الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

لو وجدت تلك الأسباب عندهم على النحو الذي وجد عند هذا الشخص ، فالحاصل من غيرها يساوي الشكّ في الحكم.

وأمّا قطع من خرج قطعه عن العادة :

______________________________________________________

الغراب ، وقد يكون الخبر غير متعارف ، كاخبار شخص متعارف بانه راى جنا او ملكا ، فان حصول الظن في الثلاثة غير متعارف.

ف (لو وجدت تلك الاسباب) الموجبة للظن المتعارف ، كالخبر من الشخص المتعارف ، (عندهم) اي عند الناس (على النحو الذي وجد عند هذا الشخص) الظنّان ، بأن حصل له الظن باخبار الصبي الذي لا يحصل من خبره الظن عند المتعارف ، لم يكن لظنه اعتبار ، لان المتعارف لا يحصل لهم الظن بخبر مثل هذا الصبي.

وعليه : (ف) الظن (الحاصل من غيرها) اي غير الاسباب المتعارفة (يساوي الشك في الحكم) فأي حكم يكون للشك ، يكون لهذا الظن ايضا ، فالظن الحاصل له ـ مثلا ـ من قول الصبي لا يبني عليه ، بل يعامله معاملة الشك ، وكذا اذا ظن بانه صلّى ثلاثا ، لم يبن على الثلاث ، وانّما يعتبر انه شاك بين الثلاث والاربع ، فيبني على احكام الشك من البناء على الاربع ، ثم الاتيان بصلاة الاحتياط ، إلّا أن هناك دليل خاص على اعتبار الظن هاهنا.

ان قلت : اذا كان الناس مختلفين في المتعارف ، فالاشبار المتعارفة ـ مثلا ـ مختلفة طولا وقصرا ـ مع قطع النظر عن الاشبار الطويلة ، او القصيرة غير المتعارفة ـ فالكر يعتبر بأيّ الاشبار المتعارفة؟.

قلت : كل الاشبار المتعارفة حتى اقصرها لها اعتبار ، لان اقصرها شبر متعارف ـ حسب الفرض ـ (واما قطع من خرج قطعه عن العادة) فلا يمكن ان يقال له :

٢٠١

فان اريد بعدم اعتباره عدم اعتباره في الأحكام التي يكون القطع موضوعا لها ، كقبول شهادته وفتواه ونحو ذلك ، فهو حق لأنّ أدلّة اعتبار العلم في هذه المقامات لا تشمل هذا قطعا ، لكن ظاهر كلام من ذكره

______________________________________________________

ان قطعك ليس بحجة ، اذ هو يرى الواقع ـ بزعمه ـ فكيف يمكن ان يقال لمن يرى الواقع : انه ليس بواقع ، ولذا فكلام كاشف الغطاء قدس‌سره محل تأمّل ، والشيخ المصنّف قدس‌سره انّما يردد الاحتمالات في كلامه تأدبا واستجلاء للحقيقة ، وللتعليم ، حتى يتأدب الطالب عند رؤية كلام الاعاظم ، غير الخالي عن الاشكال ، فلا يرده بسرعة.

وعلى اي حال : (فان اريد بعدم اعتباره ، عدم اعتباره في الاحكام التي يكون القطع موضوعا لها) اي لتلك الاحكام ، سواء اتمام الموضوع ، او جزء الموضوع بان يقول المولى ـ مثلا ـ : اذا قطعت بالحكم ، فلك ان تحكم ـ ايها القاضي ـ فانه لم يؤخذ القطع هنا طريقيا بل موضوعيا على نحو تمام الموضوع ، او جزء الموضوع ، وجزئه الآخر : الواقع مثلا.

وهذا (كقبول شهادته وفتواه) لغيره ، بأن يقول المولى : قلّد ايها العامي من حصل له القطع عن الطريق المتعارف لا عن طريق الرمل والجفر والمنام وما اشبه. وكذلك اذا قال : اقبل أيها القاضي شهادة من حصل له القطع بالطريق المتعارف (ونحو ذلك فهو) اي كلام من اعتبر القطع المتعارف (حق) وصحيح (لأن ادلة اعتبار العلم في هذه المقامات) التي جعل العلم موضوعا فيها (لا تشمل هذا) القطع الحاصل من اسباب غير عادية (قطعا) لان المتبادر من القطع الموضوعي : القطع الحاصل للمتعارف من الاسباب المتعارفة.

(لكن ظاهر كلام من ذكره) اي كلام كاشف الغطاء قدس‌سره الذي ذكر عدم الاعتبار

٢٠٢

في سياق كثير الشّكّ إرادة غير هذا القسم.

وإن اريد به عدم اعتباره في مقامات يعتبر القطع فيها ، من حيث الكاشفيّة والطريقيّة إلى الواقع : فان اريد بذلك أنّه حين قطعه كالشاكّ ، فلا شكّ في أنّ أحكام الشاكّ وغير العالم لا تجري في حقّه.

وكيف يحكم على القاطع بالتكليف بالرجوع إلى ما دلّ على عدم الوجوب

______________________________________________________

بقطع القطاع (في سياق) عدم الاعتبار بشك (كثير الشك ارادة غير هذا القسم) اي غير ما كان القطع موضوعا ، فانه قدس‌سره بعد ان قال : «بعدم اعتبار شك كثير الشك في الركعتين الاخيرتين» أردفه بقوله «وكذا قطع القطاع» وظاهره القطع الطريقي في الركعتين الاخيرتين.

(و) الحاصل : (ان اريد به) اي بعدم اعتبار قطع القطاع (عدم اعتباره في مقامات يعتبر القطع فيها) اي في تلك المقامات (من حيث الكاشفية والطريقية الى الواقع فان اريد بذلك) كون القطع طريقا محضا ، لا موضوعا في حكم نفسه ، او حكم غيره ، ففي كلامه في القطع الطريقي للقطاع ثلاث احتمالات :

أحدها : (انه) اي القطاع (حين قطعه كالشاك) فاللازم عليه : ان يعمل عمل الشاك ، لا عمل القاطع (فلا شك في ان) هذا الكلام محل نظر ، (احكام الشاك وغير العالم) وجملة : «غير العالم» تشمل الظن غير المعتبر ، والوهم (لا يجري في حقه) اي في حق القطاع ، لان القطاع حين قطعه لا يحتمل غيره ، فحكم الشارع بعدم حجية قطعه ، تناقض في كلام الشارع بنظره ـ كما سبق تقريره ـ.

(وكيف يحكم) الشارع (على القاطع بالتكليف) وان كان قطعه غير متعارف (بالرجوع الى ما دل على عدم الوجوب) كالرجوع الى استصحاب العدم ،

٢٠٣

عند عدم العلم ، والقاطع بانّه من صلّى ثلاثا بالبناء على أنّه صلّى أربعا ، ونحو ذلك.

وإن اريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه وتنزيله إلى الشكّ

______________________________________________________

او البراءة (عند عدم العلم) فاذا قال الشارع ـ مثلا ـ : اذا شككت في حياة زيد ، فاستصحب حياته ، فتجب النفقة لزوجته ، او قال : اذا شككت في حرمة التتن ، فأجر البراءة ، ثم قطع هذا الرجل القيّم على زوجة زيد ، ان زيدا توفي ، او قطع في حرمة التتن عليه ، فهل يمكن ان يقال له زيد حي؟ او ان التتن حلال؟.

فقول المصنّف : «عدم الوجوب» من باب المثال (و) هكذا في بقية الامثلة ، فانه كيف يحكم الحكيم على (القاطع بأنه من صلّى ثلاثا ، بالبناء على انه صلّى اربعا) أو صلّى اثنتين؟ (ونحو ذلك).

مثل ان يقال ـ في التكوينيات ـ للقاطع بأن الآن نهارا ، انه ليل ، وقد مثل المصنّف بمثالين : احدهما للحكم ، والآخر للموضوع ، وكذلك حال الاحكام الوضعية ، كأن يقال لمن يقطع بان الشيء الفلاني جزء او شرط ؛ انه ليس بجزء ، ولا بشرط ، او بالعكس.

نعم ، يمكن ان يغير الشارع حكمه بمناسبة خارجية ، كما اذا حلف طرف الدعوى بان العين الفلانية له ، والحال ان مالك العين يعلم انها له ، فان الشارع ـ بجهة احترام الحلف ـ أسقط جواز اخذ المالك حقه ، مع أنّه يعلم انه حقه ـ كما قال بذلك جمع من الفقهاء في كتاب القضاء لدليل خاص.

(و) ثانيها : (ان اريد بذلك) اي بعدم اعتبار قطعه (وجوب ردعه) وزجره (عن قطعه) من باب النهي عن المنكر بالتشكيك في مقدمات قطعه ، حتى يزول قطعه (و) يتم بذلك (تنزيله) من قطعه (الى الشك) او الظن غير المعتبر

٢٠٤

او تنبيهه على مرضه ليرتدع بنفسه ولو بأن يقال له : «إنّ الله سبحانه لا يريد منك الواقع» ، لو فرض عدم تفطّنه لقطعه بأنّ الله يريد الواقع منه ومن كل أحد ،

______________________________________________________

(أو تنبيهه على مرضه) النفسي الموجب لكثرة قطعه غير المتعارف ، ليعالج نفسه ، وترجع الى الصحة والى المتعارف.

وذلك (ليرتدع) بسبب احد الامرين عن قطعه (بنفسه) فلا يعمل حسب قطعه المخالف للواقع (ولو بان يقال له) اذا لم ينفع الطريقان المذكوران : (ان الله سبحانه لا يريد منك الواقع).

وقد نقل : ان الشيخ المصنّف قدس‌سره جاءه رجل مبتلى بالوسواس ، كان يكبّر الصلاة الى ان تطلع الشمس ، وكلما كبّر قطع بانه لم يصح تكبيره ، وهكذا كانت حاله في سائر الصلوات ، فقال له الشيخ : لما ذا انت كذلك؟ قال : اني كلما كبّرت للصلاة أتاني الشيطان وقال لي : لم يصح تكبيرك ، قال الشيخ هل أنت تقلدني؟ قال : نعم ، قال : فكبر لكل صلاة مرة ، وبعد التكبير قل : «الشيخ المرتضى قال لي صح تكبيرك» ثم اشرع في قراءة الحمد ، وسمع الرجل كلام الشيخ حتى ذهبت عنه تلك الحالة ، ولما قيل للشيخ : ابطلت صلواته مدة بما قلت له؟ قال : كان الامر دائرا بين الأهم والمهم فأفتيته بالاهم ، تخلصا من المهم.

لكن انّما يمكن ان يقال للقطاع : ان الله لا يريد منك الواقع (لو فرض عدم تفطّنه) والتفاته (لقطعه) الذي يقتضي (بان الله يريد الواقع منه ، ومن كل احد) اذ المفروض ان القطاع يقطع بامرين :

الاول : ان هذا حكم الله.

الثاني : ان الله يريده منه.

٢٠٥

فهو حقّ ، لكنه يدخل في باب الارشاد ، ولا يختصّ بالقطّاع ، بل بكلّ من قطع بما يقطع بخطئه فيه من الأحكام الشرعيّة والموضوعات الخارجيّة المتعلّقة

______________________________________________________

فالقطاع ان كان غافلا من ان الله يريد منه ذلك المقطوع به ، أمكن ان يقال له :

ان الله لا يريد منك الواقع.

لا يقال : اذا قلنا للقطاع : ان الله لا يريد منه الواقع كان كذبا لان الله تعالى يريد الواقع من كل احد ، حتى من القطاع.

فانه يقال : إما ان نقول له ذلك على وجه التورية ، بان نقصد الواقع في زعم القطاع ، لا الواقع مطلقا وإما ان نقول له ، ذلك على وجه الاهم والمهم ـ كما تقدّم في كلام الشيخ المصنّف قدس‌سره ـ.

(فهو) اي وجوب الردع (حق ، لكنه) ليس من باب انه قطاع ، فلا اختصاص لمثل هذا الردع بالقطاع ، بل (يدخل في باب الارشاد) اي ارشاد الجاهل ، فكل انسان نتمكن من ارشاده بسبب هذا القول ، وجب ان نقول له ذلك ـ اما من جهة التورية ، او من جهة الأهم والمهم ، كما عرفت ـ (ولا يختص) هذا الكلام : «ان الله لا يريد منك الواقع» (بالقطاع ، بل بكل من قطع بما يقطع بخطئه فيه).

وكلمة : «قطع» على صيغة المعلوم و «يقطع» على صيغة المجهول ، والمراد بالاول الجاهل ، وبالثاني من يرشده ، والضمير في «فيه» راجع الى «ما» وجملة (من الاحكام الشرعية) بيان «ما».

مثلا : قطع بان الرضعة الواحدة تنشر الحرمة ، فانا نقول له : ان الله لا يريد منك ترتيب الحرمة.

(والموضوعات الخارجية) عطف على «الاحكام» (المتعلقة) تلك الاحكام

٢٠٦

بحفظ النفوس والأعراض ، بل الأموال في الجملة.

______________________________________________________

والموضوعات (بحفظ النفوس والاعراض ، بل الأموال في الجملة).

«في الجملة» ظرف للأخير ، اي الاموال ، اذ النفس والعرض واجب حفظهما مطلقا ، اما المال فلا يجب حفظه ، إلّا اذا كان مالا كثيرا ، فاذا اراد صبي او مجنون او حيوان قتل انسان محترم ، او الزنا بعرض محترم ، وجب علينا الردع ، اما اذا اراد حرق ورقة قيمتها فلسا واحدا ، فانه لا يجب علينا الحفظ ، نعم اذا كان المال كثيرا ، مثل حرق دار ، او محل ، او ما اشبه ، وجب الحفظ.

والحاصل : لو أن انسانا قطع بحكم خلاف الحكم الواقعي ، او قطع بان الموضوع الفلاني موضوع لحكم كذا ، ونعلم اشتباهه وجب ردعه ، اذا كان الحكم او الموضوع في النفوس ، والاعراض ، او في الاموال الكثيرة ، فكما يلزم ردع القطاع ، يلزم ردع هذا الشخص المتعارف الذي حصل له القطع الخطأ في مورد خاص.

هذا كله لو بني على ان الردع للقاطع ، او القطاع من باب ارشاد الجاهل.

لا يقال : انه قاطع ، والقاطع غير الجاهل.

لانه يقال : هذا جاهل مركب ، اي جاهل بالواقع وجاهل بجهله ، فهو داخل في باب ارشاد الجاهل.

وهناك عنوان آخر واجب ارشاده ايضا ، وهو تنبيه الغافل ، وذلك فيما اذا لم يكن جاهلا ، وانّما غفل عن الامر ، وهذا يدخل فيه الساهي والناسي والغالط والنائم والسكران ونحوهم ، كما اذا انقلب النائم على طفل ان لم نزحزحه عن الطفل قتله ، فان الواجب زحزحته لحفظ الطفل.

٢٠٧

وأمّا في ما عدا ذلك ممّا يتعلّق بحقوق الله سبحانه ، فلا دليل على وجوب الردع في القطّاع ، كما لا دليل عليه في غيره ، ولو بني على وجوب ذلك في حقوق الله سبحانه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما هو ظاهر بعض النصوص والفتاوى ، لم يفرّق أيضا بين القطّاع وغيره.

______________________________________________________

(وأمّا فيما عدا ذلك ، ممّا يتعلق بحقوق الله سبحانه ، فلا دليل على وجوب الردع في القطّاع ، كما لا دليل عليه في غيره ، ولو بني على وجوب ذلك) الردع (في حقوق الله سبحانه) فانه (من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا من باب الارشاد.

والفرق بينهما : ان الارشاد للجاهل ، والامر والنهي لمن يعرف الحكم ويخالفه مطلقا ، سواء كان في امور الناس ، مثل : من يريد قتل انسان ، او في امور الله سبحانه ، مثل : من يشرب الخمر ، أو يترك الصلاة (كما هو ظاهر بعض النصوص والفتاوى) من الوجوب حتى في حق الله سبحانه فانه (لم يفرق ايضا) في وجوب الردع (بين القطاع وغيره) فيجب ردع القطاع ، كما يجب ردع القاطع اذا اراد مخالفة حكم الله بسبب قطعه.

والحاصل : ان القطاع والقاطع ، لا يختلفان في وجوب ردعهما في الأموال والأنفس والأعراض ، كما لا يختلفان في وجوب ردعهما في ترك أوامر الله من باب الامر بالمعروف ، لكن هذا الثاني يتوقف على مسألة خارجية ، وهي :

هل ان الامر بالمعروف خاص بالعالم التارك للمعروف ، أو أعم من الجاهل الشامل للجاهل جهلا مركبا ، كما في القطاع والقاطع؟.

الظاهر ان إطلاق وجوب الامر بالمعروف المستفاد من النصوص والفتاوى يشمل حتى الجاهل.

٢٠٨

وإن اريد بذلك أنّه بعد انكشاف الواقع لا يجزي ما أتى به على طبق قطعه ، فهو أيضا حقّ في الجملة ، لأنّ المكلّف إن كان تكليفه حين العمل مجرّد الواقع من دون مدخليّة للاعتقاد ، فالمأتيّ به المخالف للواقع لا يجزي عن الواقع ، سواء القطّاع وغيره.

______________________________________________________

(و) ثالث الاحتمالات في كلام كاشف الغطاء قدس‌سره بان القطاع قطعه ليس بحجة ، هو ما اشار اليه المصنّف قدس‌سره بقوله : و (ان اريد بذلك) اي بعدم اعتبار قطع القطاع (انه) الضمير للشأن (بعد انكشاف الواقع) وتبيّن ان عمله كان اشتباها (لا يجزي ما أتى به على طبق قطعه) في الامور التكليفية ، ويلزم تداركه في الامور الوضعية ، كما اذا قطع بان المرأة الفلانية ليست اخته من الرضاعة فتزوجها ، فانه يلزم عليه بعد العلم تركها ، او قطع بان ما يرميه في حال الاحرام حجرا ، ثم تبيّن كونه حيوانا ، فان عليه الكفارة (فهو أيضا حق).

لكن كونه حقا انّما هو (في الجملة) وفسر قوله في الجملة بقوله : (لان المكلّف) قطاعا او قاطعا وغيرهما (ان كان تكليفه حين العمل مجرد الواقع) بما هو واقع (من دون مدخلية للاعتقاد) بان لم يؤخذ القطع او الظن في الموضوع ، تماما او جزءا ، كما اذا قال الشارع : صلّ متطهرا ، حيث انه سواء اعتقد كونه متطهرا ام لا ، وصلّى ولم يكن في الواقع متطهرا بطلت صلاته ، لان الشرط واقعي ـ على ما يستفاد من النصوص ـ (فالمأتي به المخالف للواقع) كالصلاة بلا طهارة (لا يجزي عن الواقع سواء) في (القطاع وغيره).

نعم ، استشكلنا نحن في الفقه في مورد ، وهو : انه اذا لم يظهر له خلاف قطعه حتى مات ، فانه لا تجب على ورثته قضاء صلاته ، حيث ان القطاع ليس مكلفا بالواقع حال قطعه ، فان تكليفه عبث عقلا ولا دليل على تكليف وليّه بعده ،

٢٠٩

وإن كان للاعتقاد مدخل فيه ، كما في امر الشارع بالصلاة إلى ما يعتقد كونها قبلة ، فانّ قضيّة هذا كفاية القطع المتعارف ، لا قطع القطّاع ، فيجب عليه الاعادة وإن لم تجب على غيره.

______________________________________________________

وكذلك حال الصوم والحج وما اشبه.

اما الخمس : فالواجب على الولي اخراجه ، وان لم يعلم الشخص بوجوب الخمس عليه حتى مات ، لان الحكم وضعي ، فالخمس في المال على ظاهر قوله سبحانه : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)(١).

وكيف كان ، فان لم تجز صلاته بلا طهور عن تكليفه ، فتجب عليه الاعادة في الوقت ، والقضاء خارجه.

(وان كان للاعتقاد مدخل فيه) اي في التكليف ، بان اخذ فيه القطع ، او الظن ، بل او الوهم ، كما في الامور المبنية على الخوف ، ومعلوم ان الخوف يشمل الاحتمال ايضا (كما في امر الشارع بالصلاة الى ما) اي الى جهة (يعتقد كونها قبلة) فبعد كشف الخلاف ، يلزم على القطاع ان يعيد صلاته ، دون الانسان المتعارف في قطعه.

(فان قضية) اي مقتضى (هذا) اي اخذ الاعتقاد في الموضوع (كفاية القطع المتعارف) بالخلاف ، لان المتعارف هو المنصرف من القطع ، المأخوذ في الموضوع كلا او جزءا (لا قطع القطاع) فانه لا اعتبار بقطعه (فيجب عليه) اي على القطاع (الاعادة وان لم يجب على غيره) اي غير القطاع ممن قطعه متعارف.

والحاصل : ان في موارد القطع الطريقي تجب الاعادة على القطاع وغيره ، وفي موارد القطع الموضوعي سواء كان كل الموضوع او جزئه ، تجب الاعادة

__________________

(١) ـ سورة الانفال : الآية ٤١.

٢١٠

ثم إنّ بعض المعاصرين وجّه الحكم بعدم اعتبار قطع القطّاع ـ بعد تقييده بما إذا علم القطّاع او احتمل أن يكون حجيّة قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا ـ بأنّه يشترط في حجيّة القطع عدم منع الشارع عنه

______________________________________________________

على القطاع لا غير القطاع.

ومثل مسألة القبلة : مسألة القطع بطهارة ثوبه او بدنه فصلّى ، ثم ظهر الاشتباه حيث ان الشرط ذكري فتجب الاعادة على القطاع دون غيره.

(ثم ان بعض المعاصرين) وهو صاحب الفصول قدس‌سره (وجه الحكم) الذي ذكره كاشف الغطاء قدس‌سره (بعدم اعتبار قطع القطاع) بانه ليس على اطلاقه ، بل مراده قطع القطاع اذا نهى المولى عن ذلك.

والظاهر : ان مراد الفصول : جعل القطع موضوعيا ، فاشكال المصنّف قدس‌سره غير وارد عليه حيث انه تصوّر ان مراد الفصول هو القطع الطريقي ـ وهو غير قابل للتفصيل ـ.

وعلى اي حال : فانه (بعد تقييده) اي تقييد عدم الاعتبار (بما اذا علم القطاع ، او احتمل ان يكون حجية قطعه مشروطة بعدم كونه قطاعا بانه يشترط في حجيّة القطع عدم منع الشارع عنه) فان احوال القطاع على اربعة :

الاول : ان يعلم القطاع : بان حجية القطع مقيدة بان لا يكون قطاعا.

الثاني : ان يحتمل التقييد بذلك ، سواء كان الاحتمال على نحو الظن او الوهم او الشك.

الثالث : ان يكون غافلا عن التقييد واللاتقييد ، غير ملتفت الى هذه الجهة.

الرابع : ان يكون عالما بعدم التقييد ، وقد اشار المصنّف قدس‌سره الى الحالة الرابعة

٢١١

وإن كان العقل أيضا قد يقطع بعدم المنع ، إلّا أنّه إذا احتمل المنع يحكم بحجيّة القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع.

وأنت خبير بأنّه يكفي في فساد ذلك عدم تصوّر القطع بشيء وعدم ترتيب آثار ذلك الشيء عليه مع فرض كون الآثار آثارا له.

______________________________________________________

بقوله : (وان كان العقل ايضا قد يقطع بعدم المنع) اي ان قطع العقل بعدم المنع قد يصادف عدم المنع من الشارع ايضا ، وقد لا يصادفه ، بان يمنع الشارع عنه (الّا انه اذا احتمل) العقل (المنع) عن العمل بقطعه (يحكم بحجية القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع) وهو ما تقدّم من الحالة الثانية.

والحاصل : انه عند احتمال القطاع المنع عن قطعه ، يصح توجه المنع الى قطعه ، فان علم بالمنع ثبت واقعا ، وان احتمل المنع لا يتمكن من العمل بالمنع ، بل اللازم عليه : ان يحكم بحجية قطعه ظاهرا الى ان يثبت المنع.

(و) حيث ان المصنّف قدس‌سره استظهر من كلام الفصول القطع الطريقي اشكل عليه بقوله : و (انت خبير) وهذه الجملة تقال فيما اذا كان الامر واضحا لا يحتاج الى الاستدلال (بانه يكفي في فساد ذلك) التوجيه من الفصول لكلام كاشف الغطاء قدس‌سره (عدم تصور القطع بشيء ، وعدم ترتيب آثار ذلك الشيء عليه).

والمراد بعدم التصور بالنسبة الى المتدين ، فان من يقطع بان هذا خمر ، ويعلم بان الشارع حرّمها ، لا يتمكن ان يبني على انه ليس بحرام ، والّا لزم التناقض كما سبق تفصيل الكلام فيه.

(مع فرض كون الآثار) كالحرمة والنجاسة ـ في الخمر ـ (آثارا له) اي لذلك الشيء المقطوع به ، بأن كان القطع طريقيا ، لا قطعا موضوعيا ، حيث ان الآثار آثار القطع ، لا الخمر ، او آثار القطع والخمر ، معا ـ فيما اذا كان الخمر جزء الموضوع

٢١٢

والعجب ، أنّ المعاصر مثّل لذلك بما إذا قال المولى لعبده : «لا تعتمد في معرفة أوامري على ما تقطع به من قبل عقلك او يؤدّي اليه حدسك ، بل اقتصر على ما يصل إليك منّي بطريق المشافهة والمراسلة».

وفساده يظهر ممّا سبق من أوّل المسألة إلى هنا.

______________________________________________________

لا كل الموضوع.

(والعجب ان المعاصر) المذكور وهو صاحب الفصول قدس‌سره (مثل لذلك) اي لمنع الشارع عن العمل ببعض اقسام القطع (بما اذا قال المولى لعبده : لا تعتمد في معرفة اوامري على ما تقطع به من قبل عقلك ، او يؤدّي اليه حدسك) واجتهادك (بل اقتصر) في إطاعة الاوامر (على ما يصل اليك مني بطريق المشافهة والمراسلة) فقط.

(و) انّما تعجب المصنّف قدس‌سره من هذا المثال ، لانه في القطع الطريقي غير صحيح ، والمولى الحكيم لا يمكن ان يقول ذلك ، فان (فساده) اي فساد هذا المثال (يظهر مما سبق من اوّل المسألة) مسألة القطع (الى هنا) بما لا يحتاج الى تكرار.

لكن ظاهر كلام الفصول هو ما ذكرناه ، ويؤيده مثاله المذكور ـ في القطع الموضوعي ـ.

* * *

٢١٣

التنبيه الرابع :

العلم الاجمالي

______________________________________________________

العلم الاجمالي

(الرابع) من تنبيهات القطع : في العلم الاجمالي وهو عبارة عن : علم :

تفصيلي وجهل تفصيلي ، يضم احدهما الى الآخر ، فيسمّى في الاصطلاح بالعلم الاجمالي ، كما اذا علم ان احد هذين الإناءين نجس ، فانه يعلم تفصيلا بوجود النجاسة في البين ، ويجهل تفصيلا بأنه هذا ، او ذاك ، وانضمامهما معا يسمّى بالعلم الاجمالي ، كما يصح ان يسمّى بالجهل الاجمالي.

والعلم الاجمالي على اربعة اقسام :

ان يكون في المكلف بالكسر ، او المكلف بالفتح ، او التكليف ، او متعلق بالتكليف.

ففي المكلف : ـ بالكسر ـ مثلا : عبدان احدهما لزيد والآخر لعمرو ، وأحد السيدين امر بأمر ، لكن العبدين لا يعلمان اي السيدين امر؟ هل سيد هذا العبد وهو زيد ، ام سيد العبد الآخر ، وهو عمرو؟.

وفي المكلف ـ بالفتح ـ : سيد له عبدان ، مبارك ، وكافور ، وقد امر احدهما بشيء ، لكنهما لا يعلمان هل امر مباركا ام كافورا؟.

وفي التكليف : بأن لا يعلم العبد هل الشيء الفلاني واجب او حرام؟ كما بالنسبة الى صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، حيث قال بعض الفقهاء بوجوبها ، وبعض الفقهاء بحرمتها.

وفي متعلق التكليف بأن : لا يعلم الشخص هل انه نذر ان يزور الامام

٢١٤

إنّ المعلوم إجمالا هل هو كالمعلوم بالتفصيل في الاعتبار ام لا؟.

______________________________________________________

الحسين عليه‌السلام في كربلاء المقدسة ، أو الامام امير المؤمنين عليا عليه‌السلام في النجف الاشرف في ساعة مخصوصة من يوم مخصوص ـ مثل يوم النيروز وقت الظهر ـ؟.

قال المصنّف : هل (ان المعلوم اجمالا) كما اذا تردد بين وجوب الظهر او الجمعة ، او تردد بين حرمة هذه المرأة او تلك المرأة ـ لان إحداهما اخته من الرضاعة ـ او تردد بين وجوب شرب التتن ، او حرمة شرب الشاي ـ لانه نذر اما الفعل او الترك ، ثم نسي ان نذره تعلق بهذا او بذاك ـ و (هل هو كالمعلوم بالتفصيل في الاعتبار)؟ فاللازم عليه في الامثلة المتقدمة ، الجمع بين الظهر والجمعة ، وترك التزويج بكلتا المرأتين ، ولزوم التدخين ، وترك الشاي ، حتى يكون آتيا بالتكليف الواقعي (ام لا) ليس كالمعلوم التفصيل.

ثم لا يخفى ان الفقهاء اختلفوا في العلم الاجمالي الى اربعة أقوال :

الاول : ان العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في التنجيز ، سواء بين محتملي الحرام او محتملي ـ الوجوب ، او الحرام والوجوب ، كما تقدّم امثلتها ، وهذا مختار بعض المحققين.

الثاني : ان العلم الاجمالي حاله حال الجهل ، لانه لا يعلم هل هذا حرام ، او ذاك؟ او هذا واجب او ذاك؟ او هذا واجب او ذاك حرام؟ فالأدلة الدالة على عدم وجوب التكليف مع الجهل شاملة للمقام ، بل يجري في اطراف العلم الاجمالي ، اصل البراءة ، واستصحاب الطهارة والحل واصالتهما ، الى غير ذلك من ادلة البراءة ، ونحوها ، وقد نسب هذا القول الى العلامة المجلسي والمحققان : الخوانساري والقمي قدس‌سرهم.

الثالث : ان العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة لحكم العقل المستقل بالتنجيز ،

٢١٥

والكلام فيه يقع تارة في اعتباره من حيث إثبات التكليف به وأنّ الحكم المعلوم بالاجمال كالمعلوم بالتفصيل في التنجّز على المكلّف ام هو كالمجهول رأسا.

واخرى أنّه بعد ما ثبت التكليف بالعلم التفصيليّ او الاجماليّ المعتبر ،

______________________________________________________

ومقتض للموافقة القطعية ، وليس بعلة تامة لها ، لامكان جعل احد الطرفين بدلا عن الواقع ، وهذا مختار المصنّف قدس‌سره وغير واحد من المحققين.

الرابع : انه يقتضي حرمة المخالفة ووجوب الموافقة ـ فلا علّية في احد الجانبين ـ ومن الممكن ان يأذن الشارع في احدهما او كليهما ، لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع الجهل.

قال المصنّف : (والكلام فيه) اي في المعلوم بالاجمال (يقع تارة : في اعتباره من حيث اثبات التكليف به) عقلا وشرعا (وان الحكم المعلوم بالاجمال كالمعلوم بالتفصيل في التنجز على المكلف) من غير فرق بين الحكم التكليفي ، او الوضعي ، وبين الموضوع المردد ، كون ذا حكم او ذاك.

نعم ، هذا فيما اذا لم يكن محذور ، كما ان الحكم المعلوم تفصيلا انّما يتنجز اذا لم يكن محذور.

(ام هو كالمجهول رأسا) فلا تكليف اطلاقا كما تقدّم في قول العلامة المجلسي والمحققان القمي والخوانساري قدس‌سرهم.

(و) تارة (اخرى) : يكون الكلام في (انه بعد ما ثبت التكليف بالعلم التفصيلي) كالعلم ـ مثلا ـ بوجوب الوضوء ، لكن اشتبه الماء في اناءين احدهما مطلق والآخر مضاف ، (او الاجمالي) كما اذا تردد الوجوب ـ مثلا ـ بين الظهر والجمعة (المعتبر) اذ ربما يكون علما اجماليا غير معتبر ، كالمردد في غير

٢١٦

فهل يكتفي في امتثاله بالموافقة الاجماليّة ولو مع تيسّر العلم التفصيليّ ام لا يكتفي به إلّا مع تعذّر العلم التفصيليّ.

فلا يجوز إكرام شخصين أحدهما زيد مع التمكّن من معرفة زيد بالتفصيل ، ولا فعل الصلاتين في ثوبين مشتبهين مع إمكان الصلاة

______________________________________________________

المحصور ، اذ لا يلزم الاطاعة حينذاك ، او كما اذا اضطر الى الاحمر من الإناءين ، ثم علم بنجاسة احدهما ، فانه لا يلزم الاجتناب كما سيأتي.

(فهل يكتفي في امتثاله) اي امتثال ذلك التكليف المردد (بالموافقة الاجمالية) بان يأتي بكلا الطرفين حتى يعلم انه امتثل الواقع (ولو) وصلية (مع تيسر العلم التفصيلي)؟ كما اذا علم ـ مثلا ـ بنجاسة احد الثوبين ، وتمكّن ايضا من ان يستعلم ان أيهما نجس ، فهل يصح ان يصلي صلاتين في كل ثوب صلاة؟.

(ام لا يكتفي به) اي بالاطاعة الاجمالية (الّا مع تعذر العلم التفصيلي) بأن لم يتمكن من تشخيص النجس من الثوبين في المثال المتقدم.

وعليه : (فلا يجوز اكرام شخصين احدهما زيد) فيما لو قال المولى : اكرم زيدا ، وقد اشتبه عند زيد بين هذا وذاك ، ف (مع التمكن من معرفة زيد بالتفصيل) بالرجوع الى اهل الخبرة ونحو ذلك ، لا يكفي اكرام احدهما في اطاعة المولى.

والحاصل : اذا قلنا بكفاية العلم الاجمالي في الاثبات : هل يكفي الامتثال الاجمالي في الاسقاط ، سواء في التوصليات كاكرام زيد ، او في التعبديات كالصلاة في الطاهر.

فعلى القول بالمنع (و) لزوم الامتثال التفصيلي (لا) يكفي في الامتثال (فعل الصلاتين في ثوبين مشتبهين) احدهما نجس (مع امكان الصلاة) الواحدة

٢١٧

في ثوب طاهر.

والكلام من الجهة الاولى يقع من جهتين ، لأنّ اعتبار العلم الاجماليّ له مرتبتان ، الاولى حرمة المخالفة القطعيّة ، والثانية وجوب الموافقة القطعيّة ، والمتكفل للتكلّم في المرتبة الثانية هي مسألة البراءة والاشتغال عند الشكّ في المكلّف به ، فالمقصود في المقام الأوّل

______________________________________________________

(في ثوب طاهر) سواء كان في ثوب ثالث يعلم بطهارته ، او حصل العلم بالطاهر منهما ، او طهّر احدهما.

(والكلام من الجهة الاولى) وهي جهة اثبات التكليف بالعلم الاجمالي (يقع من جهتين) وذلك (لان اعتبار العلم الاجمالي) من حيث اثبات التكليف (له مرتبتان) : مرتبة دانية ومرتبة عالية.

ف (الاولى) الدانية : (حرمة المخالفة القطعية) فقط ، فاذا علم بان احد الإناءين نجس ، لا يجوز له شرب كليهما ، وإنّما يكفي في الاطاعة ترك احدهما وان شرب الآخر.

(والثانية) العالية : (وجوب الموافقة القطعية) فاللازم ترك شربهما ، فاذا شرب أحدهما وصادف الواقع كان معاقبا ، كذلك الحال في الشبهة المرددة وجوبا بين صلاتين : الظهر والجمعة ، وهكذا المرددة بين الوجوب في هذا أو الحرمة في ذاك.

(والمتكفل للتكلّم في المرتبة الثانية) العالية (هي مسألة البراءة والاشتغال عند) ما نتكلم في (الشك في المكلف به) لان الشك قد يكون في اصل التكليف ، وهو مورد البراءة ، وقد نعلم بأصل التكليف ، وانّما نشك في المكلّف به ، بانه هل هو هذا او ذاك؟.

(فالمقصود) هنا (في المقام الاول) من ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي

٢١٨

التكلّم في المرتبة الأولى.

المقام الثاني

ولنقدّم الكلام في : المقام الثاني : وهو كفاية العلم الاجماليّ في الامتثال.

فنقول : مقتضى القاعدة

______________________________________________________

(التكلم في المرتبة الاولى) وهي حرمة المخالفة القطعية.

والحاصل : انه هناك مقامين :

الاول : حجية العلم الاجمالي لثبوت التكليف.

الثاني : كفاية الامتثال الاجمالي لسقوط التكليف.

والمقام الاول فيه مرتبتان.

الاولى : في حرمة المخالفة.

الثانية : في وجوب الموافقة.

المقام الثاني

(ولنقدم الكلام في المقام الثاني) لاختصاره (وهو : كفاية العلم الاجمالي) بالاحتياط في اطراف العلم ، بدون الاحتياج الى تحصيل العلم التفصيلي ، كما تقدّم مثاله في الثوبين النجس احدهما (في الامتثال) سواء في التعبديات ، او التوصليات.

(فنقول : مقتضى القاعدة) العقلائية ، التي هي الاصل في باب الامتثال ، اذ المتعارف : ان يأمر المولى عبده ، ثم يكل طريق الامتثال الى العرف ، فانه لو أراد غير الطريقة المألوفة لزم عليه بيانها.

مثلا : العقلاء يكتفون في باب الشاهد بالثقة ، لكن الشارع لما لم يكتف بها

٢١٩

جواز الاقتصار في الامتثال بالعلم الاجماليّ باتيان المكلّف به.

أمّا فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه إلى قصد الاطاعة ففي غاية الوضوح ،

______________________________________________________

واشتراط العدالة ذكر ذلك كما قال سبحانه :

(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(١).

وعليه : فالقاعدة تقتضي (جواز الاقتصار في) مقام (الامتثال ، بالعلم الاجمالي باتيان المكلف به) في الجملة ، وانّما قلنا في الجملة ، لانه فيما اذا لم يلزم منه محذور فانه لو كان في مكتبة المولى عشرة آلاف كتاب ، واراد من عبده ان يأتي اليه بشرح اللمعة ، وكان العبد لا يعرف انه ايّها؟ فانه ليس من طريق العقلاء أن يأتي بكل المكتبة ، فاذا فعل ذلك ذمه العقلاء.

وكذلك اذا امر المولى عبده ان يذبح شاة من شياهه ، لها عمر ستة اشهر ، ولم يعرف العبد الشاة المتصفة بهذه الصفة من بين الشياة العشرة الموجودة في المراح؟ فانه اذا ذبح الجميع ذمه العقلاء ، والى غير ذلك من الامثلة.

والحاصل : ان العقلاء يحكمون في غير موارد المحذور بحصول الامتثال والطاعة بالاحتياط ، سواء في الواجبات ، او المحرمات ، او المردد بين وجوب هذا وحرمة ذاك.

(اما فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه الى قصد الاطاعة) والقربة (ففي غاية الوضوح) مثل : تطهير الثوب ، حيث انه من الامور التوصلية ، فاذا شك في ان أيّ الماءين مطلق ، وايهما مضاف؟ وغسل النجس بهما ، حصلت الطهارة قطعا.

ولا فرق في الامر بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية ، فمثال الثوب

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ١٠٦.

٢٢٠