منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

وقال بعضهم : «ومائة وعشرين سنة" ـ والله أعلم.

[الدعوة سرّا]

ولما بعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخفى أمره ، وجعل يدعو أهله ومن أتاه سرا ، فأسلم به من أسلم ، فأول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ومن النساء خديجة رضي‌الله‌عنها ، ومن الموالي زيد رضي‌الله‌عنه.

[الدعوة جهرا]

وكان من أسلم يخفي إسلامه ، إلى أن نزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(١) ـ الآية ـ. فأظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإسلام ، وشاع خبره هو ومن آمن به.

[مواقف قريش من الدعوة]

فآذتهم سفهاء قريش / ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آمن من أصحابه (٢) بالهجرة إلى الحبشة وذلك في السنة الخامسة من البعثة.

وفي أثناء ذلك بالغت قريش في إيذائه ، وجاهرته بالعداوة وأرادت قتله (٣) ، فقام عمه أبو طالب في صعدته (٤) ، ومنعهم عنه ، وله في ذلك أشعار كثيرة مذكورة في المطولات (٥).

__________________

(١) سورة الحجر ـ الآية ٩٤.

(٢) في (ج) «الصحابة».

(٣) في (ج) «قتلته».

(٤) هكذا في جميع النسخ بمعنى نصرته.

(٥) انظر مثلا : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٢٦٥ ـ ٢٦٩.

٤٦١

وفي السنة الخامسة من البعثة لما رأت قريش أنّ أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قوي ، أجمعوا على قتله. فبلغ ذلك عمه أبا طالب ، فجمع بني هاشم وبني المطلب ، فأدخلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعبهم ، ومنعوه حمية منهم على عادة الجاهلية لا محبة (١) فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما رأت قريش ذلك ، أجمعت (٢) قريش على قطيعة بني هاشم وبني المطلب ، ومقاطعتهم في البيع والشراء والنكاح وغير ذلك. وكتبوا ذلك في صحيفة (٣) بخط منصور بن عكرمة (٤) وجعلوها في جوف الكعبة ، وذلك في هلال المحرم سنة سبعة من البعثة. ولما فعلوا ذلك انحاز البطنان إلى أبي طالب إلا أبو لهب فإنه بقي مع قريش.

وبقوا هنالك محصورين (٥) مدة في شدة عظيمة مقدار ثلاث سنين.

فلما أراد الله سبحانه وتعالى حلّ ذلك ، اجتمع ليلة عند حطيم الحجون (٦) هشام بن عمرو العامري ، وزهير بن أبي أمية المخزومي ، والمطعم بن عدي النوفلي ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود الأسدي ، فتعاقدوا (٧) على نقض الصحيفة. فأصبحوا ونقضوها.

__________________

(١) هكذا في (أ) ، (د). وأما في (ب) ، (ج) «ومحبة».

(٢) في (د) «اجتمعت».

(٣) في (د) «صفيحة». وهي تصحيف من الناسخ.

(٤) منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، ويقال أن الصحيفة بخط النضر بن الحارث. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٣٥٠ ، الديار بكري ـ تاريخ الخميس ١ / ٢٩٧.

(٥) في (ب) ، (ج) «منحصرين». وكان ناسخ (ج) قد أثبت" محصورين». ثم شطبها وأثبتها في الهامش «منحصرين».

(٦) في (ج) «الحطيم ـ أي حطيم الحجون ـ».

(٧) في (ج) «فتعاهدوا».

٤٦٢

والقصة مشهورة (١).

ولما أرادوا تقطيع الصحيفة وجدوا الأرضة قد أكلتها ، إلا ما كان فيه اسم الله عزوجل (٢). وكان جبريل عليه‌السلام قد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، وأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمه (٣) بأن الأرضة قد (٤) أكلت صحيفة قريش (فلم يفد ذلك في قريش) (٥).

ولما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسين سنة توفي أبو طالب لثمانية أشهر وأحد عشر يوما من السنة العاشرة من البعثة.

وتوفيت السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام.

فبالغت قريش في ايذائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، ولحقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التعب ما ضاق به ذرعه ، فكان يصبر عليهم. فإذا جاء الحج خرج (٧) يدعو (من الناس) (٨) من يقدم من الحجاج إلى الإسلام ، فبايع الأوس والخزرج في العقبة كما هو المشهور في السير (٩). فآمن به منهم / جم غفير ، وشاع ذكره في المدينة ، وقوي فيها الإسلام.

__________________

(١) انظر مثلا : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٣٧٤ ـ ٣٨١.

(٢) وهو : «باسمك اللهم». ابن هشام ـ السيرة ١ / ٣٧٦ ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢١. وقيل عكس ذلك : أن الأرضة لم تدع اسما لله تعالى إلا أكلته وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة. انظر : ابن حجر ـ فتح الباري ٧ / ١٩٢.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) ما بين قوسين سقط من (د).

(٦) انظر من صور التعذيب : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤١٦.

(٧) سقطت من (ج) ، (د).

(٨) ما بين قوسين سقط من (ب).

(٩) انظر مثلا : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٢٨ ـ ٤٦٧.

٤٦٣

[الأمر بالهجرة إلى المدينة]

فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة (١) ، فأول من هاجر إليها أبو سلمة بن عبد الأسد (٢) وتبعه المسلمون. ولم يبق معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير أبي بكر وعلي رضي‌الله‌عنهما ، ينتظر الأمر من الله تعالى بالهجرة (٣) حتى أمره الله عزوجل بذلك ، فخرج مع أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه إلى المدينة ، وبقي علي لغرض (٤) ثم لحق بهم.

فدخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يوم الاثنين لثن؟؟؟ عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، وقيل لثمان.

[الإسراء والمعراج]

وقبل الهجرة بسنة وقع له صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعراج ، وذلك (٥) ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر ـ قاله الجزولي (٦) ورجحه ابن المنير (٧) ، وقيل بعد المبعث

__________________

(١) وحول الهجرة وأهميتها في الدعوة الإسلامية. انظر : تاريخ الدعوة الاسلامية للمحقق.

(٢) أبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي‌الله‌عنه. وقد هاجر الى المدينة بعد عودته من الحبشة قبل بيعة العقبة بسنة. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٦٨ ، وانظر : ابن حجر ـ فتح الباري ١ / ٢٦١ ، وصحيح مسلم ٢ / ٦٣٢.

(٣) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٨٠.

(٤) انظر في ذلك : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢٢٧.

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) في (أ) ، (د) «الحربي». والاثبات من (ج) ، (ب). والجزولي هو محمد بن سليمان بن داود بن بشر الجزولي السملالي الشاذلي من سوس المراكشية. حفظ المدونة في فقه الامام مالك. وله كتاب دلائل الخيرات ، توفي سنة ٨٧٠ ه‍ أو ٨٦٣ ه‍. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٦ / ١٥١.

(٧) ابن المنير عبد الواحد بن منصور بن ـ محمد بن المنير أبو محمد فخر الدين الاسكندري مفسر مالكي ، من كتبه : التفسير ، وديوان في المدائح النبوية ، توفي سنة ٧٣٣ ه‍. انظر : البداية والنهاية ١٤ / ١٦٣ ، الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٢ ، الزركلي ٤ / ١٧٧. والمقصود هنا : ابن المنير السكندري أحمد بن محمد بن منصور ، من علماء الاسكندرية ، له تفسير وحديث الاسراء على طريقة المتكلمين ، وتوفي سنة ٦٨٣ ه‍. انظر : فوات الوفيات ١ / ٧٢ ، الزركلي ١ / ٢٢٠.

٤٦٤

بخمس سنين ، وقيل بخمسة عشر شهرا ، وقيل ليلة سبع وعشرين في رجب ـ قاله في الاحياء (١) ـ وهو المشهور ـ. وقيل في رجب من غير تعيين.

والكلام فيه طويل ليس هذا موضع ذكره ، فإنه مفرد بالتأليف.

[الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة]

وكان من شأنه بالمدينة ما ذكره أهل السير.

ووقع المسلمون في محنة اليهود (٢) ، فآذوهم أشد من قريش ، فصبروا عليهم ، حتى أنزل الله تعالى آية السيف (٣) ، فعند ذلك عقد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه وسلم الألوية ، وجيش الجيوش ، وغزا سبعا وعشرين غزوة (٤).

__________________

(١) أي احياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي. انظر مثلا : السيرة الحلبية ١ / ٣٦٥ ـ ٤١٩.

(٢) وعن ايذاء اليهود ، انظر : تاريخ الدعوة للمحقق ١٤٦ ـ ١٥٠.

(٣) وآية السيف هي / الإذن بالقتال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ..). سورة الحج الآية ٣٩. انظر : ابن القيم ـ زاد المعاد ٢ / ١٥٠.

(٤) انظر في الخلاف حول عدد الغزوات والسرايا : ابن سعد ـ الطبقات ٢ / ١ / ١ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٣٩٢ ـ ٣٩٤ ، المصنف عن الزهري ٥ / ٢٩٤ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٥ / ٢١٧ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ١٠٧.

٤٦٥

[تحويل القبلة]

وفي السنة الثانية من الهجرة كان تحويل القبلة (١).

قال النووي (٢) نقلا عن محمد بن حبيب الهاشمي (٣) :

«حولت القبلة في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصحابه ، فحانت صلاة الظهر وهو في منازل بني سلمة «بكسر اللام» ، فصلى بهم ركعتين من الظهر إلى بيت المقدس ، فأمر وهو في الصلاة باستقبال الكعبة ، فاستدار ، واستدارت الصفوف خلفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتم الصلاة ، فسمي ذلك المسجد ـ مسجد القبلتين ـ».

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم مأمورا بالصلاة إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة ، وبعد الهجرة ، ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا. ذكره القاضي محمد بن ظهيرة في جامعه (٤) عن الأفقهسي (٥) وجزم الامام البغوي

__________________

(١) حول تحويل القبلة ، انظر : القرطبي ـ جامع أحكام القرآن ٢ / ١٥٠ ، ابن كثير ـ التفسير ١ / ١٨٩ ، الطبري ـ تاريخ ٢ / ٤١٧ ـ طبع دار المعارف ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢ / ٤ ، ابن خياط ـ تاريخ ٦٤ ، القضاعي ـ تاريخ ١٨٩ ، أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية للمحقق ٧٩ ـ ٨٤ ، أكرم العمري ـ السيرة النبوية الصحيحة ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٢.

(٢) الامام النووي في شرح صحيح مسلم وفي السيرة النبوية كما ذكر ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ص ١٥.

(٣) محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي بالولاء ـ أبو جعفر البغدادي من موالي بني العباس ، نسابة. اشتهر بالأخبار واللغة والشعر. له كتب كثيرة منها : المحبر ، والمنمق (مطبوعان) ، وتوفي سنة ٢٤٥ ه‍ بسامراء. انظر : الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد ٢ / ٢٧٧.

(٤) أي الجامع اللطيف ص ١٥.

(٥) في (ج) «الأفقهي». وهو شهاب الدين أبو الفضل بن العماد الأفقهسي ،

٤٦٦

[بخلافه](١) وقال : «ان المعتمد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة».

وهل هو باجتهاد ، أو بأمر؟ ـ اختلاف ليس هذا محل ذكره. وملخص ذلك ما قاله الحلبي (٢) : «أنه لم يستقبل (بيت المقدس إلا في الصلوات الخمس ، أي بعد الاسراء ، وقبل ذلك كان يستقبل) (٣) الكعبة إلى أي جهة من جهاتها" ـ يعني الصلاة ال علمه جبريل في ابتداء النبوة. فراجعه ان شئت من السيرة (٤).

[غزوة الحديبية]

وفي السنة السادسة من الهجرة خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة يوم الاثنين هلال ذي القعدة في ألف وأربعمائة [رجل](٥) وقيل غير ذلك. واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي (٦) ، وفي المواهب (٧) ابن

__________________

ـ نسبة الى أفقهس بمصر. وما ذكر هنا من كتابه «الدرة الضوئية في هجرة خير البرية» ـ الجامع اللطيف ص ١٥. والأفقهسي شهاب الدين أحمد بن عماد بن يوسف ، فقيه شافعي له مصنفات كثيرة ، وتوفي سنة ٨٠٨ ه‍. انظر : الزركلي ـ الأعلام ١ / ١٨٤.

(١) إضافة من الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ١٥ يقتضيها السياق.

(٢) في السيرة الحلبية ـ انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ٢ / ١٣١. وانظر في ذلك : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٦٠٦ ، خليفة بن خياط ـ تاريخ ٦٤ ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٣٢ ، القضاعي ـ تاريخ ١٨٩.

(٣) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٤) انظر المصادر في هامش رقم (٤) من الصفحة السابقة.

(٥) زيادة من (د).

(٦) في (د) «نبيلة بن عبد الليثي». وهو خطأ. وانظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٠٨.

(٧) المواهب اللدنية. وانظر : السيرة الحلبية ٣ / ٩ ، حيث أضاف : «وقيل استخلف أبا رهم كلثوم بن الحصين مع ابن أم مكتوم جميعا. فكان ابن أم مكتوم على الصلاة ، وكان أبو رهم حافطا للمدينة».

٤٦٧

مكتوم (١) ـ والله أعلم ـ.

وساق صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين بدنة ، فلما وصل الحديبية ـ قرية على ستة أميال من مكة (٢) ـ صده المشركون عن البيت.

والقصة مشهورة في السير (٣) ، وملخصها :

أنهم صالحوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن يوضع الحرب بينهم (٤) عشر سنين ، وأن يأمن بعضهم بعضا ، وأنه يرجع عنهم في هذا العام ويأتي معتمرا من قابل ويقيم ثلاثة أيام. وكتبوا بينهم وبينه كتابا ، وكتبوا له : أنهم لا يعرضوا (٥) لمن هو في عقده ، ولا يعترض (٦) لمن هو في عقدهم.

قال مكي بن أبي طالب القيرواني (٧) في تفسيره :

«وبعث صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكتاب الذي كتبه إلى قريش مع عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، وأمسك عنده سهيل بن عمرو. فأمسك المشركون عثمان رضي‌الله‌عنه ،

__________________

(١) ابن أم مكتوم / الضرير المؤذن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ استشهد بالقادسية. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦٠ ـ ٣٦٥.

(٢) انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢٢٩.

(٣) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٢٧.

(٤) في (ب) ، (د) «عنهم».

(٥) في (ب) ، (ج) «يعرضون».

(٦) في (ج) «يتعرض».

(٧) مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي أبو محمد ، مقريء عالم بالتفسير والعربية ، قيرواني وتوفي بقرطبة سنة ٤٣٧ ه‍ من كتبه : مشكل إعراب القرآن في جزئين. والهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن وتفسيره. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٢٨٦.

٤٦٨

فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا (١) الناس إلى بيعة الرضوان ، تحت الشجرة ، على الموت ، وقيل على أن لا يفرّوا» ـ انتهى ـ. ووضع صلى‌الله‌عليه‌وسلم شماله في يمينه وقال : «هذه عن عثمان» ، وضرب على يده.

فلما بلغ المشركون ذلك ، بعثوا بعثمان رضي‌الله‌عنه.

وفي هذه البيعة (٢) نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ، إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)(٣).

وقال الزبير بن بكار (٤) ، عند ذكر أبان بن سعيد بن العاص (٥) : «وهو الذي أجار عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه من قريش في عام الحديبية ، وحمله على فرسه حتى دخل به مكة وقال له :

أقبل وأدبر ولا تخف أحدا

بنو سعيد أعزة الحرم"

وقال (٦) : «وحدثني عبد الله بن عبيد الله بن عنبسة بن سعيد قال : جاء عثمان رضي‌الله‌عنه برسالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قريش ، فقالت له قريش : شمر إزارك!!. فقال له أبان بن سعيد :

__________________

(١) في (د) «وبلغ». وهو خطأ.

(٢) في (ب) «البعثة».

(٣) سورة الفتح الآية ١٠.

(٤) انظر : الزبيري ـ أنساب قريش ـ تحقيق بروفنسال ص ١٧٥.

(٥) أبو الوليد الأموي ، أسلم يوم الفتح ، وقيل قبل الفتح. واستعمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ٩ ه‍ على البحرين. واستشهد بأجنادين. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١ / ٢٦١.

(٦) أي الزبير بن بكار.

٤٦٩

أسبل وأقبل ولا تخف أحدا. ـ البيت (١) ـ.

فقال عثمان رضي‌الله‌عنه : التشمير من أخلاقنا!». ـ انتهى ـ.

فنحر صلى‌الله‌عليه‌وسلم هديه ، وحلق بالحديبية ، ونحر الناس وحلقوا لما رأوه فعل ذلك.

وأقام بالحديبية بضعة عشر يوما ، وقيل عشرين يوما ، ورجع إلى المدينة.

[عمرة القضاء]

وجاء من العام القابل في السنة السابعة لعمرة القضاء. قال الحاكم في الاكليل :

«لما كان ذو القعدة (٢) لسنة سبع ، أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه أن يعتمروا ، قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها ، وأن لا يتخلف (٣) أحد ممن شهد الحديبية. فلم يتخلف (٤) منهم أحد (٥) إلا من استشهد بخيبر.

وخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ألفان من المسلمين ، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري (٦) ، وساق ستين بدنة ، وحمل السلاح والدروع والرماح ،

__________________

(١) وفي رواية البيت اختلاف. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١ / ٢٦١ ، ابن حجر ـ الاصابة ١ / ١٦ ، ابن عبد البر ـ الاستيعاب ١ / ١٢٠.

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٧٠ ، ابن سعد ـ الطبقات ٢ / ١٢٠ ، الواقدي ـ المغازي ٢ / ٧٣١ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٦٥.

(٣) في (ب) «يختلف».

(٤) في (ب) «يختلف».

(٥) سقطت من (ج).

(٦) وهو كلثوم بن حصين بن خالد الغفاري مشهور بكنيته. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٣٠٤ ، ٤ / ٧٠ ـ ٧١.

٤٧٠

وقاد مائة / فرس.

فلما انتهى إلى ذي الحليفة (١) ، قدم الخيل أمامه ، وعليها محمد بن مسلمة (٢) ، وقدم السلاح وعليه بشر بن سعد (٣).

وأحرم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولبى. ولم يزل إلى أن قدم مكة. فخرجت قريش إلى رؤوس الجبال ، وقدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم الهدي أمامه حتى وصل بئر ذي طوى (٤) ، (فحبس الهدي هنالك) (٥) ، ودخل مكة على ناقته القصواء ، والمسلمون متوشحون السيوف محدقون به ، يلبون. فدخل من الثنية ال تطلعه على الحجون ، وابن رواحة (٦) آخذ بزمام راحلته (٧) وهو يقول (٨) :

__________________

(١) في (ب) «الحليفية». وذو الحليفة قرب المدينة ومنها ميقات أهل المدينة.

انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٢٩٥. وتسمى اليوم آبار علي.

(٢) محمد بن مسلمة الأنصاري الأشهلي الأوسي رضي‌الله‌عنه الصحابي المشهور. انظر عنه : ابن سعد ـ الطبقات ٣ / ٢ / ١٨ ، الصفدي ـ الوافي ٥ / ٢٩ ـ ٣٠ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ٣٦٩ ـ ٣٧٣.

(٣) لعله قيس بن سعد بن عبادة. حيث أن بشر هذا ليس له ذكر في الصحابة. انظر عن قيس : ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٢٨٣ ، فقد كان قيس حامل لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) وهو معروف باسمه الى اليوم في جرول من أحياء مكة المكرمة. انظر : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٥) ما بين قوسين في (د) «فجلس الهوينا هناك».

(٦) أي عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي ، الأمير الشاعر النقيب ، شهيد مؤتة. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١ / ٢٣٠ ـ ٢٤٠ ، ابن سعد ـ الطبقات ٦ / ٢ / ٧٩.

(٧) في (د) «ناقته».

(٨) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٦٦ مع بعض الاختلاف ففيه :

خلوا بني الكفار عن سبيله

إني شهيد أنه رسوله

خلوا فكل الخير في رسوله

يا رب اني مؤمن بقيله

٤٧١

خلوا بني الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

ولم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلبي حتى استلم الحجر بمحجنه ، مضطبعا بثوبه ، وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه. ثم طاف بين الصفا والمروة على راحلته.

فلما فرغ ، وكان الهدي قد جيء به إلى المروة ، وقال : «هذا المنحر ، وكل فجاج مكة منحر». فنحر الهدي بالمروة ، وحلق هناك.

وأقام بمكة ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الثالث ، أتى المشركون عليا رضي‌الله‌عنه فقالوا له : «قل لصاحبك يخرج عنا ، فقد مضى الأجل» (١). فخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة

وهذه أحد عمراته.

[عمراته صلى‌الله‌عليه‌وسلم]

واختلف في عمره (٢) :

ففي الصحيحين (٣) من حديث عمر رضي‌الله‌عنهما : «أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر أربع عمر».

__________________

اعرف حق الله في قبوله

نحن قتلناكم على تأويله

كما قتلناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

(١) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٢٩ ، ٢٢٦.

(٢) في (ج) «عمرته». «وعمره» مفردها «عمرته». انظر في الاختلاف : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٢٧٦.

(٣) صحيح مسلم وصحيح البخاري ٣ / ٤١. وانظر : ابن الجوزي ـ زاد المعاد ١ / ٣٥٧.

٤٧٢

وفي موطأ مالك عن هشام بن عروة عن أبيه : «لم يعتمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا ثلاثا ، إحداهن في شوال ، واثنتين في ذي القعدة».

قال ابن حزم : «لم يعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا مرتين ، عمرة القضاء وعمرة الجعرانة عام حنين».

وضمت عائشة رضي‌الله‌عنها إليها عمرة الحديبية والعمرة ال قرنها إلى حجة الوداع. وبهذا يتآلف الاختلاف.

ولا خلاف أنه اعتمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة. والصحيح أن الثلاثة كانت في ذي القعدة ، واختلف في الرابعة ، فمن قال أنه كان في حجة الوداع قارنا أو متمتعا ، عدها رابعة ، ومن لا فلا!. وتجوز نسبة الرابعة إليه ، لأنه أمر بها ، وعملت بحضرته. ـ انتهى ملخصا من نهاية الناسك لابن جماعة (١).

[فتح مكة]

واعلم أنه سبق ما وقع له في عمرة القضاء ، فلنذكر سبب فتح مكة :

فاعلم أنه كان ممن دخل في عقده رضي‌الله‌عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي وقع مع المشركين بالحديبية خزاعة ، وكانت بنو بكر بن عبد مناة (٢) في عقد قريش (٣) ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي (٤) من بكر ، وهو يومئذ قائدهم ـ وليس

__________________

(١) عز الدين بن جماعة. وانظر : ابن الجوزي ـ زاد المعاد ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

(٢) في جميع النسخ «مناف». وهو خطأ. انظر مثلا : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٨٩ ، ابن جرير الطبري ٣ / ٢٨٦ ، ابن سيد الناس ـ عيون الأثر ٢ / ١٦٤.

(٣) في (ج) «المشركين».

(٤) في جميع النسخ «الديلمي». وهو خطأ. والصحيح كما في المصادر السابقة هامش (٢).

٤٧٣

كل بني بكر تابعه ـ فبيت خزاعة وهم على الوتير (١) ـ ماء لهم ـ.

ورفدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم ناس من قريش بالليل.

فلما نقضت قريش عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأعانت بني بكر ، خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم المدينة ، فوقف على رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسجد وأنشأ (٢) يقول (٣) :

يا رب إني سائل (٤) محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم أبا وكنا ولدا

ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا أيّدا (٥)

وادع (٦) عباد الله يأتوا مددا /

فيهم رسول الله قد تجردا

إن شئتم (٧) خسفا [وجهه تربدا](٨)

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصّدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذلّ وأقلّ عددا (٩)

__________________

(١) الوتير : ماء لخزاعة أسفل مكة. ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٣٦٠.

(٢) في (ب) ، (ج) ، (د) «وهو».

(٣) انظر الأبيات مع الاختلاف في بعض الألفاظ عند : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٩٤ ، الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٨٩ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣١١ ، وياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٣٦١.

(٤) عند ابن هشام والطبري «ناشد».

(٥) في (د) «أبدا».

(٦) في (ج) ، (د) «وادعوا».

(٧) عند ابن هشام والطبري «سيم».

(٨) ما بين حاصرتين بياض في (أ) ، (د). والاثبات من (ب) ، (ج).

(٩) سقط الشطر الثاني من البيت من (د).

٤٧٤

هم بيّتونا بالوتير هجدا

[وقتلونا ركعا سجدا](١)

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت يا عمرو بن سالم!!».

ثم خرج بديل بن ورقاء (٢) في نفر من خزاعة حتى قدموا المدينة ، فأخبروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن أصيب منهم ، ومظاهرة قريش لبني بكر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كأني بأبي سفيان وقد جاءكم يشد العهد (٣)».

ثم انصرف الخزاعيون راجعين ، فالتقى بديل راجعا بأبي سفيان ، فسأله : من أين؟!. قال : من هذا الساحل. قال : هل جئت محمدا؟. قال : لا. وتركه وسار. فسار أبو سفيان إلى أن ورد المدينة ، فدخل على ابنته أم المؤمنين رضي‌الله‌عنها أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رفعته عنه. فقال لها في ذلك. فقالت له : «إنك مشرك نجس ، وهذا فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم يرد عليه شيئا ، فأتى أبا بكر رضي‌الله‌عنه ليكلم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «ما أنا بفاعل». فأتى عمر رضي‌الله‌عنه فقال : «أنا أكلم لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟!. والله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم به» ـ أو كما قال ـ. فأتى فاطمة رضي‌الله‌عنها ، فأبت عليه ، فتوسل بابنيها الحسن والحسين ، فقالت : «ما بلغا أن يجيرا بين الناس». فقال لعلي بن

__________________

(١) سقط ما بين حاصرتين من (أ) ، والاثبات من (ب) ، (ج). وفي (د): «وقتلونا ركعا وسجدا».

(٢) بديل بن ورقاء الخزاعي كان عيبة نصح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي خاصته وأصحاب سره من أهل تهامة. انظر : الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢١٨.

(٣) في تاريخ الطبري «ليشدد العهد ويزيد في المدة» ٣ / ٢٨٨. وفي (د) «يشهد العهد».

٤٧٥

أبي طالب رضي‌الله‌عنه : «انصحني يا ابن أبي طالب». فقال : «ما أرى لك من النصح ، إلا أنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس». فقال : «أو نافعي ذلك؟!». فقال : «لا ، ولكن لا أرى لك (١) غيره».

فانطلق من عنده حتى أتى المسجد فقام وقال : «أيها الناس إني قد أجرت / بين الناس». وركب ناقته وانطلق راجعا إلى قريش ، فدخل مكة ، وأخبرهم الخبر ، فقالوا : «ما زاد ابن أبي طالب إلا (٢) أن لعب بك». قال : «هو ذاك والله"!.

فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجهاز (٣) ، وغضب وقال : «لا نصرت إن لم أنصركم!!». وعزم على المسير إلى مكة ، وقال : «اللهم خذ العيون والأخبار على قريش حتى نبغتها (٤) في بلادها».

وكان ذلك (٥) سبب فتح مكة. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي‌الله‌عنه يحرض الناس ويذكر مصاب خزاعة (٦) :

عناني ولم أشهد ببطحاء مكة

رجال بني كعب تحزّ (٧) رقابها

بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم

وقتلى كثيرة لم تجفّ ثيابها (٨)

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (ج).

(٢) في (ب) ، (د) «على».

(٣) في (د) «بالجهاد».

(٤) في (د) «نبيتها».

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) انظر الأبيات مع بعض الاختلاف في الكلمات : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٩٠ ، وديوان حسان بن ثابت.

(٧) في (ب) «تجز». وفي (د) «تحف».

(٨) جاء الشطر الثاني في (ب): «وقتلى كثير لم تجن ثيابها». كما عند ابن ـ هشام والطبري. ولم تجن ثيابها ـ أي لم تستر. والمثبت أقرب الى المعنى.

٤٧٦

ألا ليت شعري هل ينالن (١) نصرتي

سهيل بن عمرو حدّها (٢) وعقابها

(وصفوان عود أحرّ من شفراته) (٣)

فهذا أوان الحرب شدّ عصابها

ولا تأمننا يا ابن أم مجالد (٤)

إذا احتلبت صرفا وأعضل (٥) بابها

ولا تجزعوا منا (٦) فإن سيوفنا

لها وقعة بالموت يفتح (٧) بابها

قال ابن سيد الناس (٨) : «فخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثماني من الهجرة».

قال الواقدي (٩) : «وكان خروجه يوم الأربعاء».

وقال العلامة ابن حجر (١٠) : «والأصح أنه خرج من المدينة لليلتين مضتا منه». ودخل مكة سادس عشرة وقد أغرب.

__________________

(١) في (ج) «تنالن» كما عند ابن هشام.

(٢) في (أ) ، (د) «عبد حدها». وفي (ب) «وجدها». كما ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «وجدها». وعند ابن هشام «وخزها». وعند الطبري «حرها».

(٣) شطر البيت غير مقروء في (ب) ، وفي (ج): «وصفوان عود أحر من شفراته». وفي (د): «وصفوان عود آخر من شفراته». وعند الطبري : «وصفوان عودا خر من شفراسته». وعند ابن هشام كما في الديوان : «وصفوان عود حن من شفراسته».

(٤) في (أ) ، (د) الشطر كالتالي : «ولا تأتيا يا ابن أم مخالد». وفي (ب): «ولا تأنيها ابن أم مخالد». وفي (ج) كما أثبتناه في المتن ، وهو كما عند ابن هشام والطبري. وابن أم مجالد أي عكرمة بن أبي جهل ـ انظر : الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٩١.

(٥) عند ابن هشام والطبري «واعصل».

(٦) في (ج) «منها» كما عند الطبري.

(٧) في (ج) «تفتح».

(٨) في عيون الأثر في فنون المغازي والسير.

(٩) في المغازي.

(١٠) ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣١٤.

٤٧٧

قال ابن إسحاق (١) : «واستخلف على المدينة أبا رهم مكتوم بن حصين بن عقبة (٢) بن خلف الغفاري».

وسار صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة في عشرة آلاف من المسلمين ، وقريش لا تعلم ، إلى أن بلغ الكديد (٣) ـ وهو ماء ما بين قديد وعسفان ـ فأفطر صلى‌الله‌عليه‌وسلم هناك (٤).

فخرج أبو سفيان يتجسس ، وقد نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر الظهران (٥).

وكان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجحفة (٦) مهاجرا بعياله ـ وكان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته (٧) ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم / راض عنه بذلك (٨) ـ فأشفق العباس على قريش.

فلما نزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ الظهران ركب العباس بغلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسار نحو الأراك (٩) ، يريد أن يجد أمرءا يرسله إلى قريش يعرفهم الخبر ، ليخرجوا إليه

__________________

(١) ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣٩٩.

(٢) الصحيح كلثوم بن حصين. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٣٠٤ ، ٤ / ٧٠ ـ ٧١ ، وفي السيرة" عتبة" بدل «عقبة».

(٣) الكديد : ما غلظ من الأرض. وهو موضع بالحجاز بين عسفان وأمج. ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٤٤٢.

(٤) ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٠ ، ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٤٤٢.

(٥) مر الظهران : موضع على مرحلة من مكة كانت به عيون كثيرة لأسلم وهذيل وغاضرة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ١٠٤.

(٦) الجحفة : كانت قرية كبيرة على طريق مكة المدينة. وهي ميقات أهل مصر. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ١١١.

(٧) سقطت من (د).

(٨) فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٠.

(٩) الأراك ـ موضع قرب مكة ، لوجود شجر الأراك فيه. انظر : معجم البلدان لياقوت ١ / ١٣٥.

٤٧٨

ويستأمنوا (١) قبل أن يدخل عليهم مكة عنوة. فسمع العباس أبا سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء يتراجعان القول ، فعرف العباس صوت أبي سفيان ، فدعاه ، فأجابه ، وسأله عن الخبر ، فقال له العباس : «ويحك أبا سفيان ، هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واصباح (٢) قريش!!». وأشار على أبي سفيان أن يذهب معه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرجع به معه ، وأردفه خلفه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فعرض له عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وأراد قتل أبي سفيان ، فمانعه العباس حتى أتى به إلى (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلم بعد تأبّ منه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتألّفه : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».

فلما أتى بئر طوى أمر الزبير بن العوام أن يدخل مكة من أعلاها ويغرز (٤) رايته بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه. وأمر خالد ابن الوليد أن يدخل مكة من أسفلها ، ولا يقاتل إلا من قاتله. وأمر الأنصار أن يحصدوا (٥) سفهاء (مكة من) (٦) قريش ، وذكر ناسا أمر بقتلهم ، ولو تحت أستار الكعبة (٧).

__________________

(١) في (ب) ، (د) «ويستأمنون».

(٢) في (د) «يصابح».

(٣) سقطت من (ج) ، (د).

(٤) في (ج) «ويعرز».

(٥) في (ب) ، (ج) «يحصروا». وهو خطأ. انظر : البداية والنهاية ٢ / ٥٨٢ ، ابن سيد الناس ـ عيون الأثر ٢ / ١٧٤ ، شرح المواهب ٢ / ٣١٧.

(٦) سقطت من (ب) ، (د).

(٧) نذكر منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وهلال وقيل عبد العزى بن خطل ، والحويرث بن نقيد ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وكعب بن زهير ، ووحشي الزنجي (قاتل حمزة رضي‌الله‌عنه) ، وعكرمة بن أبي جهل. ومن النساء : قينتا ابن خطل قريبة وفرتنا ، وسارة مولاة عمرو بن هاشم أو أبي لهب ، وهند بنت عتبة. انظر : ابن

٤٧٩

وكانت راية الأنصار بيد سعد بن عبادة رضي‌الله‌عنه ، فلما مرّ سعد بأبي سفيان قال له : «يا أبا سفيان ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحلّ الكعبة».

قال ابن إسحاق : «فسمعها رجل من المهاجرين (١) فقال : يا رسول الله ، ما آمن أن تكون لسعد في قريش صولة. فقال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب : أدركه وخذ الراية منه».

ويقال أن أبا سفيان عارض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر له ما قال سعد ، وناشده الرحم ، فأرسل وأخذ الراية من سعد ودفعها إلى ابنه قيس.

وعند ابن عساكر (٢) : أن امرأة من قريش عارضت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت :

«ـ قلت : والصواب أنها لضرار بن الخطاب الفهري (٣) كما قاله العلامة دعسين (٤) في شرحه لذخيرة المعاد وشرح قصيدة البوصيري (٥) في

__________________

ـ هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٩ ـ ٤١٢ ، الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٢٥ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٢٣.

(١) عند ابن هشام : «هو عمر بن الخطاب». السيرة ٢ / ٤٠٦.

(٢) في تاريخ دمشق ، لم أجد ذلك في ترجمة سعد بن عبادة ، ولا في ترجمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وانظر ترجمة سعد في تاريخ دمشق ٧ / ١١٦ ـ ١٢٧. وانظر الخبر : ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٢٩٥ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٢٠ ، والاصابة ١ / ٢١٠.

(٣) وكذلك نسبها السهيلي في الروض الأنف الى ضرار. وهو ضرار بن الخطاب بن مرداس القرشي الفهري ، صحابي فارس ، شاعر ، أسلم يوم فتح مكة. واستشهد في اليمامة في حروب الردة ، وقيل حضر فتح المدائن ونزل الشام. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٤) دعسين : أبو بكر بن أحمد بن علي القرشي الملقب بدعسين ، فقيه من فقهاء الزيدية ، نسبته الى قريش من قبائل المخلاف السليماني في اليمن. توفي سنة ٧٥٢ ه‍. له شرح سنن أبي داود. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٢ / ٦١.

(٥) قصيدة البوصيري المشهورة.

٤٨٠