منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

وكذا صفة الاحترام التي كانت تغلب على أسلوبه عندما يتكلم عنهم مثل احترامه وتبجيله للسيد عبد الرحمن المحجوب الزناتي (١). مما شاع عند علماء ذلك العصر من جملة الانحرافات التي ألمت بالمسلمين (٢).

ب. شيوخه :

نشأ السنجاري نشأة دينية علمية حيث حفظ القرآن الكريم ، ولم يكتف بما حصل عليه من علوم في كنف والده ، بل انطلق لنهل العلوم الشرعية والأدبية وغيرها من مواردها العالية ، فسارع إلى دراستها على عدد من العلماء الأفاضل والأدباء الموجودين في مكة والوافدين إليها والمجاورين فيها منهم :

١. ابن أبي سلمة : محمد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي سلمة المتوفى سنة ١٠٧٦ ه‍ ، من كبار علماء مكة المكرمة الأحناف (٣).

٢. البشبيشي : الشيخ الفقيه الشافعي شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي المصري البشبيشي (٤) ، نسبة إلى بشبيش من

__________________

(١) السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ١٠٧٨ ه‍ ، حيث يقول : مولانا الولي الصالح سيدي عبد الرحمن المحجوب.

وانظر : أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٧١.

(٢) كبدعة المولد وبناء القباب على الأضرحة والقبور.

(٣) ذكر محمد أمين بن حبيب المدني في مخطوط طبقات السادة الحنفية ١ / ٣٢٣ أن من شيوخ علي السنجاري الشيخ عيسى بن أبي سلمة. وفي ترجمة عيسى بن أبي سلمة ـ وجد أن الشيخ عيسى توفي سنة ٩٨٣ ه‍ وكان من أئمة المذهب الحنفي. وأن الشيخ محمد بن عيسى بن إبراهيم توفي سنة ١٠٧٦ ه‍. وعلى هذا يكون الشيخ محمد بن عيسى هو شيخ السنجاري وليس عيسى بن أبي سلمة.

(٤) انظر ترجمته في : المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، النابلسي ـ عبد الغني ـ

٤١

قرى المحلة بمصر ، التي ولد فيها سلخ رجب سنة ١٠٤١ ه‍ / ١٦٣١ م حيث تلقى تعليمه الأولي بها ، ثم انتقل إلى القاهرة لإتمام ما بدأه من علم ، تصدر بعدها للتدريس بالجامع الأزهر ، ثم ارتحل إلى مكة حاجا سنة ١٠٩٢ ه‍ / ١٦٨١ م حيث درّس فيها ، ثم عاد ، وتوفي في مسقط رأسه سنة ١٠٩٦ ه‍ / ١٦٨٤ م بعد أن صنف عددا من الكتب منها :

* التحفة السنية.

* أجوبة على أسئلة في الفقه.

* العقود الجوهرية : وهي رسالة أجاب بها على أسئلة في السيرة النبوية.

٣. الشلّي باعلوي الحضرمي الشافعي : الشيخ محمد بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر باعلوي الحضرمي الحسيني الشافعي جمال الدين باعلوي ، مؤرخ وفلكي ورياضي ، ولد في تريم بحضر موت سنة ١٠٣٠ ه‍ / ١٦٢٠ م ، ونشأ مترددا بين مدينتي ضمار وظفار باليمن ، ثم رحل إلى الهند ، ثم إلى الحجاز حيث استقر بمكة المكرمة وقام بالتدريس والإفتاء في المسجد الحرام ، وتوفي فيها سنة ١٠٩٣ ه‍ / ١٦٨٣ م. له مؤلفات عدة في الفرائض والمنطق والفلك والتاريخ ومنها :

* السنا الباهر بتكميل النور السافر في أخبار القرن العاشر.

__________________

إسماعيل ـ الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز ص ٢٨١ ، السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ١٠٩٣ ه‍ ، ١١٠٩ ه‍ ، البغدادي ـ هدية العارفين ١ / ١٦٤ ، إيضاح المكنون ١ / ٢٥١ ، الزركلي ـ الاعلام ١ / ١٥٥ ، كحالة عمر ـ معجم المؤلفين ١ / ٢٨١.

٤٢
٤٣

والأوسط ، ودخل مصر والشام والأستانة ، واستوطن الحجاز وقلّد نظر أمر الحرمين زمنا ، ثم عزل عنه وأخرج من مكة ، فانتقل إلى الشام حيث توفي فيها سنة ١٠٩٤ ه‍ / ١٦٨٢ م ، من آثاره بمكة بناءه لرباط عند باب إبراهيم ، والمزولة ، وبناءه لمقبرة المعلاة ، وغيرها كما كان له عدد من المصنفات منها :

* جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد في الحديث.

* وصلة الخلف بموصول السلف ، فهرس فيه مروياته وأشياخه.

* تحفة أولي الألباب في العمل بالاسطرلاب.

* منظومة في علم الميقات وشرحها.

* المقاصد العوالي.

* جمع الكتب الخمسة مع الموطأ.

* أوائل الكتب الدينية.

ومن أشهر آثاره : كرة في التوقيت والهيأة ، لم يسبق إلى مثلها ، وهي كرة مستديرة الشكل يحسبها الناظر إليها بيضة مسطرة ، كلّها دوائر ورسوم ، وقد ركبت عليها أخرى مجوفة منقسمة النصفين ، فيها تخاريم وتجاويف لدوائر البروج وغيرها ، مصبوغة باللون الأخضر ، تغني عن كل آلة تستعمل في فني التوقيت والهيأة ، مع سهولة المدرك ، وتخدم لسائر البلاد على اختلاف أعراضها وأطوالها.

ومن آثاره : عمله على إماتة البدعة ، وإحياء السنة ، مثل إلغائه لمولد العيدروس ، والضرب بالدفوف بالمولد النبوي ، وهاتان جعلت السنجاري يقيم عليه غارة شعواء ، تحدث عن ذلك مؤرخنا بإسهاب ، وأورد الكثير

٤٤

من الأشعار التي قيلت فيه متشمتة بما آل إليه من ضنك (١) ، مع احترامه له ووصفه بشيخنا ، فكما انتقده فيما خالفه فقد امتدحه بقوله : «وإلّا فهو إمام جليل" (٢).

٥. الطوخي : الشيخ منصور بن عبد الرزاق صالح الطوخي المصري الشافعي حج سنة ١٠٨٢ ه‍ حيث درس بالمسجد الحرام (٣).

٦. الشاوي : الشيخ يحيى أبو زكريا محمد الشاوي الملياني الجزائري المالكي ، ولد بمليانة سنة ١٠٣٠ ه‍ ونشأ بالجزائر ثم توجه إلى مصر ودرّس بالأزهر ، ورحل إلى دمشق ودرّس بالجامع الأموي ، ثم إلى القسطنطينية حيث كان موضع حفاوة وترحاب العلماء وشيخ الإسلام يحيى أفندي والصدر الأعظم أحمد باشا. وللشيخ يحيى هذا رأي في طلاب العلم في مكة ، حيث يصفهم بالذكاء عن غيرهم من الطلاب في مصر وغيرها من

__________________

(١) انظر ترجمته هذه في : المحبي ـ خلاصة الأثر ٤ / ٢٠٤ ـ ٢٠٨. وفيه محمد بن محمد ، زيني دحلان أحمد (١٣٢ ـ ١٣٠٤ ه‍) ـ خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى وقتنا ، ط ١ ـ المطبعة الخيرية في مصر سنة ١٣٠٥ ه‍ ص ١٠٢ ـ ١٠٤ ، البغدادي ـ هدية العارفين ١ / ٢٩٨ ، إيضاح المكنون ١ / ٣٦٧ ، ٢ / ٧٠ ، الكتاني ـ فهرس الفهارس ١ / ٦٢ ، ٣١٧ ، الزركلي ـ الأعلام ٦ / ١٥١ ، ١٥٢ ، كحالة ـ معجم المؤلفين ١١ / ٢٢١.

وأخيرا صاحب هذا الكتاب الذي ترجم له ترجمة كافية وافية متتبعا جميع تحركاته مذ ولي نظر الحرمين الشريفين إلى عزله عنهما معللا سبب انقطاعه عنه بعد توليها خوف الإرعاد والإبراق مبينا إجازته له. انظر : أحداث السنوات ١٠٧٩ ـ ١٠٩٤ ه‍.

(٢) انظر لوحة (٢٦٤) من (أ).

(٣) انظر : العجيمي ـ محمد حسن (توفي سنة ١١١٣ ه‍) ـ خبايا الزوايا (مخطوط بمكتبة الحرم المكي رقم ٧ / تراجم ورقة ٤٢٨.

٤٥

البلاد الإسلامية. حج سنتي ١٠٧٤ ، ١٠٨٥ ه‍ حيث درس بالمسجد الحرام. توفي سنة ١٠٩٦ ه‍ (١).

٧. المغامسي : الشيخ عبد الملك بن محمد المغربي المغامسي تولى القضاء في المغرب في عهد السلطان رشيد بعد وفاته رحل إلى الحرمين وجاور بهما (٢).

٨. المري : الشيخ أحمد بن عبد العزيز المري (٣).

٩. الجعفري : الشيخ عيسى بن محمد بن محمد أحمد الثعالبي المالكي الجعفري (نسبة إلى جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه) ، ولد ببلدة زوارة المغربية ، حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه والمنطق والأصول والنحو. جاور بمكة المكرمة ودرس في المسجد الحرام إلى وفاته سنة ١٠٨٠ ه‍ (٤).

ورغم أن بعض شيوخ السنجاري كان على مذهب الإمام الشافعي والبعض الآخر على مذهب الإمام مالك ، فإنه بقي محافظا على مذهب أسرته الحنفي ، وكان مؤدبا جدا مع شيوخه يشير إليهم في كتابه بالاحترام الشديد وإلى تلاميذهم وأنجالهم.

ج. التصوف :

شاع التصوف في عهد الدولة العثمانية بين المسلمين ، فتركت الدولة

__________________

(١) انظر : ابن حبيب المدني ـ طبقات السادة الحنفية ٢ / ورقة ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، المحبي ـ خلاصة الأثر ٤ / ٤٨٦ ـ ٤٨٨ ، العجيمي ـ خبايا الزوايا ورقة ٤٣٩ ، ٤٤٠.

(٢) انظر : العجيمي ـ خبايا الزوايا ورقة ٢٥٧ ، ٢٥٨.

(٣) انظر : ابن حبيب المدني ـ طبقات السادة الحنفية ورقة ١ / ٣٢٣.

(٤) انظر : السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ١٠٨٠ ه‍ ، العجيمي ـ خبايا الزوايا (مخطوط) ١ / ٨٤ ، ٢ / ١٩٥ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ٣٨٣ ـ ٣٨٥.

٤٦

مشايخ الطرق الصوفية يمارسون سلطات واسعة على المريدين والأتباع.

وانتشرت هذه الطرق في أول الأمر في آسيا الصغرى ، ثم انتقلت بعدها إلى معظم أقاليم الدولة ، حتى أصبحت حياة الجماهير الدينية خاضعة لتأثير مشايخ الطرق الصوفية أكثر من خضوعها لتأثير رجال الدولة الرسمية ، كما أن الدولة مدت يد العون المالي إلى بعض الطرق الصوفية وفضلتها على غيرها ، وكان من أهم هذه الطرق :

النقشبندية ، والبكتاشية ، والمولوية ، والرفاعية ، والخلوتية ، والأحمدية ، والكازرونية (١).

في هذا المناخ عاش مؤرخنا السنجاري ، فمع تمسكه بالسنة ومذهبها الحنفي ومحاربته لكثير من البدع كان لا بد أن يتأثر بالتصوف ، الذي كان من سمات عصره ، كما أن شيخه البشبيشي كان من المتصوفة ، وكذلك شيخه الشلّي الذي بذل غاية الجهد في محاولة جمع تراجم المتصوفة في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين ضمن كتابيه "السنا الباهر" و "عقد الجواهر".

وتجلى ميل السنجاري للتصوف واضحا في حديثه عن الكرامات التي أضيفت على الأولياء في تلك العصور ، والتي كثيرا ما ترد في ثنايا كتابه ، فهو يتحدث عنها بعفوية واضحة ، ويعتبرها جزءا من الواقع الذي لا يرقى إليه أدنى شك. كما أنه اتخذ مواقف شديدة من خصوم الميتدعة من المتصوفة ، وقد انعكس ذلك في موقفه من إجراءات شيخه محمد بن

__________________

(١) انظر : الشناوي ـ عبد العزيز محمد ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة ١٩٨٠ م ١ / ٥٩.

٤٧

سليمان المغربي ناظر الحرمين الشريفين في منع خزعبلات بعض المتصوفة التي يمارسونها بمناسبة ما يسمونه «ليلة المولد» ، وخروجهم من المسجد وهم ينقرون الدفوف ويرددون الأهازيج. كما انعكس ذلك في إجلاله وتثمينه الكبير لما يقوم به المبتدعة من إحياء ليلة السيد عبد الله العيدروس صاحب الشبيكة كل عام ، ويشيد بزعمهم بأنه قد وقع له الفتح ويثني على عمل من يقوم مقامه إذ جعل له محفلا عظيما يزوره خلق بمكة رجالا ونساء ، كما هو المعهود في زيارة الأكابر. وقد تجلى موقف السنجاري في هذه المناسبة في اعتبار عمل الشيخ محمد بن سليمان المغربي في منع هذه البدع وإبطال هذه الشعائر وزعمه أنها من المناكير الظاهرة عدوانا استحق عليه العقاب الذي تمثل في فقدانه لسنده الوزير أحمد باشا الكوبرلي ، فهو يعقب على ذلك بقوله : «وعدّ الناس ذلك من كرامات الشيخ عبد الله العيدروس». وغيرها من الأحداث (١).

وبهذا لم يستطع السنجاري أن يتخلص من موروثات أسرته وعلاقتها الوطيدة مع أئمة التصوف بمكة المكرمة مثل السيد العيدروس (٢). وهذا لا يقلل من قيمة السنجاري ، فهو خطأ وقع فيه جلّ علماء الأمة في تلك القرون ، حيث أصبح الانحراف عن المنهج الإسلامي الصحيح هو الدين ـ يا للأسف ـ. ومن هنا كانت حركات الإصلاح من العلماء المخلصين الواعين تواجه بحملات شرسة من العلماء المتمسكين بهذا الموروث المنحرف ، ومن مجتمع المسلمين المؤمن بهذه الانحرافات ـ فليتأمل القاريء ـ.

__________________

(١) انظر اللوحات : ١٦١ ، ١٦٢ ، ٢٠٩ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٢) انظر : العجيمي ـ خبايا الزوايا ١ / ٢٤٢.

٤٨

مكانة السنجاري في مجتمعه ووظائفه :

ذكرنا سابقا أن السنجاري كان من عائلة عرفت بالعلم والثروة والجاه. وقد أدى هذا إلى حصول أفرادها على مكانة عالية في المجتمع المكي. فورث السنجاري هذه المكانة المرموقة لأسرته وساعده على البقاء فيهما علمه الغزير المتنوع من شعر وأدب وعلوم دينية (١).

والذي يدل على مكانة السنجاري العالية في مجتمعه المكي الأحداث التي وقعت سنة ١١٠٦ ه‍ ومطالبته بالتدخل والمشاركة فيها باعتباره من العلماء المرموقين في مكة (٢).

والذي يدل أيضا على مكانته في مجتمعه المكي عتاب الشريف سعد ابن زيد له عندما قدم للسلام عليه ، فقد قال له : «أنت خالفت بقلة الردية علينا ، وحقنا عليكم من أعظم الحقوق».

فقال السنجاري : «إن أذن لي في العذر سيدي تعذرت عن نفسي». فقال : «لا بد من ذلك». فأنشد بيتين :

كانت بنو حسن مجالسكم بها

أهل العلم فدورها أولى بها

فإذا تقدمت الثياب وأخرت

زين الرجال تبين عند خطابها

فقال الشريف : «لقد أسكتنا». رحم الله هؤلاء العلماء.

أما العلماء الآن فإنهم فارغون لا هم لهم إلّا المناصب (٣).

__________________

(١) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ٢٨٦.

(٢) علي الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٠٠. عن الحادثة انظر : حوادث سنة ١١٠٦ ه‍ من الكتاب.

(٣) علي الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١١٨.

٤٩

هذا ما يتعلق بمكانته في مجتمعه. أما وظائفه فلم أستطع أن أحصل على نص صريح لها إلا ما يذكره المؤرخون والأدباء من قولهم عنه الأديب والخطيب والإمام بالبلد الحرام (١).

وفاته :

توفي علي السنجاري في بداية سنة ١١٢٥ ه‍ / ١٦١٦ م (٢) ، حسب ما ذكرته المصادر والتي لم تذكر لنا اليوم والشهر ، ولكن يفهم منها أنه في شهر محرم ، فقد ذكر وفاته ابن المحب الطبري في كتابه إتحاف فضلاء الزمن (٣) بقوله : «في افتتاح سنة خمسة وعشرين وألف توفي مولانا الشيخ علي السنجاري الحنفي المكي الخطيب الإمام بالبلد الأمين ، شمس سماء المحامد والفضائل ، وغرّة سيما الأماجد والأفاضل ، ساحب ذيل العز الشامخ ، صاحب صول المجد الباذخ ، مجمع البحرين بحر العلم وبحر العمل ، ومقلد النحرين نحر الأدب ونحر الأمل ، ذا الفضل الذي بهرت روايته ، ورسخت في تخوم العلم دياراته ، وهطلت بالإفادة غمايمه ... وقد أرّخ وفاة مولانا الشيخ علي السنجاري الشيخ مصطفى النحاس وقال

__________________

(١) علي الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن ٣ / ٣ ، محمد أمين بن حبيب ـ طبقات السادة الحنفية ورقة ٣٢٣ ، الدهلوي ـ أزهار البستان ورقة ٢٢٧ ، أبو الخير ـ نشر النور والزهر ص ٣٥٨.

(٢) انظر سنة وفاته هذه في : ابن المحب الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن أحداث سنة ١١٢٥ ه‍ ، البغدادي ـ إيضاح المكنون ٢ / ٢٢٢ ، ٥٦٥ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ص ٣٥٨ ، الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٢٩٢ ، عبد الستار الدهلوي ناسخ النسخة (ج) ختم بها الجزء الثالث.

(٣) أحداث سنة ١١٢٥ ه‍ (مخطوط) ورقة ٣ / ٣.

٥٠

مؤرخا (١) :

لما قضى المولى المفضل نحبه

وسرا وصار مجاور الغفار

أرخت يا الله هب ولك البقا

وارحم منا علي السنجاري

ويبدو أن هذه الأسرة انقرضت في وقتنا الحالي ، ذكر المؤرخ أحمد السباعي في كتابه تاريخ مكة (٢) فقال :

«اشتهر آل السنجاري ، وأول من عرف منهم الشيخ تقي الدين السنجاري ... وظهر من بيته عدة علماء ، من أشهرهم علي بن تاج الدين ، وكان لهم وقف بأول زقاق المسفلة ، على يمين الذاهب إليه من السوق الصغير ، ولا يزال باقيا إلى اليوم في الحوش المقابل لحوش العمري ، وكانت بيوتهم فيه تطلّ على أول الهجلة. ويذكر الشيخ عبد الله غازي ، نقلا عن الشيخ جعفر لبنى أن تلك البيوت آلت في عهده إلى ذريتهم من البطون وهم بيت خوقير».

__________________

(١) هذا التاريخ بحساب الجمل. وحساب الجمل هو الحساب الذي يحسب به التاريخ الهجري ، وهو إعطاء قيمة رقمية لكل من الحروف الأبجدية (أبجد ، هوز ، حطي ، كلمن ، سعفص ، قرشت ، ثخذ ، ضظغ).

حيث :

أ ـ ١ ، ب ـ ٢ ، ج ـ ٣ ، د ـ ٤ ، ه ـ ٥ ، و ـ ٦ ، ز ـ ٧ ، ح ـ ٨ ، ط ـ ٩ ، ي ـ ١٠ ، ك ـ ٢٠ ، ل ـ ٣٠ ، م ـ ٤٠ ، ن ـ ٥٠ ، س ـ ٦٠ ، ع ـ ٧٠ ، ف ـ ٨٠ ، ص ـ ٩٠ ، ق ـ ١٠٠ ، ر ـ ٢٠٠ ، ش ـ ٣٠٠ ، ت ـ ٤٠٠ ، ث ـ ٥٠٠ ، خ ـ ٦٠٠ ، ذ ـ ٧٠٠ ، ض ـ ٨٠٠ ، ظ ـ ٩٠٠ ، غ ـ ١٠٠٠.

(٢) ص ٤٦٧ ، ٤٦٨.

٥١

تلاميذ السنجاري :

تتبعت العلماء في ذلك القرن الثاني عشر الهجري فلم أجد من تتلمذ على السنجاري إلّا :

إبراهيم بن محمد سعيد المنوفي الشافعي المكي ، أديب ماهر وشاعر وكاتب ومنشئ ، ولي كتابة السر في مكة ثم توفي فيها سنة ١١٨٧ ه‍ / ١٧٧٣ م (١).

وهذا لا يمنع أن يكون بعض العلماء قد تتلمذوا عليه.

آثار السنجاري العلمية :

بالرغم من ذكر وإشادة كثير من الأدباء والمؤرخين لعلم السنجاري وتنوعه ، فإننا من خلال البحث والتنقيب عن آثاره العلمية لم نحصل إلّا على (رسالة في التوحيد برسم المحصول من كلام الفحول في مسألة ما استشكل من تفضيل الملك على الرسول). مخطوط في دار الكتب المصرية.

وهي رسالة صغيرة لا تتجاوز أربعة وعشرين ورقة فيها الرد على هذه المسألة (٢).

ومن خلال تحقيقنا لكتاب السنجاري ، اتضح لنا من أقواله أن له ديوان شعر ، ذكر ذلك في كتابه منائح الكرم ضمن أحداث سنة ١١٠٦ ه‍ ، ولم نتمكن من الحصول عليه (٣).

__________________

(١) انظر هذا في : أبو الخير مرداد ـ المختصر في نشر النور والزهر ٥٣ ، ٥٤.

(٢) مخطوطة عثرت عليها المحققة ملك من دار الكتب المصرية.

(٣) وجاء بعضه في كتاب منائح الكرم. انظر اللوحات : ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١.

٥٢

وكذلك رسالة في الرد على ابن معصوم باسم «الدلائل الواضحة على المثالب الفاضحة» (١) ذكرها السنجاري ضمن أحداث سنة ١١١٥ ه‍ ولم نتمكن من الحصول عليها. وإن كان بعض ما جاء بها أورده بعض الكتاب ، وعلى رأسهم المحبي في خلاصة الأثر ، وكذلك عائض الردادي في الشعر الحجازي (٢).

كما أن له «رسالة عن صلاة المؤتم هل تصح في جوف الكعبة أم لا؟» (٣) وعنوانها «القربة بكشف الكربة عن بيان عدم صحة صلاة المؤتم بالإمام الخارج وهو في جوف الكعبة» (٤) صنفه سنة ١١٠٩ ه‍. ولم نعثر عليه.

__________________

(١) السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ١١١٥ ه‍. كما ذكر بعضه المحبي في نفحة الريحانة ٤ / ١٣٤ ، ١٣٥ ، وفي خلاصة الأثر ١ / ٤٧٦.

(٢) وقد حصل هذا الأمر عندما وقف السنجاري على ترجمة جده تاج الدين في سلافة العصر والتي مر ذكرها ، فغضب السنجاري من ابن معصوم في عبارته السابقة عن جده ، وهجا ابن معصوم وكتابه سلافة العصر ، وقال :

هات اقرأ لي ريحانة ابن خفاجة

لا عطر بعد عروس لفظ محكم

واترك سلافة رافضي مبعد

إن السلافة لا تحل لمسلم

ولما بلغ ابن معصوم هذا ، زاد في ترجمة تقي الدين عبارات نال فيها من حفيده علي بن تاج الدين ، سبق ذكرها. انظر : ابن معصوم ـ سلافة العصر ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٧٦ ، عائض الردادي ـ الشعر الحجازي ٢ / ٦١١.

(٣) ذكر هذه الرسالة البغدادي في إيضاح المكنون ٢ / ٢٢٢ وقال : «ألفه في حدود سنة ١١٠٩ ه‍ وقال : ملكت منه جزئين. خير الدين الزركلي ـ الإعلام ، ط ٩ ، ١٩٩٠ م ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ٤ / ٢٩٢.

(٤) صنفها عندما جاء وقت صلاة الجمعة ، فصلى الشريف أحمد بن غالب في جوف الكعبة ، وثار جدل في حينه. انظر : السنجاري ـ منائح الكرم ، البغدادي ـ إيضاح المكنون ٢ / ٢٢٢ ، الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٢٢٩ ، كحالة ـ معجم المؤلفين ٧ / ٤٩.

٥٣

كما قام باختصار المنسك الأوسط المسمى باللباب لرحمة الله السندي (١) ولم نعثر عليه.

على أن أهم ما وصلنا من إنتاجه هو كتابه منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم موضوع التحقيق والدراسة.

__________________

(١) انظر : أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ص ١٩٦.

٥٤

نماذج من خط السنجاري وتأليفه

٥٥

٥٦

٥٧

٥٨

الفصل الثاني

دراسة في الكتاب ونسخه ومنهج التحقيق

أولا : في الكتاب :

الكتابة التاريخية بمكة قبيل تأليف منائح الكرم.

كتاب منائح الكرم ـ أجزاؤه ومحتواه ـ.

منهج السنجاري في كتابه.

مصادر الكتاب وخصائصه ومدى تأثره بمناهج المؤرخين المكيين قبله.

ثانيا : نسخ الكتاب المخطوطة :

الأصول المخطوطة.

النسخ وتواريخها وخطوطها ومميزاتها.

ثالثا : منهج التحقيق :

الطريقة المتبعة في مقابلة النص.

الهوامش والتعليق.

المصطلحات المستخدمة في التحقيق.

٥٩
٦٠