منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

يا عين (١) جودي وأذري الدمع وأنهمري

وابكي على السّرّ من كعب المغيرات

يا عين واسحنفري (٢) بالدمع واحتفلي

وابكي خبيئة نفسي في الملمات

وابكي على كل فياض أخي ثقة

ضخم الدسيعة (٣) وهاب الجزيلات

محض الضريبة عالي (٤) الهمّ مختلف

(جلد النخيزة) (٥) (ناء بالعظيمات) (٦)

(صعب البديهة) (٧) لا نكس ولا وكل

ماضي العزيمة متلاف الكريمات

صقر توسّط من كعب إذا نسبوا

بحبوحة المجد والشّمّ الرفيعات

ثم أندبي الفيض والفياض مطّلبا

واستخرطي بعد فيضات (٨) بجمات

أمسى بردمان عنا اليوم منفردا

يا لهف نفسي عليه بين أموات

وابكي (٩) لك الويل إما (١٠) كنت باكية

لعبد شمس بشرقي (١١) البنيات

وهاشم في ضريح وسط بلقعة

تسفي الرياح عليه بين غزات

__________________

(١) في شفاء الغرام «عيني».

(٢) بمعنى أديمي. وقد سقط البيت من شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٧٨.

(٣) الدسيعة : العطاء الجزيل.

(٤) في (ج) «على».

(٥) ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى" خلد النجيرة». والنجيرة : بمعنى الطبيعة. لسان العرب ٥ / ٤١٥. وأما النجيرة : فهي الأصل والحسب ٥ / ١٩٣. وهي أولى بهذا المقام.

(٦) في (ج) «نأبا العظيمات». وهذا خطأ من الناسخ. وانظر : ابن هشام ١ / ١٣٩.

(٧) في شفاء الغرام «سبط اليدين» ١ / ١٢٥.

(٨) في (ج) «فيفان». واستخرطي بمعنى استكثري. والجمات المجتمع من الماء. واستعاره هنا للدمع. انظر هامش رقم (٢) من السيرة لابن هشام ١ / ١٤٠.

(٩) في (ج) «وبكي».

(١٠) في (ج) «إن ما».

(١١) في (أ) «شرقي». والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د) ، والسيرة لابن هشام.

٤٠١

ونوفل كان دون القوم خالصتي

أمسى بسلمان في رمس بمومات (١)

لم ألق مثلهم عجما ولا عربا

إذا استثقلت (٢) بهم أدم المطيات

أمست ديارهم منهم معطلة

وقد يكونون زينا في البريّات (٣)

أفناهم الدهر أم كلّت سيوفهم

أم كلّ من عاش أزواد المنيات

أمسيت (٤) أرضى من الأقوام بعدهم

بسط اليدين (٥) وإلقاء التحيات

ما في القروم لهم عدل ولا خطر

ولا لمن تركوا شروى بقينات (٦)

أبناؤهم خير أبناء وأنفسهم

خير النفوس لدى جهد الألّيات (٧)

وهي طويلة (٨).

[شيبة الحمد ـ عبد المطلب بن هاشم ـ]

لما أتى خبر وفاة المطلب ، ولي أمر السقاية والرفادة شيبة الحمد عبد المطلب بن هاشم. فأقام قومه على ما كانوا عليه. وكان له ابل كثيرة ، فإذا كان الموسم جمعها وسقا الناس اللبن والعسل ، وكان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم بعد أن حفرها فيسقي الناس. واستمرت بيده إلى أن توفي.

__________________

(١) المومات : مفردها مومأة بمعنى القفر.

(٢) في (د) «استقلت».

(٣) عند ابن هشام في السيرة «السريات».

(٤) في سيرة ابن هشام «أصبحت» ١ / ١٤٠.

(٥) في سيرة ابن هشام «الوجوه» ١ / ١٤٠.

(٦) الشطر في (ج) «ولا من تركوا الشرور بقيات». وفي (ب) «ولا لمن تركوا شروى بقيات». وعند ابن هشام في السيرة «ولا لمن تركوا شروى بقيات». وفي شفاء الغرام للفاسي «ولا لم تركوا سروا بقيعات».

(٧) الأليات : الشدائد.

(٨) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣٩ ـ ١٤٢.

٤٠٢

[السقاية بعد وفاة عبد المطلب]

فكانت بعده في يد ابنه أبي طالب ، فاستدان من أخيه العباس عشرة الآف درهم إلى الموسم فصرفها. وجاء الموسم ولم يكن معه شيء ، فطلب من أخيه العباس أربعة عشر ألفا إلى الموسم القابل ، فشرط عليه إذا جاء / الموسم ولم يقضه أن يترك له السقاية ، فقبل ذلك. وجاء الموسم ولم يقضه ، فترك له السقاية.

فكانت بيد العباس بن عبد المطلب ، واستمرت السقاية بيده حتى فتحت مكة ، فوليها بعده ابنه عبد الله (بن العباس) (١) رضي‌الله‌عنهما حتى توفي ، فكانت في يد ابنه علي بن عبد الله بن العباس. وهي لولده إلى أن انقضت خلافتهم ، وهم يضعون فيها نوابهم.

وأما الرفادة :

فانه قام بها عبد المطلب ، فلما أن توفي قام بها أبو طالب ، ثم جاء الإسلام وهو على ذلك.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام للحاج مع أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، حين حج بالناس سنة تسع للهجرة ، ثم عمل في حجة الوداع.

ثم قام به أبو بكر رضي‌الله‌عنه في خلافته ، ثم عمر رضي‌الله‌عنه ، ثم الخلفاء بعده (٢).

فلما ولي سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما الخلافة ،

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٢) سقطت من (ب) ، (ج).

٤٠٣

اشترى دارا بمكة وسماها دار المراجل ، وجعل فيها قدورا ، فكانت الجزر والغنم تذبح ويطبخ فيها للحجاج أيام الموسم ، ثم يفعل ذلك في شهر رمضان.

واستمر العمل إلى الآن ، وهو الطعام الذي يصنعه صاحب مكة للحاج في عرفة ومنى ـ ولو لم يكن إلا (رسما صوريا) (١) ، فهو باق في الجملة.

[حفر زمزم]

رجع :

ولم يزل عبد المطلب يعطف على قومه ، حتى أحبوه ، فرأى عبد المطلب منامات تدل على حفر زمزم (٢) ، وعلم لها محلها بعلامات بعد أن درست وفقد (٣) أثرها بعد جرهم. فهم بحفرها ، وجاء هو وابنه الحارث ـ ولم يكن معه (٤) غيره ـ وحفرها حتى بدا طي البئر ، فحسدته بطون قريش ، وهموا أن يمنعوه ، وقالوا : أشركنا معك. فقال : ما أنا بفاعل ، هذا شيء خصصت به دونكم ، فحاكموني إلى من شئتم. فقالوا : كاهنة بني سعد.

فخرج معهم إليها ، فعطشوا في الطريق ، حتى أيقنوا بالهلاك وتساقطوا من الركاب. (فقال عبد المطلب : والله إن إلقاءنا بأيدينا إلى

__________________

(١) في (ب) «الأسمى صورة». وفي (ج) «اسما صورة».

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٧ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٨٥ ، المقدسي ـ البدء والتاريخ ٤ / ١١٤ ـ ١١٥.

(٣) في (ج) «وذهب».

(٤) في (ج) «له».

٤٠٤

التهلكة لعجز ، فعسى الله أن يرزقنا ، فارتحلوا) (١).

فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها ، فلما انبعثت به [راحلته](٢) ، انفجرت تحت خفيها [عين عن](٣) ماء عذب. فكبّر عبد المطلب ، وكبّر أصحابه ، وشربوا جميعا ، وقالوا : قد قضى لك علينا الذي سقاك ، فوالله لا نخاصمك فيها أبدا.

فرجعوا ، وخلوا بينه وبين زمزم ، وكفاه الله شرهم ، فحفرها وأخرج الدروع والسيوف (٤) والغزالين الذهب ال دفنها مضاض بن عمرو / الجرهمي. فسبك الحديد صفائح ، وألبسها ذهب الغزالين ، وحلّى بها باب الكعبة. وهو أول ذهب حلّيت به الكعبة.

ومن شعره (في ذلك) (٥) :

أعطى بلا شحّ ولا مشاحح

سقينا (٦) على رغم العدو الكاشح

بعد كنوز الحلى والصفايح

حليا بيت (٧) الله ذي المنايح (٨)

وذكر الحلبي (٩) عن شفاء الغرام (١٠) :

__________________

(١) ما بين قوسين من (أ) فقط. وسقط من بقية النسخ.

(٢) زيادة من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من (ب) ، (ج).

(٤) في (ج) «والأسياف».

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٦) في (ب) ، (ج) ، (د) «سقيا" كما في مروج الذهب للمسعودي ٢ / ١٢٧.

(٧) في (ب) ، (د) «لبيت».

(٨) في (ب) ، (ج) ، (د) «المسابح» وفي مروج الذهب جاء الشطر هذا : «حلية لبيت الله ذي المسارح». ٢ / ١٢٧.

(٩) في انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ص ٣٤.

(١٠) للفاسي ١ / ١٨٥.

٤٠٥

«أن عبد المطلب علّق الغزالين في الكعبة ، فكان أول من علق التعاليق».

قال : ثم ان الغزالين سرقا من الكعبة ، وبيعا على بعض تجار قدموا مكة بخمر. وقد ذكر أن أبا لهب مع جماعة نفذت خمرهم في بعض الأيام فسرقوا غزالة واشتروا بها خمرا ، وطلبتها قريش ، وكان أشدهم طلبا لها عبد الله بن جدعان (١) ، فعلموا بالقوم ، فقطعوا بعضهم وهرب بعضهم ، وكان فيمن هرب أبو لهب إلى أخواله (٢) من خزاعة فمنعوا عنه قريشا ، ومن ثمّ كان يقال لأبي لهب : سارق غزالة البيت.

ولقد قيل : ولا منافاة بين كون الغزالتين علقتا وسرقتا ، أو احداهما ، وبين كون عبد المطلب حلّى بهما باب الكعبة ، لكونه يجوز أنه فعل ذلك بعد استخلاصهما من التجار الآخذين لهما في ثمن الخمر ممن سرقهما أو إحداهما (٣) ـ انتهى ملخصا (٤).

وافتخرت بنو عبد مناف بحفر زمزم على غيرهم من العرب ، فإنها بئر إسماعيل.

__________________

(١) عبد الله بن جدعان من تيم بن مرة من الكرماء الأجواد في الجاهلية المطعمين للمسنتين ، وفي بيته حصل حلف الفضول لسنه وكرمه وسيادته في قومه ، ومع ذلك فقد ثبت في الصحيح لمسلم أن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : يا رسول الله ان ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟!. فقال : لا ، انه لم يقل يوما رب اغفرلي خطيئتي يوم الدين». انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٢) في (ب) ، (د) «اخوانه».

(٣) في (أ) ، (ج) «أحدهما». والاثبات من (ب) ، (د).

(٤) أي من الحلبي في سيرته عن شفاء الغرام ١ / ١٨٥. وجميع ما ذكر من هذا الخبر في هامش (أ) وتصعب قراءته.

٤٠٦

وفي ذلك يقول مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس (١) :

ورثنا المجد عن آبا

ئنا فنما بنا صعدا (٢)

ألم نسق الحجيج وننح

ر الدّلّافة الرّفدا (٣)

ونلقى (٤) عند تصريف المنا

يا شدّدا أبدا (٥)

فإن (٦) نهلك فلم نملك

ومن ذا خالد خلّدا

وزمزم في أرومتنا

ونفقأ عين من حسدا

وقال (خويلد [...] ابن عبد العزى (٧)) :

أقول وما قولي عليهم (٨) بسبة

إليك ابن سلمى (٩) أنت حافر (١٠) زمزم

حفيرة إبراهيم يوم ابن آجر (١١)

وركضة جبريل على عهد آدم

__________________

(١) وقد جاءت هذه القصيدة في السيرة لابن هشام ١ / ١٥١. في حين ذكر الأزرقي ثلاثة أبيات فقط في أخبار مكة ١ / ٢٨٧. وأما مسافر بن أبي عمرو فاسمه ذكوان من سادات بني أمية وأجوادهم في الجاهلية ، شاعر ، مات بهبالة وقيل في الحيرة عند النعمان بن المنذر قبل الهجرة بحوالي عشر سنوات. انظر : الزبيري ـ نسب قريش ١٣٥ ـ ١٣٧ ، السهيلي ـ الروض الأنف ١ / ١٠٢ ، الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٢١٣.

(٢) في (ج) «سعدا». وعند ابن هشام «صعدا». ١ / ١٥١.

(٣) الدلافة الرفدا : الابل السمينة تملأ القدح الذي يحلب فيه.

(٤) في (ج) «وتلف». وفي (د) «ونلق».

(٥) عند ابن هشام «رفدا».

(٦) في (ج) «فلم». وذكر الناسخ في الهامش أن في نسخة أخرى «فلن».

(٧) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج). وما بين حاصرتين بياض في (أ). ولا مبرر له.

(٨) في (ج) «عنهم».

(٩) أي شيبة الحمد عبد المطلب بن هاشم.

(١٠) في (ج) «حاضر».

(١١) في (ب) ، (ج) «هاجر». وهي نفسها

٤٠٧

وسلمى بنت صخر هي أم عبد المطلب.

وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب (١) :

وساقي الحجيج ثم للخير (٢) هاشم

وعبد مناف ذلك السيد الفهر

طوى زمزما عند المقام فأصبحت

سقايته فخرا على كل ذي فخر

[فضائل زمزم]

قلت :

وفضائل زمزم كثيرة جدا (٣). ففي المستدرك (٤) من حديث مرفوع [عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما](٥) : «ماء زمزم لما شرب له ، إن شربت لتشتفي به شفاك الله ، وإن شربته لقطع ظمأك (٦) قطعه الله ، هي هزمة جبريل ، وسقيا [الله](٧) إسماعيل».

ورجاله موثوقون ، إلا أنه اختلف في إرساله وإيصاله ، وإرساله

__________________

(١) من البحر الطويل. والبيتان في السيرة لابن هشام ١ / ١٥١ ، والبدء والتاريخ ٤ / ١١٤.

(٢) في (ب) «للخيرات». وفي البدء والتاريخ «للخبز» ٤ / ١١٤.

(٣) انظر في ذلك : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٧ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٦٢ ـ ١٦٨.

(٤) المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٠٥ ه‍.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) في (ج) «ضجايك». وهو خطأ. وما أثبتناه في المتن من (أ) ، (ب) والصحيح" ظمئك».

(٧) من الجامع اللطيف ص ١٦٢.

٤٠٨

أصح ـ كذا في الفتح (١) [روى هذا الحديث الدارقطني (٢) عن ابن عباس مطولا ، وحديث المستدرك : ماء زمزم لما شرب له ـ انتهى من الاعلام](٣).

وقد شربه جماعة لمقاصد جليلة فنالوها.

وعن جابر رضي‌الله‌عنه قال (٤) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وشرب من ماء زمزم ، غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت».

وأخرج الديلمي (٥) : «ماء زمزم شفاء من كل داء».

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن النبي صلى الله / عليه وسلم أنه قال : «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم». وصححه ابن حبان (٦).

وعنه أيضا (٧) أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «التضلع من ماء زمزم علامة ما بيننا وبين المنافقين».

وعنه (٨) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن الحمى من فيح جهنم ، فابردوها

__________________

(١) لعله فتح الباري في شرح صحيح البخاري لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ ه‍.

(٢) الدارقطني : أبو الحسن علي بن عمر المتوفى سنة ٣٨٥ ه‍ صاحب السنن.

(٣) ما بين حاصرتيين زيادة من (ج). وأكبر الظن أنها من اضافات الناسخ الدهلوي.

(٤) أخرجه الواحدي في تفسيره وغيره ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٦٢.

(٥) وسنده ضعيف جدا. الجامع اللطيف ١٦٢.

(٦) ابن حبان : أبو حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الثقات. توفي سنة ٣٥٤ ه‍. والحديث أخرجه الطبراني في معجمه بسند رجاله ثقات. الجامع اللطيف ١٦٢.

(٧) الجامع اللطيف ١٦٢.

(٨) هذا الحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان. ورواه البخاري في صحيحه ـ على الشك فقال : «فأبردوها بالماء أو بماء زمزم». انظر : الجامع اللطيف ١٦٣.

٤٠٩

[بالماء ـ أي](١) بماء زمزم».

والكلام في ذلك كثير (٢) طويل ، في محله من المطولات (٣).

فائدة أحببت ذكرها (٤) :

قال صاحب كتاب النبراس في فضائل زمزم وسقاية العباس وهو لبعض الزمازمة المتأخرين (٥) ، ونصه :

«اعلم أني رفعت سؤالا إلى علماء وقتنا ـ أدام الله فضلهم ـ صورته : ما قولكم رضي الله عنكم ، ونفع بعلومكم المسلمين ، هل بئر زمزم وكذا حريمها ـ وهو البناء الدائر على فم البئر من غير المسجد ـ فلا يحرم للجنب (٦) المكث فيه ، ولا البصاق ، ولا الغسل ، ولا غير ذلك مما يحرم فعله في المساجد؟ أم من المسجد ، فيحرم ، وله حكم المسجد ذاته (٧) ، ويجوز فيه الإعتكاف ، ويحرم دخوله جنبا ، والمكث فيه ، ويستحب تقديم رجله اليمنى عند دخوله ، وركعتي التحية إن أمكن

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) سقطت من (ب) ، (د).

(٣) انظر على سبيل المثال : الأرزقي ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٧ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٤٠٤ ـ ٤١٤ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٦٢ ـ ١٦٨.

(٤) كل ما يأتي تحت هذه الفائدة في هامش ص (٧٩) من النسخة (أ) وغير مقروء تماما.

(٥) الزمازمة : هم الذين يلون أمور بئر زمزم. والزمزمي لعله خليفة بن أبي الفرج المكي المتوفي سنة ١٠٦٠ ه‍ صاحب» نشر الآس في فضائل زمزم وسقاية العباس (مخطوط بالظاهرية).

(٦) سقطت من (ب) ، (د).

(٧) سقطت من (ب) ، (د).

٤١٠

فجلس (١) فيه؟! ـ افتونا مأجورين ـ».

أجاب الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطبري :

«الحمد لله رب العالمين ، لم أر لأحد في ذلك نقلا ، إلا ما ذكره جدي شيخ الإسلام أحمد بن حجر (٢) في التحفة (٣) بعد قول السبكي (٤) : إذا رأينا مسجدا يصلى فيه من غير منازع ، ولا علمنا له واقفا ، فليس لأحد أن يمنع منه ، لأن استمراره على حكم المساجد دليل على وقفه كدلالة اليد على الملك ، فدلالة يد المسلمين هذه الصلاة فيه دليل على ثبوت كونه مسجدا ـ انتهى كلام السبكي ـ.

قلت : ويؤيد ذلك ما ذكره المحب الطبري في القرى (٥) عن العباس رضي‌الله‌عنه أنه بلغه أن رجلا اغتسل من بئر زمزم ، فوجد من ذلك العباس وجدا شديدا وقال : ما أحلها للغسل (٦) ـ قال يعني في المسجد ـ وهي لشارب أو متوضيء حل. بل قال سفيان : حلّ محلل.

والظاهر أنه يريد الغسل من الجنابة لمكان تحريم اللبث في المسجد على الجنب. وفي قوله : في المسجد تنبيه عليه ـ انتهى ـ. فافهم ما ذكر أن لها حريم ، وأن ما حولها له حكم المسجد ، ومعنى حلّ محلل توكيد باختلاف اللفظ. والله أعلم».

__________________

(١) في (ب) ، (د) «فعلها».

(٢) أحمد بن حجر الهيثمي المتوفي سنة ٩٧٤ ه‍.

(٣) التحفة لابن حجر الهيثمي.

(٤) عبد الوهاب السبكي.

(٥) القرى لقاصد أم القرى لأحمد بن عبد الله ـ محب الدين الطبري ، توفي سنة ٦٩٤ ه‍.

(٦) في (د) «المغتسل».

٤١١

وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن عيسى المرشدي الحنفي (١) مفتي السلطنة :

«الحمد لله ، سبحانك ، لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، لم نر من تعرض لذلك من علماء مذهبنا بنفي ولا اثبات ، لا في كتب (٢) المناسك ولا في غيرها ، والعلم أمانة ـ والله أعلم».

وأجاب الشيخ عبد العزيز الزمزمي (٣) مفتي الشافعية :

«الحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، صريح كلام جدي خاتمة المحققين شهاب الدين أحمد بن حجر في التحفة ، أن حريم زمزم من المسجد ، وقضية عبارته أن البئر كذلك ، إذ القول بعدم مسجديتها مع القول بمسجدية ما أحاط بها مما يستحيل عادة ، وإن جاز عقلا ، فيجري عليها أحكام المساجد. وأما تقديم اليمنى عند محل البئر فلا يسن إذ هو جزء من المسجد ، ولا تفاوت بين أجزائه ، وإنما يراعى ذلك في غيرها معها ـ والله أعلم».

وأجاب مفتي المالكية الشيخ أبو السعود بن علم (٤) الزين المالكي المكي (٥) :

__________________

(١) عبد الرحمن بن عيسى المرشدي العمري المكي الشافعي ، أغرق سنة ١٠٣٧ ه‍.

(٢) في (ب) «كتاب».

(٣) الشيخ عبد العزيز الزمزمي ، مفتي الشافعية ، شيرازي الأصل ، مكي المنشأ. توفي سنة ٩٦٣ ه‍ أو سنة ٩٧٦ ه‍. انظر : ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ٨ / ٣٣٦ ، الزركلي ـ الاعلام ٤ / ٢٣.

(٤) في (أ) ، (ج) «علم». وهو خطأ.

(٥) الشيخ أبو السعود بن علي القسطلاني المكي الزين. توفي سنة ١٠٣٣ ه‍ ، ولد بمكة ونشأ بها وأخذ عن علمائها ، ألف العديد من الكتب في النحو والفقه ، وقال الشعر. انظر : المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ ٣٠٤.

٤١٢

«الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، نعم ، البئر زمزم مع حريمها ليست من المسجد ، فيباح للجنب المكث فيه والغسل فيه ، ولا تصح الجمعة ولا الإعتكاف فيها ، لكون المسجد شرط فيها ، ولا في علوها ، ولا يقدم الداخل يساره ، ويؤخر يمناه خروجا ، ولا تحية لها. وأما البصاق فجائز إلا أن يؤدي إلى تأذي الناس ، وتعلقه بثيابهم وأرجلهم ، واستنكاف أنفسهم عند الشرب فيجتنب ـ والله أعلم».

ـ انتهى المقصود ـ.

وذكر في هذا الكتاب أن الخلوة التي إلى جانب زمزم هي [محل](١) الدومة (٢) التي أبقى الخليل هاجر بها (٣) ، وأن سقاية العباس كانت هناك إلى زمن ابن الزبير ، فنقلها إلى محلها الآن ـ والله أعلم ـ.

[أفضلية ماء زمزم]

وأما أفضليتها (٤) :

فقد تقدم عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم». (٥).

قال الفاسي (٦) : «وكان السراج البلقيني يقول : إنه أفضل من ماء

__________________

(١) زيادة من (ب) ، (د).

(٢) في (د) «الدوحة».

(٣) في (د) «تحتها».

(٤) في (ج) «فضيلتها».

(٥) الفاكهي ٢ / ٤٠ حديث رقم ١١٠٣ واسناده ضعيف جدا. وأما حديث رقم ١٠٩٠ ، ٢ / ٣٤ «خير ماء في الأرض ماء زمزم» ففيه ميمون بن الحكم الذي لم يقف عبد الملك بن دهيش على ترجمة له ، وبقية رجال السند ثقات. انظر : الفاكهي ١ / ٩٢ حديث رقم ٢٨.

(٦) شفاء الغرام ١ / ٤٠٦. وانظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٦٦.

٤١٣

الكوثر ، وأنه كان يعلل ذلك بغسل صدره صلى‌الله‌عليه‌وسلم به دون غيره حين شق عنه جبريل» ـ انتهى ـ.

ورده شيخ الإسلام علي بن جار الله الحنفي (١) : «بأنا نسلم أنه أفضل مياه الدنيا ، أما كونه أفضل من ماء الكوثر فلا نص. لأن ماء الكوثر من متعلقات دار البقاء ، فلا يستعمل في دار الفناء».

ذكر العراقي (٢) : «أن حكمة غسل صدره الشريف بماء زمزم كونه يقوي القلب بالخاصية ، ويسكن الروع ، ليقوي قلبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رؤية ملكوت السماوات والأرض».

وسئل الجلال السيوطي (٣) عن (أفضليته على) (٤) ماء الكوثر ، فتوقف وقال : «لا نصّ».

[ذرع بئر زمزم]

وذكر الفاسي (٥) : «أن ذرع غورها من أعلاها إلى أسفلها ستون ذراعا على ما ذكره الأزرقي (٦)».

__________________

(١) وهو جد جمال الدين محمد جار الله بن محمد بن ظهيرة المخزومي صاحب الجامع اللطيف. الجامع اللطيف ١٦٦.

(٢) الحافظ زين الدين العراقي ـ انظر الجامع اللطيف ١٦٧. والعراقي من محدثي مكة. توفي سنة ٨٠٦ ه‍. واسمه عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن أبو الفضل زين الدين ، وله عدة مؤلفات. انظر : الضوء اللامع للسخاوي ٤ / ١٧١ ، الزركلي ـ الأعلام ٣ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(٣) انظر السؤال شعرا ، والجواب شعرا. الجامع اللطيف ١٦٦ ، ومن جوابه :

ما جاءنا خبر بذلك ثابت

فالوقف عن خوض بذلك أجمل

(٤) في (ج) «أفضلية».

(٥) شفاء الغرام ١ / ٣٩٩.

(٦) أخبار مكة ٢ / ٦١.

٤١٤

وقال أيضا (١) : «غورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعا ، وذلك كله بنيان وما بقي فهو جبل منقور ، وهو تسعة وعشرون ذراعا» ـ وهذا يخالف ما سبق ـ والله أعلم.

قال (٢) : «وفي قعرها ثلاثة عيون ، عين حذاء الركن الأسود ، وعين حذاء أبي قبيس والصفا ، وعين حذاء المروة ، قاله الأزرقي (٣) والفاكهي (٤)».

[صفة ماء زمزم]

ويعجبني قول بعضهم :

بالله قولوا لنيل مصر

بأنني عنك في غناء

بزمزم العذب عند بيت

معلق الستر (٥) بالوفاء

قلت (٦) : وقوله العذب ـ يعني عذوبة معنوية ، وإلا ففي الماء ثقل ، وقد يحلو في بعض الأحيان بالمشاهدة ، خصوصا إذا برد. وقال بعض العلماء (٧) إنه يعذب في ليلة النصف من شعبان» ـ والله أعلم.

__________________

(١) أي الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٤٠٠.

(٢) أي الفاسي ١ / ٣٩٩.

(٣) أخبار مكة ٢ / ٦١.

(٤) أخبار مكة ٢ / ٦١.

(٥) في (ج) «السّرّ». وفي شفاء الغرام «مخلق الشرب الوفا» ١ / ٤١٢. والبيتان لبدر الدين بن الصاحب المصري كما ذكر الفاسي.

(٦) سقطت من (ج). وقلت : أي السنجاري.

(٧) ونقل ابن ظهيرة ذلك عن أهل مكة وقال : «ويقال يقول أهل مكة أن عين السلوان تتصل بزمزم في تلك الليلة ...». الجامع اللطيف ١٦٧. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٤١٣.

٤١٥

لطيفة :

ذكر العلامة الباعوني (١) أنه كتب لوالده يسأله عن تعليل ملوحة ماء زمزم ، فأجابه ، وذكر ذلك في أبيات (له قال) (٢) : /

سألت أبا العباس والدي الذي

على فهمه في المشكلات يعول

فقلت أطال الله عمرك في الورى

وأبقاك في عز به الخير موصل

[سؤالا لطيفا قد تعسر فهمه

علي إلى أن خلته لا يؤول](٣)

تفكرت يا مولاي في بئر زمزم

بمكة (إذ في مكة) (٤) فخرها لا يمثل

وفي كون ما فيها من الماء مالحا (٥)

على أنها من سائر الأرض أفضل

وقلت له هل من جواب مبين

وهل عندكم فيه مقال فينقل (٦)

فإني قد أتعبت (٧) فكري له فما

ظفرت بما فيه يقال وينقل

فإن كان فيه عندكم من لطيفة

بروحي أفديكم ، علي تفضلوا

ومنوا بابداء الجواب تكرما

وفضلا كما عودتموني وعجلوا

فقال أمد الله في عمره على البديهة (٨)

قولا للجواهر يخجل

__________________

(١) الباعوني : محمد بن يوسف بن أحمد بهاء الدين الباعوني ، دمشقي أديب ، نظم الأراجيز في بعض السير. توفي سنة ٩١٦ ه‍. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٧ / ١٥٥. وكان والده يوسف بن أحمد المقدسي الشافعي القاضي من الفقهاء الناظمين. انظر : الزركلي ٨ / ٢١٥.

(٢) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٣) سقط البيت من (أ) ولعله في احدى الهوامش المطموسة. واثباته من (ب) ، (ج) ، (د).

(٤) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «أضحى» وهو أصح. وساقط من (د).

(٥) غير مقروءة في (ج) ، وفي (د) «مالح».

(٦) في (ج) «فيعقل».

(٧) في (ب) «اتبعت».

(٨) في (ج) «بديهة».

وأضاف ناسخ (ج) في الهامش«في نسخة أخرى على البديهة».

٤١٦

نعم عندنا فيه جواب وأنه

لكالسحر أو كالدرّ أو هو أمثل

جواب غدا مثل النسيم لطافة

أزال عن الأفهام ما كان يشكل

فلا تعجبوا منه فذلك ظاهر

كشمس الضحى يبدو لمن جاء يسأل

فمكة عين الأرض والعين ماؤها

كما قد علمتم مالحا ليس يجهل

نقله شيخ مشايخنا العلامة سيدي علي المصري (١) رحمه‌الله ، نزيل منية أبي الخصيب (٢) في فتاواه (٣).

[عبد الله بن عبد المطلب الذبيح]

وكان حفر زمزم سببا لنذر عبد المطلب أن ينحر أحد بنيه (٤) إن رزقه الله تعالى عشرة رجال ، لكونه لم يكن إذ ذاك إلا الحارث ، فلم يقدر على حفر زمزم.

ويقال : انه تشاجر هو وعدي بن نوفل ، فقال له عدي : «تستطيل علينا وأنت فذ؟!. فقال : «أو بالقلة تعيرني؟!. والله لئن

__________________

(١) لعله يونس بن أحمد المحلي الأزهري الكفراوي الشافعي. من المشتغلين بالحديث. والمتوفي بدمشق سنة ١١٢٠ ه‍. انظر : الزركلي ـ الأعلام ٨ / ٢٦٠.

(٢) منية الخصيب : هي منية أبي الخصيب على شاطيء النيل في الصعيد الأدنى بمصر. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٢١٨.

(٣) سقطت «في فتاواه» من (ب) ، (ج).

(٤) ذكر ابن إسحاق القصة ـ قصة النذر ـ بصيغة التضعيف «فيما يزعمون». انظر : ابن هشام ١ / ١٥١ ـ ١٥٥ ، الأزرقي ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٣٢٨ ـ ٣٣٣ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩. وذكر رواية ابن إسحاق. والغريب أن أحدا لم يتوقف لنقد الرواية وخاصة أن من أولاد عبد المطلب من كان بسن محمد رسول الله (كحمزة والعباس رضي‌الله‌عنهما. فلا يعقل أن يكون عبد الله أصغر أولاد عبد المطلب العشرة. انظر في ذلك : السهيلي ـ الروض الأنف ١ / ١٠٣.

٤١٧

رزقني الله عشرة أولاد لأذبحن أحدهم للكعبة».

فاتفق أن رزقه الله ذلك ، فاجتمع له : الحارث ، والعباس ، وحمزة ، وعبد الله ، وأبو طالب ، والزبير ، وحجل ، والمقوم ، وضرار ، / وأبو لهب. ومن الاناث ست : صفية ، وأم حكيم ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، وبرّة.

فلما اجتمع له ذلك أخبر بنيه بنذره ، فقالوا : «أوف بنذرك بمن أردت منا». فضرب بينهم القداح ، فخرج سهم (١) عبد الله ـ وكان أحبهم إليه ـ فأخذه ، وأخذ الشفرة ، وقام به إلى أساف ـ صنم كان بالصفا ينحر عنده للكعبة ـ يريد أن يذبحه ، فلما أضجعه لحقه العباس (٢) ، وجذب عبد الله من يده حتى أثرت الأرض فيه أثرا كان بوجهه إلى أن مات ، وقال : «لا أدعك تذبحه»!. وتلاحقته قريش من أنديتها ، وقالت : «إن أنت فعلت هذا ، لا يزال الرجل يأتي بابنه فينحره ، ولكن أعذر فيه ، ونفديه بأموالنا».

فذهب عبد المطلب إلى كاهنة ، وقص عليها قصته ـ قال في المواهب عن أبي عبد الغني في كتاب المبهمات (٣) أن اسم الكاهنة قطبة وذكر ابن إسحاق أن اسمها شجاح «بشين وجيم» (٤) ـ وذكر ابن ظفر في الأنباء (٥) أنها كانت بخيبر. فانطلقوا حتى أتوها ـ انتهى ـ. فقالت :

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «على».

(٢) روى هذا عن ابن إسحاق ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ٢٤٨ «فيما يزعمون» وهو غير صحيح بدليل سن العباس رضي‌الله‌عنه. وانظر : الروض الأنف ١ / ١٠٣.

(٣) كتاب المبهمات لأبي عبد الغني. وانظر : السيرة الحلبية ـ انسان العيون ص ٣٦.

(٤) في البداية والنهاية «سجاح» بسين وجيم. وكذلك في (ب) ، (ج) ، (د).

(٥) الأنباء لابن ظفر محمد بن عبد الله أبو محمد الصقلي المكي.

٤١٨

«كم الدية عندكم؟!». قال : «عشر من الابل» ـ وكانت كذلك ـ. قالت : «قدموها ، واقدحوا عليها وعلى الغلام ، فإن خرج السهم على الغلام ، فزيدوا عشرا أخرى ، واقدحوا حتى يخرج السهم على الإبل ، فانحروها عنه ، فإن ربكم قد رضي».

ففعل عبد المطلب ذلك ، فخرج السهم على الغلام ، فزادوا عشرا من الإبل ، فلم يزالوا يزيدوا عشرا ويخرج السهم على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة ، فقالت قريش ومن حضر : «قد انتهى رضا ربك» وفرحوا. فقال عبد المطلب : «لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات»!. ففعلوا ذلك ، في كلّها يخرج السهم على الإبل. فنحر عبد المطلب تلك الإبل ثم تركت لا يصد عنها إنسان (١).

فائدة :

قال ابن كثير (٢) : «ان امرأة سألت ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ، نذرت ذبح (٣) ولدها ، فأمرها بذبح مائة من الإبل آخذا من هذه القصة. ثم سألت عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما فلم يفتها بشيء. فبلغ مروان (٤) ذلك ، فأمرها أن تعمل ما استطاعت من الخير وقال : «ان ابن عباس وابن عمر لم يصيبا الفتيا». وأما عند السادة الحنفية : فمن نذر ذلك يلزمه (٥) / ذبح شاة ، أخذا من قصة إبراهيم مع إسماعيل عليهما‌السلام. وعند السادة الشافعية : هو نذر باطل. ـ فليحفظ ـ والله

__________________

(١) أضاف ابن هشام «ولا يمنع». السيرة ١ / ١٥٥.

(٢) البداية والنهاية ٢ / ٢٤٩.

(٣) في (ج) «أن تذبح».

(٤) أي مروان بن الحكم وكان أمير المدينة آنذاك زمن معاوية رضي‌الله‌عنه.

(٥) سقطت من (ج).

٤١٩

أعلم.

وفرح عبد المطلب بسلامة ابنه ، وقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال (١) : «أنا ابن الذبيحين» ـ يعني عبد الله وإسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام ـ.

[زواج عبد الله بآمنة بنت وهب]

قال ابن إسحاق (٢) : «فلما نجا الله تعالى عبد الله من الذبح ، أخذه عبد المطلب ونور النبوة بين عينيه كالغرة ، فمر به على امرأة من بني أسد بن عبد العزى وهي عند الكعبة ، يقال لها قتيلة ـ بضم القاف وفتح التاء ـ ويقال لها رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل ، فدعت بعبد الله إليها ، وقالت : لك مثل (٣) ما نحر عنك من الابل ، وقع علي. فقال : لا أستطيع الآن. ولحق بأبيه. وقيل أجابها بقوله (٤) :

أما الحرام فالممات دونه

والحلّ لا حلّ فأستبينه

يحمي الكريم عرضه ودينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

__________________

(١) انظر : السيرة الحلبية ـ انسان العيون ٣٨. وروى الحاكم في المستدرك عن معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما قال : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتاه أعرابي فقال : ... فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. فقال معاوية : فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ولم ينكر عليه.

ويعني بالذبيحين : عبد الله وإسماعيل. انظر : زيني دحلان ـ السيرة النبوية والآثار المحمدية بهامش السيرة الحلبية ص ٢٨.

(٢) ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٥٥ ـ ١٥٧ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ٢٢٩ ، وأخذ السنجاري عن السهيلي ـ الروض الأنف.

(٣) سقطت من (ب) ، (ج).

(٤) أبو نعيم الأصبهاني ـ دلائل النبوة ١ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٦٩ ، السيرة الحلبية ـ انسان العيون ص ٣٩.

٤٢٠