الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

وعليك بالتأمّل في كلّ من الأقسام.

قال الشهيد قدس‌سره ، في القواعد : «لا يؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا ما لم يتلبّس بها ، وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه.

ولو نوى المعصية وتلبّس بما يراه معصية فظهر خلافها ،

______________________________________________________

زعم انه خمر.

(وعليك بالتأمل في كل من الاقسام) التي ذكرها المصنّف وذكرناها ، لعلّك تجد دليلا جديدا في كلها او بعضها يفيد الحرمة صريحا ، او الحليّة صريحا.

ولا يخفى : ان التجرّي سواء كان حراما او مذموما ، بعضه اكثر حرمة ومذمة من بعض ، حسب ادلة تلك المحرمات ، فالتجرّي الى الزنا اشد من التجرّي الى اللمس ، كما اذا فعلهما بمن زعم حرمتها فبانت انها زوجته ، الى غير ذلك.

وفي نهاية هذا البحث ننقل كلام الشهيد الاول قدس‌سره ، للدلالة على انه أيضا ممن يقول بعدم حرمة التجرّي ، ويؤيد ما اختاره المصنّف (قال الشهيد قدس‌سره في القواعد) «والسر» : الروح لانه مستور في البدن ، ومعنى قدس‌سره : ان يكون هناك في روح وراحة لانه حينئذ منزه عن العذاب والشدّة ويحتمل معنى آخر لا يهم الكلام فيه (: لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما).

اقول : قد تقدّم وجود الذم عقلا وشرعا ، فان من ينوي ان يسرق مال صديقه ، اذا انكشفت نيته للناس ذموه على هذه النيّة بلا اشكال (ما لم يتلبس بها) اي بالمعصية (وهو) اي قصد العصيان (مما ثبت في الاخبار العفو عنه) وهو دليل على قبحه ، اذ غير القبيح لا معنى للعفو عنه.

(ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه معصية ، فظهر خلافها) و «ظهر» هنا من باب عالم الاثبات ، وإلّا فالمعيار هو عالم الثبوت ، فالمراد : هو ان ما زعمه عصيانا

١٢١

ففي تأثير هذه النيّة نظر ، من أنّها لمّا لم تصادف المعصية صارت كنيّة مجرّدة وهي غير مؤاخذ بها ، ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصي».

وقد ذكر بعض الأصحاب أنّه لو شرب المباح تشبيها بشرب المسكر فعل حراما ،

______________________________________________________

لم يكن بعصيان ـ في متن الواقع ـ (ففي تأثير هذه النية) في الحرمة والعقاب (نظر) لوجود احتمالين :

(من انها لمّا لم تصادف المعصية ، صارت كنية مجردة) عن العمل (وهي غير) محرمة ولا (مؤاخذ بها) حسب ما عرفت.

(ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصي) فهي محرمة ومعاقب عليها.

لكن لا يخفى : ان الجرأة بما هي جرأة تكون محرمة ، هو اول الكلام ، اما انتهاك الحرمة ، فالعقل والشرع متطابقان على حرمته ، فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرمته ميتا كحرمته حيّا» (١).

(وقد ذكر بعض الأصحاب : انه لو شرب) شخص (المباح) المسلّم اباحته ، مع علمه بانه مباح ، ولكن (تشبيها بشرب المسكر) كما اذا كان في القنينة الخاصة بالخمر ، وبعد الشرب تظاهر بالسكر ، فقد (فعل حراما) وكأنه لما ورد : من ان من تشبّه بقوم فهو منهم ، وهو مشمول أيضا لقوله تعالى كما في الحديث القدسي :

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤١٩ ب ٢١ ح ٤٣ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٩٧ ب ١٧٨ ح ٧ ، وسائل الشيعة : ج ٢٩ ص ٣٢٧ ب ٢٤ ح ٣٥٧٠١ ، غوالى اللئالي : ج ٢ ص ٣٦٧ وفيه عن الصادق (ع).

١٢٢

ولعله ليس لمجرّد النيّة ، بل بانضمام فعل الجوارح.

ويتصوّر محلّ النظر في صور :

منها : لو وجد امرأة في منزل غيره ، فظنّها أجنبيّة فأصابها ،

______________________________________________________

«لا تسلكوا مسالك أعدائي» (١).

والحاصل : انه اذا كان مثل هذا العمل حراما ، فالتلبس بما يراه حراما حرام بطريق اولى لكن ، لا يخفى : ان في المقام امرين :

الاول : هل سلوك مسالك الاعداء حرام؟ اختلفوا فيه.

الثاني : هل انه اذا فعل التشبه في دار خالية بما لا يراه احد حرام؟ ـ مع فرض حرمة سلوك مسالك الاعداء ـ محل مناقشة أيضا ، كالكذب على الناس ، وغيبتهم ، والتقليد عليهم ، في محل خال لا يراه احد.

نعم ، لا اشكال في حرمة ذلك بالنسبة الى الله سبحانه او الرسول او الائمة عليهم‌السلام كما ذكرناه في كتاب الصوم.

(ولعله) اي لعل تحريم التشبّه (ليس لمجرد النية) فقد تقدّم : ان نية الحرام ليست محرمة فكيف بنية ما ليس بحرام؟ وانما حرمته ـ لو قيل بالحرمة ـ لنفس التشبه (بل بانضمام فعل الجوارح) بما يكون تشبها خارجيا (ويتصور محل النظر) في الحرمة وعدمها (في صور) كثيرة ، ذكر منها الشهيد بعضها ، من باب المثال ، لا من باب الاستيعاب.

(منها : لو وجد امرأة في منزل غيره ، فظنها اجنبية فأصابها) بالوطي ، واللمس ،

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٥٢ ح ٧٧٠ ، علل الشرائع : ص ٣٤٨ ، عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ٢٣.

١٢٣

فبان أنّها زوجته او أمته.

ومنها : لو وطئ زوجته بظنّ أنّها حائض فبانت طاهرة.

ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره فأكله ، فتبيّن أنّه ملكه.

ومنها : لو ذبح شاة بظنّ انها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه.

ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّ أنّها معصومة ، فبانت مهدورة.

______________________________________________________

او ما اشبه ، مما يحرم لغير الزوج (فبان انها زوجته او امته) وقد تقدّم ان الظهور من باب عالم الاثبات وإلّا فالمعيار الزوجية واقعا ، وكذلك حال العكس بان ظنت الزوجة انه رجل اجنبي ، وكان في الواقع زوجها.

(ومنها : ما لو وطئ زوجته بظن انها حائض) او نفساء او في عدة الغير بعدّة وطي الشبهة ـ مثلا ـ ، او في حال الصيام الواجب ، او الاحرام ، اما اشبه ذلك (فبانت طاهرة) او ليست في عدة الغير ، او ليست في حال صيام او احرام ، وكذلك المرأة اذا قدمت نفسها موطوءة للزوج في حال تزعم انها كذلك لكن تبين لها انها لم تكن في حال حرمة وطيها.

(ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره) او في دار غيره ، او بزعم انه حرام لانه ميتة او لحم خنزير ، او ما اشبه ، (فاكله ، فتبين انه ملكه) او مباح له ، او انه لحم حلال مذكّى.

(ومنها : لو ذبح شاة بظن انها للغير بقصد العدوان) أي كان الذبح عدوانا (فظهرت ملكه) في زعمه او لا صاحب لها ، او مباحة له.

(ومنها : ما اذا قتل نفسا بظن انها معصومة) اي محقونة الدم (فبانت مهدورة) بما يبيح له القتل ، لا ما اذا كانت مهدورة في نفسها بدون الاباحة له ، لان هدر الدم لانسان لا يلازم هدره لكل انسان.

١٢٤

وقد قال بعض العامّة : «يحكم بفسق المتعاطي ذلك ، لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقابا متوسّطا بين الصغيرة والكبيرة».

«وكلاهما تحكّم وتخرص

______________________________________________________

فهذه امثلة للعرض ، والدم ، والمال ، كما ان هناك امثلة اخرى : مثلما اذا لم تصلّ ، او لم تصم ، او لم تحج ، زاعمة طهارة نفسها ، او استطاعتها ، بينما كانت حائضا ، او غير مستطيعة.

(وقد قال بعض العامة : يحكم بفسق المتعاطي) اي المرتكب (ذلك) اي كل واحد من هذه التجرّيات (لدلالته) اي دلالة التعاطي (على عدم المبالاة بالمعاصي) وعدم المبالاة يوجب الفسق ، لانه خارج عن طريق الاطاعة والعبودية ، وحيث كان فاسقا لا يكون اماما ، ولا شاهدا ولا مرجع تقليد ، الى غير ذلك.

(ويعاقب) هذا المتعاطي (في الآخرة) وكان ينبغي له ان يضيف : الحد ، والتعزير أيضا في الدنيا (ما لم يتب ، عقابا متوسطا بين الصغيرة) لان هذه الامور ليست بصغر الصغائر (والكبيرة) اي ليست بكبر الكبائر ، اما كونها فوق الصغار : فلانها في حدود المحرمات الكبيرة ، كالزنا ، والقتل ، واكل اموال الناس بالباطل ، واما كونها دون الكبائر : فلأنها لم تصادف الواقع حتى تكون من الكبائر.

(و) قد اجاب الشهيد قدس‌سره عن قول بعض العامة ، هذا : بان الحكمين بالفسق والعقاب : (كلاهما تحكم) اي حكما بغير دليل ، اذ من اين الفسق والعقاب ولا دليل شرعي على اي منهما (وتخرّص) اي تخمين بغير علم

١٢٥

على الغيب» ، انتهى.

التنبيه الثاني :

حجّية القطع مطلقا

الثاني : إنّك قد عرفت أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم.

وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين عدم الاعتماد

______________________________________________________

(على الغيب) (١) اي ما غاب عن الحواس فلا دليل شرعي ولا دليل حسي عليهما.

وينبغي ان يضاف على الاشكالين : انه من اين كون العقاب متوسطا؟ لانه ان كان حراما كان عقابه كسائر المحرمات ، وإلّا لم يكن له عقاب (انتهى) كلامه رفع مقامه.

حجيّة القطع مطلقا

التنبيه (الثاني) في حجية القطع مطلقا ف (انك قد عرفت) في اول البحث ، في (انه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا) بأن كان القطع طريقيا ، لا موضوعيا ، اذ القطع الموضوعي تابع لجعل الجاعل ، في انه هل يجعله موضوعا مطلقا او موضوعا في الجملة؟.

لكن الطريق لا فرق فيه (بين اسباب العلم) وانه حصل من الادلة الأربعة او من غيرها ، بل ربما يحصل العلم من المنام ، كما كان ذلك من أسباب علم الأنبياء عليهم‌السلام في قصص معروفة.

(وينسب الى غير واحد) أي جماعة (من اصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد)

__________________

(١) ـ القواعد : ج ١ ص ١٠٧.

١٢٦

على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة الغير الضروريّة ، لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها ، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.

______________________________________________________

والحجية (على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية).

اما اذا لم تكن تلك المقدمات قطعية فواضح عدم الحجية فيها (غير الضرورية) فان ما يحصل من الضرورة قطعي ، مثل : اصول الدّين وفروعه ، كحسن الاحسان وقبح الظلم وما اشبه.

اما غير الضرورية فلا حجية لها مثل حكمة : بان المشروط عدم عند عدم شرطه.

وحكمة : بان الاصل في الاشياء الاباحة.

وحكمة : بوجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي.

وحكمة : بان الامر بالشيء ينهى او لا ينهى عن ضده.

وحكمة : بتقديم التقييد على التخصيص ، وغير ذلك.

وانما قالوا بعدم حجية مثل هذا القطع (لكثرة وقوع الاشتباه) فيه ، بان يشتبه هذا بذاك ، كاشتباه زيد بعمرو (والغلط) بان يتصور مكان الشيء عدمه او بالعكس ، وهو غير الغلط كالتصور ان النّار كامن في الحجر كمونا فعليا ، ككمون النار في داخل الكرة الارضية ، (فيها) اي في المقدمات.

كما انه قد يقع الاشتباه والغلط في تطبيق الكبريات الكلية ـ وان كانت المقدمات صحيحة ـ على الصغريات الجزئية كاختلاف الاخباريين في انه هل يسهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لروايات الاسهاء ، وانه لطف على الامة ، او لا ، لانه نقص يتنزه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مثله؟ (فلا يمكن الركون) والاعتماد ، (الى شيء منها) اي من تلك المقدمات.

١٢٧

فان أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع ، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة طابق النّعل بالنّعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب

______________________________________________________

ونحن نسأل عن مرادهم ما هو؟ (فان ارادوا عدم جواز الركون)؟ الى تلك المقدمات (بعد حصول القطع) منها.

(ف) فيه اولا : حلا : انه (لا يعقل ذلك) اي عدم جواز الركون (في مقام) ما ثبت سابقا من (اعتبار العلم من حيث الكشف) عن الواقع ، فهل يصح ان يقال لمن يرى النهار بعينه لا تعتمد على ما ترى فانه اشتباه؟ والقطع يجعل المقطوع به ، كالنهار في الوضوح.

(و) ثانيا : نقضا : بانه (لو امكن الحكم بعدم اعتباره) اي القطع الحاصل من المقدمات العقلية (لجرى مثله) في عدم الاعتبار (في القطع الحاصل من المقدمات الشرعية) أيضا ، فكما لا يصح الاعتماد على «العالم حادث» المترتب على ، «العالم متغير ، وكل متغير حادث» كذلك لا يصح الاعتماد على «هذا حرام» المترتب على «هذا خمر ، وكل خمر حرام».

اذ اي فرق بين الدليلين العقلي والشرعي بعد اشتراكهما في احتمال الاشتباه والغلط (طابق النعل بالنعل) والقذة بالقذة؟.

فاذا لم تقولوا بذلك في المقدمات الشرعية ، فاللازم ان لا تقولوا به في المقدمات العقلية أيضا.

(وان) لم يريدوا المعنى الاول من الكلام المتقدم ، بل (ارادوا : عدم جواز الخوض) والانغمار ، (في المطالب العقلية لتحصيل المطالب

١٢٨

الشرعيّة ، لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلو سلّم بذلك واغمض عن المعارضة ، لكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة ، فله وجه.

______________________________________________________

الشرعية) فذلك انما لم يجز (لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها) فالقطع وان وجب العمل به عقلا ، إلّا انه معاقب على مقدماته ، وذلك لانه يلزم على الشخص سلوك مقدمات عقلية حتى يحصل القطع منها ، واذا حصل القطع وعمل به فانه لا يعاقب على عمله بالقطع وانما يعاقب على سلوك طريق العقل المنتهى الى القطع.

(فلو سلم بذلك) اي سلّمنا عدم جواز سلوك طريق العقل ، فهنا جوابان :

أوّلا : وهو جواب حلّي ـ لا نسلم عدم جواز السلوك ، مع ان العقل حجة باطنة ، كما ورد في النص ، فايّ دليل يدل على عدم جواز سلوك طريقه؟.

لا يقال : عدم الجواز لكثرة ما نرى من اشتباه الحكماء والفلاسفة مثل قولهم : بالعقول ، والحال ، وما ليس بموجود ولا بمعدوم ، والقدماء الخمسة ، وحتى في الطبيعيات ، مثل : كيفية الافلاك البطليموسية وما اشبه.

لانه يقال : ـ عند التحقيق ـ اشتبهوا في المقدمات ، فجعلوا الشعرية منها ، والخطابية ، والسفسطية ، بمنزلة البرهان ، فلم تكن تلك المقدمات البرهانية ، لا أن المقدمات اذا كانت برهانية ، لم يكن سلوكها مشروعا.

(و) ثانيا : ـ وهو جواب نقضي ـ ما ذكره بقوله : و (أغمض) النظر (عن المعارضة) اي نقض ما ذكروه في الادلة العقلية ، (لكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الادلة الشرعية) وذلك لوضوح كثرة اختلاف الفقهاء ، كما لا يخفى حتى على من راجع «العروة المحشّاة» (فله) اي لما ذكروه (وجه)

١٢٩

وحينئذ : فلو خاض فيها وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعيّ لم يعذر في ذلك ، لتقصيره في مقدّمات التحصيل ، إلّا أنّ الشأن في ثبوت كثرة

______________________________________________________

اي بعد الجواب الحلّي ، الذي اشرنا اليه ب «لو سلّم» والنقضي المشار اليه ب : «اغمض» نقول :

لكلامهم وجه يمكن القول به ، حيث انه من الممكن : المنع عن الخوض في المسائل العقلية المرتبطة بالشرعيات ، اذ لا دليل عليه ، بل الدليل على عدمه في بعضها ، كما ورد من النهي عن الخوض في ذات الله سبحانه ، وعن الخوض في مسائل القضاء والقدر ، الى غير ذلك.

(وحينئذ : فلو خاض فيها ، وحصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي) المقرّر شرعا ما كان معذورا ـ سواء طابق الواقع او كان تكليفه الظاهري ذلك ـ فانه ليس المراد من الحكم الواقعي الّا الاعم من الواقع والظاهر ، لا الواقع في قبال الظاهر.

نعم ، ربما يقال : انه اذا كان تكليفه الظاهري لم ينفع العمل بالظاهري بدون الاستناد ، اذ يقال له : لما ذا عملت بهذا العمل المخالف للواقع؟ ولا عذر له في الجواب ، بينما اذا استند حصل له العذر.

ولعل المصنّف عني ذلك من قوله : (لم يعذر في ذلك) العمل المخالف للواقع (لتقصيره في مقدمات التحصيل) فاذا استند الى مقدمات عقلية في الاكتفاء بصلاة الجمعة يومها ، وكان الواجب الظهر في عصر الغيبة ، لم يعذر في ترك الظهر ، اما اذا استند في وجوب الجمعة بالادلة الشرعية عذر يوم القيامة ، لانه سلك الطريق الذي جعله المولى.

(الّا ان الشأن) اي الكلام (في) صحة ما ذكره الاخباريون من (ثبوت كثرة

١٣٠

الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.

______________________________________________________

الخطأ) في الادلة العقلية وانه (ازيد مما يقع) من الخطا (في فهم المطالب من الادلة الشرعية) ليس على ما ينبغي ، اذ الخطأ في المطالب العقلية ليس بأكثر من الخطأ في المطالب الشرعية ، وعليه : فما هو الملاك الفارق بين الامرين؟.

ثم هنا مطلبان ، تحسن الاشارة اليهما :

الاول : ان الاصوليين والفقهاء ذكروا من جملة الادلة الاربعة : العقل ، فاين حكم العقل في الاحكام الشرعية ، مع انا نرى ان الاحكام الشرعية كلها مستندة الى الكتاب والسنة ، ونادرا الى الاجماع ، وليس هناك حكم شرعي من الطهارة الى الديات مستندا الى العقل؟.

والجواب : ان الحكم الشرعي المستند الى العقل فقط في الكبرى وان لم يوجد ، الّا ان التطبيقات الصغروية على الكبريات المستفادة من الكتاب والسنة ـ وهي بحكم العقل ـ خارجة عن حد الاحصاء.

هذا ، بالاضافة الى الكبريات الاصولية العقلية مثل : مقدمة الواجب ، وان الأمر ينهى عن ضدّه ، والمفهوم ، وغيرها مما يتنقح في الاصول ، وينتج في الفقه ، مضافا الى الاعتضاد بالعقل في جملة من المسائل الفقهية ، ولذا يستدلون بالادلة الاربعة في كثير من المسائل الفقهية.

الثاني : انه لما ذا اختلف الفقهاء ، مع انهم يأخذون من الادلة الاربعة ، وقد ذم الامام امير المؤمنين عليه‌السلام اختلافهم في الفتيا ، كما في نهج البلاغة؟.

والجواب : ان الامام عليه‌السلام لم يذم اختلاف الفقهاء وانما اختلاف القضاة.

كما انه لم يذم اختلافهم بما هو ، بل بما انهم في عصر انفتاح العلم وامكان الوصول اليه عليه‌السلام.

١٣١

وقد عثرت ، بعد ما ذكرت هذا ، على كلام يحكى عن المحدّث الأسترآباديّ في فوائده المدنيّة ، قال في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة بالسماع عن الصادقين ،

______________________________________________________

مضافا الى انه في الحقيقة ذم للتصويب حيث قال عليه‌السلام : «فيصوّب آرائهم جميعا» (١).

اما اصل الاختلاف : فهو ناش من اختلاف تلقي الاذهان النتائج من الكبريات غير البديهية ، على ما قرره سبحانه ، وهو من وسائل الامتحان ، هذا موجز الامر ، والتفصيل موكول الى المفصّلات.

(وقد عثرت) واطلعت (بعد ما ذكرت هذا) الذي نسب الى الاخباريين (على كلام يحكى عن المحدّث الاسترابادي في فوائده المدنية) وهذا اسم كتاب الّفه وهو مطبوع (قال في عداد ما) ذكره من الادلة التي (استدل به) في ضمن ادلته (على انحصار الدليل في غير الضروريات الدينية).

والضروريات : كوجوب الصلاة ، والصوم ، والحج ، وحرمة شرب الخمر ، والزنا ، واللواط ، والسرقة ، مما يعرفه كل مسلم بحيث لا يحتاج في اثباته الى دليل (بالسماع عن الصادقين) المعصومين عليهم‌السلام.

ولا يخفى ان الاخباريين على اقسام ، والقسم الاخير الذي يطلق عليهم هذا اللفظ في قبال الأصوليّين ، هم الذين يحصرون الدليل في السنّة الواردة عن الائمة عليهم‌السلام فقط.

لا بالكتاب ، لأنه مجمل عندهم ، وظواهره ليست حجة الّا بقدر ما ورد من تفسيرهم عليهم‌السلام له.

__________________

(١) ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٨٨.

١٣٢

قال : «الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطنت لها بتوفيق الله تعالى.

وهي أنّ العلوم النظريّة قسمان ، قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الاحساس ،

______________________________________________________

ولا بأقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاله حالما يرد من تفسيرهم للقرآن الكريم.

ولا بالاجماع ، لانه ليس بحجة ، إلّا من جهة الدخول ، وهو راجع الى كلامهم عليهم‌السلام فيما اذا تحقق مثل هذا الاجماع الدخولي.

ولا بالعقل ، لما ورد من الروايات من «ان دين الله لا يصاب بالعقول» (١).

فانحصر الامر في السماع عن الائمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، ولم اعثر على ما يذكرون حول ما ورد عن الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها هل يعدّون سنّتها من قبيل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، او من قبيل قولهم عليهم‌السلام؟.

(قال : الدليل التاسع) من الادلة على ما ذكرناه (مبني على مقدمة دقيقة) لانها تحتاج الى اعمال فكر ونظر ، وهي (شريفة) لانها تنتهي الى مطلب شريف ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، فهي أيضا شريفة ، وقد (تفطنت لها بتوفيق الله تعالى) من دون ان اقتبسها من احد.

(وهي : ان العلوم النظرية) المحتاجة الى الاستدلال ، في قبال العلوم العملية المرتبطة بالعمل ، كالطهارة ، والنجاسة وشرب الادوية ، وعمارة المساكن ، ونحوها ، فانها علوم عملية بخلاف مثل المنطق ، والعلوم الرياضية ، والفلكية ، ونحوها ، فانها نظرية ، وهي : (قسمان : قسم ينتهي الى مادة هي قريبة من الاحساس).

__________________

(١) ـ كمال الدين : ص ٣٢٤ ح ٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١٧ ص ٢٦٢ ب ٩ ح ٢١٢٨٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٣٠٣ ب ٣٤ ح ٤١.

١٣٣

ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق.

______________________________________________________

والاحساس : هو ما يدرك بالحواس الخمس ، والتجربيّات قريبة من الاحساس ، فانها وان لم تكن حسية إلّا ان آثارها الحسية تجعلها قريبة من الحس ، مثل : آثار الادوية ، فان الاهليلجة ـ مثلا ـ مسهلة لكن خاصيتها لا تحس ، وانما يحس مفعولها ، ولذا لا يشك طبيب في انها مسهلة ، وكذا ان الدار لها بان ، فان الانسان وان لم يشاهد بانيها فرضا لكن دلالة الاثر على المؤثر شيء مقطوع به ، ولذا لا يشك فيه احد ، الى غير ذلك من الامثلة.

(ومن هذا القسم علم الهندسة) «الهندسة» معرّب : «اندازه» ، مثل : الحصول على مساحة المربع من ضرب احد ضلعيه في الآخر (والحساب) مثل الجمع والطرح ، والضرب ، والتقسيم ، فان قواعدها الكلية ليست حسية لا في الهندسة ولا في الحساب ، الّا ان الصغريات المشاهدة بمعونة العقل تعطي الكلية.

هذا ، ولقد ذكرنا الصغريات حتى نجعلها قريبة من الحس ، وإلّا فالكليات تدرك بالعقل بدون الاحتياج حتى الى صغريات وذكر الصغريات من باب التمرين وسرعة الانتقال.

(و) كذا حال (اكثر ابواب المنطق) فانها من القريبة الى الحس ، مثل : مباحث الكلي ، والجزئي ، والتصور ، والتصديق ، والعكس ، والنقيض ، وما اشبه ، فانا نرى انه اذا قيل : كل من في الدار رجل ، ورأينا امرأة فيها ، نقول : هذه الكلية غير صحيحة ، لان السالبة الجزئية نقيض الموجبة الكلية ، وهكذا.

فالمادة القريبة من الحس ، هي الكلية التي رأينا بالحس صغراها ، وذلك كما ذكرناه في الحساب والهندسة.

وانما قال : اكثر ابواب المنطق ، لان بعض ابوابها ليست كذلك ، لان المظنونات

١٣٤

وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار.

والسبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر ، إمّا من جهة الصورة

______________________________________________________

والموهومات وما اشبه من مواد الصناعات الخمس ، التي تذكر في المنطق ليست مما تقرب من الحس ، بل ترتبط بالعقل ـ بالمعنى الاعم ـ.

(وهذا القسم) القريب من الحس (لا يقع فيه الخلاف بين العلماء) ، ولذا لا اختلاف في علم الهندسة والحساب ولا في ابواب المنطق الى غير ذلك ، لان الحس لا يخطأ الا نادرا ، مثل : زعم العين صغر القمر ، واتصال الخطين اذا ابتعدا ، كما في خطّي القطار ، واسوداد الماء المتراكم كماء البحر ، وحموضة اللبن للمريض ، الى غير ذلك ، مما عدّه بعضهم الى ثمانمائة خطأ من أخطاء الحس ، وبنى على ذلك السوفسطائيون افكارهم.

فالقريب من الحس ، بعيد عن الاختلاف (والخطأ في نتائج الافكار) فلا يقع فيها اختلاف ولا خطا (والسبب في ذلك) من عدم وقوع الخطأ في هذه الامور القريبة من الحس هو : (ان الخطأ في الفكر اما من جهة الصورة) اي صورة القياس مما ذكره المنطقيون في اشكال اربعة : الشكل الاول ، والثاني ، والثالث ، والرابع ، والخطأ في الصورة بأن لا تكون جامعة للشرائط مما اشار اليها المنظومة ـ قسم المنطق ـ بقوله : «فمغكب للاول ، وخين كب للثان ، للثالث مغ كاين وجب» (١) الى آخره ، كأن يقال ـ مثلا ـ : زيد ليس بحيّ ، وما ليس بحيّ يمكن ان يكون حجرا ، فزيد يمكن ان يكون حجرا ، فان شرط ايجاب الصغرى وكلية الكبرى مفقود في هذا الشكل ، ولذا فسدت النتيجة.

__________________

(١) ـ شرح منظومة السبزواري : ص ١١٨ للشارح «دام ظله».

١٣٥

او من جهة المادّة.

والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء ، لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان المستقيمة.

والخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم ،

______________________________________________________

(او من جهة المادة) اي مادة القياس ، مثل : العالم اثر القديم ، واثر القديم قديم ، فالعالم قديم ، فان الخطأ في الكبرى ، اذ اثر القديم الاختياري ليس بقديم ، وانما يصح ذلك اذا كان اثر القديم جبريا ، لعدم انفكاكه عن القديم.

ومن الواضح ان العالم ليس اثرا جبريا لله تعالى ، بل اثرا اختياريا ، لان الله تعالى مختار وليس بموجب.

(والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء ، لان معرفة الصورة) بان يكون في الشكل الاول : الصغرى موجبة ، والكبرى كلية ـ مثلا ـ والحد الاوسط يتكرر تكررا حقيقيا لا صوريا ، كما في الجدار فيه فأر ، والفأر له أذن ـ فالنتيجة الجدار له إذن ـ وهو باطل حيث لم يتكرر الاوسط ، اذ الاوسط في الاول : «فيه فأر» وفي الثاني : «الفأر».

فمعرفة الصورة (من الامور الواضحة عند الاذهان المستقيمة) والامور الواضحة لا تشتبه لدى العلماء ، وان امكن الاشتباه عند من ليس له إلمام كامل بالامور المنطقية.

(والخطأ من جهة المادة) كبرى او صغرى (لا يتصور في هذه العلوم) القريبة من الاحساس كما لا يتصور في نفس المحسوسات ، مثل : هذا ابيض وكل ابيض مفرّق لنور البصر.

او مثل : زيد في الدار ، وما في الدار فهو في المدينة ، فزيد في المدينة.

١٣٦

لقرب الموادّ فيها إلى الاحساس.

وقسم ينتهي الى مادّة هي بعيدة عن الاحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الالهيّة والطبيعيّة وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظريّة الفقهيّة

______________________________________________________

الى غير ذلك من المحسوسات صغرى وكبرى وذلك (لقرب المواد فيها الى الاحساس) مثل : هذا مصنوع ، وكل مصنوع يحتاج الى صانع.

او : التمر حار طبعا ، وكل حار طبعا يجفف رطوبات البدن.

بل كذلك لا يقع الخطأ فيما يقطع به على سبيل البداهة ، وان لم يكن محسوسا او قريبا منه مثل : النقيضان لا يجتمعان ، والكل أعظم من الجزء ، والضدان اللذان لهما ثالث يمكن رفعهما ، الى غيرها من الامثلة.

(وقسم) من العلوم النظرية (ينتهي الى مادة هي بعيدة عن الاحساس) لانها لم تكن من الاقسام الثلاثة المتقدمة (ومن هذا القسم الحكمة الالهية).

مثل : البحث عن احوال الواجب ، والممكن ، والممتنع.

ومثل الالهيات : من الذات ، والصفات ، والمجرد ، والمادي ، وما اشبه ذلك.

(و) الحكمة (الطبيعية) الباحثة عن احوال الجسم الارضي والفلكي.

(وعلم الكلام) الباحث عن حقائق الاشياء ، والفرق بينه وبين الحكمة ، ان الحكمة تبحث عن حقائق الاشياء بما هي هي ـ حسب نظر حكمائها ـ والكلام يبحث عن حقائق الاشياء حسب النظرة الاسلامية ، وهذا هو الفارق بين شرح التجريد وشرح المنظومة.

(وعلم اصول الفقه) كمباحث الالفاظ والادلة العقلية.

(والمسائل النظرية الفقهية) لا البديهية ، مثل قاعدة : الخراج بالضمان ،

١٣٧

وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق.

ومن ثم وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الالهيّة والطبيعيّة ، وبين علماء الاسلام في اصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام ، وغير ذلك.

والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة

______________________________________________________

ومن ملك شيئا ملك الاقرار به ، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

(وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق) كدليل الافتراض ـ مثلا ـ.

(ومن ثم) اي من هذه الجهة وهي : بعد هذه العلوم عن الحس وانها ليست من الضروريات (وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الالهية) مثل خصوصيات علمه سبحانه ، وقدرته ، وصفات الذات ، وصفات الفعل ، ونحوها ، (و) في الحكمة (الطبيعية) كالهيولى والصورة.

(وبين علماء الاسلام في اصول الفقه) مثل : هل ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ام لا؟ وهل المفهوم يقيّد المنطوق ام لا؟ (ومسائل الفقه) كالامثلة المتقدمة.

(و) في (علم الكلام) في خصوصيات علمه سبحانه ، وقدرته ، وبصره ، وسمعه ، ما اشبه.

(وغير ذلك) كمسائل المنطق ، فهل عقد الوضع مثل : «كل انسان كاتب» قضية فعلية كما يقوله الشيخ الرئيس ، او قضية ممكنة كما يقوله الفارابي؟.

(والسبب في ذلك) الاختلاف الموجود في هذه العلوم (ان القواعد المنطقية انما هي) آلة قانونية (عاصمة) للفكر (من الخطأ من جهة الصورة) القياسية

١٣٨

لا من جهة المادّة.

إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة ، تقسيم الموادّ على وجه كلّي إلى أقسام.

وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام.

______________________________________________________

باشكالها الاربعة ومقدماتها ، كمباحث العكس ، والنقيض ، وعكس النقيض (لا من جهة المادة) المذكورة في الصناعات الخمس ، كما المع اليها في آخر الحاشية ، وذكرها مفصّلا الشمسية وجوهر النّضيد وغيرهما.

(اذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب مواد الاقيسة) وهو جمع قياس (تقسيم المواد) من حيث الصناعات الخمس (على وجه كلي الى اقسام) :

البرهان ، والخطابة ، والشعر ، والسفسطة ، والجدل.

(وليست في المنطق قاعدة بها) اي بسبب تلك القاعدة (يعلم ان كل مادة مخصوصة داخلة في أي قسم من الاقسام) المذكورة ، فان الاجماليات في القواعد لا تعيين لحدودها ، والصغريات تابعة في كثير من الاحيان للحدود ، مثلا : الماء من اوضح المفاهيم ، لكنه مجمل في حدوده فالمياه الزاجية ، والكبريتية ، هل هي من الماء ام لا؟.

وهكذا في الالوان : الاحمر ، والاخضر ، والازرق ، من اوضح المفاهيم ، ومع ذلك حدودها في غاية الغموض ، وهنا تتدخل الاذواق والاستجابات في الامر ، فواحد يجعله من الماء دون الاحمر ، وآخر يراه من غير الماء ، او من الاصفر.

ومن الواضح : اختلاف استجابات الناس حتى في الامور المحقّقة حسا ، مثلا : نفران احدهما يده في ماء حار ، والآخر في ماء بارد ، فاذا أدخلا يديهما في ماء

١٣٩

ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك».

ثمّ استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره ، وقال بعد ذلك :

«فان قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع

______________________________________________________

فاتر رآه الاول باردا ، والثاني حارا ، مع ان حقيقة هذا الماء واحد ، وهو من الامور الحسية ، ومن آياته سبحانه ، اختلاف الاذواق والادراكات وغيرها الى جانب اختلاف السنتكم والوانكم.

(ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك) وتحدد بان كل صغرى داخلة في اي من الصناعات الخمس ، ولذا نرى الفقهاء بعضهم يقول : يستفاد من هذه الرواية كذا ، وآخر يخالفه في استفادة ذلك ، والاصوليين قسم منهم يرى التبادر ، وقسم لا يراه.

(ثم استظهر ببعض الوجوه) الواردة في الروايات ، من خلط الحق بالباطل للامتحان (تأييدا لما ذكره) من عدم وجود قواعد منطقية لافادة ان ايّة مادة مخصوصة ، داخلة في اي واحد من الصناعات الخمس (وقال بعد ذلك : فان قلت : لا فرق في ذلك) الذي ذكرت من كثرة الخلط والاشتباه في العقليات (بين العقليات والشرعيات) فكما يكثر الخلط والاشتباه في الاولى ، فكذلك في الثانية ، فلما ذا تبرّءون الشرعيات ولا تبرّءون العقليات؟.

(والشاهد على ذلك) اي على استواء الشرعيات والعقليات في الخلط (ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين اهل الشرع) فبعضهم يرى عدم تنجس الماء القليل ، وبعضهم يراه يتنجس وانما العصمة للكر ، ثم اختلفوا في قدره بين سبع وعشرين ، او ست وثلاثين ، او ما يقارب ثلاثة واربعين الى غير ذلك.

١٤٠