الوصائل إلى الرسائل - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-00-7
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٣٧٢

وكما في حكم الشرع بحرمة ما علم أنّه خمر او نجاسته بقول مطلق ، بناء على أنّ الحرمة والنجاسة الواقعيّتين إنّما تعرضان مواردهما بشرط العلم ، لا في نفس الأمر ، كما هو قول بعض.

______________________________________________________

«ان الحسن من كل أحد حسن ، وانه منك احسن لمكانك منا ، وان القبيح من كل احد قبيح ومنك اقبح لمكانك منا» (١).

(و) الثاني : (كما في حكم الشرع بحرمة ما علم انه خمر ، او نجاسته بقول مطلق) فالقطع بالخمر من اين حصل ، ولاي انسان ، وفي اي زمان ، او مكان ، ولاي قسم من الخمر ، انما هو بقول مطلق ، من غير تفاوت في تلك الخصوصيات (بناء) اي لا يريد المصنف قدس‌سره ان الامر كذلك ، وانما ذكره من باب المثال (على انّ الحرمة والنجاسة الواقعيتين ، انما تعرضان مواردهما) من المحرمات والاعيان النجسة (بشرط العلم) او جزئه ، او قيده ، فالتراب مثلا حرام اكله ، بشرط القطع بانه تراب ، والكافر نجس ، بشرط القطع بانه كافر ، والخمر حرام ونجس ، بشرط القطع بانه خمر (لا في نفس الامر كما هو قول بعض) حتى يكون التراب حراما ، وان لم يقطع بانه تراب ، الى غير ذلك.

وانت خبير بان المحرمات والاعيان النجسة ليست كذلك ، وانما ذكرها المصنف قدس‌سره من باب المثال ، واما ما ورد من سؤال المسلمين عن قراءة آية الخمر على من شربها في زمن الثاني ، ورفع علي عليه‌السلام عنه الحد لجهله بالحرمة (٢) ، فذلك لانه كان جاهلا قاصرا ، ومن الواضح انه ليس على مثله حد ، فلا شاهد

__________________

(١) ـ العدد القوية : ص ١٥٣ ، سفينة البحار : ج ٤ ص ٤٦٧ باب الشين ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٨ ص ٢٠٥.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٨ ص ٣٣ ب ١٤ ح ٣٤١٤٥.

٤١

وقد يدلّ دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاصّ او شخص خاصّ ، مثل ما ذهب إليه بعض الأخباريّين من عدم جواز العمل في الشرعيّات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنّة ،

______________________________________________________

فيه لما ذكره قدس‌سره.

(وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته) اي ثبوت ذلك الحكم (لشيء) من الموضوعات (بشرط حصول القطع به من سبب خاص ، او شخص خاص) او زمان ، او مكان ، او خصوصيات خاصة ـ كما تقدم ـ (مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين : من عدم جواز العمل في الشرعيات بالعلم غير الحاصل من الكتاب والسنة) فجواز العمل عندهم ـ بالمعنى الاعم للجواز ، من الوجوب وغيره ، في قبال الحرمة ـ انما هو بالحكم الشرعي ، المقيد حصول العلم بذلك الحكم من الكتاب والسنة.

لكن لا يخفى : ان الاخباريين لا يقولون بانحصار جواز العمل بالعلم الحاصل منهما ، بل يقولون بجواز العمل بالكتاب والسنة ، سواء حصل العلم منهما ، ام لا.

وانما مراد الشيخ قدس‌سره : ان نفي العمل بعلم غير حاصل منهما ، لا يقيد الكتاب والسنة بالعلم ، فهو مثل قولنا : الشاهد حجة سواء علم القاضي بصحة كلامهما ام لا ، فهناك امور ثلاثة :

الاول : الشاهد الذي يعلم القاضي بان كلامه خلاف الواقع ، وهنا لا يعمل القاضي بشهادته.

الثاني : الشاهد الذي يعلم القاضي بمطابقة كلامه للواقع ، وهنا يعمل به.

الثالث : الشاهد الذي لا يعلم القاضي منه اي الامرين ، وهنا ايضا يعمل بشهادته.

٤٢

كما سيجيء ، وما ذهب اليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى.

______________________________________________________

نعم ، ربما يناقش في ما اذا علم القاضي بمخالفة الشاهد للواقع ، فانه اذا لم يعمل بكلامه ، لزم الفوضى في القضاء ، حيث يتمكن القاضي من رد الشهود ، بحجة انه يعلم خلاف ما شهدا به ، ومحل البحث فيه كتاب القضاء (١) ، وهذا هو ما اشتهر بين القضاة الجدد : من ان القاضي هل يقدم جسم القانون او روح القانون؟ (٢).

(كما سيجيء) الكلام في قول الاخباريين في التنبيه الثاني (و) مثل (ما ذهب اليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى) كما اذا علم بان فلانا ارتد ، او شرب الخمر ، او ما اشبه ، لا مثل السرقة والزنا ، حيث هناك حقان : حق الله ، وحق الناس.

والمراد بحق الناس : الحق الذي جعله الله للانسان ، وإلّا فكل حق فهو لله سبحانه.

وعلى اي حال : فمحل كلام المصنف : ان الحكم وهو مائة جلدة للخمار ، لا يترتب بمجرد علم القاضي بل يترتب على علمه المقيد بكونه حاصلا من الشهود ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما اقضي بينكم بالبينات والأيمان» (٣) ، بل ربما يقال بذلك ، اذا علم القاضي بالزنا ـ بدون شهود اربعة ، او اقرار اربع مرات ـ والظاهر : انه مقيد ايضا ، وذلك لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام ، علما بالزنا

__________________

(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ٨٤ ـ ٨٥ كتاب القضاء للشارح.

(٢) ـ وقد اشار الشارح الى هذه المسألة في موسوعة الفقه : كتاب القانون ص ١٤٩.

(٣) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٤١٤ ب ٢٩ ح ١ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٢٩ ب ٢٢ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٣٢ ب ٢ ح ٣٣٦٦٣.

٤٣

وأمثلة ذلك بالنسبة إلى حكم غير القاطع كثيرة ، كحكم الشارع على المقلّد بوجوب الرجوع إلى الغير في الحكم الشرعيّ ، إذا علم به من الطرق الاجتهاديّة المعهودة ، لا من مثل الرمل والجفر ،

______________________________________________________

من اقرار الزاني والزانية ثلاث مرات ـ قطعا ـ ومع ذلك لم يجريا الحد ، وكذا اذا شهد ثلاثة عدول ، يعلم القاضي بصدقهم لا يجري الحد حتى ينضم اليهم الرابع (١).

(وامثلة ذلك) اي تقيد الحكم بموضوع خاص (بالنسبة الى حكم غير القاطع) فان القاطع يعمل بقطعه ـ كما تقدم ـ من اين حصل ، اما غيره فلا ، إلّا اذا حصل من سبب خاص ـ مثلا ـ وهي (كثيرة) بالنسبة الى المقلد وغيره (كحكم الشارع على المقلد بوجوب الرجوع الى الغير في الحكم الشرعي اذا علم) ذلك الغير وهو المجتهد (به) اي بالحكم (من الطرق الاجتهادية المعهودة) : الكتاب والسنة ، والاجماع ، والعقل ، على ما ذكرها الفقهاء : من انها المدرك.

وفي جملة من الروايات ـ كما في قضاء الوسائل ـ حرمة رجوع الشخص الى غيرهم عليهم‌السلام (٢) ، فاذا رجع واجتهد وان قطع بالحكم ، يكون ساقطا عن العدالة ، فلا يجوز تقليده ، بل لا يجوز الرجوع اليه وان لم يسقط عن العدالة ، لانهم عليهم‌السلام لم يأذنوا للرجوع الى مثل هذا المستنبط ، فالمجتهد القاطع من سبب خاص ، هو المأذون في الرجوع اليه ، لا مطلق المجتهد فانه (لا) يجوز الرجوع الى من علم الحكم (من مثل الرمل والجفر) وسمي رملا ، لان اول اكتشاف للمجهول بطرق

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٨ ص ٩٦ ب ١٢ ح ٣٤٣١١.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٧ ح ٣٣٠٩٢ فما بعده (باب ٣ صفات القاضي).

٤٤

فانّ القطع الحاصل من هذه وإن وجب على القاطع الأخذ به في عمل نفسه ، إلّا أنّه لا يجوز للغير تقليده في ذلك.

وكذا العلم الحاصل للمجتهد الفاسق او غير الاماميّ من الطرق الاجتهاديّة المتعارفة ، فانّه لا يجوز للغير العمل بها ؛ وكحكم

______________________________________________________

الرمل كان بالتخطيط في رمال الارض ، كما انه سمي جفرا ، لان الجفر عبارة عن جلد السخل وكان اول كتابة هذا العلم في جلده ، وكلاهما اتخذا طريقا لكشف المجهولات ، ومثلهما في زماننا : الكمبيوتر والانترنيت.

(فان القطع الحاصل من هذه) الاسباب غير المتعارفة (وان وجب على القاطع) المجتهد (الاخذ به في عمل نفسه) لما تقدم : من ان القطع حجة عقلية من اي سبب ، ولأيّ احد حصل (إلّا انه لا يجوز للغير تقليده في ذلك) المقطوع به ، المكتشف بهذه الاسباب ، وان كان المجتهد جامعا لشرائط الفتوى.

(وكذا العلم الحاصل للمجتهد الفاسق ، او غير الامامي) او المرأة ، او العبد ، او غيرهم ممن فقد شرائط التقليد ولم يجتهد (من الطرق الاجتهادية المتعارفة) اي الادلة الاربعة ، فان هؤلاء يفقدون بعض الشرائط ، كما ان القاطع من غير الاجتهاد المتعارف يفقد شرطا آخر ، لانه حصل من غير الطريق المتعارف ، فالعلم الذي يجوز التقليد فيه ، مقيد بالشرائط المذكورة.

وهكذا لا يجوز للمترافعين ، مراجعة القاضي الذي حصل له العلم من الامور غير المتعارفة ، كما لا يصح لهما مراجعة القاضي اذا لم يكن عادلا ، او رجلا ، او مجتهدا مطلقا ـ عند من لا يكتفي بتجزي القاضي ـ الى غير ذلك من فاقدي الشرائط (فانه لا يجوز للغير) مقلدا او متنازعا (العمل بها) ومراجعته (وكحكم

٤٥

الشارع على الحاكم بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له من الحسّ ، لا من الحدس ، إلى غير ذلك.

ثمّ من خواصّ القطع الذي هو طريق إلى الواقع قيام الأمارات الشرعيّة والاصول العمليّة مقامه في العمل ،

______________________________________________________

الشارع على الحاكم ، بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له) اي لذلك العدل (من الحس لا من الحدس) اي من الحواس الخمس ، لا ما اذا علم بالشيء من الجفر ونحوه.

والعلم من الحواس الخمس : كان يرى بعينه الزنا ، او يتذوق الطعام فيعلم انه حامض ، فيما لو اختلف البائع والمشتري في الحموضة ، وضدها ، او يشم الخل او ماء الورد ليعلم من الرائحة : الجودة والرداءة ، او يسمع صوت زيد وهو يسب عمرا ، او يلمس خشونة الحرير وزفته ، فيشهد باحدهما بعد اختلاف المتبايعين (الى غير ذلك).

(ثم) الفرق الثالث بين القطع الطريقي والقطع الموضوعي ـ على ما تقدم الالماع الى ان بينهما ثلاثة فروق : ـ (من خواص القطع الذي هو طريق الى الواقع ، قيام الامارات الشرعية).

والمراد بها هنا : الاعم من الطرق ، فان الامارات والطرق كالظرف والجار والمجرور اذا ذكر احدهما شمل الآخر ، وان ذكرا معا ، كانا كما ذكرناه ـ فيما سبق ـ (و) بعض (الاصول العملية) كالاستصحاب ، الذي له كاشفية عن الواقع ، وان كانت كاشفيته ناقصة وبحاجة الى المتمم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (مقامه) اي مقام القطع (في العمل) لا في كونه صفة نفسية ، كما هو واضح ، اذ القطع لامران :

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ان المقطوع به يعمل به.

الثاني : ان القطع صفة للنفس.

والامارة والاصل ، يقومان مقام القطع في الجهة الاولى لا الثانية ، اي كما انه يعمل بالقطع ، كذلك يعمل بالامارة والاصل.

مثلا : اذا قطع بانه خمر وجب عليه الاجتناب ، كذلك اذا قامت البينة بانه خمر وجب الاجتناب ، وهكذا اذا كان علمه سابقا بانه خمر ، ثم شك في انه هل بقي على الخمرية ، او انقلب خلا؟ استصحب خمريته ، فوجب عليه الاجتناب ، فالبينة والاستصحاب قاما مقام القطع.

نعم ، الاصول الثلاثة الأخر ، اي : البراءة ، والاحتياط ، والتخيير ، لا تقوم مقام القطع ، فاذا شك في سائل انه ماء او خمر ، كان حكمه البراءة لا انه خمر ، واذا شك في ان هذا الاناء خمر او ذاك الاناء ، كان اللازم عليه الاحتياط باجتنابهما ، لا انه اذا شرب احدهما اجروا عليه حد الخمر ، او الزم بتطهير فمه ، لان الاحتياط لم يكشف عن كونه خمرا ، حتى يترتب عليه آثار الخمر.

واذا شك في مائع هل انه خمر يحرم شربه ، او خل يجب شربه؟ لانه نذر ان يشرب اناء ماء ـ ولا ماء غيره فرضا ، فيكون هذا الاناء المصداق المنحصر لنذره ـ تخير بين الشرب وعدمه ، ولا يكون التخيير طريقا الى كونه خمرا.

ولا يخفى : ان مثل : الصحة ، واصل الطهارة ، واصل الحل ، وما اشبه ، تقوم ايضا مقام القطع الطريقي ـ على نحو ما ذكرناه في الاستصحاب ـ وكذلك مثل :

٤٧

بخلاف المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعيّة ، فانّه تابع لدليل ذلك الحكم.

______________________________________________________

سوق المسلم ، ويد المسلم ، وارض المسلم ، الى غير ذلك.

(بخلاف) القطع (المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعية) الوصفية (فانه تابع لدليل ذلك الحكم) اذ هو على قسمين :

الاول : القطع الموضوعي الوصفي.

الثاني : القطع الموضوعي الطريقي.

فأقسام القطع ثلاثة :

الاول : ما تقدّم من الطريقي البحث ، كما اذا قال : الخمر حرام.

الثاني : القطع الموضوعي الوصفي ، بمعنى : ان كون القطع صفة نفسية جزء الموضوع ، كما اذا قال : الخمر المقطوع به ـ لان القطع صفة للنفس ـ حرام.

الثالث : القطع الموضوعي الطريقي ، بمعنى : ان كون القطع طريقا الى الخمر جزء الموضوع ، كما اذا قال : الخمر المقطوع به ـ لان القطع طريق الى الخمر ـ حرام ، وقد سبق الكلام في الاول.

اما الثاني : فلا يقوم الطرق والامارات مقامه ، لان الشارع اعتبر الصفة النفسية ، ومن المعلوم ان الامارات والاصول لا تحدث للنفس صفة.

واما الثالث : فالامارات والاصول تقوم مقامه ، لانه اعتبر في القطع الطريقية ، وكما يكون القطع طريقا عقليا ، تكون الامارة والاصول طريقا تعبديا.

٤٨

فان ظهر منه او من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقيّة للموضوع قامت الأمارات والاصول مقامه.

وإن ظهر منه اعتبار صفة القطع في الموضوع ، من حيث كونها صفة خاصّة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره.

______________________________________________________

وعلى هذا (فان ظهر منه) اي من الدليل نفسه (أو من دليل خارج) كالاجماع (اعتباره) اي اعتبار القطع (على وجه الطريقية للموضوع) وهو القسم الثالث في كلامنا (قامت الامارات والاصول) المصطلح عليها بالاصول المحرزة ، اي الكاشفة عن الواقع ولو كشفا ناقصا ، كما تقدّم من مثل : الاستصحاب ، واصالة الطهارة ، والحل ، والصحة ، وما اشبهها (مقامه).

لما عرفت : من ان القطع كاشف نفسي ، وهذه الامارات والاصول كاشفة تعبدية ، بمعنى : ان الشارع اتم كشفها ، بعد ان كان لها كشف في الجملة.

(وان ظهر منه) اي من الدليل (اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص) وهو القسم الثاني في كلامنا ، فانه (لم يقم مقامه غيره) من الامارات والاصول ، لانها لا تحدث في النفس صفة.

ثم انه يمكن ان يضاف الى الاقسام الثلاثة ، التي ذكرها المصنّف قدس‌سره قسم رابع ، وهو : ما اعتبره الشارع طريقا وصفة معا ـ مثلا قال : الخمر المقطوع به ـ لان القطع صفة للنفس وطريق الى الخمر ، حيث ان القطع طريق وصفة معا ـ حرام.

وهذا القسم لا تقوم الامارات والاصول المحرزة مقامه أيضا ، لما عرفت من عدم قيامها مقام القطع الموضوعي الوصفي.

٤٩

كما إذا فرضنا أنّ الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه في حفظ عدد الركعات الثنائيّة والثلاثيّة والاوليين من الرباعيّة ، فانّ غيره ، كالظّنّ بأحد الطرفين او أصالة عدم الزائد ، لا يقوم مقامه

______________________________________________________

ثم ان المصنّف قدس‌سره مثّل للقطع الموضوعي الوصفي بقوله : (كما إذا فرضنا أن الشارع اعتبر صفة القطع) في الموضوع (على هذا الوجه) الخاص بانه صفة ، لا بانه طريق (في حفظ عدد الركعات الثنائية) بان قال : إذا كانت هناك ركعتان مقطوع بهما في صلاة الصبح دائما ، والظهرين والعشاء في السفر ، صحت الصلاة وإلّا بطلت ، فاتخذ صفة القطع في الموضوع.

(والثلاثية) بان قال : إذا كانت هناك ثلاث ركعات مقطوع بها في صلاة المغرب صحت ، والّا بطلت (والاوليين من الرباعية) بان قال : إذا كانت هناك ركعتان مقطوع بهما في أول الظهر ، وأول العصر ، وأول العشاء ـ في الحضر ـ صحت الصلاة ، والّا بطلت ، وقام نفس النص ، أو دليل اجماع ونحوه ، على ان القطع المأخوذ في الموضوع ، انما هو قطع على نحو الصفة (فان غيره) اي غير هذا القطع (كالظن باحد الطرفين) وانه صلى ركعة أو ركعتين ، في الصبح ، وثنائية السفر ، أو انه صلى ثلاثا أو اقل في المغرب (أو اصالة عدم الزائد) أو قيام البينة وما اشبه ، على احد الطرفين (لا يقوم) خبر ل «فان غيره» (مقامه) اي مقام القطع الموضوعي الوصفي ، لانه لا دليل على ذلك بعد عدم اعتبار الشارع القطع بما هو هو.

كما ان الامر كذلك في باب العقائد ، فان العقيدة معتبرة بذاتها اما إذا قامت البينة على ان الله واحد ، أو ظن بذلك ، أو قام الخبر الواحد عليه ، أو اجرى اصالة عدم الثاني للاله ، لم ينفع كل ذلك في حصول التوحيد ـ وقد ادعى العلامة قدس‌سره

٥٠

إلّا بدليل خاصّ خارجيّ غير أدلّة حجيّة مطلق الظنّ في الصلاة وأصالة عدم الأكثر.

______________________________________________________

على ذلك : الاجماع في الباب الحادي عشر (١) ـ فان هذه الامور غير الصفة النفسية الخاصة التي اعتبرها الشارع.

قال فضيل : سألته عليه‌السلام عن السهو؟ فقال عليه‌السلام : في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث الى الاربع فاعد صلاتك (٢).

وعليه : فلا يكون (الّا بدليل خاص خارجي) بان يقول الشارع : اني وان اعتبرت الصفة الخاصة في الموضوع ، الّا ان الظن أو البينة مثلا ، تقوم مقام هذه الصفة (غير ادلة حجية مطلق الظن في الصلاة) أو في غيرها ، حيث قام الدليل على حجية الظن الخاص ، المستند الى الخبر الواحد ، أو البينة ، أو ما أشبه ، أو حيث قام الدليل على حجية مطلق الظن ـ عند الانسدادي ـ (و) غير (اصالة عدم الاكثر) فيما إذا كان الشك بين الاقل والاكثر ، وانما لا ينفع ادلة حجية مطلق الظن الخ ، لان ادلة حجيتها منصرفة الى الحجية في القطع الطريقي لا القطع الموضوعي.

نعم إذا قال الشارع : بان كل قطع اعتبره العقل أو اعتبرته انا ، فان الظن يقوم مقامه ، أو ان الاصل يقوم مقامه ، كان الظن والاصل في هذه الحال ، يقومان مقام كل قطع طريقي أو موضوعي على نحو الطريقية أو الموضوعية.

مثلا : عن عمار : انه قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالاكثر ، فاذا سلمت فاتم ما ظننت انك نقصت (٣).

__________________

(١) ـ النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : ص ٢٠.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ١٩٥ ب ٢ ح ١٠٤٠٧.

(٣) ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٢ ب ٨ ح ١٠٤٥١ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ٥ ص ٦٠١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٤٠ ح ٩٩٢.

٥١

ومن هذا الباب ، عدم جواز أداء الشهادة ، استنادا إلى البيّنة او اليد على قول ، وإن جاز تعويل الشاهد في عمل نفسه بهما إجماعا ، لأنّ العلم بالمشهود به مأخوذ في مقام العمل على وجه الطريقيّة ،

______________________________________________________

(ومن هذا الباب) اي باب اعتبار القطع الموضوعي على وجه الصفة : باب الشهادة ، حيث لا يجوز شرعا ان يشهد الانسان إذا لم يعلم بشيء ، وان قامت عنده البينة ، أو راى المشهود له صاحب يد على ذلك الشيء ، وذلك ل (عدم جواز اداء الشهادة استنادا) في شهادته (الى البينة أو اليد على قول) بعض الفقهاء ، وان أجاز آخرون مثل هذه الشهادة ، وذلك لاختلاف الروايات في المسألة في انه هل يجوز اداء الشهادة استنادا الى البينة واليد ام لا؟ (١).

(وان جاز تعويل الشاهد) واعتماده (في عمل نفسه بهما) اي بالبينة واليد (اجماعا) فإذا كانت هناك دار تحت يد زيد ، أو شهدت البينة عند عمرو بانها دار زيد ، فان عمرا لا يتمكن من اداء الشهادة عند القاضي بانها دار زيد ، اما إذا اراد نفس عمرو شرائها من زيد ، جاز له ان يعتمد عليها ويشتريها.

وكذلك إذا كان صاحب اليد مثلا مورث عمرو ، فان مات المورث جاز لعمرو ترتيب آثار الملك على الدار التي ورثها.

فالظن الخاص وهو البينة أو كون زيد صاحب يد على الدار ، لم يقم مقام القطع في جواز أداء الشهادة ـ لأن الشارع أجاز الاداء في صورة القطع ـ وان قاما مقام القطع في معاملة نفسه.

وانما فرقنا بين اداء الشهادة وبين العمل (لان العلم بالمشهود به مأخوذ في مقام العمل) انما يكون (على وجه الطريقية) ولذا تقوم الامارة واصل الصحة

__________________

(١) ـ للمزيد راجع موسوعة الفقه : ج ٨٦ كتاب الشهادات للشارح.

٥٢

بخلاف مقام أداء الشهادة ، إلّا أن يثبت من الخارج ، أنّ كلّما يجوز العمل به من الطرق الشرعيّة يجوز الاستناد إليه في الشهادة ، كما يظهر من رواية حفص الواردة في جواز الاستناد إلى اليد.

______________________________________________________

في ذي اليد ونحوهما مقام العلم.

(بخلاف مقام أداء الشهادة) فان العلم اخذ على نحو الموضوعية ، ولذا لا تقوم البينة واستيلاء صاحب اليد مقام هذا القطع (الّا ان يثبت من الخارج ، ان كلّما يجوز العمل به من الطرق الشرعية) امارة كان أو اصلا (يجوز الاستناد اليه في) اداء (الشهادة).

وحينئذ : تقوم الطرق الشرعية مقام القطع الموضوعي على نحو الصفة (كما يظهر) كفاية كل طريق شرعي (من رواية حفص) بن غياث (الواردة في جواز الاستناد الى اليد).

والمراد : الطريق الشرعي في اداء الشهادة ، فاذا ورد مثل هذا الدليل جاز الاستناد الى الطريق في الشهادة ، كما يجوز الاستناد اليه في الشراء ، وفي الارث ، وفي سائر المعاملات.

«فقد روى حفص عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يدي رجل ، يجوز لي أن أشهد إنّه له؟.

قال عليه‌السلام : نعم.

قال الرجل : أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعله لغيره؟.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أفيحلّ الشراء منه؟.

قال : نعم.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فلعله لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ، ويصير ملكا

٥٣

وممّا ذكرنا : يظهر أنّه لو نذر أحد أن يتصدّق كلّ يوم

______________________________________________________

لك ، ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟.

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لو لم يجز هذا ، لم يقم للمسلمين سوق» (١).

وعلى اي حال ، فلم يظهر من نص انه لم تقم البينة ونحوها مقام القطع ، اي قطع كان.

نعم ، في الاعتقاديات ، الامر بحاجة الى القطع على المشهور ، وان كان بعض العلماء ذكر عدم الاحتياج هناك أيضا ، وتفصيل الكلام في الكتب الكلامية.

وكيف كان ، فقد ظهر مما تقدّم إن القطع طريقا وموضوعا جزءا وكلا ، صفة وغيرها ، على سبعة اقسام :

الاول : الطريقي البحت.

الثاني : القطع الموضوعي جزءا على نحو الطريقية.

الثالث : القطع الموضوعي كلا على نحو الطريقية.

الرابع : القطع الموضوعي جزءا على نحو الصفة.

الخامس : القطع الموضوعي كلا على نحو الصفة.

السادس : القطع الموضوعي جزءا على نحو الطريق والصفة.

السابع : القطع الموضوعي كلا على نحو الطريق والصفة.

(ومما ذكرنا) من ان القطع الموضوعي الوصفي لا يقوم شيء آخر مقامه ، إلّا بدليل خاص (يظهر : انه لو نذر) أو حلف أو عاهد (احد ان يتصدق كل يوم

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٩٢ ب ٢٥ ح ٣٣٧٨٠ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٥١ ب ٢ ح ٣٣٠٧ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٦٢ ب ٢٢ ح ١٠٠.

٥٤

بدرهم ما دام متيقّنا بحياة ولده ، فانّه لا يجب التصدّق عند الشكّ في الحياة ، لأجل استصحاب الحياة ، بخلاف ما لو علّق النذر بنفس الحياة ، فانّه يكفي في الوجوب الاستصحاب.

ثم إنّ هذا الذي ذكرنا من كون القطع مأخوذا تارة على وجه الطريقيّة واخرى على جهة الموضوعيّة ، جار في الظنّ أيضا ،

______________________________________________________

بدرهم ما دام متيقنا بحياة ولده) أو انسان آخر ، أو ما اشبه ذلك ، وكان قصده بالتيقن : الصفة النفسية لا الطريقية (فانه لا يجب) عليه (التصدق عند الشك في الحياة ، لاجل) قيام شاهدين يشهدان بحياته ، أو لاجل (استصحاب الحياة) وان تمت اركانه ، اذ الموضوع : التيقن ، ولا يحصل بهما (بخلاف ما لو) لم يعتبر القطع اصلا عند نذره بل (علق النذر بنفس الحياة) : بان نذر التصدق ما دام ولده حيّ ، فانه إذا قامت البينة على الحياة ، أو تمت اركان الاستصحاب ، وجب عليه التصدق لما تقدّم : من ان الامارة والاصل يقومان مقام القطع الطريقي (فانه يكفي في الوجوب) الشهادة أو (الاستصحاب) فان القطع حينئذ طريقي محض ، ثم لو شك بانه حال النذر ، كان القطع على اي النحوين ، ولم يكن ارتكاز ونحوه ، فالاصل عدم الوجوب أيضا ، لانه من الشك في التكليف.

ومثل النذر في الاحكام المذكورة ، ما إذا شرط عليه في ضمن معاملة شيء بالقطع ، فانه يكون الشرط احيانا بسبب قطع طريقي ، واحيانا بسبب قطع موضوعي.

(ثم أن هذا الذي ذكرناه من كون القطع) قد يكون (ماخوذا تارة على وجه الطريقية و) تارة (اخرى على جهة الموضوعية) باقسامه ، وثالثة على وجه الطريقية الموضوعية ـ كما ذكرناه نحن ـ (جار في الظن أيضا) فقد يكون الظن

٥٥

فانّه وإن فارق العلم في كيفيّة الطريقيّة ـ حيث أنّ العلم طريق بنفسه ، والظنّ المعتبر طريق بجعل الشارع ، بمعنى كونه وسطا في ترتّب أحكام متعلّقه ،

______________________________________________________

موضوعا ، وقد يكون طريقا ، وقد يكون جامعا بينهما (فانه وان فارق العلم في كيفية الطريقية) فان الظن الموضوعي الوصفي مثل العلم الموضوعي الوصفي. بل كذلك حال الشك والوهم أيضا ، لان المعتبر ، له ان يعتبر الصفة النفسانية موضوعا ، من غير فرق بين ان تكون تلك الصفة كاشفة ام لا ، كشفا تاما أو ناقصا.

واما الظن الموضوعي الطريقي فيفارق القطع الموضوعي الطريقي (حيث ان العلم طريق بنفسه) لا يحتاج الى جعل الجاعل ، بل قد تقدّم ان الجاعل لا يتمكن من رفع طريقيته ، فالطريقية في القطع مثل الزوجية في الاربعة ، لا توضع ولا ترفع (و) اما (الظن المعتبر) فهو (طريق بجعل الشارع) اذ لا كاشفية تامة له من نفسه.

ثم لا يخفى : ان المراد بطريقية القطع : ان القاطع يراه طريقا ، لا انه دائما كذلك ، اذ كثيرا ما يكون جهلا مركبا في الواقع.

وعلى اي حال ، لا يتمكن الجاعل من جعله ولا من رفعه ، لان الجعل في نظر القاطع تحصيل للحاصل ، والرفع في نظر القاطع لغو.

وكيف كان : فجعل الشارع للظن (بمعنى كونه وسطا) في القياس (في ترتب) اي اثبات (احكام متعلقه).

مثلا : الظن بعدد الركعات جعله الشارع حجة ، ومعنى ذلك : ان الظن بعددها سبب لترتيب حكم تلك الركعات المظنونة ، على تلك الركعات فيقال : «الاربع ـ في صلاة الظهر مثلا ـ مظنونة ، وكلما ظن بالركعات كان حجة ، فكون الركعات اربع حجة» فكما انه لو قطع بانها اربع ، ترتب حكم الاربع على ذلك المقطوع به ،

٥٦

كما أشرنا إليه سابقا ـ لكنّ الظنّ أيضا قد يؤخذ طريقا مجعولا إلى متعلّقه ، سواء كان موضوعا على وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه او لحكم آخر يقوم مقامه سائر الطرق الشرعيّة ،

______________________________________________________

كذلك كلما ظن انها اربع ترتب حكم الاربع على ذلك المظنون به (كما اشرنا اليه) اي الى معنى كون الحجية : الوسطية (سابقا) في باب القطع.

(لكن الظن أيضا) على سبعة اقسام ، على ما ذكرناه في باب القطع ، فانه (قد يؤخذ) في الموضوع من جهة كونه (طريقا مجعولا الى متعلقه) بان ينزل الشارع الظن منزلة العلم ، فالحكم على الخمر والطريق الى انه خمر ، ظن المكلّف (سواء كان) الظن (موضوعا) اي مجعولا (على وجه الطريقية) البحتة (لحكم متعلقه) اي متعلق الظن ، كما مثلنا له في كونه طريقا الى ان المائع الفلاني خمر (أو) مجعولا على وجه الطريقية (لحكم آخر) كما إذا قال : إذا ظننت بخمرية شيء يجب عليك التصدق.

ففي الأول : الظّن بالخمرية صار طريقا لاثبات الحرمة والنجاسة على المائع المظنون كونه خمرا.

وفي الثاني : الظن بخمرية مائع صار طريقا الى اثبات وجوب التصدق.

ولا يخفى : ان الظن بشيء إذا كان موضوعا لحكم آخر ، يكون على غراره القطع أيضا ، كما إذا قال : إذا قطعت بالخمرية كان قطعك موضوعا لوجوب التصدق عليك.

ثم إذا كان الشارع جعل الظن طريقا (يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية) كالبينة والاستصحاب ونحوهما ، فاذا قال : الظن طريق الى الخمرية حتى يترتب احكام الخمر على ذلك الخمر المظنون ، ثم لم يكن للمكلف ظن ، لكن قامت البينة

٥٧

فيقال حينئذ إنّه حجة ، وقد يؤخذ موضوعا لا على وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه ، أو لحكم آخر ولا يطلق عليه الحجّة حينئذ ، فلا بدّ من ملاحظة دليل ذلك ، ثمّ الحكم بقيام غيره من الطرق المعتبرة مقامه ،

______________________________________________________

على انه خمر ، أو استصحب خمريته ـ بعد ان شك في كونه تبدل الى الخل ام لا ـ ، ثبتت الخمرية بالبينة أو الاستصحاب.

(فيقال حينئذ) اي حين جعل الشارع الظن طريقا : (انه) اي الظن (حجة) ، لان الظن حينئذ وقع واسطة لاثبات احكام الخمر على مظنون الخمرية.

(وقد يؤخذ) الظن ، اي يجعله الشارع (موضوعا لا على وجه الطريقية) بل على نحو الصفة للظان (لحكم متعلقه) اي متعلق الظن ، مثلا قال : إذا حصلت لك هذه الصفة النفسية ـ بان القبلة في جهة الشمال ـ فصلي اليها ، فان الظن هنا موضوع لا طريق بحت (أو لحكم آخر) كما إذا قال : إذا حصلت لك صفة الظن بان القبلة في جهة الشمال وجب عليك التصدق ، وهذا الظن الوصفي : «طريقا الى حكمه أو حكم آخر» لا يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية ، كالبينة والاستصحاب ، لان الشارع اعتبر الصفة النفسية موضوعا ، وسائر الطرق الشرعية لا تحقق الموضوع المذكور.

(ولا يطلق عليه) اي على هذا الظن الوصفي (الحجة حينئذ) اذ ليس حجة بل موضوعا (ف) إذا اردنا ان نعرف ان الشارع جعل الظن طريقا أو موضوعا (لا بد من ملاحظة دليل ذلك) الجعل للظن ، هل هو على نحو الطريق أو على نحو الصفة؟.

(ثم الحكم بقيام) أو عدم قيام (غيره من الطرق المعتبرة مقامه) فان الطرق

٥٨

لكنّ الغالب فيه الأوّل.

______________________________________________________

المعتبرة تقوم مقام الظن الطريقي لا الظن الوصفي.

وعلى اي حال «الظن» كالقطع في كل الاقسام السبعة التي تقدمت في القطع ، ومنتهى الفرق : ان الظن ليس حجة بنفسه والقطع حجة بنفسه ، وكما ذكرنا في باب القطع من مسألة النذر ، تأتي في الظن نفس المسألة أيضا (لكن الغالب فيه) اي في الظن الذي جعله الشارع (الاول) وهو كونه طريقيا ، فتقوم سائر الطرق مقامه ، لا كونه وصفيا.

هذا ، ولكنّا لم نجد مكانا اخذ فيه الظن على نحو الوصفية ، فلعل قول المصنّف : «الغالب» لا يريد به ان في المقام «ما ليس بغالب» بل يريد : انه قدس‌سره استقرأ فرأى موارد استقرائه من الطريقية ، لا الوصفية ، فانه قد يقول الفقيه : «المشهور» ويريد : ان هناك قولا خلاف المشهور ، وقد يقول : «المشهور» ويريد : انه راى كلمات كثير من العلماء افتوا بذلك ، لا ان في قباله قول غير مشهور ، فتأمل.

هذا تمام الكلام في الظن الخاص ، اما ظن الانسداد فهو طريقي بحت وليس هناك ظن انسدادي موضوعي.

ثم انه يمكن ان يجعل الشك جزء الموضوع ، أو تمام الموضوع ، لكونه صفة أو مرتبطا بالواقع ، اما كون الشك طريقيا كالقطع الطريقي ، فقد تصوره «أوثق الوسائل» (١) ومنه يعلم حال الوهم ، لكن حيث لم يذكرهما المصنّف لا نفصل الكلام فيهما.

__________________

(١) ـ راجع أوثق الوسائل : ص ١٣ ـ ١٤ فرض الطريقية في الشك.

٥٩

وينبغي التنبيه على امور :

التنبيه الأول

التجرّي

الأوّل : إنّه قد عرفت أنّ القاطع لا يحتاج في العمل بقطعه إلى أزيد من الأدلّة المثبتة لأحكام مقطوعه ،

______________________________________________________

التجرّي

(وينبغي التنبيه على امور) مرتبطة ببحث القطع ، فانه إذا قطع الانسان بموضوع ـ كالخمر ـ وعلم بالدليل ، حرمة الخمر ، تشكلت عنده صغرى : «هذا خمر» وكبرى : «وكل خمر حرام» فالنتيجة : «ان هذا حرام» ، ولا مدخلية للقطع في الموضوع وانما القطع مرآة لاراءة الواقع الذي هو «خمر» فحال القطع حال المرآة ، حيث انها لا مدخلية لها في الحكم المرتب على الموضوع ، وانما هي تعطي الرؤية فقط ، فاذا كان الاسد مفترسا ، كان الموضوع الاسد ، والحكم الافتراس ، فاذا راينا الاسد في المرآة قلنا انه مفترس ، ولا مدخلية للمرآة لا في الموضوع ولا في الحكم.

إذا علمت ذلك قلنا : لا اشكال في ترتب الحرمة على الواقع ، في الاحكام الشرعية ، لكن هل يترتب الحرمة على القطع إذا لم يصادف الواقع ، مما يسمى بالتجري؟ فيه خلاف.

والتنبيه الاول ، وضع لبيان هذا الامر ، قال قدس‌سره : (الاول :) في التجري (انه قد عرفت ان القاطع) بشيء محرم ، أو واجب ، أو له سائر الاحكام (لا يحتاج في العمل بقطعه الى ازيد من الادلة المثبتة لاحكام مقطوعه) فاذا قال الشارع : الخمر

٦٠