منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

لطيفة :

قال السهيلي (١) : «وفي تفجيره إياها بالعقب إشارة إلى أنها (لعقبه من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (٢) كما قال : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(٣) ـ أي في أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

أقول : وفي ربيع الأبرار للزمخشري (٤) :

«زمزم هزمة جبريل ، أنبعها مرتين ، مرة لآدم عليه‌السلام ، فلم تزل كذلك حتى انقطعت زمن (٥) الطوفان. ومرة لإسماعيل عليه‌السلام». ـ انتهى ـ.

وهذه فائدة لم أرها لغيره ، والله الموفق.

[جرهم والعماليق ونزولهم مكة]

قال التقي الفاسي (٦) : «(واتفق أن حيا مر بسيارة) (٧) من جرهم ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ ، فرأوا طيرا تحوم على أبي قبيس فقالوا : انه ليحوم على ماء ، ولا نعهد هاهنا ماء ، فتبعوه ، فرأوا هاجر وابنها ، فقالوا لها : أتأذني لنا ، ننزل نؤنسك ، ونشرب من مائك

__________________

(١) الروض الأنف.

(٢) ما بين قوسين في (أ) ، (د) «وراثة وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم». والاثبات من (ب) ، (ج).

(٣) سورة الزخرف الآية ٢٨.

(٤) ربيع الأبرار ونصوص الأخبار.

(٥) في (ب) ، (ج) «زمان».

(٦) شفاء الغرام ٢ / ٧ ، ١ / ٣٩٧.

(٧) ما بين قوسين في (أ) ، (د) «واتفقت أن مرت سيارة» والعبارة مضطربة في (ب) والاثبات من (ج).

٢٨١

هذا!. فأذنت لهم فنزلوا عندها ، فهم أول من سكن مكة بعد هاجر».

وذكر المسعودي (١) بعد قصة إسماعيل وهاجر ما نصه :

«وأقحطت (الشحر واليمن) (٢) ، فتفرقت العماليق وجرهم ومن هنالك ـ يعني (٣) اليمن من عاد ـ فنحت (٤) العماليق نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى الخصب وعليهم (السميدع بن هوثر ابن لالي بن قيطور بن كركر بن حيدان)» (٥).

والعماليق هم بنو عمليق بن لاوذ [بن إرم](٦) بن سام بن نوح.

وفي القاموس (٧) : «والعمالقة قوم تفرقوا في البلاد من ولد عمليق ـ كقنديل وقرطاس ـ ابن لاوذ بن إرم بن سام» ابن نوح.

ثم قال (٨) بعد ذكر نزولهم مكة : «وتسامعت جرهم ببني كركر ، ونزولهم مكة ، فبادروا نحو مكة وعليهم الحارث بن مضاض بن عمرو ابن سعد بن الرقيب بن ظالم بن حبى (نبت ابن جرهم) (٩)».

__________________

(١) في مروج الذهب ٢ / ٤٦.

(٢) ما بين قوسين وردت في جميع النسخ «الشجر والتمر». وما أثبتناه هو الصحيح بدليل ما يتبعه.

(٣) غير مقروءة في (ج).

(٤) في (ج) «فنجت» وهو تصحيف. وفي مروج الذهب «فيممت» ٢ / ٤٦.

(٥) ما بين قوسين في (ج) «سميدع بن هوشر بن لالي بن قيطورا بن كوكو بن خيدان». وفي مروج الذهب «السميدع بن هوير بن لاوي ....» ١ / ٤٦.

(٦) ما بين حاصرتين زيادة من (ج).

(٧) القاموس المحيط للفيروز آبادي ٣ / ٢٧٨. وانظر : لسان العرب ١٠ / ٢٧١.

(٨) أي المسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر ٢ / ٤٧.

(٩) ما بين قوسين في (ج) «بن». وهو خطأ. وفي (د) «حيي بن نبت بن جرهم» وانظر مروج الذهب ٢ / ٤٧ ، وفيه «هينى» بدلا من «حبى».

٢٨٢

ويقال : أن جرهم (ابن ملك من الملائكة) (١) ـ ذكره الفاسي (٢).

واستوطن جرهم الواد (٣) مع إسماعيل ومن تقدم من العماليق. وتزوج إسماعيل زوجته الثانية وهي / سامة بنت مهلهل بن سعد بن / ٣٤ عوف بن سني (٤) ابن نبت بن جرهم» ـ انتهى أي كلامه ملخصا (٥).

[هلاك العماليق]

ويقال : أنه نزل مكة قبل العماليق وجرهم المحض بن جندل وبنوه (٦) وكانوا متفرقين في البلاد.

فمنهم المسمى بأبجد (٧) وهوز ، وحطي ، إلى آخر احرف الجمل (٨).

(وكان أبجد ملك) (٩) مكة.

__________________

(١) نقل المؤلف القول بأن جرهم بن ملك من الملائكة ، عن الفاسي بشفاء الغرام يخرج من باب استيعاب ماورد بالموضوع والحق أن جمهور علماء الأمة أجمعوا على أن الملائكة أجسام نورانية (أو لطائف ربانية) علوية حية لها القدرة على التشكل بالأشكال الحسنة ولا تأكل ولا تشرب ولا تتناسل ولا توصف بالذكورة أو الأنوثة جبلت على طاعة الله طوعا لا كرها. وقد نسب الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية جرهما ٢ / ٢٠٢ فقال جرهم بن قحطان بن عمير بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح ـ ص ـ.

(٢) في شفاء الغرام ١ / ٥٧٣.

(٣) في (ب) ، (د) «الدار».

(٤) في (ج) «نسي». وفي مروج الذهب «هينى بن نبت».

(٥) أي كلام المسعودي في مروجه وجميع ذلك نقله الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٥٧٣.

(٦) انظر الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ١٢٩ ، وشفاء الغرام ١ / ٥٦٣ عن المسعودي في مروج الذهب.

(٧) في (ب) «بأباجاد».

(٨) أحرف الجمّل هي : أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ. وقيمتها الحروف كالتالي : أ١ ، ب ٢ ، ج ٣ ، د ٤ ، ه ٥ ، و ٦ ، ز ٧ ، ح ٨ ، ط ٩ ، ي ١٠ ، ك ٢٠ ، ل ٣٠ ، م ٤٠ ، ن ٥٠ ، س ٦٠ ، ع ٧٠ ، ف ٨٠ ، ص ٩٠ ، ق ١٠٠ ، ر ٢٠٠ ، ش ٣٠٠ ، ت ٤٠٠ ، ث ٥٠٠ ، خ ٦٠٠ ، ذ ٧٠٠ ، ض ٨٠٠ ، ظ ٩٠٠ ، غ ١٠٠٠.

(٩) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «وكانت أبجد ملكة مكة».

٢٨٣

(وأما ولاية) (١) طسم لمكة فهم آخر العماليق. فأهلكهم الله تعالى لما استخفوا بالحرم (الشريف وانتهكوا حرمته ، فقام فيهم رجل يقال له عمروق ، فقال : يا قوم ، ابقوا على أنفسكم ولا تغفلوا) (٢) ، ولا تستخفوا بحرم الله تعالى. فلم يقبلوا ذلك وتمادوا ، فنفتهم جرهم من الحرم كله ، فكانوا في أطراف الحرم ، فقال لهم صاحبهم عمروق (٣) : ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة الحرم ، فغلبتموني؟!.

ومن شعر القدماء في العمالقة لما أهلكهم الله لما استخفوا بحقوق الله تعالى :

مضى آل عملاق فلم يبق منهم

خطير ولا ذو قوة متشامس

عتوا فأراح الله منهم وحكمه

على الناس ، هذا وعده ، وهو سايس

وروى الفاكهي (٤) بسنده إلى عروة بن الزبير أنه قال :

«لقد بلغني أن العماليق كانت تسرح لها في الغداة الواحدة ألفا ناضح بين أحمر وجون (٥)».

وفي تاريخ الأزرقي (٦) عن خيثم قال :

«كان بمكة حي يقال لهم العماليق ، فأحدثوا فيها أحداثا ، فجعل

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «وإمارة».

(٢) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) واثباته من (أ) ، (د).

(٣) في (ب) «عموق». وذكر ناسخ (ج) أنه في نسخة أخرى «عموق».

(٤) أخبار مكة ٥ / ١٣٨ (في الملحق).

(٥) جون : الجون من الابل والخيل الأدهم. انظر : الفيروز آبادي ـ القاموس المحيط ٤ / ٢١٣.

(٦) في أخبار مكة ١ / ٥٠ ـ ٥١.

٢٨٤

الله يقودهم بالغيث ويسوقهم بالسنة (١) ، يضع الغيث أمامهم (فيذهبون ليرخوا) (٢) فلا يجدون شيئا ، حتى ألحقهم الله بمساقط رؤوس آبائهم ـ وكانوا من حمير ـ ثم بعث الله عليهم الطوفان.

قال الزنجي (٣) : فقلت لابن خيثم : ما الطوفان؟!. قال : الموت». ـ انتهى ـ.

[وفاة هاجر وزواج إسماعيل]

ثم إن هاجر توفيت ولها تسعون سنة ، فدفنوها في الحجر (٤) ، وكان عمر إسماعيل عشرون سنة لما توفيت أمه فتزوج امرأة من جرهم.

قال ابن الضياء (٥) : «واسم امرأته التي تزوجها (٦) ، قيل عمارة بنت

__________________

(١) أي بالقحط.

(٢) ما بين قوسين غير مقروء في (ج). وعند الأزرقي «ليرجعوا» ١ / ٥٠. ويرخوا : من الرخاء.

(٣) الزنجي ـ أبو خالد ـ الأزرقي ١ / ٥٠. وهو مسلم بن خالد بن مسلم بن سعيد القرشي المخزومي ـ مولاهم ـ تابعي من كبار الفقهاء ، أصله من الشام وإمام أهل مكة. وهو الذي أذن للشافعي بالافتاء ، توفي سنة ١٧٩ ه‍. انظر : طبقات الفقهاء ٤٨ ، الزركلي ـ الاعلام ٧ / ٢٢٢.

(٤) انظر : ابن قتيبة ـ المعارف ١٧ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ١ / ٣١٤ ، ابن عبد الحكم ـ فتوح مصر وأخبارها ٦ ، القضاعي ـ تاريخ ٩٦.

(٥) ابن الضياء : محمد بن أحمد بن الضياء القرشي العمري المكي بهاء الدين أبو البقاء ، فقيه حنفي ، صاغاني الأصل ، ولد وتوفي بمكة وولي قضائها. توفي سنة ٨٥٤ ه‍. وأخباره عن مكة في مصنفه : في البحر العميق ، وتنزيه المسجد الحرام عن بدع جهلة العوام ، وتاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف. انظر : الضوء اللامع للسخاوي ٧ / ٨٤ ، الزركلي ـ الاعلام ٥ / ٣٣٢ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ١٣٠ ـ ١٣٣. وقد وجدت أن ابن الضياء قال : «فلما بلغ أنكحوه جارية منهم ... فأنكحوه إمرأة أخرى اسمها أمامة بنت مهلهل ، وقيل عاتكة». تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة المنورة والقبر الشريف ص ٤٢.

(٦) في (ب) «تزوج بها».

٢٨٥

سعيد بن أسامة (١). وقيل حدّا بنت سعد. وقيل إن امرأته الأولى من العماليق». وتقدم ذلك عن المسعودي (٢) ـ والله أعلم ـ.

[لسان إسماعيل]

وتكلم إسماعيل بلغتهم (٣) فيقال لبنيه العرب المستعربة ، ولبني جرهم العرب العرباء ، وكان لسان إبراهيم عليه‌السلام عبرانيا.

وفي كون إسماعيل أول من / تكلم بالعربية (٤) اختلاف طويل.

فائدة :

فإن قلت قد صح أن لسان إبراهيم كان عبرانيا ولسان إسماعيل كان عربيا ، فكيف أمكن التفاهم في خطابيهما (بما كان) (٥)؟!.

قلت : ذكر بعض شراح المشكاة في حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : «كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول : أعوذكما (٦) بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ـ إلى أن قال : ان أباكما ـ يعني إبراهيم ـ كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق».

قال الشارح : أي بفحواها ومرادفها (٧) لا بهذه الصيغة العربية ، فإنه

__________________

(١) في شفاء الغرام للفاسي «شامة» ٢ / ١٣.

(٢) في مروج الذهب ٢ / ٤٧.

(٣) أي بلغة جرهم العربية. وانظر : ابن الضياء ـ تاريخ مكة المشرفة ٤٥.

(٤) وانظر بشأن هذا الاختلاف : ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢٤ ، اليعقوبي ـ تاريخ ٢ / ٢٢١ ، القضاعي ـ تاريخ ٩٦ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢١.

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) ، (د). والتساؤل هذا لا لزوم له.

(٦) في (ب) ، (ج) «أعيذكما» والحديث أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف ٧ / ٤٠٧ وابن السنى بعمل اليوم والليلة صفحة ٦٢٨.

(٧) في (أ) ، (د) «بفحواهما ومرادفهما». والاثبات من (ب) ، (ج).

٢٨٦

صحّ أن لسان إبراهيم (١) عليه‌السلام كان سريانيا ، وأن إسماعيل كان عربيا ، وإسحاق كان عبرانيا ، وكل منهم يتكلم بلغته ويفهم الآخر وإن كان لا يتكلم بها ـ فسبحان القادر الحكيم ـ وهذا كما في التنزيل : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٢) ـ أي معناه وفحواه. ـ انتهى ـ فليحفظ.

(وفي ذكري من) (٣) بعض السير : أن الجماعة الذين أرسلهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قيصر ملك الروم كانوا يخاطبونه (٤) بالعربية (ويفهم كلامهم) (٥) ، ويخاطبهم بلسانه فيفهمون كلامه ـ كرامة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكانوا إذا خرجوا من عنده وخاطبهم غيره لا يفهمون كلامه إلا بترجمان ، وإذا صحّ (٦) هذا فلا مانع من كون تخاطب إبراهيم وإسماعيل كان من هذا معجزة ـ فتأمل والله الموفق ـ.

[زيارة إبراهيم عليه‌السلام لمكة بعد زواج إسماعيل عليه‌السلام]

فاستأذن إبراهيم سارة في أن يأتي ابنه ، فأذنت له ، فجاء مكة

__________________

(١) في (أ) ، (ب) ، (د) «لسانه». والاثبات من (ج).

(٢) سورة الأعلى الآيتان ١٨ ـ ١٩.

(٣) في (ج) ، (د) ما بين قوسين «وذكر في بعض السير». وليته ذكر بعض هذه السير. فهذا الخبر فيه من السذاجة ما لا يتناسب وثقافة السنجاري.

(٤) في (ب) «يخاطبون».

(٥) في (ج) «فيفهم».

(٦) وكيف يصح؟!. ولم يذكره أحد من كتاب السيرة المتقدمين ولا كتب الصحاح في الحديث؟! ، فاللغات السريانية والعبرية والعربية من أرومة واحدة ، وهي لهجات متقاربة وخاصة في ذلك الزمن.

٢٨٧

بعدما تزوج [إسماعيل](١) فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه ، فقالت له : «خرج يبتغي لنا». ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت : «في ضيق وشدة». وشكت إليه. قال : «إذا جاء زوجك فاقرئي عليه‌السلام وقولي له يغير عتبة (٢) بابه». فلما جاء إسماعيل كأنه أونس (٣) بشيء ـ فقال : (هل جاءك من أحد) (٤)؟!. فأخبرته قالت : «نعم جاءنا شيخ ـ كذا ، كذا ـ فسألني عنك فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا ، فأخبرته أنّا في جهد وشدة ، فقال إذا جاء زوجك فاقرئي عليه‌السلام وقولي له يغير عتبة بابه». فقال : «ذلك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك». فطلقها.

[الزواج الثاني لإسماعيل عليه‌السلام]

ثم إنه تزوج برعلة (٥) بنت مضاض بن عمرو الجرهمي ـ وقال ابن الضياء (٦) : «اسمها سامة بنت مهلهل ـ وقيل عاتكة».

[وفود إبراهيم إلى مكة الثاني]

ثم ان إبراهيم وفد مكة ثانيا ، فلم يجد إسماعيل ، ووجد إمرأته الجرهمية ، فسألها عنه ، فقالت : «خرج يبتغي لنا». قال : «كيف

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج). وانظر بهذا الشأن : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ١ / ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٣٦ ، الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٦ ـ ٧.

(٢) في (ج) «عتيبة».

(٣) في (ج) «أوصى».

(٤) في (ب) ، (ج) ، (د) «جاءك أحد».

(٥) في (ج) «دعلة».

(٦) محمد بن أحمد بن الضياء العمري القرشي ـ تاريخ مكة المشرفة ٤٢. وفيه : «اسمها أمامة بنت مهلهل ، وقيل عاتكة».

٢٨٨

أنتم؟!» ـ وسألها عن / عيشهم فقالت : «نحن بخير (١) وسعة» ، وأثنت / ٣٦ على الله عزوجل. قال : «ما طعامكم؟!». قالت : «اللحم». قال : «وما شرابكم؟!». قالت : «الماء». قال : «اللهم بارك لهم في اللحم والماء». قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يكن لهم يومئذ حبّ ، ولو كان لدعا لهم فيه» ـ وقدمت له طعاما فأكله. فقالت : هلمّ لأزيل شعثك!!. وقدمت له حجر المقام ـ وهو يومئذ ملقى ـ فوضع رجله عليه فغاصت فيه. فغسلت رأسه ودهنته. فقال : «إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له (ليثبت عتبة بابه) (٢)». وذهب.

وجاء إسماعيل فقال : «هل أتاكم (٣) من أحد؟!». قالت : «نعم شيخ صفته كذا وكذا ، وهو يقول لك ثبت عتبة بابك». فقال : «ذاك (٤) أبي يأمرني بلزوم صحبتك».

فأرته حجر المقام ، فأخذه ورفعه يتبرك به. وسيأتي أن إبراهيم عليه‌السلام لما بنى البيت كان يقوم على الحجر ، فسمي المقام ، وسيأتي هناك (٥) الكلام عليه.

[الأمر لإبراهيم ببناء البيت]

ثم ان إبراهيم عليه‌السلام أمر ببناء البيت ، قال تعالى :

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(٦) ـ الآية.

__________________

(١) في (ج) «في خير».

(٢) في (ج) «الزم عتبة بابك" ذكره السيوطي بنحو بالدر المنثور ١ / ١٢٦ وابن كثير بالبداية والنهاية ١ / ١٥٦.

(٣) في (ب) ، (ج) «أتاك».

(٤) في (ب) ، (ج) «ذلك».

(٥) في (ب) ، (ج) ، (د) «هنالك».

(٦) سورة الحج الآية ٢٦.

٢٨٩

وقال تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ [لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ])(١)(٢).

وروي عن مجاهد (٣) : «أن محل البيت كان قد (٤) درس بعد الطوفان ، فصار موضعه أكمة حمراء لا تعلوها السيول ، غير أن الناس كانوا يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا يثبتونه (٥) ، وكان المظلوم يأتيه ويدعو عنده فيستجاب له».

وعن ابن عمر [رضي‌الله‌عنهما](٦) : «كانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه». وروى أن هودا وصالحا ومن آمن بهما حجوا البيت.

ونقل العلامة السيوطي : «أن جميع الأنبياء حجوا البيت إلا هودا وصالحا ، فإنهما تشاغلا عن ذلك بقومهما ، وان آدم لما حجه حلق جبريل رأسه بياقوتة من الجنة».

[وفود إبراهيم الثالث إلى مكة وبناء البيت]

فلما بوأ الله لإبراهيم (٧) مكان البيت وفد مكة ثالثة ، وكان عمره

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج) وفي (أ) ، (ب) «الآية».

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٢٥.

(٣) مجاهد : هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي المخزومي ، مولى السائب بن أبي السائب. توفي سنة ١٠٠ ه‍ أو بعدها. انظر : ابن العماد ـ شذرات الذهب ١ / ١٢٥ ، الذهبي ـ العبر ١ / ١٢٥.

(٤) سقطت من (ب) ، (ج).

(٥) في (ب) ، (ج) «يثبتون». وفي فتح الباري : أن الطبري روى بسند صحيح عن ابن عباس قال : «كانت قواعد البيت قبل ذلك» ٩ / ٢٢.

(٦) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج).

(٧) في (أ) ، (د) «إبراهيم». وهي اشارة إلى الآية الكريمة : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ ..).

٢٩٠

إذ ذاك مائة سنة ، فأدرك إسماعيل تحت دوحة (١) قريبا من زمزم وهو يبري نبلا. فلما رآه قام إليه وصنعا ما يصنع الولد لوالده ، والوالد لولده. ثم قال : «يا إسماعيل ، إن الله أمرني أن أبني له بيتا ههنا». وأشار إلى أكمة حمراء مرتفعة (٢). فقال : «اصنع ما أمرك». قال : «وتعينني؟». قال : «وأعينك».

وكان سن إسماعيل إذ ذاك ستة وثلاثون سنة.

وفي رواية الأزرقي (٣) / عشرون سنة ، وفي رواية ذكرها / ٣٧ المسعودي (٤) ثلاثون سنة.

فعزما على البناء ، وجمعا الحجارة.

قال الفاسي (٥) عن قتادة : «بنى الخليل البيت من خمسة أجبل : طور سيناء ، وطور زيتا (٦) ، ولبنان ، والجودي ، وحراء. وقد جمع هذه الخمسة الأجبل بعض العلماء فقال :

ومن أجبل خمس بنى البيت آدم

فخذ ببيت قد أتاك بتبيان

__________________

(١) في (ج) «دومة». وانظر : ابن كثير ـ قصص الأنبياء ١ / ٢٢٦ «دوحة». وتفسير القرآن ١ / ١٧٧. وابن الضياء ـ تاريخ مكة المكرمة ٤٣.

(٢) انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٣٦.

(٣) أخبار مكة ١ / ٣٠.

(٤) مروج الذهب ٢ / ٤٩.

(٥) في شفاء الغرام ١ / ١٥١. وانظر : ابن عساكر ـ تاريخ مدينة دمشق ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٤ ، ابن شداد ـ الأعلاق الخطيرة ٢ / ٣٥.

(٦) أخطأ محقق مثير العزم الساكن لابن الجوزي ـ مثير العزم فأثبت" طور زنيا"!! ١ / ٣٥٣. وطور زيتا : جبل في القدس الشريف. الجبل الشرقي : هو جبل عظيم مشرف على المسجد الأقصى. العليمي ـ الأنس الجليل ٢ / ٦.

٢٩١

فمن طور سيناء ثم زيتا ومن حرا

ومن جبل الجودي أيضا ولبنان

قال السهيلي (١) : «وتنبه (٢) لحكمة الله تعالى ، حيث (٣) جعل الله بناءها من خمسة أجبل ليناسب معناها ، إذ هي قبلة للصلوات الخمس ، وعمود الإسلام وقد بني على خمس».

وفي رواية من ستة أجبل (٤) : «أبي قبيس ، والطور ، والقدس ، وورقان ، ورضوى ، وأحد (٥).

قلت (٦) : وقد جمعتها مشاكلة للأول :

وقد قيل من ست بنى البيت غيرها

وقيدتها نظما مخافة نسيان

فمن أحد مع طور سينا ومن أبي

قبيس ومن قدس ورضوى وورقان

وفيه من الحكمة : أنه في مركز النقطة للست الجهات ، وأنه في وسط الدنيا المشتملة على الست الجهات. ـ فتأمل والله الموفق للصواب ـ وما أحسن ما قيل :

منى (٧) ان تكن حقا تكن أحسن المنا

وإلا فقد عشنا (٨) بها زمنا رغدا

__________________

(١) في الروض الأنف ١ / ٢٢٣.

(٢) في (ج) «ومتعنبة» وهي خطأ.

(٣) في (ب) ، (د) «كيف».

(٤) انظر : شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٥١.

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) في (ب) «نقلت».

(٧) في (أ) يوجد في الحاشية وغير مقروء. وفي (ج) ، (د) «متى» والاثبات من (ب).

(٨) في (ج) «عيشنا» والاثبات من (ب).

٢٩٢

قال ابن الضياء (١) : «وكانت الملائكة تأتيه بالحجارة من هذه الجبال». ـ انتهى ـ.

[السكينة]

فلما اجتمعت [هذه](٢) الحجارة ، أرسل الله السكينة ـ وهي ريح طيبة خجوج (٣) ـ وقال ابن الضياء : «لها رأس ووجه تتكلم».

وذكر فيها (٤) روايات.

فما زالت تنسف الأرض حتى أظهرت أساس الكعبة.

فبنى إبراهيم عليه‌السلام عليه. وجعل طول البيت في السماء تسعة أذرع ، وعرضه في الأرض من جهة الحجر الأسود إلى الركن الشامي اثنين وثلاثين ذراعا ، وجعل عرضه من الركن الشامي إلى الغربي اثنين وعشرين ذراعا ، وجعل طوله من جهة ظهر البيت من الركن المذكور إلى اليماني إحدى وثلاثين ذراعا. وجعل عرضه في الأرض من الركن اليماني إلى الحجر الأسود عشرين ذراعا. وجعل الباب لاصقا بالأرض غير مرتفع ولا مبوب. وحفر حفرة في بطن البيت جعلها خزانة لما يهدى للكعبة.

وكان إبراهيم يبني وإسماعيل ينقل الحجارة على رقبته.

__________________

(١) ابن الضياء محمد بن أحمد العمري القرشي ـ قال في كتابه تاريخ مكة المشرفة ص ٣٧ : «ذلك من آدم». وانظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٣٠ ـ ٣١.

(٢) زيادة من (ب) ، (ج) ، (د).

(٣) في (أ) ، (د) «حجوف». وهو خطأ.

(٤) سقطت من (ج) وانظر روايات السكينة : ابن الضياء الحنفي ـ تاريخ مكة المشرفة ٤٤ ، ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم ١ / ١٧٨ ـ ١٨٠ ، وابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٥٠.

٢٩٣

ولم يبنها بقصة (١) ولا مدر (٢) ولا سقف ـ على ما رواه الفاسي (٣) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ـ زاد ابن ظهيرة في شفاء الغليل (٤) : وكذلك بنيان أساس آدم عليه‌السلام. ـ انتهى ـ

فائدة :

كان ابتداء عمل الخليل ثاني يوم من ذي القعدة ـ قاله العلامة المرشدي في كتابه براعة الاستهلال (٥).

فائدة أخرى :

ذكر الفاسي (٦) عن ابن الحاج : أن بناء إبراهيم كان مدورا من / ٣٨ ورائه (٧) ، وكان للبيت ركنان ـ وهما اليمانيان ـ وإنما / ربعته قريش. فتأمله مع ما تقدم من صفة البناء ، وهذا يؤيد اشتقاق اسمها من التكعيب.

__________________

(١) في (د) «بجص». والقصة هي النورة أو شبهها. الجامع اللطيف ٥٠. وذكر ابن منظور أنها الحجارة من الجص ـ لغة حجازية. لسان العرب ٧ / ٧٦.

(٢) في (ج) «صدر». وهو خطأ.

(٣) في شفاء الغرام ١ / ١٥٠ ـ ١٥١.

(٤) شفاء الغليل ودواء العليل في حج بيت الرب العظيم الجليل ـ منسك لفخر الدين بن ظهيرة أبو بكر بن علي بن ظهيرة القرشي. المتوفى سنة ٨٨٩ ه‍ ـ مخطوط. انظر : محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ١٦٢.

(٥) لعبد الرحمن بن عيسى المرشدي العمري المكي المتوفى سنة ١٠٣٧ ه‍ ، ولم يذكر له الحبيب الهيلة هذا الكتاب. انظر : التاريخ والمؤرخون ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٦) في شفاء الغرام ١ / ١٥٠. ذكر عن ابن الحاج المالكي في منسكه.

وابن الحاج لعله شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة أبو الحسن ضياء الدين المعروف بابن الحاج القناوي. توفي سنة ٥٩٩ ه‍. انظر : الزركلي ـ الاعلام ٣ / ١٨١.

(٧) في (ب) ، (ج) «رواية». وهو خطأ.

٢٩٤

[مقام إبراهيم]

فلما ارتفع البناء أتاه إسماعيل بالمقام الذي عنده ، وهو الحجر الذي وضع رجله عليه يوم غسلت رأسه زوجة إسماعيل ، فقام عليه وكان ينقله من محل إلى محل ، فقيل له المقام.

[الحجر الأسود]

فلما انتهى إلى محل الحجر الأسود أتاه جبريل بالحجر الأسود ، فوضعه في محله ـ وهو يومئذ نور يتلألأ ، فأضاء نوره إلى منتهى أنصاب الحرم ـ كما تقدم ـ (١).

واستغرب العلامة ابن حجر المكي (٢) رواية ، كون المقام الحجر الذي أتى به إسماعيل ، (وهو الذي وضع إبراهيم عليه‌السلام عليه قدمه عند غسل زوجة إسماعيل لرأسه) (٣) لما أتاها. ـ فراجعه إن شئت ـ.

وقيل : ان الياس بن مضر أول من وضع للناس الحجر بعد الغرق.

وفي رواية : جاء به جبريل من الجنة ، وفي رواية : من أبي قبيس وكان مستودعا فيه. وفي رواية : إن جبل أبي قبيس تكلم فنادى إبراهيم : إن لك عندي وديعة. فصعده وأخذ الحجر منه (٤) ـ انتهى ـ.

__________________

(١) في هذا الكتاب.

(٢) أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي شهاب الدين المتوفى سنة ٩٧٤ ه‍ ، ولم يذكر السنجاري في أي من كتبه ورد ذلك.

(٣) ما بين قوسين سقط من (د).

(٤) انظر هذه الروايات في الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ٥٢.

٢٩٥

[ما قيل في المقام والحجر الأسود]

ولنذكر هنا ما قيل في المقام والحجر الأسود (١) :

أما المقام :

فذكر الأزرقي (٢) أن قدره ذراع ، وأن القدمين داخلان (٣) فيه سبعة أصابع.

وذكر ابن جماعة (٤) : أن مقدار ارتفاعه من الأرض [نحو](٥) نصف ذراع ، (وأن القدمين داخلان سبعة أصابع) (٦) وربع ذراع وثمن [ذراع](٧) قال : وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع ، وموضع غوص القدمين ملبس بفضة وعمقة من فوق الفضة سبعة قراريط ونصف قيراط ـ انتهى ـ.

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «الحجر الأسود والمقام».

(٢) أخبار مكة المشرفة ١ / ٢٧٩.

(٣) في (أ) ، (د) «داخلين». وفي (ب) أثبت الناسخ «داخلين» وصحح في الهامش كما في (ج).

(٤) عز الدين الحافظ قاضي القضاة عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي الأصل جاور بالحجاز إلى أن مات بمكة سنة ٧٦٧ ه‍. من كتبه : هداية السالك الى المذاهب الأربعة في المناسك ، والمناسك الصغرى ، ومختصر في السيرة النبوية ، وغيرها. انظر : الدرر الكامنة ٢ / ٣٧٨ ، الزركلي ـ الاعلام ٤ / ٢٦.

(٥) زيادة من (ج).

(٦) ما بين قوسين من (ب). والعبارة مضطربة في النسخ.

(٧) زيادة من (ج) ، (د). وقد علق الدهلوي ناسخ (ج) بقوله : «وربع ذراع ... الخ» كذا في الأصل. فليتأمل. وأضاف : وفي تحصيل المرام للفاسي قال نقلا عن ابن جماعة : ان مقدار ارتفاعه عن الأرض نصف ذراع وربع ذراع وثمن ذراع بذراع الحديد. ثم قال وأعلى المقام مربع ... الخ ـ انتهى (أبو الفيض غفر الله له).

٢٩٦

ومكانه هذا هو مكانه في زمن الخليل كما قاله مالك في المدونة (١). ثم قال : وكانت قريش في الجاهلية ألصقته بالبيت خوفا عليه من السيول ، واستمر كذلك في عهده صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهد أبي بكر رضي‌الله‌عنه. فلما كان زمن عمر رضي‌الله‌عنه وجاء سيل أم نهشل ، رده عمر رضي‌الله‌عنه إلى موضعه الآن (٢).

وأخرج الأزرقي (٣) عن ابن أبي مليكة : أن هذا موضعه في زمن الجاهلية والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما إلى أن جاء سيل أم نهشل ذهب به في خلافة عمر رضي‌الله‌عنه فرده [إلى](٤) مكانه ـ كما يأتي بيانه [والله أعلم](٥) ، وهذا (٦) مخالف لقول مالك رحمه‌الله. وصحح ابن جماعة ما قاله مالك ـ والله أعلم ـ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

ذكر شيء من فضله :

لا ينكر أن فضله ثابت بنص (٧) القرآن والسنة الصحيحة. أما القرآن فقوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ)(٨) ـ الآية ـ. والمراد بالمقام [هنا](٩) هذا الحجر على الصحيح المشهور.

__________________

(١) أي الامام مالك صاحب المذهب.

(٢) انظر تفصيلا في ذلك : ابن حجر ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ / ٢١ ـ ٢٢.

(٣) أخبار مكة ١ / ٢٧٦.

(٤) زيادة من (ج).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) في (ج) ، (د) «وهو».

(٧) في (ج) «بالنص والقرآن».

(٨) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٩) زيادة من (ج).

٢٩٧

وأما / السنة فقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ان الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، طمس الله نورهما ، ولو لا أن طمس [الله](١) نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ـ أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (٢).

قال الفاكهي (٣) : «قال بعض الناس أن يهوديا أو نصرانيا كان بمكة (٤) ، ففقد المقام ذات ليلة ، فوجد عنده ، فأخذ منه وضرب عنقه.

ولا يزال هذا المقام محروسا حتى يرفع إلى الجنة ، على مقتضى حديث عائشة رضي‌الله‌عنها».

ويخالف الحجر الأسود في حكم استلامه ، فانه ليس بسنة.

وأما الحجر الأسود :

فعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الحجر الأسود يمين الله في أرضه (٥) فمن لم يدرك بيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح الحجر الأسود فقد بايع الله ورسوله».

وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال (٦) : «استقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر

__________________

(١) زيادة من (ب) ، (ج).

(٢) في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص. المسند ٢ / ٢٨٣ حديث رقم ٧٠٠٦ ، ٧٠٠٧ ، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه ، والترمذي في جامعه ٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ وقال غريب. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٧٢ ، والعقد الثمين ١ / ٦٧.

(٣) أخبار مكة ١ / ٤٥٢.

(٤) ذكر الفاكهي اسمه «جريج» ١ / ٤٥٢. وكذلك الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٣٨.

(٥) انظر الفاكهي : حيث ورد فيه جزء من الحديث باسناد حسن ١ / ٨٩. وأما بقية الحديث مع أوله فقد ورد باسناد ضعيف ١ / ٨٨.

(٦) والحديث باسناد ضعيف. انظر : الفاكهي ١ / ١١٤. حديث رقم ٨٦. وأضاف ابن ظهيرة : رواه ابن ماجة والحاكم. انظر الجامع اللطيف ٢٢.

٢٩٨

الأسود ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا (١) ، ثم التفت فاذا هو بعمر ابن الخطاب رضي‌الله‌عنه يبكي ، فقال : يا عمر هاهنا تسكب العبرات».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «ما من أحد يدعو عند الحجر الأسود إلا استجاب الله له».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، ولو لا أن الله [عزوجل](٣) طمس نورهما ... ـ الحديث.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما (٤) : «نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ـ وفي رواية ـ خطايا أهل الشرك».

وفي رواية : «كان لؤلؤة بيضاء ، وفي أخرى كان ياقوتة بيضاء (٥).

وروى الشيخان (٦) عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أنه قبله ، ثم قال : «

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) خرجه الفاكهي في أخبار مكة ١ / ٤٤٠. حديث رقم ٩٦٠. ويروى عن عبد الله بن عمر موقوفا ـ فتح الباري ٤ / ٢٦٠. وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والترمذي وقال غريب. وذكر ابن دهيش أن اسناده حسن بالمتابعة. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٦٨ ، العقد الثمين ١ / ٦٧ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٢٢.

(٢) خرجه الفاكهي في أخبار مكة ١ / ٤٤٠. حديث رقم ٩٦٠. ويروى عن عبد الله بن عمر موقوفا ـ فتح الباري ٤ / ٢٦٠. وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والترمذي وقال غريب. وذكر ابن دهيش أن اسناده حسن بالمتابعة. وانظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٦٨ ، العقد الثمين ١ / ٦٧ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٢٢.

(٣) ما بين حاصرتين زيادة من (ج).

(٤) انظر الفاكهي ١ / ٨٤ باسناد حسن. وأخرجه الترمذي وقال فيه حسن صحيح ٤ / ١٠٧.

(٥) وهذا من حديث اسناده ضعيف. انظر : الفاكهي ١ / ٩٠ ، حديث رقم ٢٢. وكل الروايات السابقة ذكرها ابن ظهيرة في كتابه الجامع اللطيف ٢٣.

(٦) أي البخاري ومسلم. وقد دمج السنجاري بين ما روي عن الشيخين وغيرهما. فالحديث عند الشيخين ينتهي عند «ما قبلتك» رواه البخاري حديث رقم ١٥٩٧ ، ١٦٠٥ ، ١٦١٠ ، وانظر : فتح الباري ٣ / ٢٦٠. والصحيح ١ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ومسلم ـ الصحيح ٩ / ١٥. وأما بالشكل الذي ذكره السنجاري فقد ذكره ـ

٢٩٩

والله لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبلك ما قبلتك (١).

فقال له أبي بن كعب رضي‌الله‌عنه : انه يضر وينفع ، انه (٢) يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن قبله واستلمه ، فهذه منفعته (٣)».

وفي رواية (٤) : «ان عليا (قال له : بلى يا أمير المؤمنين ، انه يضر وينفع ، ان الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رقّ وألقمه الحجر الأسود ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد.

فقال عمر : لا خير في عيش قوم لست فيهم يا أبا الحسن!». ـ انتهى ـ.

ذكر صفته :

قال الفاسي (٥) عن المسبحي (٦) / عن محمد بن نافع الخزاعي (٧) : أنه

__________________

الفاكهي والأزرقي. الأزرقي ـ في أخبار مكة ، والفاكهي في أخبار مكة باسناد ضعيف ١ / ١٠٥ ، حديث رقم ٥٧ ، كما ذكره ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ص ٢٣.

(١) الى هنا ينتهي الحديث الصحيح.

(٢) في (ج) «وأنه».

(٣) الى هنا الحديث الضعيف.

(٤) الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٢٩ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ٢٣ ، وفي فتح الباري ٣ / ٢٦٠ ، وفي صحيح ابن خزيمة عن ابن عباس مرفوعا : «أن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق». وصححه أيضا ابن حبان والحاكم المستدرك ١ ، ٤٥٧.

(٥) شفاء الغرام ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٦) محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي عز الملك ، أمير مؤرخ عالم بالأدب. توفي سنة ٤٢٠ ه‍. انظر : ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ١ / ٥١٥ ، ابن العماد ـ شذرات الذهب ٣ / ٢١٦ ، الزركلي ـ الاعلام ٦ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٧) انظر في ذلك : الفاكهي ـ

٣٠٠