الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-02-3
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤١٦

١
٢

٣

٤

الوصائل

الى

الرسائل

تتمّة المقصد الثاني

«بحث الظنّ»

٥
٦

قال في الايضاح في مسألة ما يدخل في المبيع : «إنّ من عادة المجتهد : إذا تغيّر اجتهاده الى التردّد او الحكم بخلاف ما اختاره أوّلا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل ، بل يذكر ما أدّى اليه اجتهاده ثانيا في موضع آخر ، لبيان عدم انعقاد إجماع أهل عصر الاجتهاد الأوّل على خلافه

______________________________________________________

(قال) فخر المحققين ابن العلامة (في الايضاح ، في مسألة ما يدخل في المبيع) من التوابع ، فاذا باع الدار ـ مثلا ـ دخل في المبيع : الماء الّذي في البئر ، والانابيب الّتي تنقل الماء منها والاشجار الّتي فيها وما اشبه ذلك ، ممّا لا يسمّى دارا وكذلك توابع كلّ مبيع بحسبه.

قال : (انّ من عادة المجتهد ، اذا تغيّر اجتهاده إلى التردّد ، أو الحكم بخلاف ما اختاره أولا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل) بأن يشطب على ذلك الحكم ، ويكتب الحكم الثاني مكانه.

مثلا : اذا كان اجتهاده الاوّل : وجوب صلاة الجمعة ، وصار اجتهاده الثاني : حرمة صلاة الجمعة لم يشطب على الوجوب (بل يذكر ما أدّى اليه اجتهاده ثانيا ، في موضع آخر) سواء في كتاب آخر ، أو في موضع آخر من نفس الكتاب ، وقد ذكر فخر المحققين : انّ فائدة عدم الشطب على الحكم الاوّل ، أمور : ـ

أحدها : ما نبّه عليه بقوله : (لبيان عدم انعقاد ، اجماع أهل عصر الاجتهاد الأوّل على خلافه) أي على خلاف اجتهاده الأوّل ، اعلاما بانّه لم ينعقد في العصر السابق اجماع على خلاف اجتهاده.

فاذا كان اجتهاده الأوّل ـ مثلا ـ الوجوب ، واجتهاده الثاني : الحرمة ، وقد وافق كلّ علماء عصره عند اجتهاده الأوّل ، على الوجوب ، لم يبطل اجتهاده الاوّل عند تبدّل اجتهاده إلى الحرمة ، وذلك لافادة : انّ وقت اجتهاده الاوّل ، انعقد

٧

وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على كلّ واحد منهما وأنّه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للأوّل ، بل معارض لدليله مساو له» ، انتهى.

وقد أكثر في الايضاح من عدم الاعتبار بالخلاف لانقراض عصر المخالف ،

______________________________________________________

الاجماع على الوجوب.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : (وعدم انعقاد اجماع اهل العصر الثاني ، على كلّ واحد منهما) أي : من الفتويين ، فتوى الوجوب أوّلا ، وفتوى الحرمة ثانيا ، أمّا فتوى الوجوب : فلأنّه خالفه إلى الحرمة ، وأمّا فتوى الحرمة : فلأنّ علماء عصره الباقين على فتاواهم ، حتّى بعد فتواه الثاني ، قائلون بالوجوب ، وهو قائل بالحرمة.

الثالث : ما اشار اليه بقوله : (وانّه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للاوّل ، بل معارض لدليله مساو له) (١) لأنّه لا يعلم ما عند الله سبحانه واقعا من صحة الفتوى الاولى ، أو الفتوى الثانية ، وانّما كان ذلك ما استظهره أوّلا ، وهذا ما استظهره ثانيا.

ومن المعلوم : انّ الاستظهار قد يطابق الواقع ، وقد لا يطابقه ، فهما اجتهادان ، يحتمل مطابقة ذاك أو هذا للواقع ، بل وربّما يحتمل مخالفة كليهما للواقع ، فيما اذا كان أطراف الحكم ثلاثة : كالوجوب ، أو الحرمة ، أو التخيير في صلاة الجمعة ، (انتهى) كلام الايضاح ، وما يكون شاهدا فيه لما ذكرناه (وقد أكثر في الايضاح : من عدم الاعتبار بالخلاف ، لانقراض عصر المخالف) ممّا يظهر منه : انّ مخالفة واحد من علماء العصر مانع من انعقاد الاجماع ، فيكون شاهدا لما ذكرناه سابقا

__________________

(١) ـ ايضاح الفوائد في شرح القواعد : ج ١ ص ٥٠٢.

٨

وظاهره الانطباق على هذه الطريقة ، كما لا يخفى.

وقال في الذكرى :

«ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميّت محتجّين بأنّه لا قول للميت ، ولهذا ينعقد الاجماع على خلافه ميّتا».

______________________________________________________

من القول باللطف بقولنا : هذا الوجه ظاهر من كلّ من اشترط في تحقّق الاجماع ، عدم مخالفة أحد من علماء العصر.

(وظاهره) أي : ظاهر كلام الايضاح في مواضعه المتعدّدة (: الانطباق على هذه الطّريقة) أي : على قاعدة اللطف الّتي ذكرها الشيخ.

وذلك لأنّ قاعدة اللطف ـ كما عرفت ـ مبنيّة على عدم مخالفة أحد من العلماء ، في العصر الواحد بل اجتماع الكلّ على رأي واحد ، ممّا لو كان مخالفا للواقع ، لوجب على الله سبحانه وتعالى من باب اللّطف ، اظهار المخالف ، حتّى لا تكون كلّ الأمّة على خلاف الواقع (كما لا يخفى) ذلك على من تأمّل فيما ذكرناه.

(وقال) الشهيد الاول (في الذكرى) ما يؤيّد هذا القول أيضا حيث قال :

(ظاهر العلماء : المنع عن العمل بقول الميّت محتجين : بأنّه لا قول للميّت) من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فانّ الانسان اذا مات انفقد ، وبذلك ينفقد تابعة الّذي هو قوله.

(ولهذا) أي لأجل انّه لا قول للميت (ينعقد الاجماع على خلافه ميّتا) (١) ، فيما اذا كان كلّ علماء عصره ، الّذي توفي فيه ، يخالفونه في الرأي.

كما اذا ذهب علماء عصر واحد ـ مثلا ـ إلى وجوب الجمعة وكان هو وحده من

__________________

(١) ـ ذكرى الشيعة : ص ٣.

٩

واستدلّ المحقّق الثاني في حاشية الشرائع : «على أنّه لا قول للميّت ، بالاجماع على أنّ خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع من انعقاد الاجماع اعتدادا بقوله واعتبارا بخلافه فاذا مات وانحصر أهل العصر في المخالفين له انعقد وصار قوله غير منظور إليه ، ولا يعتدّ به» ، انتهى.

______________________________________________________

بينهم ، يقول بالحرمة ، فاذا مات ، انعقد الاجماع على الوجوب ، لأنّ الّذي كان يقول بالحرمة قد مات ، فمات قوله بموته ، فلا مخالف للاجماع في العصر الثاني ، بعد موت ذلك العالم القائل بالحرمة ، فينحصر العلماء في القائلين بالوجوب ، فيكون الوجوب اجماعيّا.

ومن المعلوم : انّ هذا الكلام ـ ايضا ـ ممّا يشير إلى اللّطف الّذي ذكره شيخ الطائفة.

(واستدلّ المحقّق الثاني في حاشية الشرائع ، على انّه لا قول للميّت بالاجماع على انّ خلاف الفقيه الواحد ، لسائر أهل عصره ، يمنع من انعقاد الاجماع اعتدادا) أي : اعتناء (بقوله) أي : لأجل الاعتناء بقول هذا الواحد ، لا ينعقد الاجماع (و) ذلك (اعتبارا بخلافه) أي خلاف هذا الواحد لاهل عصره (فاذا مات) هذا الواحد (وانحصر أهل العصر في المخالفين له ، انعقد) بعد موته الاجماع (وصار قوله غير منظور اليه ، ولا يعتدّ به (١) ، انتهى) كلام المحقّق الثاني ، صاحب جامع المقاصد.

ومن المعلوم : انّ هذه العبارات كلّها ـ ايضا ـ تشير إلى قاعدة اللطف ، الّتي ذكرها الشيخ في باب الاجماع.

__________________

(١) ـ حاشية الشرائع : مخطوط.

١٠

وحكي عن بعض انّه حكى عن المحقّق الداماد انّه قدس‌سره ، قال في بعض كلام له ، في تفسير النّعمة الباطنة : «إنّ من فوائد الامام ـ عجّل الله فرجه ـ أن يكون مستندا لحجّية اجماع أهل الحلّ والعقد من العلماء على حكم من الأحكام إجماعا بسيطا في أحكامهم الإجماعيّة وحجّية إجماعهم المركّب في أحكامهم الخلافيّة ،

______________________________________________________

(وحكي عن بعض : انّه حكى عن المحقّق الداماد : انّه قدس‌سره قال في بعض كلام له ، في تفسير النعمة الباطنة) حيث انّ لله سبحانه وتعالى نعما ظاهرة ، ونعما باطنة ، وقد اشار اليهما بقول سبحانه : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) (١).

قال : (انّ من فوائد الامام) الحجّة (عجّل الله) تعالى (فرجه أن يكون مستندا لحجيّة اجماع أهل الحلّ والعقد ، من العلماء) وقد تقدّم معنى : الحلّ والعقد (على حكم من الأحكام) سواء كان الحكم وجوبا ، أو حرمة ، أو غيرهما ، (اجماعا بسيطا في أحكامهم الاجماعية) والاجماع البسيط عبارة عن : اتّفاق الكلّ على حكم واحد ، كما اذا اتّفقوا جميعا على وجوب الجمعة.

(وحجّية اجماعهم المركّب في أحكامهم الخلافية) والاجماع المركّب عبارة عن : اتّفاق الكلّ في شيء على قولين بحيث انّه لا يجوز خلاف ذينك القولين. كما اذا ذهب بعض الفقهاء : إلى حرمة الجمعة وبعض الفقهاء : إلى وجوب الجمعة فهذا هو الاجماع المركّب ، ومعناه : انّه قام اجماع الأمّة : على انّ الجمعة ، ليست مخيرة بين الظهر والجمعة ، فلا يجوز احداث القول الثالث ، لأنّه يعلم بأنّ القول الثالث خلاف الاجماع المركّب.

__________________

(١) ـ سورة لقمان : الآية ٢٠.

١١

فانه ـ عجّل الله فرجه ـ لا ينفرد بقول ، بل من الرحمة الواجبة في الحكمة الالهيّة أن يكون في المجتهدين المختلفين في المسألة المختلف فيها ، من علماء العصر من يوافق رأيه رأي إمام عصره ، وصاحب أمره ، ويطابق قوله ، قوله وإن لم يكن ممّن نعلمه بعينه ونعرفه بخصوصه» ، انتهى.

وكأنّه لاجل مراعاة هذه الطريقة التجأ الشهيد

______________________________________________________

(فانّه عجل الله) تعالى (فرجه لا ينفرد بقول) مخالف للاجماع البسيط ، أو للاجماع المركّب (بل من الرّحمة الواجبة في الحكمة الالهية) من باب اللطف (أن يكون في المجتهدين المختلفين) على قول أو على أقوال (في المسألة المختلف فيها : من علماء العصر من يوافق رأيه رأي امام عصره ، وصاحب أمره ، ويطابق قوله قوله) «عجل الله تعالى فرجه» (وان لم يكن) هذا العالم ، الّذي يطابق رأيه رأي امام العصر (ممّن نعلمه بعينه ونعرفه بخصوصه ، انتهى).

مثلا : اذا ذهبت الأمّة إلى وجوب الجمعة ، وكان الوجوب مخالفا للواقع ، وجب على الله سبحانه وتعالى من باب اللطف : اظهار الحرمة أيضا ، واذا ذهبت الأمة إلى قولين : قولا بالوجوب ، وقولا بالحرمة ، فاللازم ان يكون احد هذين القولين مطابقا لقول الامام عليه‌السلام ، لكي لا يقع كلّ الامّة في الخلاف ـ على ما عرفت سابقا ـ.

ومن الواضح : انّ قول المحقّق الداماد أيضا ، يشير إلى قاعدة اللطف الّتي ذكرها شيخ الطائفة.

(وكأنّه لأجل مراعاة هذه الطريقة) أي : طريقة اللطف الّتي تستلزم اتفاق الكلّ في عصر واحد ، فاذا خالف بعض لم يتحقق الاجماع (التجأ الشّهيد) الأوّل

١٢

في الذكرى إلى توجيه الاجماعات التي ادّعاها جماعة في المسائل الخلافيّة مع وجود المخالف فيها بارادة غير المعنى الاصطلاحيّ من الوجوه التي حكاها عنه في المعالم ،

______________________________________________________

(في الذكرى ، إلى توجيه الاجماعات ، الّتي ادّعاها جماعة) من العلماء (في المسائل الخلافيّة ، مع وجود المخالف فيها) اذ كيف يدّعون الاجماع ، مع وجود المخالف؟ مع وضوح : انّ الاجماع على مبنى المتقدّمين ، وهو اللّطف ، لا يكون إلّا بعدم استثناء حتّى واحد من العلماء.

والتوجيه يكون (بارادة غير المعنى الاصطلاحي) عند الامامية (من الوجوه التي حكاها عنه في المعالم) فانّ المعالم ، حكى عن الشهيد في الذكرى : وجوها في صحّة ادّعاء العلماء الاجماع ، مع وجود المخالف.

أقول : وهذه عبارة الشهيد في الذكرى ـ كما حكي عنه ـ بالنصّ : يثبت الاجماع بخبر الواحد ، ما لم يعلم خلافه ، لأنّه أمارة قويّة كروايته ، وقد اشتمل كتاب الخلاف ، والانتصار ، والسرائر ، والغيبة ، على أكثر هذا الباب ، مع ظهور المخالف في بعضها ، حتّى من الناقل نفسه.

والعذر : امّا بعدم اعتبار المخالف المعلوم النسب ـ كما سلف ـ.

وامّا تسميتهم لما اشتهر : اجماعا.

وامّا بعدم ظفره حين ادّعى الاجماع ، بالمخالف.

وامّا بتأييد الخلاف ، على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع ـ وان بعد ـ كجعل الحكم من باب التخيير.

وامّا اجماعهم على روايته ، بمعنى : تدوينهم في كتبهم ، منسوبا إلى الأئمّة عليهم‌السلام انتهى.

١٣

ولو جامع الاجماع وجود الخلاف ولو من معلوم النسب لم يكن داع إلى التوجيهات المذكورة مع بعدها او أكثرها.

الثالث : من طرق انكشاف قول الامام عليه‌السلام لمدّعي الاجماع الحدس ، وهذا على وجهين :

أحدهما : أن يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطّأناه في استكشافه ، وهذا على وجهين :

______________________________________________________

وفي الاستدلال بكلام الشهيد ، على انّ المراد بالاجماع ، هو : الاجماع اللّطفي ما ذكره المصنّف بقوله : (ولو جامع الاجماع) في نظر الشهيد الأوّل (وجود الخلاف ولو من معلوم النسب ، لم يكن داع إلى التوجيهات المذكورة مع بعدها) أي : بعد تلك التوجيهات (أو أكثرها) أي بعد أكثر تلك التوجيهات ـ على ما عرفتها ـ.

فعلم من كلام الشهيد الأوّل : انّ الاجماع هو من باب اللّطف ، ولذا يضرّه حتّى وجود المخالف الواحد.

وحيث قد تقدّم الاجماع الدخولي والاجماع اللطفي ، شرع المصنّف في بيان الاجماع الحدسي بقول : ـ

(الثالث من طرق انكشاف قول الامام عليه‌السلام لمدّعي الاجماع : الحدس ، و) هو الّذي بنى عليه المتأخرون ، ويكون (هذا) الاجماع الحدسي (على وجهين :).

(أحدهما : أن يحصل له) أي للناقل (ذلك) الحدس (من طريق) حسّي (لو علمنا به) أي : بذلك الطريق (ما خطّأناه) أي : الناقل (في استكشافه) للاجماع.

(وهذا) القسم الأول أيضا (على وجهين) :

١٤

احدهما : أن يحصل له الحدس الضروريّ من مباد محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحسّ ، فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الأخبار يحصل لنا العلم كما حصل له.

ثانيهما : أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة

______________________________________________________

(أحدهما : أن يحصل له الحدس الضروري ، من مباد : محسوسة) كأن يتتبع مدعي الاجماع ، أقوال جميع علماء الأعصار والأمصار ، فيراها قولا واحدا ، فانّ مثل هذا حدس ضروري كاشف عن انّ سيّد الفقهاء ، وهو : الامام عليه‌السلام يوافقهم في رأيهم ، وإلّا كيف أمكن لجميع العلماء على اختلاف مشاربهم ، وطرق استظهارهم واستنباطهم ان يتّفقوا على فتوى واحدة (بحيث يكون الخطأ فيه) أي في هذا الحدس (من قبيل الخطأ في الحسّ).

فكما انّه لا يقع الخطأ في الحسّ الّا نادرا ـ وقد ذكرنا بعض موارد الندرة سابقا مثل رؤية الشيء الكبير على البعد صغيرا ، ورؤية السراب ماء ، ورؤية الخطّين المتوازيين من بعيد متصلين ، وما اشبه ذلك ، ممّا لا يعتني العقلاء باحتمال الخطأ فيه ، الّا اذا ثبت الخطأ فيه قطعا كالأمثلة الّتي ذكرناها ـ كذلك الحدس المذكور ، فانّه لا يقع في الخطأ الّا نادرا.

ومعلوم : انّ مثل هذا الحدس كالحسّ ضروري (فيكون) حدس هذا المدّعي للاجماع (بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار) من التتبع لأقوال فقهاء الاعصار والأمصار (يحصل لنا العلم ، كما حصل له) أي : للناقل باستكشاف رأي الامام من هذا الطريق.

(ثانيهما) أي ثاني القسمين ، الذين ذكرناهما في القسم الاول من الحدس (: ان يحصل الحدس له) لا من طريق حسّي ، بل (من إخبار جماعة) كالفقهاء

١٥

اتّفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ ، لكن ليس إخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الامام عليه‌السلام ، بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.

الثاني : أن يحصل ذلك من مقدّمات نظريّة واجتهادات كثيرة الخطأ ، بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الاجماع ،

______________________________________________________

الاعلام الذين هم مطّلعون على أقوال العلماء ، كالشيخ ، والسيّد ، والمحقق ، والعلّامة ، والشهيدين ، وغيرهم (اتّفق له) أي : للناقل (العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ) في الفتوى.

(لكن ليس اخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الامام عليه‌السلام) ملازمة عرفية لدى المتشرعة فليس (بحيث لو حصل لنا) هذه الاخبار عن هذه الجماعة التي ذكرنا اسماءهم ـ مثلا ـ (علمنا بالمطابقة أيضا).

وعلى أي حال : ففي القسم الأوّل من الاجماع الحدسي نوعان : نوع حدسيّ ضروري ونوع حدسيّ غير ضروري.

أمّا القسم (الثاني) : من الاجماع الحدسي فهو (أن يحصل ذلك) الحدس بقول الامام عليه‌السلام للناقل (من) مبادي حدسيّة و (مقدّمات نظريّة ، واجتهادات كثيرة الخطأ) وعلى نحو الاجمال ، (بل علمنا) تفصيلا (بخطإ بعضها) أي بعض تلك الاجتهادات (في موارد كثيرة من نقلة الاجماع) فان ادعاء هؤلاء الاجماع ، مبني على اجتهاداتهم ، واجتهاداتهم على قسمين :

الاول : ما علمنا اجمالا بخطإ بعضها.

الثاني : ما علمنا تفصيلا ، بخطإ ذلك البعض.

وعلى أي حال : فالشيء الّذي يبنى على تلك الاجتهادات ، لا يمكن أن يؤخذ به ، اما للعلم اجمالا بخطئه ، أو للعلم تفصيلا بخطئه.

١٦

علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد ، واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر ، وسيجيء جملة منها.

إذا عرفت أنّ مستند خبر المخبر بالاجماع المتضمّن للاخبار من الامام عليه‌السلام ، لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدّمة ـ وهي السماع عن الامام

______________________________________________________

ان قلت : من اين علمنا : ان هذا الناقل استند في نقله الاجماع ، الى اجتهادات نعلم خطأ كثير منها ، أو خطأ بعضها بالتفصيل؟.

قلت : (علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم من موارد) قد نقلوا فيها الاجماع وقالوا : انّ المسألة الفلانية اجماعية للآية الفلانية ، أو للحديث الفلاني ، أو للأصل ، أو ما أشبه ذلك.

كما (واستظهرنا ذلك منهم) أي : من الناقلين للاجماع (في موارد أخر) فانّهم ، وان لم يذكروا في هذه الموارد الأخر : انّهم استندوا في نقل الاجماع إلى الاجتهاد الفلاني ، لكن القرائن الخارجية تدل على ان دعواهم للاجماع ، هذا مستندة إلى اجتهادات نعلم خطأها.

(وسيجيء جملة منها) أي من تلك الموارد ان شاء الله تعالى.

وعليه : (اذا عرفت : انّ مستند خبر المخبر بالاجماع) وخبر قوله «اذا عرفت» يأتي بعد أسطر حيث يقول : «وجب التوقف في العمل» (المتضمّن) هذا الخبر (للاخبار من الامام عليه‌السلام) ولا يراد : التضمن الاصطلاحي المنطقي ، بل الأعم من ذلك ، فانه (لا يخلو من الأمور الثلاثة المتقدّمة وهي :)

اولا : (السماع عن الامام) عليه‌السلام الّذي كان بين المجمعين حتّى يكون الاجماع

١٧

مع عدم معرفته بعينه ، واستكشاف قوله من قاعدة اللطف ، وحصول العلم من الحدس ، وظهر لك أنّ الأوّل هنا غير متحقق عادة لأحد من علمائنا المدّعين للاجماع ، وأنّ الثاني ليس طريقا للعلم ـ فلا يسمع دعوى من استند اليه ، فلم يبق ممّا يصلح أن يكون مستندا في الاجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها إلّا الحدس ، وعرفت أنّ الحدس قد يستند إلى مباد محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الامام عليه‌السلام ،

______________________________________________________

دخوليا (مع عدم معرفته) عليه‌السلام (بعينه) كما عليه المتقدمون ، حيث انّه لو علم بعينه ، لم يكن من الاجماع في شيء ، وأنما كان من اخبار الامام عليه‌السلام.

(و) ثانيا : (استكشاف قوله) عليه‌السلام بسبب الاتفاق المذكور (من قاعدة اللّطف) وهو الذي عليه الشيخ رحمه‌الله ، ومن تبعه.

(و) ثالثا : (حصول العلم من الحدس) وعليه المتأخرون.

هذا (و) قد (ظهر لك أنّ الاوّل) وهو الاجماع الدخولي (هنا) أي : في باب الاجماعات المنقولة من الفقهاء (غير متحقق عادة) في زمن الغيبة (لأحد من علمائنا المدّعين للاجماع) فان الشهيد ، أو العلامة ، أو من أشبههما ، اذا ادعوا الاجماع نقطع بانهم لا يريدون الاجماع الدخولي (وانّ الثاني :) وهو اللّطف (ليس طريقا للعلم) وذلك لما تقدّم من عدم وجوب اللّطف بالمعنى الذي ذكره الشيخ (فلا يسمع دعوى من استند اليه) أي : إلى اللّطف.

وعليه : (فلم يبق ممّا يصلح أن يكون مستندا في الاجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها ، إلّا الحدس) وهو الامر الثالث من مستنداتهم في الاجماع.

كما (وعرفت : انّ الحدس قد يستند إلى مباد محسوسة ، ملزومة عادة لمطابقة قول الامام عليه‌السلام) كالحدس الّذي يحصل من اتفاق جميع علماء الأعصار

١٨

نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة ، ونظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال إليهما بحكم العادة او إلى مباد محسوسة موجبة لعلم المدّعي بمطابقة قول الامام عليه‌السلام من دون ملازمة عادية ، وقد يستند الى اجتهادات وأنظار.

______________________________________________________

والامصار ، حيث قد تقدّم بانه (نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة) ، فاذا علم الانسان : باتفاق جميع العلماء ، منذ زمن الغيبة إلى اليوم ، ينكشف له من ذلك قول الامام ، كما لو سمع الحكم من نفس الامام ، أو رأى كتابته أو تقريره عليه‌السلام.

(و) انّه (نظير الحدس) الضروري (الحاصل لمن أخبر بالعدالة) في العادل الفلاني (والشجاعة) في الشجاع الفلاني وذلك (لمشاهدته) أي هذا المخبر بالعدالة او الشجاعة (آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال) من تلك الآثار (اليهما بحكم العادة) أي إلى الشجاعة والعدالة ، وكذلك سائر الصفات النفسية كالسخاوة والجبن ، ونحو ذلك عادة.

ولذا لا يستشكل على من يدّعي العلم بالعدالة ، أو الفسق ، أو الشجاعة ، أو الجبن ، أو غير ذلك ، من الصفات النفسية : بأنك من أين عرفت هذه الامور ، والحال انها أمور نفسانية لا تظهر للانسان؟.

(أو) يستند الحدس (إلى مباد محسوسة ، موجبة لعلم المدّعي بمطابقة قول الامام عليه‌السلام ، من دون ملازمة عادية) بين الأقوال الّتي تصفحها هذا الناقل للاجماع ، وبين قول الامام عليه‌السلام ، كما اذا كان الحدس بقوله عليه‌السلام من اتفاق عشرة ، أو عشرين ، أو ما اشبه من كبار الفقهاء (وقد يستند) الحدس (الى اجتهادات وانظار)

كلّها ، أو جلّها مخالفة لاجتهاداتنا وانظارنا ، كالاجماع المستند إلى أصل

١٩

وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير من الحدس ، بل ولا المستند إلى الوجه الثاني ، ولم يكن هناك ما يعلم به كون الاخبار مستندا إلى القسم الأوّل من الحدس ، وجب التوقف في العمل بنقل الاجماع ، كسائر الأخبار المعلوم استنادها الى الحدس المردد بين الوجوه المذكورة.

______________________________________________________

أو نحوه ، مما لا نراه نحن من صغريات ذلك الأصل.

(وحيث لا دليل على قبول خبر العادل ، المستند إلى القسم الاخير من الحدس) وانّما الدليل على القسمين الأوّلين من الحدس ، حيث قد عرفت انّ الحدس على ثلاثة أقسام.

(بل ولا) الحدس (المستند الى الوجه الثّاني) لما سبق : من انّ أدلة خبر العادل ، لا تدل الّا على نفي احتمال الكذب فقط ، ولا دليل على اصالة : عدم خطأ الانسان في حدسه ، اذا لم يسبب حدس الناقل للاجماع حدسنا أيضا (ولم يكن هناك) عند نقل الناقل للاجماع (ما) أي قرينة (يعلم به) اي ، بسبب تلك القرينة (كون الاخبار) عن قول الامام عليه‌السلام (مستندا إلى القسم الأوّل من الحدس) ، أي : لا نعلم انّ الناقل استند إلى الحدس الضروري ، حتّى يكون من قبيل الاخبارات الحسّية.

(وجب التوقف في العمل) وهذا جواب ما تقدّم من قوله : «اذا عرفت».

وعليه : فلا نتمكن ان نعمل نحن (بنقل الاجماع ، كسائر الاخبار المعلوم استنادها الى الحدس ، المردد بين الوجوه المذكورة) أي : الاقسام الثلاثة من الحدس ، فاذا اخبر انسان بشيء ، ولم نعلم انّه من القسم الأوّل الّذي هو حجة ، أو القسم الثاني ، أو الثالث ، وهما غير حجة ، فلا نتمكن أن نأخذ بخبره ، كما اذا اخبر

٢٠