منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

فقل لملوك الأرض يلهوا ويلعبوا

فذلك لهوي ما حييت وتلعابي

وقال في الكشاف (١) في تفسير سورة العنكبوت في الحث على المهاجرة إذا احتيج إليها ما نصه (٢) :

«ولعمري ان البقاع تتفاوت في ذلك التفاوت الكثير ، ولقد جربنا وجرب أولونا ، فلم نجد فيما درنا وداروا أعون على قهر النفس وعصيان الشهوة ، وأجمع [للقلب](٣) المتلفت (٤) ، وأضمّ للهمّ المنتشر ، وأحثّ على القناعة ، وأطرد للشيطان (٥) ، وأبعد من كثير من الفتن ، وأضبط للأمر الديني في الجملة من سكنى (٦) حرم الله (وجوار بيت الله) (٧). فلله (٨) الحمد على ما سهل من ذلك ، وقرب ، ورزق من الصبر ، وأوزع من الشكر». ـ انتهى ـ.

ولشيخ مشايخنا العلامة الشهاب الخفاجي (٩) من المتأخرين :

بمكة لي غناء (١٠) ليس يغنى

جوار الله والبيت المعظّم

__________________

(١) للزمخشري الخوارزمي. انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) وجاء عند الزمخشري في عرضه لتفسير الآية : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ). العنكبوت الآية ٥٦. الكشاف ٣ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٣) الاثبات من الكشاف للزمخشري ٣ / ٤٦١.

(٤) في (ب) «التقلب».

(٥) أضاف ناسخ (ب) كلمة «الشهوة» بدون داع لذلك.

(٦) في (أ) ، (ج) ، (د) «سكن». والاثبات من (ب) ، والكشاف للزمخشري ٣ / ٦١.

(٧) في شفاء الغرام : «وتغشاء جوار بيته».

(٨) في (ب) " ولله».

(٩) الشهاب الخفاجي : أحمد بن محمد بن عمر ـ شهاب الدين الخفاجي المصري ، قاضي القضاة وصاحب التصانيف في الأدب واللغة. توفي سنة ١٠٦٩ ه‍. انظر : الزركلي ـ الاعلام ١ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩. له «ريحانة الالبا».

(١٠) في (أ) «غنى». وفي (ب) «غنا».

٢٤١

ففيه كيمياء سعادة لي (١)

ظفرت بها من الحجر المكرّم

ولبعضهم :

أستار (٢) بيتك ذيل الأمن منك وقد

علّقتها مستجيرا أيها الباري

وما أظنّك لمّا أن علقت (٣) بها

خوفا من النار تدنيني من النار

وقال الآخر :

هنيئا لمن زار بيت (٤) التّقى

وحطّ عن النفس أوزارها

فإن السعادة مضمونة (٥)

لمن جاء مكة أو زارها /

وقال غيره :

أبى القلب إلا أن يكون مقامه

بمكة لا بالهند لا كانت الهند

بها الزور والبهتان والإفك والخنا

وأما الزّنا والخمر ما لهما حدّ

قال القاضي في جامعه (٦) بعد الكلام على المجاورة :

«هذا الكلام في المجاورة فقط من غير سكنى ، وأما السكن (٧) والانقطاع فبالمدينة (٨) أفضل». ـ انتهى ـ

__________________

(١) في (ج) «لبّي».

(٢) في (ب) «ستور».

(٣) في (ج) «عافت». وهو خطأ.

(٤) في (أ) ، (د) «للبيت» ، وفي (ج) «البيت». والاثبات من (ب).

(٥) في (ب) «محفوفة مضمونة».

(٦) القاضي ابن ظهيرة في كتابه الجامع اللطيف ص ١٠٤. وانظر : الأرج المسكي ص ٦٧.

(٧) في (ب) «السكنين». وهو خطأ.

(٨) في (ب) «فهو بالمدينة».

٢٤٢

[قلت](١) : وهو يعارض ما رواه عن عائشة رضي‌الله‌عنها وسيأتي قريبا (٢).

[فضل الموت بمكة]

وأما فضل الموت فيها (٣) :

فروى الفاسي (٤) عن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذكر أحاديث ـ : «ومن مات بمكة فكأنما مات في السماء الدنيا».

(وعن الحسن البصري (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة فكأنما مات في السماء الدنيا») (٦).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات بمكة بعثه الله في الآمنين يوم القيامة» (٧).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن آدم سأل (٨) ربه عزوجل ، فقال : يا رب من حج هذا البيت من أولادي لا يشرك بك شيئا أن تلحقه بي في الجنة.

__________________

(١) زيادة من (ب). ـ أي السنجاري ـ.

(٢) في هذا الكتاب.

(٣) في (ب) ، (ج) «بها». وقد ذكر الفاكهي أحاديث في فضل الموت بمكة لم يذكر منها هذه الأحاديث التي أثبتها السنجاري ـ وكلها بأسانيد ضعيفة ـ. انظر : الفاكهي ـ أخبار مكة ٣ / ٦٨ ـ ٦٩.

(٤) شفاء الغرام ١ / ١٣٧.

(٥) الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري مولى الأنصار العالم الفقيه العظيم الناسك إمام أهل البصرة. توفي سنة ١١٠ ه‍.

(٦) ما بين قوسين سقط من النسخة (ج).

(٧) عند الفاكهي «من قبر بمكة جاء آمنا يوم القيامة». واسناده ضعيف ٣ / ٦٨ وأخرجه ابن عدى بالكامل ٤ / ١٤٥٥ وذكره السيوطى بالدر المنثور ٢ / ٥٥ وبكنز العمال برقم ٣٥٠٠٧.

(٨) في (ب) «سئل». وهكذا يكتب الهمزة ، فسأهمل الإشارة.

٢٤٣

فقال الله : يا (١) آدم ، من مات في الحرم لا يشرك بي شيئا بعثته آمنا يوم القيامة (٢)».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه سأل ربه عن ما لأهل بقيع الغرقد ، فقال : لهم الجنة. فسأل عن ما لأهل المعلاة ، فقال : يا محمد سألتني عن جوارك ، فلا تسألني عن جواري».

وقد دفن بها جماعة من الصحابة ، قال العلامة الفيروز آبادي في كتابه : «إثارة الشجون (في زيارة) (٣) الحجون وذكر الصحابة المدفونين بها». منهم :

الحارث بن لحوف ـ ويقال له عوف [بن عون](٤) والأصح الحارث بن لحوف ـ أسلم قبل الفتح.

ومنهم : عبيد بن عبد ربه (٥) ، وحمنن بن عوف (٦) ، وخالد بن أسد (٧) ، وخبيب بن عدي (٨) ، وخنيس بن خالد (٩) ـ بضم الخاء ـ ،

__________________

(١) سقطت من (ب).

(٢) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٣٧.

(٣) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ١٣٨.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) لعله عبيد بن عبد. انظر : أسد الغابة ٣ / ٤٣٩.

(٦) حمنن بن عوف بن عبد عوف الكلابي القرشي ، أخو عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه. انظر : أسد الغابة ١ / ٦١٣.

(٧) الصحيح خالد بن أسيد بن أبي العيص القرشي الأموي. أخو عتاب بن أسيد ، أسلم عام الفتح ، ومات بمكة. أسد الغابة ١ / ٦٤٥ ـ ٦٤٦.

(٨) خبيب بن عدي بن مالك الأنصاري الأوسي ، قتله المشركون بمكة رضي‌الله‌عنه. انظر : أسد الغابة ١ / ٦٨١ ـ ٦٨٤.

(٩) خنيس بن خالد وهو الأسعر بن ربيعة الخزاعي. قتل يوم الفتح هو وكرز بن جابر وكانا مع خالد بن الوليد فضلا الطريق ، فقتلا هناك. انظر : أسد الغابة ١ / ٧١٢.

٢٤٤

وخويلد بن خالد (١) ، وزيد بن الدثنة (٢) ، وسعد بن / خولي (٣) ، وسعيد / ٢٣ بن يربوع (٤) ، والسكران بن عمرو (٥) ، وسلمة بن الميلاء الجهني (٦) ، وسمرة بن معير (٧) ، وشيبة بن طلحة (٨) ، وصفوان بن أمية (٩) ، وعامر بن وائلة (١٠) ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن السايب (١١) ، وعبد الله بن شهاب (١٢) ، وعبد الله بن عامر بن كريز (١٣) ، وعبد الله بن عمرو بن

__________________

(١) خويلد بن خالد الكناني أبو عقرب. انظر : أسد الغابة ١ / ٧١٧.

(٢) زيد بن الدثنة بن معاوية الخزرجي الأنصاري ، شارك في سرية عاصم بن ثابت الأقلح يوم الرجيع. وابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بابنه. فقتل بمكة رضي‌الله‌عنه سنة ٣ ه‍. انظر : أسد الغابة ٢ / ١٤٧.

(٣) سعد بن خولي العامري من المهاجرين إلى الحبشة. أسد الغابة ٢ / ٢١٠ ـ ٢١.

(٤) سعيد بن يربوع المخزومي القرشي. توفي بمكة سنة ٥٤ ه‍. وقيل بالمدينة. أسد الغابة ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٥) السكران بن عمرو ، أخو سهيل بن عمرو العامري من مهاجري الحبشة مع زوجته سودة بنت زمعة. قال ابن اسحاق أنه رجع إلى مكة فمات بها قبل الهجرة إلى المدينة. أسد الغابة ٢ / ٢٧٨.

(٦) قتل سلمة بن الميلاء يوم فتح مكة ، كان في خيل خالد بن الوليد ، فأخطأ الطريق فقتل. أسد الغابة ٢ / ٣٠٠.

(٧) سمرة بن معير بن لوذان الجمحي المؤذن ـ أبو محذورة ـ توفي بمكة سنة ٧٩ ه‍. أسد الغابة ٢ / ٣٢٣.

(٨) شيبة بن طلحة : هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة القرشي العبدري الحجبي من أهل مكة. أسد الغابة ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٩) صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي من مسلمة الفتح ، حسن إسلامه. أقام بمكة ، وتوفي فيها. أسد الغابة ٢ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢.

(١٠) عامر بن وائلة : سبق ذكره فيمن جاور بمكة ، انظر : أسد الغابة ٣ / ٤٥.

(١١) المخزومي القاريء : سبق ذكره. وانظر : أسد الغابة ٣ / ١٤٨.

(١٢) عبد الله بن شهاب الزهري القرشي ، جد ابن شهاب الزهري. مات بمكة. أسد الغابة ٣ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(١٣) عبد الله بن عامر بن كريز القرشي العبشمي ـ الأمير ، فاتح خراسان ووالي البصرة. وأول من اتخذ الحياض بعرفة ، وأجرى إليها العين توفي سنة ٥٨ ه‍. انظر : أسد الغابة ٣ / ١٨٣ ـ ١٨٤.

٢٤٥

العاص (١) ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ـ وفيه خلف (٢) ـ ، وعبد الله بن قيس بن سليم (٣) ، وعبد الله هو الطيب الطاهر ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خديجة ، وعبد الله بن ياسر العبسي (٤) وأبوه ياسر ، وعتاب بن أسيد (٥) ، وعثمان بن طلحة العبدري (٦) ، وعثمان بن عامر بن عامر بن عمرو أبو قحافة والد ابي بكر الصديق (٧) ، والعريس بن قيس (٨) ، وعياش بن أبي ربيعة (٩) ،

__________________

(١) عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي القرشي العالم الفاضل الكاتب لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. توفي سنة ٦٧ ه‍ بمكة ، وقيل غير ذلك. أسد الغابة ٣ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

(٢) ابن عمر رضي‌الله‌عنهما ، أقام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ستين سنة يفتي الناس في الموسم. توفي سنة ٧٤ ه‍ ، دفن بالمحصب ، وقيل بذي طوى ، وقيل بفج ، وقيل بسرف.

انظر : أسد الغابة ٣ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠.

(٣) عبد الله بن قيس بن سليم أبو موسى الأشعري رضي‌الله‌عنه ، أحد الحكمين. مات بمكة في خلافة معاوية رضي‌الله‌عنه. أسد الغابة ٣ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٤) أخو عمار بن ياسر ، وهو مع أبيه وأخيه وأمه من السابقين للإسلام. أسد الغابة ٣ / ٣١٠ ـ ٣١١.

(٥) عتاب بن أسيد بن أبي العيص القرشي الأموي ـ أمير مكة ـ سيرد ذكره كثيرا. وانظر : أسد الغابة ٣ / ٤٥١.

(٦) عثمان بن أبي طلحة العبدري ، سبق ذكره في المجاورين. وانظر : أسد الغابة ٣ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

(٧) اضطراب في النسخ بحيث يظهر أنه شخصان ، وقد سبق ذكره في المجاورين.

(٨) العرس بن قيس بن سعيد بن الأرقم الكندي ، مات في أيام ابن الزبير. أسد الغابة ٣ / ٥١٧.

(٩) عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة المخزومي ، أخو أبي جهل لأمه وابن عمه ، قديم الإسلام ممن هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، ثم منع من الهجرة بعد عودته إلى مكة من أجل أمه. وقتل يوم اليرموك ، وقيل مات بمكة. أسد الغابة ٤ / ٢١.

٢٤٦

والقاسم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلدة بن حنبل (١) ، ومحمد بن حاطب (٢) ، والمسور بن مخرمة (٣) ، ومغفل بن [عبد](٤) غنم ، وياسر بن عامر بن مالك (٥) ، وأبو سبرة بن أبي رهم (٦).

وأما النساء فمنهن :

خديجة (٧) وأمها (٨) ، وخزامة بنت خويلد أخت خديجة ، وزينب بنت مظعون بن حبيب (٩) زوج عمر بن الخطاب ، وزينب الأسدية (١٠) ،

__________________

(١) كلدة بن الحنبل بن سليل. سبق ذكره في المجاورين. وانظر : أسد الغابة ٤ / ١٨٦.

(٢) محمد بن حاطب بن الحارث القرشي الجمحي. ولد بأرض الحبشة. وهو أول من سمي في الإسلام محمدا. توفي سنة ٧٤ ه‍ بمكة. وقيل بالكوفة. أسد الغابة ٤ / ٢٩١.

(٣) في الأصل «والمسورة». وهو المسور بن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري الفقيه العالم. قتل أيام ابن الزبير أصابه حجر منجنيق ، وهو يصلي في الحجر سنة ٦٤ ه‍. أسد الغابة ٤ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

(٤) زيادة من (ج). وهو مغفل بن عبد غنم المزني أخو ذي البجادين المزني. توفي بطريق مكة قبل أن يدخلها سنة ٨ ه‍. أسد الغابة ٤ / ٤٤٩.

(٥) ياسر بن عامر العنسي والد عمار ، وزوج سمية ممن عذبوا في الإسلام في سبيل الله. أسد الغابة ٤ / ٦٦٤ ـ ٦٦٥.

(٦) أبو سبرة بن أبي رهم القرشي العامري ـ هاجر الهجرتين جميعا ، الوحيد الذي رجع إلى مكة من أهل بدر وسكنها. وتوفي في خلافة عثمان رضي‌الله‌عنهما. أسد الغابة ٥ / ١٣٥.

(٧) خديجة بنت خويلد رضي‌الله‌عنها ، الطاهرة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأم أولاده. وكانت وزيرة صدق على الإسلام. انظر : أسد الغابة ٦ / ٨١ ـ ٨٨.

(٨) أم خديجة ، هي فاطمة بنت زائدة بن الأصم جندب من عامر بن لؤي. أسد الغابة ٦ / ٨٢.

(٩) زينب بنت مظعون بنت وهيب بن وهب بن حذافة القرشية الجمحية ، أخت عثمان بن مظعون رضي‌الله‌عنه. ماتت مسلمة بمكة قبل الهجرة. وحفصة بنت عمر ابنتها. انظر : أسد الغابة ٦ / ١٣٨.

(١٠) زينب الأسدية ـ مكية. انظر : أسد الغابة ٦ / ١٢٧.

٢٤٧

وسميّة أم عمار بن ياسر (١).

وأما ما فيها من التابعين وتابع التابعين والعلماء الأخيار الراسخين فأكثر من أن يحصى ـ نفعنا الله بهم أجمعين (٢) ـ.

فائدة :

عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في حق مكة : «ما يخرج منها أحد إلا ندم ، وما من أحد يخرج منها ثم يعود إليها إلا ولله فيه حاجة». ـ ذكره القاضي محمد جار الله بن ظهيرة في جامعه (٣) ـ.

وعن أم المؤمنين عائشة رضي‌الله‌عنها : «لولا الهجرة لسكنت مكة ، إني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض / منها بمكة ، ولم يطمئن / ٢٤ قلبي في بلد قط ما اطمأن بمكة ، ولم أر القمر بمكان قط أحسن منه بمكة». ـ انتهى من جامع القاضي (٤) أيضا والله أعلم ـ.

وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار (٥) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما

__________________

(١) أول شهيدة في الإسلام ، قتلها أبو جهل بعد أن تعذبت في سبيل الله. وهي سمية بنت خباط. كانت أمة لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، وكانت سابع سبعة في الإسلام. أسد الغابة ٦ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) انظر : ابن الجوزي ـ مثير العزم ٢ / ٢١٣.

(٣) الجامع اللطيف ٩٤ ـ ٩٥.

(٤) الجامع اللطيف ٩٥.

(٥) لم أجد في كتاب الزمخشري ـ ربيع الأبرار ـ هذا النص. ووجدت : عن ابن عباس : «ما أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلّى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن صلى فيها ركعة مائة ركعة غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة يتصدق فيها بدرهم فيكتب له ألف درهم إلا مكة. ولا أعلم على وجه الأرض بلدة هي مأوى الأبرار ومصلى الأخيار غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ما مسّ منها شيء إلّا وفيه تكفير للخطايا إلا مكة. ولا أعلم بلدة يحشر منها الأنبياء غير مكة ، ولا أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم

٢٤٨

أنه قال : «لا أعلم بلدة يكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر ، وقيام الدهر إلا مكة».

أقول : هكذا نقله الزمخشري ولم يتكلم عليه ، ولعل المراد ببعض بنيانها الكعبة الشريفة [لا](١) مطلق البنيان ، ولا مانع من إطلاقه ، فإن فضل الله أوسع ـ والله الموفق.

[فضل أهل مكة على غيرهم]

وأما فضل أهل مكة على غيرهم :

ففيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (٢) :

«بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتاب بن أسيد إلى أهل مكة ، فقال له :

هل تدري إلى من أبعثك؟!. أبعثك إلى أهل الله (٣)».

وفي رواية : «أتدري على من استعملتك؟!. استعملتك على أهل الله (٤) ، فاستوص بهم خيرا ـ يقولها ثلاثا».

قال الشلي في ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (٥) :

__________________

ـ من روح الجنة ما ينزل بمكة». ربيع الأبرار ١ / ٢٩٩. وانظر : الفاكهي ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ مع اختلاف في العدد (مائة ألف بدلا من مائة).

(١) زائدة من (ب) ، (ج). ولا يتم المعنى إلا بها.

(٢) انظره كاملا في شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٣) شفاء الغرام ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، والفاكهي ـ أخبار مكة ٣ / ٦٤ حديث رقم ١٨٠١ وإسناده ضعيف جدا كما ذكر المحقق عبد الملك بن دهيش.

(٤) هذا رواه الفاكهي ٢ / ٦٥ رقم ١٨٠٣.

(٥) ورد في النسخ «الشيلي». والصحيح : الشلّي محمد بن أبي بكر بن أحمد الحضرمي المكي أبو علوي جمال الدين. توفي سنة ١٠٩٣ ه‍. ولد بتريم باليمن ، وسافر إلى الهند ثم أقام بمكة ودرّس بالمسجد الحرام أعواما. ومن تلاميذه تاج الدين السنجاري.

٢٤٩

«كان يقال لقريش في الجاهلية أهل الله (١) لما تميزوا به عند سائر العرب في المحاسن والفضائل والمكارم. ولما جاء الإسلام وبعث فيهم خير الخلق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تظاهر شرفهم ، وصاروا على الحقيقة لأن يدعوا أهل الله ، فاستمر عليهم وعلى ساير أهل مكة وعلى أهل القرآن هذا الاسم».

ورأيت في هامش نسخة من خصايص عند قوله :

«وبلدة المدينة أفضل البلاد ما عدا مكة ، وبعدها في الفضيلة المدينة ، ثم بيت المقدس ، وهذه الثلاثة أفضل الأرض ، وأهلها أفضل الناس». ـ انتهى من التحفة لابن حجر (٢) ـ.

ومقتضى هذا أن أهل مكة مطلقا أفضل من أهل المدينة ، وأهل / ٢٥ المدينة أفضل من أهل بيت المقدس ، وأهل / بيت المقدس مطلقا أفضل من بقية أهل الأرض.

قال التقي الفاسي (٣) : «وقد ورد أن سفهاء مكة حشو (٤) الجنة ،

__________________

ـ واشتهر بالتاريخ والفقه وغيرهما مثل الفلك والرياضيات حتى لقب بالفلكي الرياضي.

من تصانيفه : تاريخ ولاة مكة ، والسنا الباهر بتكميل النور السافر في أخبار القرن العاشر وغيرهما. انظر : الزركلي ـ الاعلام ٦ / ٥٩ ـ ٦٠ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٣٥٣ ـ ٣٥٨.

(١) انظر : الفاكهي ٢ / ٦٨ : «وكان أهل مكة فيما مضى يلقبون فيقال لهم : يا أهل الله أو نحو ذلك. وقال عبد المطلب في آل الله :

نحن آل الله في بلده

لم يزل ذاك على عهد إبرهم».

(٢) ابن حجر المكي أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي شهاب الدين. توفي سنة ٩٧٤ ه‍. وله تحفة الأخبار في مولد المختار صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتحفة الزوار إلى قبر النبي المختار. انظر : الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ص ٢٢١.

(٣) شفاء الغرام ١ / ١٣٩. وذكره بالنص القاضي ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ١٣٨.

(٤) في (ج) «حشف».

٢٥٠

واتفق أنه وقع بين عالمين منازعة بمكة في تأويل الحديث وسنده ، فكابر أحدهما ، وطعن في سند الحديث ومعناه ، وقال صوابه : أسفاء مكة ـ من الأسف ـ. فأصبح وقد طعن في أنفه واعوج ، وقيل له : إي والله سفهاء مكة [من أهل الجنة](١) ، سفهاء مكة [من أهل الجنة](٢) ، سفهاء مكة [من أهل الجنة](٣) ، فأدركه روع ، وذهب (٤) إلى الذي كان يكابره في الحديث (٥) من علماء عصره ، وأقر على نفسه بالكلام فيما لا يعنيه ، وفيما لم يحط به خبرا (٦)».

قال القاضي (٧) : وما ذكر في (٨) الفضل فهو على العموم ، (يعم الصالح) (٩) والطالح ، كما يدل عليه سياق الكلام الذي هو في معرض الامتنان. وهذا الفضل لا يشاركهم فيه أحد ، وهم يشاركون الناس في أعظم الأمور ، مثل الإسلام والحج ، فالواحد منهم (منذ مسقطه) (١٠) في الأرض إلى حين وفاته ، يحج البيت إذا كان مقيما ، وفي حال صغره يحرم عنه وليه ، وهذا لا يتأتى لغير المكي ، فلو خصص أحد منهم بزيادة

__________________

(١) زيادة من شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٣٩.

(٢) زيادة من شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٣٩.

(٣) زيادة من شفاء الغرام للفاسي ١ / ١٣٩.

(٤) أشار ناسخ (ج) في الهامش أن في نسخة أخرى «خرج».

(٥) والحديث موضوع ذكره الشوكانى بالفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة صفحة ١١٣ والقارئ بالأسرار المرفوعة بالأحاديث الموضوعة صفحة ١١٧ وذكره بكشف الخفا ١ / ٥٥٠.

(٦) ذكر الفاسي أنه : تقي الدين محمد بن إسماعيل بن أبي الضيف اليمني الشافعي نزيل مكة ومفتيها. شفاء الغرام ١ / ١٣٩.

(٧) القاضي ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ص ١٣٩.

(٨) في (ب) «من».

(٩) في (ب) «للصالح».

(١٠) في (ب) ، (د) «عند سقوط».

٢٥١

فضيلة نحو العلم والورع والزهد ، فبخ بخ (١) ، فإن كان قرشيا واجتمعت فيه هذه (٢) الفضائل ، فلا كلام حينئذ (٣) في زيادة فضله.

[فضل الصبر بمكة]

وأما فضل الصبر بها :

فعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال (٤) : «من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه النار مسيرة عام».

[المرض بمكة وثوابه]

وأما المرض بها وثوابه :

فعن سعيد بن جبير (رضي‌الله‌عنه) (٥) : «من مرض يوما بمكة كتب له من العمل الصالح ما يعمله في سبع سنين ، فإن كان غريبا ضوعف (٦) له ذلك».

__________________

(١) كلمة تقال للرضا والإعجاب بالشيء أو الفخر والمدح. الفيروز آبادي ـ القاموس المحيط ١ / ٢٦٦.

(٢) غير مقروءة في (ج).

(٣) في (ب) «ح».

(٤) ذكره في الجامع اللطيف ص ٩٤ بهذا النص : «من صبر على حرّ مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام». كما جاء عند الفاكهي ٢ / ٣١٠ حديث رقم ١٥٦٥ بإسناد متروك. وفي حديث رقم ١٥٦٦ بإسناد متروك أيضا ٢ / ٣١١.

(٥) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (د).

(٦) في (ب) «ضاعف». والحديث ذكره الفاكهي ٢ / ٣١٢ حديث رقم ١٥٦٩ بإسناد متروك. وذكر القاضي ابن ظهيرة : «من مرض يوما واحدا بمكة كتب له من العمل الصالح الذي كان يعمله في غيرها عبادة ستين سنة». الجامع اللطيف ص ٩٤.

٢٥٢

هذا ملخص كلامهم في مكة وفضائلها (١).

[الكعبة الشريفة]

[وأما الكعبة الشريفة](٢) :

فهو اسم غالب على هذا البنيان (٣) [المشاهد كالنجم للثريا](٤) ، وقيل سميت كعبة لتكعب بنائها ـ أي تربيعه ـ. يقال : برد مكعب إذا كان مطويا مربعا /. وقيل لعلوه وارتفاعه ومنه الكعب لنتوه ، ويقال / ٢٦ تكعبت الجارية إذا نتأ صدرها (٥) ـ أي ثديها ـ فهي كاعب. وقيل لانفرادها.

ورأيت في بعض حواشي الكشاف (٦) أن كل بيت مربع فهو عند العرب كعبة ـ ذكره الأزهري (٧) ـ.

وقيل : الكعب في لغة العرب اسم لما ارتفع واستدار ، ومنه كعب

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د).

(٢) ما بين حاصرتين مطموس في (أ). والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د).

(٣) في (ب) ، (د) «البناء».

(٤) ما بين حاصرتين زيادة من (ب) ، (ج) ، (د).

(٥) في (أ) ، (ج) «نشأ صدرها». والاثبات من (ب). وفي (د) «نتأثديها».

وانظر : الفيروز أبادي ـ القاموس المحيط ١ / ١٢٩ ، ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٧١٨.

ابن الجوزي ـ أبو الفرج عبد الرحمن ، توفي سنة ٥٩٧ ه‍ ـ مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ١ / ٣٤٥.

(٦) للزمخشري.

(٧) انظر : لسان العرب ١ / ٧١٨. والأزهري محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أبو منصور. توفي سنة ٣٧٠ ه‍ ، أحد أئمة اللغة والأدب. ومن كتبه غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء ، وتفسير القرآن. انظر : الزركلي ـ الاعلام ٥ / ٣١١.

٢٥٣

ثدي الجارية إذا علا واستدار (١). والظاهر أن الأول أولى ، لأن وضع البيت الشريف ليس على الاستدارة بل هو ذو أضلاع أربعة وهو المربع عند أهل الهندسة.

وسمعت من الثقات : أن إبراهيم عليه‌السلام بنى هذا البيت على صورة الفرع المقدم ، وهو من القدر الثاني ـ وهو من كواكب القوس ـ طوله (باع وعرضه بطرم) (٢) وهو على صورة الفرع (٣) المذكور. وكان إبراهيم عليه‌السلام مطلعا على أسرار ملكوت السماوات والأرض. ولا يقدح في هذا أنه بناه على مقدار السكينة ، لأن المفهوم منه تعيين المكان (لا الشكل) (٤).

ولبنائه على هذه الصورة أسرار لا يطلع عليها إلا الماهر في علم الفلك. ـ انتهى كلام الحاشية (٥) ـ.

وذكر الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار (٦) :

«ونوبهار بلخ (٧) بناه أحد أجداد خالد بن برمك ، عارضوا به

__________________

(١) انظر : لسان العرب لابن منظور ١ / ٧١٨ ـ ٧١٩ ، ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٤٦٥.

(٢) علق الدهلوي ناسخ (ج) على ما بين قوسين بقوله : «كذا في الأصل ، ولم يظهر لنا المراد منه ، فليتأمل مع ما يأتي قريبا ـ انتهى». وفي (ج) «ياوشي وعرضه يطرم».

(٣) في (ب) ، (د) «الربع».

(٤) في (ب) «ولا لشكل». وفي (د) «والشكل».

(٥) في (د) كلام صاحب الحاشية أي الزمخشري في حاشيته على الكشاف.

(٦) يظهر أن ياقوت نقل عن الزمخشري. انظر : معجم البلدان ٥ / ٣٠٧.

(٧) ذكر ياقوت أن نوبهار في موضعين أحدهما قرب الري والآخر ببلخ بناه البرامكة ٥ / ٥ / ٣٠٧. وقد خربه عبد الله بن عامر بن كريز عند ما فتح خراسان ودخل بلخ ـ معجم البلدان ٥ / ٣٠٨.

٢٥٤

الكعبة ، وكانوا يطوفون به ، ويحجه (١) أهل مملكتهم ، ويلبس الحرير ، وكان بيتا حول أروقته ثلاثمائة وستون مقصورة ، يسكنها (٢) خدامه وقوامه ، وكان من يليه يسمى برمكا ـ يعني والي مكة ـ وانتهت البرمكة إلى خالد بن برمك ، فأسلم على يد عثمان (٣) وسماه عبد الله». ـ انتهى ـ.

قلت : وفي القاموس (٤) : «وبسّ ـ بالضم ـ بيت لغطفان بناها ظالم بن أسعد ، لما رأى قريشا يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا والمروة ، فذرع البيت ، وأخذ حجرا من الصفا ، وحجرا من المروة ، فرجع إلى قومه ، فبنى بيتا على قدر البيت ، ووضع الحجرين وقال : هذان الصفا والمروة فاجتزوا به عن الحج ، فأغار عليهم زهير بن جناب الكلبي (٥) فقتل ظالما وهدم بناءه». ـ انتهى ـ.

وذكر المسعودي في المروج ما نصه (٦) :

«وقد ذهب قوم إلى أن البيت الشريف على مرور الدهور معظم في سائر الأعصار ، لأنه بيت زحل ، وأن زحلا تولاه ، وزحل من شأنه

__________________

(١) في (ج) «ويحجبه».

(٢) في (ب) «سكنها».

(٣) أي عثمان بن عفان الخليفة الراشد رضي‌الله‌عنه (٢٤ ـ ٣٥ ه‍). وقد علق ناسخ (د) في الهامش حول خالد بن برمك : «الظاهر الى برمك أبو خالد».

(٤) أي القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ / ٢٠٨. وفي لسان العرب «بسّ موضع عند حنين» ٦ / ٩. وقال ياقوت : «وبس بيت بنته غطفان مضاهاة للكعبة. وذكر أماكن أخرى. معجم البلدان ١ / ٤٢١.

(٥) زهير بن جناب الكلبي من بني كنانة بن بكر خطيب قضاعة وسيدها وشاعرها وبطلها ووافدها الى الملوك في الجاهلية. له وقائع كثيرة أشهرها مع بكر وتغلب ، وهو من المعمرين. الزركلي ـ الاعلام ٣ / ٥١.

(٦) مروج الذهب ـ طبع دار الفكر ـ بيروت ٢ / ٢٣٧.

٢٥٥

البقاء والثبوت ، وان ما كان له فغير داثر ولا زائل ، وعن التعظيم غير حائل (١)». وذكر أمورا في الهياكل والبيوت تركناها لعدم تعلقها لما نحن بصدده ، وانما ذكرت هذا تقوية لقول صاحب الحاشية ، فإن مثل هذا القدر لا يبعد ـ فتأمله (٢)!.

ونقلت من بعض كتب (٣) الهيئة ما نصه :

«قال بعض علماء أهل الهيئة : ان الأرض برها وبحرها عند السماء كالمركز من الدائرة ، والكعبة جزء مكة ، ومكة جزء من أجزاء الأرض ، فلله تعالى في تفضيل هذا الجزء اليسير من الأرض لما يختاره أبلغ حكمة للنوع الإنساني المدعو إليه من وصوله إلى السعادة العظمى بعطاء (٤) ما يلزمه في الدنيا من الأمن من الخوف ، وفي الآخرة بتضعيف الثواب والأجر لطفا منه تعالى بخلقه». ـ انتهى ـ.

وذكر الأزرقي (٥) :

«أن الناس كانوا يبنون بيوتهم مدورة إعظاما للكعبة ، وأول من بنى بيتا مربعا بمكة حميد بن زهير (٦) ، فقالت قريش : «ربع

__________________

(١) في (د) " خامل».

(٢) أن هذه الأمور لا تصلح أن تقال في حق بيت الله المعظم ، وقد أنكر المسعودي ذلك ، حيث قال عقب هذا القول : «وذكر أمورا أعرضنا عنها لشناعة وصفها».

(٣) في (ب) «الكتب».

(٤) في (د) «بقضاء».

(٥) في كتابه : أخبار مكة المشرفة ١ / ١٩٦.

(٦) ذكر الفاكهي في أخبار مكة المشرفة : «كانت قريش لا تبني إلا خياما ـ شك الفاكهي ـ أو آجاما ، وتكره أن تضاهي ببناء الكعبة بالتربيع يخافون العقوبة في ذلك ، حتى ربع حميد بن زهير داره ، فجعلت رجال قريش يرتجزون وهو يبنى ويقولون :

اليوم يبنى لحميد بيته

إما حياته وإما موته.

فلما لم يصبه شيء ربعت قريش منازلها». الفاكهي ٣ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ رقم

٢٥٦

حميد (١) بيتا ، إما حياة وإما موتا».

والصحيح من مذهبنا (٢) عدم جواز تطويل البناء على الكعبة ، كمد هو معروف في محله.

[أسماء الكعبة]

والكعبة الشريفة بين الأخشبين المتقدم ذكرهما ، في وسط المسجد الشريف ، ولها أسماء كثيرة منها : البيت الحرام ، لأن الله تعالى حرمه وعظمه ، والمراد بتعظيمه تعظيم سائر الحرم ، ومن تعظيمه إضافته إليه تعالى في قوله :

(أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ)(٣)(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(٤).

ومنها : البيت العتيق : قيل لأن الله أعتقه من الجبابرة ، فلم يظهر عليه جبار. وقيل [لقدمه](٥) لأنه أول بيت وضع للناس ، وقيل لأنه أعتق من الغرق زمن الطوفان. وقيل لأن الله يعتق فيه رقاب المؤمنين من العذاب. وقيل لعتق زائره من النار. وقيل غير ذلك. والأول هو المعتمد كما قاله القاضي في الجامع (٦).

__________________

ـ ٢٠١٠. والخبر نفسه في جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(١) في (د) «زهير».

(٢) أي مذهب الإمام أبي حنيفة. مذهب المؤلف السنجاري.

(٣) في (د) «والقائمين».

(٤) سورة الحج الآية ٢٦.

(٥) زائدة من (ب) ، (ج) ، (د).

(٦) أي الجامع اللطيف ص ١٩ لابن ظهيرة. وانظر : ابن الجوزي ـ مثير العزم ١ / ٣٤٦.

٢٥٧

ولها أسماء غير ذلك ـ ذكرها الفاسي (١) ـ

[خواص الكعبة]

ولها خواص وآيات باهرة ذكرها القاضي (٢) وحذفتها للاختصار.

[ما يحيط بمكة]

ويحيط بمكة جبال لا يسلكها الراكب إلا من ثلاث جهات : من جهة المعلاة ، ومن جهة الشبيكة ، وجهة المسفلة.

لطيفة :

قال التقي الفاسي (٣) : «ذكر الفاكهي (٤) ما يقتضي تفضيل جهة المعلاة على جهة (٥) المسفلة ، لأنه قال ذكر فضل المعلاة على المسفلة حديث الزبير بن أبي بكر ، قال حدثنا حمزة بن عتبة اللخمي ، قال : سمعت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حدّ المشاعر بالمعلاة وعرفة ومنى والجمار والصفا والمروة والمسعى والركن والمقام ، برز إلى أسفل مكة فنظر يمينا وشمالا فقال : ليس لله تبارك وتعالى فيما ها هنا حاجة ـ يعني من المشاعر». ـ انتهى ـ.

وهذا خبر غريب ولذلك أوردناه والله أعلم [بصحته](٦).

__________________

(١) في الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧. كما ذكره ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ١٦ ـ ٢٠.

(٢) القاضي ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ص ١٦ ، ٣٣ ـ ٣٥.

(٣) في شفاء الغرام ١ / ٣٥.

(٤) في كتابه «أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه» ٣ / ٩٩.

(٥) سقطت من (ب).

(٦) زيادة من شفاء الغرام ١ / ٣٥. وذكر ابن دهيش أن اسناده ضعيف. انظر : الفاكهي ٣ / ٩٩ رقم ١٨٥٧.

٢٥٨

[بناء الكعبة]

وأما الكلام على بنائها :

ففي عدد بنائها خلاف ، قال الفاسي (١) : «وتحصل (٢) من مجموع ما قيل أنها بنيت عشر مرات». ـ انتهى ـ.

قلت : والمشهور أنها بنيت خمس مرات ، الأول بناء الملائكة ، والثاني بناء سيدنا آدم ، والثالث بناء إبراهيم عليه‌السلام ، والرابع بناء قريش في الجاهلية وحضره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، والخامس بناء ابن الزبير ثم هدم الحجاج بعضه ، وفي اطلاق البناية تجوز (٣).

وقيل : بنيت عشر مرات : بناها الملائكة ، ثم آدم ، ثم أولاده ، ثم الخليل ، ثم العمالقة ، ثم جرهم / ثم قصي بن كلاب ، ثم قريش ، ثم / ٢٨ ابن الزبير ، ثم الحجاج.

قال القاضي تقي الدين الفاسي (٤) :

«ووجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجاني (٥) : أن عبد المطلب

__________________

(١) شفاء الغرام ١ / ١٤٧.

(٢) في (ج) «وعقل». وفي (د) «ويتحصل».

(٣) في شفاء الغرام : «واطلاق العبارة بأن بنى الكعبة تجوز لأنه لم يبن إلا بعضها» ١ / ١٤٧. أي الحجاج بن يوسف الثقفي.

(٤) شفاء الغرام ١ / ١٤٧.

(٥) عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله البكري التونسي المكي المعروف بالمرجاني ، كان حيا سنة ٧٧٠ ه‍. تونسي الأصل اسكندري المولد مكي الدار ، من تصانيفه : أسماء أئمة العلم والأعيان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى زمنه ، وبهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة المختار ، وتاريخ من آدم إلى زمنه. انظر : الفاسي ـ العقد الثمين ٥ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، محمد الحبيب الهيلة ـ التاريخ والمؤرخون ٧٠ ـ ٧٢.

٢٥٩

جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى الكعبة بعد قصي بن كلاب ، وقيل بناها قريش ، ولم أر ذلك لغيره ، وأخشى أن يكون وهما. ـ انتهى كلامه ـ.

وقد جمع ذلك في أبيات منظومة كثير من الناس منهم (١) من ذلك ما أورده شيخ مشايخنا الشيخ نور الدين علي الأجهوري (٢) في شرحه لمنظومة السير على منسك خليل المالكي (٣).

أجب عن بناء البيت من جاء سائلا

بناء (لبيت أتى) (٤) فيه بحجاج

فآدم إبراهيم عملاق جرهم

قريش ونجل ابن الزبير وحجّاج

وأورد أيضا قول بعضهم :

بتاريخ الخميس (٥) أتاك عشر

بناء البيت (٦) بالترتيب فأعلم

ملائك آدم وكذا بنوه

وإبراهيم عملاق وجرهم

قصي بعده قالوا قريش

وعبد الله والحجاج تمم

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (د).

(٢) عبد الرحمن بن يوسف أبو الفيض زين الدين الأجهوري المالكي. توفي سنة ٩٦١ ه‍. فقيه مصري ، من كتبه : القول المصان عن البهتان ، شرح مختصر خليل. انظر : شذرات الذهب ٨ / ٣٢٩ ، الزركلي ـ الاعلام ٣ / ٣٤٣.

(٣) خليل المالكي : هو خليل بن إسحاق بن موسى ضياء الدين الجندي ، فقيه مالكي من أهل مصر ، كان يلبس زي الجند. له : المختصر في الفقه ، يعرف بمختصر خليل ، والمناسك ، وغيرهما. توفي سنة ٧٧٦ ه‍. انظر : الدرر الكامنة ٢ / ٨٦ ، الزركلي ـ الاعلام ٢ / ٣١٥.

(٤) في (ب) «ببيت اتني». وفي (د) «بناه ببيت أتى».

(٥) تاريخ الخميس ـ للديار بكري / الحسين بن محمد بن الحسن ـ نزيل مكة. توفي سنة ٩٨٢ ه‍. في (أ) «الخمس» والاثبات من (ب) ، (ج).

(٦) في (أ) «لبيت الله». والاثبات من (ب) ، (ج) ، (د).

٢٦٠