطع بالسلامة من العقاب) لانه اما اطاعة او انقياد (بخلاف ما لو) تجرى و (ترك العمل به) لاحتمال مخالفة الطريق للواقع (فان المظنون فيه) اي في التجري (عدمها) اي عدم السلامة.

ومقولة : «المظنون» من باب المثال ، اذ ربما يظن الانسان خلاف الطريق وربما يشك ، وربما يتوهم.

نعم ، اذا قطع بان الطريق مخالف وجب عليه العمل بقطعه ، لان القطع حجية ذاتية ، وحجية الطريق عرضية ، والحجية العرضية لا تقاوم الحجية الذاتية.

٨٧

ومن هنا : يظهر انّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ،

______________________________________________________

ولهذا قال العلامة قدس‌سره :

إذا دل العقل على شيء والظاهر على خلافه ، ترك العمل بالظاهر واتبع القطع.

(ومن هنا) اي مما ذكرناه : من ان التجري اذا صادف خلاف الواقع ، سقط حرمة التجري وكان الأمر للواقع ، من غير فرق بين التجري على الحرام ، او على ترك الواجب (يظهر : ان التجري على الحرام في المكروهات الواقعية) بان كان مكروها واقعا ، وزعم المتجري انه حرام ، كما اذا زعم ان نوم بين الطلوعين حرام ، لكنه تجرأ ونام ـ مع انه في الواقع مكروه ـ (اشد منه) اي من التجري (في مباحاتها) اي المباحات الواقعية ، بان كان مباحا واقعا ، لكنه زعمه حراما.

ووجه الاشديّة : هو ان الاول بتجريه يفعل المكروه ، والمكروه له غضاضة والثاني يفعل المباح ، والمباح لا غضاضة فيه.

(وهو) اي التجري (فيها) اي في المباحات (اشد منه) اي من التجري (في مندوباتها) اي المندوبات الواقعية ، كمن قطع بحرمة اكل الجبن والجوز ـ معا ـ لكنه تجرأ واكل ، فظهر ان اكلهما معا مستحب ، فان استحبابه الواقعي يخفف من حرمته الظاهرية بخلاف المباح.

والحاصل لكلام الفصول هو : ان ما يعتقده الانسان بانه حرام ، يحتمل ان يصادف الواجب الواقعي ، او يصادف المستحب الواقعي ، او يصادف المباح الواقعي او يصادف المكروه الواقعي.

وكذلك عكسه : اي ما يعتقده الانسان بانه واجب ، فانه يحتمل ايضا ان يصادف الحرام الواقعي ، او يصادف المكروه الواقعي ، او يصادف المباح

٨٨

ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمكروهات.

ويمكن ان يراعى في الواجبات الواقعية

______________________________________________________

الواقعي ، او يصادف المستحب الواقعي.

وللتجري في كل من هذه الثمانية ـ على رأي الفصول ـ حكم مختص به دون حكم الآخر ، وقد مضى : ان مصادفة الواجب والحرام ايضا على ثلاثة اقسام : فقد يتساويان في المصلحة والمفسدة ، وقد يكون الواجب اهم ، وقد يكون الحرام أهم.

(و) كذلك (يختلف) التجري (باختلافها) اي المندوبات (ضعفا وشدة) فقد يكون مستحبا مؤكدا ، وقد يكون مستحبا عاديا (ك) ما ان (المكروهات) ايضا مختلفة شدّة وضعفا.

مثلا : اذا كان درجة المستحب الواقعي عشرة ، ودرجة حرمة التجري مائة صارت حرمة التجري الى تسعين ، لنقص عشرة المستحب منه ، واذا كان درجة المستحب عشرين ، وحرمة التجري مائة ، صارت حرمة التجري ثمانين ، فتختلف حرمة التجري من مستحب الى مستحب.

وهكذا الامر في المكروه الواقعي : فاذا كانت درجة الكراهة عشرة ودرجة التجري مائة ، وتجرأ ، صار للتجري مائة وعشرة درجة من المبغوضية ، وكلما زادت درجة الكراهة ، زادت درجة مبغوضية التجري.

اما في المباح : فتبقى درجة التجري على حالها مائة ، بدون زيادة ولا نقيصة.

(و) على هذا (يمكن ان يراعى في الواجبات الواقعية) التي زعمها المتجري

٨٩

ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي» انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : يرد عليه ، أوّلا : منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيّا ، لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا ، سواء كان لنفس الفعل او لكشفه عن كونه جريئا ،

______________________________________________________

حراما (ما هو الاقوى من جهاته) اي جهات الواجب (وجهات التجري) (١) فاذا تساويا تساقطا ، وان كان الواجب اهم ، الى حيث اندك التجري فيه لم تكن حرمة ، وان كانت حرمة التجري اهم ، الى حيث اندك الواجب فيه كانت الحرمة البحتة ، وهكذا.

(انتهى كلامه) اي كلام الفصول (رفع مقامه).

لكن في كلامه موارد للنظر ، ولذا قال المصنّف قدس‌سره (اقول : يرد عليه ، أولا : منع ما ذكره : من عدم كون قبح التجري ذاتيا ، لان التجري على المولى قبيح ذاتا) فان هناك افعالا قبحها ذاتي كما يشهد به العرف ، وافعالا حسنها ذاتي كالانقياد ، وافعالا لا شيء لذاتها من الحسن والقبح ، وانّما ان عرضها جهة خارجية من الحسن او القبح ، تكون على وصف ما عرض ، والّا بقت كما كانت بلا حسن ولا قبح.

مثلا : القيام أمام الوارد ، ان كان بقصد الاهانة كان قبيحا ، وان كان بقصد الاحترام كان حسنا ، وان لم يكن بقصد احدهما ، لم يكن قبيحا ولا حسنا (سواء كان) القبح في التجري (لنفس الفعل) كما يقوله القائل بحرمة التجري فيما اذا شرب الماء معتقدا انه خمر ـ على ما هو المشهور ـ (او لكشفه) اي هذا الفعل (عن) خبث النفس و (كونه جريئا) على المولى ـ كما اخترناه ـ فيكون القبح

__________________

(١) ـ الفصول الغرويّة : ص ٤٣١.

٩٠

فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، وفي مقابله الانقياد لله سبحانه ، فانّه يمتنع أن يعرض له جهة مقبّحة.

وثانيا : لو سلّم أنّه

______________________________________________________

في صفة النفس ، المنكشفة بواسطة التجري.

(ف) اذا كان التجري قبيحا ذاتا ، فانه (يمتنع عروض الصفة المحسنة له) اي للتجري ، اذ ذاتي الشيء لا يتغير ـ على ما تقدّم الالماع اليه ـ كما ان الذات ايضا لا تتغير.

وعليه : فمصادفة الفعل المتجري به لجهة محسنة واجبة ، او مستحبة ، لا توجب تغير ذات الفعل ، ولا تغير كاشفيته عن النفس الطاغية ، وانّما يتعارض جهتا الحسن والقبح ، فيقدّم الاهم منهما ان كان ، وان لم يكن أهم في البين يتساويان ويتساقطان ، فلا حسن ولا قبح كما في كل مورد كذلك.

(وفي مقابلة : الانقياد) اذ الانقياد يقابل التجري ، فان كلا من الواقع الحقيقي ، والواقع المزعوم ، ان كان الانسان بصدد اطاعة المولى ، كان الاول اطاعة ، والثاني انقيادا ، وان كان بصدد مخالفة المولى ، كان الاول عصيانا ، والثاني تجريا.

فكما ان التجري قبيح ذاتا كذلك الانقياد (لله تعالى سبحانه) بل لكل مولى (فانه) حسن ذاتا ، و (يمتنع ان يعرض له جهة مقبحة) وان امكن وجود الكسر والانكسار ، والاهم والمهم ، على ما عرفت في التجري.

وبهذا تبين ان التجرّي قبيح ذاتا ، كما ان الانقياد حسن ذاتا.

(وثانيا : لو سلم انه) اي التجري ليس قبيحا ذاتا ، فلا اقل من أن يكون مقتضيا للقبح.

والفرق بين الذات والاقتضاء : ان الاول : علة تامة ، والثاني : علة ناقصة ،

٩١

لا امتناع في أن يعرض له جهة محسّنة ، لكنه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة ، وليس ممّا لا يعرض له في نفسه حسن ولا قبح ، إلّا بملاحظة ما يتحقق في ضمنه.

وبعبارة أخرى :

______________________________________________________

ومعنى العلية الناقصة : انه (لا امتناع في ان يعرض له جهة محسنة) اذ الاقتضاء يمكن ان يصادف بقية العلة فيؤثر اثره ، ويمكن ان لا يصادف فلا يؤثر اثره.

مثلا : الدواء الفلاني مقتض لقطع الحمى ، فان انضم اليه بقية العلة انقطعت الحمّى ، وإلّا لم يؤثر الدواء في قطعها (لكنه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة) فكيف قال الفصول : ان التجري يختلف بالوجوه والاعتبارات؟ مما معناه : ان لا مقتضى فيه لحسن ولا قبح ، بل يكون حال التجري حال شرب الماء ليس فيه اقتضاء ولا علية لشيء من الحسن والقبح.

(و) على هذا : فالتجري (ليس) من قبيل الافعال اللااقتضائية (مما لا يعرض له في نفسه) مع قطع النظر عن الملابسات الخارجية (حسن ولا قبح ، الّا بملاحظة ما يتحقق في ضمنه) من المحسنات او المقبحات كشرب الماء ـ مثلا ـ فانه اذا كان موجبا لصحة الجسم كان حسنا ، واذا كان موجبا للمرض كان قبيحا.

(وبعبارة اخرى) نوضح قولنا : «ثانيا لو سلم» وهي : ان القبح على ثلاثة أقسام :

الاول : ما كان علة تامة للقبح كالظلم ، حيث قد تقدّم انه قبيح مطلقا ، واذا كان شيء في صورة الظلم ولم يكن قبيحا ، ففي الحقيقة انه ليس بظلم ، كالقصاص والحدود والتعزيرات.

٩٢

لو سلّمنا عدم كونه علّة تامّة للقبح ، كالظلم ، فلا شكّ في كونه مقتضيا له ، كالكذب ، وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها حسنها ولا قبحها.

وحينئذ : فيتوقف ارتفاع قبحه على انضمام جهة يتدارك بها قبحه ، كالكذب المتضمّن لانجاء نبيّ.

______________________________________________________

الثاني : ما كان مقتضيا للقبح لا علة تامة له كالكذب ، فان فيه مقتضى القبح ، فاذا انضم اليه نجاة مسلم لم يكن قبيحا ، مع انه يبقى كذبا ، لان الكذب هو مخالفة الخبر للواقع.

الثالث : ما كان قبحه بالوجوه والاعتبارات ، لا أنه ذاتا قبيح ، ولا انه فيه مقتضي القبح ، كضرب اليتيم ، فانه ان ضربه تأديبا كان حسنا ، وان ضربه اعتباطا كان قبيحا ، فاذا لم يكن التجري من القسم الاول ، فلا بد وان يكون من القسم الثاني.

والى هذا اشار بقوله : (لو سلمنا عدم كونه) اي التجرّي (علّة تامة للقبح ، كالظلم) الذي هو علة تامة للقبح (فلا شك في كونه مقتضيا له ، كالكذب) فكيف قال الفصول : ان قبحه بالوجوه والاعتبارات؟ (و) الحال ان التجرّي (ليس من قبيل الافعال ، التي لا يدرك العقل ـ بملاحظتها في انفسها ـ) وبما هي هي (حسنها ولا قبحها) حتى يكون حال التجري حال ضرب اليتيم.

(وحينئذ) اي حين كان من قبيل المقتضي (فيتوقف ارتفاع قبحه على انضمام جهة) محسنة اليه (يتدارك بها) أي بتلك الجهة (قبحه ، كالكذب المتضمن لانجاء نبي) او مؤمن ، أو كافر ذمي محقون الدم ، فان الكذب جائز هنا بل واجب ، وان كان لنجاة مثل الكافر الذمي ، فان اهل الذمة محفوظون في بلاد الاسلام دما ومالا وعرضا.

٩٣

ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن ـ بوصف أنّه مؤمن في المثال الذي ذكره ـ كفعله ليس من الامور التي تتصف بحسن او قبح ، للجهل بكونه قتل مؤمن ،

______________________________________________________

لا يقال : ان الفصول سلّم انضمام الواقع الى قبح التجري حتى يحسن التجري ، ولذا مثل بترك قتل المؤمن الذي هو حسن ، منضما الى التجري بعدم اصالة المولى ، حيث زعم المتجري أنه كافر واجب القتل.

لانه يقال : مثاله غير تام ، اذ ترك قتل المؤمن امر عدمي ، والامور العدمية لا تتصف بالحسن والقبح ، وإلّا لكان تارك المحرمات ولو بدون الالتفات فاعلا للحسن ، فمن لم يقتل ، ولم يزن ، ولم يشرب الخمر ، ولم يسرق ـ كما هو الغالب في المؤمنين ـ يفعل عشرات الحسنات في كل يوم.

(و) ذلك واضح البطلان ، فان (من المعلوم) لدى المتشرعة على ما استفادوه من الشرع : (ان) الواجب الواقعي ، مثل : (ترك قتل المؤمن) واتصافه بالواجب ـ من باب : ان كل ترك حرام ، واجب ، وكل ترك واجب ، حرام ـ (بوصف أنه) ترك قتل (مؤمن) بدون انضمام العلم اليه (في المثال الذي ذكره) الفصول (كفعله) اي كفعل قتل المؤمن (ليس من الامور التي يتصف بحسن أو قبح) وانّما لا يتصف (للجهل بكونه) اي بكون القتل ، وعدم القتل (قتل مؤمن).

فان اتصاف الشيء بالحسن أو القبح ، متوقف على العلم به ، فاذا علم أنه مؤمن ولم يقتله ـ وكان في صدد قتله ـ قيل له : احسنت ، اما اذا لم يعلم انه مؤمن ، بل زعم انه كافر ولم يقتله عصيانا ، لا يقال له : احسنت.

وكذا اذا علم بأنه مؤمن ، لكن لم يكن في صدده ، فانه لا يقال له : احسنت لتركه قتل المؤمن ، والّا بأن كان مجرد عدم قتل المؤمن حسنا ، لزم ان يكون الانسان آتيا

٩٤

ولذا اعترف في كلامه بأنّه لو قتله كان معذورا.

فاذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقق التجرّي في ضمنه ممّا يتصف بحسن او قبح ، لم يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثّر

______________________________________________________

في كل يوم آلاف الحسنات ، لانه لم يقتل من يراهم في الصحن والسوق والمدرسة من المؤمنين.

والحاصل : ان مثال صاحب الفصول ليس منطبقا على ما ذكره من انضمام جهة محسنة الى التجرّي.

اللهم الّا ان يقال : بأن مراد صاحب الفصول : إن عدم قتل المؤمن في نفسه شيء مرغوب فيه ، ولذا اذا انهدمت عمارة فيها زيد ، فلم يصبه مكروه ، قال العرف : الحمد لله صار امرا حسنا حيث لم يمت زيد ، بضميمة ان الفصول يرى : ان الواقع الحسن ، وان لم يكن عن قصد قاصد ، كاف في الانضمام الى التجري وجعله التجري حسنا.

(ولذا) الذي ذكرناه : من ان عدم قتله المؤمن ، لا يتصف بالحسن (اعترف) الفصول (في كلامه : بانه لو قتله ، كان معذورا) فان هذا الكلام يدل على أنه يجهل كونه مؤمنا.

(فاذا لم يكن هذا الفعل) اي ترك قتل المؤمن (الذي تحقق التجرّي في ضمنه ، مما يتصف بحسن أو قبح) لما عرفت : من ان الفعل انّما يتصف بهما اذا كان الفاعل عالما ، فان كان جاهلا ، (لم يؤثّر) هذا الترك للقتل (في) قلب (اقتضاء ما يقتضي القبح) من التجري ، حسنا ، لان ترك القتل لم يكن حسنا ، حتى يؤثر في رفع قبح التجري.

(كما) في عكس ذلك ، فانه (لا يؤثر) ترك الواجب الواقعي ـ اذا كان الانسان

٩٥

في اقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره ، فانّه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.

______________________________________________________

جاهلا ـ (في) قلب (اقتضاء ما يقتضي الحسن) من الانقياد ، قبيحا ، فان الانقياد حسن ، فاذا صادف مع قبيح وهو : ترك واجب من الواجبات ، لا يكون الانقياد قبيحا.

ومثال قوله : «كما لا يؤثر» ما ذكره بقوله : (لو فرض امره) من المولى (بقتل كافر ، فقتل مؤمنا) في حال كون العبد كان (معتقدا كفره) فهذا القتل حيث انه انقياد للمولى يكون حسنا ، وقتل المؤمن الذي في ضمن هذا الانقياد لا يكون قبيحا ـ حتى يقلب حسن الانقياد الى القبح ـ.

وانّما لا يكون قبيحا لان العبد ـ حسب الفرض ـ يجهل كونه مؤمنا (فانه لا اشكال في مدحه) اي مدح العقلاء لهذا العبد القاتل للمؤمن ـ جهلا بكونه مؤمنا ـ.

وانّما يمدحونه (من حيث الانقياد) حيث انه انقاد الى المولى (وعدم) عطف على «مدحه» اي لا اشكال في عدم (مزاحمة حسنه) اي حسن الانقياد (بكونه) اي كون هذا الانقياد (في الواقع) والحقيقة (قتل مؤمن) اذ كونه قتل مؤمن ليس أنه قبح ـ كما هو المفروض لانه اعتقد كفره ـ حتى يزاحم قبحه ، حسن الانقياد.

ولا بأس ان نشير هنا الى ما ذكرناه في «الاصول» من : أن العدم لا يكون علة ولا معلولا ، ولا وصفا ولا موصوفا ، لانه لا شيء ، ولا شيء لا يكون احد هذه حتى يكون علة او معلولا.

فهذا الكلام مجاز وحقيقته : اني بقيت في كربلاء المقدسة لبقاء ، علّية البقاء

٩٦

ودعوى : «أنّ الفعل الذي يتحقق به التجرّي وإن لم يتصف في نفسه بحسن ولا قبح لكونه مجهول العنوان ، لكنّه لا يمتنع أن يؤثّر في قبح ما يقتضي القبح بأن يرفعه ،

______________________________________________________

مع انه كان لي مقتض للسفر الى النجف الاشرف ، بحيث لو كانت السيارة موجودة لذهبت الى النجف الاشرف.

وعليه فقولنا السابق : «عدم قتل المؤمن حسن» يراد به : ان كفّ النفس عن القتل حسن ، لا ان العدم بما هو عدم حسن.

(و) ان قلت : ان ترك قتل المؤمن الذي تحقق به التجري ، لا يتصف بالحسن ، لان المتجرّي جاهل بكونه مؤمنا ـ بل زعم انه كافر واجب القتل ، ومع ذلك تجرّأ ولم يقتله ـ لكن لا اشكال في ان ترك قتل المؤمن مشتمل على مصلحة ـ اي ترك المفسدة ـ وهذه المصلحة تؤثر في رفع قبح التجرّي.

قلت : العقل مستقل بقبح التجرّي ، ومجرد تحقق ترك قتل المؤمن في ضمنه لا يرفع قبحه ، فان (دعوى : ان الفعل الذي يتحقق به التجرّي) وهو : ترك القتل (وان لم يتصف في نفسه بحسن ولا قبح ، لكونه) أي ترك قتل المؤمن بالنسبة للمتجرّي (مجهول العنوان) لأنه وان علم انه ترك قتلا إلّا ان عنوانه : وهو ترك قتل المؤمن ، مجهول لديه.

(لكنه) أي هذا الترك (لا يمتنع ان يؤثر في قبح ما يقتضي القبح ، بأن يرفعه) اي يرفع القبح.

فانه ربما يرفع القبح : ما يعلم الفاعل عنوانه.

وربما يرفع القبح : ما لا يعلم الفاعل عنوانه.

فان من كشف نفسه في مكان يكون فيه انسان ـ بزعم انه غريب ـ رأى انه فعل

٩٧

الّا أن نقول بعدم مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة في استحقاق المدح والذّم ، وهو محل نظر بل منع.

______________________________________________________

قبيحا ، لكن اذا كان ذلك الانسان زوجته ـ وهو جاهل بكونه زوجته ـ لا يقبح عمله ذلك ، فجهل ، كاشف نفسه بالعنوان ـ اي عنوان : ان الناظر اليه زوجته ـ لا يمنع عدم قبح فعله.

ثم ان هذا المستشكل بقوله : «ودعوى» اشكل على نفسه بقوله : (الّا ان نقول :

بعدم مدخلية الامور الخارجة عن القدرة ، في استحقاق المدح والذّم) فمصادفة عدم قتل المؤمن ـ تجرّيا ـ بما هو واجب واقعا ، لا يتصف بحسن ولا قبح ، لان المصادفة خارجة عن الاختيار ، وما كان خارجا عن الاختيار ، لا يكون حسنا ولا قبيحا في نفسه ، وما ليس له حسن كيف يرفع قبح غيره؟ كما ان ما ليس له قبح كيف يرفع حسن غيره؟.

(و) اجاب عن الاشكال : بان «عدم المدخلية» (هو محل نظر ، بل منع) فيمكن ان يؤثر ما ليس هو ـ في نفسه ـ بحسن ولا قبيح في رفع قبح ، او رفع حسن ، اذ الواقع ، له مدخلية في الاشياء ـ وان لم يكن الواقع تحت القدرة ـ كما تقدّم : من ان كثرة المصلين في مسجد ، يؤثر في كثرة ثواب الباني ، وكثرة الخمارين في مخمر ، له اثر في كثرة عقاب الباني مع ان الكثرة فيهما لم تكن باختيار البانيين ، وكذا في اثنين كتب كل منهما كتابا ، احدهما صار متداولا اكثر من الآخر.

بل يأتي الكلام في : مؤلف واحد الّف كتابين : كشرح اللمعة والمسالك للشهيد الثاني ، حيث صار أحدهما اكثر تداولا من الآخر ، فانه مع وحدة الجهد وتشابه الاخلاص يكون ثواب احدهما ـ لأكثرية القراء والمستفيدين ـ اكثر من الآخر.

٩٨

وعليه : يمكن ابتناء منع الدليل العقليّ السابق في قبح التجرّي» ،

______________________________________________________

وفي عكسه يمثل : بمن بنى مخمرين كذلك.

ثم ان المستشكل ب : «إلّا ان نقول» لما اجاب بقوله : «وهو محل نظر» ترقى عن جوابه ، فوافق جواب المصنّف قدس‌سره عن الفصول الذي تقدّم في : نفرين شربا ما زعماه خمرا فصادف احدهما ولم يصادف الآخر ، حيث قال الفصول : كلاهما معاقبان ، لان التصادف واللاتصادف لم يكن باختيارهما ، وأجاب المصنّف قدس‌سره عنه : بانه لا مانع من ان يكون الامر الخارج عن الاختيار مؤثرا في عدم العقاب ، واستشهد بأخبار : «من سنّ سنّة حسنة» الى آخر ما تقدّم.

نقول : ـ ان العبارة : ودعوى ان الفعل ... ـ هو كما ذكرتم انتم يا شيخنا المرتضى : من ان المصادفة واللامصادفة ليسا معيارا للعقاب وعدم ، لانهما ليسا اختياريّين وانّما المعيار في استحقاق العقاب هو : الاتيان بالحرام عمدا ، كذلك نقول نحن صاحب الفصول : بأن رفع قبح التجري المصادف مع الواجب واقعا ـ وان لم يقصده المتجري ـ غير ضار بعد ان لم يكن المعيار الاختيار (و) ذلك لان (عليه) اي على المنع من عدم مدخلية الامور الخارجة عن القدرة بل لها مدخلية (يمكن ابتناء منع الدليل العقلي السابق في قبح التجري) وبطلانه من حيث عقاب نفرين : شربا ما زعماه خمرا فطابق احدهما الواقع فكان ما شربه خمرا ولم يطابق الآخر فكان ما شربه ماء ، فانتم قلتم : اذا صادف الواقع يكون فيه العقاب فقط دون من لم يصادف ـ وان لم تكن المصادفة باختيار الشارب ـ ونحن نقول : اذا لم يصادف التجري بعدم القتل ، الواقع ، بان كان كفا عن قتل مسلم محقون الدم ، فان فيه حسنا يكسر قبح التجري ، وان لم يكن عدم الصادفة للواقع باختيار الكافّ عن القتل مع قطعه بانه كافر واجب القتل.

٩٩

مدفوعة مضافا إلى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدّم من الدليل العقلي ، كما لا يخفى على المتأمّل بأنّ العقل مستقلّ بقبح التجرّي في المثال المذكور.

ومجرّد تحقق ترك قتل المؤمن في ضمنه ، مع الاعتراف بأنّ ترك القتل لا يتصف بحسن ولا قبح ، لا يرفع قبحه ،

______________________________________________________

فهذه الدعوى (مدفوعة) وذلك (مضافا الى الفرق بين ما نحن فيه) من عدم مصادفة التجري للواقع بل مصادفته للوجوب الواقعي وهو حفظ المسلم (وبين ما تقدّم من الدليل العقلي) في نفرين : شربا ما زعماه خمرا ، حيث ردّدنا الامر بين اربعة احتمالات ، واخترنا عقاب الشارب خمرا دون شارب الماء بزعم الخمرية (كما لا يخفى) هذا الفرق (على المتأمّل).

ففي التجري «حيث لا واقع في شرب الخمر المزعوم ، لا عقاب» وهو لا يلازم رفع العقاب برفع قبح التجري فيما نحن فيه : «حيث يصادف عدم قتل المؤمن» فان واقع الخمر يؤثر في العقاب ، فحيث لا واقع لا عقاب ، لكن واقع عدم قتل المؤمن لا يؤثر في ارتفاع القبح وذلك (بان العقل مستقل بقبح التجري في المثال المذكور) اي تجرّيه بعدم قتل الكافر ـ في زعمه ـ عصيانا للمولى وقد صادف انه كان مؤمنا ، وكان بالنتيجة عدم قتل المسلم.

(و) لا اثر لمصادفة الوجوب الذي هو : ترك القتل ، في رفع قبح التجري ، اذ(مجرد تحقق ترك قتل المؤمن في ضمنه) اي ضمن تجرّيه (مع الاعتراف) من الفصول : (بان ترك القتل لا يتصف بحسن ولا قبح) لمجهوليته عند المتجري ، اذ المتجري لا يعلم انه يترك قتل المؤمن ف (لا يرفع قبحه) اي قبح تجرّيه ، وهو تركه قتل الكافر ـ حسب قطعه ـ.

١٠٠