منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

وقيل : أخرجهم بنو إسماعيل بعد أن سلط الله على جرهم آفات من النمل والرّعاف وغير ذلك ، وأتاهم وهم بأضم (١) ـ من أرض جهينة بعد أن خرجوا (٢) من مكة ـ سيل فذهب بهم. ـ ذكره المسعودي (٣) ـ. وقيل : ان الله سلط على ولاة البيت منهم دواب (٤) شبيهة بالنقف (٥) ، فهلك منهم (٦) في ليلة واحدة ثمانون (٧) كهلا سوى الشباب ، فخرجوا إلى إضم فجرفهم السيل ، وأراح الله منهم.

وقيل : ان الذي أخرجهم عمرو بن الحارث الغبشاني (٨) ، وهو الذي يقول /: / ٥٤

ونحن ولينا البيت من بعد جرهم

لنمنعه من كل باغ وملحد (٩)

وقال أيضا :

ونحن ولينا البيت من بعد جرهم

لنمنعه من كل باغ وظالم

[ونمنعه من كل باغ يريده

فيرجع منها عنده غير سالم](١٠)

__________________

(١) إضم : واد بجبال تهامة باتجاه البحر. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٢) في (ب) ، (ج) «خروجهم» وسقطت «أن» من (د).

(٣) مروج الذهب ٢ / ٥٠.

(٤) في (ج) «دوابا».

(٥) في (ب) ، (ج) غير مقروءة. والنقف نوع من الوزغ. الفيروز آبادي ـ القاموس المحيط ٣ / ٢٠٨.

(٦) سقطت من (ب) ، (ج).

(٧) في (د) «مائة وثمانون».

(٨) في (ب) ، (ج) «الحرث الغساني».

(٩) في (ج) «وملمة».

(١٠) البيت من نسخة (ج) واضافة ناسخ (ب) في الهامش.

٣٤١

ونحفظ حقّ الله فيه بجهدنا

ونمنعه من كلّ باغ وآثم

ونترك ما يهدى له لا نمسّه

نخاف عقاب الله عند المحارم

وكيف نريد الظلم فيه وربّنا

بصير بأمر الظلم من كلّ غاشم

فو الله لا ننفكّ نحفظ أمره

ونعمره ما حجّ أهل المواسم

ونحن نفينا جرهما عن بلادها

إلى بلدة فيها صنوف (١) المآثم (٢)

وقيل : عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر.

[عمرو بن لحي الخزاعي]

والمشهور : أن أول من ملك مكة من خزاعة عمرو بن لحيّ ـ بضم اللام وفتح الحاء ـ ابن قمعة بن خندف أبو خزاعة ـ وخندف هي أم القبيلة لا ينصرف ، واسمها ليلى بنت عمرو بن الحاف من قضاعة ـ قاله النووي (٣). وهو أول من غير دين سيدنا إبراهيم عليه‌السلام ، في حديث أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما بإسناد ضعيف (٤).

واسم لحي : ربيعة بن حارثة (بن عمرو بن حارثة) بن الياس بن مضر ، أتى مكة وتزوج بنت (عامر بن عمرو بن الحارث) (٥) بن مضاض الجرهمي ، فولدت (٦) عمرا ـ كذا قاله السيد السمهودي (٧) في

__________________

(١) في (ب) «سقوف».

(٢) في (ج) «المظالم». وأضاف الناسخ في الهامش «وفي نسخة أخرى المآثم».

(٣) الامام النووي : يحيى بن شرف المتوفى سنة ٦٧٦ ه‍.

(٤) والحديث رواه الطبراني من طريق صالح عن ابن عباس مرفوعا في ذلك. انظر : ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ١٨٩.

(٥) في (ج) «عمار بن عمرو بن الحرث».

(٦) سقطت من (ج).

(٧) في (أ) «السمنهوري» والسمهودي هو علي بن عبد الله بن شهاب الدين الحسيني الشافعي. توفي سنة ١٠١١ ه‍.

٣٤٢

تاريخ المدينة (١).

[ثعلبة بن عمرو القحطاني]

وذكر الفاسي (٢) : «أن ثعلبة بن عمرو (بن عامر) (٣) ابن حارثة ابن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد القحطاني سار [هو](٤) وقومه ـ وهم أهل مأرب ـ لا يطئون بلدا (٥) إلا غلبوا عليه ، حتى دخلوا مكة ، وأهلها (إذ ذاك) (٦) جرهم قد قهروا الناس ، وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل [وغيرهم](٧) ، فأرسل إليهم ثعلبة يقول : إنا خرجنا من بلادنا ، فلم ننزل بلدا إلا فسح أهله (٨) لنا ، فنقيم معهم حتى نرسل روادنا (٩) فيرتادون لنا بلدا تحملنا ، فافسحوا لنا». فأبوا عليه. فأرسل إليهم : «أنه لا بد من المقام ، فإن تركتموني نزلت وحمدتكم ، وواسيتكم في الماء والمرعى / وإن أبيتم أقمت على كرهكم ، ثم لا / ٥٥ (ترعون معي) (١٠) إلا فضلا ، ولا تشربون إلا رنقا ، فإن قاتلتموني قاتلتكم ، فإن ظهرت عليكم سبيت النساء ، وقتلت الرجال».

__________________

(١) وكتابه : وفا الوفا بأخبار دار المصطفى ـ مجلدان ، طبعته مطبعة الآداب والمؤيد ، مصر ١٣٢٦ ه‍.

(٢) شفاء الغرام ١ / ٥٩٦.

(٣) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د).

(٤) زيادة من (ج). وما بعدها في (ج) غير مقروء الى" مأرب».

(٥) في (ج) ، (د) «بلدة».

(٦) في (ب) بياض بمقدارها. وساقطة من (ج).

(٧) زيادة من (ج).

(٨) في (ج) ، (د) «أهلها».

(٩) في (ج) «ورادنا».

(١٠) في (ج) «ترتقون مني».

٣٤٣

فأبت عليه جرهم ، (فقاتلهم ثلاثة أيام ، ثم انهزمت جرهم) (١) فلم ينج منهم إلا الشريد.

فأقام ثعلبة بعسكره حولا كاملا ، فأصابتهم الحمى ، فخرج الأوس والخزرج أبناء حارثة بن ثعلبة ونزلوا المدينة ، وانخزعت خزاعة بمكة ـ والانخزاع المفارقة ـ وفي ذلك يقول عون بن أيوب الأنصاري الخزرجي (٢) [شعرا](٣) :

فلما هبطنا بطن مرّ (٤) تخزّعت

خزاعة عنّا (٥) في حلول كراكر

حمت كلّ واد من تهامة واحتمت

بصمّ (٦) القنا والمرهفات البواتر

وقيل أن الشعر لحسان بن ثابت (٧) رضي‌الله‌عنه ـ وبعده :

فكان لها المرباع (٨) في كلّ غارة

تشن (٩) بنجد والعجاج الغوائر (١٠)

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٢) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٥٥ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ١٨٧ ، الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ١٤٢.

(٣) زيادة من (ب).

(٤) في (ب) غير مقروءة.

(٥) في المصادر هامش رقم (٢) «منا».

(٦) في (ج) «بهم».

(٧) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٥٥.

(٨) في (ب) ، (ج) «مرتاع». وفي (د) «المدفاع».

(٩) في (ج) «نشن».

(١٠) في (ب) ، (د) «الغواتر».

٣٤٤

خزاعتنا أهل اجتهاد ونصرة

وأنصارنا جند النبي المهاجر

فأقام بها (١) ربيعة بن حارثة [ابن عمرو بن عامر](٢) وهو لحيّ الخزاعي (٣) ، فولي مكة عمرو بن لحي الخزاعي وهو ابن بنت عمرو بن الحارث الجرهمي ، وهو أول من سيب السوائب (٤) ، ووصل الوصيلة (٥) ، وحمى الحامي (٦) ، وبحر البحيرة (٧) ، ونصب الأصنام حول الكعبة ، وأتى بهبل من هيت (٨) فنصب في بطن الكعبة. وأكثر من نصب الأصنام حتى قال شجنة بن خلف الجرهمي (٩) :

يا عمرو انك قد أحدثت آلهة

شتّى بمكة حول البيت أنصابا

__________________

(١) في (ب) ، (د) «بمكة».

(٢) ما بين حاصرتين زيادة من (ج).

(٣) سقطت من (ج) ، (د).

(٤) السائبة / الناقة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء. انظر في ذلك : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٨٩ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ١٨٨ ، ١٨٩.

(٥) الوصيلة : الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ، فما ولدت بعد ذلك كان الجاهليون يخصونه بالذكور دون الاناث. ابن هشام ١ / ٩٠.

(٦) الحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات حمي ظهره عند الجاهليين فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في ابله يضرب لا ينتفع منه بغير ذلك. ابن هشام ـ السيرة ١ / ٨٩.

(٧) البحيرة بنت السائبة. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٨٩.

(٨) في (ب) ، (ج) «هبت» ، وفي (د) «هبيت». وهيت من مدن العراق. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان. ويقال أنه قدم مآب من أرض البلقاء بالشام ، وبها يومئذ العماليق ، رآهم يعبدون الأصنام ، فأعطوه صنما يقال له هبل ، فقدم به الى الكعبة فنصبه وأمر الناس بعبادته. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٧٧ ، ابن كثير ـ البداية ٢ / ١٨٩.

(٩) انظر : مروج الذهب للمسعودي ٢ / ٥٦ ـ ٥٧.

٣٤٥

وكان للبيت رب واحد أبدا

فقد (١) جعلت له في الناس أربابا

لتعرفنّ بأنّ الله في مهل

سيصطفي غيركم للبيت حجّابا

وعاش عمرو بن لحي هذا ثلاثمائة وأربعين سنة. وكان ولاية البيت في خزاعة مائتي سنة. ومات عمرو بن لحيّ وله من الولد (وولد الولد) (٢) ألف نفس ـ كذا قال المسعودي (٣) ـ.

وذكر الفاسي (٤) في من نصب هبل قولين آخرين : «انه عمرو بن الحارث ، وقيل خزيمة بن مدركة جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم». ـ والله سبحانه وتعالى أعلم ـ

وتفسير السوائب وما بعدها (٥) / مذكور في المطولات (٦) ليس من تعلقات هذا المختصر.

وأمر عمرو بن لحي الناس بعبادة هبل. وكان عمرو بن لحي هذا بلغ من الشرف بمكة ما لا (٧) يبلغه عربي قط لا قبله ولا بعده. وكان جوادا ، قسم في يوم واحد عشرة آلاف ناقة وأعور عشرين فحلا.

وكان من سنن الجاهلية أن الانسان إذا ملك ألفا من الإبل عمد إلى فحل

__________________

(١) في (ب) «فجعلت» وذكر الناسخ في الهامش «لعله وقد جعلت». وفي (ج) «وقد».

(٢) ما بين قوسين سقط من (ب).

(٣) مروج الذهب ٢ / ٥٨. وذكر ابن كثير عن ابن إسحاق «ان خزاعة استمرت نحوا من ثلاثمائة سنة ، وقيل خمسمائة سنة والله أعلم». البداية والنهاية ٢ / ١٨٧.

(٤) شفاء الغرام ٢ / ٨٣ عن ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ٢ / ٢٨.

(٥) في (ج) «يعده».

(٦) انظر مثلا : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٨٩ ـ ٩١ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٧) في (أ) ، (د) «لا». وفي (ب) ، (ج) «لم».

٣٤٦

من الألف ففقا (١) عينه.

وكان عمرو هذا أول من أطعم الحاج بمكة (٢) سدائف (٣) الابل ولحمها. وكان قوله فيهم دينا (٤) متبعا.

ولما ولي (عمرو مكة) (٥) جاءه بنو إسماعيل ، وسألوه أن ينزلوا معه فأبى وقال : «لا يدخل مكة جرهمي». فخرج مضاض بن عمرو ومن معه من ولد إسماعيل إلى جهة اليمن ، وجعل يقول قصيدته الرائية (٦) :

(كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا) (٧)

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربّع واسطا فجنوبه

إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا

صروف الليالي والسنون (٨) العواثر

__________________

(١) في (د) «ففقع».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) سدائف : أي لحوم أسنمة الجمال وشحمها. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٩ / ١٤٧ ، ١٤٨.

(٤) في (ب) ، (ج) «رأيا». ووردت العبارة عند ابن كثير بشكل أوضح : «وكان قوله وفعله فيهم كالشرع المتبع لشرفه فيهم ومحلته عندهم وكرمه عليهم». البداية ٢ / ١٨٧.

(٥) في (ج) «مكة عمرو».

(٦) انظر القصيدة : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١١٤ ـ ١١٦ ، الأصبهاني ـ الأغاني ١٥ / ١٨ ـ ١٩ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٥٦ ـ ٥٧ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٥٠ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٥٩٥ ، ٥٩٧ ـ ٥٩٨ ، مع بعض اختلاف في ترتيب الأبيات.

(٧) الشطر في (د) «كأن لم يكن ما بين مكة والصفا».

(٨) في (ب) ، (د) «والجدود" بمعنى الحظوظ. وكذلك في شفاء الغرام.

٣٤٧

وأبدلنا منها الأسى دار غربة

بها الذئب يعوي (١) والعدو محاصر

وكنا لإسماعيل صهرا وجيرة

فأبناؤه منّا ونحن الأصاهر

وكنا ولاة البيت من بعد نابت

نطوف بهذا (٢) البيت والخير ظاهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة

كذلك يا للنّاس (٣) تجري المقادر

وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة

كذلك عضتنا (٤) السّنون الغوابر

وسحّت دموع العين تجري (٥) لبلدة

بها حرم آمن وفيها المشاعر

بواد أنيس لا يطار حمامه

ولا تنفرن يوما لديه العصافر

وفيها وحوش لا تراب (٦) أنيسة

إذا خرجت منها فما أن تغادر

__________________

(١) في (أ) ، (ج) «يعدو». والاثبات من (ب) ، (د) وشفاء الغرام ١ / ٥٩٧ وكلاهما صحيح.

(٢) في السيرة لابن هشام «بذاك» ١ / ١١٥.

(٣) في (ب) «الناس».

(٤) في (أ) ، (ب) ، (د) «عظتنا» ، وفي (ج) ، (د) «غطتنا» ، وفي (د) «غطتنا السيوف». والاثبات من الأزرقي وابن هشام.

(٥) عند ابن هشام في السيرة «تبكي».

(٦) هكذا في (أ) ، (د) ، والأزرقي ١ / ٥٧. وفي (ب) «ألا تزال» ، وفي (ج) «لا تزال». والبيت عند ابن هشام ١ / ١١٦ :

وفيه وحوش لا ترام أنيسة

إذا خرجت منه فليست تغادر

٣٤٨

فيا ليت شعري هل تعمّر بعدنا

جياد وتمضي (١) سيله والظواهر (٢)

[وهل فرج يأتي بشيء نريده

وهل جزع ينجيك ممّا تحاذر](٣)

وقال عمرو بن الحارث الجرهمي (٤) :

يا أيّها الناس (٥) سيروا إن سيركم (٦)

أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

حثوا المطيّ وأرخوا من أزمّتها

قبل الممات وقضّوا ما تقضّونا

كنا أناسا كما كنتم فغيّرنا

دهر وأنتم كما كنّا (٧) تكونونا

فائدة :

قال ابن هشام (٨) : «وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أن هذه الأبيات ـ يعني الرائية ـ كأن لم يكن بين الحجون ... الخ ، أول شعر

__________________

(١) في (ج) غير مقروءة. وعند الأزرقي «فمضى». وفي (د) «نفضي».

(٢) في (ج) «والطواهر».

(٣) البيت زيادة من (د).

(٤) وهو نفسه عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي ملك الحجاز العاثر. والأبيات في شفاء الغرام للفاسي ١ / ٥٩٨ ، والسيرة لابن هشام ١ / ١١٦ ، والأزرقي ١ / ٥٧ مع بعض الاختلاف في العدد ، وأخطاء كثيرة عند الأزرقي خاصة.

(٥) عند الأزرقي والفاسي «الحي».

(٦) عند ابن هشام «قصركم».

(٧) عند الأزرقي وابن هشام «صرنا».

(٨) السيرة النبوية ١ / ١١٦.

٣٤٩

قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن». ـ انتهى (١) ـ

وذكر ابن الضياء (٢) ما يفهم أن بني إسماعيل أقامت بمكة مع خزاعة ، وخزاعة ولاة الأمر ، لا يطالبهم أحد من بني إسماعيل بذلك ، ويؤيده أن بعض الجرهميين قال لما غيّر عمرو بن لحي دين إسماعيل وظلم يحذره (٣) :

يا عمرو لا تظلم بم

كّة إنّها بلد حرام

سائل بعاد أين هم

وكذاك محترم (٤) الأنام

(وبني العماليق الذي

كانت لهم فيها السّوام) (٥)

فزعموا أن عمروا أخرج ذلك الجرهمي من مكة ، فأقام بأضم فقال يتشوق إلى مكة (٦) :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

وأهلي معا (٧) بالمأزمين حلول

وهل أرينّ العيس تنفح في البرى (٨)

لها بمنى والمأزمين زميل

__________________

(١) أي قول ابن هشام الذي أضاف : «ولم يسمّ لي قائلها» ١ / ١١٦.

(٢) محمد بن أحمد بن محمد القرشي المكي صاحب البحر العميق في العمرة والحج الى بيت الله العتيق.

(٣) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٥٨ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٨٠.

(٤) في (د) «بختوم الزمام». وعند الأزرقي والفاسي «تخترم». وكذلك في مروج الذهب للمسعودي ٢ / ٥٦.

(٥) في (ب) كتب البيت في الهامش غير واضح. وفي (ج) كما عند المسعودي ٢ / ٥٦ : وبني العماليق الذين لهم بها كان السؤام. أي السائمة.

(٦) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٥٩ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٨١.

(٧) في (ب) ، (د) «بها». وأضاف في الهامش «معا» ، والمأزمان : تثنية المأزم وهو موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة ـ شعب بين جبلين ـ يفضي آخره الى بطن عرنة ـ حد الحرم. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٤٠.

(٨) في الأزرقي وشفاء الغرام «الثرى». والشطر الثاني في حاشية (ب) غير مقروء.

٣٥٠

منازل كنا أهلها لم يحل بنا

زمان (١) بها فيما أراه يحول

مضى أوّلونا راضين (٢) بشأنهم

جميعا وغالتني (٣) بمكة غول

[ولاية إياد بن نزار مكة]

قلت : وفي الفاسي (٤) أن إياد بن نزار بن معد ولي مكة. قال بسنده إلى الكناني (٥) بعد ذكر ولاية نابت بن إسماعيل عليه‌السلام : «ثم وليت حجابة البيت (إياد ، فكان أمر البيت) (٦) إلى رجل منهم يقال له وكيع بن سلمة بن زهير بن اياد. وكان له صرح بأسفل مكة يتعبد فيه (٧) ويرقاه بسلم. وجعل فيه أمة (٨) تسمى الحزورة ، وبها سمي المكان. وقيل فيه :

إنه صدّيق من الصديقين. ولما حضرته الوفاة جمع إياد وقال : [اسمعوا](٩) وصيتي ، الكلام كلمتان ، والأمر بعد البيان ، من رشد فاتبعوه ، ومن غوى / فارفضوه ، وكل شاة معلقة برجلها ـ فكان أول من قالها / ٥٨ [فأرسلها مثلا](١٠).

__________________

(١) سبقها في الأزرقي ١ / ٥٩ «ما».

(٢) في (ب) ، (د) «راضيين». وهو الأصح للوزن كما في أخبار مكة للأزرقي. وفي شفاء الغرام «قانعين» ٢ / ٨١.

(٣) في (ج) «وغالتنا».

(٤) شفاء الغرام ٢ / ٤٣.

(٥) الكناني : هو عيسى بن بكر الكناني.

(٦) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٧) سقطت من (ب) ، (ج).

(٨) بالأصل بومة والتصويب من شفاء الغرام ١ / ٤٣.

(٩) زيادة من (ب) ، (ج).

(١٠) ما بين حاصرتين زيادة من (ب) ، (ج).

٣٥١

[تغلب مضر على إياد]

ثم اقتتلت مضر وإياد ، فغلبت مضر ، فقالت إياد : أجلونا ثلاثة أيام. فأجلوهم ، فظعنوا قبل الشرق. فلما ساروا يومين تبعتهم فهم وعدوان (١) وكانوا مع مضر ، فقاتلوهم ، فقالوا : لا تقطعوا قرابتنا ، أعرضوا عن النساء ، فمن اختارت قومها فلترجع. فكان أول من اختار أهله امرأة من خزاعة يقال لها قدامة.

وفي رواية (٢) : أن ايادا بعد أن سارت خارجة من مكة ، رجع منهم ناس بعد ثانية لأخذ الحجر الأسود ، فحملوه على بعير ، فبرك ، فحملوه على (٣) آخر فلم يطق ، فلما رأوا ذلك بحثوا (٤) له ودفنوه تحت شجرة وارتحلوا. فلما كان بعد ليلتين ، افتقدت مضر الحجر ، وكانت امرأة من خزاعة يقال لها قدامة متزوجة في إياد فأبصرتهم (٥) حين دفنوا الحجر ، فقالت لقومها من خزاعة لما لحقوهم : قولوا لهم يعطوكم العهد على أن يجعلوا لكم حجابة البيت ، وأنا أدلهم على الحجر الأسود. فأخذوا بذلك عهدا منهم ، فوليتها خزاعة حتى أتى قصي بن كلاب. فهذا أحد أسباب ولاية خزاعة لمكة.

واستفدنا من هذا أن إياد ومضر كانا (٦) على البيت قبل خزاعة.

__________________

(١) فهم وعدوان : هم بنو عمرو بن قيس بن عيلان ، وأمهما جديلة بنت مرّ. انظر : القرطبي ـ التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب لأحمد بن محمد الأشعري القرطبي ص ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٤٤.

(٣) سقطت من (ب) ، (ج).

(٤) غير مقروءة في (ج).

(٥) في (ج) «فلما ابصرتهم».

(٦) في (أ) ، (ب) «كانت». والاثبات من (ج).

٣٥٢

وقال الزبير بن بكار : «لما حضرت نزار الوفاة ، آثر إيادا بولاية مكة (١) ، وأعطى مضر قبة له حمراء ـ فسميت مضر الحمراء ـ وأعطى ربيعة فرسه ـ فسمي ربيعة الفرس ـ وأعطى أنمارا جارية يقال لها بجيلة فحضنت (٢) أولاده ـ فقيل لهم بجيلة أنمار ـ والله أعلم» ـ انتهى.

فائدة :

وقال الزبير بن بكار : «حدثني حمزة بن عتبة اللهبي قال ، حدثنا محمد بن عثمان بن إبراهيم الحجبي قال : كان شجر الحرم خضيدا (٣) لا شوك فيه ، فلما أحدثت خزاعة المعاصي اقشعر الشجر من معاصيهم ، فخرج له هذا الشوك» ـ انتهى ـ.

[قصد بعض التبابعة مكة]

قال ابن الضياء (٤) : «وكان بعض التبابعة قصد مكة لتخريب البيت ، فقاتله خزاعة أشد القتال. وقصده ثانيا فقاتلوه أيضا». وأما تبع الثالث الذي نحر الابل وكسى البيت فهو في زمن قريش. وسيأتي ذكره في محله.

فائدة :

قال السهيلي (٥) : «معنى تبّع بلغة اليمن الملك المتبوع».

__________________

(١) في (أ) «الكعبة». والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د).

(٢) في (ب) ، (ج) «فحاضنت».

(٣) في (أ) ، (ب) «حضيدة». وفي (ج) «صغيرا». وخضيدا من الخضيد ـ من الخضد ـ شجر رخو بلا شوك ، ومنه قوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ). وهو الذي خضد شوكه فلا شوك فيه. انظر : لسان العرب ٣ / ١٦٢ ، ١٦٣.

(٤) ابن الضياء الحنفي.

(٥) في الروض الأنف ١ / ٢٣.

٣٥٣

وقال المسعودي (١) : «لا يقال للملك تبّع حتى يتملك اليمن / ٥٩ والشحر / وحضرموت».

[سيل قارة]

ومما وقع في زمن خزاعة : سيل عظيم ، دخل الحرم ، وأحاط بالكعبة ورمى بالشجر ، وجاء برجل وامرأة ميتين ، فعرفت المرأة وكانت بأعلا مكة يقال لها قارة (٢) ، ولم يعرف الرجل. فبنت خزاعة بناء حول البيت ، أداروه وأدخلوا الحجر فيه ، ليحصنوا (٣) البيت. فلم يزل ذلك البناء إلى زمن قريش. فسمي ذلك السيل : سيل قارة. ـ وسمعت أنها امرأة من بني بكر. كذا قال الفاسي (٤).

وروى الأزرقي (٥) : «أنه جاء زمن الجاهلية سيل ، فكسى ما بين الجبلين» ـ انتهى ـ.

قال المؤرخ الفاسي (٦) : «وملكها عمرو بن لحي ، ثم توارثوها (٧)

__________________

(١) لم أجد ذلك في مروج الذهب. والخبر نفسه عن المسعودي عند ابن خلدون ـ تاريخ ٢ / ٥٠.

(٢) انظر : الأزرقي ١ / ٣٦٤ ، الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٢٠٥. وفي شفاء الغرام «فارة» ٢ / ٤١٥.

(٣) في (ج) «ليحضرا» ولا معنى له.

(٤) في العقد الثمين ١ / ٢٠٥ ، وشفاء الغرام ٢ / ٤١٥ ، وانظر : الازرقي ١ / ٣٦٤.

(٥) في أخبار مكة ١ / ٣٦٤.

(٦) في شفاء الغرام ٢ / ٧٨.

(٧) في (ج) «تولاها». والعبارة في (ب) «تولاها نحوا من ثلاثمائة سنة وخمسمائة سنة وخمسين» وفيها سقط. وفي (ج) «تولاها نحوا من ثلاثمائة سنة وخمسين سنة». والصحيح كما في (أ). وهو ما هو في الشفاء ، وابن كثير ـ البداية والنهاية ٢ / ١٨٧.

٣٥٤

نحوا من ثلاثمائة سنة (وقيل خمسمائة) (١) سنة. وقريش إذ ذاك صرم (٢) متفرقون في قومهم من بني كنانة.

وذكر عن الفاكهي (٣) : «أن قيس عيلان (٤) من مضر أرادوا اخراج خزاعة ، فلم يتم لهم أمر».

قال : «لما توفي عمرو بن لحي ولي (٥) أمر مكة والبيت كعب (٦) بن عمرو بن لحي».

وعمّر عمرو بن لحي ثلاثمائة وأربعين سنة. وكانت ولاية البيت في خزاعة مائتي سنة. ومات وله من الولد وولد الولد ألف رجل. قاله المسعودي في المروج (٧) ـ انتهى ـ.

فلما مات عمرو وولي بعده ابنه كعب اجتمعت قيس على عامر بن الظرب العدواني ، فسار بهم إلى مكة ليخرج منها خزاعة ، (فقاتلهم خزاعة ، فانهزمت قيس عيلان ـ انتهى والله أعلم ـ.

ولم يزل أمر مكة في خزاعة) (٨) حتى كان آخرهم حليل (ابن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن لحي.

__________________

(١) في (ج) «وخمسين» وهو خطأ. ولم يذكر ابن هشام المدة ـ السيرة ١ / ١١٧.

(٢) الصرم : بمعنى الجماعات المتقطعة. انظر : لسان العرب ١٢ / ٣٣٥ ، ٣٣٨.

(٣) أخبار مكة ٥ / ١٥٦ (في الملحق).

(٤) في (أ) ، (ب) (د) «غيلان» والاثبات من (ج) والمصادر.

(٥) في (ب) ، (ج) «وآل».

(٦) في (ج) «لكعب».

(٧) في مروج الذهب ٢ / ٥٨ (وفيه ثلاثمائة سنة بدل مائتي سنة).

(٨) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) ولعله في أحد حواشي (ب) المطموسة.

٣٥٥

[قصي بن كلاب]

وكان ربيعة بن حزام بن سعد) (١) [بن زيد بن مناة](٢) قدم مكة بعد موت كلاب بن مرة (٣) ، فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل (٤) ، وكانت تحت كلاب بن مرة فولدت له زهرة ، وقصيا ، وهو في حجرها ـ أعني قصيا ـ فتزوجها ، وأخذها معه إلى قومه بني عذرة ومعها قصي ابن كلاب ـ ولذلك سمي قصيا ، لأنه أقصي عن قومه واسمه زيد ـ ونقل الحلبي (٥) في سيرته عن الامام الشافعي أن اسمه يزيد ـ والله أعلم.

فشبّ (٦) قصي في بني عذرة ، وولدت فاطمة لربيعة رزاحا. فلما كبر قصي وقع بينه وبين القوم تنافر ، فقال له بعضهم : «الحق بقومك». فقال : «ومن قومي؟!» ، ـ وكان يظن أنه ابن ربيعة ـ فقالوا له : «سل أمك». فسألها ، قالت : «أي بني ، أنت والله أشرف وأعز منهم قوما ، أنت قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر [بن كنانة](٧) وهو قريش بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر [بن نزار](٨) بن معد بن عدنان ، وقومك أهل الله

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) أيضا ولعله في أحد حواشي (ب) المطموسة.

(٢) ما بين حاصرتين من (د). وفي النسخة نفسها «ربيعة بن حرام بن سعد».

(٣) كلاب بن مرة والد قصي مجمع قريش. انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٤) في (ب) «سبل» ، وفي (ج) «شبل». واسم سيل : خير بن حمالة بن عوف ابن غنم بن عامر الجادر بن عمرو. هامش رقم (٨) ابن هشام ١ / ١٠٤.

(٥) سيرة الحلبي ـ انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ص ٧.

(٦) في (ب) ، (ج) «فنشأ».

(٧) زيادة من (ج).

(٨) زيادة من (ج).

٣٥٦

وسكان حرمه».

فقدم مكة من عامه ، فعرف قومه له الفضل وأكرموه ـ وخزاعة إذ ذاك ملوك مكة ، فخطب قصي من حليل ـ بضم الحاء المهملة ـ ابن حبشية (١) بن سلول بن كعب بن عمرو بن خزاعة ، ابنته حبى (٢) ، فزوجه بها ، فأولدها عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد بن قصي ، (وتخمر وبرّة بنتين) (٣).

وفي بني حبى يقول الخزاعي (٤) في الجاهلية [](٥) : «إن بني حبى هم الملوك». وفيهم يقول الحارث بن ظالم المري (٦) يمدحهم ، ويعتز بنسبته إلى قريش :

إذا فارقت ثعلبة بن سعد

واخوتهم نسبت إلى لؤيّ

إلى نسب كريم (غير وغل) (٧)

وحي هم أكارم كلّ حيّ

فإن يعصب بهم نسبي فمنهم

قرابين الإله بني قصيّ

وقوله : «قرابين» يعني يتقرب بهم إلى الله تعالى ، لأنهم قطين (٨)

__________________

(١) أثبت ناسخ (ب) في الهامش «حبيشة».

(٢) في (ج) «بنته حيى».

(٣) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٤) الخزاعي : لعله مطرود الخزاعي الشاعر.

(٥) ما بين حاصرتين بياض بمقدار كلمة في (أ) ، (ج). وفي (ب) ، (د) ساقطة.

(٦) الحارث بن ظالم المري : الحارث بن ظالم بن غيظ المري أبو ليلى ، من فتاك العرب في الجاهلية ، وسيد غطفان. طارده النعمان بن المنذر ملك الحيرة فلجا الى طيء ثم شيبان الى أن قتل في حوران حوالي سنة ٢٢ قبل الهجرة. انظر : الكامل في التاريخ لابن الأثير ، الزركلي ـ الاعلام ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٧) في (د) «خير وعل».

(٨) في (ب) ، (ج) «قطان».

٣٥٧

البيت وسكان الحرم وأهل الله ـ كذا قال الزبير بن بكار.

ولم يزل أمر قصي يعلو ويتعاظم لجوده (١) واستعطافه الخلق بالتلطف. وكان حليل يفتح الكعبة ، فإذا اعتل أعطاه ابنته ففتحتها ، فإذا اعتلت أعطته زوجها قصيّا ففتحها هو أو أحد بنيه. وكان قصي يعمل في حيازته وقطع ذكر خزاعة عنه. فلما دنت وفاة حليل جعل مفتاح الكعبة إلى ابنته حبّى ، وأمرها أن تبعث إلى أخيها المحترش (٢) وأشرك أبا غبشان الملكاني معها في تنفيذ وصايته ، فأعطت حبّى المفتاح لأبي غبشان الخزاعي وهو سليم بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن أقصى (٣) وقالت : «لست أهلا لخدمتها».

فلما رأى قصي ذلك قال لولدها عبد الدار : «أطلب منها المفتاح» ، وحمله على ذلك ، وأنهم (٤) أحق بما لجدهم. فقالت : «ومن يكفيني أبا غبشان؟!». فقال قصي : «أنا أكفيك هو».

وكان أبو غبشان سكيرا ، فأعوزه الخمر يوما ، فباع المفتاح من قصي بزق خمر وكبش ، فأشهد عليه قصي ، وأخذ منه المفتاح ، وأعطاه لعبد الدار. فصار المفتاح بيد قصي وولده. وضرب المثل بأبي غبشان في خسران الصفقة فقال : «أخسر صفقة من أبي غبشان». وفي ذلك يقول / ٦١ بعض قريش (٥) / :

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «بجوده».

(٢) في (ب) ، (ج) «المحترس».

(٣) في (ب) ، (ج) ، (د) «قصي». وهو خطأ. وفي الطبري ـ تاريخ" أقص" ٢ / ٣٤٣.

(٤) في (ج) «وأنه».

(٥) في (ج) «الشعراء». وهو هجاء لخزاعة. انظر : المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٥٨.

٣٥٨

إذا فخرت خزاعة من قديم

وجدنا فخرها شرب الخمور

وبيعة كعبة الرحمن جمعا

بزقّ بئس مفتخر الفجور (١)

وقال آخر (٢) أيضا :

أبو غبشان أظلم من قصيّ (٣)

وأظلم من بني بكر (٤) خزاعة

فلا تلحوا قصيا في شراها

ولوموا شيخكم إذ كان باعه

وقال آخر (٥) أيضا :

باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت

بزقّ خمر فبئست صفقة البادي

(باعت سدانة بيت الله وانتزعت

عن المقام وظلّ البيت والناد) (٦)

قلت : وإلى هذه القضية (٧) يشير أبو العلاء المعري بقوله في اللزوميات (٨) :

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «الفخور».

(٢) في (ب) ، (ج) «غيره». انظر : المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٥٨.

(٣) في (ج) «قضى».

(٤) في شفاء الغرام «فهر» ٢ / ١١٥.

(٥) في (ب) ، (ج) «غيره». انظر : المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٥٨.

(٦) سقط البيت من (ب) ، (ج). واثباته من (أ) ، (د).

(٧) في (ج) «القصة».

(٨) أبو العلاء المعري صاحب اللزوميات : هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري ـ الشاعر الفيلسوف. توفي سنة ٤٤٩ ه‍. متهم في نحلته على قول الذهبي وخاصة في رسالة الغفران. وله لزوم ما لا يلزم بين في مقدمته القوافي ولوازمها ، ومعنى لزوم ما لا يلزم. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٣ ـ ٣٩ ، ياقوت ـ معجم الأدباء ٣ / ١٢٥. ولم أجد البيت في اللزوميات ـ فيما هو مطبوع ـ.

٣٥٩

(والحبّ غرّار ونجوى عليّ

ولديه ودّا غير نجوى كميل) (١)

من حبّ عبد الدار ما أبعدت

حبّى أخاها عن وصايا حليل

وكميل بالتصغير : رجل (٢) من أصحاب علي رضي‌الله‌عنه ، قتله الحجاج (٣). والمعنى أن محبة الولد فوق محبة الصاحب ، فإن محبة حبّى ولدها عبد الدار أبعدت أخاها عما أوصى له بها أبوها من إعطائه المفتاح.

فلما آل (٤) أمر المفتاح إلى قصي ، تنكرت عليه خزاعة بعد موت حليل ، وآذوه بالكلام ، فكلم قصي رجالا من قريش وقال : «إن معاشر قريش أحق بأمر مكة من خزاعة ، نحن فرع إسماعيل وصريح ولده».

فقالوا : «صدقت ، ولكن من يعينك عليهم؟!». فكتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة يستنصره (٥) ، ويطلب منه الإعانة. فأجابه إلى ذلك ، وأقبل من عامه في إخوانه من غير فاطمة وهم حن (٦) ومحمود وكلهم أبناء ربيعة ، ومعهم قضاعة ، مجمعين على نصرة قصي. وكانت الإجازة من منى لبني الغوث بن مرّ بن أد بن طابخة ـ ويقال لهم صوفة (٧) ـ كانوا إذا قضى الناس الحج ، وكان يوم الرّمي ، وقفت صوفة عند الجمرة ، فلا يرمي أحد ولا ينفر إلى مكة قبلهم. وكان الذي أجازهم في هذا العام

__________________

(١) ورد البيت في (ج): «والودّ غرّار علي ولديه غير نجوى كميل" وفيه سقط.

(٢) كميل : كميل بن زياد النخعي. انظر عنه : ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٣١٨.

(٣) أي الحجاج بن يوسف الثقفي.

(٤) في (أ) ، (د) «صار». والاثبات من (ب) ، (ج) وكلاهما صحيح.

(٥) في (ج) «يستفره». وهو خطأ.

(٦) في (ب) ، (ج) وعند العصامي ـ سمط النجوم العوالي ١ / ١٥٩" حسن» ، وكذلك في شفاء الغرام للفاسي ٢ / ١٠٧. وهو خطأ. وعند الأزرقي" حنّ" ١ / ٦٢.

(٧) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ١١٩ ، ١٢٠.

٣٦٠