الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

أم لا.

وعلى الأوّل ، فامّا أن يكون الشكّ في التكليف او في المكلّف به.

فالأوّل مجرى الاستصحاب ، والثاني مجرى التخيير ، والثالث مجرى أصالة البراءة ،

______________________________________________________

عسرا رافعا للتكليف على نحو المنع من النقيض ، وقد يعسر عسرا غير مانع عن النقيض (أم لا) اي لا يمكن.

(وعلى الاول) : بان امكن الاحتياط (فاما ان يكون الشك في التكليف) وهل انه مكلّف؟ ولا يلزم ان يكون الامر لنفسه ، بل يشمل ما ذكرناه من امور مقلديه ايضا ، وربما لا يكون لنفسه ولا لمقلديه ، بل يريد استظهار حكم المسألة (أو في المكلف به) وقد تقدم ان المراد هو الاعم من الاحكام التكليفية والوضعية بل ومن الموضوعات المستنبطة.

(فالاول) الذي يلاحظ فيه الحالة السابقة : (مجرى الاستصحاب) كما اذا شك المتطهر في الحدث ، حيث يستصحب الطهارة ، أو شك في بقاء زوجته ، حيث يستصحب بقائها ، فلا يجوز له التزويج باختها ، او الخامسة ، او شك في بقاء آلة اللهو بمعناها السابق في زمان المعصومين عليهم‌السلام حيث يستصحب بقائها.

(والثاني) الذي هو صورة عدم امكان الاحتياط : (مجرى التخيير) اذا لم يكن احد الطرفين اهم ، كما اذا شك في وجوب صلاة الجمعة او حرمتها ، فقد قال بكل منهما جماعة من الفقهاء.

(والثالث) وهو صورة الشك في التكليف : (مجرى اصالة البراءة) كما اذا شك في انه هل يحرم عليه التدخين ام لا؟.

٢١

والرابع مجرى قاعدة الاحتياط.

وبعبارة اخرى : الشكّ إمّا أن يلاحظ فيه الحالة السابقة او لا. فالأوّل مجرى الاستصحاب ،

______________________________________________________

(والرابع) وهو ما كان الشك فيه في المكلف به مع علمه بالتكليف : (مجرى قاعدة الاحتياط) اذا لم يكن محذور ، كما اذا كان الاحتياط عسرا او حرجا او ضررا.

ولا يخفى ان الالفاظ الثلاثة اذا قيلت معا ، اختص كل منها بمعنى :

الاول : بالعسر الجسدي ، مثل ما اذا كان ذهابه الى منى يوم العيد ، يوجب مشقة كثيرة له من جهة الحر.

والثاني : بالامر النفسي ، كما اذا كان الاغتسال على الفتاة في بيت ابيها بسبب احتلامها يوجب شدة خجلها واستحيائها.

والثالث : ما كان ضررا جسديا او ماليا ، كما اذا سبب الصوم مرضا شديدا.

نعم ، اذا ذكر كل واحد منها مستقلا شمل الآخرين ، كما ذكروا في الظرف والجار والمجرور.

ومثال ذلك : ما اذا لم يعلم ان اي ثوبيه طاهر وايهما نجس؟ حيث يحتاط بصلاتين : في هذا صلاة ، وفي ذلك صلاة.

وحيث أورد على هذا التقسيم بايرادات ـ كما هو مذكور في المفصلات ـ قال (وبعبارة اخرى : الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ، أولا ، فالاول : مجرى الاستصحاب) ولعل المجىء بباب الاستفعال ، من باب أن المكلّف يطلب صحبة الحالة السابقة ، واني لم اجد هذا اللفظ في نص شرعي ، ولعله اصطلاح اصولي.

٢٢

والثاني إمّا أن يكون الشّك فيه في التكليف أو لا.

فالأوّل مجرى أصالة البراءة ، والثاني إمّا أن يمكن الاحتياط فيه أو لا.

فالأوّل مجرى قاعدة الاحتياط ، والثاني مجرى قاعدة التخيير.

وما ذكرنا هو المختار في مجاري الاصول الأربعة ،

______________________________________________________

(والثاني : اما ان يكون الشك فيه في التكليف ، او لا ، فالاول : مجرى اصالة البراءة) وهذه اللفظة مستعملة فيها ، لكن لا بالمعنى الاصولي ، والمراد بها هنا : ان الانسان بريء من التكليف ، بمعنى : ان لا تكليف عليه.

ثم ان المراد من التكليف : الواجب والحرام ، اما الاحكام الثلاثة الأخر ، فلا كلفة فيها ، لعدم الالزام ، فاذا شك بين الواجب والمستحب ـ كغسل يوم الجمعة ـ كان الاصل عدم الوجوب ، الى غيره من الامثلة.

(والثاني : اما ان يمكن الاحتياط فيه ، اولا ، فالاول : مجرى قاعدة الاحتياط) وهذا اللفظ مستعمل في الروايات ، والاصل فيه «من حاطه» بمعنى : اشتمل عليه ومنه المحيط بمعنى : الدائر حول الشيء دورانا ماديا ، كالسور المحيط بالبلد ، او معنويا ، كما قال سبحانه : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ)(١) فكأنّ المحتاط يدور حول الحكم فيأتي به (والثاني : مجرى قاعدة التخيير) والاصل فيه «خار» بمعنى : سهل ، اذ العمل بهذا او ذاك سهل ، بخلاف العمل بشيء واحد فقط ، وهذا اللفظ وارد في الروايات.

(وما ذكرنا) من التقسيم (هو المختار في مجاري الاصول الاربعة) اذ بعض الاصوليين قسم الاربعة بشكل آخر ، غير التقسيمين الذين ذكرناهما.

__________________

(١) ـ سورة البروج : الآية ٢٠.

٢٣

وقد وقع الخلاف فيها ، وتمام الكلام في كلّ واحد موكول إلى محلّه ، فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة : الأوّل في القطع ، والثاني في الظّن ، والثالث في الاصول العلميّة المذكورة التي هي المرجع عند الشّك.

______________________________________________________

ولذا قال رحمه‌الله تعالى : (وقد وقع الخلاف فيها) وبعضهم فسر العبارة : بأنّ المراد اختلاف بعض العلماء في جريان الحكم على احد الموضوعات الاربعة مثل انكار الاخباريين البراءة في ما اذا شك في التحريم وقالوا بالاحتياط ، لكن ما ذكرناه اوفق باللفظ (وتمام الكلام في كل واحد) من الاربعة ، موضوعا وحكما ودليلا (موكول الى محله) إن شاء الله تعالى ، والمراد بتمام الكلام : الكلام التام لا بقية الكلام ، اذ التمام يستعمل تارة بهذا المعنى ، واخرى بالمعنى الثاني ، فهو من اضافة الصفة الى الموصوف ، لا اضافة الجزء الى الكل ، او الجزئي الى الكلي.

(فالكلام يقع في مقاصد ثلاثة : الاول : في القطع ، والثاني : في الظن) وقد عرفت انه يلازمه الوهم ، فالكلام في المقصد الثاني فيهما ، كقولهم : العمل في باب الانسداد ، بالمظنونات والموهومات والمشكوكات.

(والثالث : في الاصول العملية المذكورة ، التي هي المرجع عند الشك) حيث انه محل اجراء الاصول العملية.

ولا يخفى انه قد يكون الظن النفسي ، حاله حال الشك في جريان احكام الشك ، وهو ما اذا كان الظن غير حجة.

* * *

٢٤

الوصائل

الى

الرسائل

المقصد الاول

في القطع

٢٥
٢٦

مقدمة البحث

امّا الكلام في المقصد الأول :

فنقول : لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا ، لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع.

______________________________________________________

(امّا الكلام في المقصد الاول) وهو القطع (فنقول) : هو عبارة عما اذا كان وجدان الانسان الى طرف بحيث يمنع عن نقيضه ـ سواء كان مطابقا للواقع اولا ـ فان طابق الواقع سمّي يقينا ، وان لم يطابق سمي جهلا مركبا ، لانه يجهل الواقع ، ويجهل انه يجهل الواقع.

هذا موضوع القطع ، اما حكمه : فانه (لا اشكال) عقلا وعقلائيا ـ وحيث انه تكويني لا شأن للتشريع فيه ـ (في) حجية القطع ، وانه يحتج المولى على العبدان ترك العمل على طبقه ، ويحتج العبد على المولى ان عمل بقطعه ، وهذا هو معنى : (وجوب متابعة القطع) والّا ، فمع قطع النظر عن الاحتجاج المذكور ، يمكن للانسان ان يقطع ويخالفه (والعمل عليه) جريا ورائه بالعمل ، اذا كان القطع يوجبه ، كالقطع بان هذا اسد فيفرّ منه ، وبالترك ، اذا كان القطع يوجب الترك ، كالقطع بانه ليس بأسد فلا يفرّ ، ولعل الفرق بين المتابعة والعمل هو : ان الاول : لوحظ فيه ان القطع شيء يتبعه الانسان ، كاتباع زيد لعمرو في مشيه ورائه.

والثاني : لوحظ فيه حالة نفسية ـ لاضافة القطع الى النفس ، كاضافة الشجاعة والكرم اليها ـ فيكون العمل على طبق تلك الحالة (ما دام موجودا) فاذا فقد القطع ، كان من السالبة بانتفاء الموضوع (لانه بنفسه طريق الى الواقع) من غير حاجة الى تقوية وتأييد ، بخلاف الظن فانه محتاج اليهما.

٢٧

وليس طريقيّته قابلة لجعل الشارع إثباتا ونفيا.

ومن هنا يعلم أنّ إطلاق الحجّة عليه ليس كاطلاق الحجّة على الأمارات المعتبرة شرعا ،

______________________________________________________

(وليس طريقيّته قابلة لجعل الشارع اثباتا) بأن يقول الشارع : اذا قطعت فاعمل على طبق قطعك ، فيكون طريقيته مجعولة (ونفيا) بأن يقول : اذا قطعت فلا تعمل على طبق قطعك ، شأن القطع في ذلك شأن سائر الامور التكوينية ، فان الشارع يتمكن ان يزيل القطع تكوينا ، او يوجده تكوينا ، اما ان يوجد طريقيته أو ينفي طريقيته ، فليس من شأن الامر التكويني ذلك ، فكما ان الامر التشريعي لا يوجد ولا يعدم بالتكوين ، كذلك الامر التكويني لا يوجد ولا يعدم بالتشريع.

وافضل مثال لذلك : رؤية العين ، فان الشارع يتمكن ان يعطي لعين زيد النور ، او يسلبها النور ، لكن هل يصح ان يقول : جعلت رؤيتك للماء طريقا الى معرفتك بانه ماء؟ او جعلت رؤيتك للماء مسلوبا عنك المعرفة بانه ماء؟.

(ومن هنا) اي من جهة ان القطع طريق ذاتا (يعلم ان اطلاق الحجة عليه) حيث يقال في الالسنة : القطع حجة (ليس كاطلاق الحجة على) سائر (الامارات المعتبرة شرعا) كالبينة ، وخبر العادل ، وما اشبه.

علما بان الامارة : تطلق على ما يقوم على الموضوع كالبينة.

والطريق : يطلق على ما يقوم على الحكم كخبر الواحد.

مثلا : اذا قيل الخمر حرام ، فكون المائع الفلاني خمرا ، انما يثبت بشهادة شاهدين ، فشهادتهما تسمى امارة على الخمرية ، اما كونه حراما فانه يثبت بالآية والرواية ، وهما طريقان على الحكم المذكور.

ولا يخفى : ان اطلاق الحجة على القطع وسائر الامارات على نحو الحقيقة ،

٢٨

لأنّ الحجّة عبارة عن الوسط الذي به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر ، ويصير واسطة للقطع بثبوته له ، كالتغيّر لاثبات حدوث العالم.

فقولنا : «الظنّ حجّة ، او البيّنة حجّة ، او فتوى المفتي

______________________________________________________

لان المولى والعبد يحتج كل منهما على الآخر بالقطع وبسائر الامارات ، إلّا ان كونه طريقا في الاول ذاتي ، وفي الثاني عرضي ـ هذا بناء على المعنى اللغوي للحجة ـ اما المعنى الاصطلاحي للحجة ، فهو ما ذكروه في المنطق من : «الاوسط» الذي يجعل الاكبر في الكبرى محمولا على الاصغر في الصغرى ، مثلا يقال : العالم متغيّر ، وكل متغيّر حادث (لان الحجّة ، عبارة عن الوسط الذي به يحتج على ثبوت الاكبر للأصغر) وانما سمي الاول اصغر ، لانه فرد من الافراد ، ويسمى الثاني بالاكبر ، لانه كلي يشمل الاصغر وغير الاصغر من الافراد ، ففي المثال المتقدّم ، العالم فرد من افراد المتغيّر ، ولذا تسمى المقدمة الاولى : بالصغرى والمقدمة الثانية : بالكبرى (ويصير) هذا الوسط (واسطة للقطع بثبوته) اي ثبوت الاكبر (له) اي للاصغر ، فانّ قطعنا : بان العالم حادث ، انما جاء من جهة الوسط ، الذي هو «متغير» (كالتغير لاثبات حدوث العالم).

اقول : لا فرق بين الواسطة في الثبوت ، او في النفي ، مثلا يقال : هذا فرس ، والفرس ليس بناطق ، فهذا ليس بناطق ، فعدم النطق ثبت على هذا بواسطة الوسط ، الذي هو «فرس».

والاقسام في المنطق تحصل من ضرب «الاصغر» و «الاوسط» الاول و «الاوسط» الثاني ، و «الاكبر» ايجابا في كل واحد ، أو سلبا في كل واحد في الآخر ، فقد يقال «العالم» وقد يقال : «غير العالم» وهكذا يأتي السلب والايجاب في الاوسطين ، وفي الاكبر (فقولنا : الظن حجة ، او البينة حجة ، او فتوى المفتي

٢٩

حجّة» ، يراد به كون هذه الامور أوساطا لاثبات أحكام متعلّقاتها.

فيقال : هذا مظنون الخمريّة ، وكلّ مظنون الخمريّة يجب الاجتناب عنه ، وكذلك قولنا : هذا الفعل ممّا أفتى المفتي بتحريمه ، او قامت البيّنة على كونه محرّما ، وكلّ ما كان كذلك فهو حرام.

وهذا بخلاف القطع ، لأنّه إذا قطع بوجوب شيء فيقال : هذا

______________________________________________________

حجة ، يراد به) اي بكونه حجة (كون هذه الامور) الظن والبينة والفتوى (اوساطا لاثبات احكام متعلقاتها) مثلا : الظن بالخمر مثبت لحكم الحرمة على ما ظن انه خمر ، فالحكم : الحرمة ، والمتعلق للظن : خمرية ما في الاناء ، فحيث تعلق الظن بانه خمر ، ثبت عليه الحرمة (فيقال : هذا مظنون الخمرية ، وكل مظنون الخمرية ، يجب الاجتناب عنه) اي حرام ، فهذا الموجود في الاناء يجب الاجتناب عنه.

وعليه : فالظن صار وسطا لاثبات الحرمة على ما في الاناء ، كما ان المتغيّر صار وسطا ، لاثبات الحدود على العالم (وكذلك) في وسطية سائر الامارات ك (قولنا : هذا الفعل مما افتى المفتي بتحريمه) او دل الخبر على تحريمه (او قامت البينة على كونه محرما ، وكلّما كان كذلك) اي قام على تحريمه الفتوى ، او الخبر ، او البينة (فهو حرام) فهذا حرام ، وكذلك في باب الوجوب والاستحباب والكراهة والاباحة ، وهكذا في باب الاحكام الوضعية ، كالجزء والشرط والمانع والقاطع ، وهكذا في باب ان اللفظ الفلاني ظاهر او مجمل ، او عام او خاص ، الى غير ذلك.

(وهذا) الذي ذكرناه انما هو بالنسبة الى الامارة (بخلاف القطع ، لانه اذا قطع بوجوب شيء) او حرمته او سائر الاحكام الوضعية والتكليفية (فيقال : هذا

٣٠

واجب ، وكلّ واجب يحرم ضدّه او تجب مقدّمته.

وكذلك العلم بالموضوعات ، فاذا قطع بخمريّة شيء ، فيقال : هذا خمر ، وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه.

ولا يقال : إنّ هذا معلوم الوجوب أو الخمريّة ، وكلّ معلوم حكمه كذا ، لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر ، لا لما علم أنّه خمر.

______________________________________________________

واجب ، وكل واجب يحرم ضده) اذا قلنا بمسألة الضد (او تجب مقدمته) اذا قلنا بوجوب المقدمة ، ولا نأتي بلفظ القطع في الوسط ، فلا نقول : «هذا ما قطع بوجوبه ، وكل ما قطع بوجوبه يحرم ضده» كما كنا نقول : هذا ما افتى المفتي بوجوبه ، وكل ما افتى المفتي بوجوبه ، فهو واجب ، هذا كله في ان القطع لا يكون جزءا من الحكم (وكذلك العلم) اي القطع (بالموضوعات فاذا قطع بخمرية شيء) فان القطع لا يكون جزءا من الموضوع (فيقال : هذا خمر ، وكل خمر يجب الاجتناب عنه) فهذا يجب الاجتناب عنه (ولا يقال : ان هذا معلوم الوجوب او الخمرية ، وكل معلوم) الخمرية (حكمه كذا) لوضوح ان الشارع حرّم الخمر بما هو خمر ، لا انه اذا علم وقطع بانه خمر ، فليس القطع جزء الموضوع.

نعم ، اذا قطع به ، تنجز عليه ، واذا لم يقطع به لم يتنجز ، والّا فالخمر حرام من غير تقييد بالعلم (لان احكام الخمر انما تثبت للخمر) على نحو لا بشرط (لا لما علم انه خمر) فنفس القطع لم يقع وسطا ، وانما وقع فتوى المفتي ونحوه وسطا.

ولهذا ربما يقال : انه لا فرق بين القطع الحجة ذاتا ، وسائر الامارات الحجة عرضا ، في ان الحكم تابع للواقع ، فان كان الواقع كان الحكم ، وإلّا لم يكن الحكم ، والقطع وسائر الامارات تفيد التنجيز والاعذار ، والتجري في صورة

٣١

والحاصل أنّ كون القطع حجّة غير معقول ، لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب ، فلا يطلق على نفس القطع.

هذا كلّه بالنسبة إلى متعلّق القطع ، وهو الأمر المقطوع به. وأمّا بالنسبة إلى حكم آخر ، فيجوز أن يكون القطع مأخوذا

______________________________________________________

مخالفة الامارة او مخالفة القطع ، فيما اشتبه ولم يكن واقع ، فلا وسطية اطلاقا ، لا للامارة ولا للقطع.

(و) على اي حال ف (الحاصل) ممّا ذكره الشيخ رضوان الله عليه : (ان كون القطع حجة) بمعنى الوسط (غير معقول) في القطع الطريقي (لان الحجة ما يوجب القطع بالمطلوب) اي بثبوت الاكبر على الاوسط (فلا يطلق) الحجة (على نفس القطع) الّا اطلاقا مجازيا ، من باب اطلاق اسم السبب على المسبب.

نعم ، الحجة بمعنى احتجاج كل من المولى على العبد اذا خالف ، واحتجاج العبد على المولى اذا وافق ، يطلق على القطع كما يطلق على سائر الامارات.

(هذا كله) الذي ذكرناه : من عدم كون القطع وسطا حجة ، انما هو (بالنسبة الى) حكم (متعلق القطع) الذي حمل الحكم وجوبا او تحريما او غير ذلك ، على الشيء المتعلق للقطع ، بما هو ، ويسمى ذلك بالقطع الطريقي (و) متعلق القطع (هو الامر المقطوع به) فلا اعتبار لصفة القطع في الحكم.

(وأما) القطع بشيء (بالنسبة الى حكم آخر) كما اذا كان القطع بالخمر موضوعا لحكم ، غير حرمة الخمر ، مثلا : قال المولى : من قطع بالخمر ، فعليه ان يريق ذلك المقطوع كونه خمرا (فيجوز) اي يمكن (ان يكون القطع مأخوذا

٣٢

في موضوعه ، فيقال : إنّ الشيء المعلوم ، بوصف كونه معلوما ، حكمه كذا.

وحينئذ : فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم وإن لم يطلق عليه الحجّة ، إذ المراد بالحجّة في باب الأدلّة

______________________________________________________

في موضوعه) كل الموضوع ، او جزء الموضوع (فيقال : إنّ الشيء) الذي هو خمر (المعلوم) كونه خمرا (بوصف كونه معلوما ، حكمه كذا) اي وجوب الاراقة ـ في المثال ـ كما ورد في باب القضاة : ان الرجل الذي يقضي بالحق وهو لا يعلم ، يكون من اهل النار ، فالحق المعلوم يجوز القضاء به اما الحق بما هو حق ، فلا يجوز القضاء به ، كما ورد شبه ذلك في الشيء الذي للانسان ، ويأخذه من المستولي عليه بحكم الجائر ، فانه حرام على المالك نفس ذلك الشيء ، فالشيء الذي لا يأخذه بحكم الجائر وانما بحكم العادل او يأخذه بنفسه بلا مراجعة حاكم الجور حلال له.

(وحينئذ) اي اذا كان القطع جزء الموضوع ، او كل الموضوع (فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم) لمتعلقه ، فيقال : «هذا معلوم الخمرية ، وكل معلوم الخمرية يلزم اراقته» فاذا كان قطع ، بدون ان يصادف الواقع ، بأن كان جهلا مركبا ، او كان خمر ، بدون ان يقطع بأنه خمر ، لم يجب اراقته.

هذا في ما اذا كان العلم جزء الموضوع ، اما اذا كان العلم كل الموضوع ، فان علم بانه خمر ـ وان كان علمه جهلا مركبا ـ وجب اراقته (وان لم يطلق عليه) اي على هذا القطع الذي هو كل الموضوع ، او جزء الموضوع (الحجة) لان الحجة هو الوسط بين الموضوع والمحمول ، مثل : المتغير في العالم متغير ، وهذا القطع الموضوعي ، موضوع ، وليس وسطا (اذ المراد بالحجة في باب الادلة) لا باب الأقيسة ، حيث ان المنطقيين يسمون كل القياس بكبراه وصغراه : حجة ، ولعله

٣٣

ما كان وسطا لثبوت أحكام متعلّقه شرعا ، لا لحكم آخر ، كما إذا رتّب الشارع الحرمة على الخمر المعلوم كونها خمرا ، لا على نفس الخمر ، وكترتّب وجوب الاطاعة على معلوم الوجوب ، لا الواجب الواقعيّ.

وبالجملة : فالقطع قد يكون طريقا للحكم ، وقد يكون مأخوذا في موضوع الحكم ،

______________________________________________________

من باب ان هذا المجموع حجة على النتيجة (ما كان وسطا) لثبوت الاكبر على الاصغر اي (لثبوت احكام متعلقه شرعا) كفتوى المفتي حيث يقال : فتوى المفتي حجة ، لثبوت الحكم على الموضوع ، فاذا قال المفتي : العصير العنبي قبل ذهاب الثلثين نجس ، احتج كل من المولى على العبد ـ اذا خالف ـ والعبد على المولى اذا وافق ، بهذه الفتيا (لا لحكم آخر) كوجوب الاراقة في المثال السابق «الخمر المعلوم خمريته تجب اراقته». حيث ان وجوب الاراقة ليس حكم الخمر ، وانما هو حكم «معلوم الخمرية» والقطع ، الذي هو الموضوع كلا او جزءا (كما اذا رتب الشارع الحرمة على الخمر المعلوم كونها خمرا ، لا على نفس الخمر).

ولا يخفى : ان «الخمر» يجوز فيه التذكير والتأنيث ، فيقال مثلا : الخمر الحمراء ، والخمر الاحمر (وكترتب وجوب الاطاعة) عقلا (على معلوم الوجوب لا الواجب الواقعي).

(وبالجملة) الجملة : مقابل التفصيل ، ويسمى جملة لان من جمال الكلام ان يجمع المتكلّم اطراف كلامه في عبارة موجزة ، فانه اقرب الى الحفظ والبقاء في الذهن (فالقطع قد يكون طريقا) ويسمى قطعا طريقيا (للحكم) فلا مدخلية له في الحكم (وقد يكون مأخوذا في موضوع الحكم) ويسمى قطعا موضوعيا.

٣٤

ثم ما كان منه طريقا لا يفرّق فيه بين خصوصيّاته من حيث القاطع والمقطوع به وأسباب القطع وأزمانه ، إذ المفروض كونه طريقا إلى متعلّقه ،

______________________________________________________

وقد تقدم ، أن القطع الموضوعي قد يكون جزء الموضوع ، وقد يكون كل الموضوع (ثم ما كان منه طريقا) يختلف عما كان منه موضوعا ، في امور ثلاثة :

الاول : ان القطع الطريقي لا يقع وسطا ، ولا يسمى حجة ، بخلاف القطع الموضوعي ـ كما تقدم الكلام فيه ـ.

الثاني : ان القطع الطريقي (لا يفرق فيه بين خصوصياته) بخلاف القطع الموضوعي ، حيث ان الشارع يمكن ان يفرق فيه بين الخصوصيات ، فان الشارع يقرر حكمه على قدر ما يريده من الموضوع ـ كما سيأتي تفصيل الكلام فيه ـ.

الثالث : ان القطع الطريقي ، تقوم الامارات وبعض الاصول العملية مقامه بخلاف القطع الموضوعي ، كما سيأتي بيانه عند قوله :

«ثم من خواص القطع الذي هو طريق الى الواقع الى آخره».

وحيث ظهر لك موجز الفروق ، وقد تقدم الفرق الاول ، نفصل الكلام حول الفرق الثاني ، فلا فرق في القطع الطريقي بين تمام الاحوال : (من حيث القاطع) فهو حجة ، سواء حصل للقطاع غير المتعارف ، او للمتعارف (والمقطوع به) سواء كان في الاصول او الفروع ، في الاحكام الوضعية او التكليفية ، او في الموضوعات (واسباب القطع) سواء كان من الادلة العقلية او اللفظية ، بل وحتى من الخارج عن المتعارف (وازمانه) سواء كان في زمان الانفتاح او الانسداد ، ـ لو قلنا بالانسداد ـ وزمان حضورهم عليهم‌السلام او حال الغيبة (اذ المفروض كونه) اي كون الطريقي (طريقا الى متعلقه) فاذا قطع بأن المائع الفلاني خمر

٣٥

فيترتّب عليه أحكام متعلّقه ، ولا يجوز للشارع أن ينهى عن العمل به ، لأنّه مستلزم للتناقض.

فاذا قطع كون مائع بولا ، من أيّ سبب كان ، فلا يجوز للشارع أن يحكم بعدم نجاسته او عدم وجوب الاجتناب عنه ،

______________________________________________________

(فيترتب عليه) اي على هذا القطع الطريقي (احكام متعلقه) كالحرمة.

وما ذكره : مثال للقطع بالموضوع ، وكذلك حال الحكم ، فاذا قطع بان الخمر حرام ، فكلّما تحقق الموضوع تحقق الحكم (ولا يجوز للشارع) اي يستحيل عقلا بالنسبة الى الحكيم ، فكيف اذا كان سيد الحكماء والعقلاء؟ (ان ينهى عن العمل به) اي بالقطع الطريقي (لانه) اي نهيه (مستلزم للتناقض) ولو في نظر المكلّف ، لانه من ناحية ، قال الشارع : كل خمر حرام فلا تشربه ، ومن ناحية ، قال : اشرب هذا الخمر.

وبذلك يظهر : انه لا يتمكن الشارع ان ياتي بحكم آخر ، ولو غير النهي ، من الاحكام ، كان يقول : لا تشرب الخمر ، ثم يقول : ان شئت فاشرب ، او يكره شربه ، او يستحب ، او يجب ، من غير فرق في ذلك بين القطع بالموضوع ، او بالحكم.

(فاذا قطع) المكلّف (كون مائع بولا ، من اي سبب كان) قطعه ، سواء باخبار من قطع بسبب اخبارهم ، او برؤيته بالعين ، او بان راى مكانه الذي نام ولده الصغير فيه مرطوبا او بغير ذلك (فلا يجوز للشارع) بمعنى يمتنع ـ كما تقدم ـ (ان يحكم بعدم نجاسته ، او عدم وجوب الاجتناب عنه) اي وجوب الاجتناب من آثار النجاسة ، اذ التناقض كما يحصل بنفي المؤثر ، يحصل بنفي الاثر ايضا ، فانه اذا كان امران متلازمان ، يناقضهما أمران متلازمان آخران ، ولا يمكن الجمع

٣٦

لأنّ المفروض أنّه بمجرّد القطع يحصل له صغرى وكبرى ، أعني قوله : «هذا بول ، وكلّ بول يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه».

فحكم الشارع بأنّه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له ،

______________________________________________________

بين الملزومين ، ولا بين اللازمين ، ولا بين ملزوم احدهما ولازم الآخر.

وكما لا يصح ان يحكم بعدم النجاسة ، او عدم وجوب الاجتناب ، كذلك : لا يصح ان يحكم بجواز الصلاة فيه ، والحال انه قال : لا تصل في البول ، وكذلك لا يصح ان يقول : ان هذا ليس ببول ، الى غير ذلك.

(لان المفروض) ان الشارع حكم بوجوب الاجتناب عن البول ، والمكلّف قطع (انه) بول ، فانه (بمجرد القطع) بالبولية (يحصل له صغرى) وجدانية (وكبرى) شرعية (اعني قوله) اي قول المكلّف : (هذا بول ، وكل بول يجب الاجتناب عنه ، فهذا يجب الاجتناب عنه ، فحكم الشارع : بانه) لا يجب العمل بقطعك ، او يحرم ، او يستحب ، او يكره ، مما مؤداه :

(لا يجب الاجتناب عنه) اي عن هذا الشيء الذي تقطع بانه بول (مناقض له) ولو في نظر المكلّف ، وكما لا يعقل ان يحكم الحكيم بالمناقض واقعا كذلك لا يعقل ان يحكم بما يراه المكلّف مناقضا ، لانه يوجب نقض الغرض ، باسقاطه نفسه عن كونه حكيما في نظر المكلّف ، الذي يراه وقد ناقض نفسه بنفسه.

وبهذا تبين : ان الامر ليس منحصرا بالتناقض ، بل ياتي نفس هذا الكلام فيما اذا رآه المكلّف مضادا لنفسه بنفسه ، بان امر بالضدين ، او بارتفاع النقيضين ، او بارتفاع الضدين ، الذين لا ثالث لهما.

هذا كله فيما اذا كانت «النجاسة» في لسان الشرع حكما للبول بنفسه ، اما اذا كان حكما للبول المعلوم من طريق خاص ، كما اذا قال الشارع : «البول الذي

٣٧

إلّا إذا فرض عدم كون النجاسة ووجوب الاجتناب من أحكام نفس البول ، بل من أحكام ما علم بوليّته على وجه خاصّ من حيث السبب او الشخص او غيرهما ، فيكون مأخوذا في الموضوع.

______________________________________________________

يشهد شاهدان بانه بول ، يجب عليك الاجتناب عنه» فانه يتمكن ان يقول اما اذا رأيت بعينك انه بول ، فلا يلزم الاجتناب عنه ، لان الموضوع صار خاصا ، والى هذا اشار بقوله : (إلّا اذا فرض عدم كون النجاسة ووجوب الاجتناب) وامثالهما ، كوجوب التطهير بالماء القليل مرتين ، من اللازم والملزوم والملازم (من احكام نفس البول) ولوازمه الشرعية.

وعليه : فلا يكون القطع بالبول كاشفا عن صغرى ، فلا يمكن رفع الحكم ، بعد حكم الشارع بالكبرى (بل من احكام ما علم بوليته على وجه خاص) او من احكام ما قام على انه بول على وجه خاص (من حيث السبب) كما اذا قال : ما رأيته بعينك انه بول ، فهو نجس (او الشخص) كما اذا قال : ما علمه غير الوسواسي بانه بول ، فهو نجس ، لا ما علمه الوسواسي (او غيرهما) كالزمان والمكان ، كما اذا قال : ما علمته في الصيف انه بول ، او ما علمته في مصر ـ حيث البلهارزيا ـ انه بول فهو نجس.

هذا ، وقد ذكر جماعة : انه اذا علم القاضي بان فلانا زان ، لا يكفي في حده بل اللازم الشهود الاربعة ، او الاقرارات الاربعة ، وذلك لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام علما بزنا الرجل والمرأة باول اقرار (١) ، ومع ذلك لم يجريا الحد ، مما يدل : على ان وجوب الحد على القاضي ليس بمجرد الزنا ، بل بعلمه من قيام الشهود او الاقرار ـ على الشرائط المقررة ـ (فيكون) القطع ، حينئذ(مأخوذا في الموضوع)

__________________

(١) ـ راجع وسائل الشيعة : ج ٢٨ ص ٥٦ ـ ٥٧ ب ٣٢ ح ٣٤٢٠٢.

٣٨

وحكمه أنّه يتّبع في اعتباره مطلقا او على وجه خاصّ دليل ذلك الحكم الثابت الذي اخذ العلم في موضوعه.

فقد يدلّ على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به ، بمعنى انكشافه للمكلّف من غير خصوصيّة للانكشاف ،

______________________________________________________

فليس البول نجسا ، بل البول المقطوع به من طريق خاص نجس.

(وحكمه) اي حكم ذلك الموضوع (انه يتبع في اعتباره) اي اعتبار ذلك الحكم (مطلقا) في انه كلما قطع بانه بول ، كان حكمه النجاسة (او على وجه خاص) كالقطع في الصيف ، او من غير الوسواسي ، او ما اشبه ذلك (دليل ذلك الحكم الثابت) «دليل» : نائب فاعل ل «يتبع» و (الذي) صفة «الحكم» (اخذ العلم في موضوعه) فنلاحظ هل قال الشارع : «البول المقطوع به نجس»؟ او قال : «البول الذي يقطع به غير الوسواسي نجس»؟.

ففي الاول : كلما حصل القطع كان محكوما بالنجاسة ، وفرقه عن «البول النجس» : ان لموضوع النجاسة في «البول المقطوع به» جزءان : «البول ، والقطع به» وفي «البول نجس» جزء واحد ـ ومرادنا بالجزء : اعم من الجزء والقيد والشرط ـ.

وتظهر النتيجة بين الموضوع «الفرد» و «المركب» في الآثار (فقد يدل) الدليل (على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به) مطلقا ، من غير خصوصية سبب خاص ، او شخص خاص ، او زمان خاص ، او مكان خاص ـ وقوله : بشرط يريد به : «اعم من الجزء والشرط» والقيد ، كما ذكرناه ـ (بمعنى انكشافه) اي انكشاف ذلك الشيء (للمكلف من غير خصوصية للانكشاف) سببا ، او شخصا ، او زمانا ، أو مكانا ، ولنمثل لمدخلية القطع مطلقا في ترتب الحكم ، بمثالين :

٣٩

كما في حكم العقل بحسن إتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه ، وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا ، فانّ مدخليّة القطع بالمطلوبيّة او المبغوضيّة في صيرورة الفعل حسنا او قبيحا عند العقل لا يختصّ ببعض أفراده.

______________________________________________________

احدهما عقلي ، والآخر شرعي.

فالاول : (كما في حكم العقل بحسن اتيان ما) اي الفعل الذي (قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه) كالاحسان والعدل ، والفرق بينهما : ان العدل : عبارة عن الموازنة بين امرين ، كاعطاء الاجير اجرته حيث توازن الاجرة عمله ، والاحسان : عبارة عن الزيادة الحسنة ، مثل ان يعطيه فوق اجرته شيئا (وقبح ما) اي الفعل الذي (يقطع بكونه مبغوضا) لمولاه ، كالظلم ، فان القطع الذي جعل في موضوع الاحسان والإساءة ، قطع مطلق ، من اي سبب ، او في اي زمان حصل ، والى آخره.

والظاهر : ان مراد المصنف قدس‌سره : ان تنجيز حسن الاحسان ، وقبح الإساءة منوط بالقطع ، والّا فمن الواضح : ان الاحسان حسن ، والإساءة قبيح ، سواء قطع بهما العبد ام لا.

وعلى اي : (فان مدخلية القطع بالمطلوبية) للاحسان (أو المبغوضية) للاساءة (في صيرورة الفعل حسنا ، أو قبيحا عند العقل) و «عند» متعلق ب «صيرورة» (لا يختص ببعض افراده) اي افراد القطع ، بل من كل سبب ، ولاي احد ، وفي اي زمان ، وفي اي مكان ، وفي اي قسم من اقسام الاحسان او الاساءة ، والى غير ذلك.

ولا يخفى : ان اصل الحسن والقبح ـ حيث نحن بصددهما ـ شيء ، والمزيد في الاحسان والإساءة من جهة خارجية ، شيء آخر ، وكذا يكون القتل في الاشهر الحرم أسوأ ، دون سائر الشهور ، وقد قال الامام الصادق عليه‌السلام لشقران :

٤٠