منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ١

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٥٦

١٨١
١٨٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

مقدمة المحقق

سبحان الله ، والحمد لله ، ولا اله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو المستعان على كل ما عز وهان ، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الحمد لله والشكر له سبحانه الذي منّ وأنعم علي بفضله وكرمه بمجاورة بيته الكريم في بلده الأمين.

وصلى الله على سيدنا محمد الأمين ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، قدوة المسلمين وأسوتهم ، أرسله الله سبحانه مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فأدى الرسالة ، وبلغ الأمانة ، وكان حريصا على المسلمين وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم.

ورضي الله عن أصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد وجدت من خير ما أقدمه لهذا البلد الأمين ـ بعد أن منّ الله علي بالمجاورة سنين ـ أن أساهم في بعث تاريخه وتاريخ رجالاته ، وأن أقدم صورة واضحة عنه ، وقد أتيحت لي الفرصة والحمد لله ، حين أسند إلي الأشراف على تحقيق ودراسة القسم الثاني والثالث من كتاب منائح الكرم للسنجاري ، لطالبتين في الدراسات العليا التاريخية والحضارية بقسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية بجامعة أم القرى لدرجة الدكتوراه.

١٨٣

فقمت بإتمام دراسة وتحقيق الكتاب ، فكان القسم الأول الذي يبين تاريخ إنشاء الكعبة المعظمة والحرم الشريف وما جاء في مكة من آثار وأماكن ومزارات ومشاعر ، وفضل الكعبة المشرفة والأعمال المتعلقة بها ، وبناء البيت وعمارته ، وإصلاحاته وترميماته في مختلف العصور. كما تضمن ما أقيم بمكة من مدارس وأربطة ، وما ضمته من عيون وآبار ، وتضمن أخبارا وافية عن المجاورة وأخبار العلماء وأمراء الحج والقضاة والأدباء والشعراء والوزراء. كما تضمن أخبار ولاة مكة المشرفة وأخبارهم في الجاهلية والإسلام. وبين علاقة مكة المكرمة بالدعوة الإسلامية من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام إلى صاحب البعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أخبارها وعلاقتها وبالأحرى علاقة المسلمين بها في عصر النبوة والخلفاء الراشدين ثم الأمويين ثم العباسيين. ثم إنشاء شرافة مكة المكرمة وعلاقة الشرفاء بالدولة العباسية والعبيدية والدولة الرسولية باليمن والدولة الأيوبية ، ثم المماليك ، ثم الدولة العثمانية ، إلى جانب الدولة المغولية في العراق وإيان والأمراء المسلمين في الهند!.

هذه الصورة الرائعة التي يعطيها هذا السفر التاريخي الشامل لتاريخ البيت الحرام وولاته.

ولا يستطيع إعطاء هذه الصورة الشاملة إلا من أوتي حظا من الثقافة المتنوعة الغزيرة ـ وكان السنجاري مؤلف الكتاب يملك هذه الموهبة الفذة بفضل من الله. ومن هنا تكمن أهمية تحقيق هذا الكتاب ونشره.

كما أن ثقافة السنجاري الغزيرة المتنوعة تضيف صعوبة إلى الصعوبات التي يواجهها المحقق عادة في المخطوطات العربية التي يكثر فيها التصحيف والخطأ والسقط واختلاف القواعد الإملائية واختفاء التبويب

١٨٤

والترقيم. فمهمة التحقيق مهمة متعبة وعويصة وشاقة تتطلب صبرا وأناة ، وبحثا وتنقيبا ، وجولات كثيرة بين مختلف الكتب ، وقد يمر شهر كامل والمحقق يبحث في كلمة واحدة ولا يعثر على بغيته فيعود صفر اليدين ، ولا يظهر أثر ذلك في التحقيق!!.

والحمد لله فقد ألهمني الله الصبر والأناة ومكنني من البحث والتنقيب ، وفاء لهذا البلد الأمين الذي أكرمنا الله فيه بالمجاورة ، ووفاء لأسلافنا الذين قاموا بجهد في مجالات العلم والبحث.

ولعل المطلع على الكتاب يلمس الجهد الكبير الذي بذل في تحقيقه ، وما خفي من الجهد أكثر بكثير.

فالحمد لله الذي يسر لنا إتمام هذا العمل ، حمدا يوازي نعمه ويكافئ مزيده.

١٨٥
١٨٦

مقدمة المؤلف

١٨٧
١٨٨

بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدمة المؤلف]

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ـ أما بعد :

فهذه زبدة من منايح الأخيار ، ونبذة (١) من روايح العلماء الأخيار ، التقطتها بأنامل الأشفار من حوانيت الأسفار ، تشتمل على ما لا يسع جهله من أخبار مكة المشرفة ، ومبتداها ومن عمر حرمها وتولاها. فإن العلماء الأعلام ، والفضلاء الفخام ـ بحمد الله تعالى ـ قد حفظوا لنا أصول الوقائع في مطولات ومختصرات ، وأثبتوها (٢) بأسانيدها (٣) المحررات ، إلا أنّ توالي الأزمان أدخل تلك التواريخ في أخبار كان (٤) ، لما جدّت (٥) من بعدهم أمور ، وتغيّرت الرسوم لمرور (٦) الدهور ، وضعفت الرغبة في إثبات الوقائع والتلفت لهذا الضائع (٧) ، إلا من وفّق من الفضلاء لتعليق حادثة [في](٨) كتاب ، أو ذكر واقعة لشدة اضطراب (٩).

__________________

(١) في (ب) «ومدة».

(٢) في (أ) ، (د) «وأثبتوا ما».

(٣) في (ب) «بأسانيد» ، وفي (د) «بالأسانيد».

(٤) ذكر الدهلوي ناسخ (ج): (أن في نسخة أخرى «خبر كان»). وهذا ما أثبته ناسخ (د).

(٥) في (ب) «لما حدث». وفي (د) «ثم حدث». وذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «ثم حدث».

(٦) سقطت من (د) وأثبت الناسخ بدلا منها «والدهور».

(٧) في (أ) ، (د) «لهذه الصنائع».

(٨) من النسختين (ج) ، (د).

(٩) في (د) «الاضطراب».

١٨٩

ومعلوم أن [مثل](١) هذه الشوارد مما يعلق بها الصادر والوارد ، ومما يعيب [على](٢) الفاضل إهمالها ، ويزين العاطل (٣) اشتمالها ، وما أحسن قول الأرجاني (٤) ، [حيث قال](٥) : /

كأن الفتى عاش عمر الزمان

وعاشر (٦) أهليه مستجمعينا (٧)

إذا ما درى قصص الذاهبين

وجاء (٨) ليذكر في الغابرينا

فصور هذا له الأولين

وصوره ذاك للآخرينا (٩)

غيره :

إن شئت تكثير عقل فيه مصلحة

لأجلها دارت الأفلاك أدوارا

__________________

(١) سقطت من نسخة (أ). واثباتها من بقية النسخ.

(٢) سقطت من (أ) ، وفي (د) «يضرّ على». والاثبات من النسختين الباقيتين.

(٣) في (أ) «المحافل». والاثبات من بقية النسخ.

(٤) الأرّجاني : هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين ناصح الدين الشافعي ، قاضي تستر ، شاعر ، محدّث ، ومعظم شعره في مدح السلاجقة ، طبع ديوانه في بيروت سنة ١٣٠٧ ه‍. وأرجّان بليدة من كور الأهواز نسب اليها. وتوفي سنة ٥٤٠ ه‍ وعاش أربعا وثمانين سنة. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ١ / ١٥١ ـ ١٥٥ ، الصفدي ـ الوافي بالوفيات ٧ / ٣٧٣ ـ ٣٧٨ ، ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب ٤ / ١٣٧.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج). وانظر قول الأرجاني في : الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١ / ٥.

(٦) في (ب) «وعاش».

(٧) في (د) «أهله مستجمعينا». وفي (ج) «أجمعينا» كما في الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١ / ٥.

(٨) في (أ) «ويعاد». والاثبات من باقي النسخ.

(٩) في (ب) «لا آخرينا». وجاء البيت في (د) :

فصور هذا له آن للأولينا

وصوره ذلك للآخرينا

١٩٠

فانظر لعين (١) المواليد التي اختلفوا

وأقرأ تواريخ من في الدهر قد دارا

فحداني ما ذكرت إلى صرف آونة من الزمن النفيس لتحصيل ما لا بدّ منه في محاضرة الأنيس ، فطالعت عدة من تواريخ مكة المشرفة الموجودة / بها (٢) في عصري ، مما قدرت عليه بطلابي ووفري ، وضممت إليه ما أحرزته من لطائف المتأخرين وظرائف المتأدبين (٣) ، مع مراعاة الاختصار ، ومنافاة الإقتصار ، ذاكرا كل سنة من الهجرة ، وما حدث فيها مما يتعلق بأخبار هذه البلدة ونواحيها حتى إن من ظفر بنقل لم أقف عليه ـ وكان مؤرخا ـ ضمّه إليه ، فدأبي فيه مراعاة النظير (٤) ، وديدني جمع المتفرقات في نسق ، ولا أقول أنه جمع سلامة إلا إن قوبل بالقبول والكرامة ، فلكل قائل هفوة ، ولكل جواد كبوة ، وحسن الجمع مواهب ، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وهذا ما (٥) جمعته لنفسي ، فإذا حصل به أنسي ، وكشف به لبسي «صبّحي سخيل بعدها أو مسّي» (٦) ، فرضاء العالم ما

__________________

(١) في (د) «لمعنى». كما ذكر ناسخ (ج) أن في نسخة أخرى «لمعنى».

(٢) سقطت من (د).

(٣) في (أ) ، (ب) «المبتدئين». وفي (ج) «المبتدين». والإثبات من (د).

(٤) في (ج) ، (د) «النظر».

(٥) في (ب) ، (د) «مما».

(٦) في (أ) «محيل بعدما» وفي (ج) «سخيل بعد ما». وهذا مثل قاله عامر بن ظرب العدواني ، وكان يقضي بين العرب في الجاهلية ، فاختصموا اليه في رجل خنثى ، له ما للرجل ، وله ما للمرأة ، فأخذ يقلب أمره ، وكان له جارية يقال لها سخيلة ترعى غنمه ، وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول : «صبّحت والله يا سخيل» ، وإذا أراحت عليه قلل : «مسّيت والله يا سخيل». وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها الناس ، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض. فلما رأت قلقه سألته عمّا به ، فأخبرها فقالت : «سبحان الله ، لا أبا لك ، أتبع القضاء المبال ، أقعده ، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهو امرأة». قال : «مسّي سخيل بعدها ، أو صبّحي ،

١٩١

لا (١) وصول إليه ، والله المستعان فيما قصدت إليه.

وسمّيت هذا المجموع :

«منائح الكرم في أخبار البيت وولاة الحرم» (٢).

__________________

فرّجتها والله». ثم خرج على الناس حين أصبح ، فقضى بالذي أشارت عليه به. انظر :

ابن هشام ـ السيرة النبوية ١ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

(١) في (ب) ، (د) «مما».

(٢) ما بين مزدوجتين في (د): «منائح الكرم بأخبار مكة والحرم».

١٩٢

مقدمة في علم التاريخ

١٩٣
١٩٤

[علم التاريخ]

[تعريفه]

ولنصدره بالكلام على علم التاريخ فأقول :

إعلم أن لفظ التاريخ عربي ، وقيل معرب. وعرّفه بعضهم بقوله : «وقت معلوم إليه زمان يأتي عليه».

[وفي الصحاح](١) : «التاريخ تعريف الوقت وتعيينه».

وقال غيره (٢) : «هو عبارة عن الزمان الذي كان وقتا لأمر مشهور بين طائفة أو طوائف ، عجيب الشأن ، أو شيء هائل ، أو غيرهما مما يؤثر في النفوس ، ويبقى في العقول (٣)».

وقال النظام (٤) : «هو برهة من الزمان ، فشا خبرها بين أهل قرن أو قرون ، لما وقع فيها من أمر عجيب ، كواقعة الطوفان ، فيعدّ منها لضبط الماضي والآتي من الزمان».

وقال النيسابوري (٥) في كتابه «رياحين العقلاء في شرح بساتين

__________________

(١) ما بين حاصرتين سقط من (أ). والصحاح للجوهري إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي ، كان إماما في العربية ، اتصف بالذكاء والفطنة والعلم. توفي في آخر القرن الرابع الهجري (٣٩٨ ه‍). انظر : ياقوت ـ معجم الأدباء ٦ / ١٥١. والصحاح مطبوع بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار. والنص المذكور في المتن ـ الصحاح في اللغة ١ / ٤١٨. وبشأن تعريف التاريخ كما عند الجوهري انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٤.

(٢) انظر في ذلك : فرانز روزنتال ـ علم التاريخ عند المسلمين ص ٢٦.

(٣) في (د) «العقل».

(٤) النظّام : هو الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ـ نظام الدين ـ مفسر ، وله اشتغال بالحكمة والرياضيات ، توفي بعد سنة ٨٥٠ ه‍. انظر : هدية العارفين ١ / ٢٨٣ ، الزركلي ـ الاعلام ٢ / ٢١٦.

(٥) النيسابوري : هو محمود بن عمر أبو عبد الله حميد الدين النجاتي النيسابوري ، ـ مؤرخ ، شرح كتاب محمد بن عبد الجبار العتبي المسمى «باليميني» في سيرة يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي. وسماه : «بساتين الفضلاء ورياحين العقلاء». وتوفي سنة ٧٢٨ ه‍. انظر : هدية العارفين ٢ / ٤٠٧ ، حاجي خليفة ـ كشف الظنون ٢٠٥٢ ، الزركلي ـ الاعلام ٧ / ١٧٨.

١٩٥

الفضلاء» :

«التاريخ حدوث أمر شائع ، من ظهور دولة أو ملة ، أو أمر هلئل من الأمور الأرضية / أو السماوية ، مما لا يظهر وقوعه ، ولا يقع في كل وقت ، جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه وبين أوقات الحوادث التي يجب ضبط أوقاتها من مستأنف السنين».

وكل هذه التعاريف متقاربة المعنى وأخصرها (١) :

«علم يعرف به أحوال الماضين».

[موضوعه]

وموضوعه : «أخبار السابقين من قصص وحوادث ومناقب».

وثمرته : «إعطاء كل ذي حق حقه ، واسترجاع النفوس واستكثارها من الأعمال الصالحة ، ومعرفة الناسخ والمنسوخ».

قال الله تعالى مخاطبا أشرف خلقه :

(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ) (٢) (الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ)(٣).

__________________

(١) انظر في ذلك : ابن خلدون ـ المقدمة ص ٣ ـ ٤. السيوطي ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ، توفي سنة ٩١١ ه‍ ـ الشماريخ في علم التاريخ ـ تحقيق محمد إبراهيم الشيباني ـ الدار السلفية ـ الكويت. الكافيجي ـ محمد بن سليمان الحنفي ، توفي سنة ٨٧٩ ه‍ ـ المختصر في علم التاريخ ـ مكتبة المثنى ـ بغداد ـ ١٩٦٣ م.

(٢) في (ب) «أنبياء» وهو خطأ من الناسخ.

(٣) سورة هود الآية ١٢٠.

١٩٦

وقال حسان بن يزيد (١) : «لم تستعن على دفع كذب الكاذبين (٢) بمثل التاريخ».

وحكي أن يهوديا أظهر كتابا فيه (٣) : «أنه كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة جمع من الصحابة منهم علي ومعاوية وسعد بن معاذ ، فعرضوا ذلك على الحافظ أبي بكر الخطيب (٤) ، فتأمله وقال : «هذا مزوّر!». فقيل له : من أين؟!. قال : فيه شهادة معاوية وهو أسلم يوم الفتح ، وكان فتح خيبر سنة سبع. وفيه شهادة سعد بن معاذ ، ومات سعد يوم قريظة قبل خيبر بسنتين».

فأي منقبة أشرف من هذا؟ ـ انتهى من الكافي ـ.

وسيأتي الكلام على أول وضع التاريخ عند ذكر الهجرة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) والاسم الصحيح حماد بن زيد بن درهم البصري المتوفى سنة ١٧٩ ه‍. ورواه أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي القاضي المتوفى سنة ٢٤٢ ه‍. انظر : الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد ٧ / ٣٥٧ ، ٣٦٠ ، السخاوي ـ الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ٢٢.

(٢) في (ب) ، (د) «الكذابين» ، كما هو عند السخاوي.

(٣) هذه الحادثة حدثت سنة ٤٤٧ ه‍ لرئيس الرؤساء أبي القاسم علي بن الحسن المتوفى سنة ٤٥٠ ه‍ ، وزير الخليفة العباسي القائم بأمر الله. انظر : الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، السخاوي ـ الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ٢٥.

(٤) أبو بكر الخطيب الحافظ : هو أحمد بن علي الخطيب البغدادي صاحب كتاب تاريخ بغداد أو مدينة السلام حتى سنة ٤٦٣ ه‍. وهي سنة وفاته. وهو محدث ، مؤرخ ، أصولي. ولد سنة ٣٩٢ ه‍ بدرزنجان من قرى العراق ، ونشأ ببغداد. انظر : مقدمة تاريخ بغداد.

١٩٧

قال الصفدي (١) : «التاريخ للزمان مرآة ، وتراجم العلماء للمشاركة والمشاهدة مرقاة ، وأخبار الماضين لمن عاقر الهموم ملهاة ، وأنشد :

لو لا الأحاديث (٢) أبقتها أوائلنا

من الندى والردى لم يعرف السّمر" /

وكان يقال : «من أرّخ فقد حاسب الأيام على عمره ومن كتب حوادث الأزمان فقد كتب إلى من بعده بحديث دهره ، ومن قيّد مشاهدة (٣) فقد أشهد عصره من لم يكن من أهل عصره».

وقد قيل (٤) :

إذا علم (٥) الإنسان أخبار من مضى

توهّمته قد عاش من أول الدّهر (٦)

وتحسبه قد عاش آخر عمره (٧)

إذا كان قد أبقى الجميل من الذكر (٨)

وقال آخر :

__________________

(١) في الوافي بالوفيات ١ / ٤ ـ ٥.

(٢) في الوافي بالوفيات «أحاديث».

(٣) في (د) «ما شهده».

(٤) وهو قول الأرّجاني الشاعر أحمد بن محمد كما ذكر : الصفدي ـ الوافي بالوفيات ١ / ٥ ، والسخاوي ـ الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ٨٣.

(٥) في الوافي للصفدي «عرف» ١ / ٥. وهو من البحر الطويل.

(٦) جاء الشطر الثاني في (د): «توهمته قد عاش حينا من الدهر».

(٧) في الوافي للصفدي «دهره».

(٨) جاء الشطر الثاني من البيت عند الصفدي :

«إلى الحشر إن أبقى الجميل من الذكر». الوافي ١ / ٥.

١٩٨

طالع تواريخ من في الدهر قد وجدوا

تجد هموما تسلّي عنك ما تجد

[تجد أكابرهم قد جرّعوا غصصا

من الرّزايا بها كم فتّتت كبد](١)

[أقسام علم التاريخ]

وعلم التاريخ قسم من أقسام (٢) المحاضرات لا قسيم له ، وهو على أقسام منها : التراجم وذكر النسب وما يتعلق به.

ومنها : ضبط الوقائع والحوادث.

والقسم الأول أصعب من الثاني إذ من تصدّى له لا بدّ وأن يكون رادعا لنفسه (٣) عن الشهوات ، سالما من الكذب ، ذا فكر سليم ومعرفة لتهذيب الكلام وترتيبه ونقله ، غير معتمد على الأخبار السقيمة.

وقال الرافعي (٤) : «التاريخ ضربان : ضرب تقع (٥) العناية فيه بذكر الملوك والحروب والغزوات ، وبناء البلدان وفتوحها ، والحوادث وانتقال الدول (٦) ، وتبديل الملل والنحل ، إلى غير ذلك مما هو في معناه.

__________________

(١) سقط البيت من (أ). وهو من البحر البسيط.

(٢) سقطت من (ب) ، (د).

(٣) في (د) " مفرغا نفسه».

(٤) ذكره السخاوي في كتابه : الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ٢٥. والرافعي هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم أبو القاسم الرافعي القزويني ، فقيه شافعي ، من كتبه : «التدوين في ذكر أخبار قزوين» ، والايجاز في أخطار الحجاز». وتوفي سنة ٦٢٣ ه‍. انظر : الزركلي ـ الإعلام ٤ / ٥٥.

(٥) في (أ) «تفتح». والاثبات من بقية النسخ.

(٦) بالأصل الدولة والتصويب من «د».

١٩٩

وضرب يكون المقصد منه بيان أحوال أهل العلم والقضاة والرؤساء والولاة ، وأهل المقامات الشريفة والسير المحمودة ، من أوقات ولادتهم ووفاتهم ورواياتهم ومناقبهم ، وبهذا الضرب اهتمام أهل الحديث».

وقال السخاوي (١) : «التاريخ فن ، يبحث فيه عن وقائع الزمان ، من حيث التعيين والتوقيت. (ومن حفظ التاريخ زاد عقله ، ومن نظر في وقائع الزمان هانت مصائبه)» (٢).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : «ذكر الله تعالى التاريخ في كتابه». واستنبطه بعضهم من قوله : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)(٣).

وقال الثعالبي (٤) : «لأن فيه إعلاما بذكر الأمم الماضية والقرون الخالية ، وإحياء لذكرهم ومآثرهم ، وتثبيتا له ، وتنويها لعلو قدره وشرف أمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[ما يشترط في المؤرخ]

وقد عقد التاج السبكي (٥) في طبقاته الكبرى قاعدة مهمة ملخصها

__________________

(١) في كتابه : الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص ١٧.

(٢) ما بين قوسين سقط من النسخة (ج).

(٣) سورة هود الآية ١٢٠.

(٤) الثعالبي : هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور من نيسابور أديب وشاعر ، من تصانيفه : كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر ، وفقه اللغة ، وسحر البلاغة ، توفي سنة ٤٣٠ ه‍. انظر الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨. ابن العماد الحنبلي ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٣ / ٢٤٦.

(٥) التاج السبكي : قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد

٢٠٠