منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

معارضة بانت سعاد ـ.

يا نبي الهدى إليك لجائي

لآت قريش ولات حين لجاء (١)

حين ضاقت عليهم سعة الأرض

وعاداهم إله السماء

والتقت حلفة البطان (٢) على القوم

ونودوا بالصيلم الضلعاء

إن سعدا يريد قاصمة الظهر

بأهل الحجون والبطحاء (٣)

خزرجي لو يستطيع من الغيظ (٤)

رمانا بالنسر والعواء

وغير (٥) الصدر لا يهمّ بشيء

غير سفك الدما وسبي النساء

قد تلظى على البطاح وحارت

منه هند بالسؤة السؤآء

إذ ينادي بذلّ حيّ قريش

وابن حرب بدا من الشهداء

فلأن أقحم اللواء ونادى (٦)

يا حماة اللواء أهل اللواء

ثم ثابت عليه من بهيم الخز

رج والأوس أنجم الهيجاء

لتكونن بالبطاح قريش

فتية (٧) القاع في أكف الإماء

فاتهبه (٨) فإنه أسد

لدى الغاب والغ في الدماء

__________________

(١) عند ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٢٩٥ ، وابن حجر ـ الاصابة ٢ / ٢١٠ ، وفتح الباري ٨ / ٣٢٠ :

يا نبي الهدى إليك لجأ

حي قريش ولات حين لجاء

 (٢) ذكر ناسخ (ج) أنه في نسخة أخرى «البطحان».

(٣) سقط البيت من (ب) ، (ج). وهو البيت الأخير عند ابن حجر ـ الاصابة ، وفتح الباري.

(٤) في (أ) ، (ب) ، (د) «الغيض». والاثبات من (ج).

(٥) في (ب) «وعن». وهو خطأ. وفي (د) «وغر».

(٦) هذا الشطر في (ج): «فلاذ أقتحم اللواء وأنادي». وفي (د): «فلأن أقحم اللواء وأنادي». وعند ابن كثير : «فلئن اقتحم اللواء وأنادي».

(٧) في (د) «نقعة».

(٨) هكذا في النسخ الأربع. ولعلها" فالتهبه».

٤٨١

إنه (١) مطرق يدير لنا المكر

صموت كالحية الصماء

وذكر الشارح (٢) السابق ذكره : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بأخذ الراية من سعد ، وأعطاها للزبير بن العوام». وهذا مخالف لما تقدم أنه أعطاها عليا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتأمل والله والموفق.

وجمع بين الروايات العلامة القسطلاني في المواهب (٣) ، فراجعه إن شئت.

فقاتل جماعة خالدا ، فقاتلهم حتى أدخلهم المسجد من باب الحزورة.

قال ابن اسحاق (٤) : «وحدثني عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر : أن صفوان بن أمية (٥) وسهيل بن عمرو (٨) جمعوا أناسا بالخندمة (٦) ليقاتلوا. وكان حماش بن خالد [أخو بني](٧) بكر قد أعد سلاحا قبل دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت له امرأته : ما تريد بهذا السلاح؟. فقال : لمحمد وأصحابه. فقالت : والله لا أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء. فقال

__________________

(١) في (ج) «إذ».

(٢) أي دعسين أبو بكر بن أحمد. كما ذكره ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٢٩٥.

(٣) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٧ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٩٩.

(٤) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٧ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٩٩.

(٥) صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ٢ / ١٨٧.

(٨) سهيل بن عمرو القرشي العامري خطيب قريش. ابن حجر ـ الاصابة ٢ / ٩٣. وقد أضاف الطبري لهما «عكرمة بن أبي جهل». تاريخ ٣ / ٢٩٩.

(٦) الخّندمة : جبل بمكة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٣٩٢.

(٧) ما بين حاصرتين زيادة من المصادر والتي ذكرت اسمه «حماس بن قيس بن خالد». ابن هشام ٢ / ٤٠٨ ، الطبري ـ تاريخ ٣ / ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٣٩٣ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٢٩٧.

٤٨٢

لها : إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، وقال :

إن يقبلوا اليوم فمالي علّه

هذا سلاح كامل وإلّه (١)

وذو غرارين (٢) سريع السّلّه

ثم شهد الخندمة مع من شهدها (٣) ، فلما قاتلهم خالد بن الوليد وانهزم المشركون وفيهم حماش ، فجاء حتى دخل بيته ، وقال لامرأته : أغلقي الباب. فقالت له : أين قولك الأول؟! فأنشأ يقول :

إنك لو شهدت يوم الخندمة

إذ فرّ صفوان وفرّ علقمة

وأبو يزيد (٤) قائم كالمؤلمة (٥)

واستقبلتهم بالسيوف المسلمة

يقطعن كل ساعد وجمجمة

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة

[لهم نهيت خلفنا وهمهمة

ضربا فلا تسمع إلا غمغمة](٦)»

ولم يقع قتال بأعلى مكة.

ودخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن معه من أذاخر (٧) ، وذلك يوم الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان من السنة المذكورة ـ كذا قال العليمي في تاريخ

__________________

(١) الإلّه : الحربة ذات السنان الطويل.

(٢) الغرارين : الحدين للسيف. انظر : لسان العرب لابن منظور ٥ / ١٦.

(٣) مع صفوان وسهيل وعكرمة ومن معهم. ابن هشام ٢ / ٤٠٧ ، والطبري ٣ / ٣٠٠.

(٤) في (أ) ، (ب) ، (ج) «بو يزيد». والاثبات من (د) والمصادر الأخرى ويعني به سهيل بن عمرو.

(٥) في المصادر كالمؤتمة أي المرأة الفاقدة زوجها.

(٦) ما بين حاصرتين من المصادر ، ابن هشام والطبري وابن كثير. والشطر الأخير أيضا عند ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٣٩٣ مع اختلاف في الترتيب.

(٧) أذاخر بمكة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ١٢٧.

٤٨٣

القدس (١).

وفي تحفة الكرام بأخبار بلد الله الحرام للفاسي (٢) عن الواقدي (٣) : «قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الجمعة (٤) لعشر ليال بقين من شهر رمضان».

ورأيت في المواهب اللدنية (٥) : «أن فتح مكة كان يوم الاثنين». وعندي فيه وقفة فليتأمل.

وضربت له صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبة بالأبطح (٦) ، ودخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير (٧) رضي‌الله‌عنهما ، ومعه المهاجرون [والأنصار](٨) لا يرى منهم إلا الحدق (٩) لما عليهم من الحديد. فالتفت / أبو سفيان إلى العباس ، وقال له : «لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما». فقال له : «ويحك إنه ليس بملك ، وإنما هي نبوة». وجعل

__________________

(١) مجير الدين الحنبلي ـ الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل ص ٢٠٧ ونصه : «وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان».

(٢) وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٣) الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٢٩.

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) لأحمد بن محمد القسطلاني. وانظر : السيرة الحلبية ٣ / ٨٥ ، وفيها : وكان دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الاثنين. فقد قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد يوم الاثنين ، ووضع الحجر يوم الاثنين ، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ، ونزلت عليه سورة المائدة يوم الاثنين».

(٦) الأبطح : مسيل الماء فيه دقاق الحصى. وهو مكان بين مكة ومنى ، وهو المحصب وخيف بني كنانة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٧٤ ، البلادي ٨ / ٤٣.

(٧) أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي ، النقيب. توفي في خلافة عمر رضي‌الله‌عنهما. انظر : ابن حجر ـ الاصابة ١ / ٤٩.

(٨) زيادة من (د).

(٩) في (ب) ، (ج) «الحدقة».

٤٨٤

يسأل عن كل قبيلة إذا أقبلت ، فيقول له العباس : «هذه بنو فلان» ، فيقول أبو سفيان : «ما لي ولبني فلان».

فنزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيمته (١) بالأبطح.

وأخرج البيهقي (٢) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما قال :

«لما دخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، رأى النساء يلطّمن وجوه الخيل بالخمر ، فتبسم أبو بكر رضي‌الله‌عنه ، فقال : يا أبا بكر كيف قال حسان؟! فأنشده أبو بكر قول حسان بن ثابت (٣) رضي‌الله‌عنهما (٤) :

عدمت بنيّ إن لم تروها (٥)

تثير النقع موعدها كداء (٦)

ينازعن الأعنّة مسرجات (٧)

يلطمهن بالخمر النساء

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (ج).

(٢) أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، أبو بكر. توفي سنة ٤٨٥ ه‍ ـ دلائل النبوة ـ. وانظر الخبر في الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٢٥.

(٣) في قصيدة مدح بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل فتح مكة وهجا فيها أبا سفيان وكان قد هجا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل اسلامه ، ومطلعها :

عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء

شرح ديوان حسان / شرحه محمد عزت نصر الله. دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

(٤) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٢٤ ، الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٢٥ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣١١ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٤٢.

(٥) في (د) «تردها». وعند ابن هشام وابن كثير وفي ديوان حسان جاء الشطر : «عدمنا خيلنا إن لم تروها». انظر : شرح ديوان حسان ص ١٢.

(٦) كداء : بأعلى مكة عند المحصب. في حين كدي بأسفل مكة عند ذي طوى. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٤٣٩.

(٧) عند ابن هشام وابن كثير وديوان حسان : «مصغيات». والبيت في شرح ديوان حسان ص ١٢ : ـ

يبارين الأعنة مصعدات

على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهن بالخمر النساء

٤٨٥

فقال : ادخلوها حيث يقول حسان» ـ ذكره الحافظ بن حجر في شرح البخاري (١).

فلما اطمأن الناس خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ناقته ، حتى أتى البيت ، فطاف سبعا على راحلته ، يستلم الحجر كلما مرّ عليه بمحجن (٢) في يده. وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مثبتة بالرصاص ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوميء إليها بالمحجن ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(٣) ، فما يوميء إلى صنم إلّا وقع على جبهته ، وأمر بكسر هبل ، فكسر وهو واقف عليه ، وجمعت فأحرقت. وفي ذلك يقول فضالة بن عمير بن الملوح [الليثي](٤) :

لو ما رأيت محمدا وجنوده (٥)

بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت نور الله أصبح بيننا (٦)

والشرك يغشى وجهه الإظلام

وقيل : لما كسرت نائلة خرجت منها امرأة سوداء شمطاء ، ثائرة

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٣٢٢.

(٢) المحجن : كالصولجان عصا معقفة الرأس. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١٣ / ١٠٨.

(٣) سورة الاسراء الآية ٨١. وفي صحيح البخاري : «جاء الحق وزهق الباطل ، جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد» ـ ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٢٩. وانظر : صحيح مسلم ٢ / ٩٥ ، ٩٦.

(٤) ما بين حاصرتين إضافة من ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٧.

(٥) جاءت الكلمة في ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٠٧ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٧٦ ، ابن كثير ـ البداية ٤ / ٣٠٨ «وخيله».

(٦) جاء الشطر كله في المصادر السابقة : «لرأيت دين الله أصبح بيّنا».

٤٨٦

الشعر تضرب وجهها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«تلك نائلة أيست أن تعبد ببلادكم أبدا» (١).

فقال الزبير بن العوام يوم الفتح لأبي سفيان : «كسر هبل ، أما أنك كنت منه يوم أحد في غرور» (٢). فقال له : «دع عنك هذا يا ابن العوام ، لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان!».

وما أحسن قول العلامة الشقراطيسي المغربي (٣) حيث يقول فيما يتعلق بهذا اليوم من قصيدة لامية / :

ويوم مكة إذّ أشرفت في أمم

تضيق عنها فجاج (الوعث والجبل) (٤)

خوافق ضاق ذرع الخافقين بها

في قاتم من عجاج الخيل والإبل

وجحفل قذف الأرجاء ذي لجب

عرمرم كزهاء الليل منسجل

وأنت صلى عليك الله تقدمهم

في بهو اشراق نور منك مكتمل

تنير فوق أغرّ الوجه منتجب

متوج بعزيز النصر مقتبل

تسمو أمام جنود الله مرتديا

ثوب الوقار لأمر الله ممتثل

خشعت تحت بهاء العزّ حين

سمت بك المهابة فعل الخاضع الوجل

__________________

(١) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٧٧ ، ابن كثير ـ البداية ٤ / ٣٠٢.

(٢) إشارة الى قول أبي سفيان : «أعل هبل» يوم أحد. وانظر هذه المحاورة في : المقريزي ـ امتاع الأسماع ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

(٣) في (د) «الشقراطيي». وهو خطأ. وهو أبو محمد الشقراطيسي المغربي يحيى بن علي بن زكريا. والشقراطيسي نسبة إلى شقراطس ـ حصن بقرب قفصة في جنوب تونس. فقيه مالكي وله نظم. له مجموعة من الأسئلة الفقهية ، وأرجوزة مناسك الحج وغيرهما. توفي سنة ٤٢٩ ه‍. انظر : الزركلي ـ الاعلام ٨ / ١٥٧.

(٤) في (أ) «الوعت والسهل». وفي (د) «الوعر والسهل». وأشار ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى" الوعر والسهل». والاثبات من (ب) ، (ج). والوعت : المكان السهل الكثير الدهس. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢٠١.

٤٨٧

وقد تباشر أملاك السماء بما

ملكت إذ نلت منه غاية الأمل

والأرض ترجف من زهو ومن فرح (١)

والجو يزهر إشراقا من الجذل

والخيل تختال زهوا في أعنّتها

والعيس (٢) تنثال زهوا من ثني (٣) الجدل

لو لا الذي خطت الأقلام من قدر (٤)

وسابق من قضاء غير ذي ذحل (٥)

أهلّ ثهلان (٦) بالتهليل من طرب

وذاب يذبل (٧) تهليلا من الذبل

الملك لله هذا عزّ (٨) من عقدت

له النبوة فوق العرش في الأزل (٩)

شعبت صدع قريش بعد ما قذفت

بهم شعوب شعاب السهل والقلل

قالوا محمد قد زادت كتائبه

كالأسد تزداد في أنيابها العضل

فويل مكة من آثار وطئته

وويل أم قريش من جوى هبل

فجدت عفوا بفضل العزّ منك ولم

تلمم ولا بأليم اللوم والعذل

أضربت بالصفح صفحا عن غوايتهم

طولا أطال مقيل النوم في المقل

رحمت واشج أرحام أتيح لها

تحت الوشيح نسيج الدرع والوحل

عاذوا بظلّ كريم العفو ذي لطف

مبارك الوجه بالتوفيق مشتمل

أزكى الخليقة أخلاقا وأطهرها

وأكرم الناس صفحا عن ذوي زلل

__________________

(١) في (أ) ، (د) «فرق». والاثبات من (ب) ، (ج) وهو الأصوب في السياق.

(٢) العيس : أي الابل.

(٣) في (أ) «قضى». وفي (د) «مضى». والاثبات من (ب) ، (ج). كما أشار ناسخ (ب) أن في نسخة أخرى «فضى».

(٤) في (د) «قدم». وأشار ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «قدم».

(٥) كلمة ذحل جاءت في (أ) ، (د) «حيل». والاثبات من (ب) ، (ج). وأشار ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «حول».

(٦) ثهلان : جبل بنجد. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٨٨.

(٧) يذبل : جبل مشهور بنجد. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٤٣٣.

(٨) في (ج) «أعز».

(٩) في (د) «من أزل».

٤٨٨

فطفت بالبيت محبورا وطاف به

من كان عنه قبيل الفتح في شغل

وفي هذا القدر كفاية.

قال ابن اسحاق (١) : «وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين غير قريش : من بني سليم سبع مائة (٢) ، ويقول بعضهم ألف (٣) ، ومن بني غفار (٤) أربع مائة (٥) ، ومن أسلم أربع مائة (٦) ، ومن مزينة ألف وثلاثة ، والبقية (٧) من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد».

[قصة فضالة الليثي]

قال ابن هشام (٨) : «ان فضالة الليثي أراد قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يطوف يوم الفتح ، فلما دنا منه قال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أفضالة؟!. قال : نعم.

قال : ماذا كانت تحدثك به نفسك؟!. قال : لا شيء ، أذكر الله.

فضحك صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال له : استغفر الله. ثم وضع يده الشريفة على صدره ،

__________________

(١) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٢١ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٧٦ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣٠٨.

(٢) في النسخ (أ) ، (ب) ، (ج) «سبعة الآف». وهو خطأ. والاثبات من (د) والمصادر السابقة.

(٣) في النسخ (أ) ، (ب) ، (ج) «عشرة الآف». وهو خطأ. والاثبات من (د) والمصادر السابقة.

(٤) في (د) «عمارة».

(٥) في النسخ الثلاث «أربعة الآف». والاثبات من (د) والمصادر.

(٦) في النسخ الثلاث «أربعة». والاثبات من (د) والمصادر.

(٧) أي بقية العشرة الآف وهم جميع من شهد فتح مكة المكرمة من المسلمين. انظر : المصادر السابقة.

(٨) السيرة ٢ / ٤١٧ ، وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ١٥٩.

٤٨٩

فسكن قلبه. قال فضالة : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا (١) أحبّ إليّ منه ، فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها (٢) ، فقالت : هلمّ إلى الحديث. فقال : لا. وأنشد يقول :

قالت هلم إلى الحديث فقلت لا

يأبى عليّ الله والإسلام"

[صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكعبة]

ثم لما فرغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طوافه قال : «يا عثمان [ابن طلحة](٣) ، ائتني بالمفتاح» ، فأتاه به (٤) ، ففتح الكعبة بيده. ودخل صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان ، وأغلق عثمان الباب (٥).

قال عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما (٦) : «فسألت بلالا حين خرج : ماذا صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟. فقال : جعل عمودا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه ـ وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ـ ثم صلى».

وعن الأزرقي (٧) : «أن أمير المؤمنين معاوية رضي‌الله‌عنه ، لما دخل الكعبة ، استدعى إليه ابن عمر رضي‌الله‌عنهما ، وقال له : أين صلى رسول الله

__________________

(١) سقطت من (د).

(٢) سقطت من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من (د).

(٤) سقطت من (ج).

(٥) انظر : الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٣٣ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٦٦ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٢٦.

(٦) انظر : الامام أحمد ـ المسند ٦ / ١٨ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٨٦.

(٧) في أخبار مكة ١ / ١٨٧ ، وانظر : مسند الامام أحمد ٦ / ١٧ ، ٢٠ ، وصحيح البخاري باب اغلاق البيت ويصلى في أي نواحي البيت شاء ـ فتح الباري ٤ / ٢٦١ ـ ٢٦٦.

٤٩٠

صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام دخلها؟. قال : بين العمودين المقدمين ، اجعل بينك وبين الجدارين ذراعين أو ثلاثة».

وأما قدر الصلاة :

ففي مسند الإمام أحمد (١) رحمه‌الله : أنها ركعتان». وقال آخرون إنه لم يصلّ فيها (٢) ، وإنما قام عند كل سارية ودعى؟؟؟.

وقد أجمع أهل الحديث على ترجيح (٣) رواية المثبتين لصلاته فيها. وقد أطال الفاسي (٤) في هذا المعنى ـ فراجعه إن شئت.

قال العلامة / ابن جماعة (٥) بعد إيراد الاختلاف : «وروى أحمد (٦) قال : حدثنا هشيم ، قال أخبرنا عبد الملك عن عطاء قال ، قال أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنه : دخلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيت ، فجلس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وكبر وهلل ، وخرج ولم يصلّ. ثم دخلت معه في اليوم الثاني ، فقام ودعا ، ثم صلى ركعتين ، ثم خرج فصلى ركعتين خارجا من البيت مستقبلا وجه الكعبة ، ثم انصرف ، وقال : هذه القبلة وهذه القبلة ـ الأولى بالضم ، والثانية بالكسر.

وكذلك رواه أحمد بن منبه في مسنده ، والدارقطني وغيرهم. وهو كاف شاف في الجمع بين الأحاديث ، نحمد الله سبحانه وتعالى على التوفيق للجمع به ، فإن ذلك من أجلّ الفوائد فإنّ بعض كبار العلماء

__________________

(١) مسند الامام أحمد ٦ / ١٨ ، ١٩ ، ٢٠.

(٢) كما في حديث أسامة.

(٣) في (ج) ، (د) «تقديم».

(٤) في العقد الثمين ١ / ٦٢ ، وانظر : ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٣١.

(٥) عز الدين بن جماعة.

(٦) انظر : الامام أحمد ـ المسند ٥ / ٢٥٦ ، ٢٦٤ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧.

٤٩١

قال : «يحتمل أن أسامة غاب عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد دخوله لحاجة ، فلم يشهد (١) صلاته».

وقال النووي (٢) رحمه‌الله : الأخذ برواية بلال أولى ، لأنه مثبت فيقدم على النافي (٣). فإن بلالا كان قريبا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين صلى ، وكان أسامة متباعدا مشتغلا بالدعاء ، والباب مغلق ، فلم ير الصلاة. فوجب الأخذ برواية بلال لأنه معه زيادة علم. وذكر نحوه في شرح مسلم (٤).

وفي كلامه : الجزم بأن بلالا كان قريبا وأسامة متباعدا ، وهذا يحتاج إلى نقل ، ولم أقف ، ولا ضرورة تدعو إليه ـ والله أعلم». انتهى (٥).

[عدة دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة]

قال الفاسي (٦) : «وأما عدة دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الهجرة ، فالمتحصل لنا من الأحاديث أنه دخلها أربع مرات ، هذا الدخول يوم الفتح أولها ،

__________________

(١) في (ج) «ير».

(٢) الامام يحيى النووي.

(٣) في (د) «الثاني».

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي.

(٥) أي قول ابن جماعة. وقال الفاسي عن صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكعبة يوم فتح مكة :

من الصحابة بلال وشيبة بن عثمان الحجبي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ـ ولا يصح عنه ـ وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن صفوان ، وعثمان بن طلحة الحجبي ، وعمر بن الخطاب ، وأبو هريرة واسناده فيه ضعف. وعائشة رضي‌الله‌عنهم. العقد الثمين ١ / ٦٢. وانظر بتفصيل أكثر : شفاء الغرام ١ / ٢٢٩.

(٦) العقد الثمين ١ / ٦٣ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥١. وقد جاء نقل الناسخ في نسخة (د) مضطربا جدا.

٤٩٢

ودخلها الثاني (١) من يوم الفتح ، وفي حجة الوداع ، وفي عمرة القضاء (٢)».

قال القاضي محمد بن جار الله بن ظهيرة في جامعه (٣) بعد ذكر الثلاثة الأخيرة : «الأحاديث ضعفها العلماء ، وبيّن الفاسي (٤) ما فيها».

[فضل دخول الكعبة]

وأما الكلام على دخولها (٥) :

فعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من دخل البيت فصلى فيه ، دخل في حسنة ، وخرج من سيئته مغفورا له».

وفي لفظ : «من دخل البيت خرج مغفورا له».

رواه ابن عباس رضي‌الله‌عنهما (٦). وروى الفاكهي (٧) نحوه من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنه.

(وروى الفاكهي (٨) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما أيضا

__________________

(١) سقطت من (ب).

(٢) في (أ) ، (ب) «القضية». وفي (د) «العقبة». والاثبات من (ج).

(٣) أي الجامع اللطيف ص ٦٣.

(٤) العقد الثمين ١ / ٦٢ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٥١.

(٥) انظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٥.

(٦) وعلق الدهلوي ناسخ (ج) في الحاشية بقوله : «رواهما الطبراني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما" ـ انتهى.

(٧) لم أجد ذلك في الجزء المطبوع. وانظر في ذلك : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٦٥ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٥٥ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٤.

(٨) لم أجد ذلك في الجزء المطبوع. وانظر في ذلك : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٦٥ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٥٥ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٤.

٤٩٣

) (١) : «من دخله ـ يعني البيت ـ فصلى فيه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وقد / اتفق الأئمة الأربعة على استحباب دخولها. (واستحسن الإمام مالك كثرة دخولها ، وقد) (٢) وردت أخبار يفهم منها عدم استحباب الدخول ، ذكر منها المحب الطبري في القرى (٣) جملة ، وأجاب عنها ، فلا نطيل بذكرها.

[آداب دخول الكعبة الشريفة]

وأما آداب دخولها :

فالإغتسال ، ونزع الخف والنعل ، وأن لا يرفع بصره إلى السقف ، وأن لا يزاحم زحاما يتأذى به هو أو غيره.

ومنها : أن لا يكلم أحدا في جوفها إلا لضرورة ، أو أمر بمعروف أو نهي (٤) عن منكر. وأن يلزم قلبه الخشوع وعينيه (٥) الدموع ان استطاع. وأن لا يسأل فيها مخلوقا.

وحكم النساء في دخول الكعبة حكم الرجال.

[حكم الصلاة في الكعبة]

وأما حكم الصلاة فيها وجواز الفرض فيها والاختلاف فيه : ففي

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من النسخة (د).

(٢) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج). وجاء متقدما في (د) على ما سبقه.

(٣) وانظر : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٦٥ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٦٤.

(٤) في (ب) ، (د) «ونهي».

(٥) في (ب) ، (ج) «وعينه».

٤٩٤

كتب الفقه (١).

[فضل الطواف بالكعبة]

وأما فضل الطواف بالكعبة :

فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من طاف بهذا البيت سبعا يحصيه ، كتبت (٢) له بكل خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة ، وكان له عدل رقبة». ـ أخرجه الترمذي وحسنه (٣). ـ ومعنى يحصيه ، يتحفظ به لئلا يغلط ـ.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طاف بالبيت خمسين مرة ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». ـ أخرجه الترمذي ـ وقال : حديث غريب (٤). والمراد بالخمسين مرة : خمسون أسبوعا ، ورد مصرحا به في حديث لابن عباس رضي‌الله‌عنهما [مرفوعا في معجم الطبراني (٥) ، وساقه عنه المحب الطبري (٦) بسنده ، ثم قال : «وليس المراد أنها متوالية](٧). قال المحب الطبري : «وليس المراد أنها متوالية في آن واحد ، وإنما المراد أن توجد في صحيفة حسناته ولو في عمره كله» ـ انتهى ـ.

وأما الطواف في المطر :

__________________

(١) وانظر في ذلك : الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ٦٦ ، وشفاء الغرام ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٧.

(٢) في (ب) «كتب».

(٣) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٣.

(٤) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٤.

(٥) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٤.

(٦) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٤.

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٩٥

فقد روي عن أبي عقال (١) قال : «طفت مع أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه في يوم مطير ، فقال أنس : طفت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يوم مطير ، فقال : استأنفوا العمل ، فقد كفيتم ما مضى». ـ أخرجه ابن ماجه (٢) وإسناده واه جدا ، لمكان أبي عقال ـ قاله الفاسي (٣) ـ.

وأما الطواف في الحر :

فقد ذكر القاضي (٤) في جامعه قال :

«روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : من طاف حول البيت أسبوعا في يوم شديد الحرّ ، واستلم الحجر [كلما مر به](٥) في كل طواف ، من غير أن يؤذي أحدا ، وأقلّ (٦) كلامه إلا بذكر الله تعالى ، كان له بكل قدم يرفعها ويضعها سبعون ألف حسنة ، ويمحى عنه سبعون ألف سيئة ، ويرفع له سبعون ألف درجة».

وفي رواية عن / ابن عباس بعد قوله «شديد الحر» : «وحسر عن رأسه ، وقارب خطاه ، وأقلّ من التفاته ، وغضّ بصره». ثم ذكر بقية الحديث ، وزاد : «ويعتق عنه سبعون (٧) رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة الآف

__________________

(١) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٦. وأبو عقال : هو هلال بن زيد كما ذكر الفاسي.

(٢) ابن ماجه ـ السنن ٢ / ١٠٤١.

(٣) في شفاء الغرام ١ / ٢٨٦.

(٤) ابن ظهيرة في كتابه الجامع اللطيف ص ٧٩. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٨٥.

(٥) ما بين حاصرتين زيادة من (ب) ، (ج).

(٦) في (ب) ، (ج) «وقلّ».

(٧) في (أ) ، (ب) ، (د) «سبعين». والاثبات من (ج).

٤٩٦

درهم ، ويعطيه الله سبعين شفاعة في أهل بيته من المسلمين».

والكلام في فضل الطواف والطائفين (١) كثير ، ومن أراد الوقوف على اللطائف بذلك ، فليراجع الجامع اللطيف للقاضي المذكور (٢) ، أو بعض تواريخ الفاسي (٣). وفي هذا القدر كفاية ههنا والله أعلم.

نرجع إلى ذكر يوم الفتح :

[طمس الصور في الكعبة]

ووجد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جوف الكعبة حمامة (٤) من عيدان ، فكسرها بيده ، ثم طرحها. وقيل أنه وجد فيه صور الملائكة وغيرها ، ورأى إبراهيم في يده الأزلام ، فأمر بتلك الصور كلها فطمست (٥). وروي أنه أمر بذلك قبل دخوله (٦) ، ثم دخل.

[أذان بلال على سطح الكعبة]

ثم أمر بلالا أن يؤذن على سطح الكعبة (٧) ، وكان أبو سفيان بن حرب ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، جلوسا بفناء الكعبة ،

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «والطائف».

(٢) أي القاضي محمد بن ظهيرة في كتابه الجامع اللطيف ص ٧٦ ـ ٨٥.

(٣) مثل : العقد الثمين ١ / ٦٩ ـ ٧٠ ، شفاء الغرام ١ / ٢٨٣ ـ ٢٩٥.

(٤) في (أ) ، (د) «جماعة». والاثبات من (ب) ، (ج) والمصادر مثل : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤١١ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١١٣ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣٠٠.

(٥) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤١٣ ، الأزرقي ١ / ١١١ ، البداية والنهاية ٤ / ٣٠٢.

(٦) انظر : صحيح البخاري ٥ / ١٨٨.

(٧) انظر : ابن هشام ٢ / ٤١٣ ، الواقدي ـ المغازي ٢ / ٨٤٦ ، المقريزي ـ امتاع الأسماع ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١. ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣٠٣.

٤٩٧

فقال عتاب بن أسيد : «لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه (١) ما يغيظه (٢)». فقال الحارث بن هشام : «أما والله [لو أعلم أنه محق لا تبعته](٣). وقال أبو سفيان : «لا أقول شيئا ، لو تكلمت أخبرت عني هذه الحصا (٤)».

فلما خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : «لقد علمت (٥) الذي قلتم». ثم ذكر ذلك لهم. فقال الحارث وعتاب : «نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك».

[غسل الكعبة]

ثم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بغسل الكعبة ، فتجرد المسلمون في الأزر ، وأخذوا الدلاء ، وارتجزوا على زمزم ، وغسلوا الكعبة ـ ظاهرها وباطنها ـ فلم يدعوا أثرا من آثار (٦) المشركين إلا غسلوه.

وفي هذا دليل في الجملة لما يفعله بنو شيبة من غسل باطن الكعبة في كل عام.

[خطبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بباب الكعبة]

ولما فرغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شأن الكعبة ، وقف بباب الكعبة ، وقد

__________________

(١) في (أ) ، (ج) «فليسمع». والاثبات من (ب) ، (د).

(٢) في (ب) ، (د) «يغيضه».

(٣) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج) ولعله في أحد حواشي (أ) المطموسة.

(٤) في (ج) «العصا». وهذا مخالف لما في المصادر.

(٥) في (ج) «علمتم». وهو مخالف لما في النسخ الأخرى والمصادر.

(٦) في (ب) «أثر». وفي (د) «أثر المشركون».

٤٩٨

استكف (١) له الناس ، فخطب خطبته المشهورة وهي (٢) :

«لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدّعى به ، فهو تحت قدميّ هاتين ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ـ ألا وقتيل الخطأ شبه العمد / : السوط والعصا ففيه الدية مغلظة ـ مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها.

يا معشر قريش : إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظيمها (٣) بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب». ثم تلا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٤) ـ الآية كلها ـ.

ثم قال : «يا معشر قريش ، ما ترون أنّي فاعل فيكم؟!».

قالوا : «خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم».

قال : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

[مفتاح الكعبة]

ثم جلس صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

«يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك».

__________________

(١) في (د) «استكفى».

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤١٢ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣. وانظر : مسند الامام أحمد ٣ / ٤١٠ ، وسنن أبي داود ٢ / ٤٩٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ٤٠٩ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣٠٠ ـ ٣٠١.

(٣) عند ابن هشام «وتعظّمها» وهو الأصح. السيرة ٢ / ٤١٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٣٠٢.

(٤) سورة الحجرات الآية ١٣.

٤٩٩

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين عثمان بن طلحة؟!». فدعي له ، فقال : «هاك مفتاحك يا عثمان ، إن اليوم يوم برّ ووفاء. خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة [إلى يوم القيامة](١) ، لا ينزعها منكم إلا ظالم».

وقد تقدم الكلام في هذا عند ذكر السدانة (٢).

قال العلامة ابن حجر (٣) في كتابه أسنى المطالب : «ان هذه الخطبة كانت يوم ثاني الفتح» ـ انتهى والله أعلم.

وفي هذا اليوم ـ أعني يوم الفتح ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«كفّوا عن السلاح إلّا خزاعة عن بني بكر» ، فإنه أذن لهم إلى صلاة العصر ، ثم أمرهم بالكف. فقتلت خزاعة رجلا ثاني يوم الفتح فوداه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

[مدة إقامته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة]

ثم أقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة خمس عشرة ليلة (٥) ، وفي رواية تسع عشرة

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (د).

(٢) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤١٢ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٨٤ ، ابن حجر ـ فتح الباري ٨ / ٣٣٢.

(٣) أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المكي. توفي سنة ٩٧٤ ه‍ وكتابه : أسنى المطالب في صلة الأرحام والأقارب. انظر : محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤١٤ ـ ٤١٦ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٣٠٤.

(٥) ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٣٧ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٣١١ ، ٣١٢. وانظر بشأن الاختلاف في مدة اقامته : ابن كثير ـ البداية والنهاية ٤ / ٣١٦ ـ ٣١٧ ،

٥٠٠