الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

المعلوم تفصيلا مخالفته

______________________________________________________

«إذن فتخير» (١).

فانّ التخيير ليس حكم الواقع ، وانّما هو حكم الجاهل بالواقع كقاعدة الحلّ ، وقاعدة الطهارة ، اذ الموضوع لو كان نفس الموضوع بلا ضمّ ضميمة اليه ، كان الحكم واقعيّا ، مثل : «الخمر حرام» حيث انّ الخمر بنفسه وضع عليه حكم الحرمة ، امّا اذا كان الموضوع هو الشيء بضميمة الجهل بحكمه ، مثل : «الشيء المجهول طهارته ونجاسته ، طاهر» فهذا حكم ظاهري ، اي انّ حكم المكلّف في حال جهله بالطهارة والنجاسة حكم الطهارة.

والتخيير الواقعي ينافي حكم الله ، اذ حكم الله امّا الظهر وامّا الجمعة ـ مثلا ـ حسب ما افترقت عليه الأمّة من قولين فانّهم قائلون امّا بهذا القول او بذاك القول ، ولا قول سواهما ، فاذا قال احد : بانّه مخيّر واقعا ، وفي اللوح المحفوظ التخيير بينهما ، كان مخالفا للعلم الاجمالي ، اذ هو من التناقض ، فالحكم : وجوب الظهر ، والحكم : تخيير بين الظهر والجمعة ، تناقض.

كما انّ الحكم : وجوب الجمعة ، والحكم : تخيير بين الظهر والجمعة تناقض أيضا.

أمّا اذا قال الشيخ : بالتخيير الظاهري ، فلا ينافي العلم الاجمالي ، اذ العلم الاجمالي يقول : في الواقع امّا ظهر أو جمعة ، والتخيير الظاهري يقول : في الظاهر تخيير ، والواقع مرتبة ، والظاهر مرتبة اخرى ، فلا تناقض في البين.

وعليه : فالتخيير الواقعي هو (المعلوم تفصيلا مخالفته) اي مخالفة التخيير

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٢ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

٢٦١

لحكم الله الواقعيّ في الواقعة.

ومنها : حكم بعض بجواز ارتكاب كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة دفعة او تدريجا ، فانّه قد يؤدّي إلى العلم التفصيليّ بالحرمة او النجاسة ، كما لو اشترى بالمشتبهين بالميتة جارية ،

______________________________________________________

الواقعي (لحكم الله الواقعي في الواقعة) لانّ الحكم الواقعي هو الظهر فقط ، او الجمعة فقط ، فالتخيير بينهما خلاف ما ثبت في اللوح المحفوظ من التعيين.

(ومنها) اي ومن موارد حكم الفقهاء ما يستلزم خلاف العلم التفصيلي هو : (حكم بعض) منهم (بجواز ارتكاب كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة دفعة) واحدة ، كما اذا كان هناك اناءان ، احدهما نجس فشرب احدهما ، وأراق الآخر في المسجد ، فانّه يعلم حينئذ بأنّه فعل حراما. امّا بالشرب او بالإراقة (او تدريجا) كأن يشرب احدهما اليوم ، ويشرب الآخر غدا ، حيث انّه بشربه للثاني يعلم بانّه شرب النجس.

(فانّه) اي ارتكابهما دفعة او تدريجا (قد يؤدّي الى العلم التفصيلي) الذي له نتيجة حاليّة ، وهو الذي يقصده من قوله : «قد يؤدي».

والّا فكلّ استعمال لهما يؤدّي الى النتيجة ، لكن قد لا يعلم بالنتيجة الحاليّة ، مثل ما مثّلناه من المثال الاول ، بخلاف الثاني : حيث يعلم حالا بأنّ فمه نجس.

وقد مثّل المصنّف بما ادّى الى الحرمة في قوله : (بالحرمة او النجاسة) وقد عرفت مثال النجاسة وذلك (كما) اذا اشتبه المذكى بالميتة ، ف (لو اشترى بالمشتبهين بالميتة جارية) سواء باعهما واشتراها تدريجا أو دفعة كأن اشترى نصف الجارية باحد المشتبهين اولا ، ثم اشترى نصفها الآخر بالمشتبه الثاني ثانيا

٢٦٢

فانّا نعلم تفصيلا بطلان البيع في تمام الجارية لكون بعض ثمنها ميتة ، فنعلم تفصيلا بحرمة وطيها ، مع أنّ القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه إخراج هذه الصورة.

ومنها : حكم بعض بصحّة ائتمام

______________________________________________________

(فانّا نعلم تفصيلا بطلان البيع في تمام الجارية) اي فيما قابل الميتة منها (لكون بعض ثمنها ميتة ، فنعلم تفصيلا بحرمة وطيها) وسائر الاستمتاعات منها.

لا يقال : انّ القائل بجواز ارتكاب المشتبهين لا يقول بالجواز في هذه الصورة.

لانّه يقال : (مع انّ القائل بجواز الارتكاب) للمشتبهين (لم يظهر من كلامه اخراج هذه الصورة) التي تولّد منها العلم التفصيلي بالحرمة او بالنجاسة من الجواز ، فالمحقق القمي قدس‌سره قوّى في القوانين جواز الارتكاب التدريجي ، وسيأتي الكلام في ذلك ، وبعضهم ذهب الى جواز الارتكاب الدفعي ايضا لقوله عليه‌السلام : «حتّى تعرف أنّه حرام بعينه» (١).

وعلى هذا : فان كانت هناك امرأتان يعلم بان احداهما اجنبية عنه ، يجوز له على قوله وطيهما تدريجا ، او وضع يده على هذه ، ووطي تلك ، او وضع يديه عليهما دفعة ، الى غير ذلك من الامثلة.

اللهم الّا ان يقال : انّ الاموال والاعراض والانفس خارجة ، للزوم الاحتياط فيها حتّى في الشبهة البدويّة ، والشبهة غير المحصورة ، فاذا علم : بانّ احدى هؤلاء الالف من النسوة رضيعته ، لا يجوز له الزواج منهنّ ، وكذا اذا علم بانّ احد هؤلاء الالف ، مسلم محقون الدّم ، والبقيّة كفّار واجبو القتل ، يحرم قتل ايّ منهم.

(ومنها) اي من تلك الموارد ايضا (: حكم بعض) الفقهاء (بصحة ائتمام)

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ (بالمعنى) ، تهذيب الأحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩.

٢٦٣

أحد واجدي المنيّ في الثوب المشترك بينهما بالآخر ، مع أن المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته من جهة حدثه او حدث إمامه.

ومنها : حكم الحاكم بتنصيف العين التي تداعاها رجلان ، بحيث يعلم صدق أحدهما وكذب الآخر ، فانّ

______________________________________________________

اي اقتداء (احد واجدي المني في الثوب المشترك) الذي هو لاحدهما ، او الفراش الذي (بينهما) ويرى فيه آثار المني ، حيث يقطعان انّه من احدهما لكن اشتبه (بالآخر ، مع انّ المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته) لانّه يترك القراءة التي هي تكليف المنفرد ، عالما عامدا (من جهة حدثه) بالمني (او حدث امامه) به.

وكذلك الحال في المرأتين ، اللّتين تعلمان بحيض احداهما ، لانّهما وجدتا آثار الحيض في الثوب المشترك بينهما ولم تغتسلا ، لاجراء كلّ واحدة منهما أصالة البراءة.

(ومنها) اي من تلك الموارد (: حكم الحاكم) بعد تعارض البيّنات ولا ترجيح ، او بعد تحالفهما ، ولا بيّنة لأحدهما ، او بعد تركهما الحلف والبينة (بتنصيف العين) كالدار ، او القماش ، او ما اشبه ذلك (التي تداعاها رجلان بحيث يعلم) الحاكم من الخارج (صدق احدهما وكذب الآخر) كما اذا علم بانّ الاب وهب داره لاحد ولديه : زيد او عمرو ، وقد مات الاب وتداعى الولدان ، كلّ يدّعي انّه الموهوب له ، وقد حدث مثل ذلك في زمان الامام امير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، حيث تداعى اثنان ناقة واقام كلّ منهما البينة ، فقضى عليه‌السلام على الناقة بينهما بالتنصيف (١).

(فانّ) فيه اولا : كيف يحكم الحاكم بما يعلم تفصيلا بانّه ايصال للنصف

__________________

(١) ـ راجع وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٥١ ب ١٢ ح ٣٣٦٩٨.

٢٦٤

لازم ذلك جواز شراء ثالث للنصفين من كلّ منهما مع أنّه يعلم تفصيلا عدم انتقال تمام المال إليه من مالكه الواقعيّ.

ومنها : حكمهم فيما لو كان لأحد درهم ولآخر درهمان ، فتلف أحد الدراهم من عند الودعيّ ،

______________________________________________________

الى غير صاحبه ، وهو علم تفصيلي بمخالفة الواقع؟.

وثانيا (لازم ذلك) الحكم (جواز شراء ثالث للنصفين من كلّ منهما) نصفا من هذا ونصفا من ذاك ، او ارث ثالث لهما (مع انّه) اي الثالث (يعلم تفصيلا عدم انتقال تمام المال اليه من مالكه الواقعي) وانّما المنتقل اليه النصف فقط.

نعم ، اذا ادّعى كلّ منهما ، كلّ المال ، ونصّفه الحاكم ، واحتملنا اشتراك كلّ منهما في النصف ، لم يعلم تفصيلا بعدم انتقال المال.

ثمّ انّه لا حاجة في اصل المسألة الى ادّعاء كلّ واحد منهما التمام ، بل لو ادعى احدهما التمام ، والآخر النصف ، فانّ الحاكم يقسّمه اثلاثا ، يعطي الثلثين الى مدعي الكلّ ، والثلث الى مدعي النصف ـ على قول بعضهم ـ وحينئذ يعلم الحاكم بانّه قد اعطى واحدا من الثلثين او الثلث لغير المستحقّ ، وكذا الثالث الذي اشتراه منهما ، او ورثه منهما ، يعلم انّه لا يملك امّا الثلث او الثلثين.

لكن لا يخفى : انّ مثالنا السابق بالارث ليس مطلقا ، اذ ربّما يعلم بانّه انتقل اليه من هذا او من ذاك ، بل فيها اذا صار ابهام في الارث بما اوجب العلم التفصيلي.

(ومنها) اي من تلك الموارد (: حكمهم) اي الفقهاء (ـ فيما لو كان لأحد درهم ولآخر درهمان) فجعلا دراهمهما الثلاثة عند امين (فتلف احد الدراهم) الثلاثة (من عند الودعي) بدون تفريط ، حيث انّه لو تلف بالتفريط كان الودعي ضامنا ، ولزم عليه ردّ الثلاثة اليهما لكن لو كان من غير تفريط ، فقد حكموا

٢٦٥

بأنّ لصاحب الاثنين واحدا ونصفا ، وللآخر نصفا ، فانّه قد يتفق إفضاء ذلك إلى مخالفة تفصيليّة ، كما لو أخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث ، فانّه يعلم تفصيلا بعدم انتقاله من مالكه الواقعيّ اليه.

ومنها : ما لو أقرّ بعين لشخص

______________________________________________________

(ـ : بانّ لصاحب الاثنين واحدا ونصفا ، وللآخر) صاحب الواحد (نصفا) وذلك لانّ احد الدرهمين الباقيين لصاحب الدرهمين قطعا ، والدرهم الثاني امّا لصاحب الدرهمين وامّا لصاحب الدرهم الواحد ، فبقاعدة العدل ينصّفه الحاكم بينهما ، وبهذا وردت الرواية ، لكن بعض الفقهاء قال : بالثلثين والثلث ، لا بثلاثة ارباع والربع ـ كما هو مورد الرواية ـ والتفصيل ذكرناه في الفقه.

وفي هذا التقسيم ، سواء كان عملا بالرواية او عملا بالقاعدة ، مخالفتان : ـ

الاولى : كيف يحكم الحاكم بانّ الدرهم الثاني يقسّم بينهما ، مع انّه يعلم انّه هذا الدرهم كلّه امّا لصاحب الدرهمين وامّا لصاحب الدرهم ، فهو مخالفة للعلم التفصيليّ؟.

الثانية : ما اشار اليه المصنّف بقوله : (فانّه قد يتّفق افضاء ذلك) الحكم من الحاكم بالتنصيف (الى مخالفة تفصيليّة ، كما لو اخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث) بالاشتراك ، او الهبة ، او ما اشبه (فانّه) اي الثالث (يعلم تفصيلا بعدم انتقاله) بتمامه (من مالكه الواقعي اليه) اي الى هذا الثالث ، فكيف يتصرّف في تمامه تصرف المالك؟ وهكذا اذا كان لهما ثوبان وثوب ، او ثلاثة دراهم ودرهمان ، الى غير ذلك.

(ومنها) اي من تلك الموارد (: ما لو اقرّ) من بيده عين (ب) انّ تلك ال (عين لشخص).

٢٦٦

ثم أقرّ بها للآخر ، فانه يغرم للثاني قيمة العين بعد دفعها إلى الأوّل ، فانّه قد يؤدّي ذلك إلى اجتماع العين والقيمة عند واحد ويبيعها بثمن واحد ، فيعلم عدم انتقال تمام الثمن إليه ، لكون بعض مثمنه مال المقر في الواقع.

______________________________________________________

مثلا قال : هذا الكتاب لزيد (ثمّ اقرّ بها للآخر) بأنّ قال : هذا الكتاب لعمرو (فانّه) اي المقر (يغرم للثاني) وهو عمرو (قيمة العين) كدينار قيمة الكتاب مثلا (بعد دفعها) اي العين ، كالكتاب في المثال (الى الاول) الذي اقرّ له اولا ، كزيد في المثال.

وانّما يدفع العين الى الاول : لقاعدة اقرار العقلاء ، ويدفع القيمة للثاني : لانّه باقراره انّ الكتاب للثاني قد اعترف بانّه اتلف العين عليه باقراره للأول (فانّه) حينئذ يحصل للحاكم ما يخالف علمه التفصيلي ، وذلك : ـ

اولا : انّ الحاكم حيث يعلم انّه ليس على المقر الكتاب وقيمته معا ، فيكون حكمه بالأمرين مخالفا لعلمه التفصيلي.

وثانيا : (قد يؤدّي ذلك) الحكم باعطائه العين للاول وقيمته للثاني (الى اجتماع العين والقيمة عند) شخص (واحد) بأن يرث الكتاب والقيمة من الاثنين المقر لهما (ويبيعها) اي الكتاب والقيمة (بثمن واحد) كأن يشتري بهما دارا (فيعلم) هذا الثالث ب (عدم انتقال تمام الثمن) كالدار في المثال (اليه ، لكون بعض مثمنه) من الكتاب وقيمته (مال المقرّ في الواقع) لانّ الكتاب ان كان للاول ، فالقيمة للمقرّ ، وان كان للثاني فليس الكتاب للاوّل المقر له.

هذا ، ولكن الذي ذهبنا اليه في الفقه : انّه بعد اقراره للاوّل بالكتاب ، لم يكن اقراره الثاني ذا قيمة ، اذ هو اقرار فيما لا يملك ، واقرار العقلاء انّما يصحّ فيما يملكون ، لا فيما لا يملكون ، سواء كان الاقرار سابقا على الملك

٢٦٧

ومنها : الحكم بانفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه او مثمنه على وجه يقضى فيه بالتحالف ، كما لو اختلفا في كون المبيع بالثمن المعيّن عبدا او جارية ، فانّ ردّ الثمن

______________________________________________________

أو لاحقا له.

مثلا : لو أقرّ بأنّ فرس زيد الذي في يده لعمرو ، فانّه اقرار في ملك الغير ، فاذا ورث الفرس لا يجب عليه اعطاؤه لعمرو ـ وهذا اقرار سابق على المالك ـ والاقرار اللاحق هو كما تقدّم في مثال الكتاب.

هذا في المال ، وامّا في غير المال فكذلك ، مثلا : لو اقرّ زيد بانّ زوجة عمرو ليست زوجة له وانّما هي زوجة بكر ، فاذا طلّقها او مات عنها عمرو ، صحّ للمقر تزويجه منها ، ولا يقال : انّه باقراره بانّها زوجة بكر لا يحق له تزويجها بعد طلاق او موت زوجها عمرو ، لانّه اقرار في حقّ الغير الى غير ذلك.

هذا ، بالاضافة الى ان الاقرار ثانيا ، امّا ان يصدر عن غير عاقل ، فليس من اقرار العقلاء ، او من عاقل يدّعى انّه اشتبه في اقراره الاول ، فاللازم ان يسمع كلامه ، لا ان يحكم عليه بالاقرارين ، كما ذكروا ذلك فيمن كتب انّه تسلم الثمن ، ثمّ ادّعى انّه كتابته كانت قبل التسليم ، حيث قالوا : بانّه يسمع كلامه ، وتفصيل الكلام في الفقه.

(ومنها) اي من تلك الموارد (: الحكم) اي حكم القاضي (بانفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه ، او مثمنه) او بائعه ، او مشتريه ، بأن تنازعا (على وجه يقضى فيه بالتحالف) حيث لا بيّنة لاحدهما ، او تعارضت البيّنتان وتساقطتا (كما لو) اتّفقا على الثمن المعين كمائة دينار ، و (اختلفا في كون المبيع ب) هذا (الثمن المعيّن ، عبدا او جارية) فقال البائع : بالأول ، والمشتري : بالثاني (فانّ ردّ الثمن)

٢٦٨

إلى المشتري بعد التحالف مخالف للعلم التفصيليّ بصيرورته ملك البائع ثمنا للعبد او الجارية ، وكذا لو اختلفا في كون ثمن الجارية المعيّنة عشرة دنانير او مائة درهم ، فانّ الحكم بردّ الجارية مخالف للعلم التفصيليّ بدخولها في ملك المشتري.

______________________________________________________

بحكم القاضي (الى المشتري بعد التحالف) المقتضي لبطلان البيع ظاهرا (مخالف للعلم) اي لعلم المشتري (التفصيلي بصيرورته) اي الثمن (ملك البائع ثمنا للعبد او الجارية) فانّ البيع حسب الفرض قد وقع ، والثمن انتقل الى البائع ، فكيف يأخذه المشتري؟.

(وكذا) في عكسه : بأن كان الاختلاف في الثمن ، لا المثمّن كما (لو) اتّفقا في انّ المثمّن الجارية لكنهما (اختلفا في كون ثمن الجارية المعيّنة عشرة دنانير ، او مائة درهم ف) قال البائع : بعتك بعشرة دنانير ، وقال المشتري : بل بمائة درهم ، فانّ الحكم هو التحالف ، وبعد التحالف يحكم ببطلان البيع ظاهرا وترد الجارية الى صاحبها وهو البائع ، مع وضوح (انّ الحكم بردّ الجارية) الى البائع (مخالف للعلم التفصيلي بدخولها في ملك المشتري) مثمنا للدنانير ، او الدراهم.

وكذا اذا كان الاختلاف في البائع او المشتري ، كما لو اتفق الجميع على بيع الكتاب بدينار ، لكن كان الاختلاف في انّ البائع زيد او عمرو ، او انّ المشتريّ زيد او عمرو؟.

وهكذا اذا كان الاختلاف في الزوج ، هل هو بكر او خالد؟ او في الزوجة ، هل هي هند او دعد؟ فانّ النكاح يبطل بعد التحالف ، او تعارض البيّنتين ، مع العلم بانّه وقع النكاح الى غير ذلك من مختلف الامثلة في ابواب الطلاق ،

٢٦٩

ومنها : الحكم بأنّه لو قال أحدهما : بعتك الجارية بمائة ، وقال الآخر :

وهبتني إيّاها ـ إنّهما يتحالفان وتردّ الجارية إلى صاحبها ، مع أنّا نعلم تفصيلا بانتقالها عن ملك صاحبها الى الآخر ، إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

______________________________________________________

وسائر المعاملات.

(ومنها) اي من موارد البحث (: الحكم) من الفقهاء (بانّه لو) اختلفا في نفس العقد بأن (قال احدهما) اي احد المتعاقدين (: بعتك الجارية بمائة ، وقال الآخر :

وهبتني ايّاها) فاذا كان لاحدهما البيّنة ، او اليمين مع عدمها ، حسب ما هو ميزان الدعوى فهو ، والّا ف (انّهما يتحالفان).

وكذلك اذا تعارضت البيّنتان وتساقطتا فانّه يكون المرجع (وتردّ الجارية الى صاحبها) لأنّ احد العقدين لم يثبت (مع انّا نعلم تفصيلا : بانتقالها عن ملك صاحبها الى الآخر) بيعا او هبة.

(الى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع) في الفقه ، من انقلاب العلم الاجمالي الى العلم التفصيلي ، ومع ذلك لا يقولون بالعمل حسب العلم التفصيلي ، كما في : حكمهم بجواز ارتكاب اطراف الشبهة غير المحصورة ، مع انّه قد يشرب الف انسان من الف اناء احدها نجس ، ثمّ يشربون من اناء واحد ، فانّه يعلم تفصيلا بنجاسته ، لانّ احدهم تنجس فمه بالشرب ، وكما في اجراء العالم عقد الزواج لمائة يعلم بكون احد الزوجين من هذه المائة اخت الزوج من الرضاعة ـ مثلا ـ ، حيث انّ الزواج يجوز لكلّ المائة ، لاجرائهم أصالة عدم الرضاع.

٢٧٠

فلا بدّ في هذه الموارد من التزام أحد امور على سبيل منع الخلوّ :

أحدها : كون العلم التفصيليّ في كلّ من أطراف الشبهة موضوعا للحكم ، بأن يقال : ان الواجب الاجتناب عمّا علم كونه بالخصوص بولا ،

______________________________________________________

وهكذا (فلا بدّ في هذه الموارد من التزام احد امور ، على سبيل منع الخلو) اذ بعض الموارد يمكن ان يجاب عنه باجوبة متعدّدة من الاجوبة التي سنذكرها ان شاء الله تعالى ، وذلك لأن مخالفة العلم موجب للتناقض كما عرفت ، فاللازم الخروج من هذا التناقض ، امّا بأجوبة تظهر من الادلة ، أو بأجوبة احتماليّة ، فلا يقال : كيف يتدخل في الشريعة اجوبة احتمالية؟.

(احدها : كون العلم التفصيلي في كلّ من اطراف الشبهة موضوعا للحكم) فاذا علم الانسان تفصيلا بالموضوع ذي الحكم ، لزم ترتيب ذلك الحكم ، امّا اذا لم يعلم تفصيلا فليس عليه ترتيب الحكم ، كما في مسألة الائتمام ـ مثلا ـ بأن يقول الشارع : اذا علمت بانّ امامك جنب علما تفصيليا ، فلا يمكن لك الاقتداء به ، امّا اذا لم تعلم تفصيلا ، بل علمت اجمالا بجنابة احدكما فلا بأس بالائتمام ، فالعلم التفصيلي أخذ في الموضوع ، وليس العلم طريقا حتّى يقال : لا فرق في العلم الطريقي بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي.

وان شئت قلت : يمكن ان يفرض : انّ الشارع قال : انّ كلا منكما ايّها الامام والمأموم طاهر ، اذا لم يكن لكما علم تفصيلي بالجنابة ، او قال : انّ صلاتكما جماعة صحيحة اذا لم تعلما بالجنابة علما تفصيليا.

وبهذا الجواب نجيب في ارتكاب الإناءين المشتبهين دفعة او تدريجا (بان يقال : ان الواجب) شرعا (الاجتناب عمّا علم كونه بالخصوص بولا ،

٢٧١

فالمشتبهان طاهران في الواقع ، وكذا المانع للصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من مكلّف خاصّ ، فالمأموم والامام متطهّران في الواقع.

الثاني : انّ الحكم الظاهريّ في حقّ كلّ أحد نافذ واقعا في حق

______________________________________________________

فالمشتبهان) بانّ احدهما بول (طاهران في الواقع) فلا يلزم من شربهما تدريجا شرب النجس ، ولا من شرب احدهما واراقة احدهما في المسجد دفعة ، استعمال النجس.

وهكذا المشتبه بالميتة ليس حراما ، فاذا جعلا ثمنا للجارية دفعة او تدريجا ، لم يكن بعض الجارية غير مملوك للمشتري حتّى يحرم وطيها.

(وكذا المانع للصلاة : الحدث) اي الجنابة ، او الحيض في المثال المتقدم (المعلوم صدوره تفصيلا من مكلّف خاص) لا الحيض ، او الجنابة الاجماليّة غير المعلومة انّها من هذا او من ذلك (فالمأموم والامام متطهّران في الواقع).

وبهذا الجواب يقيّد اطلاق دليل الحرمة والنجاسة في الميتة والجنابة اي «بما علم تفصيلا» ، لكنّهم لا يلتزمون بذلك ، فهل اذا وقع الثوبان النجس احدهما ، في ماء قليل يقال بطهارته؟ او جعل اللحمان الميتة احدهما ، في قدر يحكم بحلّيته؟.

والجواب (الثاني : انّ الحكم الظاهري) بصحّة صلاة الامام ، لانّه مستصحب الطهارة علما بانّ استصحاب المأموم الطهارة لصحّة صلاته تظهر فائدتها في صحّة رجوع الامام اليه اذا شكّ في انّه ركع مثلا ام لا ، فانّ المأموم اذا أشار اليه بأنّه ركع كفى في صحّة صلاته ، كما انّ استصحاب الامام الطهارة لصحّة صلاته ، تفيد المأموم لرفع شكّه ، وذلك كلّه يتوقف على انعقاد الجماعة.

وعليه : فالحكم الظاهري (في حق كلّ واحد) منهما (نافذ واقعا في حقّ

٢٧٢

الآخر ، بأن يقال : إنّ من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه ، فللآخر أن يرتّب عليها آثار الصحّة الواقعيّة ، فيجوز له الايتمام به ، وكذا من حلّ له أخذ الدار ، ممّن وصل اليه نصفه إذا لم يعلم كذبه

______________________________________________________

الآخر) من الامام والمأموم وان لم يكن سببا لصحّة صلاته واقعا ، فاذا انكشف للامام انّه كان جنبا لزم عليه اعادتهما ، كذلك اذا انكشف للمأموم ذلك (بان يقال : انّ من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه) ولو كان علمه على نحو الجهل المركّب ، او على نحو الحكم الشرعي كالاستصحاب (فللآخر ان يرتب عليها) اي على صلاة الامام (آثار الصحّة الواقعيّة).

فاذا كانت صلاة الامام عند نفسه صحيحة ، فلا اثر للعلم الاجمالي من المأموم بكون احدهما جنبا ، او أن احدهما توضأ بالماء النجس فيما اذا كان لهما اناءان ، وعلم المأموم بنجاسة احد الإناءين ، فانّ كلّ واحد منهما يستصحب طهارة انائه ويتوضأ او يغتسل منه ، ويقتدي احدهما بالآخر ، او يقتدي ثالث بهما في صلاة واحدة ، او في صلاتين مع انّ المأموم يعلم انّ احد اماميه جنب (فيجوز له) اي للمأموم (الايتمام به) كما يجوز للإمام الاعتماد عليه في عدد الركعات وما اشبه.

وهكذا في الحج ، فيستنيب زيد عمرا او خالدا في حجّه حيّا او ميّتا ، مع انّه يعلم انّ احد النائبين جنب فيما اذا كانت الجنابة مشتبهة بين عمرو وخالد ، الى غير ذلك من المسائل.

(وكذا) نقول : بانّ الظاهر كاف في الامر ، ولا يؤثّر العلم الاجمالي في (من حلّ له اخذ الدار) الّتي تداعاها رجلان من كلّ واحد (ممّن وصل اليه نصفه) او بالاختلاف ، بأن وصل ثلثها الى احدهما ، وثلثان آخران الى الثاني (اذا لم يعلم) هذا الثالث : الذي اشترى الدار منهما ، او الوارث لهما ، او نحو ذلك (كذبه) اي

٢٧٣

في الدّعوى ، بأن استند إلى بيّنة او إقرار او اعتقاد من القرائن ، فانّه يملك هذا النصف في الواقع.

وكذلك إذا اشترى النصف الآخر ،

______________________________________________________

كذب أحد المدعيين متعمدا (في الدعوى).

وذلك (بان استند) كلّ واحد من المدّعيين في دعوى ملكه للدار (الى بيّنة او اقرار) كما اذا كانت الدار لزيد ، فاقرّ مرّة بانّها لعمرو ، واقرّ مرة بانّها لخالد ، ولم نعلم : انّ ايّ الاقرارين كان سابقا على اقراره الآخر؟ اذ لو علمنا فإقراره السابق ، كان اقراره اللاحق باطلا ، لانّ الدار صارت للسابق منهما (او اعتقاد) كلّ واحد منهما بأنّ الدار له (من القرائن) كما اذا كانت دار في يد والدهما ، وكلّ لا يعلم بأنّها كانت في يد الآخر بل يزعم انّ والده وحده كانت الدار في يده (فانّه) اي الثالث المشتري منهما ، أو الوارث منهما ، او ما اشبه من انحاء الانتقال (يملك هذا النصف) الذي بيد زيد وهذا النصف الذي بيدي عمرو (في الواقع) لانّ الملك الواقعي متوقّف على ملك البائعين ظاهرا.

(وكذلك) نجيب بعين هذا الجواب (اذا اشترى) احدهما (النصف الآخر) عطف على «اخذ» بان يأخذه منه مجّانا ، او هديّة ، او يشتريه منه ، لكن هذا يبعده : انّ الاخذ اعمّ من الاشتراء ، فلا داعي الى ذكره ، كما انّه يحتمل بعيدا أيضا ان يريد : انّه لو اشترى احد المتنازعين نصف شريكه ، فانّه ربّما يحصل له العلم الاجمالي بأحد امرين : ـ

الاول : انّ نصف الدار لشريكه اذا كان في الواقع كلّ الدار لشريكه ، وقد اشترى نصفه منه ، اذ يبقى نصفه الآخر ملكا لشريكه.

الثاني : انّ الثمن الذي أعطاه للشريك بقي على ملك نفسه ، ممّا اوجب

٢٧٤

فيثبت ملكه للنصفين في الواقع.

وكذا الأخذ ممّن وصل إليه نصف الدرهم في مسألة

______________________________________________________

استطاعته ، او الخمس فيه ، فيما اذا كان كلّ الدار لنفسه ، واشترى نصفه من شريكه فانّ البيع باطل ، فهو يعلم فعلا بأحد واجبين عليه : امّا ردّ نصف الدار الى شريكه ـ اذا كان كلّ الدار لشريكه وقد اشترى نصفه ـ وامّا وجوب الحجّ عليه بالثمن الذي دفعه ممّا اوجب استطاعته مثلا ـ اذا كان كلّ الدار لنفسه وقد اشترى نصفها من شريكه اعتباطا.

هذا اذا قلنا : بالحكم الواقعي في المسألة ، امّا اذا قلنا : بكفاية الظاهر ، فبعد قضاء الحاكم بانّ الدار نصفها لهذا ونصفها لذاك صارا في الظاهر مالكين للنصفين ، ويصحّ للثالث البناء على هذا الحكم الظاهري ، فيشتري النصفين منهما ، او يرثه منهما ، او ما اشبه من انحاء الانتقال (فيثبت ملكه للنصفين في الواقع) لكنّهم لا يلتزمون بذلك سواء بالنسبة الى الثالث ، او الى احد الطرفين.

مثلا : اذا تنازع الزوجان في انّها زوجته ام لا ، فادّعى الزوجيّة وانكرت ، وجاء بالشهود ، فانّ الحاكم يحكم بزوجيّتها له ، لكن هل لها ان ترتب آثار الزوجيّة التي قضي الحاكم بها وهي تعلم انّها ليست بزوجته ، وانّه والشهود قد اشتبهوا في الامر ، حيث انّ أباها قد زوجه اختها ، لا هي؟.

امّا ترتيبها آثار الزوجيّة في غير القدر المجبور فيها بان تذهب هي اليه للمواقعة ، وتأخذ الارث منه اذا مات ، الى غير ذلك فمعلوم العدم.

(وكذا) نقول في مثال درهمي الودعي : فانّه بعد حكم الحاكم يصبح كلّ نصف من الدرهم لاحدهما ، مع انّ كلّ الدرهم في الواقع امّا لهذا وامّا لذاك ف (الاخذ ممّن وصل اليه نصف الدرهم في مسألة) الوديعة المتقدّمة بحسب

٢٧٥

الصلح ومسألتي التحالف.

______________________________________________________

(الصلح) يكون مالكا للنصف واقعا ، فيجوز الثالث ان يأخذ النصفين منهما ، ويكون مالكا لكلّ الدرهم.

والظاهر : انّه كلّما لم يثبت بدليل شرعي انقلاب الواقع بسبب حكم القاضي او ما اشبه ، نقول : ببقاء الواقع على واقعيّته ، وانّه لا يجوز لمن حصل له العلم التفصيلي عدم ترتيب آثار الواقع ، سواء في الموارد السابقة ، او اللاحقة ، او غيرها.

(و) كذا قد عرفت الكلام في الاقرار بعين واحدة لاثنين ، فانّ الاقرار الثاني : امّا باطل حيث انّه اقرار في غير الملك ، أو أنّه صحيح ويلزم تقسيم العين بين المقر لهما لقاعدة العدل.

ويؤيّد الاوّل : انّ المرأة لو اعترفت : انّها زوجة لزيد ، لم يصح اقرارها الثاني انّها زوجة لعمرو ، كما إنّ الزوج إن اقرّ : انّه زوج لهند ، لم يصحّ اقراره الثاني انّه زوج لاختها.

واذا وقع قتيلان : احدهما في بغداد ، والآخر في البصرة ، فأقر انسان : انّه قتل قتيل بغداد ، ثمّ اقر : بأنّه قتل قتيل البصرة في نفس تلك الساعة ، لم يصحّ اقراره الثاني الى غير ذلك.

اما لو قيل كما قالوا في الاقرارين : من خسارة العين للأول ، وخسارة الثمن للثاني ، فنقول : بانّ الشارع قد حكم باعطاء الثاني من ماله فيكونان بحكم الشارع مالكان للعين والقيمة ، فيصح الثالث اخذهما منهما ، كما قلنا في درهمي الودعي.

وكذا الحال في (مسألتي) الثمن والمثمن او الاختلاف في العقد انّه بيع او هبة ممّا يلزم (التحالف) الى غير ذلك من موارد التحالف ، وكلّها احكام ثانويّة

٢٧٦

الثالث : أن يلتزم بتقييد الأحكام المذكورة بما اذا لم يفض إلى العلم التفصيليّ بالمخالفة والمنع ممّا يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا ، كمسألة اختلاف الأمّة على قولين ، وحمل أخذ المبيع في مسألتي التحالف على كونه تقاصّا شرعيّا قهريّا ، عمّا يدّعيه من الثمن

______________________________________________________

من الشارع مخصّصة لاطلاق الادلة الاوليّة.

الجواب : (الثالث) هو (: ان يلتزم بتقييد الاحكام المذكورة) في المسائل السابقة ، مثل : درهمي الودعي وموارد التحالف ، الى غير ذلك (بما اذا لم يفض الى العلم التفصيلي بالمخالفة) للواقع ، فلا يصحّ لثالث اخذ نصفي الدرهم ، ولا غير ذلك ممّا تقدّم (والمنع ممّا يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا ، كمسألة اختلاف الامّة على قولين) فانّه نقول : لا يجوز احداث قول ثالث بالتخيير ، كما ذكره الشيخ قدس‌سره ولا بغيره ، فاذا اختلفت الامّة على قولين : قول بنجاسة البئر بالملاقات مطلقا وقول بطهارتها مطلقا ، لم يجز احداث قول ثالث بنجاستها ببعض النجاسات وعدم نجاستها ببعض النجاسات الاخرى.

وكذلك اذا اختلفت في : وجوب الظهر او الجمعة ، لم يجز احداث قول ثالث بالاستحباب للجمعة مثلا او تحريمها ، الى غير ذلك.

(و) كذا يلتزم ب (حمل اخذ المبيع في مسألتي التحالف) في صورة الاختلاف في المثمن انّه جارية او عبد ، والاختلاف في الثمن انّه عشرة دنانير او مائة درهم ، حيث قالوا : ببطلان البيع ، ورجوع كلّ من البضاعة والنقد الى مالكه ، فنقول : كلّ طرف حيث يرى نفسه محقّا في ما يدّعيه ، يأخذ بضاعته او نقده (على كونه تقاصّا شرعيّا قهريّا عمّا يدّعيه من الثمن) او المثمن :

فمالك البضاعة يأخذ بضاعته تقاصّا ، ومالك الثمن يأخذ ثمنه تقاصّا ،

٢٧٧

او انفساخ البيع بالتحالف من أصله او من حينه ، وكون أخذ نصف الدرهم مصالحة قهريّة.

______________________________________________________

والتقاصّ مفاعلة «قصّ» بمعنى اتباع الاثر السابق ومنه «القصة» لانها اتباع الاثر السابق ومنه قصص الانبياء عليهم‌السلام ، وهو يصطلح شرعا فيما اذا لم يصل الانسان الى ماله فانّ له الحقّ ان يأخذ بقدره مثلا او قيمة ممّن استولى عليه ، سواء كان قد استولى على عين ماله ، او كان يطلبه من جهة النفقة فلم يدفعها اليه ، كما في قصّة هند حيث أجاز لها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تأخذ من مال زوجها ابي سفيان بقدر نفقتها ونفقة اولادها.

(او) يلتزم على (انفساخ البيع) ونحوه في الاختلاف في الثمن او المثمن ، أو الاختلاف في خصوصيّة العقد ، هل هو بيع او هبة بعوض او اجارة مثلا؟ الى غير ذلك انفساخا (ب) سبب (التحالف من أصله) فكأنّه لم يقع بيع اصلا (او من حينه) اي حين التحالف ، بان وقع البيع وبقي الى وقت التحالف ، فلما تحالفا ابطله الشارع.

والثمرة على القولين تظهر في الانفساخ لو كان من الاصل ، كانت الثمار فيما بين البيع والتحالف للمنتقل عنه ، وان كان الانفساخ من حين التحالف كانت الثمار بين البيع والتحالف للمنتقل اليه.

(و) يلتزم ايضا على (كون اخذ نصف) الدار او (الدرهم) في النزاع في الدار ، وفي مسألة درهمي الودعي (مصالحة قهريّة) من الشارع على الطرفين ، والتصالح القهري له صورتان : ـ

الاولى : انّ الشارع يعلم انّه احيانا يكون الدرهم الثاني لصاحب الدرهمين ، واحيانا لصاحب الدرهم ، فحكم دائما بانّ نصفه لهذا ونصفه لذلك ، حتى تتوزع

٢٧٨

وعليك بالتأمّل في دفع الاشكال عن كلّ مورد بأحد الأمور المذكورة ، فانّ اعتبار العلم التفصيليّ بالحكم الواقعيّ وحرمة مخالفته ممّا لا يقبل التخصيص باجماع او نحوه.

إذا عرفت هذا فلنعد إلى حكم مخالفة العلم الاجماليّ ،

______________________________________________________

الخسارة ولا يكون الثقل على احد الطرفين.

الثانية : انّ الدرهم وان كان ملكا لاحدهما دائما ، الّا انّ الشارع جعل نصفه لمن لا يملك واقعا بالصلح ، عوض الصلح الذي شرع لختم النزاع ، وقد ذكرنا تفصيل الكلام في ذلك في مثل الدرهم والدار وغيرهما في الفقه.

(وعليك بالتأمّل في دفع الاشكال عن كلّ مورد) من الموارد التي ذكرناها ، وما فيها من الاشكال على تحوّل المعلوم بالاجمال الى المعلوم بالتفصيل (بأحد الامور المذكورة ، فانّ اعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي وحرمة مخالفته ممّا لا يقبل التخصيص باجماع او نحوه) فاذا رأينا التخصيص ، فلا بدّ وان يحمل على كون القطع موضوعيّا ، لا طريقيّا ، او انّ الشارع رفع يده عن الواقع لعلّة ، فلا يمكن ان يقال بعدم هذين الامرين ، ومع ذلك يقال بالتخصيص باجماع او سنة.

(اذا عرفت هذا) الذي ذكرناه من تبدّل المعلوم بالاجمال الى المعلوم بالتفصيل ومع ذلك لا يلزم العمل بالمعلوم بالتفصيل (فلنعد الى حكم مخالفة العلم الاجمالي) وهو على قسمين : ـ

الاول : المخالفة لانسان واحد ، كما تقدّم.

الثاني : المخالفة لجملة من النّاس ، كما اذا أباح الشارع غير المحصور والحال انّه يعلم مخالفة البعض لحكمه الواقعي ، كما لو كان في البلد مائة لبّان والشارع يعلم انّ لبن احدهم نجس ، ومع ذلك حيث انّه غير محصور ـ فرضا ـ يجيز

٢٧٩

فنقول : مخالفة الحكم المعلوم بالاجمال يتصوّر على وجهين :

أحدهما : مخالفته من حيث الالتزام ، كالالتزام باباحة وطي المرأة المردّدة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها به مع اتحاد زماني الوجوب والحرمة ،

______________________________________________________

ارتكاب النّاس له ، فانّه كيف يمكن الجمع بين حرمة اللبن النجس ، وبين اجازة ارتكابه؟.

والجواب : انّ الشارع رفع يده عن الحرمة لاجل التسهيل مثلا ، فلا حكم في الواقع ، فلا يلزم المناقضة ، وعليه : فامّا لا حكم كما في غير المحصور ، وامّا لا اجازة كما في المحصور.

وعلى اي حال : (فنقول : مخالفة الحكم المعلوم بالاجمال ، يتصور على وجهين : احدهما : مخالفته) اي مخالفة الحكم (من حيث الالتزام) بان يلتزم قلبا خلاف الحكم الفرعي ، وان التزم عملا بالحكم (كالالتزام باباحة وطي المرأة المردّدة بين من حرم وطيها بالحلف ، ومن وجب وطيها به) اي بالحلف ، كما اذا علم بانّه حلف بأحد الامرين ، لكن لا يعلم انّه حلف على الفعل او حلف على الترك.

وكذا اذا التزم قلبا بحليّة المرأتين والحال انّ احداهما واجبة الوطي ، لانّها زوجته وقد وصل زمان وجوب وطيها ، واخراهما محرّمة الوطي لانّها في حالة الحيض ، وهو لا يعلم بانّه ايّتهما هذه وايّتهما تلك؟ وذلك (مع اتحاد زماني الوجوب والحرمة) كما اذا علم بانّه هندا زوجته في اوّل ساعة من ليلة صيام هذا العام ، امّا واجبة الوطي او محرمة الوطي ـ لانّه قد حلف على احدهما ـ والتزم باباحتها ، كان ذلك التزاما قلبيّا بخلاف الحكم الذي يعلم به اجمالا.

٢٨٠