منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

حديثوا عهد ..... الخ».

قال ابن حجر (١) ، ويؤيده ما وقع عند مسلم (٢) في بعض طرق الحديث : «ولأنفقن (٣) كنز الكعبة في سبيل الله «فإنفاقه جائز ، كما جاز لابن الزبير بناءها على قواعد إبراهيم عليه‌السلام عند زوال المانع» ـ انتهى (٤).

وأخرج الأزرقي (٥) : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجد في الكعبة سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان يهدى للبيت. فقال له علي (بن أبي طالب) (٦) رضي‌الله‌عنه : يا رسول الله ، لو استعنت بهذا المال على حربك! فلم يحركه (٧). ثم ذكر ذلك لأبي بكر رضي‌الله‌عنه فلم يحركه» ـ انتهى كلامه ـ.

ونقلت من خط شيخ مشايخنا الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن علان البكري (٨) ما نصه : «وفي شرح صحيح مسلم للأبّي (٩) نقلا عن

__________________

(١) فتح الباري ٤ / ٢٥٣.

(٢) في الصحيح.

(٣) في (ب) ، (ج) «ونفقة». وفي (د) «ولأنفقن».

(٤) وكل ذلك ورد في الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ٦٠.

(٥) أخبار مكة ١ / ١٧١.

(٦) ما بين قوسين سقط من بقية النسخ.

(٧) في (ب) ، (ج) «يحرك».

(٨) ويقصد به محمد علي بن محمد علان البكري الصديقي الشافعي المكي المتوفى سنة ١٠٥٧ ه‍. أشهر مؤرخي مكة في عصره ، والمتنوع التخصصات في التفسير والعقيدة والحديث والفقه والنحو ، والتاريخ والمنطق والتصوف ، وكتب الشعر ونظم الكتب العلمية. انظر عنه : المحبي ـ خلاصة الأثر ٤ / ١٨٤ ـ ١٨٩ ، العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٤٠٥ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٣١٤ ـ ٣٣٠.

(٩) وهو محمد بن خلفة بن عمر الأبي الوشتاني المالكي ، عالم بالحديث ، تونسي ، له اكمال اكمال المعلم لفوائد كتاب مسلم ، سبعة أجزاء في شرح صحيح مسلم ، وشرح ـ

٣٨١

شرح القرطبي المختصر (١) ما نصه (٢) : وليس من كنز الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه بعضهم ، فإن ذلك غير صحيح ، لأن حليتها حبس عليها كحصرها وقناديلها لا يجوز صرفها في غيرها.

وحكم حليتها حكم حلية السيف والمصحف المحبس في سبيل الله ، فإنه لا يجوز تغييره عن الوجه الذي حبس عليه ، وإنما كنزها فضلة ما يهدى إليها بعد نفقة ما يحتاج إليه" ـ انتهى ـ.

وفي المناهل العذبة لابن حجر المكي (٣) نقلا عن السبكي (٤) في كتاب تنزل السكينة :

«فظهر ثبوت اختصاص ما يهدى إليها من الأموال ، وامتناع صرفها في غيرها للفقراء ، ولا للحرم الخارج عنها ولا المحيط بها ، ولا لشيء من المصالح إلا أن يعرض لها نفسها كعمارة ونحوها ، فحينئذ ينظر : فإن كانت تلك الأموال قد أرصدت لذلك فيصرف منه ، وإلا فيختص (٥)

__________________

المدونة. مات بتونس سنة ٨٢٧ ه‍. انظر عنه : الزركلي ـ الأعلام ٦ / ١١٥.

(١) القرطبي ـ أحمد بن عمر بن إبراهيم أبو العباس الأنصاري المالكي ابن المزين من رجال الحديث ، وكتابه المقصود هنا المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم. شرح فيه كتابا من تصنيفه في (اختصار مسلم). توفي بالاسكندرية سنة ٦٥٦ ه‍ ، وكتبه مخطوطة. انظر : ابن كثير ـ البداية والنهاية ١٣ / ٢١٣ ، نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ٢ / ٦٤٣ ، الزركلي ـ الأعلام ١ / ١٨٦.

(٢) في (ب) ، (د) «لفظه».

(٣) هو أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المكي شهاب الدين المتوفى سنة ٩٧٤ ه‍. وكتابه المناهل العذبة في اصلاح ما وهي وتشعث من الكعبة ـ مخطوط. انظر : ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ٨ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٢٢٦.

(٤) التاج تقي الدين السبكي ، المتوفى سنة ٧٥٦ ه‍.

(٥) في (أ) ، (ج) «فيختصر». والاثبات من (ب) ، (د).

٣٨٢

بها الوجه الذي أرصدت له ، فلا يغير عن وجهه. فالمرصد للتنوير (١) لا يصرف لغيره ، والمرصد للعمارة لا يصرف لغيرها ، والمرصد للكسوة لا يصرف لغيرها ، والمرصد للكعبة مطلقا يصرف في جميع هذه (٢) الوجوه. وكذا لو وجد فيها ولم يعلم قصد من أتى به" ـ انتهى ـ.

وتبعه الزركشي (٣) في الخادم ـ انتهى المقصود منه ـ.

قال القاضي أبو بكر بن ظهيرة في شفاء الغليل (٤) ، وعن محمد بن يحيى قال : «حدثني بعض الحجبة في سنة ٨٠٨ ه‍ (٥) أن ذلك المال بعينه في خزانة الكعبة ، ثم لا أدري ما حاله بعد ذلك».

قال الأزرقي (٦) : «وحدثني جدي وغيره من مشيخة أهل مكة وبعض الحجبة : أن الحسين العلوي (٧) عمد إلى خزانة الكعبة في سنة مائتين حين تولى مكة ، فأخذ جميع ما فيها من المال وقال : ما تصنع الكعبة به؟! ونحن أحق بأن نستعين به على حربنا».

__________________

(١) في (أ) ، (ب) ، (ج) «بالتجوز». وأضاف ناسخ (ب) في الهامش" لعله للتنوير». وهذا ما أثبتناه لموافقته المعنى. وفي (د) «للبخور».

(٢) في (ب) «هذا».

(٣) الزركشي : محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله بدر الدين الشافعي ، تركي الأصل مصري المولد والوفاة صاحب البحر المحيط في أصول الفقه المتوفى سنة ٧٩٤ ه‍. انظر : ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ٦ / ٣٣٥ ، الزركلي ٦ / ٦١.

(٤) شفاء الغليل ودواء العليل في حج بيت الرب العظيم الجليل ـ منسك لابن ظهيرة أبو بكر بن علي بن ظهيرة القرشي المكي المتوفى سنة ٨٨٩ ه‍. وكتابه مخطوط.

(٥) في (د) «سنة ٨٨٨ ه». وهو خطأ.

(٦) أخبار مكة ١ / ١٧٢.

(٧) الحسين العلوي : الحسين بن الحسن الأفطس. ولاه أبو السرايا مكة سنة ١٩٩ ه‍. الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين ٥٣٣.

٣٨٣

ويروى أن مال الكعبة كان يدعى الأبرق (١) ، لا يخالط مالا إلا محقه ، وأدنى ما يصيب آخذه أن يشدد نزاعه عليه عند الموت.

[مناصب قريش في مكة]

رجع إلى ذكر قصي بن كلاب :

يقال أنه أول من أوقد النار بالمزدلفة حتى يراها من يدفع من عرفات ـ كذا في بعض الأوليات (٢) ـ.

واجتمعت له وظائف الرياسات ، فكانت بيده السدانة ، والسقاية ، والرفادة ، والندوة ، واللواء ، والقيادة. وهذه مناصب قريش الشريفة :

أما السدانة :

فهي خدمة البيت وحجابته وتولي (٣) أمره ، وفتح بابه وإغلاقه. وكانت قبل قريش لطسم (٤) ـ قبيلة من عاد ـ فاستخفوا بحق البيت ، واستحلو حرمته / ، فأهلكهم الله عزوجل. ثم وليته بعدهم جرهم ، فاستخفوا بحرمته فهلكوا. ثم وليته خزاعة ، فاستخفوا بحرمته ، فكان آخرهم أبو غبشان (٥) فباع المفتاح من قصي ـ كما تقدم (٦).

فلما آل الأمر لقصي أعطى السدانة ولده عبد الدار ، ثم جعل

__________________

(١) تشبيه بالغلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة. انظر : لسان العرب ١٠ / ١٦.

(٢) كتب الأوليات كثيرة منها : الأوائل للعسكري ، والأوائل للطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ ه‍ ، والأوائل للسيوطي.

(٣) في (أ) «وتوالى». والاثبات من بقية النسخ.

(٤) طسم من العرب البائدة كان مسكنهم اليمامة كما كان هلاكهم على يد حسان بن تبع. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٩٨ ـ ١٠٠.

(٥) في (ج) ، (د) سقطت" أبو».

(٦) في هذا الكتاب.

٣٨٤

عبد الدار الحجابة إلى ابنه عثمان ، ولم تزل في أولاده إلى أن انتقلت إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ، فمات ولم يعقب ، فصارت إلى ابن عمه شيبة بن عثمان ، وهي في ولده إلى الآن.

فائدة :

جرت العادة في بني شيبة أن يكون المفتاح عند أكبرهم (١) سنا ، وذلك من فعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه دفعه لعثمان بن أبي طلحة مع وجود إبن عمه شيبة بن عثمان. ولما مات عثمان ولي السدانة شيبة بن عثمان. والظاهر أن ذلك شأن ولاة البيت (٢) من زمن الجاهلية ، لأن قصيا خلفه عليه [ولده](٣) عبد الدار وهو أكبر أولاده. وبقي في يد عثمان بن أبي طلحة (إلى زمن الفتح ، فأخذه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يد عثمان بن أبي طلحة) (٤) واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار العبدري القرشي ، ورده صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه بعد أن خرج من الكعبة وقال : «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة إلى يوم القيامة ، لا ينزعها منكم إلا ظالم».

(وفي ذلك نزل) (٥) قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٦).

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «لأأكبرهم» وأضاف ناسخ (ب) «أن في نسخة أخرى عند أكبرهم».

(٢) في (د) «الأمر».

(٣) زائدة من (ج).

(٤) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٥) ما بين قوسين في (ج) «ونزل في ذلك».

(٦) سورة النساء الآية ٥٨.

٣٨٥

وفي رواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «هاكم المفتاح يا بني شيبة وكلوا بالمعروف» (١).

قال العلماء : إن هذه ولاية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم ، وأعظم من ذلك أن يشرك معهم غيرهم.

قال المحب الطبري في [منسكه](٢) القرى [لقاصد أم القرى](٣) :

«لا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ، ولازموا الأدب في خدمته ، أما إذا لم يحفظوا حرمته فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته».

ثم قال : «وربما تعلق الجاهل المعكوس (٤) الفهم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وكلوا بالمعروف ، فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت ، ولا خلاف بين الأئمة ـ رحمهم‌الله تعالى ـ في تحريم ذلك. (وأنه من أشنع البدع وأقبح الفواحش ، وهذه / اللفظة ـ إن صحت ـ يستدل) (٥) بها على إقامة الحرمة ، لأن أخذ الأجرة ليس من المعروف ، وإنما الاشارة ـ والله أعلم ـ إلى ما يتصدق به من البر عليهم على وجه التبرك والصلة ، فإن

__________________

(١) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١٣٩ ـ ١٤٠ ، ابن الضياء ـ تاريخ مكة المشرفة ٦٩. وهذا الحديث باللفظ الذي ذكره السنجاري ، رواه سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني صاحب كتاب السنن والزهد. توفي بمكة سنة ٢٢٧ ه‍. انظر الحديث عند : ابن الضياء ـ تاريخ مكة ص ٧٠.

(٢) زيادة من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من (ج). والكتاب القرى لقاصد أم القرى في فضائل الحرمين والمناسك. وانظر في ذلك : ابن الضياء ـ تاريخ مكة ص ٧٠.

(٤) في (ج) «المنكوس».

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

٣٨٦

ذلك أكل بالمعروف ، أو إلى ما يأخذونه من بيت المال لمقابلة خدمته والقيام بمصالحه ، فلا يحل لهم إلا قدر ما يستحقونه ـ والله أعلم ـ» ـ انتهى كلامه ـ.

ويروى عن عثمان بن طلحة قال (١) : «فتحنا البيت يوما في الجاهلية ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليدخل مع الناس ، فتكلمت بكلام ، فحلم (٢) علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : يا عثمان ، لعلك سترى (٣) هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت. فقلت : لقد (٤) هلكت قريش يومئذ وذلت. [فقال](٥) : فقل بل عزت.

فوقع كلامه في قلبي ، وعلمت أنه سيصير أمر البيت إليه.

[قال](٦) : فأردت الإسلام (٧) ، فخشيت قومي ، فقدمت المدينة ، وأسلمت وأقمت معه حتى خرج في غزوة الفتح ، فلما دخل مكة قال : يا عثمان ، ائتني بالمفتاح ... إلى آخر الحديث».

فائدة :

وذكر الفاكهي (٨) : «أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا أتاه عثمان بالمفتاح ، أخذه منه

__________________

(١) انظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٧٣.

(٢) في (ج) «نحكم». وهي خطأ. وفي الطبقات لابن سعد وفي سمط النجوم العوالي للعصامي «فأغلظت له». انظر : سمط النجوم العوالي ٢ / ١٨٩.

(٣) في (ج) «ترى».

(٤) سقطت من (ج).

(٥) زيادة من (د). وفي (ج) «فقالت» والاثبات من (د) لاستقامة المعنى.

(٦) زيادة من (ب) ، (ج) ، (د).

(٧) في الجامع اللطيف ص ٧٣ «السلام». وهو خطأ.

(٨) في أخبار مكة ٥ / ٢٣٤. وقد نقل عنه أيضا العصامي في سمط النجوم العوالي ـ ٢ / ١٨٩. وانظر : فتح الباري لابن حجر العسقلاني ٣ / ٤٦٤. وقد روي الحديث من طريق ضعيفة.

٣٨٧

وفتحها (١) بيده ـ وكان يقال : لا يفتح الكعبة إلا الحجبة ـ» ـ انتهى ـ كأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما فتحها بيده ليبطل اعتقاد هذا القول ـ والله أعلم.

قال الامام علي بن عبد القادر الطبري (٢) : «وجرت العادة أنه إذا مات فاتح البيت يجيء أهله بالمفتاح إلى أمير مكة ، ثم يدفعه أمير مكة إلى مستحقه على عادتهم ، فيسلمه أمير مكة إليه». ـ انتهى ـ.

فائدة :

ذكر الشريف ابن أبي جعفر النسابة :

«أنه ليس لبني عبد الدار عقب ، وقد درج (٣) عقبهم من زمن هشام بن عبد الملك (٤) فكل من يدعي إلى هذا البطن فإنه ضحّ (٥) «ـ انتهى ـ.

قالوا : الضّحّ بكسر الضاد وتشديد الحاء المهملة ـ ضوء الشمس.

والمعنى أنه في أمر بيّن البطلان مثل ضوء الشمس. ـ كذا رأيته بخط بعض (٦) الأفاضل عن ابن فرحون (٧) ـ ورده العلامة الحطاب المالكي

__________________

(١) في (ج) «وفتحه».

(٢) في كتابه الأرج المسكي في التاريخ المكي.

(٣) في (ج) «درس». وأثبت ناسخ (ب) في الهامش «درس» وهي بالمعنى نفسه.

(٤) هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي ١٠٥ ـ ١٢٥ ه‍.

(٥) الضح : هو ضوء الشمس. انظر : لسان العرب ٢ / ٥٢٧.

(٦) سقطت من (ب). وجاء في (د) «بعض أهل مكة». وسقط الباقي من (د) الى «والله أعلم».

(٧) ابن فرحون : هو إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون برهان الدين اليعمري مغربي الأصل. ولد ونشأ ومات في المدينة سنة ٧٩٩ ه‍. من مؤلفاته : الديباج المذهب في تراجم أعيان المذهب المالكي. انظر عنه : الدرر الكامنة ١ / ٤٨ ، الزركلي ـ الأعلام ١ / ٥٢.

٣٨٨

المكي (١) بما يطول شرحه في رسالة ألفها في أنساب بعض أهل مكة. ـ والله أعلم ـ.

أقول : ونقلت من المرام للقاضي سنان بن مصطفى المروي ما نصه بعد إيراد القصة : «وفي المواهب (٢) أن جبريل قال : ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة ، فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان» ـ انتهى.

وبهذا يعلم صحة نسب القائمين بهذه الخدمة ، ولا اعتبار بما نقله ابن أبي جعفر النسابة. ـ هذا ما أعتقده والله أعلم ـ.

وأما وقت فتحها :

فكانت في الجاهلية / تفتح يوم الاثنين ويوم الخميس ـ كذا عن الأزرقي (٣). وعنه يوم الاثنين والجمعة. وكذلك في الإسلام كانت تفتح يوم (٤) الاثنين والجمعة إلا في رجب فإنها كانت (٥) تفتح كل يوم.

قال الفاسي (٦) : «وفتحها يوم الجمعة باق إلى الآن ـ يعني زمنه ـ ، وترك فتحها يوم الاثنين».

أقول : وقد ترك هذا القدر أيضا ، وصارت تفتح أياما معدودة من

__________________

(١) يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرعيني الأصل المكي المالكي. كان فقيه المالكية بمكة ، كما كان والده المتوفى سنة ٩٥٤ ه‍. وتوفي سنة ٩٩٥ ه‍. له من الكتب : ارشاد السالك المحتاج الى بيان المعتمر والحاج. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٥٨ ، ٨ / ١٦٩.

(٢) لعله المواهب المكية لعمر بن أحمد بن علي الشماع الحلبي زين الدين أبو حفص المتوفى سنة ٩٣٦ ه‍. انظر عنه : محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ص ١٩٢.

(٣) أخبار مكة ١ / ١١٨.

(٤) في (أ) ، (د) «فيه». والاثبات من (ب) ، (ج).

(٥) سقطت من (ج).

(٦) في العقد الثمين ١ / ٦٠.

٣٨٩

السنة وهي : أولها يوم عاشوراء ، وثاني عشرها ، والنصف من ربيع الأول ، وأول جمعة في رجب ، والنصف من رجب ، والنصف من شعبان ، وآخر (١) جمعة في رمضان ، وفي ذي القعدة للغسيل (٢).

وفي كل من هذه الفتحات تفتح اليوم الأول للرجال ، والثاني للنساء [إلا فتح الغسل](٣).

وكان فاتح البيت قديما يجلس على كرسي [في](٤) جوف الكعبة في فتحة النساء ، ثم ترك ذلك ـ جزى الله خيرا من كان السبب في ذلك ـ وصار تجلس عوضه إمرأة من أهله.

وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ما يتعلق بدخولها (٥).

[السقاية]

وأما السقاية :

فحياض من أدم (٦) ، كانت توضع على عهد قصي بفناء (٧) الكعبة ، وتملأ ماء للحاج (٨).

وكان قصي يسقي اللبن المخيض والماء المنبوذ بالزبيب أيضا ، وما زال ذلك الأمر حتى قام به هاشم ثم أخوه المطلب ، ثم عبد المطلب.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «وأول».

(٢) في (ب) ، (ج) «للغسل».

(٣) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج) ، (د).

(٤) زيادة من (ج).

(٥) في هذا الكتاب.

(٦) الأدم : الجلد المدبوغ. انظر : لسان العرب لابن منظور ١٢ / ٩ ـ ١٠.

(٧) في ب «بقفا».

(٨) في (ب) ، (ج) (د) «للحجاج».

٣٩٠

ثم قام به العباس رضي‌الله‌عنه بتولية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكانت الخلفاء تقوم بهذا الطعام ولا يكلفون أحدا من ماله شيئا. وكان أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما اشترى دارا بمكة وسماها دار المراجل ، وجعل فيها قدورا ، وكانت الجزر والغنم (١) تذبح ، ويطبخ فيها للحاج أيام الموسم ، ثم يفعل ذلك في شهر رمضان.

[الرفادة]

وأما الرفادة :

فخرج كان (قصي يأخذه) (٢) من قريش ، فيجمعه في كل موسم ، ويصنع به طعاما للحجاج ، يأكله من (لم يكن) (٣) معه سقيّة ولا زاد ، حتى قال قائلهم :

إن الحجيج طاعمين دسما

بجر الحشا مستحقين الشحما

أو سعهم زيد قصي لحما

ولبنا مخضا وخبزا هشما

[الندوة]

وأما الندوة :

فولاية (٤) دار الندوة ـ وهي الدار ال بناها قصي ـ وكانوا لا يعقدون (٥) أمرا إلا فيها. وتقدم ذكرها (٦) ـ وكانت هي أول دار بنيت بمكة.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «للنعم». وهذا خلط من السنجاري بين السقاية والرفادة.

(٢) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) ، (د) «يأخذه قصي».

(٣) في (ج) «ليس».

(٤) في (ج) «فوبة». وهو خطأ.

(٥) في (ب) «يقعدون». وفي (د) «يفقدون».

(٦) في هذا الكتاب.

٣٩١

بمكة.

آلت هذه الدار إلى / حكيم بن حزام (١) رضي‌الله‌عنه. فلما جاء الإسلام ووسع المسجد باعها بمائة ألف درهم ، فلامه أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما في ذلك ، وقال له : بعت مكرمة آبائك وشرفهم!. فقال حكيم : ذهبت المكارم إلا بالتقوى ، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر ، وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله ، فأينا (٢) المغبون؟! ـ ذكر هذا الخبر الدارقطني (٣).

[اللواء والقيادة]

وأما اللواء :

فهو لواء الحرب.

وأما القيادة : فصاحبها يقتاد الناس إلى الحروب ـ بمعنى رئيسهم المتبعون له ، وكانت لعبد شمس ثم ابنه أمية ، ثم ابنه حرب ثم ابنه أبو سفيان رضي‌الله‌عنه ، فقاد قريشا يوم أحد ويوم الأحزاب.

__________________

(١) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ابن أخي خديجة رضي‌الله‌عنهما. ولد في جوف الكعبة. وكان من سادات العرب. وأسلم عام الفتح ، وشهد حنينا وأعطي من غنائمها مع المؤلفة قلوبهم ، وتوفي في خلافة معاوية. انظر : ابن حجر العسقلاني ـ الاصابة في تمييز الصحابة ١ / ٢٤٩ ـ ٣٥٠. وفيه ذكر الخبر.

(٢) في (ج) «فاين».

(٣) الدارقطني : هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي المقريء المحدث من أهل محلة دار القطن ببغداد. أول من صنف في القراءآت. من تصانيفه كتاب السنن والعلل الواردة في الأحاديث النبوية ، والمؤتلف والمختلف ، والضعفاء ، وغيرها. توفي سنة ٣٨٥ ه‍. انظر عنه : الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد ١٢ / ٣٤ ـ ٤٠ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٦ / ٤٤٩ ـ ٤٦١.

٣٩٢

وهذه مناقب قريش (١).

[وفاة قصي وولاية عبد الدار]

فلما كبر قصي ورقّ عظمه ، وكان ابنه عبد الدار أكبر أولاده ، وكان عبد مناف بن قصي قد شرف في قومه وذهب في الرياسة كل مذهب ، وكذلك عبد العزى ، وكذلك أخوه عبد بن (٢) قصي ، قال قصي لعبد الدار : «ولألحقنك (٣) بالقوم ، وإن كانوا قد (٤) شرفوا عليك ، لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت الذي تفتحها له ، ولا يعقد (٥) لقريش لواء حرب إلا أنت بيدك ، ولا يشرب رجل بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم إلا من طعامك».

فأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة. ثم مات فدفن (٦) بالحجون ، (وقد دفن) (٧) الناس بها بعده. ـ قاله الفاسي (٨).

قال الزبير بن بكار : وفي مقبرة الحجون يقول كثير بن كثير السهمي في الإسلام :

عين جودي بعبرة أسراب

من دموع كثيرة التسكاب

__________________

(١) أي السقاية والرفادة والسدانة والحجابة والندوة واللواء والقيادة.

(٢) في (ج) «نبي». وهو خطأ.

(٣) في (ج) «ابنه ألحقتك». وما في (أ) ، (ب) كما عند ابن هشام في السيرة ١ / ١٢٩.

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) في (ب) «يقعد».

(٦) سقطت من (د).

(٧) ما بين قوسين في (أ) ، (د) «وتدافن». والاثبات من (ب) ، (ج).

(٨) في شفاء الغرام ٢ / ١١٨. وكل ذلك عن ابن إسحاق كما ذكر ابن هشام في السيرة ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٣٩٣

إن أهل الحصاب قد تركوني

موزعا مولعا بأهل الحصاب

كم بذاك الحجون من حيّ صدق

وكهول أعفّة وشباب

فارقوني وقد علمت يقينا

ما لمن ذاق ميتة من إياب

[توزيع مناصب قريش بمكة]

فأقام بنوه أمره بعده ، واختطوا بمكة رباعا (١) بعد الذي كان قطع لقومه بها ، فكانوا يقطعونها (٢) في قومهم وحلفائهم ويبيعونها.

ثم ان بني عبد مناف / وهم عبد شمس ، وهاشم ، والمطلب ، ونوفل ، أجمعوا على أخذ ما بيد [بني](٣) عبد الدار مما كان أعطاه أبوه.

فتفرقت عند ذلك قريش فرقتين ، فكانت مع كلّ طائفة ، (وكان صاحب بني عبد مناف ، عبد شمس فإنه كان أكبرهم) (٤) ، وكان صاحب بني عبد الدار ، عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ـ كذا في سيرة ابن هشام (٥).

وقد أطال الفاسي (٦) بذكر الإختلاف فيمن كان رئيس كل من الطائفتين ، ثم قال : «وتحصل لنا أن في القائم بأمر بني عبد الدار ثلاثة أقوال : أولها أنه عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. ثانيها أنه أبو طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار. ثالثها عثمان بن عبد الدار.

__________________

(١) الرباع : مفردها ربع وهي المنزل وما حوله ـ دار الاقامة ـ لسان العرب لابن منظور ٨ / ١٠٢.

(٢) سقطت من (د).

(٣) زيادة من السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١٣١.

(٤) ما بين قوسين سقط من (د).

(٥) السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١٣٠ ـ ١٣١.

(٦) في شفاء الغرام ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٣٩٤

وفي القائم بأمر بني عبد مناف قولان : أحدهما أنه عبد شمس. الثاني أنه أمية بن عبد شمس».

وكان مع بني عبد مناف ، بنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة (١) ، وبنو (الحارث بن فهر) (٢) بن مالك بن النضر.

ومع بني عبد الدار ، بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص ، وبنو جمح ، وبنو عدي بن مالك (٣).

واعتزلت بنو عامر بن لؤي ، وبنو محارب بن فهر ، فلم يكونوا مع أحد من الفريقين (٤).

فعقد كل (قوم على) (٥) أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا (٦).

فأخرج بنو عبد مناف جفنة طيب ـ يزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجتها لهم ـ وهي عاتكة بنت عبد المطلب ، وقيل أختها البيضاء بنت عبد المطلب (٧). ونظر الفاسي في الوجهين (٨) ـ. فوضعوها

__________________

(١) وردت في (د) «بنو تميم بن مرة». وهو خطأ.

(٢) في (ب) ، (د) «الحرث بن فهر». وفي (ج) «الحرث بن نصر» وهو خطأ. انظر ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣١.

(٣) عند ابن هشام في السيرة «بنو عدي بن كعب» ١ / ١٣١.

(٤) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣١.

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٦) أضاف ابن هشام الى ما ذكر : «ما بل بحر صوفة». أي الى الأبد ١ / ١٣١. وانظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٩ / ٢٠٠.

(٧) في (د) «عبد مناف».

(٨) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ١٣١.

٣٩٥

ـ أعني جفنة الطيب ـ في المسجد ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، وتعاقدوا وتعاهدوا ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم ، فسموا المطيبين ، وهم خمس قبائل كما تقدم.

وتعاقد بنو عبد الدار وحلفاؤهم كذلك عند الكعبة حلفا مؤكدا ، على أن لا يتخاذلوا ، فسموا الأحلاف (١) ، وأخرجوا جفنة مملوءة دما من جزور نحروها ، ثم قالوا : «من أدخل يده في دمها فلعق منه فهو منا». وصاروا يضعون أيديهم فيها ويلعقونها فسموا (لعقة الدم) (٢) /.

وقيل : ان الذين لعقوا الدم بنو عدي خاصة.

وعينت بعض القبائل لبعض ، وكادت الحرب أن تنشب. فبيناهم (٣) كذلك إذ تداعوا للصلح ، على أن يعطى (٤) بنو عبد مناف السقاية والقيادة والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة بيد بني عبد الدار.

وفي سيرة الحلبي (٥) : «والندوة مشتركة بينهم».

فرضي كلّ بذلك ، وتحاجزوا ، وثبت كل قوم على ما (٦) هو لهم بعد الصلح.

قال الفاسي (٧) : «فولي السقاية والرفادة هاشم بن عبد مناف ، لأن

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٣٢. ولم يذكر الجفنة المملوءة دما.

(٢) في (ب) ، (ج) «اللعقة».

(٣) في (د) «فيما بينهم».

(٤) في (ج) «يعطوا».

(٥) انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ص ١٤.

(٦) أضاف ناسخ (ج) «عليه» ولا لزوم لها.

(٧) شفاء الغرام ٢ / ١٢٣.

٣٩٦

عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة ، وكان مقلا وكان هاشم موسرا ، فكان يطعم الطعام للحاج ، ولم يزل على ذلك».

غريبة :

قال ابن ظفر (١) في كتابه الأنباء : «إن عبد شمس وهاشم توأمان ، وقيل أن أحدهما خرج من بطن أمه واصبعه ملصقة بجبهة أخيه ، فنحيت الأصبع ، فقطر من موضع الإلتحام دم ، فتعيفوا ذلك وكرهوه ، فقال من يكهن لهم : سيكون بينهما دم. فكانت الملاحم المشهورة بين بني أمية وبني هاشم» ـ انتهى (٢) ـ.

[بنو شيبة حجبة البيت]

فلنرجع إلى بقية الحديث فنقول :

وبقيت الحجابة في بني عبد الدار ، إلى أن انتقلت إلى عثمان بن أبي طلحة ، ثم إلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وهي في ولده إلى الآن.

[هاشم بن عبد مناف في منصب السقاية والرفادة]

وهاشم بن عبد (٣) مناف هذا هو أول من سن الرحلتين لقريش ـ رحلة الشتاء والصيف ـ وأول من أطعم الثريد بمكة ، وبه سمي هاشما ،

__________________

(١) ابن ظفر محمد بن عبد الله أبو محمد بن محمد بن ظفر الصقلي المكي أبو عبد الله أديب رحالة مفسر. ولد في صقلية ونشأ بمكة وتوفي بحماة في الشام. له ينبوع الحياة في التفسير وغيره. وتوفي سنة ٥٦٥ ه‍ على اختلاف. انظر عنه : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٤ / ٣٩٥ ـ ٣٩٧ ، الزركلي ـ الأعلام ٦ / ٢٣٠ ـ ٢٣١. وانظر الخبر في سيرة الحلبي ـ انسان العيون ص ٤ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١٣٦.

(٢) وهذه من الغرائب المصطنعة الموضوعة من خيالات الكتاب.

(٣) سقطت من (ب).

٣٩٧

واسمه عمرو (١) ، وفيه يقول مطرود بن كعب الخزاعي (٢) شعرا (٣) :

يا أيها الرجل المحرّك رحله

هلّا نزلت بآل عبد مناف

هبلتك أمك لو نزلت عليهم

ضمنوك من جوع ومن إقراف (٤)

الآخذون العهد (٥) من آفاقها

والظاعنون لرحلة الإيلاف

والملحقون فقيرهم بغنيهم

حتى يعود فقيرهم كالكافي

والرائشون (٦) وليس يوجد رائش

والقائلون هلمّ للأضياف

والضاربون (٧) الجيش يبرق بيضه (٨)

والمانعون (٩) البيض بالأسياف /

__________________

(١) ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣٦.

(٢) وجاء في (د) «وفيه يقول الشاعر» وفي الأصول كلها «مطر بن كعب الخزاعي». ومطرود شاعر جاهلي فحل لجأ الى عبد المطلب بن هاشم لجناية كانت منه فحماه وأحسن اليه فمدحه كثيرا ومدح أبناءه. انظر : ابن حبيب ـ المحبر ١٦٣ ـ ١٦٤ ، السهيلي ـ الروض الأنف ١ / ٩٤ ـ ٩٧ ، الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٢٥١.

(٣) من البحر الكامل. المشهور أن هذه الأبيات لابن الزبعري السهمي أو تشبهها ـ انظر مثلها في شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٤٠ ـ ١٤١ ، وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١١٢.

(٤) الإقراف : أي البغي.

(٥) اشارة إلى ما أخذه هاشم من قيصر الروم والغساسنة ، وما أخذه عبد شمس من النجاشي ، وما أخذه نوفل من الفرس والمناذرة ، وما أخذه المطلب من حمير في اليمن. انظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ١٨٢ ، اليعقوبي ـ تاريخ ١ / ١٩٧ ، جميل المصري ـ تاريخ الدعوة الإسلامية ص ٥٣.

(٦) الرائش : هنا بمعنى الكامل المستقيم الذي يحسن الى الفقير ويوليه خيرا. انظر : لسان العرب ٦ / ٣٠٩ ، ٣١٠. أي المغنون الناس ، المطعمون.

(٧) في (أ) «والضاربين». والاثبات من بقية النسخ.

(٨) في (د) «برق بيضة».

(٩) في (أ) ، (ب) «والمانعين». والاثبات من (ج) ، (د). والمانعون البيض : أي حماة البلاد.

٣٩٨

ويقابلون الريح كلّ عشية

حتى تغيب الشمس في الرّجاف (١)

لم تر عيني مثلهم فهم الأولى

كسبوا فعال التلد والأطراف

ومنها (٢) :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون (٣) عجاف

سنت إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف (٤)

فإذا معدّ حصّلت أنسابها

فهم لعمرك جوهر الأصداف

وبهذا الشعر أبيات ذكرها علماء الشعر ، ليست من قصدنا ، ـ والله أعلم.

قال ابن هشام (٥) : «ثم هلك هاشم بغزة من أرض الشام تاجرا ، وكان في هذه (٦) السفرة مر بيثرب ، وتزوج (بها سلمى) (٧) بنت عمرو أحد بني النجار ودخل بها ، وسافر عنها وقد حملت بعبد المطلب ، فمات بغزة».

واختلف في سنّه حينما مات ، فقيل عشرون سنة ، وقيل خمس

__________________

(١) في (د) «الارجاف». والرجاف هنا بمعنى البحر. سمي به لإضطرابه وتحرك أمواجه. انظر : لسان العرب حيث ذكر ابن منظور بعض أبيات مطرود الخزاعي ٩ / ١٣.

(٢) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د). وقد ذكر صاحب البدء والتاريخ البيت الأول فقط.

(٣) في (أ) ، (ج) «مستنون». وفي (ب) «مسنيون». والاثبات من (د). والمسنتون : أي أصابهم القحط والعجاف ، مفردها أعجف ، وهو الهزيل.

(٤) في (د) «الإيلاف».

(٥) ابن هشام ـ السيرة النبوية ١ / ١٣٧.

(٦) سقطت من (ب). وفي (ج) «تلك».

(٧) في (ج) ما بين قوسين «بسلمى». وأضاف الناسخ في الهامش «وفي نسخة أخرى بها سلمى».

٣٩٩

وعشرون ـ ذكره شارح السيرة عبد الغني ـ.

[المطلب بن عبد مناف]

فلما توفي ولي بعده السقاية والرفادة المطلب بن عبد مناف ، وكانت قريش تسميه الفيض لسماحه (١). وولدت سلمى لهاشم شيبة الحمد ، فشبّ في أخواله بني النجار ، فلما بلغ المطلب أنه شب رحل إلى المدينة ، وما زال بأمه حتى أخذه ، وأتى به مكة ، فرآه بعض الناس وهو ردفه ، فسأله : من هذا؟. فقال : عبدي.

فلما وصل داره ألبسه الحلل ، وخرج به إلى قومه ، وأخبرهم أنه شيبة الحمد بن هاشم بن عبد مناف ، فعرفوا له حقه ، وغلب عليه عبد المطلب ، وكناه المطلب بأبي الحارث ، وكان جوادا كريما حتى قيل فيه : انه مطعم الطير.

ثم ان المطلب سافر إلى اليمن ، فهلك بردمان (٢) من أرض اليمن. ثم هلك أخوه نوفل بسلمان (٣) من أرض العراق.

وفيهم يقول مطرود (٤) بن كعب الخزاعي :

__________________

(١) في (ج) «لسماحته». وانظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣٧ ، أبو هلال الحسن العسكري ـ الأوائل ص ٢١.

(٢) ردمان : مكان باليمن ، انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٤٠. وقد ذكر ياقوت بعض أبيات مطرود الخزاعي.

(٣) سلمان : ماء قديم على طريق تهامة من العراق ، وكان من مياه بكر بن وائل في الجاهلية. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٢٣٩.

(٤) في الأصول : مطر بن كعب الخزاعي. والتصحيح من المصادر. انظر : ابن هشام ١ / ١٣٨ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١٢٥ ، ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٤٠ ، ابن منظور ـ لسان العرب ٩ / ١١٣ ، المقدسي ـ البدء والتاريخ ٤ / ١١١. والأبيات من البحر السريع.

٤٠٠