تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٠

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٠

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أخبرنا أبو محمّد بن حمزة ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسين بن بشران (١) أنا الحسين بن صفوان ، نا أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا ، نا إسحاق بن إسماعيل نا قتيبة ـ في نسخة : قبيصة ـ عن سفيان عن الأعمش](٢).

أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا أبو الحسين علي بن الحسين بن قريش البنّا ، أنا أبو الحسين (٣) أحمد بن محمّد بن هارون الأهوازي ، نا محمّد بن مخلد العطار ، نا العباس بن محمّد ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان ، عن الأعمش.

أنه قال : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ)(٤) قال : جعله وزوجته وولده أشياخ (٥) وهو شاب.

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو طالب بن غيلان ، أنا أبو بكر الشافعي ، نا إسحاق بن الحسن ، نا أبو حذيفة ، نا سفيان ، عن أبي إسحاق [عن](٦) الأعمش ، عن المنهال بن عمرو : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قال : جاء ولده أشياخ وهو شاب.

قال : ونا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب الأسدي قال :

هو عزير أتى خبازا قريبا منه ، قال له عزير هل تعرفني؟ فقال : ما أعرفك ، ولكني أشبهك رجلا كان عندنا ، يقال له عزير ، وفي نسخ : جبارا.

(٧) أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن (٨) بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (٩) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، أنبأ سعيد بن بشير (١٠) ، عن قتادة ، عن كعب ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن

__________________

(١) في م : بشر.

(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك عن م.

(٣) في م : الحسن.

(٤) الأصل : ولبحعلك له الناس ، والتصويب عن م ، من الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.

(٥) كذا بالأصل وم : أشياخ وهو شاب.

(٦) سقطت من الأصل ، وفي م : «عن سفيان عن الأعمش».

(٧) خبر سقط من الأصل ، وهو موجود في م ، قسم منه غير واضح فيها من سوء التصوير ، نستدرك هنا ما استطعنا قراءته :

أنبأنا أبو القاسم العلوي ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، نا جدي .... حماد ، أنا عبد الرزّاق ، نا معمر ، عن قتادة في قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) .........

(٨) الأصل : الحسين ، تصحيف.

(٩) الأصل : الحسين ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٥٩.

(١٠) الأصل : بشر ، تصحيف ، والتصويب عن البداية والنهاية ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٠٤.

٣٢١

قتادة ، عن الحسن (١) ومقاتل وجويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، وعبد الله بن إسماعيل السّدّي ، عن أبيه ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، وإدريس عن جده وهب بن منبّه ، قال إسحاق : كلّ هؤلاء حدثوني عن حديث عزير وزاد بعضهم على بعض ، قالوا بإسنادهم (٢).

أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعهدها ، فلما انصرف انتهى إلى خربة حتى قامت الظهيرة وأصابه الحرّ ، فدخل الخربة ، وهو على حمار له ، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب ، فنزل في ظل تلك الخربة ، وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتلّ ليأكله ثم استلقى على قفاه ، وأسند رجليه إلى الحائط ، فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها ، وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ، ورأى عظاما بالية ، فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ [اللهُ])(٣)(بَعْدَ مَوْتِها) ، فلم يشكّ أنّ الله يحييها ولكن قالها تعجبا ، فبعث الله ملك الموت ، فقبض روحه ، (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) فلما أتت عليه مائة عام ، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث ، قال : فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به ، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ، ثم ركّب خلقه وهو ينظر ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ، ثم نفخ فيه الروح ، كلّ ذلك يرى ويعقل ، فاستوى جالسا ، فقال له الملك : (كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ : لَبِثْتُ يَوْماً) ، وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة ، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب ، فقال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، ولم يتم لي يوم ، فقال له الملك : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ، فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) يعني الطعام الخبز اليابس وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة ، فإذا هما على حالهما لم يتغير ، العصير ، والخبز يابس ، فذلك قوله (لَمْ يَتَسَنَّهْ) يعني لم يتغير ، وكذلك التين والعنب غضّ لم يتغير عن شيء من حالهم فكأنه أنكر في قلبه.

فقال له الملك : أنكرت ما قلت لك؟ انظر إلى حمارك ، فنظر ، فإذا حماره قد بليت عظامه ، وصارت نخرة ، فنادى (٤) الملك عظام الحمار ، فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركّبه الملك وعزير ينظر إليه ، ثم ألبسها العروق والعصب ، ثم كساها اللحم ، ثم أنبت عليها

__________________

(١) الأصل : الحسين ، تصحيف.

(٢) الحبر من هذه الطريق في البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٢ ـ ٥٣.

(٣) الزيادة عن م والبداية والنهاية ، والتنزيل العزيز ، من الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.

(٤) بالأصل : «فيوذي» ، والمثبت عن م والبداية والنهاية.

٣٢٢

الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا يظن أن القيامة قد قامت فذلك قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً)(١) يعني : انظر إلى عظام حمارك كيف نركّب بعضها بعضا في أوصالها ، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ، ثم انظر كيف نكسوها لحما ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ : أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢) من إحياء الموتى وغيره (٣).

قال : فركب حماره حتى أتى محلته ، فأنكره الناس ، وأنكر الناس منازله ، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو (٤) بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة ، كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته ، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة (٥) ، فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت : نعم هذا منزل عزير فبكت وقالت : ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا ، وقد نسيه الناس قال : فإنّي أنا عزير ، قالت : سبحان الله ، فإنّ عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة ، فلم نسمع له بذكر ، قال : فإنّي أنا عزير ، كان الله أماتني مائة (٦) سنة ، ثم بعثني ، قالت : فإنّ عزير رجلا مستجاب الدعوة ، يدعو للمريض ، ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء ، فادع الله أن يردّ عليّ بصري حتى أراك ، فإن كنت عزيرا عرفتك ، قال : فدعا ربّه ومسح يده على عينها فصحتا فأخذ بيدها فقال : قومي بإذن الله فأطلق الله رجليها ، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال (٧) ، فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير ، فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير لشيخ ابن مائة سنة وثمان (٨) عشرة سنة وبنو (٩) بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم فكذّبوها فقالت : أنا فلانة مولاتكم ، دعا لي ربّه فرد عليّ بصري وأطلق رجليّ ، وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه.

قال : فنهض الناس ، فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء بين

__________________

(١) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.

(٣) الذي يفهم من تاريخ الطبري ١ / ٥٥١ ـ ٥٥٤ والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ١ / ١٨٠ أن الذي أماته الله هو أرميا وليس عزيرا.

(٤) الأصل : هي ، والمثبت عن م والبداية والنهاية.

(٥) الزمانة : العاهة.

(٦) «مائة» استدركت عن هامش الأصل.

(٧) مثل. تقدم الكلام عليه قريبا.

(٨) في الكامل لابن الأثير بتحقيقنا : مائة وثلاث عشرة.

(٩) الأصل وم والبداية والنهاية : وبني.

٣٢٣

كتفيه ، فكشف عن كتفيه ، فإذا عزير ، فقالت بنو إسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدّثنا غير (١) عزير وقد حرق بخت نصر التوراة ولم يبق منها شيء إلّا ما حفظت الرجال ، فاكتبها لنا ، وكان أبوه سروخا دفن التوراة أيام بخت نصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ، ودرس (٢) الكتاب قال : فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله ، فجدّد لهم التوراة ، فنزل من السماء شهابان (٣) حتى دخلا جوفه ، فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل (٤) فمن ثمّ قالت اليهود : عزير ابن الله ، جل الله عن الذي كان من أمر الشهابين ، وتجديده التوراة ، وقيامه بأمر بني إسرائيل.

وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقل (٥) والقرية التي مات فيها فقال لها سابرآباد.

قال ابن عباس : فكان كما قال الله (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) يعني لبني إسرائيل ، وذلك أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة ، فبعثه الله شابا كهيئة يوم مات ، فقال ابن عباس : بعث بعد بخت نصر ، وكذلك قال الحسن (٦).

قالا : فقال الحسن (٧) : فلمّا سلّط الله على بني إسرائيل بعد بخت نصر مرّ أنطياخوس وهدم بيت المقدس ، فلما بعث عزير قام بذلك يناشد ربّه فيما نزل ببني إسرائيل من بخت نصر وما لقوا منه ومن أنطياخوس.

أخبرنا أبو المظفر بن القشيري ، أنبأ أبو سعد الجنزرودي ، أنا أبو عمرو بن حمدان ، أنا أبو يعلى ، نا عبد الله بن عمر ، نا عبدة ، عن النضر بن عدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله عزوجل (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) قال : لم يتغير.

__________________

(١) بالأصل : عبد العزيز ، والتصويب عن م والبداية والنهاية.

(٢) درس : امّحى.

(٣) في الطبري والكامل لابن الأثير : بعث الله ملكا في صورة إنسان ، أتاه بإناء فيه ماء فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التوراة في صدره.

(٤) زيد في تاريخ الطبري : فصاروا يعرفونها بحلالها وحرامها وسننها وفرائضها وحدودها ، وقامت التوراة بين أظهرهم وصلح بها أمرهم.

(٥) بالأصل وم : «تدبر حرفك» وفوق اللفظة الثانية في م ضبة ، والمثبت عن المختصر ، وفي البداية والنهاية : «بدير حزقيل». وحزقل أو حزقيل اسم أحد الأنبياء عليهم‌السلام.

(٦) الأصل : الحسين ، والتصويب عن م.

(٧) الأصل : الحسين ، والتصويب عن م.

٣٢٤

أخبرنا (١) أبو الحسن عبد الله الخباب ، أنبأ أبو محمّد بن عبد العزيز بن عراف بن عبد الوهاب ، وأبو الخير أحمد بن علي الحمصي (٢) ، حدّثني أبو الفضل العباس بن محمّد الرقي ، قال : سمعت أبا بكر (٣) يموت ابن المزرّع الأديب يقول : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول في قول الله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٤) قال (٥) القرية : أرض المقدس ، وذلك أن العزير مرّ بها وهي خراب فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ، فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(٦) على السن (٧) التي (٨) توفاه عليها بعد مائة سنة ، وله أربعون سنة ولأمته (٩) عشرون ومائة (١٠) سنة ولابن ابنه تسعون سنة ، وأنشد في ذلك (١١) :

واسودّ رأس شاب من قبله ابنه

ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر

ترى ابن ابنه شيخا يدب على عصا

ولحيته سوداء والرأس أشقر

وما لابنه حيل ولا فضل قوة

يقوم كما يمشي الصبيّ فيعثر

يعد ابنه في الناس تسعين حجة

وعشرين لا يجري ولا يتبختر

وعمر أبيه أربعون أمرّها

ولابن ابنه في الناس تسعون غبّر

فما هو في المعقول إن كنت داريا

وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر

أنبأ أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي ، أنا محمّد بن يوسف ، أنا محمّد بن حمّاد ، أنا عبد الرزاق ، نا بكار بن عبد الله قال : سمعت وهب بن منبّه يقول : ردّ الله تبارك وتعالى بني إسرائيل إلى مدينتهم فكان بخت نصر قد حرق التوراة ، فأمر الله ملكا ، فنزل بمغرفة من نور ، فقذفها في عزير ، فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها (١٢).

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أخبرني محمّد بن

__________________

(١ و ٢) كذا السند بالأصل ويبدو شديد الاضطراب ، وفي م : أخبرنا أبو الحسن عبد الوهّاب بن عبد الله الحباب الحمصي ، حدّثني أبو الفضل العباس بن محمّد الرقي ... ولم أستطع الوقوف على صحته.

(٣) الأصل : بكرة ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٤٦.

(٤ و ٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٩.

(٥) زيادة منا للإيضاح.

(٧) بالأصل : السنن ، والتصويب عن م.

(٨) الأصل وم : الذي.

(٩) الأصل : «ولأبيه» وفي م : «لابنه» والصواب ما أثبت انظر الرواية السابقة.

(١٠) الأصل : «عشرين مائة سنة» وفي م : مائة سنة.

(١١) الأبيات في البداية والنهاية ـ بتحقيقنا ٢ / ٥٤.

(١٢) البداية والنهاية ٢ / ٥٤.

٣٢٥

أحمد بن محمّد بن رزقويه ، أنبأنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (١) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا علي بن عاصم ، أخبرني عمران بن حدير ، عن أبي مجلز قال :

جاء ابن عباس (٢) إلى ابن سلام وقال : إنّي جئتك أسألك عن أشياء ، فقال له ابن سلام : وأنت تقرأ القرآن؟ قال : نعم ، وإن كنت أقرأ القرآن ، قال : ما لي أرى اليهود قالوا : عزير ابن الله ، وقد كان فيهم موسى وهارون وداود وسليمان والأنبياء فلم يقولوا لأحد منهم هذا ، وقالوا لعزير؟ وما بال سليمان تفقد الهدهد من بين الطير ، وسمعت الله تعالى يذكر تبّعا فلم يذمه وذمّ قومه؟.

قال : نعم إنّ تبعا غزا بيت المقدس فسبا أولاد الأحبار فقدم بهم على قومه ، قال : فأعجب بفتية منهم ، قال : فجعل يدنيهم ويسمع منهم ، وجعل الفتية يخبرونه عن الله وما في الآخرة ، قال : فأعجب بهم فجعلهم في سره دون قومه ، فتكلّم قومه في ذلك فقالوا : إنّ هؤلاء الفتية قد غلبوا على نوح ويخاف أن يدخلوه في دينهم ، فبلغ تبّعا ما يقول قومه ، فأرسل إلى الفتية فدخلوا عليه ، فقال لهم : ألا تسمعون ما يقول قومي ، قال الفتية : بيننا وبينهم النصف (٣) ، قال : وما هو؟ قالوا : النار التي تحرق الكاذب (٤) ويبرأ فيها الصادق.

قال : فأرسل تبّع إلى أحبار قومه ، فأدخلهم عليه ، فلما دخلوا عليه قال لهم : اسمعوا ما يقول هؤلاء؟ قالوا : وما يقولون؟ قال : يقولون إنّ لنا ربا هو خلقنا وإليه نعود ، وإنّ بين أيدينا جنة ونارا ، فإن أبيتم علينا هذا فبيننا وبينكم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق.

قال : فقال قوم تبّع : قد رضينا ، قال : فخرج تبّع وقومه ، وأخرج الناس معه ، وأمر بالفتية (٥) ، فأخرجوا ، قال : وكانت النار تقبل ، حتى إذا كانت قريبة من الناس ركدت فلم تبرح.

قال : فلما خرج الفتية أقبلت النار حتى إذا كانت قريبة منهم ركدت ، قال تبّع للفتية : هذه النار قد أقبلت فتوجهوا نحوها ، قال : فتوجه الفتية نحوها ، قال : وكانت إذا توجه قبلها انفرقت فرقتين ، فإذا دخلوها وتوسطوها ، إن كانوا ليسوا بأهلها جاوزوها ، فإذا جاوزوها

__________________

(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، تقدم التعريف به.

(٢) الخبر من طريق ابن عساكر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٥٤ مختصرا.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : المنصف.

(٤) الأصل : الكافرين ، والمثبت باعتبار السياق ، عن م ، والمختصر وسترد صوابا بعد أسطر.

(٥) الأصل : «وأمرنا بالبينة» والتصويب عن م.

٣٢٦

انضمّت ، وإن كانوا أهلها أقبلت عليهم فأحرقتهم ، فلمّا توجه الفتية نحوها انفرقت فرقتين ، فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها ، وسفعت وجوههم فرجعوا هاربين ، قال لهم تبّع : لأدخلنها ، أنتم دعوتمونا إلى هذا ، قال : فأكرههم على أن دخلوها ، ثم مشوا حتى خرجوا منها ، فانضمّت.

قال : فاختار تبّع عدّة الفتية من قومه ، فقال : ادخلوها ، قال : فلمّا دنوا منها وجدوا حرّها وسفعت وجوههم ورجعوا هاربين ، قال : فقال لهم تبّع : بئس الرجل أنا إن كنت حملت الفتية على النار ثم لا أحملكم عليها ، ارجعوا فادخلوها ، قال : فرجعوا فدخلوها ، فلما توسطوها أحاطت بهم فأحرقتهم ، قال : فأسلم تبّع ، وكان رجلا صالحا ، فذكره الله ولم يذمه وذمّ قومه.

وأمّا الهدهد فكان بمكان من سليمان لم يكن شيء من الطير عنده بمنزلته ، فنزل سليمان مفازة ، فسأل كم بعد مسافة الماء؟ فقال الناس : ما ندري ، فسأل الشياطين فقالوا : لا ندري ، فغضب سليمان ، فقال : لا أخرج حتى أحفر لابن السبيل ، قال : فقالت له الشياطين : ليس تعلم هذا ـ إن علمه ـ إلّا الهدهد ، قال : فكيف ذلك؟ قالوا : إنّه يخرج بخار من الأرض قبل طلوع الشمس فيصعد بقدر مسافة الماء ، لا يراه شيء إلّا الهدهد ، قال : ففقد الهدهد عند ذلك.

وأما عزير فإنّ بخت نصر حين غزا بيت المقدس فقتلهم ، وخرب بيت المقدس ، وحرق التوراة ، فبقي بنو (١) إسرائيل ليس فيهم التوراة ، إنما يقرءونها نظرا ، فلحق عزير بالجبال ، فكان يكون هناك مع الوحوش فمكث ما شاء الله أن يمكث ، قال : وكان يصوم ، وكان يرد عند الليل عينا يشرب منها فيفطر قال : فوردها ذات ليلة لإفطاره فإذا هو بامرأة قاعدة على الماء ، فلما رآها عزير قال : امرأة والنفس تهم بالشر ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ، ولم يفطر ، فلمّا أن كان من الغدّ ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء ، فقال : النفس تهمّ بالشر ، وامرأة ، والشيطان للإنسان عدو مبين ، فانصرف عنها ولم يفطر ، فلما كانت الليلة الثالثة ورد الماء ، فإذا هي قاعدة على الماء وقد كاد أن ينقطع عنقه عطشا ، فقال : يا نفس ، النفس تهمّ بالشر ، والشيطان عدو مبين ، وامرأة ، والخلوة ، وأنا مضطر ، فمضى إليها ليشرب من العين ، فإذا هو بها قاعدة تبكي ، فأقبل عليها وترك الشراب ، فقال : ما يبكيك؟ قالت : ابني مات ، قال : هل كان ابنك هذا يخلق؟ قالت : لا ، قال : فهل كان ابنك هذا يرزق؟ قالت : لا ،

__________________

(١) فوقها في م ضبة.

٣٢٧

قال : ويحك فكيف تبكين على من لا يخلق ولا يرزق ، قالت : وما تصنع هاهنا وأين قومك؟ قال : وأين قومي؟ قد هلك قومي ومزقوا لجّ هذه العين فتخرج على قومك ، قال : فعرف إنما مثلت له قال : فولج العين فجعل لا يرفع رجلا ولا يضع أخرى إلّا زاده الله علما حتى طلع في وسط المسجد ، وقد أثبت الله التوراة في قلبه ، كما كتبها لموسى.

قال : فدعاني بني إسرائيل إلى التوراة ، فكتبها لهم قال : فقالت بنو إسرائيل : لم يستطع موسى أن يأتينا بها إلّا في كتاب ، وأتانا بها عزير من غير كتاب ، فرماه طوائف منهم ، فقالوا : هو ابن الله ، جلّ الله وعزّ.

أخبرنا أبو المعالي محمّد بن إسماعيل الفارسي (١) ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس [القاسم بن](٢) القاسم السياري (٣) ـ بمرو ـ نا محمّد بن موسى ، نا حاتم ، نا علي بن الحسن (٤) بن شقيق ، أنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :

لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها)(٥) فقال : لو كان هؤلاء الذين تعبدون آلهة ما وردوها ، فقالت المشركون : الملائكة ، وعيسى ، وعزير يعبدون من دون الله؟ قال : فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٦) عيسى ، وعزير ، والملائكة.

أخبرنا أبو العباس عمر بن عبد الله بن أحمد الفقيه ، نا أبو الحسن (٧) الواحدي (٨) ، أنبأ عمر بن أحمد بن عمر الماوردي ، نا عبد الله بن محمّد بن نصير الرازي ، أنا محمّد بن أيوب ، أنبأ علي بن المديني ، نا يحيى بن آدم (٩) ، نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، أخبرني أبو رزين ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس قال :

آية لا يسألني الناس عنها ، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون

__________________

(١) بعدها في م : إملاء.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن م.

(٣) بدون إعجام بالأصل وم ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٠٠.

(٤) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م.

(٥) سورة الأنبياء ، الآية : ٩٨ و ٩٩.

(٦) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠١.

(٧) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، وهو علي بن أحمد الواحدي ، صاحب كتاب أسباب النزول.

(٨) الخبر في أسباب النزول ص ١٧١.

(٩) كذا بالأصل وم ، وفي أسباب النزول : يحيى بن نوح.

٣٢٨

عنها ، قيل له : وما هي؟ قال : لما نزلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) شقّ على قريش ، فقالوا : أيشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزبعري ، فقال : مالكم؟ قالوا : يشتم آلهتنا ، قال : فما قال؟ قالوا : قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) قال : ادعوه لي ، فلما دعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا محمّد هذا شيء لآلهتنا خاصة ، أو لكل من عبد من دون الله؟ قال : «بل لكل من عبد من دون الله» فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا (١) عبد صالح (٢) وهذه بنو مليح (٣) يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى تعبد (٤) عيسى عليه‌السلام وهذه اليهود تعبد (٥) عزيرا ، قال : فصاح أهل مكة فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الملائكة وعيسى وعزير عليهم‌السلام (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [٨١٢٢].

أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي بن ميمون ، أنا أبو محمّد الجوهري ، نا أبو حفص عمر بن محمّد بن علي بن يحيى الزيات ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك بن الفضل الكوفي الأسدي ، نا أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي ، نا سوار بن مصعب ، نا أبو يحيى ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال :

إنّ الله عزوجل لما بعث موسى وناجاه وأنزل عليه التوراة ورأى مكانه من ربّه عزوجل قال : اللهم إنك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي ربّ؟ فأوحى الله إليه : إنّي لا اسأل عما أفعل وهم يسألون ، فانتهى موسى.

فلما بعث الله عزيرا وأتاه التوراة بعد ما كان قد رفعها عن بني إسرائيل حتى قال من قال منهم إنّ الله إنّما خصّه بالتوراة من بيننا أنه ابنه ، فلما رأى منزلته من ربه قال : اللهم إنّك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، كيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه : إنّي لا أسأل عما أفعل ، فأبت نفسه حتى سأل أيضا فقال : اللهم إنّك ربّ لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى

__________________

(١) الأصل وم : عزير.

(٢) قوله : «وأن عزيرا عبد صالح» ليس في أسباب النزول.

(٣) بنو مليح : حي من خزاعة. (القاموس المحيط).

(٤) أسباب النزول : يعبدون.

(٥) أسباب النزول : يعبدون.

٣٢٩

ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه : يا عزير أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تصرّ صرّة من الشمس؟ قال : لا ، قال أتستطيع أن تجيء بحصاة من الأرض السابعة؟ قال : لا ، قال : أتستطيع أن تجيء بمثقال من الريح قال : لا ، قال : أفتستطيع أن تجيء بقيراط من نور ، قال : لا ، قال : فكذا لا تقدر على الذي سألتني عنه ، إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، أما [إني](١) لا أجعل عقوبتك إلّا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر بينهم.

وهو نبيّ مرسل ، أو رسول ، الشك من أحمد بن يونس.

فلما أن بعث الله عيسى بن مريم فأنزل عليه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فرأى مكانه من ربّه عزوجل قال : اللهم إنّك رب عظيم ، لو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله تعالى إليه : إنّي لا أسأل عما أفعل ، وهم يسألون ، إنّما أنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم ، وروح منّي ، خلقتك من تراب ثمّ قلت لك كن فكنت ، لئن لم تنته (٢) لأفعلنّ بك ما فعلت بصاحبك بين يديك ، فجمع الحواريين ومن معه ، فقال : إنّ القدر سر الله عزوجل فلا تكلفوا.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أنبأ محمّد بن أحمد بن رزقويه ، أنبأ أحمد بن سندي ، نا الحسن (٣) بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنبأ إسحاق بن بشر ، أنبأ سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن (٤) ، وهشام بن حسان عن الحسن ، ومقاتل وجويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قالا :

أول من تكلّم من الأنبياء في القدر عزير ، قال : إنّ الله لما قرّب عبده موسى نجيا قال : يا ربّ ولو (٥) شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع وفي ذلك تعصى ، قال الله : يا موسى إنّي كذلك لا يسألني العباد عن ما أفعل وهم يسألون ، قال : فعاود ربّه فزجره ، فازدجر حتى إذا كان زمن عيسى وجاء بالآيات واتّخذ

__________________

(١) الزيادة عن م.

(٢) الأصل وم : تنتهي.

(٣) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.

(٤) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.

(٥) كذا ، وفي م : «لو» بدون «واو».

٣٣٠

العجائب ، فقال : يا ربّ إنّك عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وفي ذلك تعصى ، قال : يا عيسى إنّي كذلك لا يسألني العباد عما أفعل وهم يسألون ، قال : فعاوده ، فزجره فازدجر ، فجمع عيسى بعد ذلك الحواريين ، فقال : يا معشر الحواريين إن القدر سريرة الله فلا تسألوا عن سريرة الله.

قال : فلما بعث الله عزيرا بعد ما أماته قال : يا ربّ إنك عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ولو شئت أن لا تعصى لما عصيت ، وأنت تحبّ أن تطاع ، وفي ذلك تعصى ، قال : يا عزير إنّي كذلك لا تسألني العباد عما أفعل وهم يسألون ، فعاوده فزجره ، فلم يزدجر ، فقال الله تعالى : يا عزير تريد أن تسألني عن أصل علمي؟ فوعزتي ، لأمحونّ اسمك من النبوة ، قال : فعاقبه الله فمحا اسمه من النبوة ، فلم يذكر مع الأنبياء ، قال : ثم لم يكفّ فقال : يا ربّ اشتبه عليّ أمري ، فبعث الله إليه ملكا ، فقال : يا عزير إنّ الله يقول : وما الذي اشتبه عليك؟ قال : يا ربّ تسليطك على بني إسرائيل ـ وهم أبناء أنبيائك وأصفيائك ـ عبدة النيران ، فقتلوا وسبوا وحرقوا (١) بيت المقدس ، بيتك الذي اخترته لنفسك ، وحرقوا كتابك الذي جاء به موسى ، فكيف هذا يا رب؟ فقال له الملك : يا عزير إنّ الله جل ثناؤه يقول : اسكت وما أنت وذاك؟ فقال للملك (٢) : اشفع لي إلى الله ، فقال الملك : يا عزير أنت فتعبّد ، وسل ربك يوما ، ثم سأل ربّه فأوحى الله إليه : يا عزير إن بني إسرائيل قتلوا أنبيائي وانتهكوا محارمي ، فسلّطت عليهم من لا يرجو ثوابي ولا يخاف عقابي ، يكون أبلغ لي منهم في العقوبة ، فمن ثمّ سلّطت عليهم بخت نصر وعبدة النيران.

قال : يا ربّ إنك حكم عدل ، وأنت لا تجور ، فكيف عذّبت العامة بذنب الخاصة ، والأصاغر بذنب الأكابر ، فكيف هذا يا رب؟.

فقال الله تعالى : يا عزير اخرج إلى فلاة من الأرض يأتيك أمري.

قال : فخرج (٣) فأتاه ملك فقال : يا عزير إنّ ربك يقول : أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ قال : لا ، قال : فتستطيع أن تصرّ صرة من الشمس. قال : لا ، قال : فتستطيع أن تكيل مكيالا من نور ، قال : لا ، فتستطيع أن تزن مثقالا من الريح؟ قال : لا ، قال : فتستطيع أن تجيء بحصاة من البحر السابع من قعره؟ قال : فكذلك لا تستطيع أن تعلم أصل علمي ، ثم سلّط الله عليه

__________________

(١) يشير إلى بختنصر وقومه ـ وهم عبدة النيران ـ وهم الذين خربوا بيت المقدس وحرقوا التوراة.

(٢) بالأصل : الملك ، والتصويب عن م.

(٣) الأصل : «قاسرح» بدل : «قال : فخرج» وفي م : «قال : خرج» وفوق خرج فيها : ضبة ، والمثبت عن المختصر.

٣٣١

الشمس حتى صمحته (١) من فوق رأسه ، وسلّط عليه الرمضاء من تحت رجليه حتى بلغ مجهوده وأيقن بالهلاك ، فظنّ أنها عقوبة للذي سأل ، إذ رفعت له سحابة فعدا إليها وإذا تحتها نهر جار ، فاغتسل فيه ثمّ تروّح في ظلّها ، فغلبته عيناه ، فنام حتى استثقل (٢) نوما فسلّط الله عليه قرية النمل ، قال : فارتفعن على ساقيه فنخسته نملة منها ، فدلك إحدى رجليه على الأخرى ، فقتل نملا وذرّا كثيرا ، وانتبه ، فأوحى الله إليه ، فقال : يا عزير لم قتلت هذا النمل؟ قال : يا ربّ نخستني منها نملة ، قال : يا عزير نخستك نملة وقتلت نملا كثيرا وذرّا.

قال : ونا إسحاق [نا](٣) أبو إلياس إدريس عن وهب بن منبّه.

أن عزيرا قام شافعا إلى الله عزوجل في بني إسرائيل وذكر الذي أصابهم من عظم المصيبة والبلاء ، وما تتابع عليهم من الملك بخت نصر ، وأنطياخوس ، فقال : يا ربّ أنت خلقت الأرض بكلمتك ، وكانت على مشيئتك ، ثم خلقت فيها آدم بقدرتك جسدا ، ثم نفخت فيه من روحك ، فكان بشرا سويا ، ثم أسجدت له ملائكتك وأسكنته جنتك التي خلقتها بيدك ، ثم أمرته (٤) فعصاك وأخرجته من الجنة ، وقضيت عليه الموت وعلى ولده من بعده ، فلما عصاك وأخرجته من الجنة فلم يخرج منه للضعيف الذي به عصاك وأخرجت منه ذريته ، فلم يخرج ذلك الضعف من ذريته الذي يعصيك به الخاطئون ، ثم اخترت من ذريته نوحا وأهلكت به البرية بدعوته لكفرهم بك ، ثم اخترت من ولد نوح إبراهيم ، ومن ولد إبراهيم إسحاق ، ومن ولد إسحاق يعقوب ، ثم أخرجت آل يعقوب من مصر ورغبت بهم عنها ، وبوّأتهم الشام ، ثم أنزلت عليهم كتابك ، وعهدت إليهم عهدك ثمّ اخترت داود ، ثم سليمان من بعده ، فأمرت ببناء بيتك المقدس من مالك فسخّرت له في ذلك الإنس والجن والشياطين ، ذلك البيت ليذكر فيه اسمك ويسبحك فيه خلقك ، فعصاك أهل ذلك البيت ، وليسوا بأول من عصاك ، فعاقبتهم على معصيتك فسلّطت عليهم من قتل أنبيائك وحرق بيتك ، وأحرق آياتك الذي أنزلت ، وذلّل أولياءك وأعز أعداءك ، فعجب يا رب كيف أسلمت أولياءك وأعززت أعداءك ، وعجبت ما الذي ينفعنا أن نسمّى أولياءك ونحن عبيد لأعدائك ، وخول لأهل معصيتك فكيف هذا يا رب؟.

__________________

(١) صمحه الصيف : أذاب دماغه بحرّه (القاموس المحيط).

(٢) رسمها مضطرب بالأصل وقد تقرأ : «استقل» والمثبت عن م.

(٣) زيادة عن م لتقويم السند.

(٤) الأصل : «أمر به» والمثبت عن م.

٣٣٢

أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع (١) ، أنا أبو الحسين (٢) محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، وأبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، قالا : أنا عثمان بن أحمد بن إسحاق ، أنبأ أبو جعفر محمّد بن عمر (٣) بن حفص ، نا أبو يعقوب إسحاق بن الفيض ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا كنانة بن جبلة ، عن بكر بن خنيس ، عن سوار ، عن أبي يحيى الهروي ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، قال :

لما قرّب الله موسى ناجاه وكلّمه ورأى منزلته من الله قال : يا ربّ أنت ربّ عظيم ، لو تشاء أن تطاع لأطعت ، ولو تشاء أن لا تعصى لما عصيت ، أنت تحبّ أن تطاع ، وأنت في ذلك تعصى ، فكيف هذا يا رب؟ فقال الله عزوجل : يا موسى إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، فمكث موسى عند ذلك ، فلما كان عزير بعد موسى ورد الله على بني إسرائيل التوراة على لسان عزير ، ورأى منزلته من الله عزوجل قال مثل ما قال موسى ، فأوحى الله إليه : لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، فكتب عزير ما شاء الله أن يكتب ، ثم لم يصبر حتى قال مثل ذلك ، فأوحى الله مثل ذلك ، فعاد الثالثة ، فقال الله له : سأجعل عقوبتك أن أمحي اسمك من الأنبياء ، فلما كان عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك قال مثل ذلك ، فردّ عليه مثل ذلك ، فجمع عيسى الحواريين ومن اتّبعه ، فقال : إنّ القدر سر الله فلا تنظروا فيه.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو محمّد الكتاني (٤) ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا خيثمة بن سليمان ، نا عباس بن الوليد بن مزيد ، نا ابن شعيب ، أخبرني محمّد بن يزيد البصري وغيره [عن](٥) أبي معشر ـ كان في الأصل : عن ابن جعفر (٦) ـ أنه أخبره عن أبي رجاء العطاردي عن عبد الله بن عباس.

أن عزيرا سأل الله جل وعز فقال : يا ربّ أنت جعلت الشرّ وقدرته ، فلم تعذب عليه ، فأوحى الله إليه : يا عزير أعرض عن هذا وإلّا محوت اسمك من اسم النبوة ، فأعاد عزير القول ثلاث مرات ، فمحا الله اسمه من النبوة.

فلما بعث عيسى عليه‌السلام سأل عن مثل ما سأل عنه عزير ، فأوحى الله إليه : يا ابن

__________________

(١) بعدها في م : إملاء.

(٢) في م : أبو الخير محمّد بن أحمد بن عبد الله.

(٣) الأصل : عمرو ، تصحيف ، والمثبت عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧١ و ٣٧٥.

(٤) الأصل وم : الكناني ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، تقدم التعريف به.

(٥) زيادة عن م.

(٦) في م : «أبي معسر» وفوقها ضبة.

٣٣٣

العذراء البتول ، إنّه غيبي مكتوب تحت عرشي المكنون.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله (١) ، أنبأ محمّد بن أحمد بن محمّد خيرون ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، أنا أبو بكر النيسابوري ، نا يونس ، نا ابن وهب ، أخبرني جعفر بن ميسرة عن رجاء بن سويد.

أن عيسى بن مريم سأل ربه فقال : يا ربّ إنّك عدل وقضاؤك عدل ، فكيف تقضي على العبد بالذنب ثمّ تعذبه عليه؟ فقال : يا ابن البتول اله عن هذا فإنه من مكنون علمي.

قال : وحدّثني حفص بن ميسرة ، عن الثوري.

أن عزيرا سأل ربه مثل ما سأله عيسى فقال : اله عن هذا فأعاد ذلك مرارا فقال له : سألتني عن علمي ، وإن عقوبتك عندي أن أمحي اسمك من النبوة.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، وأبو الحسن عبيد الله (٢) بن محمّد بن أحمد البيهقي ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسين (٣) ، أنا أبو القاسم الحرفي ـ ببغداد ـ نا أحمد بن سلمان ، نا محمّد بن عثمان العبسي ، نا عمي ، نا وكيع ، عن سفيان ، عن داود بن [أبي](٤) هند : أن عزيرا سأل ربه عن القدر قال : سألتني عن علمي ، عقوبتك أن لا أسميك في الأنبياء.

قال : وثنا أحمد بن سلمان ، نا جعفر بن محمّد الخراساني ، نا قتيبة بن سعيد ، نا جعفر بن سليمان ، نا أبو عمران الجوني عن نوف قال (٥) :

قال عزير فيما يناجي ربه عزوجل : يا ربّ تخلق خلقا فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ، قيل له : يا عزير اعرض عن هذا ، قال : فعاد ، فقال : يا رب تخلق خلقا فتضلّ من تشاء وتهدي من تشاء ، قيل له : يا عزير أعرض عن هذا ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، قال : فقال : يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحونّك من النبوة ، إنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.

أخبرنا أبو محمّد الحسن (٦) بن أبي بكر بن أبي الرضا ، أنا أبو عاصم الفضيل (٧) بن

__________________

(١) الأصل : عبد الله ، والمثبت عن م ، والسند معروف.

(٢) الأصل : عبد الله ، والتصويب عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ٩٦ / ب.

(٣) بعدها في م : إملاء.

(٤) زيادة عن م.

(٥) من هذه الطريق رواه ابن كثير في البداية والنهاية ـ بتحقيقنا ٢ / ٥٥.

(٦) الأصل : الحسين ، والمثبت عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ٤٣ / أ.

(٧) الأصل : الفضل ، تصحيف ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٩٧.

٣٣٤

يحيى الفضيلي ، أنا أبو محمّد بن أبي شريح ، نا محمّد بن عقيل بن الأزهر ، نا الحسن (١) بن أبي الربيع الجرجاني ، أنا عبد الرزاق ، أنا جعفر ، عن أبي عمران الجوني عن نوف قال : قال عزير فيما يناجي ربه : يا ربّ تخلق خلقا فتضلّ من تشاء وتهدي من تشاء ، فقيل : أعرض عن هذا ، فعاوده ، فقيل له : أعرض عن هذا ، فعاد ، فقيل له : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، وقال : يا عزير لتعرض عن هذا أو لأمحونّ اسمك من الأنبياء ، إنّي لا أسأل عن شيء وهم يسألون.

أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسنون النّرسي ، أنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا وهب بن بيان (٢) ، نا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن ، وسعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أنّ نملة قرصت نبيا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه أن في قرصة نملة أهلكت أمة من الأمم تسبّح (٣).

رواه النسائي عن وهب.

أنبأنا أبو علي الحداد ، وحدّثني أبو مسعود ، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطّبراني ، نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي (٤) ، نا أبو اليمان ، وهو الحكم بن نافع ، أنا شعيب بن أبي حمزة ، نا أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل نبيّ من الأنبياء تحت شجرة ، فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثمّ أمر بها فأحرقت بالنار ، فأوحى الله إليه فهلّا نملة واحدة» (٥) [٨١٢٣].

أخبرنا أبو محمّد بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أخبرني محمّد بن أحمد بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن (٦) بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا إسحاق بن

__________________

(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٥٦.

(٢) غير واضحة بالأصل وم ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٤٧٤.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : «فاستح».

(٤) الأصل : الحويطي ، والمثبت عن م.

(٥) أخرجه البخاري في صحيحه ٥٩ / ١٦ / ٣٣١٩ فتح الباري ، ومسلم في صحيحه ٣٩ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ١٥٠ ، وأحمد في مسنده ٢ / ٣١٢ ، ٤٤٩ ، وأخرجه من هذا الطريق ابن كثير في البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٥.

(٦) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.

٣٣٥

بشر ، أنبأ ابن جريج ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه أنه قال :

لما انتبه عزير وأحرق قرية النمل ، فأوحى الله إليه : يا عزير أحرقت قرية النمل ، فبلغ من أذاهن إياك أن تحرقهن بالنار وإنما عضتك منها نملة ، فقال : يا ربّ إنّما عضتني تلك الواحدة بقوتهن (١) ، فعلم عزير أن هذا مثل ضربه الله له ، فقال عند ذلك عزير : يا رب أنت لا يدرك أحد كنه علمك وقدرتك ، فقال الله تعالى : يا عزير زعمت أنّي حكم عدل لا أجور بين عبادي ، وكذلك أنا ، وزعمت أنّي أعذب العامة بذنب الخاصة ، والأصاغر بذنب الأكابر ، يا عزير إنّي لا أعذب العامة بذنب الخاصة حتى يعملوا المنكر جهارا ، فلا يأمروا ولا ينهوا ، فأعذب الخاصة بالذنوب والمعاصي ، فأعجلهم إلى النار ، وأعاقب العامة بذنب الخاصة ، حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم يقدرون على ذلك ، فإذا كان يوم القيامة حاسبتهم بأعمالهم ، وكان الذين عجلت لهم العقوبة في الدنيا لما تركوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمّا الأصاغر فأقبضهم (٢) بآجالهم قبضا لطيفا إلى راحتي.

قال عزير : كذلك (٣) أنت إلهي ، فقال له ربه : قم يا عزير ، ارجع إلى قومك ، وانطلق إلى أهل بيتك (٤) ، فقم فيهم ، فقد شفعتك فيهم ، وأنا رادّهم إليها.

فجمعهم الله وخلّصهم من أيدي عدوهم ، فجمعهم في بيت المقدس في حسن حال حتى قبض الله إليه عزير ، فعتوا (٥) بعد ذلك ، وبغا بعضهم على بعض ، فجعلوا يخرجون من ليست له تبعة (٦) من ديارهم ، ويأخذون أموالهم ، فسلط الله عليهم بعد ذلك طططيس بن سبيس الرومي ، فغزا بيت المقدس ، فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٧).

فعادوا إلى البغي ، فأعاد الله عليهم العقوبة ، فغزاهم طططيس فهزمهم الله فقتل مقاتلتهم ، وحمى كنوز بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وحمل الأموال التي كانت فيها ، فهي في بيوت أموالهم بالروم ، ففيهم نزلت : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(٨) يعني أهل الروم ، فليس رومي يدخل بيت المقدس إلّا خائفا ، مستنكرا (٩) يستوحشه إذا نظر إلى بيت المقدس

__________________

(١) تقرأ بالأصل : «بقربهن» واللفظة بدون إعجام وغير واضحة في م ، والمثبت عن المختصر ١٧ / ٤٦.

(٢) الأصل وم : أقبضهم ، والمثبت عن المختصر.

(٣) الأصل : فذلك ، والمثبت عن م والمختصر.

(٤) كذا بالأصل ، وفي م : «وانطلق إلى مرتبتك» وفي المختصر : مدينتك.

(٥) الأصل : فبعثوا ، والمثبت عن م.

(٦) كذا ، وفي م : بيعة ، وفي المختصر : منعة.

(٧) سورة الإسراء ، الآية : ٨.

(٨) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.

(٩) عن م والمختصر ، وبالأصل : «متنكرا».

٣٣٦

ثم يصبح فيدخله (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(١) يعني أن يقتل مقاتلة الروم ، ويسبي ذراريهم حتى يفتحها الله على أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر الزمان ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢) يعني : عذاب النار يوم القيامة.

أخبرنا أبو القاسم محمّد بن الفضل ، أنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن الصابوني ، أنبأ أبو جعفر كامل بن أحمد بن محمّد العزائمي ، أخبرني أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد الأمير ، نا أحمد بن محمّد بن شجاع البغدادي (٣) ، نا بشر بن موسى ، نا محمّد بن منصور المروزي ، نا عبد الله بن الرّمّاح ، نا جعفر العبدي ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال :

جاء عزير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى باب موسى بن عمران بعد ما محي اسمه من ديوان النبوة ، فحجب فرجع وهو يقول : مائة موتة أهون من ذلّ ساعة (٤).

أخبرنا جدي أبو الفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي ، أنا عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن الفضل.

ح وحدّثنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن (٥) أحمد بن صابر ـ لفظا ـ وأبو القاسم نصر بن أحمد ـ قراءة ـ قالا : أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن عبد السلام ـ زاد ابن صابر : وعبد الله بن عبد الرزاق ، قالا : ـ وأنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أحمد العبسي ، نا محمّد بن عبد الله الشيباني بالكوفة ، نا محمّد بن صالح بن الفيض العجلي ، نا سعيد بن سيف التميمي ، نا أسيد بن زيد البارقي ، حدّثني أيمن بن عمرو ـ أخو سليمان بن عمرو النخعي ـ عن عطاء بن السائب ، قال :

وقف عزير على باب موسى فانطوى عليه بالإذن فانصرف ـ أو قال : فرجع ـ وهو يقول : موت مائة مرّة أهون من ذلّ ساعة.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١١٤.

(٣) بدون إعجام بالأصل ورسمها فيه : «؟؟؟؟ العالحى» والمثبت عن م.

(٤) البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٥.

(٥) الأصل : «أو» والمثبت عن م ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ١٠٥ / ب.

٣٣٧

إسحاق بن بشر ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح قال : كان أمر عزير بين عيسى ومحمّد صلّى الله عليهما وسلّم.

قال : وأنا إسحاق ، أنا عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، ومقاتل عن عطاء بن أبي رياح قال : كان في الفترة تسعة أشياء : بخت نصر ، وجنة صنعاء ، وجنة سبأ ، وأصحاب الأخدود ، وأمر حاصوراء ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، ومدينة أنطاكية ، وأمر تبّع (١).

قال : وأنا إسحاق ، وأنبأ سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : كان أمر عزير وبخت نصر في الفترة (٢).

قال : وأنا إسحاق ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ومقاتل ، عن عطاء أن هذه الأشياء كانت في الفترة.

قال : قال : وأنا إسحاق أنا إدريس ، عن وهب بن منبّه أنها كانت بين عيسى وسليمان (٣) ، فالله أعلم أي ذلك كان.

٤٦٩٧ ـ عزير بن الأحنف بن الفضل

 أبو عصمة البخاري البيكندي (٤)(٥)

ويقال : الجرجاني ـ لأنه سكن جرجان فنسب إليها

سمع بدمشق هشام بن عمّار ، ودحيما ، وبالعراق : محمّد بن الصباح الجرجرائي (٦) ، ونصر بن علي الجهضمي ، وبخراسان : قتيبة بن سعيد ، ويحيى بن موسى ختّ ، وإبراهيم بن هارون البلخيين ، وبمصر : أحمد بن صالح.

روى عنه أبو الحسن أحمد بن عبد الله ، وأبو جعفر كميل بن جعفر بن كميل ، ومحمّد بن أحمد بن إسماعيل الصرامي ، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجانيون ، وأبو حرب محمّد بن محمّد بن أحمد بن أبي عيسى الحافظ البلخي.

__________________

(١) البداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ٥٤.

(٢) البداية والنهاية ٢ / ٥٤.

(٣) البداية والنهاية ٢ / ٥٥.

(٤) هذه النسبة إلى بيكند ، من بلاد ما وراء النهر ، على مرحلة من بخاري إذا عبرت النهر ، ضبطت في معجم البلدان : بالكسر وفتح الكاف وسكون النون (انظر الأنساب).

(٥) انظر ترجمته في تاريخ جرجان ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ رقم ٤٨٤ والاكمال لابن ماكولا ٧ / ٦.

(٦) الأصل : الجرجاني ، والتصويب عن م وتاريخ جرجان والاكمال لابن ماكولا. انظر الحاشية السابقة.

٣٣٨

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرني أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ـ إجازة ـ ، ثنا عزير بن الفضل الجرجاني ـ سمعت منه قبل التسعين والمائتين ـ.

قال : نا قتيبة ، نا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يدّخر شيئا لغد [٨١٢٤].

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو القاسم التنوخي ، أنبأ إسحاق بن سعد بن الحسن (١) بن سفيان ، أنبأنا جدي الحسن بن سفيان ، نا قتيبة فذكره.

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح ، أنا الدارقطني (٢) قال : وأما عزير فهو : عزير بن الفضل الجرجاني.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٣) :

وأما عزير ـ بضم العين المهملة ، وفتح الزاي ، وآخره راء ـ فهو عزير بن الأحنف بن الفضل البخاري ، سكن جرجان ، وحدّث عن قتيبة بن سعيد ، ومحمّد بن الصّبّاح الجرجرائي (٤) ، ونصر بن علي الجهضمي ، حدث عنه أبو الحسن أحمد بن عبد الله الجرجاني ، وأبو جعفر كميل بن جعفر بن كميل ، ومحمّد بن أحمد بن إسماعيل الصرامي ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وربما نسب إلى جده ، فقيل : عزير بن الفضل.

وذكره غنجار في تاريخ بخارى فقال : أبو عصمة عزير بن الفضل بن الأحنف البيكندي ، سكن بلخ ، روى عن هشام بن عمّار ، ودحيم ، وأحمد بن صالح ، وقتيبة بن سعيد ، ويحيى بن موسى ختّ ، وروى حديثا (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عمر المقرئ ، عن أبي حرب محمّد بن محمّد بن أحمد بن أبي عيسى الحافظ البلخي ببخارى ، قال : أخبرني عزير بن الفضل بن الأحنف البخاري أبو عصمة ـ وكان مقيما ببلخ ، ومات بها ـ ثنا إبراهيم بن هارون ، نا خالد بن زياد بن جرو ، عن مسعر ، حديثا وقال : توفي أبو عصمة عزير بن الفضل البخاري ببلخ لستّ (٦) بقين من المحرم سنة ثمان وثمانين ومائتين.

__________________

(١) الأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن م.

(٢) في م : «عن أبي الفتح الدارقطني» تصحيف.

(٣) الاكمال لابن ماكولا ٧ / ٦.

(٤) بالأصل : «الجرجرى» والمثبت عن م والاكمال.

(٥) بالأصل : «وروى عثمان بن غنجار عن أحمد ...» وفي م : «وروى عثمان عن أحمد» كلا الجملتين خطأ ، صوبنا الجملة عن الاكمال لابن ماكولا.

(٦) بالأصل : لستة ، والتصويب عن م والاكمال لابن ماكولا.

٣٣٩

[ذكر من اسمه](١) عسكر

٤٦٩٨ ـ عسكر بن الحصين

 أبو تراب النّخشبي (٢)

أحد العباد السائحين.

حدّث عن محمّد بن عبد الله بن نمير.

حكى عنه عبد الله بن أحمد بن (٣) حنبل ، وأبو عبد الله أحمد بن (٤) يحيى بن الجلاء ، والفتح بن شخرف الكشي ، وأبو علي الحسين بن جبران الفقيه ، ويوسف بن الحسين الرازي ، وأحمد بن محمّد بن أبي دارم ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، ومحمّد بن عبد الله بن مصعب.

وقدم دمشق ، وذكر قدومه في ترجمة الفتح بن شخرف.

كتب إليّ أبو علي الحسن بن أحمد ، وحدّثني [عنه](٥) أبو مسعود عبد الرحيم (٦) بن علي بن حمد ، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله (٧) ، نا أحمد بن إسحاق ، نا محمّد بن عبد الله بن مصعب ، نا أبو تراب الزاهد عسكر ، نا محمّد بن نمير ، ثنا محمّد بن ثابت (٨) ،

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة منا.

(٢) ترجمته في حلية الأولياء ١٠ / ٤٥ والأنساب (النخشبي) ، العبر للذهبي ١ / ٤٤٥ تاريخ بغداد ١٢ / ٣١٥ البداية والنهاية : بتحقيقنا ١٠ / ٣٨٢ الطبقات الكبرى للسبكي ٢ / ٣٠٦ سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٤٥ الرسالة القشيرية ص ٤٣٦ (وانظر الفهارس) ، وأخبار أصبهان ٢ / ١٤٦ والنخشبي : هذه النسبة إلى نخشب مدينة من نواحي بلخ ، وتسمى أيضا نسف.

(٣) ما بين الرقمين سقط من م.

(٤) ما بين الرقمين سقط من م.

(٥) زيادة عن م.

(٦) الأصل : «عن عبد الرحمن» والمثبت : عبد الرحيم ، عن م ، والسند معروف.

(٧) الحديث في حلية الأولياء ١٠ / ٥٠ ـ ٥١.

(٨) في الحلية : «ثنا أبو تراب عسكر بن محمّد الزاهد ، ثنا محمّد ثابت».

٣٤٠