منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما (١) : أنه مرّ به على كاهنة من تبالة (٢) متهودة ، قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فقالت له ما تقدم ـ إلى آخره والله أعلم».

فأتى عبد المطلب وهب بن عبد (٣) مناف بن زهرة بن كلاب ، فخطب ابنته آمنة لابنه عبد الله ، فأجابه إلى ذلك ، فعقد عليها من وقته ، وأمها برّة ابنة عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ، فيقال أنه دخل عليها عبد الله لوقته ، فواقعها ، فحملت بأشرف المخلوقات سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

نسب أضاء عموده في رفعة

كالبدر فيه ترفّع وضياء

قال بعض العلماء (٥) : هذا النسب يكتب لكل شيء ، فانه جمع حروف الاسم الأعظم ، وقد / جرّب في مهمات كثيرة ، وما زال العلماء

__________________

(١) انظر الخبر في السيرة الحلبية ص ٣٩.

(٢) تبالة : بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن كانت أول عمل وليه الحجاج بن يوسف الثقفي. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٩ ـ ١٠.

(٣) سقطت من (ب) ، (د).

(٤) انظر في نسبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢٨ ، ابن هشام ـ السيرة ١ / ١ وما بعد ، ابن قتيبة ـ المعارف ٣٢ ـ ٣٣ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٦ ، القضاعي ـ تاريخ ١٧١ ـ ١٧٣.

(٥) لم يذكر السنجاري من هم هؤلاء العلماء؟!. وواضح أنهم من الصوفية. والذي ورد في السنة الصحيحة الفضل فيمن أحصى أسماء الله سبحانه وتعالى : «فعن أبي هريرة عن النبي (قال : لله تسعة وتسعون اسما من حفظها دخل الجنة ...». سنن ابن ماجه ٥ / ١ رقم ٦٧٥.

٤٢١

من السلف يحفظونه ، ويأمرون أولادهم بحفظه والتبرك به ـ انتهى.

فخرج عبد الله من عندها ، ومر بالمرأة السعدية ، فلم تكلمه ، فالتفت إليها وقال : «مالك لا تسألين سؤالك بالأمس؟!». فقالت : «والله ما بي من ريبة ، ولكن رأيت في وجهك نورا ، وأنا على علم من نبي يبعث ، فرجوت أن تكون أباه ، وأكون أمه ، ولم أر الآن في وجهك (شيئا من) (١) ذلك النور ، فما أحدثت بعدي؟!». فأخبرها بزواجه آمنة بنت وهب ، فأنشأت تقول :

إنّي رأيت مخيلة لمعت

وتلألأت كتلألؤ (٢) القطر

في وجهه نور يضيء له

ما حوله كإضاءة البدر

فرجوته فخرا أبؤ به

ما كل قادح زنده يوري

لله ما زهرية سلبت

نورا فحلّ بها ولم تدر

[وفاة عبد الله]

فلما تم لآمنة شهران من حملها ، توفي عبد الله ، وقيل بعدما ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بثمانية وعشرين شهرا ، وقيل سبعة أشهر ، وقيل شهرين. وكان عبد المطلب قد بعثه يمتار له مع قريش ، فرجع ضعيفا معهم ، فتخلف بيثرب عند أخواله من بني النجار ، فأقام عندهم مريضا شهرا ، فلما قدم أصحابه مكة ، سألهم عبد المطلب عنه (٣) ، فأخبروه ، فبعث له الحارث (٤)

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (د). وفي (أ) ، (ج) «شيء من».

(٢) في (ج) «كتلأليء». وفي تاريخ الطبري «بحناتم» ٢ / ٣٣٢ ، وكذلك السهيلي ـ الروض الأنف ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ١ / ١٣٢. وهناك اختلاف في الألفاظ في هذه الأبيات الثلاثة مع ما في البداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٥٠.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) في (ب) ، (د) «الحرث».

٤٢٢

فوجده قد توفي (١) ، ودفن في دار التابعة (٢) ـ كذا في المواهب (٣) ـ.

قال الشامي في سيرته (٤) : «والتابعة بتاء مثناة من فوق فباء موحدة فعين مهملة».

وقيل توفي بالأبواء (٥) بين مكة والمدينة.

وذكر الحافظ العلائي في مولده (٦) : أنه كان سنه لما حملت آمنة منه ثمانية عشر سنة ، وقيل سبعة وعشرون سنة ، وقيل أنه لما توفي اثنان وعشرون سنة ، وقيل سبعة وعشرون سنة ، وقيل كان عمره يوم تزوج ثلاثون ، وقيل سبعة عشر سنة ـ والله أعلم ـ.

وقالت زوجته آمنة ترثيه (٧) :

عفا جانب البطحاء من آل هاشم

وجاور لحدا (خارجا بالغماغم) (٨)

دعته المنايا دعوة فأجابها

وما تركت في الناس مثل ابن هاشم

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «مات».

(٢) ذكرها الطبري ـ تاريخ ٢ / ٣٣٣ ، وذكر «النابغة» كالمصادر الأخرى. وقد حدد الطبري موضعها ـ ابن جرير الطبري ٢ / ٣٣٣ ، القضاعي ـ تاريخ ١٧٧.

(٣) المواهب اللدنية للقسطلاني.

(٤) انظر : الحلبي ـ السيرة الحلبية ص ٥٠.

(٥) الأبواء : فيها على الصحيح قبر آمنة بنت وهب. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٦) الحافظ العلائي : خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي ، صلاح الدين أبو سعيد الدمشقي ، المحدث البحاثة. توفي سنة ٧٦٤ ه‍. انظر : الدرر الكامنة ٢ / ٩٠ ، الزركلي ـ الأعلام ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٧) في (أ) ، (د) «ترثاه». والاثبات من (ب) ، (ج). والأبيات من البحر الطويل.

(٨) في (ج) ، (ب) «فأرجأ بالغمائم». وفي البدء والتاريخ «مدرجا بالغمائم» ٤ / ١١٦ ، وفي الدمياطي ـ السيرة النبوية «خارجا في الغمائم» ص ٢٩.

٤٢٣

عشية راحوا يحملون سريره

تعاوره (١) أصحابه في التزاحم /

فإن تك غالته المنايا وريبها

فقد كان معطاء كثير التراحم

وورث صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أبيه خمسة أجمال ، وقطعة من الغنم ، وأم أيمن بركة الحبشية (٢) ، وشقران (٣) بضم الشين الحبشي واسمه صالح ، فأعتقهما صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن شعر عبد الله والد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أورده الصفدي في تذكرته (٤) (وهو قوله) (٥) :

لقد حكم السارون في كل بلدة

بأن لنا فضلا على سادة (٦) الأرض

وأن أبي ذو المجد والسؤدد الذي

يشار به ما بين نشز إلى خفض

وجدي وآبائي أثّلوا العل (٧)

قديما بطيب العرق والحسب المحض

فائدة :

الذي عليه المحققون أن أبويه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الناجين ، وليسا في النار ، لموتهما قبل البعثة ، ولا تعذيب قبلها بنص (قوله تعالى) (٨) : (وَما كُنَّا

__________________

(١) في (ج) «تعاود».

(٢) مولاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحاضنته. وأم أسامة بن زيد. انظر : ابن قتيبة ـ المعارف ٦٣ ، ابن سعد ـ الطبقات ١ / ٢ / ١٧٩ ، القضاعي ـ تاريخ ٢٣٦ ، أبو نعيم ـ دلائل النبوة ١ / ١٦٤.

(٣) في (ج) «وشفران» وهو خطأ. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ١٧٠ ، القضاعي ـ تاريخ ٢٣٥.

(٤) صلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي صاحب الوافي بالوفيات ، المتوفى سنة ٧٦٤ ه‍.

(٥) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٦) في (د) «ساير».

(٧) في (د) «له مثلوا».

(٨) ما بين حاصرتين زيادة من (ج).

٤٢٤

مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، ولأنهما لم يثبت عنهما شرك ، بل كانا على دين الحنيفية (٢) ـ دين إبراهيم عليه‌السلام ـ كما قاله الفخر الرازي (٣). بل قيل أن الله أحياهما له وآمنا به (٤).

وقد ألف العلامة جلال الدين (٥) السيوطي وغيره مؤلفات في ذلك ـ جزاهم الله خيرا.

قال الجلال في المسالك (٦) بعد سابقة كلام :

«فثبت أن آباءه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عهد إبراهيم عليه‌السلام إلى عمرو بن لحي كلهم مؤمنون بيقين».

ثم أورد آيات وأحاديث إلى أن قال : «فتحصل من هذا أن آباءه كلهم على دين إبراهيم عليه‌السلام ، وولد كعب بن مرة ، الظاهر أنهم كانوا كذلك لأن أباه أوصاه بالإيمان ، وبقي بينه وبين عبد المطلب أربعة :

__________________

(١) سورة الاسراء الآية ١٥.

(٢) في (ج) ، (د) «الحنفية».

(٣) الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب.

وهو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري أبو عبد الله فخر الدين الرازي الامام المفسر ، المتوفى سنة ٦٠٦ ه‍ ، انظر أبو شامة ـ ذيل الروضتين ص ٦٨ ، الزركلي ـ الأعلام ٦ / ٣١٢.

(٤) انظر : السيرة الحلبية ص ٥٠ ـ ٥١. وفيه أيضا مناقشة طيبة للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأعرابي الذي سأل عن أبيه : «إن أبي وأباك في النار».

(٥) وهو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي الجلال ، المتوفى سنة ٩١١ ه‍ ، المؤرخ الأديب.

وله في ذلك : مسالك الحنفا في والدي المصطفى (مطبوع). انظر : الزركلي ـ الأعلام ٣ / ٣٠٢.

(٦) مسالك الحنفا في والدي المصطفى.

٤٢٥

كلاب ، وقصي ، وعبد مناف ، وهاشم ، لم أظفر فيهم بنقل (١) لا كذا ولا كذا" ـ انتهى ـ.

وقال العلامة ابن حجر في شرح الهمزية (٢) عند قوله :

«لم تزل في ضمائر الكون تختا

ر لك الأمهات والآباء

لك أن تأخذ من كلام الناظم الذي علمت ، أن الأحاديث مصرحة به لفظا في أكثره ، ومعنا في كله ، أن آباءه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آدم وحواء ليس فيهم كافر ، لأن الكافر لا يقال فيه مختار ولا طاهر ولا كريم ، بل (إنّما المشركون نجس)(٣) ، وأيضاً قوله تعالى (وتقلّبك في السّاجدين) (٤) على أحد التفاسير من أنّ المراد من ساجد إلى ساجد (٥) ـ انتهى ـ.

[واقعة الفيل]

وفي زمن حمله صلّى الله عليه وآله كانت واقعة الفيل ، إرهاصاً لنبوته صلّى الله عليه وآله.

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (ج).

(٢) شرح همزية البوصيري بعنوان المنح المكية. ـ مخطوط ـ لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي ، المتوفى سنة ٩٧٤ هـ. انظر : الزركلي ـ الأعلام ١ / ٢٣٤ ، وانظر : السيرة الحلبية ١ / ٤٣.

(٣) سورة التوبة الآية ٢٨.

(٤) سورة الشعراء الآية ٢١٩.

(٥) انظر : السيرة الحلبية ص ٢٩. ذكر عن ابن عباس : (وتقلبك في الساجدين) أي من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا ، أي وجدت الأنبياء في آبائه».

وعن ابن عباس : (وتقلبك في الساجدين) ما زال النبي صلّى الله عليه وآله ينقلب في أصلاب الانبياء حتى ولدته امه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢١٤ : رواه البزار ، ورجاله الثقات ـ أبونعيم الاصبهاني ـ دلائل النبوة ١ / ٥٨.

٤٢٦

وملخص القصة (١) أنّ أبرهة ملك اليمن من جهة النجاشي ملك الحبشة (بنى له كنيسة سماها القليس ، لم ير مثلها في زمانها ، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة يقول) (٢) : إني بنيت لك أيها الملك كنيسة ، لم تبن لأحد قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.

فلما تحدّثت العرب بكتاب أبرهة ، غضب رجل من النسأة (٣) أحد بني فقيم بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ، فخرج حتى أتى إلى القليس ، فأحدث فيه ، ثم خرج فلحق بأرضه.

فنما الخبر إلى أبرهة ، فقال : من فعل ذلك؟!. قالوا : رجل من أهل البيت الذي تحجه العرب ، لما سمع من كتابك إلى النجاشي.

فغضب أبرهة عند ذلك ، وحلف ليهدمن الكعبة ، ويأبى الله ذلك!.

ثم أمر الحبشة فتهيأت للخروج ، وسمعت بخروجه العرب ، فأعظموا ذلك ، ورأوا قتاله (٤) حقا ، وأرادوا صده عن ذاك.

فخرج إليه رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر من ملوك اليمن بمن

__________________

(١) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٤٣ ـ ٦٢ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٢٤ ـ ٢٣١ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٩ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦٣.

(٢) ما بين قوسين في (ب) ، (ج) «أرسل يقول له».

(٣) النسأة هم الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ويؤخرون ذلك الشهر. وقد حرم الإسلام ذلك في قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ). انظر : ابن هشام ١ / ٤٣.

(٤) في (ج) «جهاده».

٤٢٧

أطاعه من قومه ، فقاتله [فهزمه](١) ، وأتي به أسيرا إلى أبرهة ، فأراد قتله ، فقال له : أيها الملك لا تقتلني ، فعسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي. فحبسه معه في وثاق وسار به.

ثم مضى حتى كان بأرض خثعم ، عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله [فهزمه](٢) ، وأتي به أسيرا إلى أبرهة ، فقال له نفيل : لا تقتلني أيها الملك ، فإني دليلك بأرض العرب. فحبسه أسيرا معه.

وسار حتى كان بأرض الطائف ، خرج إليه مسعود بن معتب (٣) بمن معه من ثقيف وقالوا له : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك ، سامعون لك ، وليس بيتنا هذا ـ يعنون اللات وكان معبدا لهم بالطائف ـ بالبيت الذي تريده ، إنما ذلك البيت بمكة ، ونحن نبعث من يدلك عليه.

فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق.

فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى نزل المغمس (٤) ، (فلما أنزله به مات أبو رغال ، فرجمت العرب قبره) (٥) [هناك](٦).

فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى إذا كان بمكة / ساق إليه أموال تهامة من

__________________

(١) زيادة من (ب) ، (ج).

(٢) زيادة من (ب) ، (ج).

(٣) في (ب) غير واضحة. وفي (ج) «مغيث».

(٤) المغمس : موضع قرب مكة في طريق الطائقف. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ١٦١.

(٥) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٦) زيادة من (ب) ، (د).

٤٢٨

قريش وغيرها ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب ـ وهو يومئذ رئيس قريش وكبيرهم وسيدهم.

فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بمكة بقتال أبرهة. ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم بذلك.

فبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له : سل عن سيد هذه البلدة وشريفها ، ثم قل له أن الملك لم يأت لحربكم ، وإنما جاء لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا له بحرب فلا حاجة له بحربكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به.

فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له : عبد المطلب. فأتاه وأخبره بما قال له أبرهة ، فقال عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذاك من طاقة ، وهذا البيت ، بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه‌السلام ـ أو كما قال ـ فإن يمنعه منه فإنه بيته وحرمه ، وأن يخلي بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه.

فقال حناطة : فانطلق معي إليه ، فإنه أمرني أن آتيه بك.

فانطلق معه عبد المطلب ، ومعه بعض بنيه ، حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ـ وكان صديقا له ـ حتى دخل عليه في مجلسه ، فقال له : هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟!. فقال ذو نفر : وما غناء رجل أسير في يد ملك ينتظر القتل غدوّا وعشيّا! إلا أن أنيسا (١) سائس الفيل محب لي سأوصيه لك. فدعا به (٢) وعرفه بعبد المطلب وقال له : انه سيد قريش ، وصاحب عين مكة ، وشريف هذا الحي ، فاستأذن له الملك ،

__________________

(١) في (ج) «نفيسا».

(٢) في (د) «فدعاه بخير».

٤٢٩

وعرفه شرفه. فقال : حبا وكرامة.

فاستأذن له الملك ، فأذن له الملك في الدخول عليه. وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم. فلما دخل على الملك ، وبصر به أبرهة ، وقع في قلبه موقعا ، فأجلّه وأكرمه ، ونزل له عن سريره ، وأجلسه معه على بساط واحد.

ثم قال لترجمانه : قل له هل لك من حاجة!. فقال له الترجمان. فقال عبد المطلب : حاجتي أن يرد الملك علي مائتي بعير أصابها لي. فأخبره الترجمان بذلك. فقال أبرهة للترجمان : قل له ، انك كنت أعجبتني لما رأيتك ، ثم أني قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني (١) في ماء؟؟؟ بعير أصبتها لك ، وتترك الكلام في بيت هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟!.

فأخبر الترجمان عبد المطلب بذلك ، فقال عبد المطلب للترجمان : قل له أنا رب هذه الابل ، وأن للبيت ربا [يحميه](٢) سيمنعه!!. فأخبر الترجمان أبرهة بذلك. فقال : ما كان ليمنعه مني!. فقال عبد المطلب للترجمان : قل له أنت وذاك!.

وكان ذهب مع عبد المطلب يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ـ وهو يومئذ سيد بني بكر ـ. وخويلد / بن واثلة الهذلي ـ وهو يومئذ سيد هذيل ـ. فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع ولا يهدم البيت ، فأبى. ورد على عبد المطلب ابله.

__________________

(١) سقطت من (ب) ، (ج).

(٢) زيادة من (ج). وسقط من (د) من" فقال عبد المطلب للترجمان ... قل له أنت وذاك».

٤٣٠

فلما انصرفوا عنه أمر عبد المطلب قريشا بالخروج من مكة إلى روس الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش (١).

ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة الغراء (٢) ، ومعه نفر من قريش يدعو الله تعالى ، ويستنصره على أبرهة ، فمما (٣) قاله وهو آخذ بحلقة باب الكعبة (٤) :

لا همّ إن العبد يمن

ع رحله فامنع رحالك (٥)

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم غدوا (٦) محالك

قال ابن هشام (٧) : هذا ما صح له عندي.

وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف (٨) :

لاهمّ؟؟؟ اخز الأسود بن مقصود

الآخذ الهجمة (٩) فيها التقليد

بين (حراء فثبير) (١٠) فالبيد

يحبسها (١١) وهم أولات التطريد

__________________

(١) في (ب) ، (ج) ، (د) «العسكر».

(٢) في (ج) «الباب» أي باب الكعبة».

(٣) في (أ) ، (ج) «فما» والاثبات من (ب) ، (د).

(٤) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٥١ ، وابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٢٧. وقد أثبت الطبري أبياتا أكثر مما أثبته ابن هشام والسنجاري.

(٥) عند ابن هشام والطبري «حلالك».

(٦) في (ب) ، (د) «عدوا». وفي (ج) «أبدا». وغدوا أي غدا.

(٧) ابن هشام ـ السيرة ١ / ٥١.

(٨) عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. ابن هشام ١ / ٥١.

(٩) ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «ذات».

(١٠) في (ج) ما بين قوسين «حرف ثبير».

(١١) في (ب) ، (ج) «يحسبها». وعند ابن هشام «يحبسها وهي».

٤٣١

فضمّها إلى طماطم (١) سود

اخفره يا ربّ وأنت محمود

ثم أرسل حلقة الباب ، وانطلق بمن معه من قريش إلى شعب الجبال ، ينظرون ما يفعل الله سبحانه وتعالى بأبرهة ، وما يفعل أبرهة بالبيت إذا دخل مكة.

فلما أصبح أبرهة تهيأ (لدخول مكة ، وعبأ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ـ وهو الفيل الأعظم) (٢) وأبرهة مجمع على هدم البيت.

فلما وجهوا الفيل إلى جهة مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي ـ المتقدم ذكره ـ حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذ (بأذن الفيل) (٣) وقال : أبرك محمودا ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل.

وخرج نفيل بن حبيب حتى صعد في الجبل ، فضربوا الفيل ليقوم فأبى (فضربوه في رأسه بالطبرزدين ليقوم فأبى) (٤) ، فأدخلوا محاجن (٥) لهم في مراقه (٦) فزقوه (٧) بها ليقوم فأبى. فوجهوه لجهة اليمن فقام

__________________

(١) الطماطم السود : أي الأعلاج السود كما ذكر ابن هشام ١ / ٥٢. ويعني بهم الحبشان.

(٢) ما بين قوسين سقط من (ج). واستعاض الناسخ عنه" للدخول أي دخول مكة».

(٣) في (ب) ، (ج) «بأذنه».

(٤) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج). والطبرزدين آلة معقفة من الحديد. وطبر بالفارسية معناها الفأس. انظر هامش رقم (٨) في السيرة لابن هشام ١ / ٥٢ ، وفيه الطبرزين.

(٥) في (ج) «محاجز». والمحجن عصا غليظة معوجة وقد يعمل في طرفها حديد. انظر هامش رقم (٩) في السيرة لابن هشام ١ / ٥٢.

(٦) المراق أي أسفل البطن.

(٧) في (أ) ، (ج) «فنزعوه». وفي (د) «فبزغوه" كما في السيرة لابن هشام. والاثبات من (ب).

٤٣٢

يهرول. فوجهوه (إلى الشام فقام يهرول ، فوجهوه) (١) إلى المشرق فقام يهرول ، فوجهوه إلى مكة فبرك.

فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر مثل الخطاطيف (٢) والبلسان (١٠) ، مع كل طير منها ثلاثة أحجار ، واحد في منقاره وحجران في رجليه ، أمثال (٣) الحمص والعدس ، لا تصيب أحدا إلا هلك. وليس كلهم أصابته.

فخرجوا هاربين يبتدرون (٤) الطريق الذي / جاءوا منه ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق ، ونفيل ينظر إليهم من الجبل.

قال ابن هشام (٥) : فلما رأى نفيل هربهم وما أصابهم من النقمة أنشأ يقول :

أين المفر والاله الطالب

والأشرم المغلوب ليس (٦) الغالب

وقال في ذلك من قصيدته (٧) النونية :

ألا حيّيت عنّا يا ردينا (٨)

نعمناكم مع الأحباب (٩) عينا

__________________

(١) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) ، (د).

(٢) الخطاطيف : مفردها خطاف وهو الحديدة المعوجة كالكلاب يختطف بها الشيء. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٧٦. وهنا تعني العصافير السود. انظر أيضا : لسان العرب ١ / ٧٧.

(١٠) البلسان : بمعنى طيور الزرازير. انظر : لسان العرب ٦ / ٣٠.

(٣) في (ب) ، (ج) «مثال».

(٤) في (ج) «يبتدون».

(٥) السيرة النبوية ١ / ٥٣.

(٦) في تاريخ الطبري لابن جرير" غير" ٢ / ٢٢٨.

(٧) في (ب) «القصيدته». وفي (ج) «القصيدة».

(٨) اسم امرأة مرخم من ردينة. بدأ قصيدته بالغزل على عادة شعراء الجاهلية.

(٩) في السيرة لابن هشام ١ / ٥٣ ، وتاريخ الطبري لابن جرير ٢ / ٢٢٨ ، ومعجم

٤٣٣

ردينة لو رأيت (ولن تريه) (١)

لدى جنب المحصّب (٢) ما رأينا

إذا لعذرتني وحمدت أمري

ولم تأسي على ما فات مينا (٣)

حمدت الله إذ أبصرت طيرا

وخفت حجارة تلقى علينا

وكلّ القوم يسأل عن نفيل

كأن عليّ للحبشان دينا

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، فخرجوا به يسقط أنملة ، أنملة ، كلما سقطت أنملة تبعها قيح ودم فسقطت الثانية ، حتى وصلوا به إلى صنعاء وهو مثل الفرخ ، فما مات حتى انصدع صدره (٤).

[حول دخول الفيل مكة]

قال الإمام عبد القادر بن محمد الطبري في كتابه أساطين الشعائر الإسلامية (٥) : «وقع الخلاف (٦) في دخول الفيل الحرم ، فقال المحب

__________________

ـ البلدان. لياقوت الحموي ٥ / ٦١ ، «الاصباح».

(١) في (ب) «ولو تريه». وفي (ج) «ولو ترينا». وعند ابن هشام «ولا تريه» وعند ابن جرير الطبري «ولم تريه». أما عند ياقوت فكما في المتن.

(٢) في (ج) «الحصيب». والمحصب المقصود هنا : موضع رمي الجمار بمنى. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٦٢.

(٣) في (ج) «منا». وعند ابن هشام والطبري «بينا». والمين : الكذب. انظر : لسان العرب ١٣ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

(٤) أضاف ابن هشام «فيما يزعمون» السيرة ١ / ٥٤. وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٢٩.

(٥) والكتاب الأساطين في حج السلاطين. ويسمى أساطين الشعائر الإسلامية وفضائل السلاطين والمشاعر الحرمية ألفه سنة ١٠٣١ ه‍ وهي السنة التي توفي فيها السلطان عثمان بن أحمد خان مقتولا بعد أن عزم على الحج.

(٦) في (ج) «الاختلاف».

٤٣٤

الطبري (١) والإمام النووي (٢) وغيرهما من العلماء : أنه دخل الحرم ، وحسر عند محسر (٣) الذي هو حد منى مما يلي جهة عرفة ، وأن الوادي سمي محسرا لكون الفيل حسر فيه ، ولذلك سن الإسراع في السير فيه ، لكونه محل نزول العذاب.

وذهب آخرون ، منهم ابن الأثير (٤) : أن الفيل لم يدخل الحرم أصلا ، وإنما كان نزول العذاب عليهم بالمغمس ، وهو محل محاذ لعرفة» ـ وتقدم ذلك.

والخلاف المذكور إنما هو في الفيل المخصوص ، وأما غيره : فهل (يجوز دخوله) (٥) الحرم ، أم يمتنع؟ ـ محل تردد ـ. لكن في تاريخ الفاسي (٦) : أن السلطان أبا سعيد (٧) صاحب العراق ، بعث فيلا مع حجاج العراق ، وما عرف قصده من بعثه ، (ووصل معهم ، ودخلوا بها المواقف كلها ، وتوجهوا به إلى المدينة) (٨) فمات بالفريش الصغير (٩) قبل وصولهم إلى المدينة.

__________________

(١) محب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري. المتوفى سنة ٦٩٤ ه‍. ولعله ذكر ذلك في كتابه : خير القرى في زيارة أم القرى ، أو في كتابه القرى لقاصد أم القرى.

(٢) في (أ) «النواوي». والاثبات من بقية النسخ.

(٣) محسر : موضع بين عرفة ومكة. وقيل بين منى وعرفة ، وقيل بين منى والمزدلفة. انظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ٦٢.

(٤) انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

(٥) ما بين قوسين في (ب) ، (د) «يدخل».

(٦) في شفاء الغرام ٢ / ٣٩٣.

(٧) السلطان أبو سعيد خربندا : سلطان العراق من التتار. توفي سنة ٧٣٦ ه‍. وانظر هذا الخبر في : الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٣٩٣.

(٨) ما بين قوسين سقط من (ج). وسقط من (د) جملتان مما سبق.

(٩) الفريش الصغير : عرفها السنجاري في المتن.

٤٣٥

وما (١) وقع الآن أيضا سنة ألف واحدى وثلاثين وهي سنة / تأليف هذا (٢) الكتاب : وذلك أن الوزير محمد باشا (٣) المتولي لليمن انفصل عن باشويتها ، وورد مكة المكرمة برا ، وأرسل غالب أثقاله بحرا ، فوصل هو إلى مكة ، ودخلها في موكب عظيم غرة شعبان من السنة المذكورة ، ووصلت عقبه سفينة أخرج منها فيل ، حمله إلى محل من البر يسمى أم قرين (٤) ، وذهب إلى رؤيته جماعة ، ورأوه بها ، وأم قرين من الحرم بقرب مكة من جهة اليمن ، ثم ذهب به (٥) إلى جدة ، وهو بها الآن ، يقصد أن يهدى إلى السلطان الأعظم السلطان عثمان خان (٦)».

ويبعد (٧) كون خصوصية مكة عدم دخول فيل بها ، قصة فيل العراق ، والله أعلم بحقيقة الحال ـ انتهى (٨) ـ.

__________________

(١) في (ب) «وأما».

(٢) أي كتاب عبد القادر الطبري : أساطين الشعائر الإسلامية.

(٣) محمد باشا متولي اليمن من قبل الدولة العثمانية. انظر اللوحة ١٩٠ من النسخة (أ) من مخطوط الجزء الثاني للسنجاري. وانظر : العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٣٩٧.

(٤) أم قرين : عرفها السنجاري في المتن. في المنتصف بين مكة وجدة. انظر : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٥١.

(٥) سقطت من (ب) ، (ج).

(٦) عثمان خان بن السلطان أحمد خان. قتل سنة ١٠٣١ ه‍ بعد أن عزم على الحج بأيدي جنوده. انظر : المحامي ـ تاريخ الدولة العلية ص ٢٧٨ ، العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ١٠٤ ، المحبي ـ خلاصة الأثر ٣ / ١٠٧.

(٧) في (أ) ، (ج) «ويفيد». والاثبات من (ب) ، (د).

(٨) وقد أضاف الدهلوي ناسخ (ج) في المتن ما نصه : «قال كاتب هذه النسخة أبو الفيض والاسعاد عبد الستار بن عبد الوهاب الصديقي الحنفي ـ عامله الله بلطفه الخفي : وقد وقع في عصرنا هذا ـ أعني سنة ثمانية عشر وثلاثمائة بعد الألف / أنه أهدي الى أمير مكة وشريفها الشريف عون الرقيق باشا بن محمد بن عبد المعين بن عون فيل من بعض

٤٣٦

فائدة :

قال ابن إسحاق (١) : «حدثني يعقوب بن عتبة (٢) أنه أول ما رأيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأن أول ما حلّ بها مراير الشجر كالحرمل والعشر والحنظل ذلك العام (٣)».

وفي حديث رواه ابن إسحاق (٤) عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : «لقد رأيت قائد الفيل ، وسائس الفيل ، أعميين مقعدين بمكة يسألان (٥) الناس».

[صدى واقعة الفيل]

فلما رد الله تعالى الحبشة وأصابهم (ما أصابهم) (٦) ، أعظمت العرب قريشا وقالوا : هم أهل الله ، قاتل الله عنهم (٧) وكفاهم

__________________

ـ أغنياء السادة ، فورد الفيل مكة ، وكان الأمير يشهد به المشاهد كلها ، ويمشى في شوارع مكة ، ويطلع به الطائف ، وبقي على ذلك الى أن قتله بعض الأشراف في أوائل عام الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة والألف. وكانوا يتشاءمون مجيئه حتى قتل ، فانفرج الأمر بعد ذلك والله أعلم بحقيقة الحال».

(١) ابن هشام ـ السيرة ١ / ٥٤.

(٢) يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي المدني حليف بني زهرة ، توفي سنة ١٢٨ ه‍.

(٣) وقد علق ابن الأثير تعليقا لطيفا واعيا على ذلك : «وقال كثير من أهل السير أن الحصبة والجدري أول ما رؤيا في العرب بعد الفيل ، وكذلك قالوا : إن العشر والحرمل والشيح لم تعرف بأرض العرب إلا بعد الفيل ، وهذا مما لا ينبغي أن يعرج عليه ، فإن هذه الأمراض والأشجار قبل الفيل منذ خلق الله العالم». انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٢٦٣.

(٤) انظره في : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٥٧ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٣١.

(٥) في السيرة لابن هشام «يستطعمان».

(٦) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).

(٧) انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٢ / ٢٣١ ، ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ١ / ٢٦٣.

٤٣٧

مؤنة (١) عدوهم. فقالوا في ذلك أشعارا كثيرة يذكرون ما صنع الله تعالى بالحبشة. فمن ذلك قول قيس بن الأسلت (٢) من قصيدة طويلة :

وفي صنعه يوم الفيل الحبو

ش إذ كلما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقرامه (٣)

وقد شرّموا أنفه فانخزم (٤)

وقد جعلوا سوطه (٥) معولا

إذا يمّموه (٦) قفاه كلم

فولّى وأدبر أدراجه

وقد باء بالظلم من كان ثمّ

فأرسل من فوقهم حاصبا

تلفهم مثل لف القزم (٧)

يحض على الصبر رهبانهم

وقد ثاجوا كثؤاج الغنم (٨)

وقال أيضا (٩) :

فقوموا فصلّوا ربّكم وتمسّحوا

بأركان هذا البيت بين الأخاشب

فعندكم منه بلاء ومخبر (١٠)

غداة أبو يكسوم هادي الكتائب /

__________________

(١) في (ب) ، (ج) «عقوبة».

(٢) قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الأنصاري ثم الخطمي واسمه صيفي. انظر : ابن هشام ١ / ٥٨ وعنده «أبو قيس». وذكر أيضا أن القصيدة تروى لأمية بن أبي الصلت ١ / ٥٩.

(٣) في (ب) ، (ج) ، (د) «أقدامه». وعند ابن هشام «أقرابه» والصحيح «أمراقه».

(٤) في (ج) «فانشرم». وعند ابن هشام «فانخرم».

(٥) في (د) «صوته».

(٦) في (ج) «يموا».

(٧) في (ج) «القدم».

(٨) الثؤاج : الصياح.

(٩) انظر : ابن هشام ـ السيرة ١ / ٥٩.

(١٠) عند ابن هشام «مصدق» والمقصود بأبي يكسوم ـ أبرهة الأشرم وهي كنيته.

٤٣٨

(كتيبة بالسهل تمشي ورحله) (١)

على القاذفات في رؤوس المناقب

فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم

جنود المليك بين ساف وحاصب

وقال أبو الصلت (٢) ، وقيل أمية ابنه :

إن آيات ربنا واضحات (٣)

ما يماري فيهنّ إلّا الكفور

خلق الليل والنهار فكلّ

مستبين حسابه مقدور

ثم يجلو النهار رب رحيم

بمهاة (٤) شعاعها (٥) منشور

حبس الفيل بالمغمّس حتى

ظلّ يجثو (٦) كأنه معقور

لازما حّلقة الجران كما قطّ

ر من صخر كبكب محدور

حوله من ملوك كندة أبطا

ل ملاويث (٧) في الحروب صقور

خلّفوه ثم [ابذعرّوا](٨) جميعا

كلهم عظم ساقه مكسور

كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة زور (٩)

__________________

(١) عند ابن هشام جاء الشطر : «كتيبته بالسهل تمسي ورجله». وفي (د) «ورجله».

(٢) أبو الصلت بن ربيعة الثقفي. والد الشاعر أمية بن أبي الصلت. انظر : ابن هشام ١ / ٦٠ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٢٤٠ فيه بعض الأبيات.

(٣) عند ابن هشام «بينات» ١ / ٦٠.

(٤) في (ب) ، (ج) ، (د) «بمهمات». وهو خطأ. والمقصود بالمهاة الشمس.

(٥) في (ب) «شعاشها».

(٦) عند ابن هشام «يحبو».

(٧) الملاويت : الأشداء.

(٨) ما بين حاصرتين فراغ في (أ). وفي (د) «عزوا». والاثبات من (ب) ، (ج) ، وابن هشام. والمعنى ـ تفرقوا ـ.

(٩) عند ابن هشام «بور». وذكر في الهامش رقم (٧) ١ / ٦٠ «أن في بعض المخطوطات زور». وهذا هو الأصح.

٤٣٩

وقال عبد الله بن قيس الرقيات (١) :

كاده الأشرم الذي جاء بالفيل

فولّى وجيشه مهزوم

واستهلّت عليهم الطير بالجند

ل حتى كأنه مرجوم

ذاك من يغزه من الناس يرجع

وهو فلّ من الجيوش ذميم

وقال عبد المطلب في ذلك :

قلت والأشرم تردى خيله

إن ذا الأشرم غرّ (٢) بالحرم

رامه تبّع فيما جردت

حمير والحيّ من آل قدم

وانثنى عنه وفي أوداجه

خارج أمسك عنه بالكظم

نحن آل الله في بلدته

لم يزل ذاك على عهد أبرهم

وفي هذا القدر كفاية ـ والله ولي الهداية.

أقول (٣) : وكانت واقعة الفيل في المحرم / سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من عهد ذي القرنين في زمن كسرى أنوشروان ـ كذا رأيته في بعض السير (٤) ـ.

[مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم]

ولما كان يوم الاثنين لاثنى؟؟؟ عشرة مضت من ربيع الأول على المشهور ، ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمولد المعروف به الآن (٥) ، عام الفيل ، وعليه الاتفاق ،

__________________

(١) عبد الله بن قيس الرقيات أحد بني عامر بن لؤي بن غالب. ابن هشام ـ السيرة ١ / ٦١.

(٢) سقطت من (ب) ، وفي (ج) «عزّ».

(٣) أي المؤلف السنجاري. وفي (ب) ، (ج) ، (د) «قلت».

(٤) انظر : العسكري ـ الأوائل ص ٢٧ ، القضاعي ـ تاريخ ١٧٦.

(٥) أي زمن السنجاري.

٤٤٠