الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

لأنّ المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين ، ووجوب صلاة الظهر والعصر ، وكذا لو قال : «أكرم زيدا» ، واشتبه بين شخصين ، فانّ ترك إكرامهما معصية.

فان قلت : إذا أجرينا أصالة الطهارة في كلّ من الإناءين وأخرجناهما عن موضوع النجس بحكم الشارع

______________________________________________________

(لان المفروض) شرعا : (وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين) فان اجتنب عن النجس ـ حيث المراد بالنجس الواقعي ـ يشمل المشتبه ايضا ، ولهذا اذا قال المولى : لا تكرم زيدا ، ثم اشتبه العبد في ان زيدا هذا او ذاك ، وجب عليه لتحصيل أمر المولى ، عدم إلزامهما ، والّا فان اكرم احدهما وكان في الواقع هو زيد ، كان معاقبا عقلا وعرفا.

وحيث مثّل المصنّف قدس‌سره للشبهة التحريمية بالنجس ، مثّل للشبهة الوجوبية بقوله : (ووجوب صلاة الظهر والعصر) والعشاء ، مما يكون له قصر وتمام (وكذا لو قال : اكرم زيدا ، واشتبه بين شخصين ، فان) العقل ، والعرف والمتشرعة يرون : ان (ترك اكرامهما معصية) وكذلك في مثال النكاح حيث يلزم الاحتياط في الفروع.

(فان قلت) : كلامكم هذا ينافي ما تقدّم منكم : «من ان الاصول في الموضوعات تخرج مجراها عن موضوع التكليف ، فلا يلزم لمن عمل بالاصل مخالفة عملية» ، فانا (اذا اجرينا اصالة الطهارة في كل من الإناءين) المشتبهين (واخرجناهما) بسبب الاصل (عن موضوع النجس) اخراجا (بحكم الشارع) لان الشارع قال : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (١).

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٦٧ ب ٣٧ ح ٤١٩٥.

٣٢١

فليس في ارتكابهما ، بناء على طهارة كلّ منهما ، مخالفة لقول الشارع : «اجتنب عن النجس».

قلت : أصالة الطهارة في كلّ منهما بالخصوص إنّما توجب جواز ارتكابه من حيث هو.

وأمّا الاناء

______________________________________________________

والاستصحاب يقوم مقام العلم ، فاذا جرى الاستصحابان لا نعلم نجاسة هذا ولا ذاك (فليس في ارتكابهما ـ بناء على طهارة كل منهما ـ) بسبب الاستصحاب (مخالفة) عملية (لقول الشارع) الذي قال : (اجتنب عن النجس) فينحصر النهي في صورة العلم التفصيلي حكما ومتعلقا ، فاذا لم يعلم انه واجب او حرام ، او الواجب هذا او ذاك ، او الواجب او الحرام هذا او ذاك؟ ، كما اذا لم يعلم انه هل يجب عليه وطي هند ، او يحرم عليه وطي دعد؟ لم يلزم عليه شيء.

(قلت) : قد نقول : بان الاصل في نفسه جار ، وانّما المانع ـ وهو المناقضة مع العلم الاجمالي ـ يمنع من جريانه ، وقد نقول : ان الاصل غير جار اصلا ، فهنا جوابان :

الجواب الاول : لبيان وجود المانع عن جريان الاصل.

الجواب الثاني : لبيان عدم المقتضي للجريان.

فتارة نقول : الخشب لا يحترق مع وجود النار لوجود المانع وهو الرطوبة.

وتارة نقول : الخشب لا يحترق لعدم وجود المقتضي ، وهو النار.

وقد اشار المصنّف قدس‌سره إلى الجواب الاول : بانّ (اصالة الطهارة في كل منهما) أي من الطرفين (بالخصوص انّما توجب جواز ارتكابه من حيث هو) أي مع قطع النظر عن وجود العلم الاجمالي (واما) مع وجود العلم الاجمالي ب (الاناء

٣٢٢

النجس الموجود بينهما فلا أصل يدلّ على طهارته ، لأنّه نجس يقينا ؛ فلا بدّ إمّا من اجتنابهما تحصيلا للموافقة القطعيّة ، وإمّا أن يجتنب أحدهما فرارا عن المخالفة القطعيّة على الاختلاف المذكور في محلّه.

هذا ، مع أنّ حكم الشارع بخروج مجرى الأصل عن موضوع التكليف الثابت بالأدلّة الاجتهاديّة لا معنى له ،

______________________________________________________

النجس الموجود بينهما) قطعا (فلا أصل) يجري حتى (يدل على طهارته) فان المانع لا يدع المقتضي ان يؤثّر اثره (لانه) أي النجس بينهما (نجس يقينا ، فلا بد) من احد أمرين :

(اما من اجتنابهما) معا (تحصيلا للموافقة القطعية) كما يقوله المصنّف والمحققون.

(واما ان يجتنب احدهما) مخيرا في الاجتناب ، ويرتكب احدهما مخيرا في الارتكاب (فرارا عن المخالفة القطعية) كما يقوله بعض الفقهاء.

وهذان القولان في العلم الاجمالي مبنيّان (على الاختلاف المذكور في محله) في باب الاشتغال ، حيث يبحث فيها هناك عن المستفاد من الادلة أي هذين القولين؟ وسيأتي ان شاء الله تعالى.

(هذا) كله في بيان المانع من جريان الاصلين ، وهو الجواب الاول ، فقد اشار إلى الجواب الثاني من عدم المقتضي لجريان الاصل بقوله :

(مع ان حكم الشارع بخروج مجرى الاصل) كالإناءين المشتبهين (عن موضوع التكليف الثابت) ذلك التكليف (بالادلة الاجتهادية) اذ الاناء النجس : موضوع ، والحكم : وجوب الاجتناب عنه ، فان هذا الوجوب ثابت بالادلة الاجتهادية ـ وهي عبارة عمّا يقابل الاصول العملية ـ (لا معنى له) أي لحكم

٣٢٣

إلّا رفع حكم ذلك الموضوع ، فمرجع أصالة الطهارة إلى عدم وجوب الاجتناب المخالف لقوله : «اجتنب عن النجس» ، فتأمّل.

وإن كانت المخالفة مخالفة لخطاب مردّد بين خطابين

______________________________________________________

الشارع هذا (الّا رفع) وجوب الاجتناب الذي هو (حكم ذلك الموضوع) وهو النجس ، فاذا قال الشارع : اجر الاصل في الإناءين ، كان معناه : لا يجب الاجتناب عن النجس ، وهو يناقض : اجتنب عن النجس.

(فمرجع اصالة الطهارة) في هذا الاناء ، وذلك الاناء (إلى عدم وجوب الاجتناب) عن النجس (المخالف) ذلك (لقوله) عليه‌السلام (اجتنب عن النجس) حيث ان الشارع لا يناقض نفسه بنفسه بان يقول اجر اصل الطهارة في كلا الطرفين.

لا يقال : فكيف قال بعض الفقهاء : بعدم وجوب الاجتناب عن اطراف الشبهة ، وقال بعضهم : بوجوب الاجتناب عن بعض الاطراف لا عن جميع الاطراف؟.

لانه يقال : من قال بالاول ، يرى ان قوله : اجتنب عن النجس ، يراد به النجس المعلوم تفصيلا ، فلم يجعل الشارع نجاسة للمردد بين الإناءين ، ومن قال بالثاني ، يرى ان الشارع جعل احدهما بدلا عن الواقع مع عدم المصادفة ، ومع المصادفة فالنجس هو المأمور بالاجتناب عنه ، وسيأتي الكلام في هذين القولين.

(فتأمّل) حتى لا تقول : ان كلام الشيخ قدس‌سره هنا : بعدم جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي ، يناقض كلامه السابق من جريان الاصول في اطراف العلم ، إذن كلامه السابق : كان فيما لا يستلزم اجراء الاصول : المخالفة العملية ، وكلامه هنا فيما يستلزم الاجراء : المخالفة العملية ، فلا تنافي بين الكلامين.

هذا تمام الكلام فيما اذا كانت المخالفة ، مخالفة لخطاب تفصيلي (و) اما (ان كانت المخالفة ، مخالفة لخطاب مردد بين خطابين) سواء في الشبهة الموضوعية

٣٢٤

ـ كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة ، او علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال رمضان ، او بوجوب الصلاة عند ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ففي المخالفة القطعيّة حينئذ وجوه :

أحدها : الجواز مطلقا ، لأنّ المردّد بين الخمر والأجنبيّة لم يقع النهي عنه في خطاب من الخطابات الشرعيّة حتّى يحرم ارتكابه ، وكذا المردّد

______________________________________________________

(ـ كما اذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة) حيث يعلم المكلّف بتوجه الامر من المولى عليه ، لكنه لا يعلم هل هو امر باجتناب المائع او باجتناب المرأة؟ ، «او» كان التردد في الشبهة الحكمية ، بان علم بالوجوب لكنه لم يعلم بانه ورد على أيّ موضوع ،؟ كما اذا (علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال رمضان ، او بوجوب الصلاة عند ذكر) اسم (النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ) فهو مخاطب باقرأ او بصلّ ، لكنه لا يعلم انه ايهما.

وهنا قسم ثالث : وهو انه يعلم اما بواجب او حرام عليه كما اذا علم بانه يجب عليه صلاة الجمعة : او يحرم عليه التبغ.

(ففي المخالفة) العملية (القطعية حينئذ) بأن يشرب الاناء ويباشر المرأة ، ويترك الصلاة والقراءة ، ويدخّن ويترك صلاة الجمعة (وجوه) اربعة :

(احدها : الجواز مطلقا) وسواء في الشبهة الموضوعية او الحكمية من جنس الواجب كان او الحرام او بالاختلاف من نوع واحد كهذه المرأة وتلك المرأة ، او من نوعين كالتبغ والمرأة.

وقد استدل لهذا الوجه بقوله : ـ (لان المردد بين الخمر والاجنبية) مثلا (لم يقع النهي عنه في خطاب من الخطابات الشرعية حتى يحرم ارتكابه ، وكذا المردد

٣٢٥

بين الدعاء والصلاة ، فانّ الاطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيليّة ومخالفتها.

الثاني : عدم الجواز مطلقا ، لأنّ مخالفة الشارع

______________________________________________________

بين الدعاء والصلاة) والمردد بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر ، والمردد بين صلاة الجمعة وجوبا والتبغ تحريما ، وانّما الخطابات اما وجوب لشيء معيّن او تحريم لشيء معيّن ، فالمردد خارج عن الخطابات ، واذا كان خارجا فلا تكليف بشيء (فان الاطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها).

لكن لا يخفى ما فيه : فان العقلاء يحكمون باستحقاق العبد العقاب اذا ترك الامر الاجمالي ، كما يستحقه اذا ترك الامر التفصيلي ، فاذا قال له المولى : لا تذهب ثم شك في انه قال : لا تذهب من هذا الطريق او ذاك ، وكان امامه طريق ثالث ، فاذا لم يذهب في الثالث وذهب من الطريقين كان مستحقا للعقاب ، وهكذا في المأكولات والمشروبات والمنكوحات ، وغيرها.

هذا في الاعتباريات ، كما هو في التكوينيات ايضا ، فاذا علم بأن في احد الطريقين اسد ، او في احد الإناءين سمّ ، فارتكب كليهما كان قد اصابه الضار ، إلى غير ذلك من الامثلة ، فان الجهل لا يغير الواقع ، سواء في الاعتباريات او في التكوينيات ، ولذا قال سبحانه : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(١).

(الثاني : عدم الجواز مطلقا) والاطلاق هنا كالاطلاق في قول من قال بالجواز (لان مخالفة الشارع) عن علم وعمد ، سواء في العلم الاجمالي او في العلم

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ١٢.

٣٢٦

قبيحة عقلا مستحقة للذمّ عليها ، ولا يعذر فيها إلّا الجاهل بها.

الثالث : الفرق بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم ، فيجوز في الاول دون الثاني ، لأنّ المخالفة القطعيّة في الشبهات الموضوعيّة فوق حدّ الاحصاء ،

______________________________________________________

التفصيلي (قبيحة عقلا ، مستحقة للذم عليها) وللعقاب بها شرعا (ولا يعذر فيها) أي في المخالفة (الا الجاهل بها) دون العالم ، سواء كان عالما بها اجمالا او عالما تفصيلا ، بشرط ان لا يكون الجهل تقصيرا ، والّا فالجاهل المقصّر ايضا معاقب عقلا وشرعا ، حيث يقال له : «هلّا تعلمت» (١) ـ كما في الحديث ـ؟ وهذا القول الثاني هو مختار المحققين من المتأخرين.

(الثالث : الفرق بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم ، فيجوز) المخالفة (في الاول دون الثاني) وانّما يجب الاحتياط في الشبهة الحكمية : وجوبية او تحريمية او بالاختلاف دون الشبهة الموضوعية ، بدليل الإن (لأنّ المخالفة القطعية في الشبهات الموضوعية فوق حدّ الاحصاء) فيدل ذلك ـ بطريق الإن ـ على الجواز في الشبهة الموضوعية.

وقد تقدّم جملة من الموارد التي يتحول العلم الاجمالي فيها إلى العلم التفصيلي.

بالاضافة إلى موارد كثيرة في النزاعات كما اذا ادّعى احد ـ مثلا ـ : بان الآخر قريبة وانكر الآخر ذلك ، فالاول لا يرث من الثاني ، وتجب عليه نفقته في موارد النفقات كالاب والابن وما اشبه ، بينما لا يجب على الثاني شيء من ذلك ،

__________________

(١) ـ راجع الأمالي للمفيد : ص ٢٩٢.

٣٢٧

بخلاف الشبهات الحكميّة ، كما يظهر من كلماتهم في مسائل الاجماع المركّب ،

______________________________________________________

فلان الاول باعترافه صار من صغريات «اقرار العقلاء على انفسهم جائز» (١) ، بينما الاصل عدم وجوب شيء على الثاني.

وكذلك اذا قال رجل : بأنّ هذه المرأة زوجتي ، وانكرت المرأة ذلك ، فانه يحرم على الرجل التزويج بالخامسة وبالاخت والأمّ والبنت لهذه المرأة ، ويجب عليه اعطاؤها المهر إن كان دخل بها ، وما اشبه ذلك من لوازم الزوجية ، بينما المرأة ليست كذلك ، فانه لا يجب عليها شيء من لوازم الزوجية.

وهكذا حكم العكس : بأن ادعت المرأة انها زوجته وانكر الرجل ذلك فانّه يحرم عليها الزواج ، بينما يجوز له الزواج باختها وامها وبنتها وسائر المستلزمات ، إلى غير ذلك من الامثلة الكثيرة في سائر المعاملات وفي الطلاق وغيرها (بخلاف الشبهات الحكمية) فانه لم يوجد فيها مورد للمخالفة القطعية ، مما يكشف ـ بدليل الإن ـ على انهم لم يجوّزوا ما يؤدي فيها إلى المخالفة القطعية ، وذلك (كما يظهر من كلماتهم في مسائل الاجماع المركب) فانهم قالوا : كلما تحقق الاجماع المركب ، لم يجز خرقه بقول ثالث ولو بالتفصيل بين الرأيين ، معلّلين ذلك بعدم جواز طرح الحكم المعلوم اجمالا بين الرأيين.

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٣ ح ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ ح ٥ وج ٣ ص ٤٤٢ ح ٥ ، وسائل الشيعة : ج ٢٣ ص ١٨٤ ب ٣ ح ٢٩٣٤٢.

٣٢٨

وكأن الوجه ما تقدّم ، من أنّ الاصول في الموضوعات تخرج مجاريها عن موضوعات أدلّة التكليف. بخلاف الاصول في الشبهات الحكميّة فانّها منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا ، وقد عرفت ضعف ذلك ، وأنّ مرجع الاخراج الموضوعي الى رفع الحكم المترتّب على ذلك ، فيكون الاصل في الموضوع في الحقيقة منافيا لنفس الدليل الواقعيّ

______________________________________________________

(وكأن الوجه) في الفرق بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية ، حيث اجازوا المخالفة في الاول دون الثاني (ما تقدّم) وان كان هذا الوجه ضعيف ، كما يشير إلى ضعفه المصنّف قدس‌سره : (من ان الاصول في الموضوعات تخرج مجاريها) كالمرأة المحلوفة الوطي او الترك (عن موضوعات أدلّة التكليف بخلاف الأصول في الشبهات الحكمية ، فانها منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم اجمالا) فاصالة عدم الحلف بوطيها ، واصالة عدم الحلف بترك وطيها ، تجعل المرأة خارجة عن كونها متعلق النذر اصلا ، فالجواز في الوطي والترك لهذه المرأة لا يصادم دليل «الوفاء بالنذر».

(و) لكنك (قد عرفت) فيما تقدّم (ضعف ذلك) الدليل فلا يجري الاصلان في طرفي العلم الاجمالي (و) ذلك ل (ان مرجع الاخراج الموضوعي الى رفع الحكم) اي الوطي لزوما ، او عدم الوطي لزوما (المترتب على ذلك) الموضوع وهي المرأة في المثال ، فالاصلان يرفعان الالزام ، والحال انا نعلم الالزام بسبب العلم الاجمالي (فيكون الاصل) أي كلا الاصلين معا (في الموضوع) الذي هو المرأة (في الحقيقة) والواقع (منافيا) ومناقضا (لنفس الدليل الواقعي) لانه من طرف : الزام حول هذه المرأة من جهة الحلف ، ومن طرف : لا الزام من جهة الاصلين ، فلا فرق ـ من جهة المنافاة ـ بين الاصل

٣٢٩

إلّا أنّه حاكم عليه لا معارض له ، فافهم.

الرابع : الفرق بين كون الحكم المشتبه في موضوعين واحدا بالنوع كوجوب أحد الشيئين وبين اختلافه كوجوب الشيء وحرمة آخر.

______________________________________________________

في الموضوع والاصل في الحكم.

اللهم (إلّا) ان يقال : ان الفرق هو (انه) أي الاصل (حاكم عليه) أي على الدليل في الموضوعات ، فيجري الاصل فيها ، (لا) انه (معارض له) حتى لا يجري ، كما هو معارض في الاحكام لنفس الدليل.

(فافهم) فانه لا يمكن القول بهذا الفرق ، لما عرفت من تصادم الحكم الواقعي مع كلا الاصلين ، سواء كان في الشبهة الموضوعية أو الشبهة الحكمية.

اقول : لا يخفى ان عبارة المصنّف قدس‌سره لو لم يكن فيها سقط او زيادة ، فيها نوع من الضعف.

(الرابع :) من الوجوه في المخالفة العملية في اطراف الشبهة : التفصيل و (الفرق بين كون الحكم المشتبه في موضوعين) جزئيّين كانا او كليّين ، وكانا (واحدا بالنوع) فعدم الجواز (كوجوب احد الشيئين) او حرمة احدهما ، مثل وجوب الصلاة عند ذكر النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الدعاء عند رؤية الهلال ، او حرمة شرب هذا الاناء او هذه المرأة اما المتحد نوعا وصنفا مثل : وجوب الظهر او الجمعة ، او حرمة هذه المرأة او تلك ، فاظهر في عدم جواز المخالفة العملية ووجوب الارتكاب او الاجتناب من الاول المتحد نوعا لا صنفا.

(وبين اختلافه) اي اختلاف النوع ، فالجواز (كوجوب الشيء وحرمة آخر) حيث انهما نوعان من اللزوم ، بينما الوجوبان او التحريمان نوع واحد ، كما اذا علم اجمالا بانه تحرم هذه المرأة او يجب شرب هذا الاناء لان فيه شفائه ، او علم

٣٣٠

والوجه في ذلك أنّ الخطابات في الواجبات الشرعيّة بأسرها في حكم خطاب واحد بفعل الكلّ ، فترك البعض معصية عرفا ، كما لو قال المولى : «افعل كذا وكذا» ، فانّه بمنزلة : «افعلهما جميعا» ، فلا فرق في العصيان بين ترك واحد منهما معيّنا او واحد غير معيّن عنده.

______________________________________________________

بانه يجب عليه الدعاء عند رؤية الهلال او يحرم التتن.

(والوجه في ذلك) التفصيل هو (: ان الخطابات في الواجبات الشرعية) وكذا في المحرمات الشرعية (باسرها) وبمجموعها (في حكم خطاب واحد) قد امر الشارع (بفعل الكل) ونهى عن فعل الكل ، قال سبحانه : (وَيَعْمَلْ صالِحاً)(١).

فانه يشمل كل الواجبات ، وقال تعالى : (تُوبُوا إِلَى اللهِ)(٢).

فانه يشمل جميع المحرمات (فترك البعض) في الواجبات ، او فعل البعض في المحرمات ، سواء كان معيّنا في العلم التفصيلي ، او مرددا عند العلم الاجمالي (معصية عرفا) فلا فرق في الصنفين مثل : الصلاة والدعاء ، او صنف واحد : كالظهر والجمعة (كما لو قال المولى : افعل كذا وكذا) مثلا قال :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٣) (فانه بمنزلة) قوله : (افعلهما جميعا ، فلا فرق في العصيان) واستحقاق العقوبة (بين ترك واحد منهما معيّنا) في العلم التفصيلي (او واحد) منهما (غير معيّن عنده) في العلم الاجمالي كما اذا لم يعلم ان واجبة : اقامة الصلاة أو اعطاء الزكاة فترك واحدا منهما ، وكذلك في الحرام : كما في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(٤).

__________________

(١) ـ سورة الطلاق : الآية ١١.

(٢) ـ سورة التحريم : الآية ٨.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ١١٠.

(٤) ـ سورة الحج : الآية ٣٠.

٣٣١

نعم ، في وجوب الموافقة القطعيّة بالاتيان بكلّ واحد من المحتملين كلام آخر مبني على أنّ مجرّد العلم بالحكم الواقعيّ يقتضي البراءة اليقينيّة عنه او يكتفي بأحدهما حذرا عن المخالفة القطعيّة التي هي بنفسها مذمومة عند العقلاء وتعدّ معصية عندهم وإن لم يلتزموا

______________________________________________________

حيث لا يعلم ان الحرام عليه : اجتناب هذه الصورة باعتبار احتمال انه وثن ، او اجتناب هذا القول باعتبار احتمال انه قول الزّور.

(نعم ، في وجوب الموافقة القطعية بالاتيان بكل واحد من المحتملين) في الواجب وترك كل واحد من المحتملين في المحرم ، او كفاية الاتيان باحد الواجبين او ترك احد المحتملين من باب كفاية الموافقة الاحتمالية (كلام آخر) يأتي تفصيله في باب الاشتغال ان شاء الله تعالى ، وذلك الكلام (مبني على مجرد العلم بالحكم الواقعي) منجز له بحيث (يقتضي البراءة اليقينية عنه) اي عن ذلك الحكم ، فلا يكفي الاتيان بأحدهما ، بل اللازم الاتيان بهما ، وذلك بالنسبة الى الحرام المردد بأن يجتنبهما (أو يكتفي بأحدهما ، حذرا عن المخالفة القطعية ، التي هي) أي : المخالفة القطعية تكون (بنفسها مذمومة عند العقلاء ، وتعد معصية عندهم) لا مجرد الذم ، اذ الذم اعمّ من العصيان.

ولا يخفى : ان باب الاطاعة والمعصية مربوط بالعقلاء ولا دخل للشارع فيه ، ولو قال الشارع شيئا في هذا الباب كان ارشادا.

وقد ذكرنا في «الاصول» في بحث الانسداد وجوها أربعة لذلك ، كما ان باب الموضوعات مربوط بالعرف ولا شأن للشرع فيه ، ولو قال الشارع فيه شيئا كان تفضّلا.

وعلى ايّ حال : فان العقلاء يذمّون المخالفة القطعية (وان لم يلتزموا)

٣٣٢

الامتثال اليقينيّ لخطاب مجمل.

والأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثاني ثمّ الاول ثمّ الثالث ، هذا كلّه في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به.

وأمّا الكلام في اشتباهه من حيث الشخص المكلّف بذلك

______________________________________________________

ب (الامتثال اليقيني لخطاب مجمل) في الواجبات المرددة ، او المحرمات المرددة ، من غير فرق بين القولين في وحدة الصنف : كصلاتين واناءين احدهما خمر ، وتعدد الصنف : كصلاة ودعاء ، ومشتبه خمر ووطي محرمة الوطي.

(والاقوى من هذه الوجوه) الاربعة (هو الوجه الثاني) الذي اطلق وجوب الموافقة القطعية ، بفعلهما او تركهما ، بل وكذا اذا كانا اكثر من اثنين ، كثلاثة ، او اربعة ، او اكثر ، بشرط عدم وجود مانع خارجي كالعسر ونحوه.

(ثم) لو فرضنا عدم الدليل على الوجه الثاني ، ف (الاول) وهو : جواز المخالفة مطلقا ، لكن لا يخفى ان التفصيل بالموافقة الاحتمالية اقوى من هذا الوجه.

(ثم) على تقدير عدم الدليل على الوجه الاول ف (الثالث) وهو التفصيل بين الشبهات الموضوعية ، فيجوز المخالفة ، والشبهات الحكمية ، فلا يجوز ، لكن الاقرب عندنا : الموافقة القطعية ثم الاحتمالية.

اما الوجهان الآخران من التفصيلين ، فلا دليل عليهما : لا شرعا ولا عقلا ، وحيث ان الشرح مبني على التوضيح ، فلا داعي لتفصيل الكلام.

(هذا كله في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به) وانه هل هذا واجب او ذاك او هذا حرام او ذاك او هذا واجب او ذاك حرام؟.

(وأما الكلام في اشتباهه) اي الحكم (من حيث الشخص المكلّف بذلك

٣٣٣

الحكم ، فقد عرفت أنّه يقع تارة في الحكم الثابت لموضوع واقعيّ مردّد بين شخصين ، كأحكام الجنابة المتعلّقة بالجنب

______________________________________________________

الحكم) وهو العبد ، وانّما لم يذكر المصنّف قدس‌سره المكلّف ـ بالكسر ـ اي المولى ، لانه لا يتصور تردد في المولى الحقيقي الذي كلامنا نحن بصدده ، وان كان يمكن ذلك في الموالي العرفية ، كأن لم يعرف عبدا زيد وعمرو ، ان زيدا او عمروا أمر عبده بكذا ، وهذا يرجع الى كيفية ارادة الموليين ، فان لها ثلاث صور :

١ ـ انهما يريدان في مثل ذلك الانجاز.

٢ ـ انهما لا يريدان الانجاز.

٣ ـ انهما مختلفان في ارادة الانجاز وعدمه.

ففي الاول : ينجزان ، حسب نظر الموليين ، على نحو الموافقة القطعية ، او على نحو عدم المخالفة القطعية ، او على نحو التفصيل بين الشبهات الموضوعية او الحكمية ، او على نحو التفصيل بين الشبهات الموضوعية او الحكمية ، او على نحو التفصيل بين الشبهات الوجوبية او التحريمية ، الى غير ذلك.

وفي الثاني : لا ينجزان.

وفي الثالث : حسب رغبة كل مولى بالنسبة الى عبده ، ولو شك في كيفية الرغبة ، فالمرجع العرف ، لانهم هم الذين يعيّنون كيفية الاطاعة اذا لم يكن للمولى كيفية خاصة ، كما تقدّم الكلام في ذلك.

وعلى كل : (ف) الكلام في المكلّف ، و (قد عرفت انه يقع تارة في الحكم الثابت لموضوع) كلي (واقعي مردد بين شخصين ، كأحكام الجنابة المتعلقة بالجنب) وكان كليا ، لان كل غير شخصي كلي ، منتهى الامر : انه كلي في المعيّن ، كما اذا كان له عشرة موكلين ، فاشترى لكلّي الموكل لا للجميع بل لواحد منهم ،

٣٣٤

المردّد بين واجدي المنيّ ، وقد يقع في الحكم الثابت لشخص ، من جهة تردّده بين موضوعين ، كحكم الخنثى المردّد بين الذكر والانثى.

وأمّا الكلام في الأوّل :

فمحصّله : أنّ مجرّد تردّد التكليف بين شخصين لا يوجب على أحدهما شيئا ، إذ العبرة في الاطاعة والمعصية بتعلّق الخطاب بالمكلّف الخاصّ ،

______________________________________________________

وقد ذكرنا في الفقه : الفرق بين الكلي والمردد ، وانهما وان كانا كليين ، الّا ان الخصوصية ـ على نحو الكلية ـ داخلة في المردد ، بينما الخصوصية ليست داخلة في الكلي ، كما في (المردد) مصداقه (بين واجدي المني) وكذلك فيما اذا كان واجب وحرام ، لان جامعهما الالزام ، او بين واجبين.

(وقد يقع في الحكم الثابت لشخص ، من جهة تردده) اي تردد ذلك الشخص (بين موضوعين ، كحكم الخنثى المردد بين الذكر والانثى) لكنا ذكرنا في باب النكاح (١) : انه يلحق نفسه باحدهما ، كما قال به قوم حسب ما ذكره الشيخ قدس‌سره في المبسوط.

(واما الكلام في الاول) وهو تردد التكليف بين نفرين (فمحصله : ان مجرد تردد التكليف بين شخصين) او اكثر ، وذكر الشخصين من باب المثال (لا يوجب على احدهما شيئا اذ العبرة في الاطاعة والمعصية بتعلق الخطاب بالمكلّف الخاص) فاذا علمت المرأتان : ان احداهما اخت الرجل من الرضاعة وهو لا يعلم بذلك صح لكل واحد منهما ان تتزوج به ، فمجرد العلم الاجمالي بين نفرين لا يوجب لاحدهما حكما.

__________________

(١) ـ للمزيد راجع موسوعة الفقه : ج ٦٢ ـ ٦٨ كتاب النكاح للشارح.

٣٣٥

والجنب المردّد بين شخصين غير مكلّف بالغسل وإن ورد من الشارع أنّه يجب الغسل على كلّ جنب ، فانّ كلا منهما شاكّ في توجّه هذا الخطاب إليه ، فيقبح عقاب واحد من الشخصين يكون جنبا بمجرّد هذا الخطاب الغير الموجّه إليه.

______________________________________________________

(و) عليه : ف (الجنب المردد بين شخصين) حيث لم يتعلق به خطاب على نحو الترديد يقول : ايها الاثنان ليغتسل كل واحد منكما ، فكل منهما (غير مكلف بالغسل) وكذلك في مثال المرأتين وفيما اذا علم زيد وعمرو بان هندا اخت احدهما من الرضاعة ، جاز لاحدهما ان يتزوجها ، ثم اذا طلقها او مات عنها او ما اشبه ، جاز للآخر ان يتزوج بها.

(وان) قلت : (ورد من الشارع) في الكتاب والسنة (: انه يجب الغسل على كل جنب) قال سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(١).

وفي الاحاديث : يجب الغسل من الجنابة.

قلت : (فان كلا منهما شاك في توجه هذا الخطاب اليه ، فيقبح) عقلا وعرفا ، وبمقتضى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢).

والدال على لزوم البيان لكل مكلّف مكلّف ـ (عقاب واحد من الشخصين) الذي (يكون جنبا) في الواقع (بمجرد هذا الخطاب غير الموجه اليه) حسب علمه.

لا يقال : انا نرى اذا خاطب المولى عبيده وقال : لينقذ احدكم ولدي من البئر ، ثم لم ينقذه احد منهما حتى مات ، فانه يعاقبهم جميعا ولا يقبل عذر أحد منهم بانه لم يعلم بتوجه الخطاب اليه ، ولم يتمكن من الفحص حتى يعرف انه هو

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٦.

(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ١٥.

٣٣٦

نعم ، لو اتفق لأحدهما او لثالث علم بتوجّه الخطاب إليه دخل في اشتباه متعلّق التكليف الذي تقدّم حكمه بأقسامه.

ولا بأس بالاشارة إلى بعض فروع المسألة ، ليتّضح انطباقها على ما تقدّم في العلم الاجماليّ بالتكليف.

فمنها : حمل أحدهما

______________________________________________________

المكلّف بالانقاذ من بين عبيده.

لانه يقال : ذلك في ما اذا عرف الاهمية ولو بدون الخطاب ، كما اذا وقع ولد المولى في البئر وهو غير حاضر ، فلم يخرجه احد حتى مات فان عذرهم : بانه لم يأمرهم بالاخراج ، غير مسموع عند العقلاء حتى يرفع العقاب عنهم ، فلا يقاس بالمقام الذي لم يعرف فيه الاهمية والملاك.

(نعم ، لو اتفق لاحدهما او لثالث علم بتوجه الخطاب اليه) خرج مما نحن فيه و (دخل في) بحث (اشتباه متعلق التكليف الذي تقدّم حكمه باقسامه).

(و) حيث ذكرنا الحكم (لا بأس بالاشارة الى بعض فروع المسألة) من الموارد التي يحصل لاحدهما او لثالث علم تفصيلي بتوجه الخطاب اليه مما يلزم عليه الاطاعة ، فان حصول العلم الاجمالي اولا ، لا يصحّح مخالفة العلم التفصيلي الحاصل لاحدهما او لثالث ثانيا ، اذ العلم متى ما حصل وجب اتباع الحكم فيه.

وذلك (ليتضح) بسبب هذه المصاديق (انطباقها) اي انطباق هذه الفروع التي نذكرها (على ما تقدّم) من الكبرى الكلية (في العلم الاجمالي بالتكليف) لان ذكر الصغريات لبيان انطباق الكبرى عليها ، يوجب تدريب الذهن وتمرين الفكر ، حتى يعرف الانسان الاشتباه والنظائر اين ما وجدها.

(فمنها) اي من تلك الفروع (: حمل احدهما) اي احد الجنبين او الحائضين

٣٣٧

الآخر وإدخاله في المسجد للطواف او لغيره ، بناء على تحريم ادخال الجنب او إدخال النجاسة الغير المتعدّية.

______________________________________________________

ـ كما تقدّم مثال الحيض ـ او ما اشبه (الآخر وادخاله في المسجد) الحرام (للطواف او لغيره) فان دخول الجنب في المسجد الحرام محرم مطلقا ، وكذا في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بخلاف سائر المساجد حيث يحرم المكث فيها ـ كما قرر في الفقه ـ وذلك (بناء على تحريم ادخال الجنب ، او ادخال النجاسة غير المتعدية) في المسجد ، اما النجاسة المتعدية ، فلا اشكال في حرمة ادخالها.

وانّما قال : «بناء» لان هناك احتمالين :

الاول : ان المحرم دخول نفس الجنب فقط ، لا ادخال الجنب ، وعلى هذا : فلا يحرم حمل احدهما الآخر ، لانه لا يقين للحامل بانه فعل الحرام ، اذ لو كان المحمول جنبا لم يكن ادخاله المسجد محرما والعلم الاجمالي انّما يؤثر اذا كان كل طرف من الاطراف موجبا لحكم الزامي.

الثاني : انه كما يحرم دخول الجنب يحرم ادخال الجنب ايضا ، والفرع الذي نحن فيه مبني على الثاني ، لان الحامل ان كان جنبا حرم عليه الدخول ، وان كان متطهّرا حرم عليه ادخال حمله ، لانه جنب ـ على هذا التقدير ـ وقال الفقهاء بالثاني ، لان الملاك العرفي موجود في الادخال ، ومثل هذه المسألة ما اذا حمل احدهما الآخر ومكثا في المسجد غير المسجدين من سائر المساجد.

ثم لا يخفى ان قوله : «ادخال النجاسة غير المتعدية» يراد بها : اثر الاحتلام من الخبث الذي يبس في بدن او لباس احدهما بحيث لا يسري الى المسجد ، لكن هذا الكلام لا يأتي فيما اذا تطهر كلاهما عن الخبث ـ كما هو واضح ـ او كانت الجنابة بالادخال او الدخول بلا انزال.

٣٣٨

فان قلنا إنّ الدخول والادخال متحققان بحركة واحدة ، دخل في المخالفة القطعية المعلومة تفصيلا وإن تردّد كونه من جهة الدخول والادخال.

______________________________________________________

(فان قلنا : ان الدخول والادخال متحققان بحركة واحدة) كما هي في احدى الاحتمالات ، اذ في المسألة ثلاثة احتمالات :

الاول : ان الدخول والادخال حركة واحدة ، لكن من حيث نسبة هذه الحركة الى الحامل يسمى دخولا ، والى المحمول يسمّى ادخالا ، كالكسر الواقع بين الكاسر والمكسور ، فنسبتها الى الاول كسر ، والى الثاني انكسار.

الثاني : ان الدخول والادخال حركتان ، لكن لهما جهة مشتركة.

الثالث : انهما حركتان ، وليس لهما جهة مشتركة.

فعلى الأول والثاني : يكون الامر من العلم التفصيلي ، لان الحامل ـ على كلا التقديرين ـ يعلم ان هذه الحركة محرمة.

وعلى الثالث : يكون الامر من العلم الاجمالي ، لانه يعلم اما حركته او حركة محموله ـ المسبّبة من حركته له ـ محرمة ، فيكون كما اذا صب باليدين اناءين ، احدهما نجس ، في المسجد ، حيث يعلم اجمالا بانه اما حركة يده اليمنى محرمة ، او حركة يده اليسرى.

وعلى ايّ حال : فاذا كانت الحركة الشخصية للحامل مصداقا للدخول والادخال ـ وهذا هو الاحتمال الاول ـ (دخل) هذا الفعل وهو الحركة (في المخالفة القطعية المعلومة تفصيلا) لانه يعلم انها محرمة اما لعنوان الدخول أو لعنوان الادخال (وان تردد) الحرام بين (كونه) حراما (من جهة الدخول والادخال) فيكون حاله حال المرأة التي يعلم كونها محرمة عليه ، لكن يتردد في ان الحرمة لكونها اخته من الرضاعة او لانها ام زوجته.

٣٣٩

وإن جعلناهما متغايرين في الخارج ، كما في الذهن : فان جعلنا الدخول والادخال راجعين إلى عنوان محرّم واحد ، وهو القدر المشترك بين إدخال النفس وإدخال الغير ، كان من المخالفة المعلومة بالخطاب التفصيليّ ، نظير ارتكاب المشتبهين بالنجس.

وإن جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا

______________________________________________________

الاحتمال الثاني : هو ما اشار اليه بقوله :

(وان جعلناهما) ايّ الدخول والادخال فعلين متعددين (متغايرين في الخارج) فهما امران ـ وان كانا بصورة امر واحد ـ.

(كما) انهما متغايران (في الذهن) كتغاير الحيوان والناطق في الذهن.

وعليه : فالعامل يعلم اجمالا حرمة احد الفعلين : اما فعل الدخول او الادخال (فان جعلنا الدخول والادخال راجعين الى عنوان محرم واحد) فالدخول والادخال كلاهما ادخال ، لكن احدهما ادخال النفس والآخر ادخال الغير.

(و) هذا الادخال (هو القدر المشترك) الجامع (بين ادخال النفس وادخال الغير) فكأنّ فردين من جامع محرم اندكّا في فرد واحد ، فهذا الفرد الواحد (كان) بلحاظ آخر فردان كالاحتمال السابق يكون (من المخالفة المعلومة بالخطاب التفصيلي) لانه قد ادخل الجنب في المسجد ، سواء بادخال النفس او بادخال الغير (نظير ارتكاب) الإناءين (المشتبهين بالنجس) اذا صبهما بحركة واحدة في المسجد ، فان هذا الصب حرام تفصيلا ، اما لنسبته الى الاناء الاحمر ، او لنسبته الى الاناء الابيض.

الاحتمال الثالث : اشار اليه بقوله (وان جعلنا كلا منهما) اي الدخول والادخال (عنوانا مستقلا) فهما امران مستقلان ، وحيث لا اتحاد حقيقة ـ كما في الاحتمال

٣٤٠