منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

ثور بن أصفر ، وكانت لهم اجازة من المزدلفة (١) يليها عدوان (٢) ، ولهم اجازة في الأبطح يليها بنو بكر بن وائل. فلما كان هذا العام وحج الناس ، تقدم قصي ومن معه من قضاعة وقريش وكنانة إلى جمرة العقبة ، ورمى قبلهم وقال : «نحن أحقّ بهذا منكم». فالتحمت الحرب (٣).

واقتتلوا ساعة / ثم فرّت صوفة ، فعطفوا على خزاعة بالسيف ، وحجاج / ٦٢ العرب جميعا من مضر (٤) والشام واليمن وغيرهم ينظرون إليهم. ثم تداعوا إلى الصلح ، ودخلت بينهم قبائل العرب ونهوهم عن القتال بأرض الحرم. وكان قتالهم في فضاء مأزمي (٥) منى ، فسمي موضع القتال المفجر ـ لما فجر فيه من الدماء وحرمة الحرم.

ثم انهم تواقفوا (٦) ، وأجمعوا أن يحكّموا رجلا من العرب. فحكّموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وكان شريفا فيهم ، فحكم لقصي لأنه أحق بأمر مكة لكونه من ولد إسماعيل ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة (٧) وبني بكر مشدوخ تحت قدميه ، وأن ما أصاب (٨) خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية مؤداة ، وأن يخلّى بين قصي وأمر مكة وأمر الكعبة ، فسمي من ذلك اليوم ـ

__________________

(١) غير مقروءة في (ج).

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٢١ ، ١٢٢.

(٣) في (ج) «العرب» وصححها الناسخ في الهامش.

(٤) في (ب) ، (ج) «مصر». وهو خطأ.

(٥) غير مقروءة في (ج).

(٦) في (ج) «ترافقوا».

(٧) في (أ) ، (ج) «قضاعة» وهو خطأ. والصواب من (ب) ، (د).

(٨) في (ب) ، (ج) «أصابه».

٣٦١

الشدّاخ ـ. ـ كذا في تاريخ الفاسي (١) ـ.

وقال الزبير بن بكار في أخبار قريش بسنده إلى معاوية الديلي قال : «كنّا قدمنا وخزاعة مع قصي لنصره ، ونحن نظن إنما يريد منع صوفة من الإجازة فقط (٢) ، فلما ظهر عليهم ندمت خزاعة وبنو بكر ، وعلموا أنه سيصنع بهم ما صنع بصوفة ، وأنه سيحول بينهم وبين أمر مكة وحجابة البيت ، فانحازوا عنه ، فأجمع على حربهم ، وثبت معه أخوه رزاح بمن معه من اخوته وقومه من قضاعة ، وخرجت لهم خزاعة وبنو بكر ، قاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح ، حتى كثرت القتلى في الفريقين ، فقتل خمسون وجرح مائة وخمسون ، وأكثر ذلك في خزاعة. ثم أنهم تداعوا إلى الصلح ، فحكموا يعمر (٣) بن عوف بن كعب بن ليث بن بكر بن كنانة ، فقضى بأن قصيا أولى بالبيت» ـ انتهى ـ.

[ولاية قصي لمكة]

فولي مكة قصي بن كلاب ، وتم له ما يريد ، إلا أنه أقام العرب على ما كانت عليه ، لأنه كان يراه دينا ، فأقر آل صوفة (٤) على الإجازة ، وعدوان على الإفاضة من مزدلفة ، وغير ذلك من أفعال العرب. فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا. وكان شجاعا مقداما حكيما ، ومن كلامه المأثور قوله (٥) : «من أكرم لئيما شركه في لؤمه ،

__________________

(١) شفاء الغرام ٢ / ١١٢. وانظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٢٤ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٣٤٥ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٦٣ ، اليعقوبي ـ تاريخ ١ / ٢٥٨.

(٢) في (أ) «قط». والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د).

(٣) في (د) «عمر» وهو خطأ.

(٤) في (أ) ، (ب) ، (د) «صفوان». وصححها ناسخ (ب) في الهامش «صوفة». والاثبات من (ج).

(٥) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د).

٣٦٢

ومن استحسن قبيحا ترك إلى قبحه ، (ومن لم يصلحه الكرامة أصلحه الهوان) (١) ، ومن طلب فوق قدره استحق الحرمان».

قال ابن إسحاق (٢) /: «ولما انتصر قصي وبلغ مراده ، رجع أخوه / ٦٣ رزاح بن ربيعة إلى بلده بمن معه من قضاعة ، وفي ذلك يقول رزاح :

(ولمّا أتى من قصي لنا

رسول (٣) وقال أجيبوا الخليلا) (٤)

نهضنا إليه نقود الجياد

ونطرح عنا الملول الثقيلا

نسير بها الليل حتى الصباح

ونكمي النهار لئلا يزولا

فهن سراع كسرب (٥) القطا

يجبن بنا من قصي رسولا

جمعنا من السّرّ من أشمدين (٦)

ومن كلّ حيّ جمعنا قبيلا

فيا لك حلبة ما ليلة

تزيد على الألف (شيئا قليلا) (٧)

فلما مررنا على عسجد

وأسهلن (٨) من مستناخ سبيلا

__________________

(١) في (ب) ، (ج) ما بين قوسين كالتالي : «ومن لم تصلحه الكرام يصلحه الهوان». وفي (د) «ومن لم تصلحه الكرامة يصلحه الهوان».

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة النبوية ١ / ١٢٦ ـ ١٢٨.

(٣) في (أ) ، (ج) ، (د) «رسولا». والاثبات من (ب).

(٤) وورد البيت عند ابن هشام ١ / ١٢٧ :

لما أتى من قصي رسول

فقال الرسول أجيبوا الخليلا

(٥) ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «كورد» وهو ما ورد عند ابن هشام ١ / ١٢٧.

(٦) في (أ) ، (د) «أشمذين». وفي (ج) «أسمدين». وذكر الناسخ في نسخة أخرى «أشمزين». وفي (ب) «أشمدين». وعند ابن هشام «أشمذين». وفي الهامش رقم (٥) ١ / ١٢٦ هما قبيلتان. ويقال جبلان بين المدينة وخيبر تنزلهما جهينة وأشجع. وانظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢٠٠.

(٧) ما بين قوسين عند ابن هشام : «سيبا رسيلا». السيرة ١ / ١٢٦.

(٨) في (ب) ، (ج) «وسهلن».

٣٦٣

مررن على الحلو (١) ما ذقنه

وعالجن من مر (*) ليلا طويلا

(تربى من العوذ أطفالها) (٢)

إرادة أن يسترقن الصّهيلا

فلما انتهينا إلى مكة

أبحنا (٣) الرجال قبيلا قبيلا

تعاورهم (٤) ثمّ حد السيوف

وفي كل أوب خلسنا (٥) العقولا

نخبّزهم (٦) بصلاب النّسور

خبز (٧) العزيز القويّ الذّليلا

فقتلنا خزاعة في دارها

وبكرا قتلنا وجيلا وجيلا (٨)

نفيناهم من بلاد المليك

كما لا يحلّون أرضا سهولا

فأصبح سبيهم (٩) في الحديد

ومن كل شيء شفينا الغليلا

وفي ذلك يقول عبد الله بن ذبيان القضاعي [من قصيدته](١٠) :

(جلبنا الخيل مضمرة تعادي

من الأشراف أعراب الجناب) (١١)

__________________

(١) عند ابن هشام «الحل» نوع من الشجر. وفي الروض الأنف «الحلى». وما عند السنجاري هو الأصح الموافق للمعنى. (*) في (ب) «مرير».

(٢) ذكر ناسخ (ج) في نسخة أخرى : «فدعن من العوذ أفلائها». وعند ابن هشام : «تدني من العوذ أفلاءها». السيرة ١ / ١٢٧.

(٣) ذكر ناسخ (ج) في نسخة أخرى «أنخنا».

(٤) في (ب) ، (ج) «تغادرهم». وفي (د) «تعاوذهم». وعند ابن هشام «نعاورهم».

(٥) في (د) «سلبنا».

(٦) في النسخ الأربع «تخبرهم». والاثبات من ابن هشام ، أي نسوقهم سوقا.

السيرة ١ / ١٢٧.

(٧) في النسخ الثلاث «خبر». وفي (د) «خبير». والاثبات من ابن هشام.

(٨) عند ابن هشام «فجيلا».

(٩) في (ب) ، (ج) «سيدهم». وعند ابن هشام «سبيهم» ١ / ١٢٨.

(١٠) ما بين حاصرتين زيادة من (ج). وانظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٢٨.

(١١) ورد البيت ما بين قوسين عند ابن هشام كالتالي :

«جلبنا الخيل مضمرة تغالى

من الأعراف أعراق الجناب».

٣٦٤

إلى غوري تهامة فالتقينا

من الفيفاء في قاع يباب

وأما صوفة الخنثى فخلّوا

منازلهم (١) محاذرة الضّراب /

وقام بنو عليّ إذ رأونا

إلى الأسياف كالإبل الضراب (٢)

[وقال قصي في ذلك يشكر لأخيه رزاح بن ربيعة](٣) :

أنا ابن العاصمين بني لؤيّ

بمكة منشئي (٤) وبها ربيت

لي (٥) البطحاء قد علمت معدّ

ومروتها رضيت بها رضيت

فلست لغالب (٦) إن لم تؤثل

بها أبناء (٧) قيدر والنّبيت

رزاح ناصري وبه أسامي

فلست أخاف ضيما ما حييت

[قريش البطاح وقريش الظواهر]

ولما آل أمر مكة لقصي ، وتمكن من مكة ، جمع قومه وملكوه من أنفسهم وهم قريش البطاح ـ ومنها : بنو هاشم بن عبد مناف ، ومنها بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، ومنها بنو عبد الدار بن قصي بن كلاب ، ومنها بنو المطلب بن قصي ، ومنها بنو زهرة بن قصي ، ومنها

__________________

(١) في (د) «سبيلهم».

(٢) عند ابن هشام «الطّراب». وفي هامش رقم (٦) ١ / ١٢٨ «الظراب». وما ذكره السنجاري أصح.

(٣) ما بين حاصرتين في (أ) «وفي ذلك يقول عبد الله بن ذبيان القضاعي». وهو خطأ. وفي (د) «وله أيضا». وهو خطأ. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٢٨ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١١٠.

(٤) عند ابن هشام «منزلي». وفي شفاء الغرام «مولدي».

(٥) في (ب) ، (ج) وعند ابن هشام ، وفي شفاء الغرام «إلى».

(٦) في (ج) «بغالب».

(٧) في السيرة لابن هشام «أولاد». واضطرب البيت مع الأبيات التي تليه في (ب). وسقط البيت كله من شفاء الغرام.

٣٦٥

بنو تيم (١) بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، ومنها بنو عدي بن كعب ابن لؤي بن غالب ، ومنها بنو مخزوم بن يقظة بن مرة (٢) بن كعب بن لؤي بن غالب ، ومنها بنو سهم وبنو أخيه جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب ، ومنها بنو حسل (٣) بن عامر بن لؤي بن غالب ، ومنها بنو هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر ـ.

فهؤلاء قريش البطاح ، سموا بذلك لأنهم دخلوا بطحاء مكة مع قصي فأقاموا بها مع ولده.

ومن قريش : قريش الظواهر ، وهم الذين لزموا ظاهر الحرم ، فأقاموا ببادية مكة ولم يدخلوا بطحاءها مع قصي. فمنهم بنو بغيض (٤) بن عامر ابن لؤي بن غالب ، ومنهم بنو الأردم بن غالب ـ والأردم لقب ـ وهم بنو تيم (٥) بن غالب ، ومنهم بنو محارب ، وبنو الحارث ابني فهر بن مالك. فهؤلاء الظواهر (٦) من قبائل قريش.

فائدة :

قال في الوافي (٧) في ترجمة ذكوان : «شهد يوم الدار ، وولاؤه لعمر ابن الخطاب ، نزل الكوفة ، وهو أول من ميز بين قريش البطاح وقريش

__________________

(١) في (د) «تميم». وهو خطأ.

(٢) في (ج) «سرت».

(٣) في (ج) «حل».

(٤) سقطت من (ب) ، وبياض في (ج).

(٥) في (د) «تميم».

(٦) في (ب) ، (ج) «قريش الظواهر».

(٧) الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١٤ / ٤٠ ـ ٤١.

٣٦٦

الظواهر ، فقال للضحاك بن قيس الفهري (١) ـ وكان الضحاك قد ضربه [بيده](٢) بالسياط ، وكان الضحاك قصيرا فلم يكن يناله بالسوط ـ فقال له (٣) : تقاصر لا أمّ لك ، فقال :

تقاصرت للضحاك حتى رددته

إلى حسب في قومه متقاصر

فلو شهدتني من قريش عصابة

قريش البطاح لا قريش الظواهر

لغطوك (٤) حتى لا تحرك بينهم

كما غط (٥) في الدواب (٦) المتزاور

ولكنهم غابوا فأصبحت شاهدا

فقبّحت من حامي ذمار (٧) وناصر

ـ انتهى».

ومن قريش قبائل ليست بأبطحية (٨) ولا بظواهرية منهم : بنو سامة (٩) ابن لؤي بن غالب لحقوا بالنعمان بن المنذر ، ومنهم بنو خزيمة بن لؤي بن غالب لحقوا ببني شيبان ، ومنهم بنو سعد بن لؤي بن غالب لحقوا بغطفان ، فهؤلاء ليسوا بحمس.

[الحمس]

والحمس : قريش وخزاعة ومن قارب بلدة مكة من قبائل العرب.

__________________

(١) الضحاك بن قيس قتل في موقعة مرج راهط سنة ٦٤ ه‍. انظر عنه : ابن حجر ـ الاصابة ٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) زيادة من (ب) ، (د).

(٣) سقطت من (ب).

(٤) عند الصفدي «لعطوك».

(٥) عند الصفدي «عطّ».

(٦) عند الصفدي «الدوارة».

(٧) في (د) «ذمامي».

(٨) في (ب) «بالبطيحة».

(٩) في (ب) «أشامة». وفي (ج) «شامة». وفي (د) «أسامة».

٣٦٧

وأصل الحماسة / الشدة ، فسمّوا حمسا لأنهم كانوا ذوي تشدد في محلّ جاهليتهم. فهذه قبائل قريش.

[البناء في الحرم ودار الندوة]

وكانوا يحرمون (١) أن يسكنوا مكة كما تقدم ذلك ، ويعظمونها أن يبنوا بها بيتا ، وكانوا يكونون بها نهارا فإذا جاء الليل خرجوا إلى الحلّ ، ولا يستحلّون الجناية بمكة (٢). فأذن لهم قصي أن يبنوا في الحرم ، وقال لهم : «إنكم إن سكنتم حول البيت هابتكم العرب ولم تستحل قتالكم». فقالوا : «رأينا تبع لرأيك ، وأنت سيدنا». فابتدأ وبنى دار الندوة ، وهي أول دار بنيت بمكة ـ والندوة في اللغة الاجتماع ـ فكانوا لا يعقدون أمرا من الأمور إلا فيها ، ولا يدخلها من غير ولد قصي إلا من جاوز الأربعين ، فسمي قصي مجمعا لجمعه لقومه.

وفي بنيه يقول حذافة بن غانم (٣) في قصيدة طويلة لما افتكه حزام (٤) :

أبوكم (٥) قصيّ كان يدعى مجمّعا

به جمع الله القبائل من فهر

وأنتم بنو (٦) زيد وزيد أبوكم

به زادت البطحاء فخرا على فخر

__________________

(١) في (أ) ، (د) «يحترمون». والاثبات من (ب) ، (ج).

(٢) في (ج) «فيه». وذكر الناسخ في نسخة أخرى «بمكة».

(٣) حذافة بن غانم الجمحي. انظر : ابن قتيبة ـ المعارف ٣٢ ، ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٢٦ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٦٤ ، ابن سيد الناس ـ عيون الأثر ١ / ٢١ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١١٠.

(٤) حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي أخو خديجة بنت خويلد رضي‌الله‌عنها ووالد حكيم بن حزام. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ١ / ٣٤٩.

(٥) في شفاء الغرام «أبوهم» ٢ / ١١٠. وورد البيت عند ابن هشام ١ / ١٢٦ : قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر والبيت كما ذكره السنجاري عند ابن حجر ـ فتح الباري ٧ / ٤٣٨.

(٦) سقطت من (ج) ، وزيد هو قصي وهو اسمه.

٣٦٨

هم (١) نزلوها والمياه قليلة

وليس بها إلا كهول بني عمرو (٢)

وهم ملأوا البطحاء مجدا وسؤددا

وهم طردوا عنها غواة بني بكر

وهم حفروها والمياه قليلة

ولم يستقي إلا بنكد من الحفر

حليل الذي عادى كنانة كلّها

ورابط بيت الله في العسر واليسر

أحازم إمّا أهلكن فلا تزل

لهم شاكرا حتى توسّد في القبر

ثم بنت قومه بيوتهم حول البيت ، وجعلوا أبوابهم إلى المسجد ، وجعلوا بين البيوت أزقة تفضي إلى المسجد.

[بناء قصي للكعبة]

ثم أن قصيا جمع من (٣) فائض ماله ، وهدم الكعبة وبناها بالحجر والطين ، وزاد في طولها تسعة أذرع على ما كانت عليه (٤) زمن إبراهيم عليه‌السلام ، فبناها خمسا وعشرين ذراعا.

قال الزبير (٥) وقال محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن عثمان ابن عبد الرحمن قال : «كانت في الكعبة بئر ، ذراع [وربع](٦) وشبر يقال لها بئر أدد على / رأسها صنم من جزعة (٧) حمراء ، يقال له هبل ، يطرح فيها ما يهدى للكعبة ، وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل ، وهو أول من سقفها ولم يسقفها أحد قبله».

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «وهم».

(٢) بنو عمرو : هم خزاعة.

(٣) سقطت من (ب) ، (ج).

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) أي الزبير بن بكار.

(٦) زيادة من (ب) ، (ج).

(٧) الجزعة : الخرزة اليمانية الصينية فيها سواد وبياض تشبه الأعين ـ القاموس المحيط ٣ / ١٣.

٣٦٩

قال الفاسي (١) : وجعل يقول وهو يبنيها :

أبني ويبني (٢) الله يرفعها

وليبن أهل وراثها (٣) بعدي

بنيانها (٤) وتمامها وحجابها

بيد الإله وليس للعبد (٥)

فائدة :

قال (في القاموس) (٦) في مادة عرف : «ومعروف بن مشكان باني الكعبة» ـ انتهى. ولم يذكر في أي بناء ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

[كسوة الكعبة]

فلما فرغ من بنائها استرفد (٧) قريشا لكسوتها ، فكانت كسى شتى من أنواع الثياب ، كلما جاءتها كسوة طرحت فوق الأولى.

وقد تقدم أن أول من كساها إسماعيل عليه‌السلام. ولم تزل قريش تكسو الكعبة حتى كان زمن ربيعة بن المغيرة (٨) ، وكان مثريا فقال : «

__________________

(١) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٥٣.

(٢) في شفاء الغرام «وبيتي».

(٣) في (د) «وارثها».

(٤) في شفاء الغرام «بيتا بها».

(٥) في شفاء الغرام «بالعبدي».

(٦) في (ب) ، (ج) «الفاسي». وهو خطأ. انظر : الفيروز آبادي ـ القاموس المحيط ٣ / ١٧٩.

(٧) استرفد : طلب الرفد أي العطاء والمعونة. فكان يخرج كل انسان مالا بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم فيشترون للحاج الجزر والطعام والزبيب والنبيذ ، فيطعمون الناس حتى تنقضي أيام موسم الحج. لسان العرب ٣ / ١٨١.

(٨) في الاعلام لقطب الدين الحنفي ص ٦٩ «أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم». وكذلك في أخبار مكة للأزرقي ، وعند ابن الجوزي ـ مثير العزم ١ / ٣٦٠ «أبو زمعة بن المغيرة». وعند الفاسي «أبو ربيعة المخزومي» ـ شفاء الغرام ١ / ١٩٥.

٣٧٠

أنا أكسوها من مالي عاما ، وقومي (١) جميعا يكسونها عاما آخر». فسمي عدل قريش لذلك. واستمر ذلك إلى زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكساها صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحبر اليمانية (٢). ثم كساها أبو بكر وعمر القباطي (٣) ، ثم كساها عثمان الديباج (٤). وكانت تكسى يوم التروية (٥) ، يدلى عليها قميص الديباج ولا (٦) يخاط ، ويترك الإزار ، فإذا كان يوم عاشوراء علق الإزار ، وأوصلوه بالقميص ، فلا يزال إلى التاسع والعشرين من رمضان ، فتكسى كسوة ثانية من القباطي ـ كذا قال القطب (٧) ـ [والأزرقي](٨).

وذكر القطب (٩) أيضا : «أن أول من كساها وجعل لها بابا وغلقا تبع الحميري ـ واسمه أسعد ـ زمن الجاهلية ، فكساها أولا الخصف (١٠) ،

__________________

(١) في (أ) ، (ب) «وقوموا». والاثبات من (ج). وسقط من (د) «وقومي جميعا يكسونها».

(٢) الحبر اليمانية : برود مخططة من ثياب اليمن ـ القاموس المحيط ٢ / ٢.

(٣) القباطي : ثياب مصرية نسبت للقبط. القاموس المحيط ٢ / ٣٩٢.

(٤) الديباج : كلمة فارسية معربة ، وقماش من الحرير المنقوش. انظر : القاموس المحيط ١ / ١٩٣.

(٥) يوم التروية : اليوم الثامن من ذي الحجة.

(٦) في (ج) «ولكن لا».

(٧) أي قطب الدين الحنفي في كتابه الاعلام بأعلام بيت الله الحرام المعروف بتاريخ القطبي ص ٦٩.

(٨) زيادة من (د).

(٩) سقطت من (ب) ، (ج). انظر : القطب الحنفي ـ الاعلام ص ٦٩ ، والأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٧٣ ، ومحب الدين الطبري ـ القرى لقاصد أم القرى ص ٤٨٢ ، الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ٦٧ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٩٤ ، فتح الباري ٤ / ٢٥٦ ، الروض الأنف ١ / ٤٠.

(١٠) في (د) «الخسف». والخصف : الثياب الغليظة جدا. القاموس المحيط ٣ / ١٣٨.

٣٧١

ثم الأنطاع (١) ، ثم الحبر اليمانية ، وقال من أبيات (يشير إلى فعله من هذا القدر) (٢) :

وكسونا البيت الذي حرم الله

(ملاء مقصبا) (٣) وبرودا

وأقمنا به من الشهر عشرا

وجعلنا لبابه إقليدا (٤)

ثم طفنا بالبيت سبعا وسبعا

وسجدنا عند المقام سجودا (٥)

ـ انتهى ـ.

فائدة :

قوله فكساها أولا الخصف ، قال الشيخ محيي الدين بن (٦) عربي ـ رحمه‌الله ـ في كتابه المسامرة ، بعد ذكر القصة : «والخصف نوع من

__________________

(١) الأنطاع : جمع نطع ، وهو : بساط من الأديم (الجلد). القاموس المحيط ٣ / ٩٢.

(٢) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٣) ما بين قوسين في (ج) «سلا قصبا». وعند ابن خلدون" ملاء منضدا" تاريخ ٢ / ٥٤ ، وكذلك في الروض الأنف ١ / ٤٠.

(٤) الاقليد : المفتاح. القاموس المحيط ١ / ٣٤٢.

(٥) ذكر الأزدي بدل هذا البيت بيتا آخر ١ / ١٧٣ هو :

وخرجنا نؤم سهيلا

قد رفعنا لواءنا معقودا

(٦) في (أ) ، (ب) ، (د) «عربي». والاثبات من (ج). وهو محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي ، نزيل دمشق الصوفي. قال عنه العز بن عبد السلام : «أنه شيخ سوء كذاب». توفي سنة ٦٣٨ ه‍. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٤٨ ـ ٤٩. وانظر : أسين بلانيوس ـ ابن عربي ، حياته ومذهبه ـ ترجمه عن الاسبانية عبد الرحمن بدوي. والكتاب المذكور هنا : «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ـ طبع في مجلدين (في الأدب). انظر : الزركلي ـ الاعلام ٦ / ٢٨١.

٣٧٢

الثياب غلاظ جدا» ـ انتهى ـ وكذا هو في القاموس (١) فاحفظه.

وقال المحيي (٢) أيضا : «ان أول ما كساها بالخصف ، فانتفض البيت ، فكساها بالأنطاع والمسوح (٣) ، فانتفض أيضا ، وألقى ما عليه ، فكساه الملاء (٤) والوصايل فثبتت.

وكان الناس يهدون البدن وعليها الحبرات للكعبة ، فتكسى بها.

[أول عربية كست البيت]

وأول عربية كست الكعبة الحرير والديباج نتيلة بنت خباب (٥) بن كلب (٦) بن مالك بن عمرو بن زيد مناة بن عامر بن نزار وهو الضحاك ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر (٧) بن قاسط بن دعما بن ربيعة ابن نزار ، أم العباس بن عبد المطلب ، فإنه ذهب عليها العباس ، فنذرت إن لقيته أن تكسو الكعبة ، فلقيته ، فوفت بنذرها ـ قاله السهيلي (٨) ـ.

والذي رأيته في أخبار قريش للزبير بن بكار أن الذي أضلته ضرار

__________________

(١) انظر : القاموس المحيط للفيروز آبادي ٣ / ١٨٣.

(٢) في (ج) «المحي».

(٣) المسوح : الثياب البالية ـ القاموس المحيط ١ / ٢٥٧. والمقصود هنا الثياب الغليظة من الشعر.

(٤) في (ج) «الملا».

(٥) في ب «نبيلة بنت حباب». وفي (ج) «نبيلة بنت حباب». وفي (د) «فتيلة بنت جناب». وعند ابن الجوزي ـ مثير العزم ١ / ٣٦١ «بتيلة». والاثبات من (أ). وانظر : ابن سعد ـ الطبقات ٤ / ٥ ، الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ٨٤.

(٦) في سير أعلام النبلاء ٢ / ٨٤ ، وابن سعد ـ الطبقات ٤ / ٥.

(٧) في (ب) ، (ج) «النمير». وفي (د) «تميم الله بن النمر».

(٨) في الروض الأنف. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٢١ ، المحب الطبري ـ القرى لقاصد أم القرى ص ٤٧٣.

٣٧٣

ابن عبد المطلب أخا العباس ، وأنها جعلت تنشده وتقول (١) :

أضللته أبيض لوذعيّا

لم يك مجلوبا ولا دعّيا

أضللته أبيض غير خاف

للفتية الغرّ بني عبد (٢) مناف

ثم لعمرو منتهى الأضياف

سنّ لفهر سنة الإيلاف

في القر يوم القرّ والإصياف (٣)

قال (٤) : فأتاها به (٥) رجل من جذام ، فكست البيت ثيابا بياضا" ـ انتهى ـ.

[تبويب الكعبة]

وذكر الفاسي (٦) : أن أول من بوب الكعبة ، أنوش بن شيث بن آدم عليه‌السلام. وذكر عن الفاكهي (٧) : أن أول من بوبه وجعل له غلقا جرهم ـ انتهى والله أعلم ـ.

[قصد تبّع مكة]

وتبّع المذكور فيما رواه المحبّي (٨) والقطبي (٩) ، وملخص قصته كما في الاعلام للقطبي (١٠) : «أنه من الخمسة الذين ملكوا الدنيا» ـ وتقدم

__________________

(١) أخبار قريش للزبير بن بكار. وانظر : ابن حجر ـ فتح الباري ٤ / ٢٥٦.

(٢) سقطت من (ب) ، (د).

(٣) في (د) «والإضياف».

(٤) أي الزبير بن بكار.

(٥) سقطت من (ج).

(٦) شفاء الغرام.

(٧) الفاكهي ـ أخبار مكة.

(٨) أي المحب الطبري في كتابه القرى. وفي (د) «المحيي».

(٩) القطبي في كتابه الاعلام. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٠٣.

(١٠) في (أ) «للقرطبي» وهو خطأ.

٣٧٤

ذكرهم (١) ـ. وكان يتبعه من الحكماء والعلماء مائة ألف غير الجيش ، قصد مكة ، فلما انتهى إليها لم يخضع له أهلها كغيرهم من أهل الدنيا ، ولم يعظموه. فغضب ودعا وزيره الأكبر ، وذكر له ما أنكره من فعل أهل مكة ، فقال له الوزير : «أيها الملك ، إنهم عرب ، لا يعرفون ، ولهم بيت هم به معجبون». فأضمر تبع هدم البيت الشريف ، وقتل الرجال وسبي النساء صبيحة (٢) تلك الليلة ، فأخذه صداع في الحال ، وتفجرت آذانه (٣) ، وأنفه وعينه بماء منتن ، فلم يستطع أحد الجلوس عنده ساعة واحدة ، فدعا وزيره وقال : «أدع لي الحكماء والأطباء».

فجاءوه ، فلما رأوه قالوا : «هذا أمر سماوي لا قدرة لنا به». فاشتغل ذلك النهار بنفسه. فلما جنّ الليل ، قصده بعض كبار العلماء الذين معه ، فاجتمع بالوزير الأكبر (٤) وقال : «أريد الاجتماع بالملك ، فإن لي معه سرّا». فاختلى به فقال له : «أيها الملك ، إن صدقتني عما أسألك داويتك». فقال : «نعم». قال : «هل أضمرت سوءا لأهل هذه البلدة؟!». قال : «نعم ، أضمرت هدم هذا (٥) البيت ، وقتل الرجال وسبي النساء والذراري». فقال العالم : «أيها الملك صدقت ، (نيتك أحدثت بك ما ترى ، وربّ هذا البيت عالم بالأسرار) (٦) ، فارجع عما قصدت ونويت». فقال له : «أشهدك أني قد رجعت عما نويت لهم». فلم يخرج العالم من عنده إلا وقد عافاه الله سبحانه وتعالى. فآمن بما

__________________

(١) في هذا الكتاب ١ / ٣٧١.

(٢) في (ج) «صبحية».

(٣) في (ب) ، (ج) «أذنه».

(٤) في (ج) «الكبير».

(٥) سقطت من (ج).

(٦) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

٣٧٥

ذكره له ذلك العالم ، وكسى الكعبة سبعة أثواب ، وجعل لها بابا ، وأقام أياما (١) ينحر كل يوم مائة من الإبل ينتابها الناس ثم السباع ثم الطير.

قال ابن هشام (٢) : «ان تبع هذا هو أسعد الحميري ، وذكر أنه لما سار في الأرض ، أقبل من الشرق على المدينة ، وكان قدمها أول سيره ، وترك بها ابنا له ، فقتل غيلة ، فقصدها ليهلك أهلها (٣) ، فخرج له (٤) هذا الحي من الأنصار ورئيسهم إذ ذاك عمرو بن طلحة أخو بني النجار ، فقاتلهم فقاتلوه. فخرج إليه حبران من اليهود ونهوه عن قتال الأنصار واستئصال أهل المدينة ، وحذروه العقوبة. فقال : «ولم ذاك؟!» ، فأخبراه أنها مهاجر نبي يخرج من الحرم من قريش يكون داره وقراره بها (٥). فتناهى وتبعهما على دينهما ، ويقال أنه آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم أنه توجه إلى مكة قاصدا اليمن ، فلما بلغ بين عسفان (٦) وأمج (٧) أتاه نفر من هذيل (٨) وقالوا له : «أيها الملك! ألا ندلك على بيت مال أغفله الملوك

__________________

(١) وحسب الشعر الذي مر ذكره فإنه أقام بمكة عشرة أشهر.

(٢) السيرة النبوية ١ / ١٩ ـ ٢٦ «واسمه أبو كرب تبان أسعد».

(٣) في (أ) «أهله». والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د).

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) عسفان : ومعناها اللغوي : المفازة المقطوعة بلا هداية ولا قصد ، وهي منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة ، وهي من مكة على مرحلتين. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ١٢١ ـ ١٢٢.

(٧) أمج : بلد من أعراض المدينة ، والأمج في اللغة : العطش. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢٤٩.

(٨) هذيل : من القبائل العربية العدنانية ، يعودون إل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، منازلهم كانت وادي نخلة المجاور لمكة وبين مكة والمدينة ، وكان صنمهم مناة بقديد. انظر : ابن حزم ـ جمهرة الأنساب ١٨٥ ـ ١٨٧ ، الزركلي ـ الاعلام ٨ / ٨٠. ـ

٣٧٦

قبلك ، فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد؟». قال : «بلى». قالوا : «بيت بمكة" ـ وإنما أرادوا بذلك هلاكه لما عرفوا من هلاك من أراد البيت بسوء ـ فأرسل إلى الحبرين الذين أخذهما من المدينة معه ، فسألهما عن ذلك ، فقالا : «إنما أراد القوم هلاكك وهلاك جنودك ، ما نعلم بيتا لله (١) اتخذه في الأرض لنفسه غير هذا البيت ، ولئن فعلت ما أمرك به النفر من هذيل لتهلكن وجميع من معك».

فقال : «ما تأمرانّي به ، إذا أنا قد قدمت عليه؟».

قالا : «تعظمه ، وتكرمه ، وتطوف به ، / وتحلق رأسك عنده ، / ٦٩ وتخضع حتى تخرج منه».

قال : «فما يمنعكما أنتما من ذلك؟!».

قالا : «والله إنا لنعلم أنه بيت إبراهيم خليل الله عليه‌السلام ، وأنه كما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها ، وبالدماء التي يهرقونها عنده ، وهم نجس أهل شرك ـ أو كما قالا (٢)».

فعرف نصحهما ، وصدق حديثهما ، ودعا بالنفر [الذين](٣) من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم. ثم مضى حتى قدم مكة.

ثم ذكر (٤) ما تقدم من أمر الكسوة والتبويب ، وأوصى به ولاته من جرهم. ـ انتهى ملخصا.

__________________

وانظر الخبر في : شفاء الغرام ١ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، والأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(١) في (ج) ، (د) «بيت الله».

(٢) في (ب) ، (ج) «قال».

(٣) زيادة من (ب).

(٤) أي ابن هشام في السيرة النبوية ١ / ١٩ ـ ٢٦.

٣٧٧

[ما يفعل بالكسوة القديمة]

قال التقي الفاسي (١) : «والكعبة تكسى في عصرنا هذا يوم النحر من كل سنة إلا أنه لا يسبل عليها ثوبها في هذا اليوم ، وإنما يسبل عليها مقدار نصفها ، ويسبل الباقي في بقية ذي الحجة من كل سنة في الغالب. وتأخذ سدنتها ما بقي (٢) من الكسوة ، ويتصرفون فيها بالبيع وغيره من قديم الزمان وإلى الآن».

قال القطب (٣) : «وقد جرت عادة بني شيبة أن يأخذوا (٤) الكسوة العتيقة إذا وردت الجديدة ، وهي من أوقاف السلطنة؟ ، ولا يعلم شرط الواقف فيها ، فيبقون على ما هم عليه».

وذكر القاضي في جامعه (٥) : «أن أمراء مكة كانوا يأخذون ستر باب الكعبة مع جانب كبير من الكسوة ، أو ستة الآف درهم عوضا عن ذلك ، إلى أن رفع عنهم ذلك الشريف عنان بن مغامس (٦) لما ولي مكة سنة سبعمائة وثمانية وثمانين ، وتبعه أمراء مكة إلى زمن السيد حسن بن عجلان ، فكان يأخذ منهم (٧) ستر الباب وكسوة المقام ويهديها لمن يريده من الملوك وغيرهم» ـ انتهى (٨).

__________________

(١) شفاء الغرام ١ / ٢٠٣. وذكر أنه يوافق ما ذكره ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد ٦ / ٢٥٧.

(٢) في (ج) «فني».

(٣) أي القطب الحنفي في كتابه الأعلام.

(٤) في (أ) «يأخذون» والتصحيح من بقية النسخ.

(٥) الجامع اللطيف للقاضي ابن ظهيرة صفحة ٦٩.

(٦) أثبته في الجامع اللطيف عفان بن مغاث ، وهو خطأ.

(٧) سقطت من (ب) ، (ج).

(٨) من الجامع اللطيف ص ٦٩.

٣٧٨

وقد استمر ذلك لأمراء مكة إلى الآن (١).

(وكسوتها الآن) (٢) من حرير أسود ، مكتوب فيه (٣) «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» ، وأسماء الخلفاء «أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي» ، والترضي عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومكتوب فيه سورة الإخلاص ، [وكذلك : الله ربي](٤).

وترد في كل سنة مع الأمير المصري من وقف بمصر (٥) ـ ويأتي ذكر ذلك ـ فيستلمها فاتح البيت ويرفعها إلى بيته ، ويلبسها الكعبة في يوم عيد النحر.

[كسوة داخل البيت]

وأما كسوة داخل البيت : فهي من حرير أحمر ، ولم يكن لها وقت (٦) معين ، ولا ترد في كل عام. وقد جرت عادة سادتنا (آل عثمان) (٧) ـ أدام الله / ملكهم إلى انقراض الزمان ـ بأن من يقوم بأمر

__________________

(١) أي الى عهد السنجاري مؤلف الكتاب. وبعد ذلك كان يأخذ آل شيبة كسوة الكعبة القديمة في كل سنة ويبيعونها في الدكاكين ، ويتمولون قيمتها. ثم في سنة ١٣٨١ ه‍ رأت الحكومة السعودية حفظ الكسوة في دائرة الأوقاف بعد أن تكسى بالكسوة الجديدة ، وقررت لآل شيبة مبلغا كبيرا من المال عوضا عن الكسوة القديمة يقبضونه سنويا.

ابن جاسر ـ مفيد الأنام ٢ / ٣٧٥ ثم أمر الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء أول مصنع للكسوة بمكة عام ١٣٤٦ ه‍ ثم جدد بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد عام ١٣٩٢ ه‍.

(٢) في (ب) ، (ج) «والكسوة».

(٣) في (ج) «عليها». وسقطت من (ب) ، (د).

(٤) ما بين حاصرتين زيادة من (ب) ، (ج) ، (د).

(٥) وهي قرية بيسوس في طريق محافظة القليوبية ، وسندبيس ، وأبي الغيط. انظر : ابن إياس ـ بدائع الزهور في وقائع الدهور ١ / ١ / ٥٠٥ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٠١ ، الجامع اللطيف ١٠٧ ـ ١٠٨ ، السيد الدقن ـ كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ ص ٤٨.

(٦) في (ب) ، (د) «وقف». وهو صحيح.

(٧) في (ب) ، (ج) ، (د) «ملوك آل عثمان».

٣٧٩

السلطنة يبعث بها في أول عام ولايته ، وذلك في غالب الأحوال لا (١) دائما.

[كنز الكعبة وحليتها]

وأما كنز الكعبة : وهو ما يهدى إليها ، فقد روى البخاري (٢) عن أبي وائل قال :

«جلست مع شيبة ـ يعني ابن عثمان ـ على الكرسي في [وسط](٣) الكعبة فقال : لقد جلس هذا المجلس عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، ثم قال : لقد هممت أن لا أدع (٤) فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته. (قلت : إن صاحبيك لم يفعلا) (٥). قال ـ يعني عمر ـ : هما المرآن أقتدي بهما» ـ انتهى ـ.

قال القاضي في جامعه (٦) : «كأن عمر رضي‌الله‌عنه رأى أن ما جعل للكعبة يجري مجرى الوقف فلا يجوز تغييره ، وأنه تركه تورّعا مع جواز انفاقه ، لأن صاحبيه إنما تركاه للعذر الذي تضمنه حديث عائشة رضي‌الله‌عنها (في إعادة بناء الكعبة) (٧)». ـ انتهى ـ.

قلت : يريد بحديث عائشة رضي‌الله‌عنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا قومك

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) صحيح البخاري حديث رقم ١٥٩٤ ، فتح الباري ٤ / ٢٥٢ ـ ٢٥٤ ، وانظر : الأزرقي ١ / ١٧١.

(٣) زائدة من (ج) ولم ترد في الجامع اللطيف.

(٤) في (ب) «أضع».

(٥) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٦) الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ٦٠.

(٧) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) ، (د).

٣٨٠