أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]
المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٩
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسين بن بشران (١) أنا الحسين بن صفوان ، نا أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا ، نا إسحاق بن إسماعيل نا قتيبة ـ في نسخة : قبيصة ـ عن سفيان عن الأعمش](٢).
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا أبو الحسين علي بن الحسين بن قريش البنّا ، أنا أبو الحسين (٣) أحمد بن محمّد بن هارون الأهوازي ، نا محمّد بن مخلد العطار ، نا العباس بن محمّد ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان ، عن الأعمش.
أنه قال : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ)(٤) قال : جعله وزوجته وولده أشياخ (٥) وهو شاب.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو طالب بن غيلان ، أنا أبو بكر الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان ، عن أبي إسحاق [عن](٦) الأعمش ، عن المنهال بن عمرو : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قال : جاء ولده أشياخ وهو شاب.
قال : ونا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب الأسدي قال :
هو عزير أتى خبازا قريبا منه ، قال له عزير هل تعرفني؟ فقال : ما أعرفك ، ولكني أشبهك رجلا كان عندنا ، يقال له عزير ، وفي نسخ : جبارا.
(٧) أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن (٨) بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (٩) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنبأ سعيد بن بشير (١٠) ، عن قتادة ، عن كعب ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن
__________________
(١) في م : بشر.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك عن م.
(٣) في م : الحسن.
(٤) الأصل : ولبحعلك له الناس ، والتصويب عن م ، من الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٥) كذا بالأصل وم : أشياخ وهو شاب.
(٦) سقطت من الأصل ، وفي م : «عن سفيان عن الأعمش».
(٧) خبر سقط من الأصل ، وهو موجود في م ، قسم منه غير واضح فيها من سوء التصوير ، نستدرك هنا ما استطعنا قراءته :
أنبأنا أبو القاسم العلوي ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، نا جدي .... حماد ، أنا عبد الرزّاق ، نا معمر ، عن قتادة في قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) .........
(٨) الأصل : الحسين ، تصحيف.
(٩) الأصل : الحسين ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٥٩.
(١٠) الأصل : بشر ، تصحيف ، والتصويب عن البداية والنهاية ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٠٤.
قتادة ، عن الحسن (١) ومقاتل وجويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، وعبد الله بن إسماعيل السّدّي ، عن أبيه ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، وإدريس عن جده وهب بن منبّه ، قال إسحاق : كلّ هؤلاء حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض ، قالوا بإسنادهم (٢).
أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعهدها ، فلما انصرف انتهى إلى خربة حتى قامت الظهيرة وأصابه الحرّ ، فدخل الخربة ، وهو على حمار له ، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب ، فنزل في ظل تلك الخربة ، وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتلّ ليأكله ثم استلقى على قفاه ، وأسند رجليه إلى الحائط ، فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها ، وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ، ورأى عظاما بالية ، فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ [اللهُ])(٣)(بَعْدَ مَوْتِها) ، فلم يشكّ أنّ الله يحييها ولكن قالها تعجبا ، فبعث الله ملك الموت ، فقبض روحه ، (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) فلما أتت عليه مائة عام ، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث ، قال : فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به ، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ، ثم ركّب خلقه وهو ينظر ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ، ثم نفخ فيه الروح ، كلّ ذلك يرى ويعقل ، فاستوى جالسا ، فقال له الملك : (كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ : لَبِثْتُ يَوْماً) ، وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة ، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب ، فقال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، ولم يتم لي يوم ، فقال له الملك : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ، فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) يعني الطعام الخبز اليابس وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة ، فإذا هما على حالهما لم يتغير ، العصير ، والخبز يابس ، فذلك قوله (لَمْ يَتَسَنَّهْ) يعني لم يتغير ، وكذلك التين والعنب غضّ لم يتغير عن شيء من حالهم فكأنه أنكر في قلبه.
فقال له الملك : أنكرت ما قلت لك؟ انظر إلى حمارك ، فنظر ، فإذا حماره قد بليت عظامه ، وصارت نخرة ، فنادى (٤) الملك عظام الحمار ، فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركّبه الملك وعزير ينظر إليه ، ثم ألبسها العروق والعصب ، ثم كساها اللحم ، ثم أنبت عليها
__________________
(١) الأصل : الحسين ، تصحيف.
(٢) الحبر من هذه الطريق في البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٢ ـ ٥٣.
(٣) الزيادة عن م والبداية والنهاية ، والتنزيل العزيز ، من الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٤) بالأصل : «فيوذي» ، والمثبت عن م والبداية والنهاية.
الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا يظن أن القيامة قد قامت فذلك قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً)(١) يعني : انظر إلى عظام حمارك كيف نركّب بعضها بعضا في أوصالها ، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ، ثم انظر كيف نكسوها لحما ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ : أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢) من إحياء الموتى وغيره (٣).
قال : فركب حماره حتى أتى محلته ، فأنكره الناس ، وأنكر الناس منازله ، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو (٤) بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة ، كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته ، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة (٥) ، فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت : نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت : ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا ، وقد نسيه الناس قال : فإنّي أنا عزير ، قالت : سبحان الله ، فإنّ عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة ، فلم نسمع له بذكر ، قال : فإنّي أنا عزير ، كان الله أماتني مائة (٦) سنة ، ثم بعثني ، قالت : فإنّ عزير رجلا مستجاب الدعوة ، يدعو للمريض ، ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء ، فادع الله أن يردّ عليّ بصري حتى أراك ، فإن كنت عزيرا عرفتك ، قال : فدعا ربّه ومسح يده على عينها فصحتا فأخذ بيدها فقال : قومي بإذن الله فأطلق الله رجليها ، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال (٧) ، فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير ، فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير لشيخ ابن مائة سنة وثمان (٨) عشرة سنة وبنو (٩) بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم فكذّبوها فقالت : أنا فلانة مولاتكم ، دعا لي ربّه فرد عليّ بصري وأطلق رجليّ ، وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه.
قال : فنهض الناس ، فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء بين
__________________
(١) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٣) الذي يفهم من تاريخ الطبري ١ / ٥٥١ ـ ٥٥٤ والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ١ / ١٨٠ أن الذي أماته الله هو أرميا وليس عزيرا.
(٤) الأصل : هي ، والمثبت عن م والبداية والنهاية.
(٥) الزمانة : العاهة.
(٦) «مائة» استدركت عن هامش الأصل.
(٧) مثل. تقدم الكلام عليه قريبا.
(٨) في الكامل لابن الأثير بتحقيقنا : مائة وثلاث عشرة.
(٩) الأصل وم والبداية والنهاية : وبني.
كتفيه ، فكشف عن كتفيه ، فإذا عزير ، فقالت بنو إسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدّثنا غير (١) عزير وقد حرق بخت نصر التوراة ولم يبق منها شيء إلّا ما حفظت الرجال ، فاكتبها لنا ، وكان أبوه سروخا دفن التوراة أيام بخت نصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ، ودرس (٢) الكتاب قال : فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله ، فجدّد لهم التوراة ، فنزل من السماء شهابان (٣) حتى دخلا جوفه ، فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل (٤) فمن ثمّ قالت اليهود : عزير ابن الله ، جل الله عن الذي كان من أمر الشهابين ، وتجديده التوراة ، وقيامه بأمر بني إسرائيل.
وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقل (٥) والقرية التي مات فيها فقال لها سابرآباد.
قال ابن عباس : فكان كما قال الله (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) يعني لبني إسرائيل ، وذلك أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة ، فبعثه الله شابا كهيئة يوم مات ، فقال ابن عباس : بعث بعد بخت نصر ، وكذلك قال الحسن (٦).
قالا : فقال الحسن (٧) : فلمّا سلّط الله على بني إسرائيل بعد بخت نصر مرّ أنطياخوس وهدم بيت المقدس ، فلما بعث عزير قام بذلك يناشد ربّه فيما نزل ببني إسرائيل من بخت نصر وما لقوا منه ومن أنطياخوس.
أخبرنا أبو المظفر بن القشيري ، أنبأ أبو سعد الجنزرودي ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا أبو يعلى ، نا عبد الله بن عمر ، نا عبدة ، عن النضر بن عدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله عزوجل (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) قال : لم يتغير.
__________________
(١) بالأصل : عبد العزيز ، والتصويب عن م والبداية والنهاية.
(٢) درس : امّحى.
(٣) في الطبري والكامل لابن الأثير : بعث الله ملكا في صورة إنسان ، أتاه بإناء فيه ماء فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التوراة في صدره.
(٤) زيد في تاريخ الطبري : فصاروا يعرفونها بحلالها وحرامها وسننها وفرائضها وحدودها ، وقامت التوراة بين أظهرهم وصلح بها أمرهم.
(٥) بالأصل وم : «تدبر حرفك» وفوق اللفظة الثانية في م ضبة ، والمثبت عن المختصر ، وفي البداية والنهاية : «بدير حزقيل». وحزقل أو حزقيل اسم أحد الأنبياء عليهمالسلام.
(٦) الأصل : الحسين ، والتصويب عن م.
(٧) الأصل : الحسين ، والتصويب عن م.
أخبرنا (١) أبو الحسن عبد الله الخباب ، أنبأ أبو محمّد بن عبد العزيز بن عراف بن عبد الوهاب ، وأبو الخير أحمد بن علي الحمصي (٢) ، حدّثني أبو الفضل العباس بن محمّد الرقي ، قال : سمعت أبا بكر (٣) يموت ابن المزرّع الأديب يقول : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول في قول الله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٤) قال (٥) القرية : أرض المقدس ، وذلك أن العزير مرّ بها وهي خراب فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ، فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(٦) على السن (٧) التي (٨) توفاه عليها بعد مائة سنة ، وله أربعون سنة ولأمته (٩) عشرون ومائة (١٠) سنة ولابن ابنه تسعون سنة ، وأنشد في ذلك (١١) :
واسودّ رأس شاب من قبله ابنه |
|
ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر |
ترى ابن ابنه شيخا يدب على عصا |
|
ولحيته سوداء والرأس أشقر |
وما لابنه حيل ولا فضل قوة |
|
يقوم كما يمشي الصبيّ فيعثر |
يعد ابنه في الناس تسعين حجة |
|
وعشرين لا يجري ولا يتبختر |
وعمر أبيه أربعون أمرّها |
|
ولابن ابنه في الناس تسعون غبّر |
فما هو في المعقول إن كنت داريا |
|
وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر |
أنبأ أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي ، أنا محمّد بن يوسف ، أنا محمّد بن حمّاد ، أنا عبد الرزاق ، نا بكار بن عبد الله قال : سمعت وهب بن منبّه يقول : ردّ الله تبارك وتعالى بني إسرائيل إلى مدينتهم فكان بخت نصر قد حرق التوراة ، فأمر الله ملكا ، فنزل بمغرفة من نور ، فقذفها في عزير ، فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها (١٢).
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أخبرني محمّد بن
__________________
(١ و ٢) كذا السند بالأصل ويبدو شديد الاضطراب ، وفي م : أخبرنا أبو الحسن عبد الوهّاب بن عبد الله الحباب الحمصي ، حدّثني أبو الفضل العباس بن محمّد الرقي ... ولم أستطع الوقوف على صحته.
(٣) الأصل : بكرة ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٤٦.
(٤ و ٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٩.
(٥) زيادة منا للإيضاح.
(٧) بالأصل : السنن ، والتصويب عن م.
(٨) الأصل وم : الذي.
(٩) الأصل : «ولأبيه» وفي م : «لابنه» والصواب ما أثبت انظر الرواية السابقة.
(١٠) الأصل : «عشرين مائة سنة» وفي م : مائة سنة.
(١١) الأبيات في البداية والنهاية ـ بتحقيقنا ٢ / ٥٤.
(١٢) البداية والنهاية ٢ / ٥٤.
أحمد بن محمّد بن رزقويه ، أنبأنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (١) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا علي بن عاصم ، أخبرني عمران بن حدير ، عن أبي مجلز قال :
جاء ابن عباس (٢) إلى ابن سلام وقال : إنّي جئتك أسألك عن أشياء ، فقال له ابن سلام : وأنت تقرأ القرآن؟ قال : نعم ، وإن كنت أقرأ القرآن ، قال : ما لي أرى اليهود قالوا : عزير ابن الله ، وقد كان فيهم موسى وهارون وداود وسليمان والأنبياء فلم يقولوا لأحد منهم هذا ، وقالوا لعزير؟ وما بال سليمان تفقد الهدهد من بين الطير ، وسمعت الله تعالى يذكر تبّعا فلم يذمه وذمّ قومه؟.
قال : نعم إنّ تبعا غزا بيت المقدس فسبا أولاد الأحبار فقدم بهم على قومه ، قال : فأعجب بفتية منهم ، قال : فجعل يدنيهم ويسمع منهم ، وجعل الفتية يخبرونه عن الله وما في الآخرة ، قال : فأعجب بهم فجعلهم في سره دون قومه ، فتكلّم قومه في ذلك فقالوا : إنّ هؤلاء الفتية قد غلبوا على نوح ويخاف أن يدخلوه في دينهم ، فبلغ تبّعا ما يقول قومه ، فأرسل إلى الفتية فدخلوا عليه ، فقال لهم : ألا تسمعون ما يقول قومي ، قال الفتية : بيننا وبينهم النصف (٣) ، قال : وما هو؟ قالوا : النار التي تحرق الكاذب (٤) ويبرأ فيها الصادق.
قال : فأرسل تبّع إلى أحبار قومه ، فأدخلهم عليه ، فلما دخلوا عليه قال لهم : اسمعوا ما يقول هؤلاء؟ قالوا : وما يقولون؟ قال : يقولون إنّ لنا ربا هو خلقنا وإليه نعود ، وإنّ بين أيدينا جنة ونارا ، فإن أبيتم علينا هذا فبيننا وبينكم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق.
قال : فقال قوم تبّع : قد رضينا ، قال : فخرج تبّع وقومه ، وأخرج الناس معه ، وأمر بالفتية (٥) ، فأخرجوا ، قال : وكانت النار تقبل ، حتى إذا كانت قريبة من الناس ركدت فلم تبرح.
قال : فلما خرج الفتية أقبلت النار حتى إذا كانت قريبة منهم ركدت ، قال تبّع للفتية : هذه النار قد أقبلت فتوجهوا نحوها ، قال : فتوجه الفتية نحوها ، قال : وكانت إذا توجه قبلها انفرقت فرقتين ، فإذا دخلوها وتوسطوها ، إن كانوا ليسوا بأهلها جاوزوها ، فإذا جاوزوها
__________________
(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، تقدم التعريف به.
(٢) الخبر من طريق ابن عساكر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٥٤ مختصرا.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : المنصف.
(٤) الأصل : الكافرين ، والمثبت باعتبار السياق ، عن م ، والمختصر وسترد صوابا بعد أسطر.
(٥) الأصل : «وأمرنا بالبينة» والتصويب عن م.
انضمّت ، وإن كانوا أهلها أقبلت عليهم فأحرقتهم ، فلمّا توجه الفتية نحوها انفرقت فرقتين ، فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها ، وسفعت وجوههم فرجعوا هاربين ، قال لهم تبّع : لأدخلنها ، أنتم دعوتمونا إلى هذا ، قال : فأكرههم على أن دخلوها ، ثم مشوا حتى خرجوا منها ، فانضمّت.
قال : فاختار تبّع عدّة الفتية من قومه ، فقال : ادخلوها ، قال : فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها وسفعت وجوههم ورجعوا هاربين ، قال : فقال لهم تبّع : بئس الرجل أنا إن كنت حملت الفتية على النار ثم لا أحملكم عليها ، ارجعوا فادخلوها ، قال : فرجعوا فدخلوها ، فلما توسطوها أحاطت بهم فأحرقتهم ، قال : فأسلم تبّع ، وكان رجلا صالحا ، فذكره الله ولم يذمه وذمّ قومه.
وأمّا الهدهد فكان بمكان من سليمان لم يكن شيء من الطير عنده بمنزلته ، فنزل سليمان مفازة ، فسأل كم بعد مسافة الماء؟ فقال الناس : ما ندري ، فسأل الشياطين فقالوا : لا ندري ، فغضب سليمان ، فقال : لا أخرج حتى أحفر لابن السبيل ، قال : فقالت له الشياطين : ليس تعلم هذا ـ إن علمه ـ إلّا الهدهد ، قال : فكيف ذلك؟ قالوا : إنّه يخرج بخار من الأرض قبل طلوع الشمس فيصعد بقدر مسافة الماء ، لا يراه شيء إلّا الهدهد ، قال : ففقد الهدهد عند ذلك.
وأما عزير فإنّ بخت نصر حين غزا بيت المقدس فقتلهم ، وخرب بيت المقدس ، وحرق التوراة ، فبقي بنو (١) إسرائيل ليس فيهم التوراة ، إنما يقرءونها نظرا ، فلحق عزير بالجبال ، فكان يكون هناك مع الوحوش فمكث ما شاء الله أن يمكث ، قال : وكان يصوم ، وكان يرد عند الليل عينا يشرب منها فيفطر قال : فوردها ذات ليلة لإفطاره فإذا هو بامرأة قاعدة على الماء ، فلما رآها عزير قال : امرأة والنفس تهم بالشر ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ، ولم يفطر ، فلمّا أن كان من الغدّ ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء ، فقال : النفس تهمّ بالشر ، وامرأة ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ولم يفطر ، فلما كانت الليلة الثالثة ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء وقد كاد أن ينقطع عنقه عطشا ، فقال : يا نفس ، النفس تهمّ بالشر ، والشيطان عدو مبين ، وامرأة ، والخلوة ، وأنا مضطر ، فمضى إليها ليشرب من العين ، فإذا هو بها قاعدة تبكي ، فأقبل عليها وترك الشراب ، فقال : ما يبكيك؟ قالت : ابني مات ، قال : هل كان ابنك هذا يخلق؟ قالت : لا ، قال : فهل كان ابنك هذا يرزق؟ قالت : لا ،
__________________
(١) فوقها في م ضبة.
قال : ويحك فكيف تبكين على من لا يخلق ولا يرزق ، قالت : وما تصنع هاهنا وأين قومك؟ قال : وأين قومي؟ قد هلك قومي ومزقوا لجّ هذه العين فتخرج على قومك ، قال : فعرف إنما مثلت له قال : فولج العين فجعل لا يرفع رجلا ولا يضع أخرى إلّا زاده الله علما حتى طلع في وسط المسجد ، وقد أثبت الله التوراة في قلبه ، كما كتبها لموسى.
قال : فدعاني بني إسرائيل إلى التوراة ، فكتبها لهم قال : فقالت بنو إسرائيل : لم يستطع موسى أن يأتينا بها إلّا في كتاب ، وأتانا بها عزير من غير كتاب ، فرماه طوائف منهم ، فقالوا : هو ابن الله ، جلّ الله وعزّ.
أخبرنا أبو المعالي محمّد بن إسماعيل الفارسي (١) ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس [القاسم بن](٢) القاسم السياري (٣) ـ بمرو ـ نا محمّد بن موسى ، نا حاتم ، نا علي بن الحسن (٤) بن شقيق ، أنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :
لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها)(٥) فقال : لو كان هؤلاء الذين تعبدون آلهة ما وردوها ، فقالت المشركون : الملائكة ، وعيسى ، وعزير يعبدون من دون الله؟ قال : فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٦) عيسى ، وعزير ، والملائكة.
أخبرنا أبو العباس عمر بن عبد الله بن أحمد الفقيه ، نا أبو الحسن (٧) الواحدي (٨) ، أنبأ عمر بن أحمد بن عمر الماوردي ، نا عبد الله بن محمّد بن نصير الرازي ، أنا محمّد بن أيوب ، أنبأ علي بن المديني ، نا يحيى بن آدم (٩) ، نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، أخبرني أبو رزين ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس قال :
آية لا يسألني الناس عنها ، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون
__________________
(١) بعدها في م : إملاء.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن م.
(٣) بدون إعجام بالأصل وم ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٠٠.
(٤) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م.
(٥) سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨ و ٩٩.
(٦) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠١.
(٧) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، وهو علي بن أحمد الواحدي ، صاحب كتاب أسباب النزول.
(٨) الخبر في أسباب النزول ص ١٧١.
(٩) كذا بالأصل وم ، وفي أسباب النزول : يحيى بن نوح.
عنها ، قيل له : وما هي؟ قال : لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) شقّ على قريش ، فقالوا : أيشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزبعري ، فقال : مالكم؟ قالوا : يشتم آلهتنا ، قال : فما قال؟ قالوا : قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) قال : ادعوه لي ، فلما دعي النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يا محمّد هذا شيء لآلهتنا خاصة ، أو لكل من عبد من دون الله؟ قال : «بل لكل من عبد من دون الله» فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا (١) عبد صالح (٢) وهذه بنو مليح (٣) يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى تعبد (٤) عيسى عليهالسلام وهذه اليهود تعبد (٥) عزيرا ، قال : فصاح أهل مكة فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الملائكة وعيسى وعزير عليهمالسلام (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [٨١٢٢].
أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي بن ميمون ، أنا أبو محمّد الجوهري ، نا أبو حفص عمر بن محمّد بن علي بن يحيى الزيات ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك بن الفضل الكوفي الأسدي ، نا أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي ، نا سوار بن مصعب ، نا أبو يحيى ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال :
إنّ الله عزوجل لما بعث موسى وناجاه وأنزل عليه التوراة ورأى مكانه من ربّه عزوجل قال : اللهم إنك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي ربّ؟ فأوحى الله إليه : إنّي لا اسأل عما أفعل وهم يسألون ، فانتهى موسى.
فلما بعث الله عزيرا وأتاه التوراة بعد ما كان قد رفعها عن بني إسرائيل حتى قال من قال منهم إنّ الله إنّما خصّه بالتوراة من بيننا أنه ابنه ، فلما رأى منزلته من ربه قال : اللهم إنّك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، كيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه : إنّي لا أسأل عما أفعل ، فأبت نفسه حتى سأل أيضا فقال : اللهم إنّك ربّ لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى
__________________
(١) الأصل وم : عزير.
(٢) قوله : «وأن عزيرا عبد صالح» ليس في أسباب النزول.
(٣) بنو مليح : حي من خزاعة. (القاموس المحيط).
(٤) أسباب النزول : يعبدون.
(٥) أسباب النزول : يعبدون.
ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه : يا عزير أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تصرّ صرّة من الشمس؟ قال : لا ، قال أتستطيع أن تجيء بحصاة من الأرض السابعة؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تجيء بمثقال من الريح قال : لا ، قال : أفتستطيع أن تجيء بقيراط من نور ، قال : لا ، قال : فكذا لا تقدر على الذي سألتني عنه ، إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، أما [إني](١) لا أجعل عقوبتك إلّا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر بينهم.
وهو نبيّ مرسل ، أو رسول ، الشك من أحمد بن يونس.
فلما أن بعث الله عيسى بن مريم فأنزل عليه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فرأى مكانه من ربّه عزوجل قال : اللهم إنّك رب عظيم ، لو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله تعالى إليه : إنّي لا أسأل عما أفعل ، وهم يسألون ، إنّما أنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم ، وروح منّي ، خلقتك من تراب ثمّ قلت لك كن فكنت ، لئن لم تنته (٢) لأفعلنّ بك ما فعلت بصاحبك بين يديك ، فجمع الحواريين ومن معه ، فقال : إنّ القدر سر الله عزوجل فلا تكلفوا.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أنبأ محمّد بن أحمد بن رزقويه ، أنبأ أحمد بن سندي ، نا الحسن (٣) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنبأ إسحاق بن بشر ، أنبأ سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن (٤) ، وهشام بن حسان عن الحسن ، ومقاتل وجويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قالا :
أول من تكلّم من الأنبياء في القدر عزير ، قال : إنّ الله لما قرّب عبده موسى نجيا قال : يا ربّ ولو (٥) شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع وفي ذلك تعصى ، قال الله : يا موسى إنّي كذلك لا يسألني العباد عن ما أفعل وهم يسألون ، قال : فعاود ربّه فزجره ، فازدجر حتى إذا كان زمن عيسى وجاء بالآيات واتّخذ
__________________
(١) الزيادة عن م.
(٢) الأصل وم : تنتهي.
(٣) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٤) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٥) كذا ، وفي م : «لو» بدون «واو».
العجائب ، فقال : يا ربّ إنّك عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وفي ذلك تعصى ، قال : يا عيسى إنّي كذلك لا يسألني العباد عما أفعل وهم يسألون ، قال : فعاوده ، فزجره فازدجر ، فجمع عيسى بعد ذلك الحواريين ، فقال : يا معشر الحواريين إن القدر سريرة الله فلا تسألوا عن سريرة الله.
قال : فلما بعث الله عزيرا بعد ما أماته قال : يا ربّ إنك عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ولو شئت أن لا تعصى لما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وفي ذلك تعصى ، قال : يا عزير إنّي كذلك لا تسألني العباد عما أفعل وهم يسألون ، فعاوده فزجره ، فلم يزدجر ، فقال الله تعالى : يا عزير تريد أن تسألني عن أصل علمي؟ فوعزتي ، لأمحونّ اسمك من النبوة ، قال : فعاقبه الله فمحا اسمه من النبوة ، فلم يذكر مع الأنبياء ، قال : ثم لم يكفّ فقال : يا ربّ اشتبه عليّ أمري ، فبعث الله إليه ملكا ، فقال : يا عزير إنّ الله يقول : وما الذي اشتبه عليك؟ قال : يا ربّ تسليطك على بني إسرائيل ـ وهم أبناء أنبيائك وأصفيائك ـ عبدة النيران ، فقتلوا وسبوا وحرقوا (١) بيت المقدس ، بيتك الذي اخترته لنفسك ، وحرقوا كتابك الذي جاء به موسى ، فكيف هذا يا رب؟ فقال له الملك : يا عزير إنّ الله جل ثناؤه يقول : اسكت وما أنت وذاك؟ فقال للملك (٢) : اشفع لي إلى الله ، فقال الملك : يا عزير أنت فتعبّد ، وسل ربك يوما ، ثم سأل ربّه فأوحى الله إليه : يا عزير إن بني إسرائيل قتلوا أنبيائي وانتهكوا محارمي ، فسلّطت عليهم من لا يرجو ثوابي ولا يخاف عقابي ، يكون أبلغ لي منهم في العقوبة ، فمن ثمّ سلّطت عليهم بخت نصر وعبدة النيران.
قال : يا ربّ إنك حكم عدل ، وأنت لا تجور ، فكيف عذّبت العامة بذنب الخاصة ، والأصاغر بذنب الأكابر ، فكيف هذا يا رب؟.
فقال الله تعالى : يا عزير اخرج إلى فلاة من الأرض يأتيك أمري.
قال : فخرج (٣) فأتاه ملك فقال : يا عزير إنّ ربك يقول : أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ قال : لا ، قال : فتستطيع أن تصرّ صرة من الشمس. قال : لا ، قال : فتستطيع أن تكيل مكيالا من نور ، قال : لا ، فتستطيع أن تزن مثقالا من الريح؟ قال : لا ، قال : فتستطيع أن تجيء بحصاة من البحر السابع من قعره؟ قال : فكذلك لا تستطيع أن تعلم أصل علمي ، ثم سلّط الله عليه
__________________
(١) يشير إلى بختنصر وقومه ـ وهم عبدة النيران ـ وهم الذين خربوا بيت المقدس وحرقوا التوراة.
(٢) بالأصل : الملك ، والتصويب عن م.
(٣) الأصل : «قاسرح» بدل : «قال : فخرج» وفي م : «قال : خرج» وفوق خرج فيها : ضبة ، والمثبت عن المختصر.
الشمس حتى صمحته (١) من فوق رأسه ، وسلّط عليه الرمضاء من تحت رجليه حتى بلغ مجهوده وأيقن بالهلاك ، فظنّ أنها عقوبة للذي سأل ، إذ رفعت له سحابة فعدا إليها وإذا تحتها نهر جار ، فاغتسل فيه ثمّ تروّح في ظلّها ، فغلبته عيناه ، فنام حتى استثقل (٢) نوما فسلّط الله عليه قرية النمل ، قال : فارتفعن على ساقيه فنخسته نملة منها ، فدلك إحدى رجليه على الأخرى ، فقتل نملا وذرّا كثيرا ، وانتبه ، فأوحى الله إليه ، فقال : يا عزير لم قتلت هذا النمل؟ قال : يا ربّ نخستني منها نملة ، قال : يا عزير نخستك نملة وقتلت نملا كثيرا وذرّا.
قال : ونا إسحاق [نا](٣) أبو إلياس إدريس عن وهب بن منبّه.
أن عزيرا قام شافعا إلى الله عزوجل في بني إسرائيل وذكر الذي أصابهم من عظم المصيبة والبلاء ، وما تتابع عليهم من الملك بخت نصر ، وأنطياخوس ، فقال : يا ربّ أنت خلقت الأرض بكلمتك ، وكانت على مشيئتك ، ثم خلقت فيها آدم بقدرتك جسدا ، ثم نفخت فيه من روحك ، فكان بشرا سويا ، ثم أسجدت له ملائكتك وأسكنته جنتك التي خلقتها بيدك ، ثم أمرته (٤) فعصاك وأخرجته من الجنة ، وقضيت عليه الموت وعلى ولده من بعده ، فلما عصاك وأخرجته من الجنة فلم يخرج منه للضعيف الذي به عصاك وأخرجت منه ذريته ، فلم يخرج ذلك الضعف من ذريته الذي يعصيك به الخاطئون ، ثم اخترت من ذريته نوحا وأهلكت به البرية بدعوته لكفرهم بك ، ثم اخترت من ولد نوح إبراهيم ، ومن ولد إبراهيم إسحاق ، ومن ولد إسحاق يعقوب ، ثم أخرجت آل يعقوب من مصر ورغبت بهم عنها ، وبوّأتهم الشام ، ثم أنزلت عليهم كتابك ، وعهدت إليهم عهدك ثمّ اخترت داود ، ثم سليمان من بعده ، فأمرت ببناء بيتك المقدس من مالك فسخّرت له في ذلك الإنس والجن والشياطين ، ذلك البيت ليذكر فيه اسمك ويسبحك فيه خلقك ، فعصاك أهل ذلك البيت ، وليسوا بأول من عصاك ، فعاقبتهم على معصيتك فسلّطت عليهم من قتل أنبيائك وحرق بيتك ، وأحرق آياتك الذي أنزلت ، وذلّل أولياءك وأعز أعداءك ، فعجب يا رب كيف أسلمت أولياءك وأعززت أعداءك ، وعجبت ما الذي ينفعنا أن نسمّى أولياءك ونحن عبيد لأعدائك ، وخول لأهل معصيتك فكيف هذا يا رب؟.
__________________
(١) صمحه الصيف : أذاب دماغه بحرّه (القاموس المحيط).
(٢) رسمها مضطرب بالأصل وقد تقرأ : «استقل» والمثبت عن م.
(٣) زيادة عن م لتقويم السند.
(٤) الأصل : «أمر به» والمثبت عن م.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع (١) ، أنا أبو الحسين (٢) محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، وأبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، قالا : أنا عثمان بن أحمد بن إسحاق ، أنبأ أبو جعفر محمّد بن عمر (٣) بن حفص ، نا أبو يعقوب إسحاق بن الفيض ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا كنانة بن جبلة ، عن بكر بن خنيس ، عن سوار ، عن أبي يحيى الهروي ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، قال :
لما قرّب الله موسى ناجاه وكلّمه ورأى منزلته من الله قال : يا ربّ أنت ربّ عظيم ، لو تشاء أن تطاع لأطعت ، ولو تشاء أن لا تعصى لما عصيت ، أنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا يا رب؟ فقال الله عزوجل : يا موسى إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، فمكث موسى عند ذلك ، فلما كان عزير بعد موسى ورد الله على بني إسرائيل التوراة على لسان عزير ، ورأى منزلته من الله عزوجل قال مثل ما قال موسى ، فأوحى الله إليه : لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، فكتب عزير ما شاء الله أن يكتب ، ثم لم يصبر حتى قال مثل ذلك ، فأوحى الله مثل ذلك ، فعاد الثالثة ، فقال الله له : سأجعل عقوبتك أن أمحي اسمك من الأنبياء ، فلما كان عيسى صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك قال مثل ذلك ، فردّ عليه مثل ذلك ، فجمع عيسى الحواريين ومن اتّبعه ، فقال : إنّ القدر سر الله فلا تنظروا فيه.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو محمّد الكتاني (٤) ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا خيثمة بن سليمان ، نا عباس بن الوليد بن مزيد ، نا ابن شعيب ، أخبرني محمّد بن يزيد البصري وغيره [عن](٥) أبي معشر ـ كان في الأصل : عن ابن جعفر (٦) ـ أنه أخبره عن أبي رجاء العطاردي عن عبد الله بن عباس.
أن عزيرا سأل الله جل وعز فقال : يا ربّ أنت جعلت الشرّ وقدرته ، فلم تعذب عليه ، فأوحى الله إليه : يا عزير أعرض عن هذا وإلّا محوت اسمك من اسم النبوة ، فأعاد عزير القول ثلاث مرات ، فمحا الله اسمه من النبوة.
فلما بعث عيسى عليهالسلام سأل عن مثل ما سأل عنه عزير ، فأوحى الله إليه : يا ابن
__________________
(١) بعدها في م : إملاء.
(٢) في م : أبو الخير محمّد بن أحمد بن عبد الله.
(٣) الأصل : عمرو ، تصحيف ، والمثبت عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧١ و ٣٧٥.
(٤) الأصل وم : الكناني ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، تقدم التعريف به.
(٥) زيادة عن م.
(٦) في م : «أبي معسر» وفوقها ضبة.
العذراء البتول ، إنّه غيبي مكتوب تحت عرشي المكنون.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله (١) ، أنبأ محمّد بن أحمد بن محمّد خيرون ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، أنا أبو بكر النيسابوري ، نا يونس ، نا ابن وهب ، أخبرني جعفر بن ميسرة عن رجاء بن سويد.
أن عيسى بن مريم سأل ربه فقال : يا ربّ إنّك عدل وقضاؤك عدل ، فكيف تقضي على العبد بالذنب ثمّ تعذبه عليه؟ فقال : يا ابن البتول اله عن هذا فإنه من مكنون علمي.
قال : وحدّثني حفص بن ميسرة ، عن الثوري.
أن عزيرا سأل ربه مثل ما سأله عيسى فقال : اله عن هذا فأعاد ذلك مرارا فقال له : سألتني عن علمي ، وإن عقوبتك عندي أن أمحي اسمك من النبوة.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، وأبو الحسن عبيد الله (٢) بن محمّد بن أحمد البيهقي ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسين (٣) ، أنا أبو القاسم الحرفي ـ ببغداد ـ نا أحمد بن سلمان ، نا محمّد بن عثمان العبسي ، نا عمي ، نا وكيع ، عن سفيان ، عن داود بن [أبي](٤) هند : أن عزيرا سأل ربه عن القدر قال : سألتني عن علمي ، عقوبتك أن لا أسميك في الأنبياء.
قال : وثنا أحمد بن سلمان ، نا جعفر بن محمّد الخراساني ، نا قتيبة بن سعيد ، نا جعفر بن سليمان ، نا أبو عمران الجوني عن نوف قال (٥) :
قال عزير فيما يناجي ربه عزوجل : يا ربّ تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ، قيل له : يا عزير اعرض عن هذا ، قال : فعاد ، فقال : يا رب تخلق خلقا فتضلّ من تشاء وتهدي من تشاء ، قيل له : يا عزير أعرض عن هذا ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، قال : فقال : يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحونّك من النبوة ، إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
أخبرنا أبو محمّد الحسن (٦) بن أبي بكر بن أبي الرضا ، أنا أبو عاصم الفضيل (٧) بن
__________________
(١) الأصل : عبد الله ، والمثبت عن م ، والسند معروف.
(٢) الأصل : عبد الله ، والتصويب عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ٩٦ / ب.
(٣) بعدها في م : إملاء.
(٤) زيادة عن م.
(٥) من هذه الطريق رواه ابن كثير في البداية والنهاية ـ بتحقيقنا ٢ / ٥٥.
(٦) الأصل : الحسين ، والمثبت عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ٤٣ / أ.
(٧) الأصل : الفضل ، تصحيف ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٩٧.
يحيى الفضيلي ، أنا أبو محمّد بن أبي شريح ، نا محمّد بن عقيل بن الأزهر ، نا الحسن (١) بن أبي الربيع الجرجاني ، أنا عبد الرزاق ، أنا جعفر ، عن أبي عمران الجوني عن نوف قال : قال عزير فيما يناجي ربه : يا ربّ تخلق خلقا فتضلّ من تشاء وتهدي من تشاء ، فقيل : أعرض عن هذا ، فعاوده ، فقيل له : أعرض عن هذا ، فعاد ، فقيل له : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، وقال : يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحونّ اسمك من الأنبياء ، إنّي لا أسأل عن شيء وهم يسألون.
أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسنون النّرسي ، أنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا وهب بن بيان (٢) ، نا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن ، وسعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أنّ نملة قرصت نبيا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه أن في قرصة نملة أهلكت أمة من الأمم تسبّح (٣).
رواه النسائي عن وهب.
أنبأنا أبو علي الحداد ، وحدّثني أبو مسعود ، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطّبراني ، نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي (٤) ، نا أبو اليمان ، وهو الحكم بن نافع ، أنا شعيب بن أبي حمزة ، نا أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نزل نبيّ من الأنبياء تحت شجرة ، فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثمّ أمر بها فأحرقت بالنار ، فأوحى الله إليه فهلّا نملة واحدة» (٥) [٨١٢٣].
أخبرنا أبو محمّد بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أخبرني محمّد بن أحمد بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (٦) بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا إسحاق بن
__________________
(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٥٦.
(٢) غير واضحة بالأصل وم ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٤٧٤.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : «فاستح».
(٤) الأصل : الحويطي ، والمثبت عن م.
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه ٥٩ / ١٦ / ٣٣١٩ فتح الباري ، ومسلم في صحيحه ٣٩ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ١٥٠ ، وأحمد في مسنده ٢ / ٣١٢ ، ٤٤٩ ، وأخرجه من هذا الطريق ابن كثير في البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٥.
(٦) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
بشر ، أنبأ ابن جريج ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه أنه قال :
لما انتبه عزير وأحرق قرية النمل ، فأوحى الله إليه : يا عزير أحرقت قرية النمل ، فبلغ من أذاهن إياك أن تحرقهن بالنار وإنما عضتك منها نملة ، فقال : يا ربّ إنّما عضتني تلك الواحدة بقوتهن (١) ، فعلم عزير أن هذا مثل ضربه الله له ، فقال عند ذلك عزير : يا رب أنت لا يدرك أحد كنه علمك وقدرتك ، فقال الله تعالى : يا عزير زعمت أنّي حكم عدل لا أجور بين عبادي ، وكذلك أنا ، وزعمت أنّي أعذب العامة بذنب الخاصة ، والأصاغر بذنب الأكابر ، يا عزير إنّي لا أعذب العامة بذنب الخاصة حتى يعملوا المنكر جهارا ، فلا يأمروا ولا ينهوا ، فأعذب الخاصة بالذنوب والمعاصي ، فأعجلهم إلى النار ، وأعاقب العامة بذنب الخاصة ، حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم يقدرون على ذلك ، فإذا كان يوم القيامة حاسبتهم بأعمالهم ، وكان الذين عجلت لهم العقوبة في الدنيا لما تركوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمّا الأصاغر فأقبضهم (٢) بآجالهم قبضا لطيفا إلى راحتي.
قال عزير : كذلك (٣) أنت إلهي ، فقال له ربه : قم يا عزير ، ارجع إلى قومك ، وانطلق إلى أهل بيتك (٤) ، فقم فيهم ، فقد شفعتك فيهم ، وأنا رادّهم إليها.
فجمعهم الله وخلّصهم من أيدي عدوهم ، فجمعهم في بيت المقدس في حسن حال حتى قبض الله إليه عزير ، فعتوا (٥) بعد ذلك ، وبغا بعضهم على بعض ، فجعلوا يخرجون من ليست له تبعة (٦) من ديارهم ، ويأخذون أموالهم ، فسلط الله عليهم بعد ذلك طططيس بن سبيس الرومي ، فغزا بيت المقدس ، فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٧).
فعادوا إلى البغي ، فأعاد الله عليهم العقوبة ، فغزاهم طططيس فهزمهم الله فقتل مقاتلتهم ، وحمى كنوز بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وحمل الأموال التي كانت فيها ، فهي في بيوت أموالهم بالروم ، ففيهم نزلت : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(٨) يعني أهل الروم ، فليس رومي يدخل بيت المقدس إلّا خائفا ، مستنكرا (٩) يستوحشه إذا نظر إلى بيت المقدس
__________________
(١) تقرأ بالأصل : «بقربهن» واللفظة بدون إعجام وغير واضحة في م ، والمثبت عن المختصر ١٧ / ٤٦.
(٢) الأصل وم : أقبضهم ، والمثبت عن المختصر.
(٣) الأصل : فذلك ، والمثبت عن م والمختصر.
(٤) كذا بالأصل ، وفي م : «وانطلق إلى مرتبتك» وفي المختصر : مدينتك.
(٥) الأصل : فبعثوا ، والمثبت عن م.
(٦) كذا ، وفي م : بيعة ، وفي المختصر : منعة.
(٧) سورة الإسراء ، الآية : ٨.
(٨) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.
(٩) عن م والمختصر ، وبالأصل : «متنكرا».
ثم يصبح فيدخله (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(١) يعني أن يقتل مقاتلة الروم ، ويسبي ذراريهم حتى يفتحها الله على أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم في آخر الزمان ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢) يعني : عذاب النار يوم القيامة.
أخبرنا أبو القاسم محمّد بن الفضل ، أنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن الصابوني ، أنبأ أبو جعفر كامل بن أحمد بن محمّد العزائمي ، أخبرني أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد الأمير ، نا أحمد بن محمّد بن شجاع البغدادي (٣) ، نا بشر بن موسى ، نا محمّد بن منصور المروزي ، نا عبد الله بن الرّمّاح ، نا جعفر العبدي ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال :
جاء عزير النبي صلىاللهعليهوسلم إلى باب موسى بن عمران بعد ما محي اسمه من ديوان النبوة ، فحجب فرجع وهو يقول : مائة موتة أهون من ذلّ ساعة (٤).
أخبرنا جدي أبو الفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي ، أنا عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن الفضل.
ح وحدّثنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن (٥) أحمد بن صابر ـ لفظا ـ وأبو القاسم نصر بن أحمد ـ قراءة ـ قالا : أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن عبد السلام ـ زاد ابن صابر : وعبد الله بن عبد الرزاق ، قالا : ـ وأنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أحمد العبسي ، نا محمّد بن عبد الله الشيباني بالكوفة ، نا محمّد بن صالح بن الفيض العجلي ، نا سعيد بن سيف التميمي ، نا أسيد بن زيد البارقي ، حدّثني أيمن بن عمرو ـ أخو سليمان بن عمرو النخعي ـ عن عطاء بن السائب ، قال :
وقف عزير على باب موسى فانطوى عليه بالإذن فانصرف ـ أو قال : فرجع ـ وهو يقول : موت مائة مرّة أهون من ذلّ ساعة.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.
(٣) بدون إعجام بالأصل ورسمها فيه : «؟؟؟؟ العالحى» والمثبت عن م.
(٤) البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٥.
(٥) الأصل : «أو» والمثبت عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ١٠٥ / ب.
إسحاق بن بشر ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح قال : كان أمر عزير بين عيسى ومحمّد صلّى الله عليهما وسلّم.
قال : وأنا إسحاق ، أنا عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، ومقاتل عن عطاء بن أبي رياح قال : كان في الفترة تسعة أشياء : بخت نصر ، وجنة صنعاء ، وجنة سبأ ، وأصحاب الأخدود ، وأمر حاصوراء ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، ومدينة أنطاكية ، وأمر تبّع (١).
قال : وأنا إسحاق ، وأنبأ سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : كان أمر عزير وبخت نصر في الفترة (٢).
قال : وأنا إسحاق ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ومقاتل ، عن عطاء أن هذه الأشياء كانت في الفترة.
قال : قال : وأنا إسحاق أنا إدريس ، عن وهب بن منبّه أنها كانت بين عيسى وسليمان (٣) ، فالله أعلم أي ذلك كان.
٤٦٩٧ ـ عزير بن الأحنف بن الفضل
أبو عصمة البخاري البيكندي (٤)(٥)
ويقال : الجرجاني ـ لأنه سكن جرجان فنسب إليها
سمع بدمشق هشام بن عمّار ، ودحيما ، وبالعراق : محمّد بن الصباح الجرجرائي (٦) ، ونصر بن علي الجهضمي ، وبخراسان : قتيبة بن سعيد ، ويحيى بن موسى ختّ ، وإبراهيم بن هارون البلخيين ، وبمصر : أحمد بن صالح.
روى عنه أبو الحسن أحمد بن عبد الله ، وأبو جعفر كميل بن جعفر بن كميل ، ومحمّد بن أحمد بن إسماعيل الصرامي ، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجانيون ، وأبو حرب محمّد بن محمّد بن أحمد بن أبي عيسى الحافظ البلخي.
__________________
(١) البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٤.
(٢) البداية والنهاية ٢ / ٥٤.
(٣) البداية والنهاية ٢ / ٥٥.
(٤) هذه النسبة إلى بيكند ، من بلاد ما وراء النهر ، على مرحلة من بخاري إذا عبرت النهر ، ضبطت في معجم البلدان : بالكسر وفتح الكاف وسكون النون (انظر الأنساب).
(٥) انظر ترجمته في تاريخ جرجان ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ رقم ٤٨٤ والاكمال لابن ماكولا ٧ / ٦.
(٦) الأصل : الجرجاني ، والتصويب عن م وتاريخ جرجان والاكمال لابن ماكولا. انظر الحاشية السابقة.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرني أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ـ إجازة ـ ، ثنا عزير بن الفضل الجرجاني ـ سمعت منه قبل التسعين والمائتين ـ.
قال : نا قتيبة ، نا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان لا يدّخر شيئا لغد [٨١٢٤].
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو القاسم التنوخي ، أنبأ إسحاق بن سعد بن الحسن (١) بن سفيان ، أنبأنا جدي الحسن بن سفيان ، نا قتيبة فذكره.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح ، أنا الدارقطني (٢) قال : وأما عزير فهو : عزير بن الفضل الجرجاني.
قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٣) :
وأما عزير ـ بضم العين المهملة ، وفتح الزاي ، وآخره راء ـ فهو عزير بن الأحنف بن الفضل البخاري ، سكن جرجان ، وحدّث عن قتيبة بن سعيد ، ومحمّد بن الصّبّاح الجرجرائي (٤) ، ونصر بن علي الجهضمي ، حدث عنه أبو الحسن أحمد بن عبد الله الجرجاني ، وأبو جعفر كميل بن جعفر بن كميل ، ومحمّد بن أحمد بن إسماعيل الصرامي ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وربما نسب إلى جده ، فقيل : عزير بن الفضل.
وذكره غنجار في تاريخ بخارى فقال : أبو عصمة عزير بن الفضل بن الأحنف البيكندي ، سكن بلخ ، روى عن هشام بن عمّار ، ودحيم ، وأحمد بن صالح ، وقتيبة بن سعيد ، ويحيى بن موسى ختّ ، وروى حديثا (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عمر المقرئ ، عن أبي حرب محمّد بن محمّد بن أحمد بن أبي عيسى الحافظ البلخي ببخارى ، قال : أخبرني عزير بن الفضل بن الأحنف البخاري أبو عصمة ـ وكان مقيما ببلخ ، ومات بها ـ ثنا إبراهيم بن هارون ، نا خالد بن زياد بن جرو ، عن مسعر ، حديثا وقال : توفي أبو عصمة عزير بن الفضل البخاري ببلخ لستّ (٦) بقين من المحرم سنة ثمان وثمانين ومائتين.
__________________
(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.
(٢) في م : «عن أبي الفتح الدارقطني» تصحيف.
(٣) الاكمال لابن ماكولا ٧ / ٦.
(٤) بالأصل : «الجرجرى» والمثبت عن م والاكمال.
(٥) بالأصل : «وروى عثمان بن غنجار عن أحمد ...» وفي م : «وروى عثمان عن أحمد» كلا الجملتين خطأ ، صوبنا الجملة عن الاكمال لابن ماكولا.
(٦) بالأصل : لستة ، والتصويب عن م والاكمال لابن ماكولا.
[ذكر من اسمه](١) عسكر
٤٦٩٨ ـ عسكر بن الحصين
أبو تراب النّخشبي (٢)
أحد العباد السائحين.
حدّث عن محمّد بن عبد الله بن نمير.
حكى عنه عبد الله بن أحمد بن (٣) حنبل ، وأبو عبد الله أحمد بن (٤) يحيى بن الجلاء ، والفتح بن شخرف الكشي ، وأبو علي الحسين بن جبران الفقيه ، ويوسف بن الحسين الرازي ، وأحمد بن محمّد بن أبي دارم ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، ومحمّد بن عبد الله بن مصعب.
وقدم دمشق ، وذكر قدومه في ترجمة الفتح بن شخرف.
كتب إليّ أبو علي الحسن بن أحمد ، وحدّثني [عنه](٥) أبو مسعود عبد الرحيم (٦) بن علي بن حمد ، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله (٧) ، نا أحمد بن إسحاق ، نا محمّد بن عبد الله بن مصعب ، نا أبو تراب الزاهد عسكر ، نا محمّد بن نمير ، ثنا محمّد بن ثابت (٨) ،
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة منا.
(٢) ترجمته في حلية الأولياء ١٠ / ٤٥ والأنساب (النخشبي) ، العبر للذهبي ١ / ٤٤٥ تاريخ بغداد ١٢ / ٣١٥ البداية والنهاية : بتحقيقنا ١٠ / ٣٨٢ الطبقات الكبرى للسبكي ٢ / ٣٠٦ سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٤٥ الرسالة القشيرية ص ٤٣٦ (وانظر الفهارس) ، وأخبار أصبهان ٢ / ١٤٦ والنخشبي : هذه النسبة إلى نخشب مدينة من نواحي بلخ ، وتسمى أيضا نسف.
(٣) ما بين الرقمين سقط من م.
(٤) ما بين الرقمين سقط من م.
(٥) زيادة عن م.
(٦) الأصل : «عن عبد الرحمن» والمثبت : عبد الرحيم ، عن م ، والسند معروف.
(٧) الحديث في حلية الأولياء ١٠ / ٥٠ ـ ٥١.
(٨) في الحلية : «ثنا أبو تراب عسكر بن محمّد الزاهد ، ثنا محمّد ثابت».