منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

إلى الخليفة العثماني يطلب منه الموافقة على تعيينه شريفا لمكة. فيتلقى الموافقة في صورة مرسوم سلطاني يقرأ في المسجد الحرام على ملأ من أصحاب الحل والعقد في موكب حافل بهذه المناسبة. كما كان الشريف يحرص أشد الحرص في كل عام على تسلّم براءة منصبه في حفل كبير يقام بالمسجد الحرام ويقرأ فيه فرمان السلطان (١). كما كان أمير مكة وشريفها هو المسؤول الأول عن منطقة الحجاز وحاضره وباديه وصاحب الكلمة العليا فيها.

وإلى جانب نظام الشرافة القديم أنشأ العثمانيون نظاما مدنيا جديدا في جدة أطلقوا عليه اسم صنجقية جدة ، ويتولاه أحد الحكام أو الأمراء العثمانيون بمرتبة صنجق أو باشا تتبعه فرقة عسكرية كاملة (٢).

ثم أضافوا بعد ذلك إلى صنجق جدة وظيفة شيخ الحرم المكي (٣).

إضافة إلى وجود موظف تابع لشريف مكة يتولى حكم الأهالي ويسمى وزير جدة. ولما كان والي جدة يتلقى أوامره من السلطان العثماني مباشرة ، فكانت إزدواجية إدارية.

وكثيرا ما أدت الازدواجية في السلطة إلى الخلاف والمنازعات بين صنجق جدة وشريف مكة ، خاصة إذا علمنا أن محصول ميناء جدة كان

__________________

(١) أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ٤٥١ ، فائق الصواف ـ العلاقات بين الدولة العثمانية وإقليم الحجاز ص ٥٤.

(٢) فائق الصواف ـ العلاقات بين الدولة العثمانية وإقليم الحجاز ص ٤٨ ، محمد أنيس ـ الدولة العثمانية والمشرق الإسلامي ص ١٢٩.

(٣) أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ٤٥١.

٢١

يوزع مناصفة بين والي جدة وشريف مكة (١). مما كان له الأثر على الحجاج وسلامتهم وتأديتهم مناسكهم ، حيث كانوا يتعرضون للفتن من جراء ذلك.

وبالرغم من ذلك ، فإن العثمانيون اهتموا بالحفاظ على الوضع السياسي لولاية الحجاز ، كي تظل تحت السيادة العثمانية ، وفي سبيل هذا الأمر اهتم العثمانيون بتعمير المدارس والأربطة (٢) والصرف عليها وعلى علماء الحرمين الشريفين ومشايخها والمتقاعدين بها من صدقات الجوالي (٣).

كل ذلك أدى إلى جذب عدد كبير من المسلمين للمجاورة في إقليم الحجاز (٤). وكان منهم العلماء وطالبوا العلم ، فازدهرت الحركة العلمية والثقافية ، إضافة إلى قدوم أعداد كبيرة من العلماء ـ لأداء فريضة الحج سنويا. فكان موسم الحج فرصة للتزود بالعلوم المختلفة وتناولها في جميع أجزاء العالم الإسلامي. وكان للرحلات العلمية من الحجاز وإليه أثرها الفعال في إنعاش الحركة العلمية ، فاحتلت الديار المقدسة مكة والمدينة مركز الصدارة لإقامة المشتغلين بالعلم فيهما وتلتهما مدينتا الطائف وجدة ، وكان التركيز على العلوم العربية والإسلامية.

__________________

(١) الأنصاري ـ تاريخ مدينة جدة ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، فائق الصواف ـ العلاقات بين الدولة العثمانية وإقليم الحجاز ص ٥٣.

(٢) انظر : القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٠ ـ ١٣٣.

(٣) الجوالي : ما يؤخذ من أهل الذمة والغرباء نظير إقامتهم في البلاد الإسلامية وعدم إجلائهم منها. عبد الله غازي ـ إفادة الأنام (مخطوط) ٣ / ٤٧ ، النهروالي ـ الإعلام ص ٧٦.

(٤) القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٠ ، ١٣٣ ، ١٣٥.

٢٢

وحفل القرن الحادي عشر بوجود أعداد كبيرة من الأسر ذات المكانة العلمية في مكة مثل آل الطبري (١) ، والمرشدي (٢) ، والقطبي (٣) ، والمنوفي (٤) ، والقلعي (٥) ، والمفتي (٦) ، وآل

__________________

(١) آل الطبري : وهم بيت علم وشرف ، ظهر منهم عدد كبير من العلماء والعالمات ... قدر عددهم بحوالي خمسة وثلاثين عالما ... وثمانية وثلاثين عالمة طبرية. الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم ورقة ٣٥ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ، ط ٤ ـ دار مكة للطباعة والنشر ـ مكة ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م ٢ / ٤٦٦ ، عائض الردادي ـ الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر ، ط ١ ـ ١٤١٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ـ مكتبة المدني ـ جدة ١ / ١١١. وترجم عبد القادر الطبري توفي سنة ١٠٣٣ ه‍ لعدد من أبناء الأسرة الطبرية في إنباء البرية بالأنباء الطبرية (مخطوط) في مكتبة الحرم المكي رقم ١٦ تراجم.

(٢) كما سيظهر في كتاب السنجاري. ومنهم عبد الرحمن بن عيسى بن مرشد العمري الذي قتل سنة ١٠٣٧ ه‍ ، وابنه حنيف الدين بن عبد الرحمن المرشدي المتوفى سنة ١٠٦٧ ه‍.

(٣) القطبي : أول من ظهر منهم محمد قطب الدين بن أحمد علاء الدين النهروالي المكي الشهير بالقطبي ، تولى مناصب دينية عالية في مكة منها إمامة المقام الحنفي ، هذا المنصب الذي ظلوا محتفظين به لدرجة أن عبد الكريم القطبي أخذ عليه مراسم سلطانية تمنع غيرهم من أخذه. عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ص ١٣ ، الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم ١٠١ ، أبو الخير ـ نشر النور والزهر ـ تحقيق محمد سعيد العمودي وآخرون ، ط ٢ ـ عالم المعرفة ـ جدة ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م ص ٣٩٥ ـ ٣٩٧.

(٤) كما سيظهر في كتاب السنجاري.

(٥) وأول من ظهر منهم الشيخ تاج الدين القلعي وابنه عبد المحسن وابنه عبد الملك. الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم ورقة ٢٠٩.

(٦) المفتي : وهي عائلة كبيرة عرفت بالفضل والأدب والثراء. اشتهروا بهذا اللقب لأن فتوى الحنفي بقيت فيهم حوالي ثمانين عاما. وأول من ظهر منهم أبو بكر عبد القادر أفندي الذي تولى الإفتاء ثم ابنه يحيى الذي تولاه إلى حين وفاته سنة ١١٤١ ه‍. الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم ١٦٩ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٦٨.

٢٣

علان (١) ، والعصامي (٢) وغيرهم.

كما حفل أيضا بظهور أعداد كبيرة من العلماء الأفذاذ أمثال : عبد الله بن سالم البصري (٣) ، وتاج الدين أحمد بن إبراهيم المالكي (٤) ، وعلي مير ماه (٥) ، وعبد الله عتاقي زاده (٦) ، وابن معصوم (٧) ، وغيرهم ممن لم يسع المقام لذكرهم ، وقد ورد ترجمة أكثرهم في هذا التحقيق.

ومن الجدير بالذكر أن معظم الأسر التي توارثت العلم والفضل في

__________________

(١) آل علان : واشتهر من آل علان الشيخ أحمد شهاب الدين بن إبراهيم بن علان ، وابن أخيه محمد علي بن علان وكان من نجباء عصره ، الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم ١٧٧ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

(٢) العصامي : أسرة عرفت بالعلم والفضل والقضاء بمكة ظهر فيها عدد كبير من العلماء والأدباء والقضاة أمثال عصام الدين العصامي وأبنائه القاضي محمد والقاضي علي والمفتي حسين العصامي ، والمؤرخ الأديب عبد الملك بن حسين العصامي وغيرهم. الشوكاني ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، ط ١ ـ مطبعة السعادة ـ القاهرة ١٣٤٨ ه‍ / ٤٠٣ ، المحبي ـ نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة ـ تحقيق عبد الفتاح الحلو ، ط ١ ـ عيسى الحلبي ـ القاهرة ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م ٤ / ١٢٣ ـ ١٢٨ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ص ٣٣٨ ، ٣٢٦ ، ١٨٠.

(٣) عبد الله البصري. كما سيرد في الجزء الثالث من التحقيق.

(٤) تاج الدين أحمد بن إبراهيم المالكي. كما سيرد في الجزء الثالث من التحقيق.

(٥) علي ميرماه. سيرد في الجزء الثالث من التحقيق.

(٦) عبد الله عتاقي. سيرد في الجزء الثالث من التحقيق.

(٧) ابن معصوم : هو علي بن أحمد بن محمد بن معصوم الحسيني. ولد في الحجاز وانتقل إلى الهند حيث التحق بوالده ، توفي بشيراز سنة ١١١٩ ه‍ ، المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٨٧ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ٣٥٩ ـ ٣٦٠. وعن والده انظر : الشوكاني ـ البدر الطالع ١ / ٤٨ ، الشرواني ـ حديقة الأفراح ص ٥٦.

٢٤

مكة والمدينة بدأت تختفي تدريجيا بعد القرن الحادي عشر (١) ، ولم يعد لها وجود في الوقت الحاضر.

أما أساليب الكتابة والتأليف فقد غلبت عليها الصناعة البديعية وخاصة السجع ، حيث كان ينظر لهذا النهج على أنه في غاية الفصاحة والبيان ، كما فسد الذوق الجمالي عند بعضهم فأصبح الممجوج يعد من الأساليب الحسنة ، والمستهجن من العبارات مألوفا ، وحسب بعضهم أن البلاغة هي أن يبدع الكاتب في الأساليب البديعية لفظا ، أما الأفكار والمعاني فقد كانوا يعدونه ثانويا تابعا. «وقد تضيع الفكرة في خضم الألفاظ المتلاطمة تكلفا وغرابة وبعدا» (٢).

أما على الصعيد الاقتصادي : فقد تميزت مكة وجدة بمكانة اقتصادية رفيعة ، حيث كانتا مركزا تجاريا هاما ، تنوعت فيهما العملة المتداولة في البيع والشراء ما بين أجنبية وإسلامية ومحلية مثل الدنانير الافرنتية وهي عملة بندقية عرفت في الشرق باسم بندقي ، بدأ التعامل فيها في مكة عام

__________________

(١) انظر كتب التراجم مثل : الفاسي ـ العقد الثمين ، السخاوي ـ الضوء اللامع ، ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ، المحبي ـ خلاصة الأثر ، الشوكاني ـ البدر الطالع. وكتب الرحلات مثل : ابن بطوطة ـ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي (توفي سنة ٧٧٩ ه‍) ـ رحلة ابن بطوطة ـ دار بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ، العياشي ـ أبو سالم عبد الله بن محمد (توفي سنة ١٠٩٠ ه‍) ـ ماء الموائد ، السليمان ـ علي بن حسين ـ العلاقات الحجازية المصرية زمن سلاطين المماليك ـ طباعة الشركة المتحدة للنشر والتوزيع سنة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م ص ٢٢٩ ـ ٢٤٣ ، الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ٨٦ ، ١٠٢ ـ ١٤٨.

(٢) وقد ظهر ذلك جليا في كتاب السنجاري موضع التحقيق في القسم الأخير من سنة ١٠٧٠ ه‍ إلى ١١٢٤ ه‍. وانظر : الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ١١٣ ـ ١١٥.

٢٥

٨١٥ ه‍ (١) ، والقرش (٢) ، والدنانير الذهبية (٣) ، والدراهم الفضية ، التي شاع استخدامها في مكة أكثر من الدنانير الذهبية (٤) ، والدنانير الأشرفية التي ضربت عام ٨٢٩ ه‍ بأمر من السلطان بر سباي لتحل محل العملة الافرنتية ، حيث استعملت في مكة حوالي سنة ٨٣٤ ه‍ (٥) ، والمحلق الذي ضرب في مكة من الفضة وراج استعماله في القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري ، فأصبح النقد السائد في البيع والشراء (٦) ، والمقصوص (٧) ، والحرف (٨) ، والديواني (٩).

__________________

(١) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٧٦ ، المقريزي ـ السلوك ٢ / ٢٥٣ ، الزهراني ضيف الله يحيى ـ أسعار المواد الغذائية بمكة المكرمة خلال الفترة ٦٤٨ ـ ٩٢٣ ه‍ ـ مطابع جامعة أم القرى سنة ١٤١١ ه‍ / ١٩٩١ م ص ٢٧ ، ١٠٦.

(٢) انظر أحداث سنة ١٠٣٧ ه‍ من هذا الكتاب.

(٣) انظر أحداث سنة ٨٢٨ ه‍ من هذا الكتاب.

(٤) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٣ / ٢٧٢ ، المقريزي ـ السلوك ١ / ٨٥١ ، الزهراني ـ أسعار المواد الغذائية بمكة ص ١٠٤ ، وأحداث سنة ٩٦٣ ه‍ من هذا الكتاب.

(٥) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ٣ / ٢٧٦ ، المقريزي ـ السلوك ١ / ٢٥٣ ، الزهراني ـ أسعار المواد الغذائية بمكة ص ٣٢ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، وأحداث سنة ١٠٦٦ ه‍ من هذا الكتاب.

(٦) انظر : العز بن فهد ـ بلوغ القرى ورقة ٥٢ ، ٦٢ ، ٧٢ ، ١٢١ ، ١٢٩ ، الزهراني ـ أسعار المواد الغذائية بمكة ص ٣٢ ، ١٠٨ ، وأحداث سنة ١٠٦٦ ه‍ من هذا الكتاب.

(٧) انظر أحداث سنة ١٠٧٦ ه‍ من هذا الكتاب.

(٨) انظر أحداث سنة ١٠٨٣ ه‍ من هذا الكتاب.

(٩) انظر أحداث سنة ١٠٩٦ ه‍ من هذا الكتاب.

٢٦

نسب السنجاري ومولده :

مؤلف الكتاب منائح الكرم في أخبار مكة وولاة الحرم. هو العالم الفقيه الخطيب الإمام الشاعر المؤرخ علي بن تاج الدين بن تقي الدين بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن مصطفى السنجاري نسبة إلى سنجار (١) المكي الحنفي (٢).

وقد اتفقت المصادر على هذا النسب (٣) ، والسنجاري نسبة إلى سنجار بلاده الأصلية التي وفد منها أحد أجداده مع الكثير ممن وفد إلى مكة المكرمة من بلاد الإسلام ، فأسرته مجاورة بمكة منذ زمن لم تسعفنا المصادر في تحديده. فلم نعثر في المصادر التي بين أيدينا عن سنة هجرة هذه

__________________

(١) مدينة مشهورة من مدن العراق في نواحي الجزيرة الفراتية غرب مدينة الموصل وجنوب نصيبين ينسب إليها جماعة وافرة من أهل العلم. انظر : ياقوت الحموي : شهاب الدين أبي عبد الله بن ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (توفي سنة ٦٢٦ ه‍) ـ معجم البلدان ـ دار صادر ـ دار بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت سنة ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ٣ / ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، البغدادي ـ صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق (توفي سنة ٧٣٩ ه‍) ـ مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ـ تحقيق علي محمد البجاوي ، ط ١ ـ دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه ١٣٧٣ ه‍ / ١٩٥٤ م ٢ / ٧٤٣.

(٢) المحبي ـ نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة ـ تحقيق عبد الفتاح الحلو ، ط ١ ـ القاهرة ١٣٨٩ ه‍ / ١٩٦٩ م ٤ / ١٣٤.

(٣) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٢٩ ترجمة جد السنجاري ، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٤٧٥ في ترجمة جد السنجاري تقي الدين ، ابن معصوم ـ علي بن أحمد توفي سنة ١١٢٠ ه‍ ـ سلافة العصر في محاسن الشعراء ـ المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية بأزمهتاش ص ٢٣٠ في ترجمة جده ، ابن المحب الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن ـ أحداث سنة ١١٢٥ ه‍ ، الزركلي ـ الاعلام ٤ / ٢٩٢ ، كحالة عمر ـ معجم المؤلفين ٧ / ٤٩.

٢٧

العائلة من سنجار ومجاورتها في مكة إلّا أن الإشارات كثيرة إلى أنه قد تدفق على الحجاز في القرن السابع الهجري أجناس شتى من الشعوب الإسلامية ، وقد تعززت هذه الهجرة بعد القرن الثامن الهجري حيث ازداد عدد المجاورين في القرنين التاسع والعاشر الهجريين (١).

ولد السنجاري في مكة سنة ١٠٥٧ ه‍ / ١٦٤٧ م في السنة التي توفي فيها جده (٢) ، ولم نعثر فيما رجعنا إليه من مصادر على يوم ولادته أو في أي شهر من سنة ١٠٥٧ ه‍ كان ذلك.

العوامل المؤثرة في نشأته وثقافته :

هناك عدة عوامل أثرت في نشأة السنجاري وثقافته نذكر منها :

أ. بيت السنجاري وبيئته :

نشأ المؤلف وترعرع في بيت علم وأدب رفيع ، فقد عرفت أسرته بالجاه والعلم والثراء (٣) ، وممن اشتهر من أسرته جده تقي الدين المولود في مكة سنة ١٠١٠ ه‍ / ١٦٠١ م ، وبها نشأ وتأدب وبرع وأخذ عمن بها من أكابر الشيوخ فصار أحد فضلائها ونبلائها. وارتفع به أدبه فغدا أحد

__________________

(١) انظر كتب التراجم مثل : الفاسي ـ العقد الثمين ، السخاوي ـ الضوء اللامع ، ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ، المحبي ـ خلاصة الأثر ، الشوكاني ـ البدر الطالع. وكتب الرحلات مثل : ابن بطوطة ـ رحلة ابن بطوطة ، العياشي ـ ماء الموائد ، السليمان ـ علي بن حسين ـ العلاقات الحجازية المصرية زمن سلاطين المماليك ، الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ٨٦ ، ١٠٢ ـ ١٤٨.

(٢) ابن حبيب المدني : محمد أمين ـ طبقات فقهاء السادة الحنفية (مخطوط في مكتبة الحرم المكي رقم ٢٩١ / تراجم ورقة ٣٢٣.

(٣) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٣٤.

٢٨

أعلامها (١) مما جعل المحبي يصفه في كتابه نفح الريحانة (٢) فيقول :

«الاسم تقي ، والعرض نقي ، والخلق رضي ، والفعل بحمد الله مرضي. تميز بهذا الشأن على وفور حلبته ، وفرع فيه البيان على سمو هضبته ، وفوّق سهمه إلى نحر الإحسان فأثبته في لبته ، مع أدب غاص في لجة بحره فاستخرج درره ، وأثبتها في جيد الدهر ونحره».

وأورد له المحبي مجموعة من أبياته الشعرية في كتابه نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة (٣). كما أورد له حفيده السنجاري في كتابه منائح الكرم مجموعة من الأشعار (٤).

لكن ابن معصوم حطّ من قدره لغرض في نفسه ، ولعل تشيعه قد دفعه إلى ذلك (٥) ، فقد قال عنه في كتابه سلافة العصر (٦) :

__________________

(١) انظر : المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٧٥ ـ ٤٧٩ ، أبو الخير مرداد ـ مختصر نشر النور والزهر ص ١٥١.

(٢) المحبي ـ نفحة الريحانة.

(٣) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ، ١٣٢ ـ ١٣٣. وهذا نموذج من شعره إلى القاضي تاج الدين المالكي ملغزا في نخله :

أيها المصقع الذي شرف الده

ر وأحي دوارس الأداب

والهمام الذي تسامى فخارا

وتناصى في العلم والأحساب

والخطيب الذي قال إذا قال أما

بعد أشفى بوعظه المستطاب

(٤) انظر حوادث سنة ١٠٤١ ه‍ ، ١٠٤٧ ه‍ من الكتاب ، ومن أبياته :

حين وافاك البشير ضحى

معلنا بالنصر والظفر

قال هذا ما نحاوله

من ضيع الله والقدر

(٥) انظر : المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٧٥ ، ٤٧٦.

(٦) انظر : السلافة ص ٢٣٠ ، ٢٣١.

٢٩

«أديب قام به أدبه المكتسب ، إذ قعد به عن موروث الحسب والنسب. فهو ابن نفسه العصامية إذا عدت الآباء والجدود ، والمنشد لسان حاله عند افتخار السيد على المسود :

ما بقومي شرفت بل شرفوا بي

وبنفسي فخرت لا بجدودي

سمع قول بعض الأدباء :

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك موروثه عن الحسب

فأجهد نفسه في تحصيل الأدب واكتسابه ، وغني عن شرف النسب بانتمائه إليه وانتسابه ، فتمثل فخرا على كل معرق غبن.

إن الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي"

قال المحبي في كتابه خلاصة الأثر (١) :

«وهذه الترجمة ، كانت أعظم أسباب التعرض لسب السلافة وصاحبها ، فإن حفيد صاحب الترجمة صاحبنا الفاضل الأديب علي بن تاج الدين السنجاري لما رآها استشاط غيظا ، وعمل هذين البيتين وهما :

هات اقر لي ريحانة ابن خفاجة

لا عطر بعد عروس لفظ محكم

واترك سلافة رافضي مبعد

إن السلافة لا تحلّ لمسلم

وقال أيضا :

قولا لنجل ابن معصوم إذا نظرت

إليه عينا كما عنى ولا تخفا

المزر أحسن من هذى السلافة إذ

تديرها الحبش في حيشانها غرفا

__________________

(١) المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٧٥ ، ٤٧٦.

٣٠

ما زدت عن أن أفدت الناس قاطبة

يا رافضي بما أضمرت للخلفا"

ويبدو أن ذلك قد وصل إلى مسامع ابن معصوم ، فوصف علي السنجاري بأشنع الوصف ، وقذفه بأقبح الكلام ، حيث قال (١) :

«فخلف من بعده خلف هدموا ما ابتناه ، وخضموا ما اقتناه ، فعادت إلى غيها لميس ، وأصبحت عراتهم من الفضل بالعار تميس ، يدرجون في الأكمال والذيول ، وهو من الخسف بمدرجة السيول ، يزعمون أن أسلفهم بسنجار ، من أتمّ حرّ الأصل والنجار ، فمن أنكر قديمهم قذفوه ، ومن عرف حديثهم قربوه ، يدلون بالخطابة وهي طريقتهم ، ويأنفون من الحطابة وهي حرفتهم ، على أن أم جميل تستصرخ أبا لهبها ، من شركتهم لها في لقبها ، ولو وجدت سبيلا إلى اقتيادهم لجعلت حبل جيدها في أجيادهم ، وعهدي نتاجهم لا ترضى به ساق أنه خلخالا ، ولو ساق من طرفه سبعين عما وخالا ، يرنح عطفيه صلفا ، وقامته شبرا ، ويرى وجهه مرآة الغربة وصبغة حبرا ، وبلغني أن ابنه في هذا الأوان ، عطس عن أنف ، طالما جدع على الهوان ، فتعاطى الشعر والنظم ، ولاك من سفسافة الشعر والعظم ، وكرب من المشرف في جهل رأسه ، وأحلّ لمضغ لحوم أهل الشرف أضراسه ، ولعب بلسانه كيف شاء وأشاع السوء من القول والفحشاء ، وما علم أن الذباب لا يخبث بوليمة العباب ، ولكن لا عجب للأخدل إن جمر ، وللكلب إن نبح القمر ، ولئن لهج بالبذاء حتى أنتن الشعر بفيه ، وتشابهت أصوات نبحه وقوافيه ، فقد جنى من غرسه لنفسه ما حلا معه آلاء ، ومن تمرد على العافية تمرد عليه البلا ، وفيه يقول بعض

__________________

(١) ابن معصوم ـ سلافة العصر ص ٢٣١ ـ ٢٣٤.

٣١

العصريين مشيرا إلى حرفته ، ولم يتجاوز حد معرفته :

لغا بقول الخنا ولا عجب

أغراه بالسوء قلة الأدب

ما باله قد غدا أبا لهب وكان قدما حمالة الحطب».

وكرر المعنى فقال :

«لغا بقول الخنا جهرا لا عجب

أغراه بالسوء جهلا قلة الأدب

ما باله ويله أضحى أبا لهب

من بعد ما كان من حمالة الحطب"

ولنرجع إلى ما نحن بصدده : فنقول أن المحبي وصف التقي السنجاري جدّ علي في كتابه خلاصة الأثر (١) ناقلا ذلك عن الأديب مصطفى بن فتح الله قوله :

«سابق فرسان الإحسان ، وعين أعيان البيان والتبيان ، رفع للعلوم راية ، وجمع فيها بين الرواية والدراية ، وغاص في بحر الأدب ، فاستخرج درره ، وسما إلى مطالعه فاستجلى غرره ، فنظم اللآلىء والدراري ، ونثر وجدّد ما درس من مغاني المعاني ودثر ، ثم أنشد له من شعر قوله ملغزا في نخلة ، وكتب بها إلى القاضي تاج الدين المالكي :

أيها المصقع الذي شرف

الدهر وأحيا دوارس الآداب

والهمام الذي تسامى فخارا

وتناهى في العلم والأحساب (٢)

كما كان من مداح الشريف زيد بن محسن بن الحسين بن الحسن

__________________

(١) المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٧٦ ـ ٤٧٩.

(٢) انظر بقية القصيدة وجوابها في نفس المصدر السابق ١ / ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ابن معصوم ـ سلافة العصر ٢٣١ ـ ٢٣٤.

٣٢

ابن أبي نمي (١).

وكان من الرجالات المعول عليهم في كثير من الأمور ، منها كما ذكر حفيده : «أنه في سنة ١٠٤١ ه‍ / ١٦٣٢ م مدح الشريف زيد بقصيدة فجعل الشريف إجازته له نظر كتاب الصرّ ، فلما أن أتمّ القصيدة أمر بتفرقة الصرّ ، فنزل من عنده واستلم الصرّ من الحج وفرقه على أهاليه ، واستمر هذا المنصب في يده إلى أن عزل بالقاضي أبي بكر الحنبلي رحمهم‌الله في حدود سنة سبع وخمسين وألف (٢) ١٦٤٧ م».

وفي هذه السنة نفسها : أرسل إليه الشريف زيد ، ليصلي بالناس الجمعة ، بدلا من الشيخ محمد المنوفي المعزول عنها (٣).

وأما والد السنجاري تاج الدين : فقد كان على درجة عالية من العلم والمعرفة ، جعلت ولده علي يعتمده في الكثير من الأحداث ، وخاصة أنه كان من أصدقاء الوزير الجمال محمد الغزي ، ووزير الشريف سعد ورواد مجلسه ومجلس الشريف سعد في تلك الفترة (٤). كما كان يحضر ديوان الشريف أحمد بن عبد المطلب (٥).

في هذا البيت نشأ السنجاري بعربية سليمة واضحة في كتاباته وشعره ، جعل المحبي في نفح ريحانته (٦) يثني عليه بقوله :

__________________

(١) انظر هذه القصائد في هذا المخطوط لوحة ٢١٦ ، ٢١٧ من (أ).

(٢) انظر هذه الأخبار في هذا المخطوط لوحة ٢١٣ من (أ).

(٣) انظر هذا الخبر في هذا المخطوط لوحة ٢١٣ من (أ).

(٤) انظر اللوحات ٢١٣ ، ٢١٥ ، ٢١٧ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ من (أ).

(٥) انظر أحداث سنة ١٠٣٧ ه‍ من كتاب منائح الكرم.

(٦) المحبي ـ نفح الريحانة ٤ / ١٣٤.

٣٣

«فاضل نشر أدبه ، فأدهش مخبره ، وتنسم صبا خلقه ، فعطر المسام مسكه وغبره.

نشأ في حجر الكرم ، متفيئا ظلّ حرم المجد المحترم ، فطلع وفق ما اقتضته العناية ، ودلت عليه كلمة الفضل بالصريح والكناية ، وقد رأيته وليس بينه والمنى حجاز ، وحقيقة فضائله لا يطرقها مجاز ، فاستضأت حينا بمنظره البهي ، وتمتعت آونة بلفظه الشهي ، ورأيت أدبا كالعمر في ريعانه ، وسمعت شعرا كالشباب في رونقه ولمعانه».

كما ذكر أبو الخير مرداد في كتابه مختصر نشر النور والزهر (١) ما وصفه به الحموي في كتابه نتائج السفر الذي قال :

«أحد علماء هذا العصر وفقهائه وأدبائه وشعرائه ، تفنن في علومه ، وأجاد في منثوره ونظمه ، وتميز بالفضل على أقرانه ، وزاحم بمنكبه صدور أماجد زمانه. أخذ عن أكابر العلماء الأعيان ، وبرع في جميع الفنون بما يعجز عنه الواصفون».

فمن شعره قوله من قصيدة أولها (٢) :

على مثلها من أعين كحلها السحر

يهون الذي نلقى وإن عظم الأمر

فعني إلى غيري العداة عواذلي

فلي شرعة من الحب لستم بها تدروا

قال المحبي (٣) : «وأنشدني من لفظه لنفسه :

__________________

(١) أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ص ٣٥٨.

(٢) انظر ياقي القصيدة في : المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٣٤ ، ١٣٥.

(٣) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٣٥.

٣٤
٣٥

ما سهل الله أن تسمى

لما حوته غير السلافة

وفي كتابه منائح الكرم الذي أفاض به وأجاد في تأريخه لمكة المكرمة ، حيث جمع فيه ما وجده في أمهات الكتب وغيرها مما تناثر في جوانب سواها عن أخبارها وآثارها وولاتها وغير ذلك. تناول أخبار مكة والبيت في معظم الجزء الأول بشكل عام. ثم رتب الباقي ترتيبا حوليا.

كما كان السنجاري أحد علماء عصره وفقهائه ، أخذ علمه عن أكابر العلماء والفقهاء في ذلك الوقت حتى غدا أحدهم (١) ، مما جعله جديرا بخطابة وإمامة المسجد الحرام (٢). وهذا منصب لا يتولاه إلا كل فقيه ضالع في أمور الدين يلم بالعلوم الشرعية والأدبية ، وكثيرا ما عالج في كتابه منائح الكرم أمورا فقهية تدل على تضلعه في الفقه.

ويتضح ذلك في كتابه القربة بكشف الكربة (٣) الذي عالج فيه موضوع عدم صحة صلاة المؤتم بالإمام الخارج وهو في جوف الكعبة.

كما أنه قاوم بعض البدع التي كانت شائعة فيمن قبله ، وذلك بالتركيز عليها كتابة للفت الأنظار لمعالجتها ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره حول بدعة تقبيل خف جمل المحمل (٤) ، وبدعة سرة الدنيا ، وبدعة الوقيد في

__________________

(١) انظر : أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ص ٣٥٨.

(٢) انظر : ابن المحب الطبري ـ إتحاف فضلاء الزمن أحداث سنة ١١٢٥ ه‍ ، الدهلوي ناسخ النسخة (ج) ختم بها الجزء الثالث من المخطوط ، الردادي ـ الشعر الحجازي حاشية ص ١٥٥.

(٣) انظر : البغدادي ـ إيضاح المكنون ٢ / ٢٢٢ ، الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٢٩٢ ، كحالة ـ معجم المؤلفين ٧ / ٤٩.

(٤) انظر لوحة ١٣٤ من (أ).

٣٦

المقامات ، وبدعة طواف الأشراف بجثث موتاهم حول الكعبة ، وآراء الفقهاء والمؤيدين لوجهة نظره مثل رأي ابن الضياء الحنفي (١) وغيره. ومع ذلك فقد أيّد بعض البدع وامتدحها ، مثل بدع القبوريين والصوفيين تلك التي كانت شائعة فيمن قبله وفي عصره ، وقد شنّ غارة شعواء على شيخه محمد بن سليمان المغربي الذي ألغى مولد العيدروس وضرب الدفوف بالمولد النبوي (٢).

كما ركّز بالكتابة على بعض الأخطاء الصادرة من ولاة الأمر والتنبيه عليها لمخالفتها للشرع مثل ما ذكره حول قصة حج قايتباي ودخوله الحرم غير محرم وتعثر حصانه جزاء من الله لدخوله دون إحرام (٣) ـ على حدّ تعبيره ـ.

وقصة بناء الغوري لمدرسته ورباطه في هواء المسجد موردا آراء الفقهاء في ذلك (٤).

مما لا شك فيه أن شيخنا علي السنجاري تأثر بهذا البيت الذي نشأ فيه تأثرا كبيرا من حيث العلم الواسع والمكانة الرفيعة التي كانت لأسرته وأكسبته العديد من الصفات الحسنة التي ميزته على أقرانه والتي ساعدت على اكتسابه الاستعداد والذكاء الفطري الذي كان لديه.

وهذا الرأي لم نلق به جزافا ، إنما استخلصناه من أقوال وآراء الأدباء

__________________

(١) انظر لوحة ١٥٣ من (أ).

(٢) انظر لوحة ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٧ ، ١٨٢ ، ٢٣٣ ، ٢٤٣ من (أ).

(٣) انظر لوحة ١٣٨ من (أ).

(٤) انظر لوحة ١٣٩ من (أ).

٣٧

والكتاب والعلماء الذين كتبوا عنه ، وأجمعوا على وصفه بالفضل والعلم والأدب والأخلاق الحسنة (١).

هذه الصفات والأخلاق التي كانت له ساعدته على إقامة علاقات وصداقات مع عدد كبير من الأفراد في مجتمعه منهم الأدباء والشعراء والمشايخ والوزراء والقواد وغيرهم من الشخصيات.

فمكانة بيت السنجاري وصفاته وأخلاقه وتنوع ثقافته وأدبه وعلمه ساعدته على إقامة علاقات وصداقات مع أفراد مجتمعه ساعدت في نقله أخبار مكة بدقة فيما عاصره من أحداث أو فيما رواه عن والده وجدّه.

ونلمح هذا الأمر من خلال تسجيل السنجاري للأحداث ودور هذه الشخصيات فيها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يتحدث عن هذه الشخصيات يذكر علاقته بها بقوله : صاحبنا الشيخ سعيد المنوفي ، صاحبنا الفاضل أحمد بن علان الصديقي ، صاحبنا الرئيس محمد بن يحيى المدني ، صاحبنا عمر بن سليم ، صاحبنا السيد محمد بن حيدر الشامي ، صاحبنا الأديب هشام الأزراري ، وغيرهم ممن ورد ذكرهم في أثناء تسجيله للأحداث التاريخية التي مرت بهم (٢).

كما نلمح من خلال الكتاب حسن خلق السنجاري المتمثل في اعترافه لأصحاب الفضل بفضلهم وعلمهم ، فهو عندما يتحدث عن العلماء والمشايخ الذين كان لهم دور في الأحداث يشير إليهم بكل احترام

__________________

(١) المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٣٤.

(٢) وبشكل خاص في حوادث ما بين عامي ١٠٧٠ ـ ١١٢٤ ه‍.

٣٨

وتقدير ، فهو على سبيل المثال عندما يذكر الشيخ مرشد الدين المرشدي ، كان يقول : مولانا القاضي مرشد الدين ، مولانا الشيخ سالم بن أحمد الشماع ، شيخ مشايخنا الشيخ عبد الرؤوف الواعظ المكي ، شيخ مشايخنا الشيخ وجيه الدين عبد الرحمن بن عيسى المرشدي ، شيخ مشايخنا العلامة الإمام علي بن عبد القادر الطبري ، وشيخ مشايخنا العلامة الشهاب الخفاجي ، وشيخ مشايخنا الشيخ نور الدين الأجهوري ، وشيخ مشايخنا الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن علان البكري ، وشيخ مشايخنا شهاب الدين أحمد بن الفضل باكثير المكي ، إضافة إلى قوله صاحبنا وشيخنا (١).

كما يظهر لنا من خلال تسجيل السنجاري للأحداث والمواقف التي مرت بها البلاد صفة التواضع التي تميز بها ، فهو رغم المكانة العالية والمتميزة التي كانت له لدى الأشراف والأمراء والوزراء والقواد ، لم يحاول أن يظهر ذلك ، وإنما استخلصناه من خلال أقواله مثل : أنشدته في مجلس خاص ، مجلس الشريف الخاص ، أخبرني الوزير محمد علي سليم ، أخبرني فقيه سردار المتفرقة ، دعوة الشريف أحمد بن زيد لإلقاء قصائده بين يديه.

كما نلحظ أمرا هاما في شخصية السنجاري وهو أنه كان على قدر من التدين ، ويظهر هذا الأمر من خلال أقواله في أثناء تسجيله للأحداث من أمثال ما يأتي :

لله الحمد والمنة ، والله الفعال لما يريد ، أدام الله توفيقه عليه ، نسأل الله اللطف ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، سبحان الحي الذي لا يموت أبدا والفعال لما يريد ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قضاؤه وقدره ، والله

__________________

(١) وتكرر هذا كثيرا في خلال كتابه.

٣٩

أعلم ، جزاه الله خير الجزاء ، وإلى غير ذلك من الأقوال (١).

كما كان سنيا متمسكا بمذهب أهل السنة والجماعة ، لا يميل إلى جماعة الشيعة ، ويقول عنهم : «نعوذ بالله من أهل الضلالة» ، «وأهل الطائفة الملعونة» ، «أزالهم الله» (٢) ، «ولعنهم الله».

كما كان لا يميل إلى وجود النصارى في بلاد المسلمين ، فمن ذلك إعجابه بموقف أحمد باشا في إخراج النصارى من جدة ، وانتقاده لموقف أحمد باشا من سماحه للنصارى بسكن جدة.

كما نلحظ على السنجاري أيضا ميله إلى الصوفية والمتصوفين.

وهذا داء عمّ الأمة الإسلامية في عصر السنجاري.

ويدلنا على ذلك قصة عفيف الدلاصي ، والتي مرّ عليها دون أن يعلق عليها كما هي عادته في مثل هذه الأحداث (٣).

وكذا صداقته القوية مع أحمد شهاب الدين بن علان والذي كان من كبار أئمة التصوف بمكة المكرمة.

كما كانت أسرة السنجاري على علاقة كبيرة ووطيدة مع أئمة التصوف بمكة المكرمة مثل السيد العيدروس (٤).

__________________

(١) يظهر ذلك في ثنايا كتابه وخاصة ما بين ١٠٧٠ ـ ١١٢٤ ه‍.

(٢) السنجاري ـ منائح الكرم سنة ١٠٨٨ ه‍.

(٣) السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ٩٩٢ ه‍ (وفاة أبي نمي). والقصة تقول أن الشريف أبا نمي لما توفي امتنع الشيخ عفيف الدين من الصلاة عليه فرأى في تلك الليلة السيدة فاطمة الزهراء في المسجد الحرام والناس يسلمون عليها فأقبل للسلام عليها فأعرضت عنه ، فتحامل على نفسه وسألها فقالت : يموت ابني ولا تصل عليه؟ فاعتذر لها وانتبه.

(٤) العجيمي ـ خبايا الزوايا ١ / ٢٤٢.

٤٠