منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

وبعد :

فإن جامعة أم القرى أخذت على عاتقها رعاية ونشر البحث العلمي ، في مجالات العلوم المتعددة ، وخاصة تلك العلوم ذات الصلة بما يتعلق بالإسلام والتراث الإسلامي ، وتاريخ أم القرى على وجه الخصوص ، وقد قام معهد البحوث العلمية بنشر عدد من الأعمال العلمية العظيمة الخاصة بتاريخ هذا البلد الأمين ، منها : غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ، لابن فهد في ثلاثة مجلدات ، وإتحاف الورى بأخبار أم القرى ، لابن فهد في خمسة مجلدات.

وهذا الكتاب الثالث : «منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم» لتقي الدين السنجاري المكي (ت ١١٢٥ ه‍) تتشرف الجامعة بإصداره محققا في ستة مجلدات ، وفاء لهذا البلد الأمين ومحبة له.

وبهذه المناسبة يسرني أن أسجل الشكر لمعهد البحوث العلمية ، ولمن أسهم في تحقيق هذا الكتاب العلمي التاريخي العظيم ، والشكر موصول لرجل الأعمال سعادة الأستاذ الشريف منصور أبو رياش ، الذي قام بتمويل هذا المشروع العلمي الذي يخدم تاريخ هذا البلد الأمين ، وذلك بتبرعه بطباعة هذا الكتاب بأجزائه الستة على نفقته الخاصة ، إسهاما منه في دعم مسيرة الجامعة لخدمة العلم وطلابه ، فجزاه الله خير الجزاء.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

مدير جامعة أم القرى

د. سهيل بن حسن قاضي

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، والتابعين ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد :

فمن أهداف جامعة أم القرى رعاية البحث العلمي لا سيما في مجالات العلوم ذات الصلة بما يتعلق بالإسلام والأمة الإسلامية ، فكانت رائدة وسباقة في بعث تاريخ هذا البلد الأمين ، وإذ يتبنى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بالجامعة نشر هذا السفر الكبير في تاريخ مكة ، فإنه بذلك يحقق رسالة الجامعة في تحمل المسئولية العلمية في تحقيق التراث الإسلامي ونشره.

وكتاب «منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم» لعلي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري ، مكي المولد والنشأة والوفاة ، «وأهل مكة أدرى بشعابها» ، اعتمد في تأليفه على كل من سبقه من المؤرخين في كتب السيرة وتواريخ مكة وقصص الأنبياء والتفسير والتراجم والتاريخ العام ، وكتب الفقه والأدب واللغة ، كما اعتمد على مشاهدات والده وجده.

ويزيد من أهمية الكتاب أن معظم ما اشتمل عليه المجلدان الرابع والخامس ، هو أحداث ووقائع ، عاشها المؤلف وشاهدها ، حتى وفاته في محرم سنة ١١٢٥ ه‍ ، وأصبح كتابه هو المصدر الرئيسي لمن جاءوا بعده وأرّخوا لمكة في هذه الفترة.

وقد بذل المؤلف جهودا مضنية في تتبع هذه الأخبار ، وتنسيقها حسب الحوليات ، ووفق الموضوع أحيانا.

وهذه الجهود ظاهرة من خلال التعليقات الكثيرة التي أثبتها المحققون في الهوامش ، والتوثيق لنقوله.

والكتاب يقع في ستة مجلدات ، الأول والثاني بتحقيق د. جميل عبد الله المصري ، والثالث والرابع : بتحقيق د. ماجدة فيصل ، والخامس : بتحقيق

٣

د. ملك الخياط ، ويشتمل المجلد السادس على الفهارس التي أعدها د. جميل عبد الله المصري.

وتتضمن المجلدات الستة ثلاثة أقسام :

القسم الأول : يضم مقدمة عن أهمية الكتاب ، ودراسة : تترجم للمؤلف من حيث نسبه ، وتاريخ مولده ، ووفاته ، وشيوخه ، وتلاميذه ، ومؤلفاته.

كما تتحدث الدراسة عن الكتاب المحقق من حيث مكانته بين المؤلفات التاريخية ، ومنهجه ومصادره ، ومدى اعتماد المؤلفات اللاحقة عليه ، ووصف النسخ الخطية الأربع من حيث الخط والنسخ وتاريخه ، وعدد الأوراق والسطور ، وكيف تم اختيار النسخة الأم.

وتناولت الدراسة أيضا منهج التحقيق ، وشرح الرموز المستخدمة ، وطريقة استخدام الأقواس في التحقيق.

والقسم الثاني : تضمن تحقيق النص. وقد اتبع فيه المحققون منهجا علميّا سليما ، كالمتبع في الرسائل العلمية المرتكزة على فهم النص وتحليله وتوثيقه والتعليق عليه ، لإبراز الحقائق بعيدة عن الهوى ، وهي طريق صعبة سلكها المحققون بثبات ووعي وإدراك توازي جهد المؤلف الكبير الموسوعي صاحب الثقافة المتنوعة والاطلاع الواسع ، فقد تم ضبط النص وخدمته بحل إشكالاته ، والتعريف بأعلامه من رجال ومواضع ، وشرح الغريب من ألفاظه ومصطلحاته ، وتخريج الآيات والأحاديث ، وتخريج النصوص من الكتب السابقة واللاحقة ، وإرجاع الأخبار إلى مصادرها الأصلية ، وإثبات التعليقات والمقارنات والتحليلات ـ في الحواشي ـ التي تبين قوة الخبر أو ضعفه وفق التصور الإسلامي لحركة التاريخ والتقيد بالقواعد الشرعية ، كما تمت الإشارة في الحواشي إلى اختلاف النسخ الخطية ، وقد تطلب هذا الأمر سياحة طويلة في كتب التاريخ والسير والتفسير والحديث واللغة وغيرها ، منذ بداية الخلق مرورا بقصص الأنبياء إلى السيرة النبوية المطهرة والخلفاء الراشدين ، ثم الخلفاء الأمويين ، والخلفاء

٤

العباسيين في بغداد والقاهرة ، وشمل ذلك الدولة العثمانية حتى نهاية عام ١١٢٤ ه‍. كل ذلك أعطى هذا السفر أهمية كبيرة في التعرف على تاريخ هذا البلد الأمين ، وعلى التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية منذ بدء الخلق إلى قريب من وفاة المؤلف سنة ١١٢٥ ه‍ ، حيث إن تاريخ مكة المكرمة يتأثر بتاريخ الأمة الإسلامية ، وتتجمع فيه إيجابيات تاريخ هذه الأمة العظيمة.

والقسم الثالث : تضمن فهارس الكتاب العامة ، وشملت هذه الفهارس : الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأعلام من الرجال والنساء والأماكن ، والشعر ، والمصطلحات الحضارية ، وكلها تفيد الدارس والباحث ، وتسهل عليه الوصول إلى ما يريد.

وبهذه المناسبة أجدها فرصة لتقديم الشكر والامتنان لمعالي مدير جامعة أم القرى الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي ، وسعادة وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالح ، على دعمهما المتواصل لمعهد البحوث العلمية ، والشكر أيضا لمركز إحياء التراث الإسلامي ولسعادة مديره السابق الدكتور مطر بن أحمد آل ناصر الزهراني لإنجازه هذا السفر العظيم ، ولأصحاب السعادة الأساتذة المحققين ، ولرجل الأعمال المعروف الأستاذ الشريف منصور أبو رياش ، الذي تفضل مشكورا بالقيام بطباعة هذا الكتاب على نفقته الخاصة.

نسأل الله أن يجزل الأجر والثواب لكل من أسهم فى إخراج هذا الكتاب.

والله الموفق ، ، ،

عميد معهد البحوث

العلمية وإحياء التراث الإسلامي

وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر

أ. د. عبد اللطيف بن عبد الله بن دهيش

٥
٦

القسم الأول

الدراسة

من إعداد كل من

الدكتور جميل عبد الله محمد المصري

الدكتورة ماجدة فيصل زكريا

الدكتورة ملك محمد خياط

٧
٨

مقدمة الدراسة

سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو المستعان على كل ما عز وهان ، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله على سيدنا محمد الأمين ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، قدوة المسلمين وأسوتهم ، أرسله الله مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فأدى الرسالة وبلغ الأمانة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وكان حريصا على المسلمين وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم.

ورضي الله عن أصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد :

فإن الله تعالى اصطفى من الأنبياء محمدا ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الأيام يوم الجمعة ، ومن الأماكن مكة المكرمة ، فجعل فيها بيته الحرام ، وأمر المسلمين بالتوجه شطر المسجد الحرام خمس مرات في اليوم ، وزاد في تكريمها فجعل شعائر الحج تقام بها ، وأفئدة المسلمين تهوي إليها رغم جوها الحارّ وكونها بواد غير ذي زرع. وقد استوطن بها قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى قال حين خرج منها مهاجرا إلى المدينة :

«والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولو لا أني أخرجت منك ما خرجت» (١).

__________________

(١) الترمذي ـ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سوده ـ الجامع الصحيح ـ تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ، مطبعة الاعتماد ، مصر ٥ / ٣٨٠. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٧ في كتاب الهجرة ـ باب تعقب سراقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال عنه الحاكم أبو عبد الله محمد النيسابوري ـ حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

٩

والواقع لم تبلغ أمة من الأمم ما بلغته الأمة الإسلامية من العناية بالتاريخ ، فوضع العلماء الشروط التي لا بد منها في توثيق الرواية وقبول الخبر. وكان لعلماء الحديث القدم المعلى في السبق إلى ضبط الأصول ووضع القواعد فيما يسمى علم الجرح والتعديل

وتعددت عند مؤرخي المسلمين أشكال البحث التاريخي ، كما تعددت مجالات التاريخ بمعناه الشامل والذي ينتظم النشاط الإنساني بأجمعه.

وبدأ اشتغال مؤرخي المسلمين بالسيرة ومغازي الرسول (فتناولوها من كل جوانبها ، وكان أشهر من تناولها شيخ السيرة محمد بن إسحاق المتوفى سنة ١٥١ ه‍ في كتابه المبتدأ والمبعث والمغازي. وابن هشام المتوفى سنة ٢١٨ ه‍ الذي هذب هذه السيرة. كما كتب المؤرخون المسلمون في التاريخ العام ، وأشهرهم محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ ، وكتبوا في الأنساب ، وكتبوا في الفتوح ، ومنهم الواقدي والبلاذري ، كما كتبوا في تاريخ المدن وهو ما يهمنا في هذا الموضوع.

فقد كتب الكثيرون في تاريخ مكة المكرمة وأخبار البيت قبل السنجاري وبعده.

ويعتبر تاريخ مكة هذا من أهم المجالات التي تأتي في الصدارة من اهتمامات الباحثين وطلاب الدراسات العليا ، حيث أن تاريخها بؤرة تتجمع فيها إيجابيات العالم الإسلامي وسلبياته وتناقضاته. ومن هنا كان

__________________

واللفظ له.

١٠

إسهامنا في إخراج هذا السفر الجليل من تاريخ مكة بتحقيق علمي ودراسة وافية ، يقدم لطلاب العلم والباحثين والراغبين في أخبار البيت بما يغني عن غيره ، هذا السفر منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم ، لعلي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري المتوفى سنة ١١٢٥ ه‍. وهو كتاب موسوعي لتاريخ مكة والبيت والحجاز بشكل عام. فيتحدث عن تاريخ الحرم الشريف وعمارته وولاة مكة وأخبارها منذ آدم عليه‌السلام إلى عام ١١٢٤ ه‍ أي قبل وفاته رحمه‌الله في المحرم سنة ١١٢٥ ه‍. وتظهر في كتابه هذا صلة التاريخ المكي المباشر بتاريخ أقطار العالم الإسلامي مثل مصر والشام واليمن والعراق والهند وأقطار المغرب الإسلامي وآسيا الصغرى ممثلة في الدولة العثمانية وغيرها.

والسنجاري مؤلف الكتاب لم يجزئ كتابه إلى أجزاء ، فلا أثر للتجزئة في النسخة التي كتبها بخطه وأتمها الحضراوي ، وأما الناسخ الدهلوي ـ كعادته في نسخه لكتب تاريخ مكة ـ فإنه جزّأ الكتاب إلى ثلاثة أجزاء.

تضمن الجزء الأول مقدمة المؤلف ، ثم مقدمة في علم التاريخ ، ثم وصف عام لمكة المكرمة وفضائل البيت الحرام وبنائه ، ثم تناول أخبار مكة وولاتها من آدم عليه‌السلام إلى وفاة الشريف حسن بن عجلان سنة ٨٢٩ ه‍ ، وهذا ماقمت بتحقيقه ودراسته.

والجزء الثاني : تضمن أخبار مكة والبيت وولاة الحرم من سنة ٨٢٩ ه‍ إلى نهاية عام ١٠٩٦ ه‍ قامت بدراسته وتحقيقه الدكتورة ماجدة فيصل زكريا ، وحصلت به على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.

١١

والثالث الذي تناول الفترة ١٠٩٧ ه‍ إلى نهاية عام ١١٢٤ ه‍ فقد تميز بمعاصرة كاتبه للأحداث ، فكان شاهد عيان على الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بمكة المكرمة ، فهو مصدر أساسي لتاريخ مكة لهذه الفترة ، قامت بتحقيقه ودراسته الدكتورة ملك محمد خياط ، ونالت به درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى.

وعند ما كلفت بالإشراف على إخراج هذا الكتاب من قبل مركز إحياء التراث الإسلامي ، وبتوكيل من الدكتورة ماجدة ، والدكتورة ملك ، رأيت تقسيم الكتاب إلى أجزاء تتناسب مع تعدد الدارسين المحققين ، فتم تقسيم هذا السفر إلى ستة أجزاء.

* الجزء الأول والثاني : وشمل ماقمت بتحقيقه ودراسته من الكتاب ، أي تاريخ مكة والبيت من مقدمة المؤلف السنجاري إلى وفاة الشريف حسن بن عجلان سنة ٨٢٩ ه‍ ، وصدرت الجزء الأول بالدراسة ، حيث جمعت دراسة المحققين ونسقتها تجنبا للتكرار.

* الجزء الثالث والرابع : ويشملان ما قامت الدكتورة / ماجدة فيصل زكريا بتحقيقه ، من سنة ٨٢٩ ه‍ إلى نهاية عام ١٠٩٦ ه‍.

* الجزء الخامس : وهو ما قامت بتحقيقه الدكتورة ملك محمد خياط من الكتاب في بداية عام ١٠٩٧ ه‍ إلى نهاية عام ١١٢٤ ه‍.

* الجزء السادس : واشتمل على الفهارس العامة للكتاب بأجزائه جميعها ، وهذا ما قمت بإعداده.

هذا وقد كان للتشجيع الذي لمسناه من الدكتور مطر الزهراني مدير مركز إحياء التراث الإسلامي السابق أكبر الأثر في تقديم هذا السفر الجليل للنشر في

١٢

معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى. وتابع هذه الجهود الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن دهيش عميد المعهد. وتلك الجهود التي حظيت باهتمام كبير من قبل معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سهيل قاضي ، حيث تكللت هذه الجهود المشكورة بالنجاح حين تفضل سعادة الأستاذ الشريف منصور صالح ابو رياش بتمويل نشر الكتاب على نفقته الخاصة.

جزى الله الجميع خير الجزاء ، وجعل جهودهم في سجل أعمالهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ولكل من أعان على إخراج هذا الكتاب لوضعه بين أيدي طلبة العلم والباحثين في التاريخ الإسلامي بشكل عام ، والباحثين في التاريخ المكي بشكل خاص ، خالص الدعاء إلى الله العلي القدير أن يكلأهم بإحسانه ، إنه على كل شيء قدير ، وبالاجابة جدير.

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير البشر سيد الأنبياء والمرسلين محمد الأمين ، صلوات الله عليه وسلامه ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د / جميل عبد الله محمد المصري

١٣
١٤

الفصل الأول

عصر السنجاري وحياته

ويتضمن :

أحوال الحجاز في العصر الذي عاش فيه السنجاري.

نسب السنجاري ومولده.

عوامل أثرت في نشأة السنجاري وثقافته.

ـ بيت السنجاري.

ـ شيوخه.

ـ التصوف.

مكانة السنجاري في مجتمعه ووظائفه.

وفاة السنجاري.

آثار السنجاري العلمية.

١٥
١٦

أحوال الحجاز في العصر الذي عاش فيه السنجاري :

عاش السنجاري في عصر كانت فيه الدولة العثمانية وهي أقوى الدول الإسلامية ، وملاذ المسلمين قد بدأت بالضعف بعد أن كانت قد وصلت أوج قوتها في القرن العاشر الهجري.

ففي حوالي سنة ٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م تقدم السلطان سليم خان لإزالة حكم الأتراك الجراكسة من بلاد الشام ومصر والحجاز ، فوقعت بينه وبين سلطان الجراكسة قانصوه الغوري معركة في مرج دابق وفقد على أثرها الأخير تحت سنابك الخيل ، مما جعل السلطان سليم يتم مسيرته نحو الجنوب واضعا يده على حلب ، ثم على دمشق. ومن هناك توجه إلى مصر فالتقى في معركة فاصلة مع سلطان الجراكسة الأخير طومان باي في موقعة" الريدانية" سنة ٩٢٣ ه‍ / ١٥١٧ م حيث أصبحت مصر على أثر ذلك جزءا من أرض الدولة العثمانية.

ولما استقر السلطان سليم وتوطد ملكه في مصر ، أنهى إليه بعضهم بأن جميع الملك والسلطان طرازه الأعظم هو ملك الحرمين الشريفين ، والدعاء له على منابرهما. فأخذ في تجهيز جيش كثيف للسير نحو الحرمين الشريفين. وكان بمصر حينذاك القاضي صلاح الدين بن ظهيرة مرسما عليه من قبل السلطان الغوري. فلما بلغ المذكور ذلك اجتمع ببيري باشا ـ الوزير الأعظم ـ وعرفه عظمة شريف مكة في ذلك الوقت ، وهو الشريف بركات بن محمد ، ومبلغ مراعاته للسلطنة الشريفة ، وذكر له حسن سياسته وتدبيره ، وأشار عليه بأن يرسل إليه رسالة سلطانية بما يقتضيه الرأي. وأرسل له القاضي رسالة أخرى ، ينصحه فيها بأن يقابل التوقيع السلطاني بالقبول ، وبأن يرسل ولده السيد أبا نمي إلى الحضرة

١٧

السلطانية لتهنئتها وتعريفها بكمال الطاعة والانقياد ، فوافق الشريف بركات وأرسل ولده الشريف لهذا الغرض نائبا عنه إلى مصر ، حيث قابل السلطان ، ثم عاد إلى أبيه ، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت بلاد الحرمين الشريفين خاضعة للحكم العثماني (١).

فانضم إقليم الحجاز إلى الدولة العثمانية سلميا عام ٩٢٣ ه‍ / ١٥١٧ م فاعتبر العثمانيون هذا الأمر من أعظم الانتصارات التي حققوها بعد أن أنهوا وجود الدولة المملوكية في الشام ومصر ، وحققوا انتصارا في معركة جالديران على الدولة الصفوية (٢) الشيعية في فارس والعراق ، فكان انضمام الحجاز إليهم بمثابة التتويج لهذه الانتصارات لما للحجاز من مكانة كبرى في قلوب المسلمين ، فهي تضم أقدس البقاع (مكة المكرمة ـ والمدينة المنورة ـ والمشاعر الحرام).

لذا حرص العثمانيون على منطقة الحجاز ، وأولوا ولاية الحجاز

__________________

(١) انظر هذا في : النهروالي ـ الأعلام ٢٧٧ ، ٢٨٤ ، العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٣١٨ ، ٣١٩ ، السنجاري أحداث سنة ٩٢٣ ه‍.

(٢) النهروالي ـ قطب الدين محمد بن أحمد ـ الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ط ١ ـ الطبعة الخيرية ـ القاهرة ١٣٠٥ ه‍ ، على هامش كتاب خلاصة الكلام للسيد أحمد دحلان ص ١٨٥ ، ١٩١ ، القرماني ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ـ تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي ط ١ ـ دار البصائر ـ دمشق ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م ص ٣٧ ـ ٣٩ ، يوسف أصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ـ تحقيق بسام الجابي ط ٣ ـ دار البصائر ـ دمشق ١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م ص ٦٩ ـ ٧١ ، عبد العزيز الشناوي ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ مكتبة الأنجلو المصرية ١٩٨٠ م ص ١٩ ـ ٢٠ ، محمد أنيس ـ الدولة العثمانية والمشرق العربي ـ مكتبة الأنجلو المصرية ١٩٨٤ م ص ١٠٨ ـ ١١٣ ، ١٢٧ ـ ١٣٠.

١٨

اهتماما خاصا دون غيرها من الولايات ، كما حرصوا على حمل لقب حامي حمى الحرمين الشريفين. وقام سلاطينهم بالعناية بالحرمين الشريفين وما يحتاج إليه فيهما من تعمير وترميم وبإكرام السكان والمجاورين بما كانوا يرسلون من خيرات كل عام من أغذية وأموال عينية ونقدية (١).

ومما خص به العثمانيون به ولاية الحجاز من بين الولايات :

إعفاء ولاية الحجاز من تقديم أية أموال سنوية للدولة العثمانية.

إعفاء السكان من الضرائب الشخصية والعقارية.

إعفاء السكان من التجنيد (٢).

تقديم الأموال (٣) والحبوب (٤) إلى منطقة الحجاز في كل عام. كما حرصت الدولة العثمانية على استبقاء نظام الشرافة الذي كان سائدا في الحجاز والمتمثل في تولية أحد الأشراف المنتسبين إلى أسرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحكم.

__________________

(١) انظر : النهروالي ـ الإعلام ٢٨٥ ـ ٢٨٨.

(٢) عبد العزيز الشناوي ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ٢ / ٣٢٦ حاشية (١) ، فائق الصواف ـ العلاقات بين الدولة العثمانية وإقليم الحجاز ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) انظر حول تقديم الأموال : النهروالي ـ الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ص ١٩١ ـ ١٩٣ ، ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، ٣٤٣ ، ٢٤٦ ، ٢٨٢ ، عبد الله غازي ـ إفادة الأنام (مخطوط) ٣ / ٤٤ ، ٤٧ ـ ٤٨ ـ ٥٤ ، ٦٠ ، القطبي ـ عبد الكريم ـ أعلام العلماء ـ أحمد محمد جمال وآخرون ، ط ١ ـ دار الرفاعي ـ الرياض ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٩ ، ١٣٢.

(٤) انظر حول تقديم الحبوب : النهروالي ـ الإعلام ١٩٣ ـ ١٩٤ ، ٢٣٥ ، عبد الله غازي ـ إفادة الأنام ٣ / ٤٢ ـ ٤٣ ـ ٤٤ ، ٤٦ ـ ٤٨ ، القطبي ـ أعلام العلماء ١٠٩ ، ١١٩ ، ١٢٩.

١٩

فكانت الحجاز في عصر السنجاري تخضع لحكومتين : الأولى مركزية ومقرها استانبول ، والثانية محلية ومقرها مكة المكرمة ، تتسع رقعة سيادة الأخيرة وتضعف حسب قوة الشريف القائم (١).

ومن مهام الشريف الهامة الإشراف على تأمين قوافل الحج الوافدة من مختلف بقاع العالم الإسلامي من مصر والشام والعراق واليمن.

وتأمين الحج ، ولا شك هو أخطر وأصعب المسئوليات ، لذلك كانت علاقة شريف مكة بالقبائل القاطنة على طول طريق القوافل من أهم أعمال الشريف ، خاصة أنه لم تكن لديه قوة عسكرية نظامية ، وإنما كان يعتمد على نفوذه على هذه القبائل وعلى عصبته الخاصة به.

ولأن هذه القبائل كانت صلتها بالشريف صلة القوي بالضعيف ، فتارة يخوضون الحرب معه ، وتارة ضده (٢).

وكانت سلطة الشريف تمتد وتقصر حسب قوته ، فتارة يحكم مكة وما حولها ، وتارة تتعدى سلطته إلى نجد والإحساء (٣). وذلك نادرا ما كان يحصل.

وظل الأشراف يتعاقبون على حكم مكة المكرمة جريا على عادتهم سواء بالوراثة أو بالتغلب ، فلا يكاد يصل الشريف إلى منصبه حتى يبعث

__________________

(١) وقد ظهر ذلك جليا في كتاب السنجاري موضوع التحقيق. وانظر : عائض الردادي ـ الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر الهجري ط ١ / جدة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ١ / ٧٥.

(٢) كما سيظهر من خلال كتاب السنجاري موضوع التحقيق.

(٣) العصامي ـ سمط النجوم ٤ / ٤٦٤ ، ٥٦٣ ، ابن بشر ـ عنوان المجد في تاريخ نجد ١ / ٢٣ ـ ٢٤ ، ٢٦ ـ ٢٧ ، ٣٠ ، ٥٢ ، ٥٧.

٢٠