منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٢

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٤٨٠

١
٢

٣
٤

أخبار مكة وولاتها زمن الدولة

الأموية

٤١ ـ ١٣٢ ه

٥
٦

[أخبار مكة وولاتها زمن معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنهما]

ثم (١) أن معاوية رضي‌الله‌عنه لما فرغ من أمر (٢) الحسن رضي‌الله‌عنه ، رجع إلى الشام ، وحج بالناس سنة أربع وأربعين (٣) ، وخطب الناس بمكة على منبر من خشب له ثلاث درجات ، وهو أول خليفة خطب على منبر بمكة. واستمر ذلك المنبر (٤) إلى زمن الرشيد.

[كسوة الكعبة]

قال الأزرقي (٥) :

ومعاوية رضي‌الله‌عنه أول من كسى الكعبة الديباج مع القباطي ، بعث بذلك إلى شيبة بن عثمان ، وأمره أن يجرد الكعبة ويغسلها ويطيبها ويلبسها ما بعث. ففعل ذلك ، وقسم ما عليها من الثياب على أهل مكة.

وكان معاوية رضي‌الله‌عنه يرسل للكعبة بالطيب والمجمر والخلوق (٦) في كل عام. وأخدم الكعبة عبيدا بعث بهم إليها. وتبعه الولاة في ذلك. وأجرى الزيت (٧) والقناديل من بيت المال للمسجد الحرام.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) ، (د) «اعلم».

(٢) في (د) «شأن». وذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «شأن».

(٣) انظر : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ص ٢٠٧ ، القضاعي ـ تاريخ ص ٣٢٦.

(٤) سقطت من (د).

(٥) في كتابه : أخبار مكة ١ / ١٧٦.

(٦) الخلوق : التطييب بالزعفران وغيره. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١٠ / ٩١.

(٧) في (ج) «الرتب».

٧

[ولاة مكة زمن معاوية]

فولي مكة في خلافته جماعة :

قال الفاسي (١) : «لا أعلم من أولهم في الولاية وهم أخوه عتبة بن أبي سفيان (٢) ، [ومروان بن الحكم بن العاص](٣) ، (وسعيد بن العاص ، وابنه عمرو بن سعيد) (٤) الملقب (٥) بالأشدق ، وخالد بن العاص المخزومي ، وعبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص (٦)».

لطيفة [في خبر دار الندوة]

قال الأزرقي (٧) : «ان معاوية رضي‌الله‌عنه ، لما حج سنة أربع وأربعين ، اشترى دار الندوة من بعض بني عبد الدار ، فجاء شيبة بن عثمان فقلل : إن لي فيها حقا ، وأنا آخذها بالشفعة. فقال له معاوية رضي‌الله‌عنه : أحضر المال. فأحضره. وأخبر معاوية بذلك ، فدخل دار الندوة وخرج من بابها المؤخر ، وسافر من حينه إلى الشام ، وشيبة بن عثمان لا يشعر به. فخرج على شيبة والي مكة عبد الله بن خالد / بن أسيد ، فقال له شيبة : أين أمير المؤمنين؟!. فقال : سافر إلى الشام. فقال شيبة بن عثمان : والله لا كلمته أبدا.

__________________

(١) العقد الثمين ١ / ١٦٢ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٥٩.

(٢) انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٦ / ٨ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٥٩ ، ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٢٠٥ ، الفاكهي ـ أخبار مكة ٤٠ ، ٤١.

(٣) ما بين حاصرتين من (د) فقط. انظر : شفاء الغرام ٢ / ٢٥٩.

(٤) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج). وانظر : العقد الثمين ٤ / ٥٧١ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٥٩ ، ابن عبد ربه ـ العقد الفريد ٤ / ١٣٣.

(٥) في (د) «المعروف».

(٦) في (ج) «العاص». وهو خطأ.

٨

فلما حج معاوية رضي‌الله‌عنه سنة خمسين (١) بعث إلى شيبة بن عثمان ليفتح له الكعبة ، فأرسل شيبة حفيده شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان ، ولم يحضر هو. ـ ذكر ذلك العتبي (٢) ـ.

قلت (٣) : ودار الندوة تقدم الكلام عليها (٤) ، وأنها كانت بعد قصي لابنه عبد الدار ، وصارت بعده لابنه عبد مناف ، ثم صارت لعبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، ثم صارت لعكرمة بن عامر بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار ، ثم صارت لحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد. فجاء الإسلام وهي بيده ، فابتاعها منه معاوية رضي‌الله‌عنه بمائة ألف درهم. فقال له عبد الله بن الزبير : «بعت مكرمة قريش؟!». فقال حكيم : «ذهبت المكارم إلا التقوى (٥) ، يا ابن أخي ، لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر وسأشتري بثمنها دارا في الجنة ، أشهدكم أنّي قد (جعلتها وثمنها) (٦) في سبيل الله».

وجعلها معاوية دار الإمارة.

__________________

(١) في كتابه : أخبار مكة ١ / ١٨٨.

(٢) ذكر ابن سعد وابن خياط أن حجة معاوية الثانية سنة ٥١ ه‍. تاريخ خليفة ص ٢١٨ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٢ / ٥٠. والقضاعي ـ تاريخ ٣٢٦. في حين ذكر الطبري : «اختلف فيمن حج بالناس سنة ٥٠ ه‍ ـ فقال بعضهم : حج بهم معاوية ، وقال بعضهم بل حج بهم ابنه يزيد» ـ تاريخ ٦ / ١٥٧. كما حج يزيد بن معاوية بالناس سنة ٥١ ه‍. تاريخ ٦ / ٢٠٣.

(٣) محمد بن عبد الجبار. توفي سنة ٤٢٧ ه‍. في تاريخه / العتبي.

(٤) أي المؤلف السنجاري.

(٥) في هذا الكتاب.

(٦) في (ب) ، (ج) «بالتقوى».

(٧) ما بين قوسين في (ب) ، (د) «جعلت ثمنها».

٩

[ولاية زياد بن أبيه مكة]

رجع (١) : وذكر بعضهم : أن زياد بن أبيه (٢) ، وقيل ابن عبيد ، وقيل ابن سمية ، وقيل ابن أبي سفيان ، كتب إلى معاوية رضي‌الله‌عنه من العراق : «إني قد ضبطت العراقين (٣) بيميني ، وبقيت شمالي فارغة».

فجمع له معاوية رضي‌الله‌عنه الحجاز. واتصلت ولايته إلى المدينة ، فاجتمع أهل المدينة إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرفع عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنه يده فقال : «اللهم اكفنا شمال زياد ، كما كفيتنا يمينه». فطعن في شماله ، فمرض ومات بتلك الطعنة (٤) سنة ثلاث وخمسين.

ومقتضى هذا أنه ولي مكة لمعاوية رضي‌الله‌عنه ، ولم يباشر ، ولم يذكر هذا أحد من مؤرخي مكة. ـ والله أعلم.

[وفاة معاوية رضي‌الله‌عنه]

واستمر معاوية رضي‌الله‌عنه إلى أن توفي في شهر رجب سنة ستين. وكانت خلافته تسع عشرة سنة ونصف ـ كذا قال الوليد بن مسلم (٥).

__________________

(١) أي إلى ذكر ولاة مكة في عهد معاوية رضي‌الله‌عنه.

(٢) في النسخ الأربع أمية ، والتصويب تاريخ ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٢٠٦.

(٣) في (ج) «العراق». والعراقان ـ البصرة والكوفة. وما يتبعهما من المشرق الإسلامي آنذاك.

(٤) في (ب) ، (د) «العلة».

(٥) الوليد بن مسلم الأموي بالولاء. أبو العباس الحافظ الدمشقي ، عالم الشام في عصره. صنف في التاريخ والحديث. ومن تصانيفه : «السنن» ، و «المغازي». توفي بذي المروة قافلا من الحج سنة ١٩٥ ه‍. انظر : الذهبي ـ ميزان الاعتدال ٣ / ٢٧٥ ، الزركلي ـ الاعلام ٨ / ١٢٢.

١٠

وقال غيره (١) : توفي بدمشق يوم الخميس لثلاث بقين من شهر / رجب سنة تسع وخمسين ، وهو ابن ثمانين سنة ، وقيل خمس وسبعين (٢) ، وقيل سبع ، وقيل خمس وثمانين ، (وقيل ثمان وثمانين) (٣) ، وقيل تسعي. ـ والله أعلم.

[خلافة يزيد بن معاوية ، وأخبار مكة وولاتها]

فولي الخلافة ابنه يزيد بن معاوية بعهد من أبيه ، وهو أول من جعل ولي عهده في صحته.

ولما ولي ، وكان ممن أبى البيعة له جماعة منهم : الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنهم.

فلما مات معاوية رضي‌الله‌عنه ، بعث يزيد إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة ليأخذ له بيعة هؤلاء النفر. فدعا الحسين ، وعبد اللهبن الزبير ، فأتياه ليلا ، فعرض عليهما ، فقالا : «غدا إن شاء الله ، فمثلنا لا يبايع سرّا». (وخرجا من عنده) (٤) ، وركبا في ليلتهما ، لليلتين بقيتا من رجب. فوصلا مكة ، وأقاما بها.

فجاءت كتب أهل العراق إلى الحسين رضي‌الله‌عنه ، يسألونه القدوم عليهم. فسار بجميع أهله يوم التروية ، حتى بلغ كربلاء ـ موضعا (٥)

__________________

(١) مثل خليفة بن خياط ـ تاريخ ٢٢٦. وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٢٤١ ـ ٢٤٢ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٢٤.

(٢) في النسخ الثلاث الأولى «وتسعين». والاثبات من (د).

(٣) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٤) ما بين قوسين في (د) «فقد جاء من عندهما».

(٥) في (ب) ، (د) «موضعا».

١١

بقرب الكوفة ـ. فعرض له عبيد الله بن زياد ـ وكان على الكوفة من جهة يزيد ـ فقاتلهم الحسين رضي‌الله‌عنه ، فقتلوه يوم عاشوراء سنة إحدى وستين من الهجرة. وقصته مشهورة ، لا تعلق لنا بذكرها (١).

وولي مكة في خلافة يزيد (٢) جماعة : أولهم عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق السابق ذكره. ثم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

قال ابن الأثير (٣) : «وسبب توليته أن يزيد بن معاوية اتهم عمرو ابن سعيد بمداهنة ابن الزبير ، فإنه أظهر العصيان على يزيد بعد قتل الحسين رضي‌الله‌عنه ، وبويع لابن الزبير بمكة (٤) سنة أربع وستين ، فقالوا ليزيد :

لو شاء عمرو بن سعيد لسرّح إليك ابن الزبير. فعزل يزيد عمروا ، وولى مكة الوليد بن عتبة. فقدم مكة ، وأقام بها يريد غرّة ابن الزبير ، فلم يجده إلّا متحرزا». وكان ذلك سنة إحدى وستين.

ثم ولي عثمان بن محمد بن أبي سفيان.

قال ابن الأثير (٥) : «وسببها أن ابن الزبير ، كتب إلى يزيد بأمر الوليد : إنك قد بعثت إلينا رجلا أخرق ، لا يتجه (٦) لرشد ، ولا يرعوي لعظة (٧) ، فلو بعثت رجلا سهل الخلق ، رجوت أن يسهل من الأمر ما

__________________

(١) في (ب) «بها».

(٢) سقطت من (ب).

(٣) في كتابه : الكامل في التاريخ ٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦. وهنا باختصار.

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في كتابه : الكامل في التاريخ ـ ولم أجد الخبر في المطبوع.

(٦) في (ب) ، (ج) «ينجح».

(٧) في (ج) «لصفة». وفي (د) «لعضة». وفي (أ) ، (ب) «لعظت».

١٢

استوعر منها ، وأن يجتمع (١) ما تفرّق. فعزل الوليد وولى عثمان».

ثم الحارث بن خالد بن (٢) العاص بن هشام المخزومي.

قال خليفة بن خياط (٣) : «أن يزيد ولى الحارث مكة لما عزل الوليد. ثم عزله ، وولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. ثم عزله وأعاد الحارث ، فمنعه ابن الزبير الصلاة بالناس ، فصلى بالناس مصعب بن عبد الرحمن بن عوف بأمر عبد الله بن الزبير».

ثم عبد الرحمن بن زيد (٤) بن الخطاب العدوي.

ثم يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية (٥) ، ويقال أنه ولي مكة قبل الحارث ، فإن الحارث (هو الذي وشى به إلى يزيد ، وأنه مداهن لابن الزبير ، فعزل يزيد يحيى وولى الحارث) (٦) ، فمنعه ابن الزبير الصلاة [بالناس ، فصلى بالناس مصعب](٧) كما تقدم ، فكان يصلي بأهله ومن أطاعه في بيته ـ قاله التقي الفاسي (٨).

ذكر ابن جرير (٩) في أخبار سنة ستين من الهجرة : «أن عمرو بن

__________________

(١) في (ب) ، (د) «يجمع».

(٢) في (ب) ، (ج) ، (د) «ثم». وهو خطأ.

(٣) طبقات خليفة ١ / ٣١٩ ، وانظر جزءا من الخبر في تاريخ خليفة ص ٢٥١ ، ابن حجر العسقلاني ـ تهذيب التهذيب ٦ / ١٨٠.

(٤) في (أ) ، (د) «يزيد». وهو خطأ. والاثبات من (ب) ، (ج).

(٥) يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٦١.

(٦) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٧) ما بين حاصرتين من (د) فقط.

(٨) في شفاء الغرام ٢ / ٢١٣.

(٩) الطبري ـ تاريخ ٦ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

١٣

سعيد حج بالناس فيها ، وهو على مكة والمدينة ، وأن يزيد بن معاوية ولاه المدينة بعد أن عزل الوليد بن عتبة في شهر / رمضان».

وذكر ابن الأثير (١) : «أن عمرو بن سعيد قدم المدينة في شهر رمضان ، فجهز منها إلى ابن الزبير بمكة أخاه عمرو بن الزبير ، لما بينهما من العداوة. وجهز معه أنيس بن عمرو الأسلمي في ألفي فارس ، فلاقاهم ابن الزبير ، وقتل أنيس بذي طوى ، وجيء لابن الزبير بأخيه عمرو أسيرا ، فأقاد منه أخوه عبد الله الناس بالضرب وغيره ، كما صنع بهم في المدينة ، فمات تحت السياط».

وفي الوقائع الحكيمة (٢) : «وفي سنة إحدى وستين ولّى يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على الحجاز ومكة ، فحج بالناس ، ووقف بعرفة هو وأصحابه ، وعبد الله بن الزبير واقفا بأصحابه ، ولم ينفر معهم ، وسلم الله المسلمين» ـ انتهى.

[أخبار مكة زمن تغلب عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما]

ثم تغلب عبد الله بن الزبير (رضي‌الله‌عنهما على مكة سنة أربع وستين) (٣).

وهو عبد الله بن الزبير بن العوام بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنهما ، ذات النطاقين (٤).

__________________

(١) في ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٤ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ـ ٢٦٧.

(٢) في (د) «المحكمية». وانظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٤٠٩ ، وذكر : «وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل السير».

(٣) ما بين قوسين سقط من (د).

(٤) انظر في سبب تسميتها بذلك : ابن سعد ـ الطبقات ٨ / ١٨٢ ، ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٨٦.

١٤

ولد بالمدينة بعد عشرين شهرا من الهجرة (١).

وولي مكة في زمنه الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي (٢) على ما ذكره ابن عبد البر (٣) ، وذلك سنة ست وستين (٤).

وسبب تغلبه (٥) أنه أبى البيعة ليزيد وخرج من المدينة إلى مكة ، فأطاعه أهل الحجاز والعراق وخراسان ، ولم يعصه إلا أهل مصر والشام. واستمر خليفة بمكة.

فجهز إليه يزيد جيشا أمّر عليه مسلم بن عقبة المري أحد بني مرة ابن عوف بن سعد بن ذبيان ، فدخل المدينة وقتل أهلها ، وكانت وقعة الحرّة الشهير خبرها (٦).

وبعد أن فرغ من أهل المدينة ، قصد مكة ، فأدركه الموت في ثنية هرشا (٧). فلما أحس بالموت دعا بالحصين بن نمير السكوني ،

__________________

(١) كان عبد الله بن الزبير أول مولود ولد بالمدينة من المسلمين بعد الهجرة. انظر : ابن قتيبة ـ المعارف ٩٩ ، العسكري ـ الأوائل ص ١٧٨ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٤٠١ ، القضاعي ـ تاريخ ٣٣٦.

(٢) في (أ) ، (د) «الحارث بن معمر الحجبي». والاثبات من (ب) ، (ج).

(٣) في الاستيعاب ١ / ٢٩١ ، ذكره باسم : «الحرث بن حاطب بن الحرث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمع القرشي الجمحي ، ولد بأرض الحبشة».

وفي شفاء الغرام ٢ / ٢٦١ «الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي».

(٤) في (أ) ، (د) «اثنين وستين». والاثبات من (ب) ، (ج) والاستيعاب.

(٥) أي عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما.

(٦) انظر عنها : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ٢٣٦ ـ ٢٥٠ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٤١٥ ـ ٤٢٩ ، جميل المصري ـ أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية ص ٤٩٤ ـ ٤٩٨.

(٧) هرشا : هضبة تنسب إليها ثنية في طريق مكة ، قريبة من الجحفة يرى منها البحر. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨. وانظر مكان وفاته ـ أي مسلم

١٥

وقال له : «يا برذعة (١) الحمار ، إن أمير المؤمنين أمرني إن أدركني الموت أن أوليك». ثم أوصاه بقتال ابن الزبير. ومات ودفن على ثنية يقال لها المشلل مشرفة على قديد.

فلما ولى عنه الجيش عدت عليه ليلى أم ولد يزيد بن عبد الله بن زمعة بن اشارة ، فنبشته وصلبته على ثنية المشلل ، وكان مسلم بن عقبة قتل يزيد ولدها المذكور ـ قاله الزبير بن بكار (٢).

فسار الحصين بن نمير إلى أن دخل مكة ، وحاصر ابن الزبير ، ورمى عليه بالمنجنيق ، فجاءهم الخبر وهم محاصروه بموت يزيد في هلال ربيع الآخر (٣) ليلة الثلاثاء سنة أربع وستين.

وكانت وفاة يزيد لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة (٤). فكانت مدة إمارته ثلاث سنين وسبعة أشهر. فأذعن أهل الشام لابن الزبير وبايعوه.

قال ابن الضياء (٥) : «وخرج الحصين راجعا إلى الشام لخمس

__________________

ابن عقبة المري ـ عند ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٤٣٠.

(١) عند ابن جرير الطبري : «ابن برذعة» ـ تاريخ ٦ / ٤٣٠. والحصين بن نمير السكوني من أهل حمص ، حارب إبراهيم بن الأشتر ، وكان على ميمنة عبيد الله بن زياد ، فقتل معه على مقربة من الموصل في معركة الخازر سنة ٦٧ ه‍. انظر : تهذيب ابن عساكر ٤ / ٣٧١.

(٢) صاحب أخبار قريش.

(٣) في (د) «الأول».

(٤) أي سنة ٦٤ ه‍. وانظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٤٣٣.

(٥) ابن الضياء المكي الحنفي محمد بن محمد. وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٥٠. وكان رجوع الحصين بجيشه بعد أن رفض عبد الله بن الزبير عروض الحصين. انظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، اليعقوبي ـ تاريخ

١٦

خلون من ربيع الآخر».

[أخبار مكة في خلافة ابن الزبير رضي‌الله‌عنهما وعمارته للكعبة]

قال غيره (١) : وبويع لابن / الزبير لسبع بقين من رجب من السنة المذكورة (٢). وكانت الكعبة قد أصابتها حجارة المنجنيق ، فأوهنت البناء ، وخصوصا بعد الحريق (٣) ، فإنه حال محاصرة الشاميين ، قام بعض أصحاب ابن الزبير يستوقد نارا ، فطار منها شرر ، تعلق بأستار الكعبة ، فاحترقت ، وذلك يوم السبت الثالث من شهر ربيع قبل أن يأتي نعي يزيد بسبعة وعشرين يوما (٤).

فائدة :

يقال إن هذا اليوم ـ أعني يوم الحريق ـ أول يوم تكلم الناس فيه بالقدر (٥)؟ فقال قوم : «هذا شيء قدره الله سبحانه وتعالى». وقال آخرون : «ليس هذا من قدر الله عزوجل» ـ كذا قال الثعالبي في كتابه العرائس (٦) ـ.

__________________

٢ / ٢٥٣.

(١) مثل : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ص ٢٥٧ ، القضاعي ـ تاريخ ص ٣٣٦ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٥٨.

(٢) أي سنة ٦٤ ه‍.

(٣) انظر الأقوال التي قيلت في حرقها : البداية والنهاية ٨ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٤) عند ابن جرير الطبري : «بتسعة وعشرين يوما» ـ تاريخ ٦ / ٤٣٢.

(٥) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٣٥ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٥٥.

(٦) الثعلبي ـ قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس ص ٩٠.

١٧

رجع (١) : فرأى ابن الزبير رضي‌الله‌عنهما أن يعمر الكعبة عمارة قوية (٢) ، ويجعلها على قواعد الخليل عليه‌السلام ، ويدخل فيها ما أخرجته قريش من البيت لقصر النفقة ـ لحديث رواه عن عائشة رضي‌الله‌عنها (٣).

فدعا وجوه الناس ، واستشارهم ، فأشار عليه بعضهم بذلك ، وأبى الأكثرون. وكان أشد الناس إباء حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما ، قال : «دعها على (٤) ما أقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها ، فلا تزال تهدم وتبنى ، فيتهاون الناس بحرمتها ، ولكن ارقعها». فقال ابن الزبير رضي‌الله‌عنهما : «ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه [وأمه](٥) ، فكيف أرقع بيت الله؟!».

وعزم على هدمها وبنائها ، وكان ممن أشار بالهدم جابر بن عبد الله (٦) ، وعبيد بن عمير (٧) ، وعبد الله بن صفوان (٨).

فلما عزم على الهدم ، خرج أهل مكة إلى منى ، خوفا أن يكون

__________________

(١) إلى عمارة ابن الزبير للكعبة.

(٢) انظر تفاصيل ذلك : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٣٦ ـ ١٤٣ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٥٧ ـ ١٦١.

(٣) رواه البخاري ٣ / ٤٦ في الحج. وانظر : فتح الباري ٤ / ٢٣٠ ـ ٢٤٣.

(٤) سقطت من (ج).

(٥) من (ب) ، (ج) ، (د).

(٦) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي. الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ١٨٩.

(٧) عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي. الذهبي ـ سير ٤ / ١٥٦.

(٨) عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف ـ أبو صفوان القرشي الجمحي ـ الذهبي ـ سير ٤ / ١٥٠.

١٨

فعله معصية ، وخرج عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما إلى الطائف.

فعلا عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما بنفسه على الكعبة (١) ، وبيده المعول ، وجعل يهدمها. فلما رآه الناس ولم يصب ، صعدوا معه فهدموا ، وأرقى عليها عبيدا من الحبش ، رجاء أن يكون [منهم](٢) ذو السويقتين الذي وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» ـ رواه الشيخان (٣) عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي البخاري (٤) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كأني به أسود أفحج ، يقلعها حجرا حجرا».

وتخريب (الحبش للكعبة) (٥) يكون بعد رفع القرآن العظيم على ما ذكره السهيلي (٦) / وذلك بعد موت سيدنا عيسى عليه‌السلام ، ـ قاله ابن جماعة (٧) وصححه بعض العلماء المتأخرين. ونقل الحليمي (٨) أن ذلك في زمن عيسى عليه‌السلام ـ والله أعلم.

__________________

(١) سقطت من (ج) ، (د).

(٢) من النسخة (د).

(٣) صحيح البخاري ٣ / ٤٦ ، صحيح مسلم ٨ / ٣٥ ، فتح الباري ٤ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٢٨.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٤٦ في الحج.

(٥) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «الحبشة الكعبة». وانظر : فتح الباري ٤ / ٢٥٩.

(٦) في الروض الأنف (طبع باكستان) ١ / ٩٩.

(٧) عز الدين بن جماعة.

(٨) الحليمي : محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الحليمي الحنفي العراقي ٤٨٤ ـ ٥٦٧ ه‍. من كتبه : تفسير القرآن ، وشرح الشهاب للقضاعي. الزركلي ـ الاعلام ٦ / ٣١ ، وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٠٨.

١٩

فائدة :

قال الزمخشري في ربيع الأبرار (١) : «ومن سنة أهل (٢) الحرم ، أنّ كل من علا الكعبة من عبيدهم فهو حرّ ، لا يجمعون بين عزّ هؤلاء وذلّ الرق» ـ انتهى كلامه والله الموفق.

ولم يزل ابن الزبير رضي‌الله‌عنهما في الهدم إلى أن وصل إلى قواعد إبراهيم عليه‌السلام ، فإذا هي صخر كالخلق (٣) من الإبل (آخذ بعضها بعضا كتشبيك الأصابع بعضها ببعض ، فإذا تحرك الحجر من) (٤) القواعد [بالفتل](٥) (تحركت الأركان كلّها) (٦).

ولما رأوه بنيانا مربوطا بعضه ببعض ، حمد الله وكبر ، ثم أحضر الناس وأشهدهم على ذلك ، ثم شرع في البناء.

قال في المرآة (٧) : «وأرسل ـ يعني ابن الزبير ـ إلى صنعاء ، يطلب جصّا (٨) ، فأتوه به».

__________________

(١) الزمخشري ـ ربيع الأبرار ونصوص الأخبار. لم أجد هذا النص في المطبوع منه.

(٢) سقطت من (د).

(٣) في (ج) «كأعناق». وذكر الناسخ أن في نسخة أخرى «كالخلق».

(٤) ما بين قوسين بياض في نسخة (ب).

(٥) ما بين حاصرتين من (ب). ومن الجدير ذكره تعذر قراءة ذلك من نسخة (أ) حيث وجود ذلك في الحواشي المطموسة.

(٦) ما بين قوسين في (ب) «انتقضت قواعد البيت». وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٤٣ ، ١٥١.

(٧) في (ب) ، (ج) «الرواة». وهو خطأ. والمرآة هي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان لليافعي عفيف الدين عبد الله بن أسعد ١ / ١٨٣.

(٨) ذكر الأزرقي ١ / ١٤٤ : «أنه ـ أي ابن الزبير ـ أرسل الى صنعاء ، فأتي من رخام بها يقال له البلق ...».

٢٠